ﰡ
مكية او مدنية او متبعضة وآيها ثمان وسبعون آية
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والآخروية صدرها ب الرَّحْمنُ، وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، فإنه أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوحي وأعز الكتب، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ومصداق لها، ثم اتبعه قوله:
خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ إيماء بأن خلق البشر وما يميز به عن سائر الحيوان من البيان، وهو التعبير عما في الضمير وإفهام الغير لما أدركه لتلقي الوحي وتعرف الحق وتعلم الشرع، وإخلاء الجمل الثلاث التي هي أخبار مترادفة ل الرَّحْمنُ عن العاطف لمجيئها على نهج التعديد.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥ الى ٦]
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما، وتتسق بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات، ويعلم السنون والحساب.
وَالنَّجْمُ والنبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض ولا ساق له. وَالشَّجَرُ الذي له ساق.
يَسْجُدانِ ينقادان لله تعالى فيما يريد بهما طبعاً انقياد الساجد من المكلفين طوعاً، وكان حق النظم في الجملتين أن يقال: وأجرى الشمس والقمر، وأسجد النجم والشجر. أو الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ له، ليطابقا ما قبلهما وما بعدهما في اتصالهما ب الرَّحْمنُ، لكنهما جردتا عما يدل على الاتصال إشعاراً بأن وضوحه يغنيه عن البيان، وإدخال العاطف بينهما لاشتراكهما في الدلالة على أن ما يحس به من تغيرات أحوال الأجرام العلوية والسفلية بتقديره وتدبيره.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧ الى ٩]
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالسَّماءَ رَفَعَها خلقها مرفوعة محلاً ومرتبة، فإنها منشأ أقضيته ومتنزل أحكامه ومحل ملائكته، وقرئ بالرفع على الابتداء. وَوَضَعَ الْمِيزانَ العدل بأن وفر على كل مستعد مستحقه، ووفى كل ذي حق حقه حتى انتظم أمر العالم واستقام كما
قال عليه السلام «بالعدل قامت السموات والأرض».
أو ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما، كأنه لما وصف السماء بالرفعة من حيث إنها مصدر القضايا والإقدار أراد وصف الأرض بما فيها مما يظهر به التفاوت ويعرف به المقدار ويسوى به الحقوق والمواجب.
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ لئلا تطغوا فيه أي لا تعتدوا ولا تجاوزوا الإنصاف، وقرئ «لا تطغوا» على
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ ولا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه، وتكريره مبالغة في التوصية به وزيادة حث على استعماله، وقرئ وَلا تُخْسِرُوا بفتح التاء وضم السين وكسرها، وتُخْسِرُوا بفتحها على أن الأصل وَلا تُخْسِرُوا في الْمِيزانَ فحذف الجار وأوصل الفعل.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٠ الى ١٣]
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها خفضها مدحوة. لِلْأَنامِ للخلق. وقيل الأنام كل ذي روح.
فِيها فاكِهَةٌ ضروب مما يتفكه به. وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ أوعية التمر جمع كم، أو كل ما يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفري فإنه ينتفع به كالمكموم كالجذع والجمار والتمر.
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ كالحنطة والشعير وسائر ما يتغذى به، والْعَصْفِ ورق النبات اليابس كالتين.
وَالرَّيْحانُ يعني المشموم، أو الرزق من قولهم: خرجت أطلب ريحان الله، وقرأ ابن عامر «والحب ذا العصف والريحان» أي وخلق الحب والريحان أو وأخص، ويجوز أن يراد وذا الريحان فحذف المضاف، وقرأ حمزة والكسائي «والريحان» بالخفض ما عدا ذلك بالرفع، وهو فيعلان من الروح فقلبت الواو ياء وأدغم ثم خفف، وقيل «روحان» فقلبت واوه ياء للتخفيف.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله: لِلْأَنامِ وقوله: أَيُّهَ الثَّقَلانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ١٦]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦)
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة، والفخار الخزف وقد خلق الله آدم من تراب جعله طيناً ثم حمأ مسنوناً، ثم صلصالاً فلا يخالف ذلك قوله خلقه من تراب ونحوه.
