تفسير سورة الذاريات

صفوة التفاسير
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

اللغَة: ﴿الحبك﴾ الطرائق جمع حبيكة كطريقة وزناً ومعنى قال الزجاج: الحُبك الطرائق الحسنة، والمحبوك في اللغة ما أُديد عمله وقال ابن الأَعرابي: كلُّ شيءٍ أحكمته وأحسنت عمله فقد حبكته ﴿الخراصون﴾ جمع خرَّص وهو الكذَّاب ﴿غَمْرَةٍ﴾ الغمرة ما ستر الشيء وغطَّاه ومنه نهر غمر ﴿يَهْجَعُونَ﴾ ينامون والهجوع النومُ ليلاً ﴿أَوْجَسَ﴾ أحسَّ وشعر ﴿صَرَّةٍ﴾ صيحة وضجة ﴿مُّسَوَّمَةً﴾ معلَّمة.
التفسِير: ﴿والذاريات ذَرْواً﴾ هذا قسمٌ أقسم تعالى به أي أُقسم بالرياح التي تذرو التراب فتفرّقه، وتحمل الرمال من مكان إلى مكان ﴿فالحاملات وِقْراً﴾ أي وأقسم بالسحب الت يتحمل أثقال الأمطار، وهي محمَّلة بالماء الذي فيه حياة البشر ﴿فالجاريات يُسْراً﴾ أي وأقسم بالسفن التي تجري على وجه الماء جرياً سهلاً بيسر وهي تحمل ذرية بني آدم ﴿فالمقسمات أَمْراً﴾ أي وأقسم بالملائكة الت يتقسم الأرزاق والأَمكار بين العباد، وكل ملك مخصَّص بأمر، فجبريل صاحب الوحي إِلى الأنبياء، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة، وإِسرافيل صاحب الصور، وعزرائيل صاحب قبض الأرواح قال المفسرون: أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرفها ولما فيها من الدلالة على عجيب
233
صنعه وقدرته، ثم ذكر جواب القسم فقال ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ إي إن الذي توعدونه من الثواب والعقاب، والحشر والنشر، لأمرٌ صدقٌ محقَّق لا كذب فيه ﴿وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ﴾ أي وإنَّ الجزاء لكائنٌ لا محالة، ثم ذكر تعالى قسماً آخر فقال ﴿والسمآء ذَاتِ الحبك﴾ أي وأقسم بالسماء ذات الطرائق المحكمة والبنيان المتقن قال ابن عباس: ذات الخلق الحسن المستوي ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾ جواب القيم أي إِنكم أيها الكفار لفي قول مضطرب في أمر محمد، فمنكم من يقول إنه ساحر، ومنكم من يقول إنه شاعر، وبعضكم يقول إِنه مجنون إِلى غير ما هنالك من أقوال مختلفة ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ أي يُصرف عن الإِيمان بالقرآن وبمحمد عليه السلام، من صُرف عن الهداية في علم الله تعالى وحُرم السعادة ﴿قُتِلَ الخراصون﴾ أي لُعن الكذابون الذين قالوا إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ساحر وكذاب وشاعر قال ابن الأنباري: والقتلُ إِذا أُخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك ﴿الذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ أي الذين هم غافلون لاهون عن أمر الآخرة ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين﴾ أي يقولون تكذيباً واستهزاءً: متى يوم الحساب والجزاء؟ قال تعالى رداً عليهم ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ﴾ أي هذا الجزاء كائن يوم يدخلون جهنم ويُحرقون بها ﴿ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ﴾ أي تقول لهم خزنة النار: ذوقوا تعذيبكم وجزاءكم ﴿هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ أي هذا الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاءً.. ولما ذكر حال الكفار ذكر المؤمنين الأبرار فقال ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ أي هم في بساتين فيها عيون جاريةٌ، تجري فيها على نهاية ما يُتنزه به ﴿آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ أي راضين بما أعطاهم ربهم من الكرامة والنعيم ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ﴾ أي كانوا في دار محسنين في الأعمال، ثم ذكر طرفاً من إِحسانهم فقال ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ﴾ أي كانوا ينمامون قليلاً من الليل ويصلُّون أكثره قال الحسن: كابدوا قيام الليل لا ينامون من إلا قليلاً ﴿وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي وفي أواخر الليل يسغفرون الله من تقصيرهم، فهم مع إحسانهم يعدُّون أنفسهم مذنبين، ولذلك يكثرون الاستغفار بالأسحار قال أبو السعود: أي هم مع قلة نومهم وكثرة تهجدهم يداومون على الاستغفار بالأسحار، كأنهم أسلفوا ليلهم باقتراف الجرائم، وهو مدح ثانٍ للمحسنين ﴿وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم﴾ مدحٌ ثالث أي وفي أموالهم نصيب معلوم قد أوجبوه على أنفسهم بمقتضى الكرم للسائل المحتاج، وللمتعفف الذي لا يسأل لتعففه ﴿وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ أي وفي الأرض دلائل واضحة على قدرة الله سبحانه ووحدانيته للموقنين بالله وعظمته، الذين يعرفونه بصنعه قال ابن كثير: أي وفي الأرض من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما فيها من صنوف النباتات والحيوانات، والجبال القفار، والبحار، والأنهار، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم، ما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم، والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم
234
من الخلق البديع، ولهذا قال بعده ﴿وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ أي وفي أنفسكم آياتٌ وعبرٌ من مبدأ خلقكم إِلى منتهاه، أفلا تبصرون قدرة الله في خلقكم لتعرفوا قدرته على البعث؟ قال ابن عباس: يريد اختلاف الصور، والألسنة، والألوان، والطبائع، والسمع والبصر والعقل إِلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم وقال قتادة: من تفكَّر في خلق نفسه عرف أنه إِمنما خُلق ولُيّنت مفاصله للعبادة ﴿وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ أي وفي السماء أسباب رزقكم ومعاشكم وهو المطر الذي به حياة البلاد والعباد، وما توعدون به من الثواب والعقاب مكتوب كذلك في السماء قال الصاوي: والآيةُ قُصد بها الامتنان والوعد والوعيد ﴿فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ أي أٌقسم بربِّ السماءِ والأرض إن ما توعدون به من الرزق والبعث والنشور لحقٌّ كائن لا محالة مثل نطقكم، فكما لا تشكون في نقطكم حين تنطقون فكذلك يجب ألا تشكوا في الرزق والبعث قال المفسرون: وهذا على سبيل التشبيه والتمثيل أي رزقكم مقسوم في السماء كنطقكم فلا تشكوا في ذلك، وهذا كقول القائل: هذا حق كما أنك ههنا، وهذا حقٌ كما أنك ترى وتسمع، فالرزق مثل النطق لا يفارق الشخص في حالٍ من الأحوال وفي الحديث
«لو أن أحدكم فرَّ من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت»
