تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب تفسير المراغي
المعروف بـتفسير المراغي
.
لمؤلفه
أحمد بن مصطفى المراغي
.
المتوفي سنة 1371 هـ
ﰡ
سورة الرحمن
هى مكية وآيها ثمان وسبعون، نزلت بعد سورة الرعد.
ووجه صلتها بما قبلها:
(١) إن فيها تفصيل أحوال المجرمين والمتقين التي أشير إليها فى السورة السابقة إجمالا فى قوله: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ» وقوله: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ» (٢) إنه عدّد فى السورة السابقة ما نزل بالأمم التي قد خلت من ضروب النقم وبين عقب كل ضرب منها أن القرآن قد يسّر لتذكر الناس وإيقاظهم، ثم نعى عليهم إعراضهم- وهنا عدد ما أفاض الله على عباده من ضروب النعم الدينية والدنيوية فى الأنفس والآفاق، وأنكر عليهم إثر كل فن منها إخلالهم بموجب شكرها.
(٣) إن قوله: «الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ» كأنه جواب سائل يقول: ماذا صنع المليك المقتدر، وما أفاد برحمته أهل الأرض؟.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ١٣]
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
هى مكية وآيها ثمان وسبعون، نزلت بعد سورة الرعد.
ووجه صلتها بما قبلها:
(١) إن فيها تفصيل أحوال المجرمين والمتقين التي أشير إليها فى السورة السابقة إجمالا فى قوله: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ» وقوله: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ» (٢) إنه عدّد فى السورة السابقة ما نزل بالأمم التي قد خلت من ضروب النقم وبين عقب كل ضرب منها أن القرآن قد يسّر لتذكر الناس وإيقاظهم، ثم نعى عليهم إعراضهم- وهنا عدد ما أفاض الله على عباده من ضروب النعم الدينية والدنيوية فى الأنفس والآفاق، وأنكر عليهم إثر كل فن منها إخلالهم بموجب شكرها.
(٣) إن قوله: «الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ» كأنه جواب سائل يقول: ماذا صنع المليك المقتدر، وما أفاد برحمته أهل الأرض؟.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ١٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
104
تفسير المفردات
الرحمن: اسم من أسماء الله الحسنى، والإنسان هو هذا النوع، البيان: تعبير الإنسان عما فى ضميره وإفهامه لغيره، بحسبان: أي بحساب دقيق منظم، والنجم: ما لا ساق له من النبات كالحنطة والفول، والشجر: ما له ساق كالنخل والبرتقال، يسجدان: أي ينقادان لله طبعا كما ينقاد المكلفون اختيارا، رفعها: أي خلقها مرفوعة المحل والمرتبة، والميزان: العدل والنظام، وأقيموا الوزن بالقسط: أي قوّموا وزنكم بالعدل، ولا تخسروا الميزان: أي لا تنقصوه، للأنام: أي للخلق، والأكمام: واحدها كمّ (بالكسر) وعاء الثمر، والعصف: ورق النبات الذي على السنبلة، والريحان: كل مشموم طيب الرائحة من النبات، والآلاء: النعم واحدها إلى (بفتح الهمزة وكسرها) وإلى وإلو.
المعنى الجملي
بين سبحانه ما صنعه المليك المقتدر من النعم لعباده، رحمة بهم فأفاد:
(١) أنه علم القرآن وأحكام الشرائع لهداية الخلق وإتمام سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.
(٢) أنه خلق الإنسان على أحسن تقويم وكمله بالعقل والمعرفة.
(٣) أنه علمه النطق وإفهام غيره، ولا يتم هذا إلا بنفس وعقل.
(٤) أنه سخر له الشمس والقمر والنجوم على نظام بديع ووضع أنيق لحاجته إليها فى دنياه ودينه.
(٥) أنه سخر له النجم والشجر ليقتات منهما.
الرحمن: اسم من أسماء الله الحسنى، والإنسان هو هذا النوع، البيان: تعبير الإنسان عما فى ضميره وإفهامه لغيره، بحسبان: أي بحساب دقيق منظم، والنجم: ما لا ساق له من النبات كالحنطة والفول، والشجر: ما له ساق كالنخل والبرتقال، يسجدان: أي ينقادان لله طبعا كما ينقاد المكلفون اختيارا، رفعها: أي خلقها مرفوعة المحل والمرتبة، والميزان: العدل والنظام، وأقيموا الوزن بالقسط: أي قوّموا وزنكم بالعدل، ولا تخسروا الميزان: أي لا تنقصوه، للأنام: أي للخلق، والأكمام: واحدها كمّ (بالكسر) وعاء الثمر، والعصف: ورق النبات الذي على السنبلة، والريحان: كل مشموم طيب الرائحة من النبات، والآلاء: النعم واحدها إلى (بفتح الهمزة وكسرها) وإلى وإلو.
