تفسير سورة يوسف

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة يوسف من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة يوسف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية واثنا عشر ركوعا.

﴿ الر تِلْكَ ﴾ إشارة إلى آيات السورة، ﴿ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ : الواضح الجلي، أو المفصح عن الأشياء المبهمة.
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ﴾ أي : الكتاب، ﴿ قُرْآنًا١، حال، فإنه مصدر بمعنى مفعول، ﴿ عَرَبِيًّا٢ صفة له، أو حال٣، ﴿ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي أنزلناه بلغتكم كي تفهموا معانيه.
١ القرآن اسم جنس يقع على الكل وعلى البعض/١٢ منه..
٢ أخرج الحاكم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلى قرآنا عربيا ثم قال: ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاما/١٢ فتوح. [المستدرك (٢/٤٣٩) وصححه على شرط السيخين، وتعقبه الذهبي بأن فيه إبراهيم بن إسحاق، كان يسرق الحديث]..
٣ من الضمير الذي في قرآنا أو حال بعد حال/١٢ منه..
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ١ مصدر بمعنى الاقتصاص، وأحسنيته في كونه بالغة في الفصاحة، فيكون مفعولا مطلقا، والمقصوص محذوف، أو فعل بمعنى مفعول، وأحسنيته لما فيه من النكت والحكم والعجائب، فيكون مفعولا به، ﴿ بِمَا أَوْحَيْنَا ﴾ : بإيحائنا، ﴿ إِلَيْكَ هَذَا القرآن ﴾ أي : السورة، وهو إما مفعول الإيحاء، أو مفعول نقص على الوجه الأول، ﴿ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ : عن هذه القصة، لا تعلمها، وإن هي المخففة.
١ لما فيه من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها فإن إحدى الفوائد: التي في هذه القصة أنه لا دافع لقضاء الله تعالى، وأنه تعالى إذا قضى للإنسان بخير ومكرمة فلو أن أهل العالم اجتمعوا عليه لم يقدروا على دفعه الفائدة الثانية: دلالتها على أن الحسد سبب للخذلان والنقصان والفائدة الثالثة: أن الصبر مفتاح الفرج كما أن يعقوب ويوسف فازا بصبرهما/ ١٢ كبير..
﴿ إِذْ قَال ﴾ بتقدير اذكر، أو بدل اشتمال من أحسن القصص على تقدير مفعوليته، ﴿ يُوسُفُ١ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ ﴾ تاء التأنيث عوض عن الياء، ومن يفتح التاء، فلأنه كان يا أبتا، فحذفت الألف، ﴿ إِنِّي٢ رَأَيْتُ ﴾ : من الرؤيا، ﴿ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر٣ رَأَيْتُهُمْ٤ لِي سَاجِدِينَ ﴾ : استئناف٥، كأنه قيل : كيف رأيتهم ؟ فقال رأيتهم لي ساجدين، وأجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم، وساجدين حال.
١ ويوسف اسم عبري، ولذلك لا يجرى عليه الصرف، وقيل عربي، وسئل أبو الحسن عن يوسف فقال: الأسف في اللغة الحزن، والأسيف العبد، واجتمعا في يوسف عليه السلام فسمى به / ١٢ معالم..
٢ وكان يوسف عليه السلام ابن اثني عشرة سنة حين رأى هذه الرؤيا /١٢ معالم..
٣ سماهما باسمهما كأنهما ليسا من جنس الكواكب ولم يقل ثلاثة عشر/ ١٢ منه..
٤ وكان النجوم في التأويل إخوته وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم، والشمس أبوه والقمر أمه قاله قتادة. وقال السدى: القمر خالته لأن أمه راحيل كانت قد ماتت / ١٢ منه..
٥ فلا يكون في رأيت تكرار /١٢..
﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ ﴾ التصغير للشفقة، ﴿ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا ﴾ : يحتالون لإهلاكك حيلة، حسدا مهم، فإنهم يعلمون تأويلها، ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ فيحملهم على الكيد.
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾، كما اجتباك بهذه الرؤيا العظيمة، ﴿ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾ : يصطفيك، ﴿ وَيُعَلِّمُكَ ﴾ : كلام برأسه غير داخل في التشبيه، ﴿ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ تعبير الرؤيا، وقيل : تأويل آيات كتب الله - تعالى، ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ بالنبوة، ﴿ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ﴾ أراد سائر أولاده، ﴿ كمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ ﴾ : من قبل هذا الوقت، ﴿ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ عطف بيان لأبويك، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ ﴾ : بمن يستحق النبوة، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ : في أفعاله.
﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ﴾ : في قصتهم، ﴿ آيَاتٌ ﴾ : عظة وعبرة، ﴿ لِّلسَّائِلِينَ١ : عنها المستخبرين، فإنه خبر عجيب يستحق الأخبار عنه، وقيل : اليهود سألوه ومن آياته وضوح دلالته على صدق محمد – عليه السلام - فإنه موافق لما في التوراة.
١ روى أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف فنزلت السورة /١٢ منه..
﴿ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُف ﴾ اللام للابتداء، ﴿ وَأَخُوهُ ﴾ أي : من الأبوين، ﴿ أَحَبُّ ﴾ يستوي في أفعل، من الواحد والجمع، ﴿ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ ﴾ الواو للحال، ﴿ عُصْبَة ﴾ جماعة أقوياء، أليق بالمحبة، ﴿ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ لتفضيل المفضول أي : ضلال دنيوي، ولا يجب عصمة الأنبياء عن ذلك١ الضلال ولا شك أن إخوته ليسوا في ذلك٢ الحين أنبياء، قال بعضهم : لم يقم دليل على أنهم صاروا أنبياء.
١ فلا يكون ذلك الإطلاق كفرا منهم، نعم يكون سواء أدب وقول حرام / ١٢ منه..
٢ فلا يجب عصمتهم ولا يشكل بقصدهم إهلاك أخيهم / ١٢ منه..
﴿ اقْتُلُواْ يُوسُفَ ﴾ من جملة المحكي، ﴿ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ﴾ بعيدة منكورة، وهو معنى تنكيرها، ولإبهامها نصبت نصب الظروف المبهمة، ﴿ يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ﴾ جواب الأمر، يخلص لكم وجهه عن إقباله بيوسف، فقيل بكليته عليكم، ﴿ وَتَكُونُواْ ﴾ عطف على يخل، ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ : بعد يوسف، ﴿ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ : تائبين أو يصلح أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
﴿ قَالَ قَائِلٌ مَّنْهُمْ ﴾ هو يهوذا، أو رويبيل، أو شمعون، ﴿ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾ : قعر١ قيل : هو بئر بيت المقدس، ﴿ يَلْتَقِطْه ﴾ : يأخذه، ﴿ بَعْضُ السَّيَّارَةِ ﴾ : المسافرين، ﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ : عازمين على أن تفعلوا به شيئا، كأنه لم يرض بإضراره.
١ قيل: بئر على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب أو بئر بين مصر ومدين أو بأرض أردن /١٢ منه..
﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ أي : لم تخافنا عليه، ونحن مشفقون عليه مردوه له الخير.
﴿ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا ﴾ : إلى الصحراء، ﴿ يَرْتَعْ ﴾ الرتع الاتساع في الملاذ، ﴿ وَيَلْعَبْ ﴾ : بالاستباق١، ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ : من أن يناله ضر.
١ بدليل قوله: "ذهبنا نستبق" /١٢ منه..
﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ ﴾ : لشدة مفارقته علي، ﴿ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ ﴾ فإن أرضهم كانت مذأبة، ﴿ وَأنتم عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ : مشتغلون بلعبكم.
﴿ قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ ﴾ اللام موطئة للقسم، ﴿ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ﴾ : جماعة أقوياء والواو للحال، ﴿ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ﴾ : ضعفاء عاجزون وهو جواب القسم.
﴿ فلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ ﴾ : اتفقوا، ﴿ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾ وجواب لما محذوف، أي : فعلوا به ما فعلوا، ﴿ وَأَوْحَيْنَا١ إِلَيْهِ٢ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا ﴾، لتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا، ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ : بوحي الله وإعلامه إياه ذلك، أو هم لا يعرفونك حين تخبرهم، كما قال تعلى :" فعرفهم وهم له منكرون ".
١ أي إلى يوسف تبشيرا له وتأنيسا لوحشته مع كونه صغيرا اجتمع على إنزال الضرر به عشرة رجال من إخوته بقلوب غليظة نزعت قد نزعت عنها الرأفة فإن الطبع البشرى ـ دع عنك الدين – يتجاوز عن ذنب الصغير ويغتفره لضعفه عن الدفع وعجزه عن أيسر شيء يراد منه، فكيف بصغير لا ذنب له، بل كيف بصغير هو أخ وله ولهم أب مثل يعقوب، فلقد أبعد من قال إنهم كانوا أنبياء في ذلك الوقت فما هكذا عمل الأنبياء ولا فعل الصالحين، وفي هذا دليل على أنه يجوز أن يوحي الله إلى من كان صغيرا ويعطيه النبوة حينئذ كما وقع في عيسى ويحي بن زكريا، وقيل: معنى الوحي هنا الإلهام كقوله تعالى "وأوحى ربك إلى النحل" (النحل: ٦٨)، "وأوحينا إلى موسى" (القصص: ٧)، والأول أولى وقد قيل: إنه كان في ذلك الوقت قد بلغ مبلغ الرجال وهو بعيد جدا فإن من كان قد بلغ مبالغهم لا يخاف عليه أن يأكله الذئب/١٢ فتوح..
٢ لوحشته في الجب وشدة فيه /١٢ وجيز..
﴿ وَجَاءواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ﴾، العشاء : آخر النهار، ويبكون حال.
﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ﴾ : نتسابق في الرمي أو العدو، ﴿ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ ﴾ : بمصدق، ﴿ لِّنَا ﴾ : في هذه القصة، ﴿ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ : عندك في القضايا لسوء ظنك بنا.
﴿ وَجَاءوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾، وصف بالمصدر مبالغة، كأنه نفس الكذب، وعلى قميصه حال من دم، وجاز تقدمه على صاحبه، لأنه ظرف، أو محله النصب على الظرف، أي : فوق قميصه، كما تقول : جاء على جماله بأحمال، ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ ﴾ : سهلت، ﴿ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ : عظيما، ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ : أجمل، أو فأمري١ صبر جميل، ﴿ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾، أي : على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف، وقد نقل أنهم ذبحوا سلخة ولطخوا ثوبه بدمها فلما٢جاءوا بثوبه، قال يعقوب، ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني، ولم يمزق عليه قميصه٣.
١ يعني فصبر جميل إما مبتدأ محذوف الخبر أو خبر مبتدأ محذوف /١٢..
٢ فأخذ يعقوب بثوبه ولطخ به وجهه وبكى ثم تأمل وقال: ما رأيت إلخ/١٢ وجيز..
٣ ثم قال: "بل سولت"/إلخ ١٢..
﴿ وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ ﴾ : مسافرين، ﴿ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ ﴾، وهو الذي يطلب لهم الماء، ﴿ فَأَدْلَى ﴾ : أرسل، ﴿ دَلْوَهُ ﴾، في الجب فتدلى بها يوسف فلما رآه، ﴿ قَالَ يَا بُشْرَى ﴾ : نادى البشرى : كأنه يقول : تعالى فهذا من أونتك، قال بعضهم : بشرى اسم صاحب له ناداه١، ﴿ هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ ﴾ : أخفى الواردون أمره من بقية السيارة، ﴿ بِضَاعَةً ﴾، حال، أي متاعا للتجارة، قالوا : هو بضاعة لنا من أهل هذا الماء، أو ضمير الجمع لإخوة٢ يوسف أي كتموا أنه أخوهم، وباعوه، فإنهم يستخبرون كل يوم منه، ﴿ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ : بيوسف.
١ قيل بعلقه بالحبل وإخراجه من الجب دال على صغر سنه، غلام يرجح هذا المعنى، لأنه ابن سبعة عشرة /١٢..
٢ قاله ابن عباس قيل: إن يهوذا كان يأتيه كل يوم بالطعام، فأتاه يومئذ فلم يجده فيها فأخبر إخوته فجاءوا إلى السيارة ووجدوه عندهم فقالوا: هذا عبدنا أبق منا فاشتروه وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه/١٢ منه..
﴿ وَشَرَوْهُ ﴾ : باعه الواردون أو إخوته، ﴿ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾ : زيف١ أو قليل، ﴿ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ : قليلة، بدل من الثمن، والدراهم عشرون أو اثنان وعشرون أو أربعون، ﴿ وَكَانُواْ ﴾، أي : إخوته، ﴿ فيه ﴾ : في يوسف، ﴿ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ : من الراغبين عنه أو كان الواردون زاهدين في يوسف فهم الذين باعوا بثمن بخس، لأنه ملتقط وهم خائفون من انتزاعه فاستعجلوا في بيعه فيكونوا راغبين عنه وفيه متعلق بمحذوف يبينه من الزاهدين، لأن ما بعد الجار والوصول لا يعمل فيما٢ قبله.
١ ناقص العيار /١٢..
٢ وجوز صاحب البحر تعليقه بالزاهدين وقال: في الظرف اتساع /١٢..
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ ﴾ وهو العزيز١ الذي كان على خزائن مصر، ﴿ لاِمْرَأَتِهِ ﴾ : راعيل أو زليخا، ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ﴾ : منزله، أي : أحسني تعهده، ﴿ عَسَى أَن يَنفَعَنَا ﴾ : يكفينا أمورنا أو نبعه بالربح، ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ وكان عقيما، ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ﴾ أي : مكناه في مصر، وجعلناه ملكا، مثل ما أنجبناه وعطفنا عليه العزيز، ﴿ وَلِنُعَلِّمَهُ ﴾، عطف على مقدر أي : مكنا لمصالح ولنعلمه، ﴿ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ تعبير الرؤيا وقيل : معاني كتب الله تعالى، ﴿ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ : يفعل ما يشاء لا يغلبه شيء قيل : الضمير ليوسف أي : أراد إخوته شيئا والله أراد شيئا آخر ولا راد لما أراد، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ : إن الأمر كله بيده، والمراد منه الكفار أو لا يعلمون لطائف تدبيره، فالمراد منه أعم.
