ﰡ
قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)﴾
قال ابن عطية: [هي مكية فيما قال الجمهور من الصحابة والتابعين. وقال نافع بن أبي نعيم وعطاء وقتادة وكريب وعطاء الخراساني عن ابن عباس: هي مدنية، نزلت عند إباية سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*]، قال ابن عطية: الأول أصح، وإنما نزلت حين قالت قريش بمكة (وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا)، قلت: وأظن ابن عرفة، قال عن بعضهم: أن سؤال سهيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، [يدل على*]: أنه أعجمي وليس عربي، قال ابن عرفة: وهذا تردد ويقابل بضرره، لأن سهيلا إنما ذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الذي هو أفصح [الناس فكلمه به هو وعلي بن أبي طالب*] دليل على أنه عربي، فإنكار سهل له إما محض تعنت، وإما لأنه فهم عنهما أنهما ذكراه، وتقدمه [... ] عليه، فلذلك أنكر ما قالا، قال ابن عرفة: وذكروا أن الرحمن من المجاز الذي ليست له حقيقة، حسبما ذكره ابن الحاجب، [وقال*]: وفي استلزام المجاز حقيقة خلاف العكس المستلزم لو لم يستلزم [**العربي الوضع عن الفائدة]، الثاني: لو استلزم لكان نحو قامت الحرب على ساق وشابت له الليل حقيقة، وهو شريك الإلزام للزوم الوضع، والحق أن المجاز للمفرد، ولا مجاز في التركيب، ولو قيل: لو استلزم لكان نحو الرحمن حقيقة، [**ونحو عيسى كان قريبا]، ونص إمام الحرمين والأصوليون: على أنه مختص بالله تعالى لَا يوصف به غيره، ونص أبو [... ] في أجوبته، والفارسى في شرح الشاطيبة أن المختص بالله تعالى إنما هو مجموع (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال ابن عرفة: وما شبه ذكر هذه الأشياء بغير صفة الرحمن، وما يقولونه: من أن الوجود خير كله، والعدم شر كله، على أنه قد يرد عليه أن النار شر صورة، وهي شر لَا خير فيجاب عنه: بأنه إنما تضر لانعدام ضررها المعادل لها، وهو الماء والبرد، فالشر في انعدام ضدها لَا في نفس وجودها، فمن رحمة الله تعالى بالإنسان وإرادة الخير له أنه أوجده وعلمه القرآن، وأتت هذه مفصولة بغير حرف عطف، لأن كل جملة منها مستقلة بالدلالة على كمال قدرة الله تعالى وعظمته وجلاله بخلاف ما بعدها.
قوله تعالى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥)﴾
قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦)﴾
[إن قلت: الآية المتقدمة قدم العلم على الإنسان لما يرجع لذاته*]، ولما هو خارج عنه، وهذه ليس [فيها*] إنعام ولا امتنان، وإنما هي إخبار عن كمال افتقار كل الحوادث إليه، فأجاب ابن عرفة: بأن [فيه*] إيماء وتذكيرا بدلالة أخرى، لأن من جملة النعم التي أنعم بها على الإنسان [العلم*]، وهو مسلوب عن النبات والجمادات، فإذا كانت تسجد وتضع له فأحرى الإنسان.
قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا... (٧)﴾
قال ابن عرفة: قلت: ما الحكمة في رفعها مع أنه معلوم إذ لَا فائدة في قول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا، فالجواب: من وجهين:
الأول: أن في الآية وعظا وتكليفا، والوعظ رفعه السماء إذ هو دليل على اتصافه بالقدرة وشدة البطش والتكليف، فوضع الميزان وهو العدل في الأرض.
الثاني: أنه دليل على رفعها بغير عمد، كما قال تعالى (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَونَهَا)، بخلاف ما قيل، والسماء يحتمل أن يكون الرفع لها
قوله تعالى: (وَوَضَعَ).
راجع إلى التذكير إلى الأمور الشرعية التكليفية، قال ابن عطية: قيل: هو الميزان حقيقة، وقيل: المراد الأخص منه، وهو الكيل إما بالميزان، أو بالكيل، وقيل: المراد الأعم، وهو مطلق [العدل*].
