تفسير سورة الحاقة

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: (الحاقة) صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله: (القيامة) قوله: (التي يحق) من باب ضرب، ورد أي يثبت ويتحقق، فإسناد التحقيق للزمان مجاز عقلي على حد ليل قائم، فالمراد بها الزمان الذي يتحقق فيه ما أنكر في الدنيا من البعث وغيره، فيصير محسوساً معايناً. قوله: (أو المظهرة لذلك) أي لما أنكر في الدنيا، وأشار بهذا المعنى إلى أن ﴿ ٱلْحَاقَّةُ ﴾ اسم فاعل، أي المحققة والمظهرة، وهو اسناد مجازي أيضاً، وهذان معنيان للحاقة من جملة معان كثيرة كلها ملازمة. قوله:(تعظيم لشأنها) أي فالمقصود من الاستفهام تفخيم شأها وتعظيم قدرها كأنه قال: أي شيء هو لا تحيط به العبارة ولا تحصره اشارة. فالمقام للإضمار، ووضع الظاهر موضعه لتأكيد هولها وتفظيعه كقوله:﴿ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴾[طه: ٧٨].
قوله: (وهما مبتدأ وخبر) الخ، أن ﴿ ٱلْحَآقَّةُ ﴾ مبتدأ أول، و ﴿ مَا ﴾ مبتدأ ثان.
﴿ ٱلْحَاقَّةُ ﴾ الثاني، وهو وخبره خبر الأول، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه. قوله: ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ ﴾ الخ ﴿ مَا ﴾ استفهامية وهو للإنكار، أي إنك لا علم لك بكهنها وشدة عظمها. قوله: (زيادة تعظيم) أي أن حكمة تكرار الاستفهام، زيادة تعظيم لها وتهويل لشأنها. قوله: (وما بعدها) أي وهو جملة إدراك. قوله: (في محل المفعول الثاني) المناسب أن يقول: والثالث، لأن أدري بالهمزة يتعدى لثلاثة، لأنه بمعنى أعلم. قوله: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ﴾ استئناف مسوق لبيان بعض أحوال الحاقة وثمود وقوم صالح، وكانت منازلهم بالحجر بين الشام والحجاز. قوله: ﴿ وَعَادٌ ﴾ هم قوم هود، وكانت منازلهم بالأحقاف، وهو رمل بين عمان وحضرموت باليمن. قوله: (لأنها تقرع القلوب) أي تؤثر فيها خوفاً وفزعاً.
قوله: ﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ ﴾ تفصيل لما حصل لهم في الدنيا من العذاب، بسبب تكذيبهم بالقيامة. قوله: (بالصحية) أي بصيحة جبريل، واعلم ما نزل بثمود، يسمى في القرآن بأربعة أسماء: في الأعراف بالرجفة، وفي هود بالصيحة، وفي حم السجدة بالصاعقة، وفي هذه السورة بالطاغية، فالمراد بالرجفة الزلزلة، لتزلزل الأرض بهم عند صيحة جبريل عليهم، والصاعقة لصعقهم أي موتهم بها، والطاغية لخروجها عن الحد، وما ذكره المفسر أحد تفاسير للطاغية، وعليه فالباء للآلة، وقيل الطاغية مصدر كالكاذبة والعافية، والمعنى أهلكوا بطغيانهم وكفرهم، وعليه فالباء سببية، وقيل: الطاغية عاقر ناقة صالح، والمعنى أهلكوا بسبب ما فعله طاغيتهم من عقر الناقة، وإنما أهلكوا جميعاً، وإن كان الفاعل واحداً لأنهم علموا بفعله ورضوا به. قوله: (المجاوزة للحد) أي لحد الصيحات من الهول والشدة. قوله: (قوي شديدة على عاد) الخ، هذا أحد قولين في تفسير ﴿ عَاتِيَةٍ ﴾ والآخر أن المراد عتت على خزانها، فخرجت بلا كيل ولا وزن، لما في الحديث:" ما أرسل الله سفة من ريح إلا بمكيال، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال، إلا يوم عاد ويوم نوح، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان، فلم يمكن لهم عليه سبيل، وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان، فلم يكن لهم عليها سبيل ". قوله: (أرسلها) أي سلطها. قوله: (أولها من صبح يوم الأربعاء) أي فآخرها غروب الشمس يوم الأربعاء التالي للأربعاء الأول، وكان الشهر كاملاً، فكان