تفسير سورة الرحمن

روح البيان
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

تفسير سورة الرحمن
وتسمى عروس القرآن مكية او مدينة وآيها ست او سبع او ثمان وسبعون بسم الله الرحمن الرحيم
الرَّحْمنُ مبتدأ خبره ما بعده اى الذي له الرحمة الكاملة كما جاء في بعض الدعاء رحمان الدنيا ورحيم الآخرة لانه عم الرزق في الدنيا كما قيل
أديم زمين سفره عام اوست برين خوان يغما چهـ دشمن چهـ دوست
وخص المؤمنين بالعفو في الآخرة وبالفارسية خداوند بخشايش بسيار كه رحمت او همه چيز را رسيده والرحمة في الحقيقة العف والحنوا عنى الميل الروحاني ومنه الرحم لانعطافها الحسى على ما فيها وأريد بها بالنسبة الى الله تعالى ارادة الخير او الانعام لان عطف على أحد أصابه بأحدهما قال الامام الغزالي رحمه الله الرحمن هو العطوف على العباد بالإيجاد اولا وبالهداية الى الايمان واسباب السعادة ثانيا والإسعاد بالآخرة ثالثا والانعام بالنظر الى وجه الكريم رابعا انتهى ولما كانت هذه السورة الكاملة شاملة لتعداد النعم الدنيوية والاخروية والجسمانية والروحانية طرزها بطراز اسم الرحمن الذي هو اسم الذات المشتمل على جميع الأسماء والصفات ليسند اليه النعم المختلفة بعده ولما كان القرآن أعظم النعم شأنا لانه مدار جميع السعادات ولذا قال عليه السلام اشراف أمتي حملة القرآن اى ملازموا قراءته واصحاب الليل وقال خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفيه جميع حقائق الكتب السماوية وكان تعليمه من آثار الرحمة الواسعة وأحكامها بدأبه فقال عَلَّمَ محمدا صلّى الله عليه وسلّم الْقُرْآنَ بواسطة جبريل عليه السلام وبواسطة محمد عليه السلام غيره من الامة (قال الكاشفى) يعنى آسان كردانيده مر او را آموختن وديكر انرا آموزانيدن قال ابن عطاء رحمه الله لما قال الله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها أراد ان يخص امة محمد بخاصة مثله فقال الرحمن علم القرآن اى الذي علم آدم الأسماء وفضله بها على الملائكة هو الذي علمكم القرآن وفضلكم به على سائر الأمم فقيل له متى علمهم قال علمهم حقيقة في الأزل واظهر لهم تعليمه وقت الإيجاد وفيه إشارة الى أن تعليم القرآن وان كان في الصورة بواسطة جبريل من الوجه العام لكنه كان بلا واسطة في المعنى من الوجه الخاص على ما سنريد وضوحا في محله ان شاء الله تعالى وقال بعضهم علم القرآن اى أعطى الاستعداد الكامل في الأزل لجميع المستعدين ولذلك قال علم القرآن ولم يقل علم الفرقان كما في قوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان فان الكلام الإلهي قرآن باعتبار الجمع والبداية وفرقان باعتبار الفرق والنهاية فهو بهذا المعنى لا يتوقف على خلق الإنسان وظهوره في هذا العالم وانما الموقوف عليه تعليم البيان ولذا قدم تعليم القرآن على خلق الإنسان وخلقه على تعليم البيان انتهى وفي الآية اشارة الى أن التعليم والتسهيل انما هو من الله تعالى لا من المعلمين والحافظين وقد علم آدم الأسماء ووفقه لتعلمها وسهله باذنه وعلم داود صنعة الدرع كما قال وعلمناه صنعة لبوس لكم وعلم عيسى علم الطب كما قال ويعلمه الكتاب والحكمة وعلم الخضر العلم اللدني كما قال وعلمناه من لدنا علما
وكلاهما من قبيل النبات الذي هو اصل الرزق من الحبوب والثمار والحشيش للدواب واخلاء الجمل الاولى عن العطف لو رودها على منهاج التعديد تنبيها على تقاعده في الشكر كما في قولك زيد أغناك بعد فقر أعزك بعد ذل كثرك بعد قلة فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد واما عطف جملة والنجم على ما قبلها فلتناسبها من حيث التقابل لما ان الشمس والقمر علويان والنجم والشجر سفليان ومن حيث ان كلا من حال علويين وحال السفليين من باب الانقياد لامر الله تعالى ولما كانت هذه الاربعة مغايرة لجنس الإنسان في ذاته وصفاته غير النظم بايرادها فى صورة الاسمية تحقيقا للتغاير بينهما وضعا وطبعا صورة ومعنى وفيه اشارة الى سجود نجم العقل الذي به يهتدى الى معرفة الأشياء واستهلاكه وتلاشية عند النظر الى الحقائق الالهية والمعارف الربانية لعدم قوة إدراكه إياها مستعدا بنفسه غير مستفيض من الفيض الإلهي بطريق الكشف والشهود والى سجود شجر الفكر المتشجر بالقوى الطبيعية والقوى الوهمية والخيالية وانحصاره في القوة المزاجية العنصرية وعدم تمكنه من ادراك الحقائق على ما هى عليه كما قيل العقل والفكر جالا حول سرادق الكون فاذا نظرا الى المكون ذابا وكيف لا وهما مخلوقان محصوران تحت حصر الخلقية والحدوث وانى للخلق المحدث معرفة الخالق القديم وما قدروا الله حق قدره وَالسَّماءَ رَفَعَها انتصابه بمحذوف يفسره المذكور اى خلقها مرفوعة محلا كما هو محسوس مشاهد وكذا رتبة حيث جعلها منشأ أحكامه وقضاياه وتنزل أوامره ومحل ملائكته وقال بعضهم رفعها من السفل الى العلو سقفا لمصالح العباد وجعل ما بينهما مسيرة خمسمائة عام وذلك لان السماء دخان فاربه موج الماء الذي كان في