تفسير سورة الرحمن

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سورة الرحمن عز وجل
مكية على الأصح، نزلت حين قالت قريش بمكة: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ [الفرقان: ٦٠]، وفي السيرة: أن ابن مسعود جهر بقراءتها في المسجد حتى قامت إليه أندية قريش، فضربوه، وذلك قبل الهجرة (١)، وآيها: ثمان وسبعون آية (٢)، وحروفها: ألف وست مئة وثلاثون حرفًا، وكلمها: ثلاث مئة وإحدى وخمسون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿الرَّحْمَنُ (١)﴾.
[١] ﴿الرَّحْمَنُ﴾ مبالغة الرحمة، وهو اسم لا يوصف به غيره سبحانه، وقال الجمهور: ﴿الرَّحْمَنُ﴾ جزء آية، وهو مبتدأ.
* * *
﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)﴾.
[٢] خبره ﴿عَلَّمَ﴾ محمدًا - ﷺ - ﴿الْقُرْآنَ﴾ بواسطة جبريل عليه السلام،
(١) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٣١٤)، و"تفسير القرطبي" (١٧/ ١٥١).
(٢) في "ت": "سبعون وثمان آيات".
وقيل: مَنَّ به وعلَّمه الناسَ، وخص حفاظه وفهمته بالفضل، قال - ﷺ -: "خيركم من تعلَّمَ القرآن وعلَّمه" (١). قرأ ابن كثير: (الْقُرانَ) بالنقل، والباقون: بالهمز (٢).
* * *
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣)﴾.
[٣] ومن الدليل على أن القرآن غير مخلوق: أن الله تعالى ذكره في كتابه العزيز في أربعة وخمسين موضعًا، ما فيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق، ولا أشار إليه، وذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعًا، كلها نصَّ (٣) على خلقه، وقد اقترن ذكرهما في هذه السورة على هذا النحو ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ هو آدم عليه السلام.
* * *
﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)﴾.
[٤] ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ أسماء كل شيء، والبيان: هو إظهار المعنى وإيضاحه عما كان مستورًا قبله، وقيل: المراد بالإنسان: اسم الجنس، وبالبيان: النطق والفهم والإبانة عن ذلك، وذلك هو الذي ميز به من سائر الحيوان، وهذه الأفعال الثلاثة مع ضمائرها أخبار مترادفة للرحمن، وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد؛ كما تقول: زيد أغناك
(١) رواه البخاري (٤٧٣٩)، كتاب: فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن، من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٤٥).
(٣) في "ت": "نصبٌ".
بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثَّرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد، فما تنكر من إحسانه.
* * *
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥)﴾.
[٥] ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ رفع بالابتداء، وهذا ابتداء تعديد نِعَم، المعنى: الشمس والقمر يجريان ﴿بِحُسْبَانٍ﴾ بحساب معلوم، ومنازل معدودة؛ ليعرف الإنسان بذلك الأوقات، والحسبان -بالضم-: مصدر حَسَبْتُ الحساب -بفتح السين- أحسُبه -بضمها- حَسْبًا وحِسابًا وحِسْبَة.
* * *
﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَالنَّجْمُ﴾ ما ليس له ساق من النبات؛ كاليقطين، وقيل: المراد: نجوم السماء.
﴿وَالشَّجَرُ﴾ ماله ساق تبقى في الشتاء ﴿يَسْجُدَانِ﴾ وسجودهما سجود ظلهما، وفي النجم بالغروب ونحوه، وثنى ضمير (يسجدان) نظرًا إلى لفظهما، وسمي نجمًا؛ لأنه نَجَمَ؛ أي: ظهر وطلع، وسمي الشجر؛ من اشتجار غصونه، وهو تداخلها.
* * *
﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧)﴾.
[٧] ﴿وَالسَّمَاءَ﴾ نصب بفعل يفسره ﴿رَفَعَهَا﴾ سقفًا لمصالح العباد.
﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾ أمر بالعدل.
﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨)﴾.
[٨] ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾ لئلا تجاوزوا العدل.
* * *
﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)﴾.
[٩] ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ﴾ أي: وزنكم بالميزان المعروف ﴿بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل.
﴿وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ لا تنقصوا الموزون، خسرت الشيء -بالفتح-، وأخسرته: نقصته.