المعنى الجملي
بين سبحانه ما صنعه المليك المقتدر من النعم لعباده، رحمة بهم فأفاد:
(١) أنه علم القرآن وأحكام الشرائع لهداية الخلق وإتمام سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.
(٢) أنه خلق الإنسان على أحسن تقويم وكمله بالعقل والمعرفة.
(٣) أنه علمه النطق وإفهام غيره، ولا يتم هذا إلا بنفس وعقل.
(٤) أنه سخر له الشمس والقمر والنجوم على نظام بديع ووضع أنيق لحاجته إليها فى دنياه ودينه.
(٥) أنه سخر له النجم والشجر ليقتات منهما.
105
(٦) أنه رفع السماء وأقامها بالحكمة والنظام.
(٧) أنه أوجد الأرض وما فيها من نخل وفاكهة وحب ذى عصف وريحان.
الإيضاح
(الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أي الله سبحانه علم محمدا ﷺ القرآن، ومحمد علمه أمته.
وهذه الآية نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا: «إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ».
ولما كانت هذه السورة لتعديد نعمه التي أنعم بها على عباده- قدّم النعمة التي هى أجلّها قدرا وأكثرها نفعا، وأتمها فائدة، وهى نعمة تعليم القرآن الكريم، فباتباعه تكون سعادة الدارين، وبالسير على نهجه تنال الرغائب فيهما وهو سنام الكتب السماوية، وقد نزل على خير البرية.
ثم امتنّ بعد هذه النعم بنعمة الخلق التي هى مناط كل الأمور ومرجع جميع الأشياء فقال:
(خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) أي خلق هذا الجنس وعلمه التعبير عما يختلج بخاطره ويدور بخلده، ولولا ذلك ما علم محمد القرآن لأمته.
ولما كان الإنسان مدنيا بطبعه لا يعيش إلا مجتمعا بسواه- كان لا بد له من لغة يتفاهم بها مع سواه من أبناء جنسه ويكتب إليه فى الأقطار النائية، والبلاد النازحة، ويحفظ علوم السلف، لينتفع بها الخلف، ويزيد فيها اللاحق، على ما فعل السابق.
وهذه منة روحية كبرى لا تعدلها منة أخرى فى هذه الحياة، ومن ثم قدمها على النعم الأخرى الآتية.
وقد بدأ أوّلا بما يتعلّم وهو القرآن الذي به السعادة، ثم ثنى بالتعلم، ثم ثلث بطريق التعلم وكيفيته، ثم انتقل إلى ذكر الأجرام العلوية التي ينتفع بها الناس فى معاشهم فقال:
(٧) أنه أوجد الأرض وما فيها من نخل وفاكهة وحب ذى عصف وريحان.
الإيضاح
(الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) أي الله سبحانه علم محمدا ﷺ القرآن، ومحمد علمه أمته.
وهذه الآية نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا: «إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ».
ولما كانت هذه السورة لتعديد نعمه التي أنعم بها على عباده- قدّم النعمة التي هى أجلّها قدرا وأكثرها نفعا، وأتمها فائدة، وهى نعمة تعليم القرآن الكريم، فباتباعه تكون سعادة الدارين، وبالسير على نهجه تنال الرغائب فيهما وهو سنام الكتب السماوية، وقد نزل على خير البرية.
ثم امتنّ بعد هذه النعم بنعمة الخلق التي هى مناط كل الأمور ومرجع جميع الأشياء فقال:
(خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) أي خلق هذا الجنس وعلمه التعبير عما يختلج بخاطره ويدور بخلده، ولولا ذلك ما علم محمد القرآن لأمته.
ولما كان الإنسان مدنيا بطبعه لا يعيش إلا مجتمعا بسواه- كان لا بد له من لغة يتفاهم بها مع سواه من أبناء جنسه ويكتب إليه فى الأقطار النائية، والبلاد النازحة، ويحفظ علوم السلف، لينتفع بها الخلف، ويزيد فيها اللاحق، على ما فعل السابق.