آخرها هو اليوم الأخير منه. قوله: ﴿ حُسُوماً ﴾ نعت لسبع ليل وثمانية أيام، أو حال من مفعول سخرها، أي ذات حسوم، والحسم في الأصل تتابع الكي على الداء حتى تنقطع مادته، أطلق عن قيده وأريد منه مطلق تتابع عذاب، فقول المفسر (متتابعات) فيه إشارة إلى أنه مجاز مرسل، علاقته التقييد ثم الإطلاق. قوله: ﴿ فَتَرَى ٱلْقَوْمَ ﴾ أي على فرض حضورك واقعتهم. قوله: ﴿ صَرْعَىٰ ﴾ حال جمع صريع كقتلى وقتيل، والضمير فيها عائد على الأيام والليالي، أو البيوت أو الريح. قوله: (أصول) ﴿ نَخْلٍ ﴾ أي بلا رؤوس، فكانت الريح تقطع رؤوسهم كما تقطع رؤوس النخل. قوله: (فارغة) أي من الحشو، لما روي من أن الريح كانت تدخل من أفواههم، فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم. قوله: ﴿ مِّن بَاقِيَةٍ ﴾ ﴿ مِّن ﴾ زائدة في المفعول. قوله: (لا) أشار به إلى أن الاستفهام إنكاري، قال ابن جرير: مثكوا سبع ليال وثمانية أيام في العذاب بالريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملهم الريح فألقتهم في البحر. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً.
قوله: ﴿ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ ﴾ أي المنقلبات، وهي التي اقتلعها جبريل على جناحه ورفعها قرب السماء ثم قلبها قوله: (أي أهلها) أشار بذلك إلى أنه على حذف مضاف على حد﴿ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ﴾[يوسف: ٨٢].
قوله: (وهي قرى قوم لوط) وكانت خمسة: صنعه وصعره وعمره ودوماً وسدوم وهي أعظمها. قوله: (ذات الخطأ) أشار بذلك إلى أن الخاطئة صيغة نسب كتامر ولابن. قوله: ﴿ فَعَصَوْاْ ﴾ أي فرعون ومن قبله والمؤتفكات. قوله: ﴿ رَسُولَ رَبِّهِمْ ﴾ المراد بالرسول الجنس، وقوله: (وغيره) المراد بالغير خصوص موسى على قراءة كسر القاف، وموسى ومن قبله من الرسل على قراءة فتحها. قوله: (على غيرها) أي من عذاب الأمم. قوله: (علا فوق كل شيء من الجبال) الخ، أي فزاد على أعلى جبل خمسة عشر ذراعاً. قوله: (زمن الطوفان) المناسب أن يقول زمن نوح. قوله: (يعني آباءكم) جواب عما يقال: إن المخاطبين لم يدركوا حمل السفينة، فكيف يتمن الله عليهم. فأجاب: بأن الكلام على حذف مضاف أي آباءكم، وقوله: (إذا أنتم) الخ، ظاهره أنه تعليل لما أجاب به، وليس كذلك، بل هو جواب آخر وحاصله أن الكلام باق على ظاهره، ويراد ﴿ حَمَلْنَاكُمْ ﴾ حال كونكم في أصلاب آبائكم الذين حملوا، وهم أولاد نوح: سام وحام ويافث. قوله: (أي هذه الفعلة) هذا أحد قولين في مرجع الضمير في نجعلها، وقيل عائد على السفينة، والمعنى لنجعل السفينة تذكرة وعظة لهذه الأمة، فبقيت منها بقية حتى أدركها أوائلهم. قوله: ﴿ وَتَعِيَهَآ ﴾ بكسر العين بإتفاق السبعة، وهو منصوب عطفاً على نجعل، وماضيه وعى، وأصل المضارع يوعى، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها. قوله: (حافظ لما تسمع) إسناد الحفظ للأذن مجاز، وحقه أن يسند لصاحبها، والمعنى: شأنها أن تحفظ ما ينبغي حفظه من الأقوال والأفعال وتعمل بمقتضاه. قوله: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾ الخ، لما ذكر الله تعالى القيامة وأهوالها إجمالاً بقوله: ﴿ ٱلْحَاقَّةُ ﴾ الخ، اشتاقت النفس لتفصيل ذلك، ففصل الله تعالى بعضه بقوله: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ ﴾ الخ، وإذا شرطية وجوابها قوله:﴿ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ ﴾[الحاقة: ١٥] وقيل: قوله:﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ ﴾[الحاقة: ١٨].