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)﴾
تأكيد المقام الوعظ والتكليف، وتخسروا من خسر، قال أبو حيان: وقرأ [الجمهور*] بضم التاء من أخسر، أي نقص، وقرأ زيد بن علي بفتح التاء من خسر يعني أخسر [كجبر وأجبر*]، وحكى ابن جني عن بلا فتح التاء والسين مضارع خسِر بكسر السين، وخرجها الزمخشري: على أن التقدير في الميزان محذوف الجار ونصب، ورد بأنه قدح متعدٍّ بنفسه، كقوله تعالى: (خَسِرُوا أَنْفُسَهُم)، (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ)، فلا حاجة إلى تقدير حذف الجر.
قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤)﴾
وقال ابن عطية: الفخار [الطين الطيب إذا مسه الماء فخر أي ربا وعظم*]، وقال الزمخشري: [الفخار*] الطين المطبوخ بالنار، وهو [الخزف*]، قال ابن عرفة: تفسير الزمخشري أحسن، وأما تفسير ابن عطية، فيجيء فيه [تشبيه*] الشيء بنفسه، أو يلزم عليه أن تكون الطينة التي خلق منها آدم عليه السلام ليست طيبة الرائحة؛ بل منتنة، قال الفخر ابن الخطيب: إن كل إنسان مخلوق من التراب، لأن أصله من النطفة، والنطفة [مكونة*] عن الغذاء، والغذاء من النبات، والنبات من التراب، ورده ابن عرفة: بأن المراد أصل الخلق، وهذه فروع عنه، قال ابن عرفة: وسيقت الآية لبيان والاستدلال على وجود الصانع وقدرته، وأن الإنسان يستحضر أول مرة [تكونه وانتقاله من عدم إلى وجود، ومن وجود إلى وجود*].
قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦)﴾
قال ابن عرفة: جمع الآلاء مع أنها نعمة واحدة، وهي نعمة الإيجاد والإبراز من العدم، قال: وأجيب بوجهين:
الجواب الثاني: أنه من عليه بنعمة الإيجاد، ونعمة كيفية الإيجاد، قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم)، إذا كان قائلا على أن يخلق على صورة حمار، قال ابن عرفة: وكرر هذا اللفظ في هذه السورة لأمرين: إما لأن كل واحدة نعمة راجعة لما قبلها، فهي تأسيس لَا تأكيد، وإمَّا بأنها تأكيد كذا قال ابن عطية، وقال القرافي في شرح المحصول في اللغات، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أجمع الأدباء على أن التأكيد، لَا يكون أكثر من ثلاث مرات، وقال في شرح [... ] اتفقوا على كذا، ولم يقيده بالأدباء.
وقال ابن عرفة: إنما ذلك في المتواليات، وأما حيث يقع الفصل فيحسن تكرار التأكيد خشية نسيان المخاطب، وذهوله بالفاصل عن استحضار مدلوله التأكيد، قال: فما ورد في سورة الرحمن، إنما هو تأسيس لَا تأكيد، قلت: وقال ابن السيد: في [سؤالاته*]، وأما قوله في آخر كل آية من هذه السورة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، فاعترضه الملحدون بأن الآلاء النعم، فكان يجب أن لَا يذكر إلا بعد ما فيه نعمة مع أنها ذكرت بعد قوله تعالى: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ)، قال: والجواب عنه: أن من أنذرك وخوفك من عاقبة ما تصير إليه فقد أنعم عليك ألا تراه، قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وقد علمنا أنه [... ] لمن آمن، وقدم لمن كفر فحصل الإنذار رحمة كما جعل البشير، وكذلك قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)
وقوله تعالى: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)، فيه إنعام على الخلق، حين علمهم ما كانوا يجهلونه، وحذرهم ما يمرون إليه، وقد جعل الله التحذير مرادفة، بقوله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) انتهى.
قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَئَاتُ فِي الْبَحْرِ... (٢٤)﴾
قال ابن عطية: قال مجاهد: ما له شراع فهو من المنشآت، وما ليس له شراع فليس من المنشآت، قال ابن عرفة: الشراع القلع، وما يشبه الأعلام، إلا إذا كانت بالقلاع، فيظهر من بعيد كالجبل، وحينئذ فيكون فيها كمال الاتعاظ، وأفاد أن هذا
قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)﴾
الضمير عائد على الأرض، واستثنى بعضهم من هذه الأرواح بأنها باقية بقاء الله عز وجل، وعجْب الذَّنَب لما ورد في الحديث: "إنه يفنى من ابن آدم كل جسده إلا عجْب ذَنَبه"، والذَّنَب وهو قدر مغرس الإبرة، ولهذا يقف بعض الفراعنة، قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ)، ومنها ما يبقى، فإن قلت: لم عبر بـ (مَنْ) وهلا عبر بما فإنها أعم لوقوعها على ما لَا يعقل، فالجواب: أنهم ما خالفوا إلا في بقاء من يعقل، لأن الفلاسفة يقولون: إن علم الإنسان لَا يفنى، وأنه لَا يزال باقيا، فإن قلت: لم عبر بالاسم في قوله تعالى: (فَانٍ)، وبالفعل في قوله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ)، والعكس أولى، فإن البقاء وصف ثابت، والفناء متجدد، فالجواب: أنهم لما خالفوا في الفناء أتى بلفظ الاسم المقتضي للثبوت، والبقاء الثابت لَا يحتاج إلى التغيير فيه بالاسم، وفيه إشارة إلى تصحيح مذهب من يقول إن العرض ما يبقى زمنين، وأنه في كل وقت ينعدم، ويأتي غيره، قال ابن عرفة: المراد البقاء العقلي الذاتي، وهو من خواص القديم، وأما البقاء الشرعي السمعي فيكون من الحوادث كنعيم الجنة، وعذاب أهل النار، فإنه دائم غير منقطع، واعتزال الزمخشري في قوله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، فقال: ومعناه الذي محله الموجودون عن التشبيه بخلقه، وعن أفعالهم، والذي يقال له: ما أجلك وما أكرمك. أو من عنده الجلال والإكرام [للمخلصين*] من عباده، قال ابن عرفة: ونحن نقول مسنده إلى الله تعالى قبحها وحسنها، والجميع حسن عقلا، ولذلك قوله في الصفات.
قوله تعالى: (ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ).
فسره الزمخشري: بثلاثة أوجه:
الأولان: لأن فيه شبه الإضافة إلى الفاعل، والأخير فيه شبه الإضافة إلى المفعول، وعقبه بقوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، لأن التشبيه على استحضار بقاء الله تعالى واتصافه بالجَلال والإكرام نعمة وتفضيلا، قيل له: وكذلك الفناء لحديث: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، [وَجَنَّةُ*] الْكَافِرِ"، فقال: لَا يحتاج إلى هذا ومناسبتها مع آخر الآية يكفي ويكون في أول الآية وعظ وتخويف، وفي آخرها نعمة وامتنان.
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ... (٢٩)﴾
قوله تعالى: (مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ).
إن كان المراد بالسؤال بلسان الحال، وهو الخضوع والافتقار، فتكون من عامة في العاقل وغيره، والجمادات وغلب من يعقل ولاسيما على القول، بأن الأعراض لَا تبقي زمنين، وكل جوهر في كل زمن مفتقر الإمداد بالعرض، وإن كان المراد السؤال بلسان المقال، فيكون المراد العاقل حقيقة وتبادل غير العاقل باللزوم، لأن السؤال يستلزم الافتقار والحاجة، وإذا كان العاقل مفتقرا محتاجا مع إمكان توهم قدرته على الضر والنفع، [فأحرى*] غير العاقل.
قوله تعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
قال الزمخشري: يسأله أهل السماوات ما يتعلق بدينهم، وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم، قال ابن عرفة: هذا اعتزال، لأن الملائكة معصومون فهم محتاجون إلى السؤال في الأمر الدنيوي، قال ابن عرفة: ولم يزل الشيوخ يخطئون من يقول: إن إبليس كان من الملائكة، قال قوله تعالى: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) كانا عاملين بالسحر، ولم يعملا به لأن الملائكة معصومون.
قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).
قال ابن عرفة: هذا تقرر في أصول الدين أن الزمان تارة يضاف إلى [خاص]، لأن الله تعالى يستحيل عليه الزمان، قال ابن عطية: قال النقاش: إن سبب [هذه*] الآية قول اليهود إن الله استراح يوم السبت، فلا ينفذ فيه شيئا، قال ابن عرفة: اليهود هم [... ]، لأن الرحمة من عوارض الأجسام، وهذه الآية ترد على اليهود، فإِن المراد باليوم الوقت، وإذا كان في كل وقت، وإن دق في شأن، فأحرى أن يكون في يوم السبت في
قوله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١)﴾
قوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا... (٣٣)﴾
قال ابن عرفة: جعله ابن عطية نفوذاً معنويا ذهنيا، باستعمال [الفكر*] في السماوات والأرض ليتوصل بذلك إن تحصيل المعلوم، فتكون الآية إلى الأمر الدنيوي، وجعله الزمخشري نفوذا حسيا باعتبار الهروب والسير والشيء فيها، فيكون أمرا آخر، وبإحالة إنذار من عذاب الآخرة، قال ابن عرفة: ويكون جملة على الأمرين إن كان النفوذ للقدر المشترك بينهما، فهو الذهاب الحسي والمعنوي، ويصح هنا لأنه في سياق النفي، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص، لأن الآية في معنى نفي الاستطاعة عنهم، وإن كان المراد بالنفوذ الأمر الأخص بكل [واحد من ذينك تحسين*]، فيكون لفظا مشتركا فيجيء فيه تعميم اللفظ المشترك، لكنه في سياق النفي فهو أخف من الإثبات، قال ابن عرفة: قيده بالاستطاعة، ولم يقل إن قدرتم، مع أن القدرة أعم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" ففاعل الشيء بمشقة قادر غير مستطيع، فأما أن نفي الأخص أعم من نفي الأعم، قيل له: يبقي القدرة مع مشقة، فقال. يقول: أنهما متساويان، والقدرة أخص.
قوله تعالى: (مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
قال: من لابتداء الغاية وانتهائها، قيل: إن كان النفوذ الحسي فظاهر، وإن أريد النفوذ المعنوي فلا مبدأ له ولا منتهى له، لأن مبدأه من النظر في السماوات والأرض الحسية، ومنتهاه الأمور المعنوية، وهي من غير كرة، فقال ابن عرفة: هي منفية من باب أحرى، لأنهم إذا عجزوا بعدم القدرة عن النظر في الأمر الحسي فقط، فهو شيء واحد، فأحرى أن يعجزوا عن النظر الحسي والمعنوي (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)، فقدم الإنس على الجن،
قوله تعالى: (لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ).
إن أريد الأمر المعنوي فالسلطان حجة، والدليل المعنوي، وإن أريد الحسي والسلطان الملك، والدليل الحسي.
قوله تعالى: (لَا تَنْفُذُونَ).
في موضع الحال، قيل لابن عرفة: يلزم عليه المفهوم، فيكون مفهومه أنهم لا يعجزون عنه حالة نفوذهم، فقال: السالبة الجزئية عندهم دائمة بالإطلاق، يقول: لا شيء من الإنسان حمار، قال: ووجه تعقيبها بالآلاء، لأن العاجز عن القيام إذا بطل لنفسه، وكونه قادرا على القعود يستحضر أنه لو كانت قدرته على القعود مستندة لنفسه أقدر على القيام، فدل على أنه لَا حكم، وأن الله تعالى هو الذي أقدره على القعود فحمد الله تعالى على تلك النعمة، وكذلك استحضارهم العجز والقصور عن ذلك سبب في حصول الاتعاظ لهم، والانزجار، وهذه فائدة عظيمة، قيل لابن عرفة: فعلم المنجمين هل هو من هذا؟ فقال: إنما مستندهم فيه لأمور عادية [**تجر بعينه، أو يقول إنه عيب فهو منفي بالآية].
