ﰡ
وقد روي عن سعيد بن المسيب قال : جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن الذاريات ذرواً، فقال عمر رضي الله عنه : هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله ﷺ يقوله ما قلته، قال : فأخبرني عن المقسمات أمراً، قال رضي الله عنه : هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه سولم يقوله ما قتله، قال : فأخبرني عن الجاريات يسراً، قال رضي الله عنه : هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله ﷺ يقوله ما قلته. وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر وغير واحد، ولم يحك ابن جرير غير ذلك، وقد قيل : إن المراد بالذاريات ( الريح ) وبالحاملات وقراً ( السحاب ) كما تقدم لأنها تحمل الماء، فأما ﴿ فالجاريات يُسْراً ﴾ فالمشهور عن الجمهور أنها السفن. تجري ميسرة في الماء جرياً سهلاً، وقال بعضهم : هي النجوم تجري يسراً في أفلاكها، ليكون ذلك ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، فالرياح فوقها السحاب، والنجوم فوق ذلك، والمقسمات أمراً، الملائكة فوق ذلك تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية، وهذا قسم من الله عزّ وجلّ على وقوع المعاد، ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾ أي لخبر صدق، ﴿ وَإِنَّ الدين ﴾ وهو الحساب ﴿ لَوَاقِعٌ ﴾ أي لكائن لا محالة، ثم قال تعالى :﴿ والسمآء ذَاتِ الحبك ﴾ قال ابن عباس : ذات الجمال والبهاء، والحسن والاستواء، وقال الضحاك : الرمل والزرع إذا ضربته الريح فينسخ بعضه بعضاً طرائق طرائق، فذلك الحبك، وعن أبي صالح ﴿ ذَاتِ الحبك ﴾ الشدة، وقال اخصيف ﴿ ذَاتِ الحبك ﴾ ذات الصفاقة، وقال الحسن البصري :﴿ ذَاتِ الحبك ﴾ حبكت النجوم، وقال عبد الله بن عمرو ﴿ والسمآء ذَاتِ الحبك ﴾ يعني السماء السابعة وكأنه والله أعلم أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة. وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد وهو الحسن والبهاء، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة، شديدة البناء، متسعة الأرجاء، أنيقة البهاء، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات، موشحة بالكواكب الزاهرات. وقوله تعالى :﴿ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴾ أي إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل ﴿ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴾ مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع، وقال قتادة :﴿ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴾ ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به ﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ أي إنما يروج على من هو ضال من نفسه، لأنه قول باطل، ينقاد له ويضل بسببه من هو مأفوك ضال، غِمْر لا فهم له. قال ابن عباس ﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ يضل عنه من ضل، وقال مجاهد : يؤفن عنه من أفن، وقال الحسن البصري : يصرف عن هذا القرآن من كذب به، وقوله تعالى :﴿ قُتِلَ الخراصون ﴾ قال مجاهد : الكذابون، وهي مثل التي في عبس،
وقوله عزّ وجلّ :﴿ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ قال مجاهد : يصلون، وقال آخرون : قاموا الليل وأخروا الاستغفار إلى الأسحار، كما قال تبارك وتعالى :﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾ [ آل عمران : ١٧ ]، وقد ثبت في الصحاح، عن رسول الله ﷺ أنه قال :» إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى يطلع الفجر « وقوله تعالى :﴿ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم ﴾ لما وصفهم بالصلاة، ثنى بوصفهم بالزكاة والبر والصلة، فقال ﴿ وفي أَمْوَالِهِمْ ﴾ أي جزء مقسوم قد أفرزوه للسائل والمحروم، أما السائل فمعروف وهو الذي يبتدىء بالسؤال وله حق، كما قال رسول الله ﷺ :» للسائل حق وإن جاء على فرس « وأما المحروم فقال ابن عباس ومجاهد : هو المحارب الذي ليس له في الإسلام سهم، يعني لا سهم له في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : هو المحارب الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه، وقال الضحاك : هو الذي لا يكون له مال ذهب، قضى الله تعالى له ذلك، وقال ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء : المحروم المحارف، وقال قتادة والزهري : المحروم الذي لا يسأل الناس شيئاً، وقد قال رسول الله ﷺ :» ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه « وقال سعيد بن جبير : هو الذي يجيء وقد قسم المغنم فيرضخ له، وقال الشعبي : أعياني أن أعلم ما المحروم، واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان وقد ذهب ماله، سواء كان لا يقدر على الكسب، أو قد هلك ماله بآفة أو نحوها.
وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾ أي فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد، والجبال والقفار والأنهار والبحار، واختلاف ألسنة وألوانهم، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الحكم، في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ ؟ قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة، ثم قال تعالى :﴿ وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ ﴾ يعني المطر ﴿ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ يعني الجنة، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد، وقوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾، يقسم تعالى بنفسه الكريمة : أن ما وعدهم به من أمر القيامة، والبعث والجزاء كائن لا محالة، وهو حق لا مرية فيه، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون، وكان معاذ رضي الله عنه إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه إن هذا لحقٌ كما أنك هاهنا.
وقد ورد في بعض الكتب الإلهية : يقول الله تعالى :« ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء » وقوله تعالى :﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً ﴾ أي نصيباً من العذاب، ﴿ مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ ﴾ ذلك فإنه واقع لا محالة، ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ ﴾ يعني يوم القيامة.