١ والملك غيره/ ١٢..
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ : استكمل خلقه وتم كان سنه حينئذ ثلاثة وثلاثين أو بضعا وثلاثين أو عشرين أو أربعين أو هو الحلم وقيل غير ذلك، ﴿ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ : نبوة وفقها في الدين، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ : فإنه محسن في عمله صابر على النوائب.
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ ﴾ : طلبت١منه أن يواقعها، ﴿ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ ﴾ وكانت سبعة، ﴿ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ﴾ : أقبل وبادر اسم فعل واللام للتبيين كما في سقيا لك، ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ ﴾ : أعوذ بالله معاذا، ﴿ إِنَّهُ ﴾، أي : الشأن، ﴿ رَبِّي ﴾ : سيدي الذي اشتراني، ﴿ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ : أكرمني فلا أخونه وقيل إن الله ربي أحسن منزلتي فلا أعصيه، ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ : المجازون الحسن بالسيئ أو يسعد الزناة.
١ من راد يرود إذ جاء وذهب والمراودة منازعة في الرود بأن يكون له مقصدا مجيئا و ذهابا ومعنى المفاعلة هاهنا إما المبالغة في رودها أو الدلالة على اختلافهما فيه وكنى، بمن المخادعة لأجل النكاح ولأجل ذلك عداه بعن كأنه قال: و خادعته عن نفسه ولم يصرح باسمها سترا على الرم والعرب يضيف البيوت للنساء فيقال: ربة البيت، و صاحبة البيت /١٢ وجيز..
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ ١بِهِ ﴾ : قصدت مخالطته، ﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ : قصد مخالطتها لميل الطبع والشهوة الغير الاختياري، ﴿ لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ : جوابه٢ محذوف أي : لخالطها وما ذكره أكثر السلف هو أن رأى صورة أبيه عاضا على أصبعه٣ يعظه، ﴿ كَذَلِكَ ﴾ : مثل ذلك التثبيت ثبتناه، ﴿ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ﴾ : خيانة صاحبه، ﴿ وَالْفَحْشَاء ﴾ : الزنا، ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾، من الذين أخلصهم الله تعالى لعبادته.
١ نقل محي السنة عن بعض أهل الحقائق أن الهم همان هم ثابت وهو إذا كان معه عزم وعقد ورضي مثل هم امرأة العزيز فالعبد مأخوذ به، وهم غير ثابت وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم مثل هم يوسف فالعبد غير مأخوذ به /١٢ منه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمله فإذا عملها فإنا أكتبها له بعشر أمثالها وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فإنا أغفرها ما لم يعملها فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها سيئة/١٢ معالم. [أخرجه البخاري في "الرقاق" (٦٤٩١)، ومسلم في "الإيمان"، (١/٣٣٥)]..

٢ قال صاحب البحر ونعم ما قال: أن جواب لولا هو هو عين المقدم أو دل عليه المقدم وليس في كلام العرب ولا في قواعد النحو ما بينا في ذلك نحو فارقت لولا أن عصمك الله معناه لولا العصمة لفارقت فتقديره هنا لولا أن رأى برهان ربه لهم لكن ما هم لرؤية برهان ربه فمن يجوز تقديم الجواب فقوله هم بها نقس الجواب ومن لم يجوز فمحذوف دال عليه المقدم نحو "إن كانت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها" (القصص: ١٠)، هذا هو الكلام ولم يصح من أقوال السلف شيء دال على همه عليه السلام/ ١٢ وجيز..
٣ قال في الفتح بعد ما ذكر الاختلاف: والحاصل أنه رأى شيئا حال بينه وبين ما هم به والله أعلم بما هو وقد أطال المفسرون في تعيين البرهان الذي رآه بلا دليل يدل عليه من السنة المطهرة/١٢. [لم يثبت في ذلك شيء يشتغل به]..
﴿ وَاسُتَبَقَا الْبَابَ ﴾ فيه تضمير الابتدار ولذلك عدى بنفسه أو تسابقا إليه تسابقا إليه بحذف إلى، ﴿ وَقَدَّتْ ﴾ : شقت، ﴿ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ ﴾ : من خلف، و ذلك لأنه فر منها وأسرعت وراءه واجتذبت ثوبه لتمنعه الخروج فانقد، ﴿ وَأَلْفَيَا ﴾ : صادفا، ﴿ سَيِّدَهَا ﴾ : زوجها، ﴿ لَدَى الْبَابِ ﴾ فأحضرت كيدها وتبرأت ساحتها ونسبت إليه، ﴿ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ليس جزاؤه إلا السجن أو أي : شيء جزاؤه١ إلا السجن.
١ يعني "ما" في ما جزاؤه جاز أن يكون نافية و جاز أن يكون استفهامية /١٢..
﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ الشاهد كان صبيا في المهد أو رجلا من أرقاب زليخا أو من خاصة الملك، ﴿ إِن كَانَ قَمِيصُهُ ﴾ أي : فقال الشاهد : إن كان قميصه و سماه شاهد، لأنه ثبت قول يوسف بكلامه قال بعضهم : شهد شاهد أي : حكم١ حاكم فقال : إن كان إلخ، ﴿ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴾ : فإنه إذا كان تابعها وهي دافعة عن نفسها قدت قميصه من قدامه بالدفع.
١ هذا قول سعيد بن جبير والضحاك ورواية العوفي عن ابن عباس وروى سعيد بن جبير عن ابن عن النبي – صلى الله عليه وسلم – (أن ساهد يوسف طفل تكلم) /١٢ منه. [أخرجه الحاكم (٢/٤٩٦)، وضعه الشيخ الألباني كما في الضعيفة (٢/٢٧٢)]..
﴿ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ ﴾ : فإنه دال على أنها هي التي تبعته واجتذبت ثوبه إليها والجمع بين إن للاستقبال وكان على تأويل أن يعلم أنه كان قميصه.
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ ﴾ : لما عرف خيانة امرأته، ﴿ إِنَّهُ ﴾ : إن هذا الصنيع، ﴿ مِن كَيْدِكُنَّ ﴾ والخطاب لها لسائر النساء، ﴿ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ١.
١ وحيل النساء قد اشتهرت قال تعالى: "ومن النفاثات في العقد" (الفلق: ٤)/١٢ وجيز..
﴿ يُوسُفُ ﴾ أي : يا يوسف، ﴿ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ﴾ : اكتمه ولا تذكره، ﴿ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾ : من القوم المتعمدين للذنب والتذكير للتغليب قيل : إنه كان قليل١ الغيرة.