الأرض وَوَضَعَ الْمِيزانَ اى شرع العدل وامر به بأن وفر كل مستحق لما استحقه ووفى كل ذى حق حقه حتى انتظم به امر العالم واستقام كما قال عليه السلام بالعدل قامت السموات والأرض قيل فعلى هذا الميزان هو القرآن وقيل هو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان وميكال ونحوهما فالمعنى خلق كل ما توزن به الأشياء ويعرف مقاديرها موضوعا مخفوضا على الأرض حيث علق به احكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم واعطائهم قال سعدى المفتى وأنت خبير بأن قوله أن لا تطغوا فى الميزان واقيموا الوزن أشد ملاءمة لهذا المعنى ولهذا اقتصر عليه الزمخشري (قال الكاشفى) ووضع الميزان وبيافريد يا منزل كردانيد ترازو را يا الهام داد خلق را بكيفيت إيجاد آن ليتوصل به الا الانصاف والانتصاف وكان ذلك في زمان نوح عليه السلام إذ لم يكن قبله كيل ووزن وذراع قال قتادة في هذه الآية اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك وأوف كما تحب أن يوفى لك فأن العدل صلاح الناس أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ان ناصبة ولا نافية ولام العلة مقدرة متعلقة بوضع الميزان اى وضعه لئلا تطغوا فيه ولا تعتدوا ولا تتجاوزوا الانصاف وبالفارسية از حد نكذريد در ترازو بوقت داد وستد يعنى از عدل تجاوز نكنيد وبراستى معامله نمايد قال ابن الشيخ الطغيان مجاوزة الحد فمن قال الميزان العدل قال طغيانه الجور ومن قال انه الميزان الذي هو آلة التسوية قال طغيانه البخس اى
وقال قتادة كل ذى روح لانه ينام وقيل من ونم الذباب همس وفيه اشارت الى بسط ارض البشرية لتنتعش كل قبيلة بما يلائم طبعها اما انتعاش اهل النفوس البشرية فبأستيفاء الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية واما انتعاش اصحاب القلوب المعنوية فبالوا إرادات القلبية والإلهامات الغيبية واما انتعاش ارباب الأرواح العلوية فبالتجليات الروحانية والمحاضرات الربانية واما انتعاش صناديد الاسرار اللاهوتية القدسية فبالتجليات الذاتية الاحدية المفنية لكل ما سواه فِيها فاكِهَةٌ ضروب كثيرة مما يتفكه به ويتلذذ ففاكهة تشعر باختلاف الأنواع وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وهى اوعية الثمر وغلفها قبل التفتق يعنى خوشهاى آن در غلاف جمع كم بالكسر وهو الغلاف الذي يكون فيه الثمر أول ظهوره تا مادامكه مغشق نشده در غلاف باشد ومعنى النخل بالفارسية يعنى درخت خرما او هو اى الكم كل ما يكم بضم الكاف من باب نصر اى يغطى من ليف وسعف وكفرى فانه مما ينتفع به كما ينتفع من المكموم من ثمره وجماره وجذوعه فالليف يغطى الجذع والسعف الجمار وهو كرمان شحم النخل بالفارسية دل درخت خرما والكفرى الثمر وَالْحَبُّ ودر زمين دانه است وهو كل ما يتغذى به ويقتات كالحنطة والشعير وغيرهما ذُو الْعَصْفِ هو ورق الزرع او ورق النبات اليابس كالتبن (قال الكاشفى) وعصف كياهيست كه ازو دانه جدا ميشود وفي المفردات العصف والعصيفة الذي يعصف من الزرع قال في تاج المصادر العصف برك كشت ببريدن وَالرَّيْحانُ قال في المفردات الريحان ماله رائحة وقيل الرزق ثم يقال للحب المأكول ريحان كما في قوله والحب ذو العصف وقيل الاعرابى الى اين قال اطلب ريحان الله اى رزقه والأصل ما ذكرنا انتهى قال ابن عباس ومجاهد والضحاك هو الرزق بلغة حمير فالمراد بالريحان هنا اما الرزق او المشموم كما قال الحسن الريحان هو ريحانكم هذا الذي يشم وهو كل ما طابت رائحته من النبات او الشاهسفرم وعند الفقهاء الريحان مالساقه رائحة طيبة كما لورقه كالآس والورد مالورقه رائحة طيبة فقط كالياسمين كذا في المغرب قال ابن الشيخ كل بقلة طيبة الرائحة سميت ريحانا لان الإنسان يراح لها رائحة طيبة اى يشم يقال راح الشيء يراحه ويرحه وأراح الشيء يريحه إذا وجد ريحه وفي الحديث (من قتل نفسا معاهدة لم يرح رائحة الجنة) ويروى لم يرح من راحه يريحه والريحان في الأصل ريوحان كفعيلان من روح فقلبت الواو ياء وادغم ثم خفف بحذف عين الكلمة كما في ميت او كفو علان قلبت واوه ياء للتخفيف او للفرق بينه وبين الروحان وهو ماله روح فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الحطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى للانام لعمومه لهما واشتماله عليهما وسينطق به قوله تعالى ايها الثقلان وكذا في ذكر أبوي الفريقين بقوله خلق الإنسان وخلق الجان اشعار بأن الخطاب لهما جميعا والآلاء النعم واحدها الى والى والو والى والى كما في القاموس قال في بحر العلوم الآلاء النعم الظاهرة والباطنة الواصلة الى الفريقين وبهذا يظهر فساد ما قيل من ان الآلاء هى النعم الظاهرة فحسب والنعماء هى النعم الباطنة والصواب انهما من الألفاظ المترادفة كالأسود