قوله: ﴿ نَفْخَةٌ ﴾ نائب الفاعل، و ﴿ وَاحِدَةٌ ﴾ نعت مؤكدة، لأن ﴿ نَفْخَةٌ ﴾ مصدر مختص دال على الوحدة، فيصح إقامته مقام الفاعل والممنوع إقامة المبهم نحو ضرب ضرب، ولم يؤنث الفعل وهو ﴿ نُفِخَ ﴾ لأن التأنيث مجازي لوجود الفصل. قوله: (وهي الثانية) هذا هو الصحيح كما روي عن ابن عباس، لأن الثانية هي التي يعقبها الحساب والجزاء، وقيل هي الأولى.
قوله: ﴿ وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ ﴾ أي رفعتها الملائكة أو الرياح أو القدرة بعد خروج الناس من القبور. قوله: (دقتا) أي فتتا وصارتا كثيباً مهيلاً وهباء منثوراً. قوله: ﴿ دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ بالنصب على المصدرية بإتفاق السبعة، وإنما لم يرفع بالنيابة لوجود الضمير بخلافه في ﴿ نُفِخَ ﴾ فلم يوجد ضمير، فأنيب ﴿ نَفْخَةٌ ﴾ مناب الفاعل، فرفع بإتفاق السبعة. قوله: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ ﴾ التنوين عوض عن جملتين محذوفتين وهما ﴿ نُفِخَ ﴾ و ﴿ حُمِلَتِ ﴾.
قوله: (قامت القيامة) أي حصلت ووجدت. قوله: ﴿ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ أي انصدعت وتفطرت من هول ذلك اليوم. قوله: (ضعيفة) أي ليس فها تماسك ولا صلابة، فتصير بمنزلة الصوف المنفوش. قوله: ﴿ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ ﴾ أي أطرافها لينتظرو أمر الله لهم لينزلوا، فيحيطوا بالأرض ومن عليه. قوله: ﴿ فَوْقَهُمْ ﴾ حال من العرش، والضمير عائد على الملائكة الواقفين على الأرجاء. قوله: ﴿ ثَمَانِيَةٌ ﴾ (من الملائكة أو من صفوفهم) هذان قولان من جملة أقوال خمسة، ثالثها: ثمانية آلاف، رابعها: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، خامسها: ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء، ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام قال:" إن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله تعالى بإربعة أخرى، فكانوا ثمانية على صورة الأوعال، أي تيوس الجبل من أظلافهم إلى ركبهم، كما بين سماء إلى سماء ". قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ ﴾ أي تسألون وتحاسبون، وعبر بذلك تشبيهاً له بعرض السلطان العسكر لينظر في أمرهم، فيختار منهم المصلح للتقريب والإكرام، والمفسد للإبعاد والتعذيب، وروي أن القيامة ثلاث عرضات، عرضتان للاعتذار والتوبيخ، والثالثة فيها تنتشر الكتب، فيأخذ الفائز كتابه بيمينه، ويأخذ الهالك كتابه بشماله. قوله: ﴿ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ حال من الواو في ﴿ تُعْرَضُونَ ﴾ والمعنى: لا يخفى على الله من سرائركم التي كنتم تخفونها في الدنيا، وتظنون أنه لا يطلع عليها، بل يذكركم بجميعها حتى تعلموها علماً ضرورياً، قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ ﴾ الخ، تفصيل لأحوال الناس عند العرض. قوله: (خطاباً لجماعته) أي أهله وأقربائه ومن حوله، وإنما أحب إظهار ذلك، سروراً وفرحاً لكونه من الناجين قوله: ﴿ هَآؤُمُ ﴾ لها استعمالان: تكون اسم فعل، وتكون بلفظ واحد للمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، وتكون فعلاً وتلحقها العلامات، ومعناها على كل من الاستعمالين خذو لغة القرآن أنها اسم فعل، والهمزة بعدها بدل من كاف الخطاب، والميم علامة الجمع. قوله: ﴿ كِتَـٰبيَهْ ﴾ أصله كتابي، دخلت هاء، السكت لتظهر فتحة الياء، وكذا في الباقي. قوله: (تنازع فيه) الخ، أي فأعمل الثاني عند البصريين، والأولى عند الكوفيين، وأضمر في الآخرة وحذف لأنه فضله.