وهذه منة روحية كبرى لا تعدلها منة أخرى فى هذه الحياة، ومن ثم قدمها على النعم الأخرى الآتية.
وقد بدأ أوّلا بما يتعلّم وهو القرآن الذي به السعادة، ثم ثنى بالتعلم، ثم ثلث بطريق التعلم وكيفيته، ثم انتقل إلى ذكر الأجرام العلوية التي ينتفع بها الناس فى معاشهم فقال:
106
(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) أي إن الشمس والقمر وهما من أعظم الأجرام يجريان فى بروجهما ومنازلهما بحساب مقدر معلوم، وبهما تنتظم أمور المخلوقات الأرضية، وتختلف الفصول، وبهذا الحسبان انتفع بهما الناس فى شئون الزراعات كمواعيد البذر والحصاد، وما ينفع منها فى كل فصل من الفصول، وفى الأمور المالية من بيع وشراء لآجال محدودة من شهور وسنين، وفى تقدير الأعمار والآجال التي تقدمت، وجاءت فى أخبار الماضين، والتي ستكون للحاضرين.
وبعد أن ذكر أن الشمس والقمر طوع قدرته وقد جعل لهما النظم الدقيقة فى الحسبان- أردفه انقياد العوالم الأرضية له فقال:
(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) أي والزرع والشجر ينقادان لله فيما أراد بهما طبعا كما ينقاد المكلف اختيارا، فما اختلاف ثمرهما فى الشكل والهيئة واللون والمقدار والطعم والرائحة، إلا انقياد للقدرة التي أرادت ذلك.
(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) أي وجعل العالم العلوي رفيع القدر، إذ هو مبتدأ أحكامه، ومتنزّل أوامره ونواهيه لعباده، وسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحى على أنبيائه، وجعل نظم العالم الأرضى تسير على نهج العدل، فعدل فى الاعتقاد كالتوحيد، إذ هو وسط بين إنكار الإله والشرك به، وعدل فى العبادات والفضائل والآداب، وعدل بين القوى الروحية والبدنية، فأمر عباده بتزكية نفوسهم وأباح لهم كثيرا من الطيبات لحفظ البدن، ونهى عن الغلوّ فى الدين والإسراف فى حب الدنيا، وهكذا ترى أن عدله شامل لكل ما فى هذا العالم لا يغادر الصغير ولا الكبير منه.
(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي فعل ذلك لئلا تعتدوا وتتجاوزوا ما ينبغى من العدل والنّصفة وجرى الأمور وفق ما وضع لكم من سنن الميزان فى كل أمر، فترقى شئونكم، وتنتظم أعمالكم وأخلاقكم.
ثم أكد هذا بقوله:
وبعد أن ذكر أن الشمس والقمر طوع قدرته وقد جعل لهما النظم الدقيقة فى الحسبان- أردفه انقياد العوالم الأرضية له فقال:
(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) أي والزرع والشجر ينقادان لله فيما أراد بهما طبعا كما ينقاد المكلف اختيارا، فما اختلاف ثمرهما فى الشكل والهيئة واللون والمقدار والطعم والرائحة، إلا انقياد للقدرة التي أرادت ذلك.
(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) أي وجعل العالم العلوي رفيع القدر، إذ هو مبتدأ أحكامه، ومتنزّل أوامره ونواهيه لعباده، وسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحى على أنبيائه، وجعل نظم العالم الأرضى تسير على نهج العدل، فعدل فى الاعتقاد كالتوحيد، إذ هو وسط بين إنكار الإله والشرك به، وعدل فى العبادات والفضائل والآداب، وعدل بين القوى الروحية والبدنية، فأمر عباده بتزكية نفوسهم وأباح لهم كثيرا من الطيبات لحفظ البدن، ونهى عن الغلوّ فى الدين والإسراف فى حب الدنيا، وهكذا ترى أن عدله شامل لكل ما فى هذا العالم لا يغادر الصغير ولا الكبير منه.
(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي فعل ذلك لئلا تعتدوا وتتجاوزوا ما ينبغى من العدل والنّصفة وجرى الأمور وفق ما وضع لكم من سنن الميزان فى كل أمر، فترقى شئونكم، وتنتظم أعمالكم وأخلاقكم.