. ثم ذكر تعالى قصة ضيف إِبراهيم تسلية لقلب النبي الكريم فقال ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين﴾ ؟ الاستفهام للتشويق ولتفخيم شأن تلك القصة كما يقول القائل: هل بلغك الخير الفلاني؟ يريد تشويقه إلى استماعه والمعنى هل وصل إِلى سمعك يا محمد خبر ضيوف إِبراهيم المعظَّمين؟ قال ابن عباس: يريد جبريل وميكائيل وإِسرافيل عليهم السلام، سُمُّوا مكرمين لكرامتهم عند الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً﴾ أي حين دخلوا على إِبراهيم فقالوا: نسلِّم عليك سلاماً ﴿قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ أي قال علكيم سلامٌ أنتم قومٌ غرباء لا نعرفكم فمن أنتم؟ قال ابن كثير: وإِنما أنكرهم لأنهم قدموا عليه في صورة شبانٍ حسانٍ عليهم مهابة عظيمة ولهذا أنكرهم وقال أبو حيان: والذي يناسب حال إِبراهيم عليه السلام أنه لا يخاطبهم بذلك، إِذْ فيه من عدم الإِنس ما لا يخفى، وإِنما قال ذلك في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وغلمانه، بحيث لا يسمع ذلك الأضياف ﴿فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ﴾ أي فمضى إلى أهله في سرعة وخفية عن ضيفه، لأن من أدب المضيف أن يبادر بإِحضار الضيافة من غير أن يشعر به الضيف، حذراً من أن يمنعه الضيف، أو يُثقل عليه في التأخير قال ابن قتيبة: عدل إليهم في خفية ولا يكون الرَّواغُ إِلا أن تُخفي ذهابك ومجيئك ﴿فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ أي فجاءهم بعجل سمينٍ مشوي، والعجلُ ولدُ البقرة وكان عامة ما له البقر، واختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ﴾ أي أفادناه منهم
235
ووضعه بين أيديهم فلم يأكلوا فقال لهم في تلطف وبشاشة: ألا تأكلون هذا الطعام. قال ابن كثير: وفي الآية تلطف في العبارة وعرض حسن، وقد انتظمت الآية آداب الضيافة، فإنه جاء بطعامٍ من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يتمنَّ عليهم أولاً فقال نأتيكم بطعام بل جاء به بسرعةٍ وخفاء، وأتى بأفضل ما وجد من ماله وهو عجل فتيٌّ سمين مشوي، فقربه إليه ولم يضعه وقال اقتربوا بل وضعه بين أيديهم، ولم يأمرهم أمراً يشق على سامعه بصغية الجزم بل قال: أملا تأكلون؟ على سبيل العرض والتلطف كما يقول القائل: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ أي فأضمر في نفسه الخوف منهم لما رأى إِعراضهم عن الطعام ﴿قَالُواْ لاَ تَخَفْ﴾ أي قالوا له لا تخف إِنا رسل ربك ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ﴾ أي وبشروه بولدٍ يولد له من زوجته سارة يكون عالماً عند بلوغه قال أبو حيان: وفيه تبشيرٌ بحياته حتى يكون من العلماء، والجمهور علىأن المبشر به هو إِسحاق لقوله تعالى في سورة هود ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] ﴿فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ﴾ أي فأقبلت سارة نحوهم حيث سمعت البشارة في صيحةٍ وضحة قال المفسرون: لما سمعت بالبشارة وكانت في زاوية من زوايا البيت جاءت نحوهم في صحية عظيمة تريد أن تستفر الخبر ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ أي فلطمت وجهها على عادة النساء عند التعجب قال ابن عنباس: لطمت وجهها تعجباً كا تتعجب النساء من الأمر الغريب ﴿وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ أي قالت أنا عجوز عقيم فكيف ألد؟ والعقيم هي التي لم تلد قطّ لانقطاع حبلها قبل الإِمام الجلال: كان عمرهها تسعاً وتسعين سنة، وعمر إِبراهيم مائة وعشرين ﴿قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ أي الأمر كما أخبرناك هكذا حكم وقضى ربك من الأزل فلا تعجبي ولا تشكّي فيه ﴿إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم﴾ أي الحكيم في صنعه، العليم بمصالح خلقه ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون﴾ أي ما شأنكم الخطير الذي لأجله أرسلتم أيها الملائكة الأبرار؟ قال البيضاوي: لما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون مجتمعين إِلا لأمرٍ عظيم سأل عنه ﴿قالوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ أي قالوا إن الله أرسلنا لإِهلاك قوم لوط الذين ارتكبوا أفحش الجرائم «اللواط» وكانوا ذوي جرائم متعددة، وهي كبار المعاصي من كفر وعصيان ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ﴾ أي لنهلكهم بحجارةٍ من طين متحجر مطبوخ بالنار وهو السجيل قال أبو حيان: والتسجيلُ طينٌ يطبخ كما يطبخ الآجر حتى يصبح في صلابة الحجارة ﴿مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ﴾ أي معلَّمة من عند الله بعلامة، على كل واحدةٍ منها اسم صاحبها الذي يهلك بها ﴿لِلْمُسْرِفِينَ﴾ أي المجاوزين الحدَّ في الفجور قال الصاوي: كان في قرى لوط ستمائة ألف فأدخل جبريل جناحه تحت الأرض فاقتلع قراهم، ورفعها حتى سمع أهل السماء أصواتهم ثم قلبها، ثم أرسل الحجارة على من كان خارجاً عنها ﴿فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين﴾ أي فأخرجنا من كان في قرى أهل لوط من المؤمنين
236
لئلا يهلكوا ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين﴾ أي فما كان فيها بعد البحث والتفتيش غير أهل بيت واحد من المسلمين قال: مجاهد هم لوطٌ وابنتاه، والغرضُ من الآية بيان قلة المؤمنين الناجين من العذاب، وكثرة الكافرين المستحقين للهلاك قال الإِماما الجلال: وصفوا بالإِيمان والإِسلام أي هم صدقون بقلوبهم، عاملون بجوارحهم الطاعات ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً﴾ أي أبقينا في تلك القرى المهلكة بعد أهلاك الظالمين علامةً على هلاكهم بجعل عاليها سافلها ﴿لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم﴾ أي للذين يخافون عذاب الله فإنهم المعبترون به قال ابن كثير: ومعنى الآية ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً﴾ أي جعلناها عبرةً بما أنزلنا بهم من العذاب والنكال، وجعلنا محلتهم بحيرةً منتنة خبيثة ففي ذلك عبرةٌ للمؤمنين الذين يخافون العذاب الأليم.
تنبيهْ: قال الإِمام الرازي: في قصة ضيف إِبراهيم تسلية لقلب النبي الكريم صلى لله عليه وسلم ببيان أن غيره من الأنبياء عليهم السلام كان مثله، واختار تعالى إِبراهيم لكونه شيخ المرسلين، وكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على سنته في بعض الأشياء، وفيها إنذار لقومه بما أجرى من الضيف ومن إنزال الحجارة على المذنبين المضلين.
237
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قصة ضيف إِبراهيم الذين أُرسلوا لهلاك قوم لوط أتبعه بذكر قصص الأمم الطاغية، فذكر منهم فرعون وجنوده، وعاداً، وثمود، وقوم نوح، تسلية للنبي عليه السلام، وتذكيراً
237
للأنام بانتقام الله من أعدائه وأعداء رسله، ثم ذكر دلائل القدرة والوحدانية، وختم السورة الكريمة بإِنذار المكذبين الضالين.
اللغَة: ﴿نَبَذْنَاهُمْ﴾ طرحناهم ﴿اليم﴾ البحر ﴿مُلِيمٌ﴾ آتٍ بما يلام عليه ﴿الرميم﴾ الشيء الهالك البالي قال الزجاج: الرميمُ: الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم، ورمَّ العظم إِذا بلي فهو رِمَّة ورميم قال جرير يرثي ابنه:
تركْتني حين كفَّ الدهر من بصري وإِذْ بقيتُ كعظم الرمَّة البالي
﴿الماهدون﴾ مهدتُ الفراش مهداً بسطته ووطأته، والتمهيد تسوية الشيء وإِصلاحه ﴿ذَنُوباً﴾ الذَّنوب: بفتح الذال النصيب من العذاب.