أن تجعل مغرب الصيف على يمينك ومشرق الشتاء على يسارك فتكون مستقبل القبلة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما في ذلك من فوائد لا تحصى من اعتدال الهولء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل في وقته الى غير ذلك مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ اى أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها وخليتها للرعى والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب وبالفارسية راه داد دو دريا را كه يكى خوش وشيرين ويكى تلخ وشور يَلْتَقِيانِ حال من البحرين قريبة من الحال المقدرة اى يتجاوران ويتماس سطوحهما لا فصل في مرأى العين وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقة فتجرى في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها وقيل أرسل بحر فارس والروم يلتقيان في المحيط لانهما خليجان يتشعبان منه قال سعدى المفتى وعلى هذا فقوله يلتقيان اما حال مقدرة ان كان المراد إرسالهما الى المحيط او المعنى اتحاد أصليهما ان كان المراد إرسالهما منه فلكل وجه بَيْنَهُما بَرْزَخٌ اى حاجز من قدرة الله او من الأرض والبرزخ الحائل بين الشيئين ومنه سمى القبر برزخا لانه بين الدنيا والآخرة وقيل للوسوسة برزخ الايمان لانها طائفة بين الشك واليقين لا يَبْغِيانِ اى لا يبغى أحدهما على الآخر بالممازجة وابطال الخاصية مع أن شأنهما الاختلاط على الفور بل يبقيان على حالهما زمانا يسيرا مع ان شأنهما الاختلاط وانفعال كل واحد منهما عن الآخر على الفور او لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما من الأرض لتكون الأرض بارزة يتخذها أهلها مسكنا ومهادا فقوله لا يبغيان اما من الابتغاء وهو الطلب اى لا يطلبان غير ما قدر لهما او من البغي وهو مجاوزة كل واحد منهما ما حد له فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وليس من البحرين شيء يقبل التكذيب لما فيه من الفوائد والعبر يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ اللؤلؤ الدر والمرجان الخرز الأحمر المشهور يقال يلقيه الجن في البحر وقال فى خريدة العجائب اللؤلؤ يتكون في بحر الهند وفارس والمرجان ينبت في البحر كالشجر وإذا كلس المرجان عقد الزئبق فمنه ابيض ومنه احمر ومنه اسود وهو يقوى البصر كحلا وينشف رطوبة العين انتهى وقيل اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره واعلم انه ان أريد بالبحرين هنا بحر فارس وبحر الروم فلا حاجة في قوله منهما الى التأويل إذا للؤلؤ والمرجان بمعنييه يخرجان منهما لان كلا منهما ملح ولا عذب في البحار السبعة الأعلى قول من قال فى الآية يخرج من مالح بحرى فارس والروم ومن عذب بحر الصين وفي بحر العلوم ان اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان من بحر الروم يعنى لا من كليهما وان أريد بهما البحر الملح والبحر العذب فنسبة خروجهما حينئذ الى البحرين مع انهما انما يخرجان من البحر الملح او مع انهما لا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى وانما تلده الأنثى وهو الأظهر أو لأنهما لا يخرجان الا من ملتقى الملح والعذب وهذا يحتمل معنيين أحدهما ان الملتقى اسم مكان والخروج بمعنى الانتقال من الباطن الى الظاهر فانه قال الجمهور يخرج من الأجاج من المواضع التي يقع فيها الأنهار والمياه العذبة فناسب اسناد ذلك إليهما وهذا مشهور عند الغواصين والثاني انه مصدر ميمى
نزلت كل نفس ذائقة الموت أيقنوا بهلاك أنفسهم فان لهم أجساما لطيفة وأرواحا متعلقة بتلك الأجسام كأرواح الإنسان واما الأرواح المجردة المهيمة العالية فلا تفنى وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ اى ذاته ومنه كرم الله وجهه اى ذاته فالوجه العضو المعروف استعير للذات لانه اشرف الأعضاء ومجمع المشاعر وموضع السجود ومظهر آثار الخشوع قال القاضي ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها الا وجه الله الذي يلى جهته انتهى قال سعدى المفتى في حاشية هذا المحل هذا اشارة الى وجه آخر وهو أن يكون الوجه بمعنى القصد اى ما يقصد وينوى به الله والجهات بمعنى المقاصد وفي العبارة نوع تسامح وقوله يلى جهته اى مقصده والاضافة للبيان اى يتوجه اليه انتهى وقال ابن الشيخ اشارة الى ان الوجه يجوز أن يكون كناية عن الجهة بناء على ان كل جهة لا تخلو عن وجهه يتوجه إليها كما ذكر في قوله في جنب الله اى كل من عليها من الثقلين واما اكتسبوه من الأعمال هالك الا ما توجهوا به جهة الله وعملوه ابتغاء لمرضاته انتهى وقال الشيخ ابن نور الدين رحمه الله الماهيات تنقسم الى ثلاثة اقسام واجب الوجود وممتنع الوجود وممكن الوجود اما الواجب فهو وجود بحت واما الممتنع فهو عدم محض واما الممكن فهو مركب منهما وذلك لان له وجودا وماهية عارضة على وجوده فماهيته امر اعتباري معدوم في الخارج لا يقبل الوجود فيه من حيث هو هو ووجوده موجود لا يقبل العدم من حيث هو هو فكان الممكن موجودا ومخلوقا من وجود وعدم وهذه الجمعية تقبل الوجود والعدم ومن هذا ظهر حقيقة ما قال البيضاوي ولو استقريت إلخ وما قاله الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فى تفسير قوله تعالى كل شيء هالك الا وجهه حيث قال الضمير راجع الى الشيء انتهى ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ صفة وجه اى ذو الاستغناء المطلق او العظمة في ذاته وصفاته وذو الفضل التام وهذه من عظائم صفاته تعالى ولقد قال عليه السلام ألظوا بيا ذا الجلال ولاكرام يعنى ملازم بگوييد يا ذا الجلال والإكرام وفي تاج المصادر الالظاظ ملازم كرفتن ودائم شدن باران والإلحاح ايضا وفي القاموس اللظ اللزوم والإلحاح وعنه عليه السلام انه مر برجل وهو يصلى ويقول يا ذا الجلال والإكرام فقال استجيب لك الدعاء فالدعاء بهاتين الكلمتين مرجو الاجابة وفي وصفه تعالى بذلك بعد ذكر فناء الخلق وبقائه تعالى إيذان بأنه تعالى يفيض عليهم بعد فنائهم ايضا آثار لطفه وكرمه حسبما ينبئ عنه قوله تعالى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فان احياءهم بالحياة الابدية واثابتهم بالنعيم المقيم أجل النعماء وأعظم الآلاء قال الطيبي كيف أفرد الضمير في قوله وجه ربك وثناه في ربكما والمخاطب واحد قلت اقتضى الاول تعميم الخطاب لكل من يصلح للخطاب لعظم الأمر وفخامته فيندرج فيه الثقلان اندراجا أوليا ولا كذلك الثاني فتركه على ظاهره وفي قوله كل من عليها فان اشارة الى فناء كل من على ارض البشرية اما بالموت الطبيعي منغمسا فى بحر الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية واما بالموت الإرادي منسلخا عن الصفات البشرية ملتبسا بالصفات الروحانية وتغليب من اشارة الى ذوى العقول السليمة عن آفات
الثقل والخفة متقابلان وكل ما يترجح على ما يوزن به او يقدر به يقال هو ثقيل وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني أثقله الغرم والوزر انتهى والمراد هنا الانس والجن سميا بذلك لانهما ثقلا الأرض يعنى انهما شبها بثقلى الدابة وفي حواشى ابن الشيخ شبه الأرض بالحمولة التي تحمل الأثقال والانس والحن جعلا أثقالا محمولة عليها وجعل ما سواهما كالعلاوة او لرزانة آراهما او لانهما مثقلان بالتكليف او لعظم قدرهما في الأرض كما في الحديث (انى خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى) وقال الصادق رضى الله عنه سيما ثقلين لانهما يثقلان بالذنوب او لما فيهما من الثقل وهو عين تأخرهما بالوجود لان من عادة الثقيل الإبطاء كما ان من عادة الخفيف الاسراع والانس أثقل من الجن للركن الأغلب عليهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما التي من جملتها التنبيه على ما سيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدى الى سوء الحساب تُكَذِّبانِ بأقوالكما واعمالكما قال في كشف الاسرار اعلم ان بعض هذه السورة ذكر فيه الشدائد والعذاب والنار والنعمة فيها من وجهين أحدهما في صرفها عن المؤمنين الى الكفار وتلك النعمة عظيمة تقتضى شكرا عظيما والثاني ان في التخويف منها والتنبيه عليها نعمة عظيمة لان اجتهاد الإنسان رهبة مما يؤلمه اكثر من اجتهاده رغبة فيما ينعمه يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ هما الثقلان خوطبا باسم جنسهما لزيادة التقرير ولان الجن مشهورون بالقدرة على الا فاعيل الشاقة فخوطبوا بما ينبئ عن ذلك لبيان أن قدرتهم لا تفى بما كلفوه والمعشر الجماعة العظيمة سميت به لبلوغه غاية الكثرة فان العشر هو العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده إلا بتركيبه بما فيه من الآحاد تقول أحد عشر واثنا عشر وعشرون وثلاثون اى اثنتا عشرات وثلاث عشرات فاذا قيل معشر فكأنه قيل محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة وقدم الجن على الانس في هذه الآية لتقدم خلقه والانس على الجن فى قوله تعالى قل لئن اجتمعت الانس والجن لفضله فان التقديم يقتضى الافضلية قال ابن الشيخ لما بين الله تعالى انه سيجيئ وقت يتجرد فيه لمحاسبتهم ومجازاتهم وهددهم بما يدل على شدة اهتمامه بها كان مظنة ان يقال فلم ذلك مع ماله من كمال الاهتمام به فأشار الى جوابه بما محصوله انهم جميعا في قبضة قدرته وتصرفه لا يفوثه منهم أحد فلم يتحقق باعث يبعثه على الاستعجال لان ما يبعث المستعجل انما هو خوف الفوت وحيث لم يخف ذلك قسم الدهر كله الى قسمين أحدهما مدة ايام الدنيا والآخر يوم القيامة وجعل المدة الاولى ايام التكليف والابتلاء والمدة الثانية للحساب والجزاء وجعل كل واحدة من الدارين محل الرزايا والمصائب ومنبع البلايا والنوائب ولم يجعل لواحد من الثقلين سبيلا للفرار منهما والهرب مما قضاه فيهما فقوله يا معشر الجن متعلق بقوله سنفرغ لكم فكانا بمنزلة كلام واحد إِنِ اسْتَطَعْتُمْ لم يقل ان استطعتما لان كل واحد منهما فريق كقولهم فاذاهم فريقان يختصمون اى كل فريق منهم يختصم فجمع الضمير هنا نظرا الى معنى الثقلين وثناه فى قوله يرسل عليكما كما سيأتى نظرا الى اللفظ اى ان قدرتم على أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال في القاموس النفاذ جواز الشيء عن الشيء والخلوص منه كالنقوذ
لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ لانهم يعرفون بسيماهم فلا يحتاج في تمييز المذنب عن غيره الى ان يسأل عن ذنبه ان أراد أحد أن يطلع على أحوال أهل المحشر وذلك أول ما يخرجون من القبور ويحشرون الى الموقف فوجا فوجا على اختلاف مراتبهم واما قوله فوربك لنسألنهم أجمعين ونحوه ففى موقف المناقشة والحساب وعن ابن عباس رضى الله عنهما لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا فانه أعلم بذلك منهم ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا وعنه ايضا ويسألون سؤال شفاء وراحة وانما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ وضمير ذنبه للانس لتقدمه رتبة وافراده لما أن المراد فرد من الانس كأنه قيل لا يسأل عن ذنبه انسى ولا جنى وأراد بالجان الجن كما يقال تميم ويراد ولده فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مع كثرة منافعها فان الاخبار بما ذكر مما يزجركم عن الشر المؤدى اليه وفيه اشارة الى شعاشع أنوار الطاعة والعبادة على صفحات وجنات انس الروح والى تراكم ظلمات المعصية والمتمرد وسلاسل الطغيان وأغلال العصيان على صفحات وجوه جن النفس المظلمة وأعناقهم المتمردة الآبية عن الطاعة والانقياد فبأى آلاء ربكما تكذبان بما أنعم الله على عباده المنقادين فى هذا اليوم ومما انتقم من عباده المتمردين في ذلك اليوم فان الانتقام من الأعداء نعمة على الأحباب ولذا ورد الحمد عقيبه كما قال تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين وكمال الانتقام بافناء أوصاف النفس الامارة بالكلية يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ السيما والسيماء بالكسر والقصر والمد العلامة والجملة استئناف يجرى مجرى التعليل لعدم السؤال قيل يعرفون بسواد الوجوه وزرقة العيون وقيل بما يعلوهم من الكآبة والحزن كما يعرف الصالحون باضداد ذلك فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ النواصي جمع ناصية وهى مقدم الرأس والمراد هنا شعرها والجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل يقال أخذه إذا كان المأخوذ مقصودا بالأخذ ومنه قوله تعالى خذوا حذركم ونحوه وأخذ به إذا كان المأخوذ شيأ من ملابسات المقصود بالأخذ ومنه قوله تعالى لا تأخذ بلحيتي ولا برأسى وقول المستغيث خذ بيدي أخذ الله بيدك والمعنى تأخذ الملائكة بنواصيهم اى بشعور مقدم رؤسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار أو تسحبهم الملائكة الى النار تارة تأخذ بالنواصي وتجرهم على وجوههم او يجمع بين نواصيهم وأقدامهم في سلسلة من ورلء ظهورهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من المواعظ والزواجر هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ على ارادة القول اى يقال لهم ذلك بطريق التوبيخ يَطُوفُونَ بَيْنَها اى يدرون بين النار يحرقون بها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ اى ماء بالغ من الحرارة أقصاها يصب عليهم او يسقون منه اى يطوفون من النار الى الحميم ومن الحميم الى النار دهشا وعطشا ابدا من أنى يأنى فهو آن مثل قضى يقضى فهو قاض إذا انتهى في الحر والفيح قال ابو الليث يسلط عليهم الجوع فيؤتى بهم الى الزقوم الذي طلعها كرؤس الشياطين فأكلوا منها فأخذت في حلوقهم فاستغاثوا بالماء فأوتوا به من الحميم فاذا قربوه الى وجوههم تناثر لحم وجوههم ويشربون فتغلى أجوافهم ويخرج جميع ما فيها ثم يلقى عليهم الجوع فمرة يذهب بهم الى الحميم ومرة الى الزقوم وقال كعب الأحبار ان واديا من اودية
جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الاغلال فيغمسون فيه حتى تنخلع او صالهم ثم يخرجون منه وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقد أشير الى سركون بيان أمثال هذه الأمور من قبيل الآلاء مرارا فالآلاء في أمثالها حكاياتها فقط للانزجار مما يؤدى الابتلاء بها من الكفر والمعاصي بخلاف ما فصل في أول السورة الى قوله كل يوم إلخ فانها نعم واصلة إليهم في الدنيا وكذلك حكاياتها من حيث إيجابها للشكر والمثابرة على ما يؤدى الى استدامتها وفي الآية اشارة الى الكاسبين بقدم مخالفة الشرع وموافقة الطبع الصفات الذميمة واخلاق الرذيلة وهم يطوفون بين نار المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية وبين حميم الجهل فانه لا يقطع العطش ولا يروى الظمآن وانما ينفع للانسان في الدنيا والآخرة العلم القطعي والكشف الصحيح ألا ترى الى علوم أهل الجدل فانها في حكم الجهل لان أهلها منغمسون في الشهوات واللذات مستغرقون في الأوهام والخيالات ولما نبه الله الامام الغزالي رحمه الله وأيقظه ونظر فاذا علومه التي صرف شطرا من عمره فى تعلمها وتعليمها لا تنقذه في الآخرة رجع الى كتب الصوفية فتيقن انه ليس أنفع من علومهم لكون معاملاتها ذات الله وصفاته وأفعاله وحقائق القرآن وأسراره فترك التدريس ببغداد وخرج الى طلب أهل تلك العلوم حتى يكون منها على ذوق بسبب صحبتهم فوفقه الله فكان من امره ما كان وقد قال ابو يزيد البسطامي قدس سره أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت وقال الامام فخر الدين للشيخ نجم الدين قدس سره بم عرفت ربك قال بواردات ترد على القلوب فتعجز النفوس في تكذيبها فالنفس كجهنهم فيها نار الشهوات وحميم الجهالات فمن زكاها في الدنيا عن أوصافها نجا يوم القيامة من الاحتراق والافتراق نعوذ بالله من سوء الحال وسيئات الأعمال وقبائح الأحوال