وَخَلَقَ الْجَانَّ الجن أو أبا الجن. مِنْ مارِجٍ من صاف من الدخان. مِنْ نارٍ بيان ل مارِجٍ فإنه في الأصل للمضطرب من مرج إذا اضطرب.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مما في ذلك من الفوائد التي لا تحصى، كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل فيه إلى غير ذلك.
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب.
يَلْتَقِيانِ يتجاوران ويتماس سطوحهما، أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ كبار الدر وصغاره، وقيل المرجان الخرز الأحمر، وإن صح أن الدر يخرج من الملح فعلى الأول إنما قال منهما لأنه مخرج من مجتمع الملح والعذب، أو لأنهما لما اجتمعا صارا كالشيء الواحد فكأن المخرج من أحدهما كالمخرج منهما. وقرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب يَخْرُجُ، وقرئ «نُخْرِجُ» و «يَخْرُجُ» بنصب اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَلَهُ الْجَوارِ أي السفن جمع جارية، وقرئ بحذف الياء ورفع الراء كقوله:
لَهَا ثَنَايَا أَرْبَعٌ حِسَانٌ | وَأَرْبَعٌ فَكُلُهَا ثَمَانٍ |
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من خلق مواد السفن والإِرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره.
كُلُّ مَنْ عَلَيْها من على الأرض من الحيوانات أو المركبات ومَنْ للتغليب، أو من الثقلين.
فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذاته ولو استقريت جهات الموجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها إلا وجه الله أي الوجه الذي يلي جهته. ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ذو الاستغناء المطلق والفضل العام.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي مما ذكرنا قبل من بقاء الرب وإبقاء ما لا يحصى مما هو على صدد الفناء رحمة وفضلاً، أو مما يترتب على فناء الكل من الإِعادة والحياة الدائمة والنعيم المقيم.
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَإِنَهم مفتقرون إليه في ذواتهم وصفاتهم وسائر ما يهمهم، ويعن لهم والمراد بالسؤال ما يدل على الحاجة إلى تحصيل الشيء في ذواتهم وصفاتهم نطقاً كان أو غيره. كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ كل وقت يحدث أشخاصاً ويجدد أحوالاً على ما سبق به قضاؤه،
وفي الحديث «من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين».
وهو رد لقول اليهود إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي مما يسعف به سؤالكما وما يخرج لكما من مكمن العدم حينا فحينا.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ آي سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة، فإنه تعالى لا يفعل فيه
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله فارين من قضائه. فَانْفُذُوا فاخرجوا.
لاَ تَنْفُذُونَ لا تقدرون على النفوذ. إِلَّا بِسُلْطانٍ إلا بقوة وقهر وأنى لكم ذلك، أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السموات والأرض فَانْفُذُوا لتعلموا لكن لاَ تَنْفُذُونَ ولا تعلمون إلا ببينة نصبها الله تعالى فتعرجون عليها بأفكاركم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٤ الى ٣٦]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة، أو مما نصب من المصاعد العقلية والمعارج النقلية فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلا.
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ لهب. مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ ودخان قال:
تُضِيءُ كَضَوْءِ السِرَاجِ السَّلِي | طِ لَمْ يَجْعَلِ الله فِيهِ نُحَاساً |
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار في عداد الآلاء.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٧ الى ٤٠]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً أي حمراء كوردة وقرئت بالرفع على كان التامة فيكون من باب التجريد كقوله:
وَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةٍ | تَحْوِي الغَنَائِمِ أَوْ يَمُوتَ كَرِيمُ |
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي مما يكون بعد ذلك.