* * *
﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَالْأَرْضَ﴾ نصب بفعل يفسره.
﴿وَضَعَهَا﴾ بسطها ﴿لِلْأَنَامِ﴾ الخلق الذين بثهم فيها.
* * *
﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (١١)﴾.
[١١] ﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ﴾ يعني: أنواع الفواكه ﴿وَالنَّخْلُ﴾ عطف على (فاكهةٌ).
﴿ذَاتُ الْأَكْمَامِ﴾ أوعية ثمر النخل، وهو الطلع، جمع كِمّ، وكل ما ستر شيئًا، فهو كم، ومنه كُمُّ القميص.
﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَالْحَبُّ﴾ هو البر والشعير ونحوهما ﴿ذُو الْعَصْفِ﴾ التبن وورق النبات اليابس.
﴿وَالرَّيْحَانُ﴾ هو الرزق في قول ابن عباس والأكثرين، وقيل: هو المشموم. قرأ ابن عامر: (والْحَبَّ ذا الْعَصْفِ والرَّيْحانَ) بنصب الثلاثة الأسماء عطفًا على (الأرض)؛ أي: وضع الأرض، وخلق الحب، وخلق الريحان، وكذا كتب (ذا الْعَصْفِ) في المصحف الشامي بالألف، وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (والْحَبُّ) (١) و (ذُو) بالرفع، (والرَّيْحانِ) بخفض النون عطفًا على (الْعَصْفِ)، وقرأ الباقون: برفع الأسماء الثلاثة عطفًا على (النَّخْلُ) (٢)؛ أي: والحب ذو العصف، وذو الريحان، فحذف (ذو)، وأقيم (الريحان) مقامه، و (ذُو الْعصْفِ) في مصاحفهم بالواو، فذكر تعالى قوت الناس والأنعام.
* * *
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)﴾.
[١٣] ثم خاطب الجن والإنس فقال: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ﴾ جمع أَلَى؛ كقفا؛ أي: بأي أنعم ﴿رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ روى الأصبهاني عن ورش: [(فَبِأَيِّ)
(١) "والحب" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٨٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٤٦).
بالإبدال حيث وقع بالفاء، واختلف عنه فيما تجرد عن الفاء نحو] (١) (بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)، وقرأ الباقون: بتحقيق الهمز (٢)، وكررت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة؛ تقريرًا للنعمة، وتذكيرًا بها، وتوبيخًا لمنكريها، ومن عادة العرب إذا ذكروا النعم أن يفصلوا بين كل نعمتين بما ينبه عليهما؛ نحو: ألم تكن فقيرًا فأغنيتك، أفتنكر هذا؟ [ألم تكن جائعًا فأطعمتك، أفتنكر هذا] (٣)؟
* * *
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤)﴾.
[١٤] ويدل على أنه خطاب للثقلين قوله بعد: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾ ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ﴾ من طين يابس له صلصلة ﴿كَالْفَخَّارِ﴾ كالطين المطبوخ، نعت لصلصال، المعنى: جعل آدم أولًا ترابًا، ثم طينًا، ثم حمأً مسنونًا، ثم صلصالًا.
* * *
﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ﴾ هو أبو الجن (٤).
(١) ما بين معكوفتين سقط من "ت".
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٤٧).
(٣) ما بين معكوفتين سقط من "ت".
(٤) جاء على هامش "ت": "الجان بنو الجن، عن الضحاك، أو هو مسيخ الجن كما =
﴿مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ هو لهب النار الصافي الذي لا دخان فيه.
* * *
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتى صيركما أفضل المركبات؟
﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ يعني: مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، وتقدم الكلام عليهما، وعلى قوله: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾ [الشعراء: ٢٨] ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ [الصافات: ٥] في أول سورة الصافات.
* * *
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما في ذلك من الفوائد التي لا تحصى؛ كاعتدال الهواء، واختلاف الفصول، وحدوث ما يناسب كل فصل فيه.
= أن القردة والخنازير مسيخ الإنس، عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أو بنو إبليس كما قاله الحسن وعطاء وقتادة ومقاتل رحمهم الله تعالى كذا في "شذور العقود" لابن الجوزي........ قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ﴾ الآية، وفي الأولين نظر....... ".
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿مَرَجَ﴾ أرسل ﴿الْبَحْرَيْنِ﴾ الملحَ والعذبَ متجاورين.
﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ لا فصل بينهما في رأي العين.
* * *
﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١)﴾.
[٢٠] ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ﴾ حاجز من قدرة الله تعالى.
﴿لَا يَبْغِيَانِ﴾ لا يختلطان، ولا يطغيان على الناس بالغرق.
[٢١] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
* * *
﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣)﴾.
[٢٢] ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وأبو عمرو، ويعقوب: (يُخْرَجُ) بضم الياء وفتح الراء مجهولًا، وقرأ الباقون: بفتح الياء وضم الراء معلومًا (١)، وثنى الضمير، وإنما يخرجان من الملح؛ لأنهما لما التقيا، صارا كالشيء الواحد.
﴿اللُّؤْلُؤُ﴾ الدر. قرأ أبو جعفر، وأبو عمرو: (اللَّوْلُؤُ) بإبدال الهمز الأول، وهو الساكن، فيسكنان الواو، والباقون: بالهمز (٢).
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٨٦)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٠ - ٣٨١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٤٧ - ٤٨).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٣٩٠ - ٣٩٤)، و"معجم =
﴿وَالْمَرْجَانُ﴾ الخرز الأحمر، قال ابن عباس: "إذا أمطرت السماء، فتحت الأصداف أفواهها، فحيثما وقعت قطرة كانت لؤلؤة" (١).
[٢٣] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
* * *
﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ﴾ السفن. قرأ يعقوب: (الْجَوارِي) بإثبات الياء وقفًا، وحذفها الباقون في الحالين، وأمال الدوري عن الكسائي فتحة الواو ﴿الْمُنْشَآتُ﴾ صفة الجواري. قرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم بخلاف عنه: بكسر الشين؛ أي: المحدِثاتُ السيرَ، وقرأ الباقون: بالفتح (٢)؛ أي: المرفوعات، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض ﴿فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾ كالجبال، جمع عَلَم.
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها.
= القراءات القرآنية" (٧/ ٤٨).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٧/ ١٣٢). وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (٧/ ٦٩٦).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٢٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٨٦ - ٢٨٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٤٩).
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا﴾ أي: الأرض (١) ﴿فَانٍ﴾ هالك. روي عن قنبل، ويعقوب: الوقف بالياء على (فانِي) و (آنِي) و (دانِي).
* * *
﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ﴾ أي: ذات ﴿رَبِّكَ﴾ ويعبر بالوجه عن الجملة.
﴿ذُو﴾ صفة (وَجْهُ)، ومعنى ذي ﴿الْجَلَالِ﴾ الذي يعظمه ويجله المؤمنون (٢) عن سمات المحدثات ﴿وَالْإِكْرَامِ﴾ الذي يكرم عبيده بالنعمة عليهم. قرأ ابن ذكوان عن ابن عامر بخلاف عنه: (والإِكْرامِ) بالإمالة حيث وقع (٣).
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما يبقى وهو وجه ربك.
* * *
﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: الكلُّ محتاجون إليه ﴿كُلَّ يَوْمٍ﴾
(١) "أي: الأرض" زيادة من "ت".
(٢) في "ت": "الموحدون".
(٣) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٠).
نصب على الظرف ﴿هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ أي: كل حين ووقت يُحدِث أمورًا ويُجدد أحوالًا.
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما يسعف به سؤالكما.
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)﴾.
[٣١] ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (سَيَفْرُغُ) بالياء؛ لقوله: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)، و (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ)، و (وَلَهُ الْجَوَارِ)، فأتبع الخبر الخبر، وقرأ الباقون: بالنون (١) إخبارًا منه تعالى عن نفسه، وهو وعيد من الله سبحانه للخلق بالمحاسبة، وليس المراد منه الفراغ عن شغل؛ لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن.
﴿أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾ الجن والإنس، سميا بذلك؛ لأنهما ثقلا الأرض أحياءً وأمواتًا، وكتب (أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ) في النور [الآية: ٣١] و (يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ) في الزخرف [الآية: ٤٩]، و (أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ) هنا بغير ألف، وما سواها: (يَا أَيُّهَا)، و (يَا أَيَّتُهَا) بالألف. قرأ ابن عامر (أَيُّهُ) بضم الهاء على الإتباع لضمة الياء قبلها، وقرأ الباقون: بفتحها، ووقف أبو عمرو، والكسائي، ويعقوب
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٦)، و "تفسير البغوي" (٤/ ٢٨٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٠ - ٥١).