١ ولا شك أنه كان قليل الغيرة قال صاحب البحر تربة المصر اقتضت هذا ولذلك لا ينشأ فيها الأسد ولو أتى لأسرع له الموت وليس ببعيد أن يقال: إن قوله: كيدكن، بصيغة الجمع براعة الاستهلال عذرها كأنه قال: مثل تلك الشنيعة ليست بأول قارورة كسرت منك فإنها عادة جميع النساء/ ١٢ وجيز..
﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ ﴾، اسم مفرد لجمع١ المرأة وتأنيثه غير حقيقي، ﴿ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ﴾ : تطلب من عبدها الفاحشة، ﴿ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ﴾، أي : خرق* حبه شغاف أي : حجاب قلبها، فوصل إلى الفؤاد، وحبا تمييز، وفاعل شغف ضمير الفتى، ﴿ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾.
١ كلمة اسم لجماعة النساء أيضا ولهذا لم يقل وقالت /١٢..
﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ ﴾، تسميته مكرا لما علمت أنهن أردن بهذا القول أن تريهن يوسف أو لأنهن أفشين١ سرها، ﴿ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ ﴾ : دعتهن، ﴿ وأعدت لَهُنَّ مُتَّكَأ٢ : ما يتكأ عليه قال أكثر السلف المتكأ المجلس المعد فيه مفارش ومخاد٣ وطعام فيه ما يقطع بالسكين، ﴿ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ﴾ : لقطع ما في المائدة مما يحتاج إليه، ﴿ وَقَالَتِ ﴾ : حين أخذن السكاكين :﴿ اخْرُجْ ﴾ : يا يوسف، ﴿ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ﴾ عظمنه وهبن ذلك الحسن وقيل : أكبرنه أي : حضن له من شدة الشبق فإن المرأة إذا أكبرت حاضت أو الهاء للسكت، ﴿ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ : جرحنها من فرط الحيرة، ﴿ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ﴾ : أصله حاشا فحذفت الألف تخفيفا وهي من حروف الجر وضعت موضع التنزيه والبراءة كأنه قال : براءة ثم قال : لله ؛ لبيان من يبرئ وينزه كسقيا لك والمعنى تنزيها لله من العجز وتعجبا من قدرته على هذا الخلق الجميل، ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا ﴾ : فإنه لم يعهد للبشر مثل ذلك الجمال وأعمل ما عمل ليس لمشاركتهما في نفي الحال وهو لغة الحجاز، ﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ فإن٤ جماله فوق جمال البشر.
١ يعني هي استكتمتهن فأفشينه عليها /١٢..
٢ يقال اتكاؤنا عنه: أي طعمنا وعن مجاهد متكأ طعاما يجز جزا كأن المعنى يعتمد بالسكين لقطعه /١٢..
٣ جمع مخدة بالكسر /١٢..
٤ أخرج أحمد وغيره عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطي يوسف و أمه شطر الحسن" وقد وردت روايات عن جماعة من السلف في وصف حسن يوسف والمبالغة في ذلك /١٢ فتح. [أخرجه أحمد (٣/٢٨٦)، والحاكم (٢/٥٧٠) وغيرهما وصححه الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي، ولفظ مسلم (١/٣٩٠) كما في حديث ا لإسراء: "فإذا أن بيوسف ٦صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطى شكر الحسن"]..
﴿ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ﴾ : وضع ذلك موضع هذا رفعا لمنزلته واستبعادا لمحله في الحسن، ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ﴾ : بالغ في عصمته اعترفت عندهن لما علمت أنهن يعذرنها، ﴿ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ ﴾ بحذف حرف الجر أي : ما أمر به، ﴿ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ : من الأذلاء والنون الخفيفة يكتب في خط المصحف ألفا على حكم الوقف.
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ : من المعصية أصناف الدعوة إليهن تنصحن له مطاوعتها، ﴿ وَإِلاَّ ﴾ أي : وإن لم، ﴿ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ ﴾ : أمل، ﴿ إِلَيْهِنَّ ﴾ بإجابة كلامهن، وقيل : إنهن جميعا دعونه إلى أنفسهن، ﴿ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ١ : من السفهاء الذين يعملون القبائح.
١ لأن من لا يعمل بعلمه فهو والجاهل سواء/١٢..
﴿ فاسْتَجَابَ ﴾ : أجاب، ﴿ لَهُ رَبُّهُ ﴾ : دعائه، ﴿ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ﴾ : بأن عصمه الله حتى اختار السجن، ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ : لدعوات الملتجئين إليه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ : بأحوالهم.
﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم ﴾ : ظهر للعزيز وأصحابه، ﴿ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ١ : على براءة يوسف من قد القميص وكلام الطفل وغيرهما وفاعل بدا ضمير يفسره قوله ﴿ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ أي : إلى مدة يرون فيه رأيهم فإن المرأة خدعت لروجها وحملت على سجنه ليظهر للناس أنه راودها عن نفسها.
١ نقل عن ابن عباس أنها قالت لزوجها: هذا الغلام العبراني قد فضحني وهو يحكي عند الخلق الحكاية، وأنا محبوسة [في الأصل: (محبوس)] في بيتك محجوبة عن الخلق لا أقدر أروح إليهم أعتذر وأكذبه فإما أذنت لي أخرج وأعتذر أو احبسه كما أني محبوسة فحينئذ بدا لهم سجنه و أمر به فحمل على حمار وضرب أمامه بالطبل ونودي عليه في الأسواق إن هذا الغلام العبراني يريد خيانة سيده فجزاؤه أن يسجن قال أبوا صالح: ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلا بكى /١٢ وجيز..
﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ﴾ : أحدهما ساقي الملك والآخر خبازه آتهما بأنهما يردان إهلاك الملك بالسم، ﴿ قَالَ أَحَدُهُمَا ﴾ أي : الشرابي، ﴿ إِنِّي أَرَانِي ﴾ : في المنام، ﴿ أَعْصِرُ خَمْرًا ﴾ أي : عنبا سماه باسم ما يئول إليه، ﴿ وَقَالَ الآخَرُ ﴾ أي : الخباز، ﴿ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا ﴾ : أخبرنا ﴿ بِتَأْوِيلِهِ ﴾ : بتعبير ما قصصنا قال بعضهم : إنهما اخترعا تلك الرؤيا لاختبار يوسف، ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ : في أعمالك وأقوالك أو من الذين يحسنون تعبير الرؤيا.
﴿ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ﴾ : في نومكما، ﴿ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا١ التعبير في اليقظة أو معناه لا يأتيكما طعام من بيتكما تطعمانه وتأكلانه إلا نبأتكما بقدره ولونه ووقته قبل وصوله إليكم وهذا مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال :" وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " ( آل عمران : ٤٩ ) ﴿ ذَلِكُمَا ﴾ : العلم، ﴿ مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ﴾ : لا من التكهن و التنجيم ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ٢ : كأنه قال علمني لأني تركت، ﴿ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ لتأكيد كفرهم كرر الضمير.