قوله: ﴿ إِنِّي ظَنَنتُ ﴾ (تيقنت) أي فالمراد بالظن اليقين، وقال ذلك تحدثاً بنعمة الله تعالى، إشارة ألى أنه نجا بسبب خوفه من يوم الحساب، وذلك أنه تيقن أن الله يحاسبه فعمل للآخرة، فحقق الله رجاءه وأمن خوفه. قوله: (مرضية) أشار بذلك إلى أن صيغة فاعل بمعنى مفعول، أي يرضى بها صاحبها ولا يسخطها، لما ورد:" أنهم يعيشون فلا يموتون أبداً، ويصحون فلا يمرضون أبداً، وينعمون فلا يرون بأساً أبداً ". قوله: ﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ أي مرتفعة المكان، والدرجات والأبنية والأشجار. قوله: ﴿ قُطُوفُهَا ﴾ جمع قطف بكسر القاف أي المقطوف، وهو ما يجتنيه من الثمار. قوله: ﴿ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ ﴾ أي يقال لهم ذلك، والأمر للامتنان. قوله: (متهنئين) أي بذلك الأكل الطيب اللذيذ الشهي، البعيد عن كل أذى، السالم من كل آفة وقذر، فلا بول ولا غائط ولا بصاق ولا مخاط ولا صداع ولا ثقل. قوله: ﴿ بِمَآ أَسْلَفْتُمْ ﴾ الباء سببية وما مصدرية أو اسم موصول. قوله: (الماضية في الدنيا) وقيل هي أيام الصيام، والمعنى: كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله تعالى. قوله: ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ ﴾ الخ، جرت عادة الله تعالى في كتابه حيث ذكر أحوال السعداء يذكر أثر ذلك أحوال الأشقياء. قوله: ﴿ فَيَقُولُ ﴾ أي لما يرى من سوء عاقبته التي رآها. قوله: ﴿ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ ﴿ مَا ﴾ استفهامية متبدأ، و ﴿ حِسَابِيَهْ ﴾ خبرها، والجملة سدت مسد مفعولي ﴿ أَدْرِ ﴾ والاستفهام للتعظيم والتهويل، والمعنى: ولم ادر عظم حسابي وشدته. قوله: (أي الموتة في الدنيا) المعنى: يا ليت الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي، ولم ابعث بعد ذلك أصلاً. قوله: ﴿ مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي ﴾ ﴿ مَآ ﴾ نافية والمفعول محذوف، والمعنى: لم يغن عني مالي شيئاً، أو استفهامية للتوبيخ، أي أي شيء أغنى ما كان لي من اليسار الذي منعت منه حق الفقراء وتكبرت به على عباد الله. قوله: ﴿ مَالِيَهْ ﴾ يحتمل أن ﴿ مَآ ﴾ اسم موصول فاعل أغنى، والجار والمجرور صلة ﴿ مَآ ﴾ ويحتمل أن مالي كلمة واحدة بمعنى المال فاعل ﴿ أَغْنَىٰ ﴾ مضاف لياء المتكلم. قوله: (قوتي وحجتي) اشار المفسر بذلك إلى أن في السلطان تفسيرين: أحدهما القوة التي كانت في الدنيا، والثاني الحجة التي كان يحتج بها على الناس. قوله: (وهاء كتابية) الخ (هاء) مبتدأ، و(للسكت) خبر أول، وقوله: (تثبت) خبر ثان. قوله: (تثبت وقفاً) أي على القاعدة في هاء السكت. قوله: (ووصلا) هذا مخالف لقاعدة هاء السكت، ولما كان مخالفاً أجاب بجوابين: الأول قوله: (اتباعاً للمصحف) أي فلما كانت ثابتة فيه ثبتت في النطق ولو في الأصل إتباعاً للرسم الثاني. قوله: (والنقل) أي واتباعاً للنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عنه ثبوتها وصلا فليس لحناً، لأن ما خرج عن القواعد لا يكون لحناً إلا إذا لم يثبت، وهذا قد ثبت عن النبي ونقل إلينا بالتواتر. قوله: (ومنهم) أي القراء السبعة وهو حمزة، والعشرة وهو يعقوب.