(أَيُّهَا) بالألف على الأصل خلافًا للرسم، ووقف عليها الباقون بالحذف إتباعًا للرسم (١).
[٣٢] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا﴾ تخْرُجوا ﴿مِنْ أَقْطَارِ﴾ أي: جوانب ﴿أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هاربين من قضائه تعالى ﴿فَانْفُذُوا﴾ فاخرجوا ﴿لَا تَنْفُذُونَ﴾ لا تقدرون على الخروج (٢) ﴿إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ بقوة وقهر، وأنى لكم ذلك؟!
...
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قدم هنا الجن على الإنس، وقال في سورة الإسراء ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ﴾ [الآية: ٨٨]، والتقديم يقتضي الأفضلية، ولكن الجن خلق قبل الأنس، ففي هذه السورة ترتيب الخلقة، لا ترتيب الفضيلة، وفي سورة الإسراء عكسه، وكذا قوله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٢٠)، و"التيسير" للداني (ص: ١٦١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥١ - ٥٢).
(٢) في "ت": "النفوذ".
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: ١٨]، وأولو العلم أفضل من الملائكة، ولكن قدمهم لتقدم الخلقة.
...
﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٦)﴾.
[٣٥] ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ﴾ لهب بلا دخان. قرأ ابن كثير: بكسر الشين، والباقون: بضمها (١)، وهما لغتان، وجمع الضمير في (اسْتَطَعْتُمْ) نظرًا إلى معنى (الثَّقَلَيْنِ)، وثناه في (عَلَيْكُمَا) نظرًا إلى اللفظ (مِّن نَّار) صفة شواظ (وَنُحَاسٌ) هو الدخان. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: بخفض السين عطفًا على النار، والباقون: بالرفع عطفًا على الشواظ (٢)، المعنى: إذا خرجتم من قبوركم، يرسل عليكما لهب خالص من النار ودخان يسوقانكما إلى المحشر ﴿فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾ لا تمتنعان من ولوج النار.
[٣٦] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ﴾ انفرجت فصارت أبوابًا لنزول الملائكة.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٢١)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٦)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٨٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٢ - ٥٣).
(٢) المصادر السابقة.
﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً﴾ أي: حمراء؛ من الورد المعروف ﴿كَالدِّهَانِ﴾ الأديم الأحمر، وألوانه تختلف، قال قتادة: إنها اليوم خضراء، ويكون لها يومئذ لون آخر إلى الحمرة.
...
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما يكون بعد ذلك.
...
﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم تنشق السماء ﴿لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ﴾ لأنهم يعرفون، فالمؤمن يعرف بغرته وتحجيله، والكفار بسيماهم على ما يأتي بعد.
وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٩٢] قال: "لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؛ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يسألهم: لمَ عملتم كذا وكذا؟ "، وعنه أيضًا: "لا يُسألون سؤال شفاء وراحة، وإنما يُسألون سؤالَ تقريع وتوبيخ" (١).
...
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٢٩٠)، وعنده: "لا يسألون سؤال شفقة ورحمة".
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ بما أنعم على عباده المؤمنين في هذا اليوم.
...
﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢)﴾.
[٤١] ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾ بسواد الوجه وزرقة العيون ﴿فَيُؤْخَذُ﴾ المجرمُ ﴿بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ أي: يجمع بين ناصيته وقدميه من وراء ظهره، ثم يلقى في جهنم.
[٤٢] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣)﴾.
[٤٣] ثم يقال لهم: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ المشركون.
...
﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا﴾ بين النار يحترقون بها.
﴿وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ ماءٍ حار بلغ النهاية في الحرارة يُصب عليهم.
***
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ فكل ما ذكر الله -عز وجل- من قوله: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ فإنه مواعظ وتخويف، وكل ذلك نعمة منه تعالى؛ لأنه يزجر عن المعاصي، ولذلك ختم كل آية ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧)﴾.
[٤٦] ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه، فقال: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ أي: مقامه بين يدي ربه للحساب (١) ﴿جَنَّتَانِ﴾ جنة عدن، وجنة النعيم.
[٤٧] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٩)﴾.
[٤٨] ثم وصف الجنتين فقال: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ أغصان، جمع فنن، وهو الغصن المستقيم طولًا.
