ﰡ
قرنه برفع السّماء، لأنه تعالى عدّد نِعمه على عباده، ومن أجلّها الميزان، الذي هو العدل، الذي به نظام العالم وقِوامه.
وقيل : هو القرآن، وقيل : هو العقل، وقيل : ما يُعرف به المقادير، كالميزان المعروف، والميكال، والذراع( ١ ).
إن قلتَ : ما فائدة تكرار لفظ الميزان ثلاث مرات، مع أن القياس بعد الأولى الإضمار( ٢ ) ؟
قلتُ : فائدته بيان أنّ كلا من الآيات مستقلة بنفسها، أو أن كلا من الألفاظ الثلاثة، مغاير لكلّ من الآخرين، إذِ الأول ميزان الدنيا، والثاني ميزان الآخرة، والثالث ميزان العدل( ٣ ).
فإن قلتَ : قوله ﴿ ألا تطغوا في الميزان ﴾ [ الرحمن : ٨ ] أي لا تجاوزوا فيه العدل، مُغْن عن الجملتين المذكورتين بعد ؟ !
قلتُ : الطغيان فيه : أخذ الزائد، والإخسار : إعطاء الناقص، والقسط : التوسط بين الطرفين المذمومين.
٢ - ذكر تعالى الميزان ثلاث مرات، وفي كل مرة له معنى جديد، فالأول يراد به (العدل) والثاني يراد به (الآلة) والثالث يراد به (الشيء الموزون) والمراد من وراء ذلك كله: مراعاة العدل في جميع الأمور، العدل بين الناس، والعدل في الميكال، والعدل في الميزان، فمن انتهك الحدود وظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. اﻫ من التفسير الواضح الميسّر..
٣ - في مخطوطة الجامعة (العقل) والأظهر أن المراد به العدل، فهو الأليق بذكر الميزان..
ذُكر هنا إحدى وثلاثين مرة( ١ )، ثمانية منها ذُكرت عقب آيات، فيها تعداد عجائب خلق الله، وبدائع صنعه، ومبدأ الخلق ومعادهم.
ثم سبعة منها عقب آيات، فيها ذكر النار وشدائدها، بعدد أبواب جهنم( ٢ )، وحَسُن ذكر الآلاء عقِبها، لأن من جملة الآلاء، دفع البلاء وتأخير العقاب، وبعد هذه السبعة ثمانية، في وصف الجنتين وأهلهما، بعدد أبواب الجنة.
وثمانية أخرى بعدها في الجنتين، اللتين هما دون الجنتين الأوليين، أخذا من قوله تعالى :﴿ ومن دونهما جنّتان ﴾ [ الرحمن : ٦٢ ]. فمن اعتقد الثمانية الأولى، وعمل بموجبها، استحقّ هاتين الثمانيتين من الله، ووقاه السبعة السابقة.
٢ - أبواب جهنم سبعة، لقوله تعالى: ﴿وإن جهنم لموعدهم أجمعين. لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم﴾..
فإن قلتَ : كيف قال ذلك هنا، وقال في الحجر :﴿ من صلصال من حمإ مسنون ﴾ [ الحجر : ٢٦ ] أي من طين أسود متغيّر، وقال في الصافات ﴿ من طين لازب ﴾ [ الصافات : ١١ ] أي لازم يلصق باليد، وقال في آل عمران ﴿ كمثل آدم خلقه من تراب ﴾ ؟ ! [ آل عمران : ٥٩ ]
قلتُ : الآيات كلّها متفقة المعنى، لأنه تعالى خلقه من تراب، ثم جعله طينا، ثم حمأ مسنونا، ثم صلصالا( ١ ).
إن قلتَ : لم كرّر ذكر الربّ هنا، دون سورتي : المعارج، والمزمّل ؟
قلتُ : كرّره هنا تأكيدا، وخُصّ ما هنا بالتأكيد لأنه موضع الامتنان، وتعديد النّعم، ولأن الخطاب فيه من جنسين هما : الإنس، والجن، بخلاف ذَيْنِك.
٢ - المراد بالضمير قوله: ﴿فيهنّ﴾ فقد جاء بصيغة الجمع، لا التثنية مثل قوله: فيهما، مع أن ما قبله مثنّى..