نمى تازد اين نفس سركش چنان كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه با نفس وشيطان برآيد بزور مصاف پلنگان نيايد زمور
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وبراى كسى كه بترسد از ايستادن پيش خداى تعالى وهو شروع فى تعداد النعم الفائضة عليهم في الآخرة بعد تعداد ما وصل إليهم في الدنيا من الآلاء الدينية والدنيوية والمقام اسم مكان ومقامه تعالى موقفه الذين يقف فيه العباد للحساب كما قال يوم يقوم الناس لرب العالمين فالاضافة للاختصاص الملكي إذ لا ملك يومئذ الا لله تعالى قال في عين المعاني نزلت في أبى بكر رضى الله عنه حين شرب لبنا على ظمأ فأعجبه ثم أخبر أنه من غير حل فاستقاء فقال صلّى الله عليه وسلّم لما سمعه رحمك الله لقد أنزلت فيك آية ودخل فيه من يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله جَنَّتانِ جنة للخائف الانسى وجنة للخائف الجنى على طريق التوزيع فان الخطاب للفريقين والمعنى لكل خائفين منكما او لكل واحد جنة لعقيدته واخرى لعمله او جنة لفعل الطاعات واخرى لترك المعاصي او جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه او روحانية وجسمانية وكذا ما جاء مثنى بعد وقال في الموضح دو باغ دهد ايشانرا در بهشت كه يكى از ايشان صد ساله راه طول وعرض داشته باشد
حلوة ولا مرة الا وهى في الجنة حتى الحنظل الا انه حلو وذلك لان ما في الجنة خلق من حلاوة الطاعات فلا يوجد فيها المر المخلوق من مرارة السيئات كزقوم جهنم ونحوه ولكون الجنة دار الجمال لا يوجد فيها اللون الأسود ايضا لانه من آثار الجلال والجملة صفة اخرى لجنتان فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ اى من هذه النعم اللذيذة مُتَّكِئِينَ حال من الخائفين لان من خاف في معنى الجمع والمعنى يحصل لهم جنتان متكئين اى جالسين جلسة الملوك جلوس راحة ودعة معتمدين عَلى فُرُشٍ جمع فراش بالكسر وهو ما يفرش ويبسط ويستمهد للجلوس والنوم بَطائِنُها جمع بطانة وهى بالكسر من الثوب خلاف ظهارته بالفارسية آستر مِنْ إِسْتَبْرَقٍ قرأ ورش عن نافع ورويس عن يعقوب من إستبرق بحذف الالف وكسر النون لالقاء حركة الهمزة عليها والباقون بإسكان النون وكسر الالف وقطعها والإستبرق ما غلظ من الديباج قيل هو استفعل من البريق وهو الاضاءة وقيل من البرقة وهو اجتماع ألوان وجعل اسما فاعرب إعرابه وقد سبق شرحه في الدخان والمعنى من ديباج ثخين وحيث كانت بطائنها كذلك فما ظنك بظهائرها يعنى ان الظهارة كانت أشرف وأعلى كما قال عليه السلام لمناديل سعد بن معاذ في الجنة احسن من هذه الحلة فذكر المنديل دون غيره تنبيها بالأدنى على الأعلى وقيل ظهائرها من سندس او من نور او هو مما قال الله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ جنى اسم بمعنى المجنى كالقبض بمعنى المقبوض لقول على رضى الله عنه
هذا جناى وخياره فيه وكل جان يده الى فيه
ودان من الدنو وهو القرب أصله دانو مثل غاز واى ما يجتنى من أشجارها من الثمار قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع وبالفارسية وميوه درختان آن دو بهشت نزديكست كه دست قائم وقاعد ومضطجع بدان رسد وقال ابن عباس رضى الله عنهما تدنو الشجرة حتى يجتبيها ولى الله ان شاء قائما وان شاء قاعدا وان شاء مضطجعا وقال قتادة لا يرد بده بعد ولا شؤك وكفته اند كسانى كه تكيه دارند وميوه آرزو كنند شاخ درخت سر فرو دارد وآن ميوه كه خواهد بدهان وى درآيد يقول الفقيران البعد انما نشأ من كثافة الجسم ولا كثافة فى الجنة وأهلها أجسام لطيفة نورانية في صور الأرواح وقد قال من قال (مصرع) بعد منزل نبود در سفر روحانى وايضا ان الطاعات في الدنيا كانت في مشيئة المطيع فثمراتها ايضا في الجنة تكون كذلك فيتناولها بلا مشقة بل لا تناول أصلا فان سهولة التناول تصوير لسهولة الاكل فتلك الثمار تقع في الفم بلا أخذ على ما قال البعض فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من هذه الآلاء اللذيذة الباقية فِيهِنَّ اى في الجنان المدلول عليها بقوله جنتان لما عرفت انهما لكل خائفين من الثقلين او لكل خائف حسب تعدد عمله وقد اعتبر الجمعية في قوله متكئين قاصِراتُ الطَّرْفِ من اضافة اسم الفاعل الى منصوبه تخففا ومتعلق القصر وهو على أزواجهن محذوف للعلم به والمعنى نساء يقصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن الى غيرهم وتقول كل منهن لزوجها وعزة ربى ما أرى في الجنة شيأ أحسن منك فالحمد لله