[٤٩] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥١)﴾.
[٥٠] ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾ في الأعالي والأسافل بالماء الزلال، إحداهما السلسبيل، والأخرى التسنيم.
(١) "أي: مقامه بين يدي ربه للحساب" زيادة من "ت".
[٥١] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٣)﴾.
[٥٢] ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾ صنفان: رطب، ويابس، ونحوهما.
قرأ يعقوب: (فِيهُمَا) بضم الهاء، والباقون: بكسرها (١).
[٥٣] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٥)﴾.
[٥٤] ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ﴾ جمع فراش ﴿بَطَائِنُهَا﴾ جمع بطانة، وهي التي تلي الظِّهارة.
﴿مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ وهو ما غَلُظ من الديباج، وظهائرها من سندس، وهو ما رَقَّ منه، وقيل: إن الإستبرق فارسي معرب. قرأ ورش عن نافع، ورويس عن يعقوب: (مِنِ اسْتَبْرَقٍ) بحذف الألف وكسر النون لإلقاء حركة الهمزة عليها، والباقون: بإسكان النون وكسر الألف وقطعها (٢).
﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ﴾ أي: ما يجتنى منهما، وهو الثمر.
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٥).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٤٠٨ - ٤٠٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٦).
﴿دَانٍ﴾ قريب المتناوَل للقائم والقاعد والنائم.
[٥٥] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٧)﴾.
[٥٦] ﴿فِيهِنَّ﴾ أي: فيهما وفي غيرهما من الجنان ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ خافضات (١) الأعين من النظر إلى غير أزواجهن، ولا يردن غيرهم.
﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ﴾ يمسسهن، والطمث: الجماع بالتدمية، ومنه قيل للحائض: طامث؛ كأنه قال: لم يُدْمِهن بالجماع.
﴿إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ قرأ الكسائي بخلاف عنه: (يَطْمُثْهُنَّ) بضم الميم في هذا الحرف والحرف الثاني، وروي عنه التخيير في أحدهما، بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني، وإذا كسر الأول ضم الثاني، والوجهان ثابتان عنه من التخيير وغيره، وقرأ الباقون: بالكسر (٢)، وفي هذا دليل على أن الجن يغشى كالإنسي.
[٥٧] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
(١) في "ت": "غاضات".
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٢١)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٩٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٦ - ٥٧).
﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٩)﴾.
[٥٨] ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ في حمرة الوجنة وبياض الوجه وصفائهما.
عن رسول الله - ﷺ -: "لكلِّ رجلٍ منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهن دون لحمها ودمها وجلدها" (١).
وروي: أن المرأة تلبس سبعين حلة، فيرى ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء (٢) (٣).
[٥٩] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦١)﴾.
(١) رواه الترمذي (٢٥٢٢)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب: (٦٠)، وقال: حسن صحيح، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. واللفظ الذي ساقه المؤلف هو للبغوي في "تفسيره" (٤/ ٢٧٥).
(٢) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٠٨٦٧)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٨٨٦٤)، عن ابن مسعود موقوفًا.
ورواه البزار في "مسنده" (١٨٥٥)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٣٢١)، وفي "المعجم الأوسط" (٩١٥)، عن ابن مسعود مرفوعًا. وانظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (١٠/ ٤١١) و (١٠/ ٤١٨).
(٣) في "ش": "لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، فيرى ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، ويرى مخ سوقهن دون لحمها ودمها وجلدها. كما روي أن المرأة تلبس سبعين حلة". وما أثبت من "ت"، وهو الموافق لمراجع التخريج.
[٦٠] ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ﴾ بالتوحيد (١) ﴿إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ بالجنة.
[٦١] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٣)﴾.
[٦٢] ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا﴾ أي: من دون الجنتين الأوليين؛ أي: أمامهما.
﴿جَنَّتَانِ﴾ أخريان فالأوليان جنتا السابقين، والأخريان (٢) جنتا أصحاب اليمين.
[٦٣] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿مُدْهَامَّتَانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٥)﴾.
[٦٤] ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ قد علا لونهما في دهمة وسواد من شدة الخضرة والري، نعت (جَنَّتَانِ).
[٦٥] ﴿أبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٧)﴾.
[٦٦] ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾ فوارتان بالماء لا ينقطعان.