١ وصف نفسه بمزيد تعبير الرؤيا مما هو فوق علم العلماء فقالا: من أين لك هذا وأنت لست بكاهن ولا منجم؟! فقال: "ذلكما" الآية، وما قال ذلك إلا لأن يشرب في قلوبهم الإيمان و يبغض لهما الشرك وفي الحديث: "لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير، لك من حمر النعم" /١٢ وجيز. [أخرجه البخاري في "الجهاد"، (٣٠٠٩)، وفي غير موضع من صحيحه، ومسلم في "الفضائل"، (٠/٢٧١) ط الشعب]..
٢ عبر بتركت مع أنه لم يثبت قط بتلك الملة إجراء للترك مجرى التجنب من أول أمره استجلايا لهما لأن يتركا وقوم لا يؤمنون هم لأهل مصر/١٢ وجيز..
﴿ وَاتَّبَعْتُ١ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ ﴾ : ما صح وما استقام، ﴿ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ﴾ أي شيء٢ كان ﴿ ذَلِكَ ﴾ : التوحيد ﴿ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ ﴾ : على الرسل والمرسل إليهم فإنهم أرشدوهم إلى فضل الله ونبهوهم عليه ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ ذلك الفضل، بل يعرضون عنه.
١ لما ذكر رفض الشرك وعرفهما بالمعجزة نبوة أثبت لهما أنه من بيت النبوة ليتقوى رغبتهما في الاستماع إليه /١٢ وجيز..
٢ من ملك وإنس وجن /١٢ وجيز..
﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ﴾ : يا ساكنيه١ دعاهم إلى الإسلام فقال :﴿ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ ﴾ : آلهة شتى واحد من فضة وواحد من ذهب وواحد من حديد وواحد من حجر ﴿ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ ٢الْقَهَّارُ ﴾ : الذي ذل كل شيء لعز جلاله.
١ نحو أصحاب الجنة أو معناه يا صاحبي فيه فإضافتهما إليه على الاتساع نحو: "يا سارق الليلة" /١٢ منه..
٢ أبرز بطلان ما هما عليه من الشرك في صورة الاستفهام حتى لا ينفر طبعهما من المفاجأة بدليل البطلان وجاء بصفة القهار، لأن يخافوا من سطوته ومن لا يكون له الغلبة والقدرة لا يستحق الألوهية/ ١٢ وجيز..
﴿ ما تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ ﴾ : من دون الله خطاب لهما ولمن على دينهما، ﴿ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أنتم وَآبَاؤُكُم ﴾ إلا أسماء خالية عن المعنى لا مسميات تحتها فإنهم سموا ما لا يستحق الإلهية آلهة ثم يعبدونها، ﴿ مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا ﴾ : بتسميتها، ﴿ مِن سُلْطَانٍ ﴾ : حجة، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ ﴾ : الأمر والنهي، ﴿ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ ﴾ : على لسان أنبيائه، ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ المستقيم الذي لا عوج فيه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ : فيهلكون في جهالتهم.
﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ١أَمَّا أَحَدُكُمَا ﴾ أي : الشرابي، ﴿ فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ﴾ : يعود منصبه إليه، ﴿ وَأَمَّا الآخَرُ ﴾ : أي الخباز، ﴿ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ﴾ قال بعضهم : لما عبر رؤياهما قالا : ما رأينا شيئا فقال :﴿ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ : هذا ما يئول إليه أمر كما وهو لا محالة واقع صدقتم أو كذبتم وفي الحديث " الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت٢ " وأيضا " الرؤيا لأول عابر٣ ".
١ لما ألقى إليهما (*) ما كان من أمر الدين ناداهما ثانيا لتجتمع أنفسهما لسماع الجواب/١٢ وجيز.
* في الأصل: إليها..

٢ صحيح أخرجه أبو داوود وابن ماجه عن أبي رزين مرفوعا، وانظر صحيح الجامع (٣٥٣٥)، والسلسلة الصحيحة..
٣ ضعيف أخرجه ابن ماجه (٣٩١٥)، من حديث أنس مرفوعا، وانظر ضعيف ابن ماجه..
﴿ وَقَالَ ﴾ : يوسف، ﴿ لِلَّذِي ظَنَّ ﴾ : علم يوسف، ﴿ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ﴾ : أو الظان الشرابي، ﴿ اذْكُرْنِي ﴾ : أذكر حالي، ﴿ عِندَ رَبِّكَ ﴾ : أي الملك كي يخلصني١ ﴿ فأنسَاهُ ﴾ أي : الشرابي، ﴿ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّه ﴾ أي : ذكره لربه أو معناه أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه فاستعان بغير٢ الله تعالى، ﴿ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ ٣سِنِينَ ﴾ هو ما بين الثلاث إلى التسع وأكثرهم على أنه سبع سنين٤.
١ من جور امرأة العزيز /١٢ وجيز..
٢ قاله بن عباس وعليه الأكثرون/١٢. [وهو قول ضعيف، والصواب كما قال ابن كثير (٢/٤٨٠) أن الضمير في قوله: ﴿فأنساه الشيطان ذكر ربه﴾ عائد على الناجي كما قاله مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد]..
٣ وعن أنس قال: أوحى إلى يوسف من استنقذك من القبل حين هم إخوتك أن يقتلوك؟ قال: أنت يا رب، قال: قال: فمن استنقذك من الجب إذ ألقوك فيه؟ قال: أنت يا رب، قال: فمن استنقذك من المرأة إذ همت بك، قال: أنت يا رب قال: فمالك نسيتني وذكرت آدميا قال: جزعا وكلمة تكلم بها لساني، قال: فوعزتي لأخذنك في السجن بضع سنين، فلبث فيه سبع سنين ـخرجه ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم و أبو الشيخ/١٢ فتح. [الأثر لا يصح، قال د/ أبو شهبة رحمه الله معلقا على هذا الأثر وأضرابه: أغلب الظن عندي أن هذا من الإسرائيليات، فقد صورت سجن يوسف على أنه عقوبة من الله لأجل الكلمة التي قالها، مع أنه – عليه السلام- لم يقل هجرا ولا منكرا، فالأخذ في الأسباب النجاة العادية، وفي إظهار البراءة والحق، لا ينافي قط التوكل على الله والبلاء للأنبياء ليس عقوبة وإنما هو رفع لدرجاتهم، وليكونوا أسوة وقدوة لغيرهم في باب البلاء "الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للدكتور محمد بن محمد أبو شهبة (ص٢٣٠)]..
٤ منذ سجن إلى خرج/١٢ وجيز..
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ١ : بعد مضى سبع سنين، ﴿ إِنِّي أَرَى٢ سَبْعَ بَقَرَاتٍ ٣سِمَانٍ ﴾ : وسبع بقرات مهازيل، ﴿ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ٤ عِجَافٌ ﴾ : ابتلعت المهازيل السمان والعجف نهاية الهزال، ﴿ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ ﴾ : قد انعقد حبها، ﴿ وَأُخَرَ ﴾ أي : وسبعا أخر، ﴿ يَابِسَاتٍ ﴾ : قد استحصدت والتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن٥ عليها، ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ ﴾ أي : الأشراف من العلماء والحكماء، ﴿ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ ﴾ : عبروها، ﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ : علمين بتعبيرها واللام لتقوية العامل فإن معموله مقدم عليه فضعف عمله فقوى باللام أو لتضمين تعبرون معنى تنتدبون٦.