قوله تعالى: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا... (٣٥)﴾
قيل لابن عرفة: الضمير جمعه أولا، فقال: (إن استطعتم أن تنفذوا... فانفذوا) وثناه ثانيا، فقال: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا)، فأجاب: بأنه أراد أولا الأشخاص، وهي كثيرة، وثانيا نوعي الجن والإنس، ووجهه أن التعجيز لأشخاصهم، وكل واحد لَا يستطيع النفوذ وإرسال النار على مجموعهم لَا على فرد، لأن فيهم الصالحون والأنبياء فيكون الأول كلية، والثاني كل، قيل لابن عرفة: يلزمك على هذا المفهوم في الأول، إذ لا يلزم من عجز كل فرد عن النفوذ، فقال ابن عرفة: الكلية تستلزم الكل، قيل له: الكلية لا تستلزم الكل، فقال: هذا يستلزم أليس عندنا أن السالبة الكلية ناقضها الموجبة الجزئية، فإذا قلت: [أي شيء من الإنسان حجر*] لزم أن لَا يكون مجموع الإنسان حجرا، قيل له: [**هذا في ذلك يقال]، وقد يقول لَا شيء من بني تميم يرفع الصخرة العظيمة، فلا يلزم الكلية [للكل*]، لأن مجموعهم رفعها، قال ابن عرفة: كون الآية من المقال الأول الذي يستلزم فيه الكلية [للكل*]، وأجاب بعض الطلبة: بأن القضية [هكذا*] في الآية كانت كلا فدخل السلب عليها فنفاها باعتبار الكلية، والكل بخلاف قولك: الإنسان يرفع الصخرة العظيمة، فإنه كل يدخل السلب عليه فنفى
قوله تعالى: (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ).
قيل: لونه أخضر، قال ابن عرفة: ولذلك نجده [في لونه*]: إذا عمله في [**النار يظهر تارة لوقته]، وتارة لخضره.
قوله تعالى: (وَنُحَاسٌ).
قيل: هو الدخان، قال ابن عرفة: كانوا في العهود القديمة في تونس يسمون سوق الغلالين الذي بخارج باب قرطبة سوق النحاس، لكثرة الدخان فيه.
قوله تعالى: (فَلا تَنْتَصِرَانِ).
قيل لابن عرفة: انتصر مطاوع انتصره، فانتصر فيستلزم الطلب بنفي استلزام الطلب من الجانبين، وهو حصول النصرة عن طلب من الجانبين فتبقى النصرة على غير طلب غير منفية، فقال ابن عرفة: تنفى من باب أحرى.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ... (٣٧)﴾
الفاء للتعقيب، فإن قلت: لم أفرد السماء، وعرف القرآن جمعها، فأجاب ابن عرفة: بأن السماوات مختلف فيها، فمذهب أهل السنة أنها مفترقة بعضها من بعض، وبينها [**نصا، وخللا كثيرا]، ومذهب المعتزلة أنها متلاصقة مختلطة، فلو قال: إذ شقت السماوات لتوهم انشقاقها بانفصال بعضها من بعض، وأجاب بعض الطلبة: بأن المراد السماء المعهودة التي نحن نشاهدها، وهي سماء الدنيا، ورده ابن عرفة: بأن هذا إخبار عن حال الآخرة لَا عن حال الدنيا، وأجاب غيره: بأن إفرادها إشارة إلى أنه إذا كان انشقاق الواحدة منها أمرا [مهولًا مفزعًا*]، فأحرى المجموع وشبهها بالوردة في الإنسان، لأنه مناسب للون النار التي يقع بها العذاب حينئذ، قال ابن عرفة: وانظر هل التشبيه راجع [إلى الوردة*]، فهل المراد أنها مشبهة بالوردة ولونها، [أو أنها*] مشبهة بالوردة المشابهة للدهان، يحتمل الأمرين، فإِن قلت: هذا قياس على الفروع، وهو ممنوع عندهم، قلت: إنما ممنوع في القصة، وأما في الأصول فهو جائز، ويكون القياس على الفرع حتى [**نشر الفرع]، قيل له: هلا شبهه بالدهان من غير قياس، ولا فائدة،
قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ... (٣٩)﴾