كل آن وحين فان الله لا يضيع اجر المحسنين (حكى) ان ذا النون المصري قدس سره رأى عجوزا كافرة تنفق الحبوب للطيور وقت الشتاء فقال انه لا يقبل من الجنبي فقالت افعل قبل او لم يقبل ثم انه رأها في حرم الكعبة فقالت يا ذالنون احسن الى نعمة الإسلام بقبضة من الحبة (وروى) ان مخلوقا مهيبا اعترض في طريق الحج فمنع القافلة عن المرور فقال بعضهم لعله عطشان فأخذ بيد سيفا وبيد قربة ماء حتى دنا اليه فصب في فمه قربة الماء حتى ارتوى وغاب ثم انه نام في الرجوع من الحج فلما استيقظ رأى القافلة قد ذهبت فبقى وحيدا في البرية وفي تلك الحيرة جاءه رجل معه راحلة وأمره بالقيام فركبها حتى لحق الحجاج فأقسم عليه من هو فقال أنا الذي رفعت عطشى بقربة الماء (وروى) ان امرأة أعطت لقمة للسائل فاخذ ذئب ولدها في الصحراء فظهر شخص فأخرجه من فم الذهب وأعطاها إياه وقال هذه اللقمة بتلك اللقمة قال الحسن الإحسان أن يعم ولا يخص فيكون كالمطر والريح والشمس والقمر قال بعض اهل التحقيق الجنة جزاء الأعمال واما جزاء التوحيد فرؤية الملك المتعال فذكر الله تعالى احسن صنوف الإحسان (يروى) ان العبد إذا قال لا اله الا الله أتت اى هذه الكلمة الى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلا محتها حتى تجد حسنة مثلها فتجلس الى جنبها وعن أبى ذر رضى الله عنه قال يا رسول الله دلنى على عمل يدخلنى الجنة ويباعدنى عن النار فقال عليه السلام إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فانها بعشر أمثالها فقال يا رسول الله لا اله الا الله من الحسنات فقال عليه السلام هى احسن الحسنات ويكفى فى شرف التوحيدان الايمان الذي هو اصل الطاعات وتنوير القلب الذي هو محل نظرا الحق وتصفية الباطن من اكدار السوي انما يحصل به فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من نعمه الواصلة في الدنيا والآخرة وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ مبتدأ وخبراى ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لم دونهم من أصحابه اليمين فالخائفون قسمان المقربون واصحاب اليمين وهم دون المقربين بحسب الفضائل العلمية والعملية فدون بمعنى الأدنى مرتبة ومنزلة لا بمعنى غير فالجنتان الاوليان أفضل من الأخريين كفضل المقربين على الأبرار وقيل ليس دون من الدناءة بل من الدنو وهو القرب اى ومن دون هاتين الجنتين الى العرش اى اقرب اليه وارفع منهما وحمله بعض المفسرين على ومعنى الغير (كما قال الكاشفى) وبجز اين بوستان كه مذكور شد دو بوستان ديكرست وكفته اندد وبوستان أول از زرست براى سابقان واين دو بوستان از نقره براى اصحاب يمين وأطلقهما صاحب كشف الاسرار حيث قال من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ولكل رجل وامرأة من اهل الجنة جنتان إحداهما جزاء عمله والاخرى ورثوها عن الكفار وقيل لكل واحد منهم اربع جنان في الجهات الأربع ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة الى جنة ويكون أمتع لانه ابعد من الملل فيما طبع عليه البشر وجملة معانى من دونهما فوقهما او من دون صفتيهما او من دونهما في الدرج او امامهما او قبلهما (وفلاة من دونها سفرطا ل وميل يفضى الى أميال) ويؤيد معنى الأدنى مرتبة قول الشيخ
ودواء يعنى بحسب حال الدنيا وإلا فالكل في الجنة للتفكه ومن هذا قال ابو حنيفة رحمه الله من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رمانا او رطبا لم يحنث خلافا لصاحبيه يعنى ان أبا حنيفة لا يجعلهما من الفاكهة بخلاف صاحبيه وغيرهما فلا يحنث من حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل تمرا او رمانا عنده وكذا الحكم عنده في العنب من جعلهما من الفاكهة حملهما على التحصيص بذكرهما بيانا لفضلهما كما مر آنفا وقد سبق بيان النخل مفصلا قال ابن عباس رضى الله عنهما نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر وكربها ذهب احمر وسعفها كسوة لاهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وتمرها أمثال القلال او الدلاء أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم كلما نزعت ثمرة عادت مكانها اخرى وأنهارها تجرى في غير حدود والرمان من الأشجار التي لا تقوى الا بالبلاد الحارة (روى) عن ابن عباس رضى الله عنهما ما لقحت رمانة قبل إلا بحبة من الجنة وقال الامام على رضى الله عنه إذا أكلتم الرمان فكلوه ببعض شحمه فانه دباغ للمعدة وما من حبة منه تقيم في جوف مؤمن الا أنارت قلبه وأخرجت شيطان الوسوسة منه أربعين يوما وفي الحديث (من أكل رمانا أنار الله قلبه أربعين يوما) ولا يخفى ما فى جمع الرمان مع أنار من اللطافة وأجوده الكبار الحلو المليس وهو حار رطب يلين الصدر والحلق ويجلوا لمعدة وينفع من الخفقان ويزيد في الباءة وقشره تهرب منه الهوام وفي التأويلات النجمية يشير الى ضعف استعداد