[٦٧] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
(١) "بالتوحيد" زيادة من "ت".
(٢) في "ت": "الأولتان" و"الأخرتان".
﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦٩)﴾.
[٦٨] ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ﴾ وعطف على (فاكهة) (وَنخلٌ وَرُمَّانٌ) وإن كانا منها؛ تخصيصًا وبيانًا لفضلهما، فكأنهما قد صارا جنسين آخرين نحو ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: ٩٨]؛ فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء، وثمرة الرمان فاكهة ودواء، واحتج به أبو حنيفة على أن من حلف لا يأكل فاكهة، فأكل رطبًا أو رمانًا، لم يحنث؛ لأنه لا يجعلهما من الفاكهة، وكذا الحكم عنده في العنب، وهذا من مفردات مذهبه؛ خلافًا لصاحبيه والأئمة الثلاثة.
[٦٩] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧١)﴾.
[٧٠] ﴿فِيهِنَّ﴾ يعني: الجنان الأربع ﴿خَيْرَاتٌ﴾ أي: خَيِّرات -بالتشديد-، فخفف؛ لأن خَيْرًا الذي بمعنى أَخْيَرَ لا يجمع، فلا يقال فيه: خيرون، ولا خيرات.
﴿حِسَانٌ﴾ المعنى: فاضلات حسنات خَلْقًا وخُلُقًا.
[٧١] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٣)﴾.
[٧٢] ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ مخدَّرات مستورات لا ينظرن إلى غير أزواجهن.
﴿فِي الْخِيَامِ﴾ جمع خيمة، وخيام الجنة بيوت اللؤلؤ، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "هي دُرٌّ مجوف" (١)، ورواه ابن مسعود عن النبي - ﷺ -.
[٧٣] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٥)﴾.
[٧٤] ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ﴾ أي: قبل أصحاب الجنتين.
﴿وَلَا جَانٌّ﴾ كحور الأوليين، وتقدم تفسيره، ومذهب الكسائي فيه.
[٧٥] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧٧)﴾.
[٧٦] ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ نصب على الاختصاص أو الحال ﴿عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ هو ما تدلَّى من الأسرة من عالي الثياب والبسط، وقيل: هي رياض الجنة، قال ابن عطية (٢): والأول أصوب وأبين (٣).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٧/ ١٦١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره " (١٠/ ٣٣٢٨).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٣٢٨).
(٣) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٣٦).
﴿وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ هي بسط حسان فيها صور وغير ذلك، منسوب إلى عبقر، تزعم العرب أنه بلد الجن، فينسبون إليه كل شيء عجيب، وقيل: العبقري: هي الزرابي، واحدتها عبقرية، والطنافس الثخان، والعرب إذا استحسنت شيئًا واستجادته، قالت: عبقري، قال ابن عطية (١): ومنه قول النبي - ﷺ -: "فلم أَرَ عَبْقَرِيًّا من الناس يَفْري فَرْيَهُ" (٢).
[٧٧] ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
...
﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٧٨)﴾.
[٧٨] ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ تعالى اسمه من حيث إنه مطلق على ذاته، فما ظنك بذاته.
﴿ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾. قرأ ابن عامر: (ذُو الْجَلاَلِ) بواو بعد الذال كالحرف الأول نعتًا للاسم، وكذلك هو في المصاحف الشامية، وقرأ الباقون: (ذِي الْجَلاَلِ) بياء بعد الذال نعتًا للربّ، وكذلك هو في مصاحفهم (٣)، وهذا الموضع مما أريد فيه بالاسم مسماه، قال - ﷺ -: "أَلِظُّوا
(١) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٢٣٧).
(٢) رواه البخاري (٣٤٣٤)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب، ومسلم (٢٣٩٣)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٢١)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٢٩٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٩).
497
بِيا ذا الجلالِ والإكرامِ" (١)، والدعاء بهاتين الكلمتين مرجو الإجابة، والله أعلم.
...
(١) رواه الترمذي (٣٥٢٤)، كتاب: الدعوات، باب: (٩٢)، وقال: حديث غريب، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ورواه النسائي في "السنن الكبرى" (٧٧١٦)، والإمام أحمد في "المسند" (٤/ ١٧٧)، والحاكم في "المستدرك" (١٨٣٦)، وغيرهم من حديث ربيعة بن عامر رضي الله عنه.
498
Icon