قوله: ﴿ خُذُوهُ ﴾ معمول القول مقدر جواب عن سؤال مقدر تقديره ما يفعل به بعد ذلك؟ فقيل: يقال الخ. قوله: (خطاب لخزنة جهنم) أي زبانيتها، وسيأتي في المدثر أن عدتهم تسعة عشر، قيل: ملكاً، وقيل: صفاً، وقيل صنفاً. قوله: ﴿ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ ﴾ الترتيب في الزمان والرتبة، فإن إدخاله في النار بعد غله، وكذا إدخاله في السلسلة بعد إدخاله النار، وكل واحد أشد مما قبله. قوله: ﴿ صَلُّوهُ ﴾ أي كرروا غمسه في النار، كالشاة التي تصلى، أي تشوى على النار مرة بعد مرة. قوله: ﴿ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً ﴾ (بذراع الملك) هذا قول ابن عباس قال: فتدخل في دبره وتخرج من منخره، وقيل: سبعون ذراعاً، كل ذراع سبعون باعاً، كل باع أبعد ما بين مكة والكوفة، وقيل: سبعون ذراعاً، كل ذراع سبعون ذراعاً، وقيل: ليس المراد بالعدد حقيقته، بل هو كناية عن عظمها وطولها، قال كعب: لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها، اجارنا الله منها، واشار سبحانه إلى ضيقها على ما تحيط به من بدنه بتفسيره بالسلك قال: فاسلكوه أي ادخلوه بحيث يكون كأنه السلك الذي يدخل في ثقب الخرز، لإحاطتها بعنقه وبجميع اجزائه. قوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ تعليل على طريق الاستئناف كأنه قيل: ما باله يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بذلك، ولعل وجه التخصيص لهذا الأمرين بالذكر، أن الكفر أقبح الأشياء، والبخل مع قسوة القلب يليه. قوله: ﴿ وَلاَ يَحُضُّ ﴾ ألا يحث ولا يحرض نفسه ولا غيره، وقوله: ﴿ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ ﴾ أي إطعامه. قوله: ﴿ فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا ﴾ الخ، أي في الآخرة، و ﴿ حَمِيمٌ ﴾ وما عطف عليه اسم ليس، وخبرها الظرف قبله. فإن قلت: ما التوفيق بين ما هنا وبين قوله في محل آخر﴿ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ﴾[الغاشية: ٦] وفي موضع آخر﴿ إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ ﴾[الدخان: ٤٣-٤٤] وفي موضع آخر﴿ أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ ﴾[البقرة: ١٧٤] قلنا: لا منافاة، إذ جمع ذلك طعام لهم، فالحصر اضافي، والمنفى بالحصر طعام فيه نفع. قوله: (صديد أهل النار) هو ما يجري من الجراح إذا غسلت. قوله: (أو شجر فيها) أي إذا اكلوه يغسل بطونهم، أي يخرج ما فيها من الحشو. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ ﴾ العامة يهمزون ﴿ ٱلْخَاطِئُونَ ﴾ هو اسم فاعل من خطئ يخطأ إذا فعل غير الصواب متعمداً والمخطئ من يفعله غير متعمد. قوله: (زائدة) أي والمعنى: أقسم لكم يا عبادي بما تشاهدون من المخلوقات وبما لا تشاهدون الخ، وإنما قسم بالمخلوقات لعظمها وشرفها، بعظم خالقها وموجدها، فالقسم بالمخلوقات لا من حيث ذاتها، بل من حيث إنها آثار عظمته ومظهر صفاته سبحانه وتعالى، والنهي عن القسم بغير الله خاص بالمخلوق، وأما هو سبحانه فله أن يقسم بما شاء على ما شاء، وما ذكره المفسر أحد قولين، والآخرة أنها أصلية، والمعنى: أن هذا الأمر لظهوره ووضوحه غني عن القسم، والأول أوضح وأوجه. قوله: (من المخلوقات) بيان لما. قوله: (أي بكل مخلوق) تفسير لمجموع. قوله: ﴿ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ ﴾.