ثم أكد هذا بقوله:
107
(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) أي وقوّموا وزنكم بالعدل، ولا تنقصوه شيئا وفى هذا إشارة إلى مراعاته فى جميع أعمال الإنسان وأقواله.
والتكرير للتوصية به، وتأكيد الأمر باستعماله والحث عليه، وقد أمر سبحانه أوّلا بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو مجاوزة الحد، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس.
وقال قتادة فى الآية: اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن فى العدل صلاح الناس.
وبعد أن ذكر نعمه الدالة على قدرته برفع السماء ذكر مقابلها وهو الأرض فقال:
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) أي والأرض بسطها لسكنى الحيوان من كل ما له روح وفيه حياة، لينتفع بما فى ظاهرها وما فى باطنها فى معايشه على ضروب مختلفة وأشكال لا حصر لها.
ثم فصل ما تقدم بقوله:
(فِيها فاكِهَةٌ) أي فيها ما يتفكه به من ألوان الثمار طازجة ومطبوخة ومجففة على شتى الأشكال وضروب الألوان.
(وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أي والنخل ذات الأوعية لثمرها حين ظهوره.
وأفردها بالذكر لكثرتها بالبلاد العربية، وكثرة فوائدها، لأنه ينتفع بثمارها رطبة ويابسة، وينتفع بجميع أجزائها، فيتخذ من خوصها السلال والزنابيل، ومن ليفها الحبال، ومن جريدها سقف البيوت، ويؤكل جمّارها، ومن ثم ذكرها باسمها، وذكر الفاكهة دون أشجارها.
(وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) أي وجميع الحبوب التي يقتات بها كالحنطة والشعير، ولها عصف من الورق على سنابلها، وكل مشموم من النبات تطيب رائحته.
وذكر أولا الفاكهة، لأنها للتفكهة فحسب، ثم النخل لأن ثمرها فاكهة وغذاء
والتكرير للتوصية به، وتأكيد الأمر باستعماله والحث عليه، وقد أمر سبحانه أوّلا بالتسوية، ثم نهى عن الطغيان الذي هو مجاوزة الحد، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس.
وقال قتادة فى الآية: اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن فى العدل صلاح الناس.
وبعد أن ذكر نعمه الدالة على قدرته برفع السماء ذكر مقابلها وهو الأرض فقال:
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) أي والأرض بسطها لسكنى الحيوان من كل ما له روح وفيه حياة، لينتفع بما فى ظاهرها وما فى باطنها فى معايشه على ضروب مختلفة وأشكال لا حصر لها.
ثم فصل ما تقدم بقوله:
(فِيها فاكِهَةٌ) أي فيها ما يتفكه به من ألوان الثمار طازجة ومطبوخة ومجففة على شتى الأشكال وضروب الألوان.
(وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أي والنخل ذات الأوعية لثمرها حين ظهوره.
وأفردها بالذكر لكثرتها بالبلاد العربية، وكثرة فوائدها، لأنه ينتفع بثمارها رطبة ويابسة، وينتفع بجميع أجزائها، فيتخذ من خوصها السلال والزنابيل، ومن ليفها الحبال، ومن جريدها سقف البيوت، ويؤكل جمّارها، ومن ثم ذكرها باسمها، وذكر الفاكهة دون أشجارها.
(وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) أي وجميع الحبوب التي يقتات بها كالحنطة والشعير، ولها عصف من الورق على سنابلها، وكل مشموم من النبات تطيب رائحته.
وذكر أولا الفاكهة، لأنها للتفكهة فحسب، ثم النخل لأن ثمرها فاكهة وغذاء
108
ثم الحب الذي عليه المعول فى الغذاء فى جميع البلاد، فهو أتم نعمة لموافقته لمزاج الإنسان، ومن ثم خلقه الله فى سائر البلاد، وجعل النخل فى البلاد الحارة دون غيرها.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى النعم المتقدمة يا معشر الثقلين من الجن والإنس تكذبان؟ والمراد من تكذيب آلائه كفرهم بربهم، لأن إشراكهم آلهتهم به فى العبادة دليل على كفرانهم بها، إذ من حق النعم أن تشكر، والشكر إنما يكون بعبادة من أسداها إليهم.