التنوين عوض لها من انشقت، أو من كونها وردة، قيل لابن عرفة: هما متلازمان فقال: بل بينهما مختلف، بدليل عطفهما بالفاء، قال: ويحتمل أن يريد المجموع، أي فيومئذ يرجع ذلك كله، قال: وهذا نظير مسألة وردت من بجاية في مفقود، أخذ القاضي فيه بمذهب ابن القاسم، أنه معمر سبعين سنة، وأثبتوا أن عمره يزيد على السبعين، وحكم القاضي بموته فورثه ابن عم له موجود حينئذٍ، ثم وجد له ابن عم آخر أقرب من الأول، وادعى أن أباه حيا عند بلوغ المفقود سبعين، وأنه يحجب هذا ابن العم الموجود الآن، وأثبت ذلك بالبينة، وطلب الاختصاص بميراث ابن عم أبيه، فهل يرث المفقود ابن عم الموجود حين بلوغه السبعين؟ أو ابن عم الموجود حين الحكم [بموته*]، والمسألة وقعت نظيرتها في كتاب العتق الأول من المدونة فيما إذا أعتق نصف عبده، ثم فُقِدَ السيد، لم يعتق باقيه في ماله، [وأوقف ما رق منه؛ كأنها في ماله إلى أمد لَا يجيء بمثله، فإذا بلغ تلك المدة جعلنا ماله لورثته حينئذٍ، فتكون لوارثه يومئذ إلا أن تثبت وفاته قبل ذلك، فيكون لوارثه يوم صحة ثبوته*]، وظاهرها أن ماله لابن عمه الأول (١)، لكن أجاب ابن عرفة: بأن ثبوته حينئذ يحتمل أن يكون عوضا من جملة [جعلنا يوم الحكم لَا من جملة بلوغ تلك المدة*].
قوله تعالى: (إِنْسٌ).
قال الزمخشري: أي بعض الإنس، أو بعض الجن، قال: وهذا يحتمل أن يكون البعض الآخر، يسأل ولا يسأل، لأنه قد تفرد في علم المنطق، أن ليس بعض قد تكون مبالغة كلية، فيقتضي السلب الكلي، قيل: لو أراد هذا لأخرج الآية عن ظاهرها، ولم يقل: معناه بعض النَّاس، فقال: فسره بذلك ليفيد الجواب: عن سبب نسبه الضمير في قوله تعالى: (رَبِّكُمَا)، قيل له: يفيد هنا أن يقول المراد لَا نسأل [أحدا*] من الإنس عن ذنبه، فقال: كلامه محتمل للتعبيرين، قال: وما لَا ذنب له [تتناوله الآية، ويكون كقوله*]: "عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي بِمَنَارِهِ" قال الزمخشري في قوله (كَالدِّهَانِ)، فقال: هو من الكلام الذي يسمى التجريد كقوله:
فَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةٍ... تَحْوِي الْغَنائِمَ أَوْ يَمُوتُ كَرِيمُ
قال ابن عرفة: أراد أنه جزء من الوردة يعني الدهان فقط، ومثله ابن مالك بقوله:
"أَرَأَيْتَ إنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ نِصْفَ عَبْدِهِ وَالْعَبْدُ جَمِيعُهُ لَهُ ثُمَّ فُقِدَ الْمُعْتِقُ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَالُ الْمَفْقُودِ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَجِيءُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ تِلْكَ الْمُدَّةَ جَعَلْنَا مَالَهُ لِوَارِثِهِ يَوْمَئِذٍ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ جَعَلْنَا مَالَهُ لِلَّذِينَ كَانُوا يَرِثُونَهُ يَوْمَ مَاتَ، فَهَذَا الْمُعْتَقُ أَرَى أَنْ يُوقَفَ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لِمَنْ يَكُونُ هَذَا النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا النِّصْفُ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَرِثْ الْمَالَ قُلْتُ: وَلَا يُعْتِقُهُ فِي مَالِهِ؟
قَالَ: لَا، لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَحَيٌّ هَذَا الْمَفْقُودُ أَمْ مَيِّتٌ فَلَا يُعْتَقُ فِي مَالِهِ بِالشَّكِّ". اهـ.