قوله: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ هذا هو المحلوف عليه، وكذا قوله: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ وما بعده، والمراد بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكرمه اجتماع الكمالات فيه، فهو أكرم الخلق على الإطلاق، وقيل: المراد به جبريل عليه السلام، ويؤيده قوله في سورة التكوير﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾[التكوير: ١٩] وكرمه كونه رئيس العالم العلوي. قوله: (أي قاله رسالة) الخ، جواب عما يقال: إن القرآن قول الله تعالى وكلامه، فكيف يقال: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ فأجاب بأنه قوله على سبيل التبليغ، والحاصل أنه ينسب لله من حيث إيجاده ولجبريل من حيث تلقيه عن الله، ولمحمد من حيث تلقيه عن جبريل. قوله: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ الخ، إنما عبر بالإيمان في جانب نفي الشعر، والتذكر في جانب نفي الكهانة، لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر ظاهر؟ لا ينكره إلا معاند كافر، بخلاف مغايرته للكهانة، فإنها متوقفة على التذكر والتدبر في أحواله صلى الله عليه وسلم الدالة على أنه ليس بكاهن. قوله: ﴿ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ ﴾ أي تؤمنون بشيء قليل مما جاء مما يوافق طبعكم، وهذا ما درج عليه المفسر، وقيل: أراد بالقلة نفي إيمانهم أصلاً، لأن الإيمان بشيء دون شيء كلا إيمان، وذلك كقولك لمن يزورك: قلما تأتينا أنت وتريد لا تأتينا أصلا. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما سبعيتان، فالأولى لمناسبة ﴿ تُبْصِرُونَ ﴾، والثانية التفات عن الخطاب إلى الغيبة. قوله: (وما زائدة مؤكدة) أي لمعنى القلة، و ﴿ قَلِيلاً ﴾ صفة لمصدر محذوف في الموضعين، أي إيماناً قليلاً، وتذكراً قليلاً. قوله: (مما أتى به النبي) من للتبعيض في محل الحال من أشياء، والمعنى: حال كون تلك الأشياء اليسيرة بعض ما أتى به النبي، وقوله: (من الخير) بيان للأشياء اليسيرة التي هي بعض ما أتى به النبي، فكان المناسب للمفسر أن يقدمه على قوله: (مما أتى به النبي) والمراد بالخير الصدقة، وبالصلة الأرحام، وبالعفاف الكف عن الزنا، وإنما آمنوا بهذه الأشياء لموافقتها طباعهم.
قوله: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا ﴾ أي تكلف التقول. قوله: ﴿ بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ ﴾ إما جمع أقوال وهو جمع قول، أو جمع أقوولة كأعاجيب جمع إعجوبة، فعلى الأول أقاويل جمع الجمع، وعلى الثاني جمع فقط، والمعنى: لو نسب إلينا قولاً لم نقله، أو لم نأذن له في قوله: ﴿ لأَخَذْنَا ﴾ الخ. قوله: (لنِلنا) فسر الأخذ بالنيل لتعديته بالجار، وعليه فمن والباء غير زائدتين، والمعنى: لنلنا منه بالقوة والقدرة، فاليمين كناية عن القوة والغلبة، وأل عوض عن المضاف إليه، أي يمين الله، ويصح أن يراد باليمين الجارحة، والباء زائدة والمعنى: لأخذنا منه يمينه، كما يفعل بالمقتول صبراً يؤخذ بيمينه، ويضرب بالسيف في عنقه مواجهة. قوله: (وهو عرق متصل به) الخ، هذا قول ابن عباس والجمهور، وقيل: الوتين هو القلب ومراقه وما يليه، وقيل: هو عرق بين العنق والحلقوم، وقيل: هو كناية عن اماتته. والمعنى: لو كذب علينا لأمتناه، فكان كمن قطع وتينه. قوله: ﴿ عَنْهُ ﴾ أي عن عقابه، فهو على حذف مضاف. قوله: ﴿ حَاجِزِينَ ﴾ مفعوله محذوف أي حاجزين لنا. قوله: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ ﴾ هذا وما بعده معطوف على جواب القسم، فهو في جملة المقسم عليه. قوله: ﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون به. قوله: ﴿ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ ﴾ أي فنمهلهم، ثم بعد بعثهم نجازيهم على تكذيبهم، وقوله: (وَمُصَدِقْيِنَ) أشار بذلك إلى أن في الآية حذف الواو مع ما عطفت. قوله: (أي لليقين الحق) أشار بذلك إلى أنه من إضافة الصفة للموصوف، والمعنى: من تمسك به وعمل بمقتضاه، صار من أهل حق اليقين. قوله: (زائدة) أي لفظ باسم زائد. والمعنى: نزه ربك العظيم، واشكره على ما أعطاك من النعم العظيمة، ولا تلتفت لهم ولا لكيدهم.
Icon