١ الأعظم/١٢..
٢ في أرى جاء بالمضارع لحكاية الحال/١٢ وجيز..
٣ خرجن من نهر يابس /١٢ وجيز..
٤ وقياس جمع العجفاء عجف لكنه حمل على سمان الذي هو نقيضه وقال: عجاف ومن دأبهم حمل النقيض على النقيض كحمل النظير على النظير /١٢ وجيز..
٥ قد استغنى عن بيان حالها بما نص من حال البقرات/ ١٢..
٦ ندب فانتدب أي: دعاه فأجاب دعاه كأنه قيل: إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا وحقيقة عبرت الرؤيا ذكرت عاقبتها و آخر أمرها/١٢ منه..
﴿ قَالُواْ ﴾ : هذه، ﴿ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾ : أضغاث الأحلام تخاليطها وأباطيلها والأحلام جمع حلم وهو الرؤيا لتضمنه أشياء مختلفة جمعوا وإن لم يكن إلا حلم واحد أو للمبالغة١ في وصف الحلم البطلان، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ ﴾ أي : ذلك الأحلام التي هي الأضغاث، ﴿ بِعَالِمِينَ ﴾ أو المراد أنهم اعترفوا بالعجز وقالوا لسنا في علم التعبير بنحارير.
١ كما يقال: فلان يركب الخيل ويلبس عمائم الخز وليس له إلا فرس واحد وعمامة فردة تزيدا في الوصف/ ١٢ وجيز..
﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ﴾ : من صاحبي السجن، ﴿ وادّكر بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ : تذكر يوسف بعد جماعة كثيرة من الزمان يعني مدة طويلة، ﴿ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ : إلى من عنده علمه فأرسل إليه فجاء وقال :﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ﴾ : الكثير الصدق، ﴿ أَفْتِنَا فِي ﴾ : رؤيا، ﴿ سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ ﴾ : إلى الملك وأهله، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ : تأويلها أو فضلك و لما جرب كما علمه كلمه كلام محترز وبناه على الرجاء لا على اليقين فربما اخترم١ دون الرجوع وربما لم يعلموا.
١ أي: ربما قطعة قاطع عند الرجوع فلا يرجع/١٢..
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا١ : على عادتكم حال، ﴿ فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ ﴾ : لئلا يفسد ويحفظ من السوس، ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ : في تلك السنين.
١ أي: دائبين مستمرين على عادتكم/١٢..
﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ : السبيع، ﴿ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ ﴾ : أصناف الأكل إلى السنين وهو لأهلهن على المجاز، ﴿ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ﴾ : ما ادخرتم لأجلهن، ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ تحرزون للبذر والظاهر أن قوله :" تزرعون " على أصله بدليل قوله :" ثم يأتي " لا أنه١ خبر بمعنى الأمر وقوله :" فما حصدتم " اعترض لاهتمامه عليه الصلاة والسلام بشأنهم يأمرهم بما فيه صلاحهم في أثناء التأويل.
١ رد على الزمخشرى ومن تبعه فإنه قال: تزرعون خبر بمعنى الأمر بدليل قوله: "حصدتم" الخ، وأيضا إذا أمرا فأين تعبير الرؤيا فإن تعبير الرؤيا لا يكون إلا الإخبار فتضمن هذا الكلام من يوسف ثلاثة أنواع من القول أحدها: تعبير بالمعنى، الثاني: عرض رأي ونصح وهو قوله: "فما حصدتم فذروه في سنبله"، والثالث: الإعلام بالغيب في العام الثامن وهو قوله: "ثم يأتي"/١٢ وجيز..
﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ لنَّاسُ ﴾ : من الغيث أي : يمطرون، ﴿ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ : العنب والزيتون وما يعصر قال بعضهم : ودخل فيه حلب اللبن أيضا، أول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة والعجاف واليابسات بمجدبة وأكل العجاف السمان بأكل ما جمع في المخصبة في المجدبة ثم بشرهم بما يكون بعد المجدبة بإلهام الله تعالى إياه لا من تأويل رؤياه.
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ : بعد مراجعة الرسول، ﴿ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ ﴾ ليخرجه، ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ : إلى الملك، ﴿ فَاسْأَلْهُ ١مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ : أراد أن يعلم الملك براءة ساحته ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أدبا واحتراما وهن يعلمن أيضا براءته بإقرارها عندهن وفي الحديث٢ ”لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي“ وفيه٣ أيضا ”لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه – والله يغفر٤ له حين سئل عن تعبير الرؤيا ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني“، ﴿ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ : حين قلن : أطع مولاتك، في الاستشهاد بعلم الله تعالى على براءته أو الوعيد لهن على كيدهن أو تعظيم كيدهن.
١ لم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن لأن السؤال عن أحد يهيجه ويحركه للبحث عما سئل عنه فأراد تهييج الملك في التفتيش والتبيين عن حقيقة القصة، وأيضا هذه العبارة أقرب من الأدب/ ١٢ منه..
٢ المخرج للبخاري ومسلم والترمذي/١٢ منه. [أخرجه البخاري في "الأنبياء"، (٣٣٨٧)، وفي غير موضع من صحيحه، ومسلم في "الفضائل"، ٥/٢١٨) ط الشعب]..
٣ رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي/١٢. [هذا لفظ عبد الرزاق في مصنفه أخرجه عن عكرمة مرفوعا، كذا مرسلا كما في تفسير ابن كثير(٢/٤٨٢)، وذكره الهيثمي في "المجمع"، (٧/٤٠) وعزاه إلى الطبراني وقال: "فيه إبراهيم بن يزيد القرشي وهو متروك"، ولفظ أحمد مغاير تماما]..
٤ مثل هذه المقدمة مشعرة بتعظيم المخاطبة وتوقيره وتوفر حرمته كما تقول عفى الله عنك ما فعلت في أمري ورضي الله عنك ما جوابك عن كلامي/١٢..
﴿ قَالَ ﴾ : الملك لهن، ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ ﴾ : ما شأنكن، ﴿ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ﴾ : هل وجدتن منه سوء خاطبهن والمراد الأصلي امرأة العزيز، ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ ﴾ : تعجبا من عفته و نزاهته، ﴿ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ ﴾ : ثبت واستقر، ﴿ الْحَقُّ ﴾ قيل : أقبلن كلهن عليها فقررنها، ﴿ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِه وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ١.
١ فيما نسب إلى/١٢..
﴿ ذَلِكَ ﴾ : الذي فعلت من رد الرسول، ﴿ لِيَعْلَمَ ﴾ : العزيز، ﴿ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ﴾ : بظهر الغيب حال من الفاعل أي : وأنا غائب أو من المفعول أو ظرف أي : بمكان الغيب، ﴿ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ : لا ينفذ ولا يسدد، ﴿ كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾.