[... ]
ومثلوه أيضا بقوله تعالى: (جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ).قوله تعالى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ... (٤١)﴾
قال الفخر [**في مقاربة المعقول]: المعرفة من باب التصورات، والعلم من باب التصديقات، وكذلك قال ابن الأنباري في شرح البرهان، والقرافي في شرح المحصول، ورد ابن عرفة: بأن القائل: عرفت زيدا حسن، أن يقال له: صدقت أو كذبت وقد فرق المنطقيون بين التصور والتصديق، فجعلوا الصدق والكذب من عوارض التصديق لَا من عوارض التصور، قيل لابن عرفة: إن ابن العربي جعل العلم والمعرفة شيئا واحدا، ذكر ذلك في شرح الأسماء الحسنى فأنكر ابن عرفة، وقال: خالفت فيه النَّاس النحويون والأصوليون، فإنهم قالوا: لَا يصح خلق المعرفة على الله تعالى؛ لأنها توهم تقدم الجهل، وأنه كان العلم أولا ثم عرض عنه [سهوا ونسيانا*]، ثم في المعرفة بعد ذلك، وعليه قال صاحب الجمل في قوله تعالى: (لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم)، لَا تعرفونهم الله يعلمهم، وهذا من حيث الإطلاق فقط، قال ابن عرفة: ففي الآية مأخذان فرعي وأصولي، أما الفرعي فالاكتفاء في أداء الشهادة بالصفة، وهو أن الشاهد إذا رأى شهادته وخطه وعاين صفات المشهود عليه، وقابلها مع ما في الوثيقة، فعلم أنه هو الذي شهد عليه، وأنه يؤدي شهادته، ويقوم بها، ووجه الدليل من الآية أنها اقتضت كون المعرفة بالسيماء سببا في الأخذ بالنواصي والأقدام، قيل لابن عرفة: السيماء هنالك لَا [تتشابه*] على الملائكة، وفي الدنيا تجد الصفات متشابهة، وكثير من النَّاس تتفق صفاتهم، فقال: بين إدراك المشابهة صفة المشهود عليه، وبين حصول العلم له بعد إدراكها أنه هو الذي كان شهد عليه فما كلامه فيه إلا بعد حصول العلم بذلك، وأما قبله فلا خلاف، أنه لَا يحل له، أو لشهادته، قال: وإنما الجواب: أن الدار ليست دار تكليف دار الدنيا، وأما الأصولي فهو التعريف بالخاصة، وقد ذكروا ذلك في المعرفات، والصحيح عندهم جوازه، ونقل ابن الحاجب وغيره عن تفسير السمرقندي منع التعريف بالمفرد، أما الجنس وحده أو خاصة وحدها، قال: والمتقدمون لم يكونوا يعرفون بذلك، وإنَّمَا يعرفون بالمركب من الجنس والخاصة، واختاره ابن الشيرازي شارح ابن الحاجب، والكل على خلافه، لأنهم ذكروا في المعرفات الرسم الناقص.
قوله تعالى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ... (٤٣)﴾
قوله تعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا... (٤٤)﴾
أي بين [نارها*] وبين حميم.
قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾
يحتمل أن يكون كلية، أو [كلًّا*]، أي لكل الخائفين جنتان، أو لكل واحد جنتان، وهذا [وجه*] ووجه الأول أن يكون كليا، [وتثْنيةُ (جَنَّتَان) باعتبار*] النوع، وإلا فالجنات أكثر من ذلك، وعلى الثاني تكون جنتان [للشخص*]، فيكون لكل واحد جنتان لا يشاركه فيهما غيره، قال ابن عطية: فإضافة القرب فيهما معنوية، أي تهويل ومهابة، كقولك: عبد الخليفة وعبد الحجاج، فالإضافة تكسب المضاف إليه، مهابة أو [تحقيرا*]، قال ابن عرفة: واسم الرب دليل على أنه إذا خاف مع استحضاره وصف الحال، فأحرى مع استحضاره غيره، قال ابن عرفة: وعندي في الآية حذف تقديره، ولمن خاف هول مقام ربه، قال: فإن قلت: لما عبر بالفعل؟ فهلا قال: وللخائف مقام ربه؟ قال قلت: هذا إدخال في باب الرجاء والطمع، إشارة إلى حصول ذلك، لمن اتصف بمطلق الخوف لَا مبالغة.