فَيَوْمَئِذٍ أي فيوم تنشق السماء. لاَّ يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ لأنهم يعرفون بسيماهم وذلك حين ما يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذوداً ذوداً على اختلاف مراتبهم، وأما قوله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ ونحوه فحين يحاسبون في المجمع، والهاء للإِنس باعتبار اللفظ فإنه وإن تأخر لفظاً تقدم رتبة.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ أي مما أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤١ الى ٤٦]
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها بين النار يحرقون بها. وَبَيْنَ حَمِيمٍ ماء حار. آنٍ بلغ النهاية في الحرارة يصب عليهم، أو يسقون منه، وقيل إذا استغاثوا من النار أغيثوا بالحميم.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب، أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه، أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضيف إلى الرب تفخيماً وتهويلاً، أو ربه ومَقامَ مقحم للمبالغة كقوله:
ذَعَرَّتُ بِهِ القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ | مَقَامَ الذِّئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ |
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ذَواتا أَفْنانٍ أنواع من الأشجار والثمار جمع فِنْ، أو أغصان جمع فنن وهي الغصنة التي تتشعب من فرع الشجرة، وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ حيث شاؤوا في الأعالي والأسافل. قيل إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥١ الى ٥٤]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ صنفان غريب ومعروف، أو رطب ويابس.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ من ديباج ثخين وإذا كانت البطائن كذلك فما ظنك بالظهائر، ومُتَّكِئِينَ مدح للخائفين أو حال منهم، لأن من خاف في معنى الجمع.
وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ قريب يناله القاعد والمضطجع، وَجَنَى اسم بمعنى مجنى وقرئ بكسر الجيم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٥ الى ٥٨]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِنَّ في الجنان فإن جنتان تدل على جنان هي للخائفين أو فيما فيهما من الأماكن والقصور، أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش. قاصِراتُ الطَّرْفِ نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن. لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ لم يمس الإِنسيات إنس ولا الجنيات جن، وفيه دليل على أن الجن يطمثون. وقرأ الكسائي بضم الميم. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ أي وحمرة الوجنة وبياض البشرة وصفائهما.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٥٩ الى ٦١]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١)فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ في العمل. إِلَّا الْإِحْسانُ في الثواب وهو الجنة.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٢ الى ٦٥]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥)
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جَنَّتانِ لمن دونهم من أصحاب اليمين.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُدْهامَّتانِ خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة، وفيه إشعار بأن الغالب على هاتين الجنتين النبات والرياحين المنبسطة على وجه الأرض، وعلى الأوليين الأشجار والفواكه دلالة على ما بينهما من التفاوت فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٦ الى ٦٩]
فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩)
هِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ
فوارتان بالماء هو أيضاً أقل مما وصف به الأوليين وكذا ما بعده.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ عطفهما على الفاكهة بياناً لفضلهما، فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء وثمرة الرمان فاكهة ودواء، واحتج به أبو حنيفة رضي الله عنه على أن من حلف لا يأكل فاكهة فأكل رطباً أو رماناً لم يحنث. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧٠ الى ٧٤]
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤)
فِيهِنَّ خَيْراتٌ أي خيرات فخففت لأن خيراً الذي بمعنى أخير لا يجمع، وقد قرئ على الأصل.
حِسانٌ حسان الخلق والخلق.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ قصرن في خدورهن، يقال امرأة قصيرة وقصورة ومقصورة أي مخدرة، أو مقصورات الطرف على أزواجهن.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ كحور الأولين وهم أصحاب الجنتين فإنهما يدلان عليهم.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٧٥ الى ٧٨]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ وسائد أو نمارق جمع رفرفة. وقيل الرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة وقد يقال لكل ثوب عريض. خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ العبقري منسوب إلى عبقر، تزعم العرب أنه اسم بلد للجن فينسبون إليه كل شيء عجيب، والمراد به الجنس ولذلك جمع حِسانٍ حملاً على المعنى.
إلى الحولِ ثُم اسمُ السَّلاَم عَلَيْكُمَا ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وقرأ ابن عامر بالرفع صفة للإِسم.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الرحمن أدى شكر ما أنعم الله تعالى عليه».