اصحاب اليمين بالنسبة الى المقربين لان الرمان للدواء لا للتفكه وتهيئة الدواء في البيت تدل على ضعف مزاج ساكن البيت فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ حيث هيأ لكم ما به تتلذذون من الفواكه فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ صفة اخرى لجنتان كالجملة التي قبلها والكلام في جمع الضمير كالذى مر فيما مر وخيرات مخففة من خيرات جمع خيرة لان خير الذي بمعنى أخير لا يجمع فلا يقال فيه خيرون ولا خيرات ومعناها بالفارسية زنان برگزيده وقيل في تفسير الخيرات اى لسن بدمرات ولا بخرات الدمر النتن والبخر بالتحريك النتن في الفم والإبط وغيرهما ولا متطلعات التطلع چشم داشتن وقولهم عافى الله من لم يتطلع في فمك اى لم يتعقب كلامك (ولا متشوفات) التصوف خويشتن آراستن و چشم داشتن ويعدى بالى وفي القاموس شفته شوفا جلوته وشيفت الجارية تشاف زينت وتشوف تزين والى الخير تطلع ومن السطح تطاول ونظر وأشرف (رلاذربات) يقال ذرب كفرح ذربا وذرابة فهو ذرب حد والذربة بالكسر السليطة اللسان (ولا سليطات) السلط والسليط الشديد والطويل اللسان (ولا طنماحات) يقال طمح بصره اليه كمنع ارتفع والمرأة طمحت فهى طامح وككتاب النشوز (ولا طوافات في الطرق) اى دوارت (حسان) جمع حسنة وحسناء اى حسان الخلق والخلق يعنى نيكو رويان ونيكو خويان وهن من الحور وقيل من المؤمنات الخيرات ويدل على الاول ما بعد الآية وفي الحديث (لو أن امرأة من نساء اهل الجنة اطلعت على السموات والأرض لاصاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولعصابتها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) وروى لو أن حوراء بزقت في بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها
كالذى مر في نظيره في جميع الوجوه وقال بعضهم اى قبل اصحاب الجنتين دل عليهم ذكر الجنتين قال في كشف الاسرار كرر ذلك زيادة في التشويق وتأكيدا للرغبة وفيه انه ليس بتكرير لان الاول في ازواج المقربين وهذا في ازواج الأبرار قال محمد بن كعب ان المؤمن يزوج ألف ثيب وألف بكر وألف حوراء فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مع انها ليست كنعم الدنيا إذ قد تطمث المرأة في الدنيا ثم يتزوجها آخر ثيبا فهن نعم باكورة فيالها من طيب وصالها ويا لها من حسنها وبراعة جمالها لا يقدر أحد على حكايتها ولا يبلغ وصف الى نهايتها والعقول فيها حيارى والقلوب سكارى مُتَّكِئِينَ حال صاحبه محذوف يدل عليه الضمير في قبلهم عَلى رَفْرَفٍ اما اسم جنس او اسم جمع واحده رفرفة قيل هو ما تدلى من الاسرة من عالى الثياب او ضرب من البسط او الوسائد قال في المفردات الرفرف ضرب من الثياب مشبه بالرياض انتهى ومن معانى الرفرف الرياض وكان بساط انوشروان ستين ذراعا في ستين ذراعا يبسط له في ايوانه منظوما باللؤلؤ والجواهر الملونة على ألوان زهر الربيع وينشر إذا عدمت الزهور وفي القاموس الرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس وتبسط وفضول المحابس والفرش وكل ما فضل فثنى والفراش والرقيق من الديباج خُضْرٍ نعت لرفرف جمع أخضر والخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد وهو الى السواد أقرب فلهذا اسمى الأسود أخضر والأخضر أسود وَعَبْقَرِيٍّ عطف على رفرف والمراد الجنس ولذا وصف بالجمع وهو قوله حِسانٍ حملا على المعنى وهو جمع حسن والعبقري منسوب الى عبقر تزعم العرب انه اسم بلد كثير الجن فينسبون اليه كل شيء عجيب وقال قطرب ليس هو من المنسوب بل هو بمنزلة كرسى وبختي قال في القاموس عبقر موضع كثير الجن وقرية ثيابها في غاية الحسن والعبقري ضرب من البسط كالعباقرى انتهى وفي المفردات قيل هو موضع للجن ينسب اليه كل نادر من انسان وحيوان وثوب قال الله تعالى وعبقرى حسان وهو ضرب من الفرش جعله الله مثلا لفرش الجنة وفي التكملة عبقر اسم موضع يصنع فيه الوشي كانت العرب إذا رأت شيأ نسبته اليه فخاطبهم الله على عادتهم وفي فتح الرحمن العبقري بسط حسان فيها صور وغير ذلك والعرب إذا استحسنت شيأ واستجادته قالت عبقرى قال ابن عطية ومنه قول النبي عليه السلام رأيت عمر بن الخطاب فى المنام يستقى من بئر فلم أر عبقر يا يفرى فريه اى سيدا يعمل عمله وقيل عبقر اسم رجل كان بمكة يتخذ الزرابي ويجيدها فنسب اليه كل شيء جيد حسن وبالفارسية وبساطى قيمتى در غايت نيكويى قوله تعالى في الأوليين متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وترك ذكر الظهارة لرفعة شأنها وخروجها عن كونها مدركة بالعقول والافهام وفي الأخريين متكئين على رفرف خضر وعبقرى وبه يعلم تفاوت ما بينهما وقيل الإستبرق ديباج والعبقري موشى والديباج أعلى من الموشى قال ابن الشيخ الرفرف فراش إذا استقر عليه الولي طاربه من فرحه وشوقه اليه يمينا وشمالا وحيثما يريده الولي (وروى) فى حديث المعراج ان رسول الله عليه السلام لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطاربه الى سيد العرش
Icon