والتعبير (بالرب) للاشارة إلى أنها نعم صادرة من المالك المربّى لهما الذي ينميهما أجساما وعقولا، فهو الحقيق بالحمد والشكر على ما أولى وأنعم، والعبادة له دون سواه.
وقد كررت هذه الآية فى واحد وثلاثين موضعا من السورة تقريرا للنعمة، وتأكيدا للتذكير بها، فتراه عدّد نعمه على الخلق وفصل بين كل نعمتين بما يذكرهم ويقررهم بها.
وهذا أسلوب كثير الاستعمال فى كلام العرب، فترى الرجل يقول لمن أحسن إليه بنعمة وهو يكفر بها: ألم تكن فقيرا فأغنيتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن عريانا فكسوتك؟
أفتنكر هذا، ألم تكن خاملا فرفعت قدرك، أفتنكر هذا؟.
فكأنه سبحانه قال: ألم أخلق الإنسان. وأعلمه البيان. وأجعل الشمس والقمر بحسبان. وأنوّع الشجر. وأبدع الثمر. وأعممها فى البدو والحضر، لمن آمن بي وكفر.
وأسقيها حينا بالمطر، وآونة بالجداول والنّهر. أفتنكران ذلك أيها الإنس والجن؟.
وقد جاء مثل هذا فى أشعارهم: انظر قول مهلهل يرثى أخاه كليبا:
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى النعم المتقدمة يا معشر الثقلين من الجن والإنس تكذبان؟ والمراد من تكذيب آلائه كفرهم بربهم، لأن إشراكهم آلهتهم به فى العبادة دليل على كفرانهم بها، إذ من حق النعم أن تشكر، والشكر إنما يكون بعبادة من أسداها إليهم.
والتعبير (بالرب) للاشارة إلى أنها نعم صادرة من المالك المربّى لهما الذي ينميهما أجساما وعقولا، فهو الحقيق بالحمد والشكر على ما أولى وأنعم، والعبادة له دون سواه.
وقد كررت هذه الآية فى واحد وثلاثين موضعا من السورة تقريرا للنعمة، وتأكيدا للتذكير بها، فتراه عدّد نعمه على الخلق وفصل بين كل نعمتين بما يذكرهم ويقررهم بها.
وهذا أسلوب كثير الاستعمال فى كلام العرب، فترى الرجل يقول لمن أحسن إليه بنعمة وهو يكفر بها: ألم تكن فقيرا فأغنيتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن عريانا فكسوتك؟
أفتنكر هذا، ألم تكن خاملا فرفعت قدرك، أفتنكر هذا؟.
فكأنه سبحانه قال: ألم أخلق الإنسان. وأعلمه البيان. وأجعل الشمس والقمر بحسبان. وأنوّع الشجر. وأبدع الثمر. وأعممها فى البدو والحضر، لمن آمن بي وكفر.
وأسقيها حينا بالمطر، وآونة بالجداول والنّهر. أفتنكران ذلك أيها الإنس والجن؟.
وقد جاء مثل هذا فى أشعارهم: انظر قول مهلهل يرثى أخاه كليبا:
على أن ليس عدلا من كليب | إذا ما ضيم جيران المجير |
على أن ليس عدلا من كليب | إذا خرجت مخبّأة الخدور |
على أن ليس عدلا من كليب | إذا خيف المخوف من الثغور |
على أن ليس عدلا من كليب | إذا ما خار جأش المستجير |
ومن كل أفنان اللذاذة والصّبا | لهوت به والعيش أخضر ناضر |
(فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فيهما من كل فاكهة صنفان: رطب ويابس، لا ينقص أحدهما عن الآخر لذة وطيبا، بخلاف ثمار الدنيا فإن الطازج فيها ألذ طعما وأشهى مأكلا.
وبعد أن ذكر طعامهم ذكر فراشهم فقال:
(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) أي مضطجعين على فرش بطائنها من الديباج الغليظ، وإذا كانت هذه حال البطائن فما ظنكم بالظهائر؟ ومن ثم روى عن ابن مسعود أنه قال: أخبرتم بالبطائن، فكيف لو أخبرتم بالظهائر؟ وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله فيه «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» وبمثله قال ابن عباس.
125
وفى هذا دليل على شرف هذه الفرش، وتمتع أهلها بالثواب العظيم، والنعيم المقيم.
وإنما ذكر الاتكاء، لأنه هيئة تدل على صحة الجسم، وفراغ القلب، إذ العليل لا يستطيع أن يستلقى أو يستند إلى شىء، وهو مشغول القلب يتحرك تحرك المحضر للعقاب.
(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي وثمرهما قريب منهم متى شاءوا، ونحو الآية قوله: «قُطُوفُها دانِيَةٌ» وقوله: «وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا» فهى لا تمتنع ممن أرادها، بل تنحط إليه من أغصانها.
ثم ذكر أوصاف النساء اللواتى يمتعون بهنّ فقال:
(فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فى تلك الجنات نساء غضيضات الطرف عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئا فيها أحسن منهم، وهن أبكار لم يمسسهن أحد قبل أزواجهن لا من الجن ولا من الإنس.
(كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي كأنهن الياقوت صفاء وصغار اللؤلؤ بياضا.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه قال فى الآية: فى صفاء الياقوت وبياض اللؤلؤ.
ثم بين السبب فى هذا الجزاء فقال:
(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي ما جزاء الإحسان فى العمل إلا الإحسان فى المثوبة.
ونحو الآية قوله: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ».
وعن أنس بن مالك قال: «قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هل جزاء
وإنما ذكر الاتكاء، لأنه هيئة تدل على صحة الجسم، وفراغ القلب، إذ العليل لا يستطيع أن يستلقى أو يستند إلى شىء، وهو مشغول القلب يتحرك تحرك المحضر للعقاب.
(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي وثمرهما قريب منهم متى شاءوا، ونحو الآية قوله: «قُطُوفُها دانِيَةٌ» وقوله: «وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا» فهى لا تمتنع ممن أرادها، بل تنحط إليه من أغصانها.
ثم ذكر أوصاف النساء اللواتى يمتعون بهنّ فقال:
(فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فى تلك الجنات نساء غضيضات الطرف عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئا فيها أحسن منهم، وهن أبكار لم يمسسهن أحد قبل أزواجهن لا من الجن ولا من الإنس.
(كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي كأنهن الياقوت صفاء وصغار اللؤلؤ بياضا.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه قال فى الآية: فى صفاء الياقوت وبياض اللؤلؤ.
ثم بين السبب فى هذا الجزاء فقال:
(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي ما جزاء الإحسان فى العمل إلا الإحسان فى المثوبة.
ونحو الآية قوله: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ».
وعن أنس بن مالك قال: «قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هل جزاء
126
ﯣﯤﯥ
ﰽ
ﯧﯨﯩﯪ
ﰾ
ﯬ
ﰿ
ﯮﯯﯰﯱ
ﱀ
ﯳﯴﯵ
ﱁ
ﯷﯸﯹﯺ
ﱂ
ﯼﯽﯾﯿ
ﱃ
ﰁﰂﰃﰄ
ﱄ
ﭑﭒﭓ
ﱅ
ﭕﭖﭗﭘ
ﱆ
ﭚﭛﭜﭝ
ﱇ
ﭟﭠﭡﭢ
ﱈ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﱉ
ﭫﭬﭭﭮ
ﱊ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ
ﱋ
ﭷﭸﭹﭺ
ﱌ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﱍ
الإحسان إلّا الإحسان، وقال: هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة» أخرجه ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقي،
وروى عن ابن عباس «هل جزاء من قال: لا إله إلا الله فى الدنيا إلا الجنة فى الآخرة؟».
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٢ الى ٧٨]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١)
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
تفسير المفردات
ومن دونهما: أي من ورائهما وأقل منهما، مدهامتان: أي خضراوان بسواد لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد من كثرة الري بالماء ونحوه، نضاختان:
أي فوارتان بالماء، والنضخ: فوران الماء، حور واحدتهن حوراء: أي بيضاء.
قال ابن الأثير: الحوراء هى الشديدة بياض العين والشديدة سوادها، خيرات: أي
قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة» أخرجه ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقي،
وروى عن ابن عباس «هل جزاء من قال: لا إله إلا الله فى الدنيا إلا الجنة فى الآخرة؟».
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٢ الى ٧٨]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١)
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
تفسير المفردات
ومن دونهما: أي من ورائهما وأقل منهما، مدهامتان: أي خضراوان بسواد لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد من كثرة الري بالماء ونحوه، نضاختان:
أي فوارتان بالماء، والنضخ: فوران الماء، حور واحدتهن حوراء: أي بيضاء.