قوله تعالى: ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (٥٠)﴾
مع أن سمى العين لَا تصدق [إلا على الجارية*]، والماء الراكد ليس بعين، إشارة إلى أن المراد تجريان حيث يريدون، فذكر الفعل دليل على هذا القدر.
قوله تعالى: ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ... (٥٢)﴾
قال ابن عرفة: يحتمل أن يراد أن طعام أهل الجنة كله فاكهة، ويحتمل أن يكون اكتفى يذكر الفاكهة عن ذكر الطعام والشراب المحصل للقوت، قيل له: إن أهل الجنة ليس فيها ألم حيث يحتاج فيها إلى الطعام المحصل للقوت، فقال: يحتمل أن يكون نفي الألم لملازمة الطعام والشراب، كما نجد بعض النَّاس في الدنيا لَا يذوق في عمره ألم الجوع.
قوله تعالى: (زَوْجَانِ).
قال الزمخشري: ثناهما باعتبار القرابة والكثرة، فأحدهما أكثر معهود في الدنيا، والآخر غريب لم يكن بمعهود في الدنيا، وإلا فقد نجد في الدنيا من كل فاكهة
قوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ... (٥٤)﴾
قال ابن عرفة: الاتكاء في الفراش على المرفقة لَا على الفراش، لكن لما كانت المرفقة موضوعة على الفراش استلزمتها، وهذه من لذات الآخرة، وهي في الشرع في الدنيا مكروه حالة الأكل، وقال الغزالي في الإحياء: يجوز الاتكاء في حالة التفكه، ولا يجوز في حالة أكل كل الطعام القوت، واحتج برواية نقلها عن علي وغيره، وإن كانت أدلة الإحياء ورواياته فيها الصحيح، وغيره.
قوله تعالى: (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ).
قال أبو حيان: قرئ (وجنى) بالإمالة، قال ابن عرفة: وهذا الذي ذكروا أنها إمالة، ابن عرفة: [**لا تسمع الإمالة إلا في الراء والنون].
قوله تعالى: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ... (٥٦)﴾
قاصرات أطرافهن على أزواجهن، أو قاصرات أطراف أزواجهن عليهم.
قوله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ).
قيل لابن عرفة: ما أفاد (قبلهم)، فقال: لاحتمال أن يكون صاحب المنزلة العليا اقتضها، أعني الحور العين، وعرض الأعلى منها، ودفعت هي لمن دونه في المنزلة، فأفاد هذا الاحتمال لكونه.
قوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ).
قال ابن عرفة: انظر قول الله عز وجل، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، فإن المحكوم له هناك أخص وهي كونه من المأوى، وأجاب بعضهم: بأن في تلك الآية تكرمة، فحاصله أنه هناك يرجع إلى الكمية، وهنا إلى الكيفية، لكنه يرد هنا سؤال، وهو لم حكم له هناك بالكمية، وهو هنا بالكيفية؟
قوله تعالى: (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ).
قوله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ).
قيل لابن عرفة: النفي الماضي تحقيقا أو تقديرا، فما فائدة قولهم [قَبْلَهُمْ) *]: فائدته تشريف الأزواج والاعتناء بهم أولا فوقع الإطناب بتشريفهم ثانيا.
قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)﴾
قال ابن عرفة: قدرها بعضهم على أنها تأكيد وزيادة تنصيص في النعم، لأنه قد تقدم (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)، موصوفان بأنهما ذواتا أفنان، فإِن فيهما عينان وزيادة تنصيص في النعم، لَأنه قد تقدم بأن ذلك كله إحسان من الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)﴾
قال بعضهم: لَا نسلم أنه من عطف خاص على عام، بل من باب عطف مخالفان، فإن الفاكهة ما يتفكه به، والنخل المعطوف المراد به الشجر لَا ثمرها.
* * *