التفِسير: ﴿وَفِي موسى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إلى فِرْعَوْنَ﴾ أي وجعلنا في قصة موسى أيضاً أيةً وعبرة وقت إِرسالنا له إِلى فرعون ﴿بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي بحجة واضحة ودليلٍ باهر ﴿فتولى بِرُكْنِهِ﴾ أي فأعرض عن الإِيمان بموسى بجموعه وأجناده، وقوته وسلطانه قال مجاهد: تعزَّز عدوٌّ الله بأصحابه والغرض أن فرعون أعرض عن الإِيمان بسبب ما كان يتقوى به من جنوده لأنهم كانوا له كالركن الذي يعتمد عليه البنيان ﴿وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ أي وقال اللعين في شأن موسى إنه ساحرٌ ولذلك أتى بهذه الخوارق، أو مجنون ولذلك أدَّعى الرسالة، وإِنما قال ذلك تمويهاً على قومه لا شكاً منه في صدق موسى ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ﴾ أي فأخذنا فرعون مع أصحابه وجنوده ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم﴾ أي فطرحناهم في البحر لما أغضبونا وكذبوا رسولنا ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ أي وهو آتٍ بم يلام عليه من الكفر والطغيان.. ثم لما انتهى من قصة فرعون أعقبها بذكر قصة عاد فقال ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم﴾ أي وجعلنا في قصة عاد كذلك آية لمن تأمر حين أرسلنا عليهم الريح المدمرة، التي لا خير فيها ولا بركة، لأنها لا تحمل المطر ولا تلقّح الشجر، وإِنما هي للإِهلاك، وهي الريح التي تسمَّى الدبور وفي الصحيح «نُصرت بالصبا وأُهلكت عادٌ بالدَّبور» قال المفسرون: سميت ﴿الريح العقيم﴾ تشبيهاً لهم بعقم المرأة الي لا تحمل ولا تلد، ولما كانتم هذه الريح لا تلقح سحاباً ولا شجراً، ولا خير فيها ولا بركة لأنه لا تحمل المطر شبهت بالمرأة العقيم ﴿مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ﴾ أي ما تترك شيئاً مرَّت عليه في طريقها مما أراد الله تدميره وإِهلاكه ﴿إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم﴾ إي إلا جعلته كالهشيم المتفتت البالي قال ابن عباس: ﴿الرميم﴾ الشيء الهالك البالي وقال السدي: هو التراب والرماد المدقوق كقوله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٥] قال المفسرون:
238
كانت الريح التي أرسلها الله عليهم ريحاً صرصراً عاتية، استمرت عليهم ثمانية أثام متتابعة، فكانت تهدم البنيان وتنتزع الرجال فترفعهم إلى السماء حتى يرى الواحد منهم كالطير ثم ترمي به إلى الأرض جثة هامدة
﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧].. ثم أخبر تعالى عن هلاك ثمود فقال ﴿وَفِي ثَمُودَ﴾ أي وجعلنا ثمود أيضاً آية وعبرة ﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ﴾ أي حين قيل لهم عيشوا متمتعين بالدنيا إلى وقت الهلاك بعد عقرهم للناقة، وهو ثلاثة أيام كما في هود ﴿فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥] ﴿فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ أي فاستكبروا عن امتثال أمر الله، وعصوا رسولهم فعقروا الناقة ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة﴾ أي فأخذتهم الصيحة المهلكة صيحة العذاب ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ أي وهم يشاهدونها ويعاينونها لأنها جاءت في وضح النهار قال ابن كثير: وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار وقال الألوسي: إِن صالحاً عليه السلام وعندهم ب الهلاك بعد ثلاثة أيام وقال لهم: تصبح وجوهكم غداً مصفرة، وبعد غد محمرة، وفي اليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا الآيات التي بينها عليه السلام عمدوا إلى قتله فنجاه الله، وفي اليوم الرابع أتتهم الصاعقة وهي نار من السماء وقيل صيحة فهلكوا ﴿فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ﴾ أي ما قدروا على الهرب والنهوض من شدة الصيحة، بل أصبحوا في ديارهم جاثمين ﴿وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ﴾ أي وما كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع عنها العذاب.. ثم أخبر تعالى عن هلاك قوم نوح فقال: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ﴾ أي وأهلكنا قوم نوحٍ بالطوفان من قبل إِهلاك هؤلاء المذكورين ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ تعليلٌ للهلاك أي لأنهم كانوا فسقةً خارجين عن طاعة الرحمن بارتكابهم الكفر والعصيان.. ولما انتهى من أخبار هلاك الأمم الطاغية المكذبة، شرع في بيان دلال القدرة والوحدانية فقال ﴿والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ﴾ أي وشيدنا السماء وأحكمنا خلقها بقوةٍ وقدرة قال ابن عباس: ﴿بِأَيْدٍ﴾ بقوة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ أي وإِنا لموسعون في خلق السماء، فإِن الأرض وما يحيط بها من الهواء والماء بالنسبة لها كحلقة صغيرة في فلاة كما ورد في الأحاديث وقال ابن عباس: ﴿لَمُوسِعُونَ﴾ أي لقادرون، من الوسع بمعنى الطاقة ﴿والأرض فَرَشْنَاهَا﴾ أي والأرض مهدناها لتسقروا عليها، وبسطناها لكم ومددنا فيها لتنتفعوا بها بالطرقات وأنواع المزروعات، ولا ينافي ذلك كرويتها، فذلك أمرٌ مقطوع به، فإنها مع كرويتها واسعة ممتدة، فيها السهول الفسيحة، والبقاع الواسعة، مع الجبال والهضاب ولهذا قال تعالى ﴿فَنِعْمَ الماهدون﴾ أي فنعم الباسطون الموسعون لها نحن، وصيغة الجمع للتعظيم ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين ذكراً وأنثى، وحلواً وحامضاً ونحو ذلك ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي كي
239
تتذركوا عظمة الله فتؤمنوا به، وتعلموا أن خال الأزواج واحد أحد ﴿ففروا إِلَى الله﴾ أي الجأوا إِلى الله، واهرعوا إِلى توحيده وطاعته قال أبو حيان: والأمر بالفرار إلى الله أمرٌ بالدخول في الإِيمان وطاعة الرحمن، وإنما ذكر بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً، وأمرٌ حقه أن يُفر منه، فقد جمعت اللفظة بين التحذير والاستدعاء، ومثله قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» وقال ابن الجوزي: المعنى اهربوا مما يوجب العقاب من لكفر والعصيان، إلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإِيمان ﴿إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ﴾ أي إِني أنذركم عذاب الله وأخوفكم انتقامه ﴿مُّبِينٌ﴾ أي واضحٌ أمري فقد أيدني الله بالمعجزات الباهرات ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا تشركوا مع الله أحداً من بشر أو حجر ﴿إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ كرر اللفظ للتأكيد والتنبيه إلى خطر الإِشراك بالله قال الخازن: وإنما كرر اللفظ عند الأمر بالطاعة، والنهي عن الشرك، ليعلم أن الإِيمان لا ينفع إلاّ مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إِلا مع الإِيمان، وأنه لا يفوز وينجو عند الله إلاّ الجامع بينهما ﴿كَذَلِكَ مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ هذه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي كما كذبك قومك يا محمد، وقالوا عنك إنك ساحرٌ أو مجنون، كذلك قال المكذبون الأولون لرسلهم، فلا تحزن لما يقول المجرمون ﴿أَتَوَاصَوْاْ بِهِ﴾ أي هل أوصى أولهُم آخرهم بالتكذيب؟ وهو استفهام للتعجب من إجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة، ثم أضرب عن هذا النفي والتوبيخ فقال ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي لم يوص بعضهم بعضاً بذلك، بل حملهم الطغيان على التكذيب والعصيان فلذلك قالوا ما قالوا ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ فأعرض يا محمد عنهم ﴿فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ﴾ أي فلا لوم عليك ولا عتاب، لأن قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، وبذلت الجهد في النصح والإرشاد ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ أي لا تدع التذكير والموعظة فإن القلوب المؤمنة تنتفع وتتأثر بالموعظة الحسنة.. ثم ذكر تعالى الغاية من خلق الخلق فقال ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ أي وما خلقت الثقلين الإِنس والجن إِلا لعبادتي وتوحيدي، لا لطلب الدنيا والانهماك بها قال ابن عباس: ﴿إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ إِلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً وقال مجاهد: إِلا