قال ابن الأثير: الحوراء هى الشديدة بياض العين والشديدة سوادها، خيرات: أي
127
خيّرات بالتشديد فخفف كما
جاء فى الحديث «هينون لينون»
، مقصورات فى الخيام:
أي مخدّرات، يقال امرأة قصيرة ومقصورة: أي مخدرة ملازمة بيتها لا تطوف فى الطرق. قال قيس بن الأسلت:
والخيام: واحدها خيمة وهى أربعة أعواد تنصب وتسقف بشىء من نبات الأرض، وما يتخذ من شعر أو وبر فهو خباء، والرفرف واحده رفرفة: وهى الوسادة (المخدّة) أو ما تدلّى من الأسرّة من غالى الثياب، والعبقرىّ: منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه بلد يسكنه الجن ويسندون إليه كل شىء عجيب، والمراد العجيب النادر الموشى من البسط، تبارك اسم ربك: أي تقدس وتنزه ربنا الذي أفاض على عباده نعمه.
المعنى الجملي
هذا تتميم لوصف الجنات بما يشوق الراغبين فيها، ليعملوا ما يوصلهم إليها، ويرضى ربهم عنهم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
الإيضاح
(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. مُدْهامَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي ومن وراء هاتين الجنتين وأقل منهما فضلا جنتان تنبتان النبات والرياحين الخضراء التي تضرب إلى السواد من شدة خضرتها، لكثرة الري، وأما الجنتان السابقتان ففيهما أشجار وفواكه، وفرق ما بين الحالين، فبأى هذه النعم تكذبان وهى نعم واضحة لا تجحد ولا تنكر.
قال الحسن: الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين لهم.
وعن أبى أيوب الأنصاري قال: «سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله مدهامتان؟ قال: خضراوان» أخرجه الطبراني وابن مردويه.
جاء فى الحديث «هينون لينون»
، مقصورات فى الخيام:
أي مخدّرات، يقال امرأة قصيرة ومقصورة: أي مخدرة ملازمة بيتها لا تطوف فى الطرق. قال قيس بن الأسلت:
وتكسل عن جاراتها فيزرنها | وتعتلّ من إتيانهن فتعذر |
المعنى الجملي
هذا تتميم لوصف الجنات بما يشوق الراغبين فيها، ليعملوا ما يوصلهم إليها، ويرضى ربهم عنهم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
الإيضاح
(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. مُدْهامَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي ومن وراء هاتين الجنتين وأقل منهما فضلا جنتان تنبتان النبات والرياحين الخضراء التي تضرب إلى السواد من شدة خضرتها، لكثرة الري، وأما الجنتان السابقتان ففيهما أشجار وفواكه، وفرق ما بين الحالين، فبأى هذه النعم تكذبان وهى نعم واضحة لا تجحد ولا تنكر.
قال الحسن: الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين لهم.
وعن أبى أيوب الأنصاري قال: «سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله مدهامتان؟ قال: خضراوان» أخرجه الطبراني وابن مردويه.
128
(فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) النضح كالرش فهو دون الجري، ومن ثم قال البراء بن عازب فيما أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبى حاتم: «العينان اللتان تجريان خير من النضاختين».
أي فيهما عينان تفوران بالماء. وقال مجاهد: نضاختان بالخير والبركة.
(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) خص النخل والرمان مع دخولهما فى الفاكهة، تنبيها إلى ما لهما من ميزة عن غيرهما من الفواكه، لأنهما يوجدان فى الخريف والشتاء، ولأنهما فاكهة وإدام، وقد جاء مثل هذا فى قوله تعالى:
«حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» وقوله: «وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ».
(فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فى تلك الجنات نساء خيّرات الأخلاق، حسان الوجوه.
روى الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: «قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم:
يا رسول الله أخبرنى عن قوله تعالى خيرات حسان؟ قال: خيّرات الأخلاق حسان الوجوه».
وقال الرازي: فى باطنهن الخير، وفى ظاهرهن الحسن. وروى أن الحور يغنّين:
نحن الخيّرات الحسان، خلقن لأزواج كرام.