ليعرفوني قال الرازي: لما بيَّن تعالى حال المكذبين ذكر هذه الآية ليبيّن سوء صنيعهم حيث تركوا عبادة الله مع أن خلقهم لم يكن إِلا للعبادة ﴿مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ﴾ أي لا أريد منهم أن يرزقوني أو يرزقوا أنفسهم أو غيرهم بل أنا الرزَّاق المعطي ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ أي ولا أُريد منهم أن يطعموا خلقي ولا أن يطعموني فأنا الغني الحميد قال البيضاوي: والمراد أن يبيّن أن شأ، هـ مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإِنهم إِنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، فكأنه سبحانه يقول: ما أريد
240
أن أستعين بهم كما يستعين السادة بعبيدهم، فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي ﴿إِنَّ الله هُوَ الرزاق﴾ أي إنه جل وعلا هو الرزاق، المتكفل بأرزاق العباد وحاجاتهم، أتى باسم الجلالة الظاهر للتخيم والتعظيم، وأكد الجملة بإن والضمير المنفصل لقطع أوهام الخلق في أمور الرزق، وليقوي اعتمادهم على الله ﴿ذُو القوة﴾ أي ذو القدرة الباهرة ﴿المتين﴾ أي شديد القوة لا يطرأ عليه عجزٌ ولا ضعف قال ابن كثير: أخبر تعالى أنه غير محتاج إِليهم، بل هم الفقراء إلى الله في جميع أحوالهم فهو خالقهم ورازقهم، وفي الحديث القدسي
«يا بان آدم تفرَّغ لعبادتي أملأُ صدرك غنى، وإِلا تفعل ملأتُ صدرك شغلاً ولم أسدَّ فقرك» ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ﴾ أي فإِن لهؤلاء الكفار الذين كذبوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نصيباً من العذاب مثل نصيب أسلافهم الذين أُهلكوا كقوم نحو وعاد وثمود ﴿فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ﴾ أي فلا يتعجلوا عذابي فإِنها واقع لا محالة مإِن عاجلاً أو آجلاً ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ﴾ أي هلاك ودمار وشدة عذاب لهؤلاء الكفار في يوم القيامة الذي وعدهم الله به.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق ﴿وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم﴾ [الذاريات: ١٩] لأن السائل الطالب، والمحروم المتعفف.
٢ - تأكيد الخبر بالقسم وإِنَّ واللام ﴿فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [الذاريات: ٢٣] ويسمى هذا الضرب إنكارياً، لأن المخاطب منكر لذلك.
٣ - أسلوب التشويق والتفخيم ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين﴾ [الذاريات: ٢٤] ؟
٤ - الاستعارة ﴿فتولى بِرُكْنِهِ﴾ استعار الركن للجنود والجموع لأنه يحصل بهم التقوى والاعتماد كما يعتمد على الركن في البناء أو استعارة للقوة والشدة.
٥ - المجاز العقلي ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ أطلق اسم الفاعل على اسم المفعول أي ملام على طغيانه.
٦ - الاستعارة التبعية ﴿الريح العقيم﴾ شبه إهلاكهم وقطع دابرهم بعقم النساء وعدم حملهن ثم أطلق المشبه به على المشبه واشتق منه العقيم بطريق الاستعارة.
٧ - حذف الإِيجاز ﴿قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ [الذاريات: ٢٥] أي أنتم قوم منكرون ومثلها ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: ٢٩] أي أنا عجوز.
٨ - التشبيه المرسل المجمل ﴿ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ﴾ أي نصيباً من العذاب مثل نصيب أسلافهم المكذبين في الشدة والغلظة، حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.
٩ - الإِطناب بتكرار الفعل ﴿مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ للمبالغة والتأكيد.
١٠ - السجع الرصين غير المتكلف الذي يزيد في جمال الأسلوب ورونقه مثل ﴿والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ.. والأرض فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الماهدون﴾ وهو من المحسنات البديعية.
241
لطيفَة: ذكر أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ ﴿وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢٢٣] فقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف ﴿ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إلى اليمين؟ يا ويح الناس﴾ !
242
Icon