(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي وهؤلاء الخيّرات الحسان واسعات العيون مع صفاء البياض حول السواد، محبوسات فى الحجال، فلسن بطوّافات فى الطرقات، والعرب يمدحون النساء الملازمات للبيوت للدلالة على شدة الصيانة.
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم الكلام فى نظيره قبل.
(٩- مراغى- السابع والعشرون)
أي فيهما عينان تفوران بالماء. وقال مجاهد: نضاختان بالخير والبركة.
(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) خص النخل والرمان مع دخولهما فى الفاكهة، تنبيها إلى ما لهما من ميزة عن غيرهما من الفواكه، لأنهما يوجدان فى الخريف والشتاء، ولأنهما فاكهة وإدام، وقد جاء مثل هذا فى قوله تعالى:
«حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» وقوله: «وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ».
(فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فى تلك الجنات نساء خيّرات الأخلاق، حسان الوجوه.
روى الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: «قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم:
يا رسول الله أخبرنى عن قوله تعالى خيرات حسان؟ قال: خيّرات الأخلاق حسان الوجوه».
وقال الرازي: فى باطنهن الخير، وفى ظاهرهن الحسن. وروى أن الحور يغنّين:
نحن الخيّرات الحسان، خلقن لأزواج كرام.
(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي وهؤلاء الخيّرات الحسان واسعات العيون مع صفاء البياض حول السواد، محبوسات فى الحجال، فلسن بطوّافات فى الطرقات، والعرب يمدحون النساء الملازمات للبيوت للدلالة على شدة الصيانة.
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم الكلام فى نظيره قبل.
(٩- مراغى- السابع والعشرون)
129
(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي وهم يتكئون على ثياب ناعمة وفرش رقيقة النسج من الديباج، ووسائد عظيمة، وبسط لها أطراف فاخرة، غاية فى كمال الصنعة وحسن المنظر.
(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) أي تعالى ربك ذو الجلال والعظمة والتكريم على ما أنعم به وتفضل من نعم غوال، ومنن عظام.
وهذا تعليم منه لعباده بأن كل هذا من رحمته، فهو قد خلق السماء والأرض والجنة والنار، وعذّب العاصين، وأثاب المطيعين، وآتاهم من فضله ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
سورة الواقعة
هى مكية إلا قوله: «أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» فمدنية، وآيها ست وتسعون، نزلت بعد طه.
ووجه مناسبتها ما قبلها:
(١) أن فى كل منهما وصف القيامة والجنة والنار.
(٢) أنه ذكر فى السورة السابقة عذاب المجرمين ونعيم المتقين، وفاضل بين جنتى بعض المؤمنين وجنتى بعض آخر منهم، وبين هنا انقسام المكلفين إذ ذاك إلى أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وسابقين.
(٣) أنه ذكر فى سورة الرحمن انشقاق السماء، وذكر هنا رجّ الأرض، فكأنّ السورتين لتلازمهما واتحادهما موضوعا سورة واحدة مع عكس فى الترتيب، فقد ذكر فى أول هذه ما فى آخر تلك، وفى آخر هذه ما فى أول تلك.
(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) أي تعالى ربك ذو الجلال والعظمة والتكريم على ما أنعم به وتفضل من نعم غوال، ومنن عظام.
وهذا تعليم منه لعباده بأن كل هذا من رحمته، فهو قد خلق السماء والأرض والجنة والنار، وعذّب العاصين، وأثاب المطيعين، وآتاهم من فضله ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
سورة الواقعة
هى مكية إلا قوله: «أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» فمدنية، وآيها ست وتسعون، نزلت بعد طه.
ووجه مناسبتها ما قبلها:
(١) أن فى كل منهما وصف القيامة والجنة والنار.
(٢) أنه ذكر فى السورة السابقة عذاب المجرمين ونعيم المتقين، وفاضل بين جنتى بعض المؤمنين وجنتى بعض آخر منهم، وبين هنا انقسام المكلفين إذ ذاك إلى أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وسابقين.
(٣) أنه ذكر فى سورة الرحمن انشقاق السماء، وذكر هنا رجّ الأرض، فكأنّ السورتين لتلازمهما واتحادهما موضوعا سورة واحدة مع عكس فى الترتيب، فقد ذكر فى أول هذه ما فى آخر تلك، وفى آخر هذه ما فى أول تلك.
130