﴿ وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي ﴾ عن السلف أنه لما قال : ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل : ولا حين هممت١ فقال ذلك، ﴿ إِنَّ النَّفْسَ ﴾ : بطبعها، ﴿ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ﴾ إلا وقت رحمة ربي، أو إلا ما رحمه الله من النفوس فعصمه، ﴿ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قال بعضهم : قوله :" ذلك ليعلم " الخ من كلام امرأة العزيز أي : اعترفت بما هو الواقع ليعلم زوجي أني لم أخنه وما صدر مني المحذور الأكبر وإنما راودته مراودة فامتنع ولست أبرىء نفسي فإن النفس تتمنى وتشتهي ولذلك راودته : لأنها أمارة بالسوء إلا نفس من عصمه الله تعالى إنه غفور حليم وعند بعض المفسرين إن القول أليق٢ وأقرب.
١ أراد أن الأليق بشأن النبوة الاجتناب عن الهم وإن كان غير محظور فأجاب "وما أبرىء"/١٢ وجيز من مصنف جامع البيان..
٢ لأن الظاهر أن قوله: "ذلك ليعلم" من كلام امرأة العزيز داخل تحت قالت تعني اعترفت بالحق، ليعلم يوسف أنى لم أخنه في غيبته ولم أرمه بالبهتان الذي رميته به خوفا وحياء من بعلي ثم اعتذرت عما وقعت فيه من الميل والشهوة بقولها: "و ما أبرىء نفسي" فإن النفس تتمنى و تشتهى ولذلك راودته لأنها أمارة بالسوء إلا نفس من عصمه الله إنه غفور للمذنب رحيم ومن ذهب إلى أن قوله: "ذلك ليعلم" من كلام يوسف يحتاج إلى تكلف ربط بينه وبين ما قبله ولا قرينة على أنه من كلام يوسف إذ لم يكن يوسف حاضرا وقت سؤال الملك وإقرار امرأة العزيز/١٢ وجيز..
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ : بيوسف، ﴿ أَسْتَخْلِصْهُ ﴾ : أجعله خالصا، ﴿ لِنَفْسِي فَلَمَّا ﴾ : فلما أتوا به، ﴿ كَلَّمَهُ ﴾ وشاهد منه الكمال، ﴿ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ ﴾ : ذو منزلة، ﴿ أَمِينٌ ﴾، مؤتمن على الأشياء صادق.
﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ ﴾ : ولني أمر خزائن١ أرض مصر، ﴿ إِنِّي حَفِيظٌ ﴾ : لها، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بوجوه التصرف فيها وقيل : حفيظ عليم كاتب حاسب أو عليم بسنين الجذب. وسأل العمل لما في ذلك من مصالح الناس ليتصرف لهم في القحط على الوجه الأحوط. قيل :٢ إن العزيز توفى أو عزل فجعل الملك يوسف مكانه فزوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء وولد له منها ابنان.
١ قال مجاهد: أسلم الملك على يده، أو نقول التولي من يد الكافر جائزا إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا باستظهاره /١٢ وجيز..
٢ نقله محيي السنة/١٢..
﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ﴾ : أرض مصر، ﴿ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا ﴾ : ينزل، ﴿ حَيْثُ يَشَاء ﴾ : بعد الضيق والحبس أو يتصرف فيها كيف يشاء، ﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
﴿ وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾، فما أعد الله ليوسف في الآخرة أعظم و أجل مما١ خوله في الدنيا.
١ لما روى أن الملك توجه بتاجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه وأجلسه على سرير مكلل بادر والياقوت ودانت له لملوك وهو بنفسه يطيعه وأقام العدل وأحبه الرجال والنساء وباع الطعام لأهل مصر في السنة الأولى من القحط بالنقد ثم بالحلي ثم بالدواب ثم بالضياع ثم برقابهم و جاز ذلك في شرعهم ثم قال للملك: كيف ترى صنع الله بي فيما خولني فما ترى؟ قال: الرأي رأيك قال فإني أشهد أني أعتقت أهل مصر عن أخرهم ورددت عليهم أموالهم/١٢ وجيز..
﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ ﴾، لما ولاه ملك مصر الوزارة العدل اجتهد في العدل وتكثير الزراعات فدخلت السنون المجدبة وعم القحط حتى وصل بلاد كنعان فجاءه إخوته ليشتروا منه الطعام، ﴿ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ ﴾ : يوسف، ﴿ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ لم يعرفوه فإنه قد تقرر في أنفسهم هلاكه وكان مدة المفارقة أربعين سنة.
﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ١ : أصلحهم بعدتهم وأوفر حمولاتهم بما جاءوا له، ﴿ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ﴾ لما دخلوا عليه قال كالمنكر عليهم : لعلكم عيون جواسيس قالوا : معاذ كالله نحن إخوة بنو أب واحد نبي من أنبياء الله تعالى قال : كم أنتم ؟ قالوا : كنا اثني عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية وله أخ من أمه احتبسه أبوه ليتسلى به عنه قال : ائتوني به حتى أعلم صدقكم، ﴿ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ ﴾ : أتمه، ﴿ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ﴾ : المضفين٢.
١ أصل الجهاز ما يعد من الأمتعة للسفر وما يحمل من بلدة إلى أخرى وما تزف به المرأة إلى زوجها/١٢ وجيز..
٢ في هذا العصر والزمان ثم توعدهم بقوله: "فإن لم تأتوني به"/١٢..
﴿ فإن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي ﴾ : ليس لكم عندي طعام أكيله لكم، ﴿ وَلاَ تَقْرَبُونِ ﴾ : لا تدخلوا بلادي وهو إما عطف على الجزاء أو نهي.
﴿ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ﴾ : نلح في طلبه من أبيه، ﴿ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ : ما وعدناك.
﴿ وَقَالَ ﴾ : يوسف، ﴿ لِفِتْيَانِهِ ﴾ : لغلمانه، ﴿ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ ﴾ : ثمن١ طعامهم، ﴿ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا ﴾ : بأنها بضاعتهم، ﴿ إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ ﴾ : وفتحوا أوعيتهم، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ إذا عرفوا ذلك فإنهم لا يستحلون إمساكها أو إذا عرفوا كرامتهم علينا وبرنا عليهم أو فعل ذلك حذرا من ألا يكون عندهم بضاعة أخرى فلا يمكن لهم الرجوع أو رأى لؤم أخذ الثمن من أبيه وإخوته مع حاجتهم.
١ قيل: كانت بضاعتهم النعال والأدم وفيه شبهة والظاهر أن متاعهم شيء صغير الجثة قليل الوزن حيث لم يعرفوا أنه في حملهم إلى حملهم إلى بلادهم ودوابهم قادرون على حملها مع الكيل/١٢..
﴿ فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ﴾ : بعد ذلك إن لم نذهب بأخينا، ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ ﴾ : نحن وهو الطعام، ونرفع المانع من الكيل، ﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾.
﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ ﴾ فإنكم ذكرتم في يوسف مثل ما ذكرتم هنا بعينه فهل يكون أماني هنا إلا كأماني هنالك أي كما لا يحصل الأمان هناك لا يحصل هنا، ﴿ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ﴾ فاعتمد عليه ونصبه على التمييز، ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ : فالله أسأل أن يرحمني بحفظه.
﴿ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ﴾ أي : لا نطلب أو أي شيء نطلب ذلك من الإحسان قيل : لا نبغي منك شيئا في ثمن الكيل وقيل : هو من البغي بمعنى الكذب أي : لا نبغي في القول ولا نتزايد فيه، ﴿ هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ﴾ استئناف موضح لما نبغي، في ﴿ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ﴾ مار أهله حمل إليهم الطعام من بلد آخر عطف على محذوف أي : ردت إلينا فنستظهر بها ونمير ويحتمل عطفه على ما ينبغي إذا كانت نافية، ﴿ وَنَحْفَظُ أَخَانَا ﴾ : عن المكاره، ﴿ وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾ : حمل بعير من الطعام لأن يوسف إنما يعطي كل شخص وقرا، ﴿ ذَلِكَ ﴾ : الذي جئنا به، ﴿ كَيْلٌ ﴾ : مكيل، ﴿ يَسِيرٌ ﴾ : قليل لا يكفينا أو ذلك أي : كيل بعير شيء قليل لا يضايقنا فيه الملك.
﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ ﴾، تعطوني، ﴿ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ ﴾ : عهدا مؤكدا بذكر الله تعالى، ﴿ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ ﴾ جواب القسم إذ معناه حتى تحلفوا لتأتنني، ﴿ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ : إلا أن تغلبوا فلا تقدروا على إتيانه أو إلا أن تهلكوا جميعا أي : لتأتنني على كل حال إلا الإحاطة بكم، ﴿ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ﴾ : يعقوب، ﴿ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ ﴾ : من العهد، ﴿ وَكِيلٌ ﴾ : مطلع ويمكن أن يكون معناه الله تعالى وكيل على حفظ ذلك العهد نكل أمره إليه.
﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ﴾ لأن لا يصيبكم ١العين، ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن ٢شَيْءٍ ﴾، أي : لو أراد الله بكم سوءا لا يدفع عنكم ما قلت لكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾.
١ فإنهم لو كانوا مجتمعين لزاد في أعين الناس عظمتهم قيل: لم يوصهم في الكرة الأولى لأنهم كانوا مجهولين وليس فيهم أيضا أخو يوسف الذي هو مطرح حبه/ ١٢ منه..
٢ أي: شيئا فقد أصابهم ما شاء بهم من إضافة السرقة إليهم وافتضاحهم بذلك وتضاعف المصيبة بأخذ أخيهم بوجدان الصواع في رحله /١٢ منه..
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم ﴾ أي : من أبواب متفرقة في البلد، ﴿ مَّا كَانَ يُغْنِي ﴾ : يدفع دخولهم متفرقين، ﴿ عَنْهُم مِّنَ اللّهِ ﴾ : من قضائه عليهم، ﴿ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ استثناء منقطع أي : لكن حاجة أي : شفقة في قضاها أي : أظهرها ووصى بها، أو معناه ما دفع عنهم بسبب دخولهم كذلك إلا إصابة العين وهي الحاجة التي١ في نفس يعقوب، ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ ﴾ : لذو يقين أو لذو عمل، ﴿ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أن يعقوب لذو علم فإن المشركين لا يعلمون ما ألهم الله أولياءه.
١ على الاستثناء متصل أي: ما دفع عنهم إلا العين لكن وصل إليهم مصائب/١٢ منه..
﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ ١أَخَاهُ ﴾ من أبويه في منزله وأجلسه معه في مائدته واسمه بنيامين ﴿ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾ : لا تحزن، ﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ : في حقنا فيما مضى.
١ روى أنهم قالوا له: هذا أخونا قد جئناك به فقال: أحسنتم أصبتم وستجدون ذلك عندي فأكرمهم وأضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى يوسف: بقى أخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وجعل يوآكله وقال: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك؟ قال من يجد أخا مثلك؟ لكن لم يلدك يعقوب و لا راحيل فبكى يوسف عليه السلام وقام إليه/ ١٢ وجيز..
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ﴾ : أصلحهم بعدتهم، ﴿ جَعَلَ السِّقَايَةَ ﴾ : المشربة١، ﴿ فِي رَحْلِ ٢أَخِيهِ ﴾ : من أبويه وهي من فضة أو ذهب أو من زبرجد وكان يشرب فيها ويكيل بها للناس من عزة الطعام، ﴿ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ﴾ : نادى مناد، ﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ ﴾ أيك القافلة، ﴿ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ : قال بعضهم : إن كان النداء بأمر يوسف فعلى٣ تأويل إنهم سرقوا يوسف من أبيه عليه السلام أو النداء برضى أخيه.
١ بكسر الميم إناء يشرب منه وبفتحها الغرفة/ ١٢ منه..
٢ ثم ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا وذهبوا منزلا وقيل: حتى خرجوا من العمارة ثم بعث من خلفهم من استوقفهم وحبسهم /١٢ معالم..
٣ لأنه نبي الله فهو بريء من الافتراء البتة /١٢ منه..
﴿ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ : أي : شيء ضاع عنكم.
﴿ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾ : من الطعام، ﴿ وَأَنَاْ بِهِ ﴾ : بحمل من الطعام، ﴿ زَعِيمٌ ﴾ : كفيل قاله المؤذن.
﴿ قَالُواْ تَاللّهِ ﴾ : قسم فيه معنى التعجب مما أضيف إليهم ثم استشهدوا بعلمهم على براءة ساحتهم لما ثبت عندهم من دلائل دينهم وأمانتهم في كرتى١ مجيئهم فقالوا، ﴿ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ : لا نوصف بها قط.
١ فإنهم قد اشتهروا بمصر بصلاح وعفة وكانوا ربطوا أفواه دوابهم لئلا تنازل زرع الناس /١٢ وجيز..
﴿ قَالُواْ فَمَا جَزَاؤُهُ ﴾ : أي : السارق، ﴿ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ : في ادعاء البراءة.
﴿ قَالُواْ جَزَاؤُهُ ﴾ أي : جزاء سرقته، ﴿ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾ أي : أخذ من وجد واسترقاقه، ﴿ فَهُوَ١ جَزَاؤُهُ ﴾ تقرير للحكم وقيل : جزاء لمن على أنها شرطية والجملة الشرط والجزاء خبر ( جزاؤه ) على إقامة الظاهر مقام الضمير، وأصله : فهو هو، وضمير الثاني إلى ( جزاؤه ).
﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي٢ الظَّالِمِينَ ﴾ : بالسرقة. وشريعة إبراهيم أن السارق يدفع إلى المسروق منه.
١ فجزاؤه مبتدأ ومن وجد في رحله بمعنى أخذه خبر / ١٢ وجيز..
٢ الفاعلين ما ليس لهم فعله من سرقة مال الغير فقال الرسول - عند ذلك -: لا بد من تفتيش أمتعتكم، فأخذ في تفتيشها، وروى أنه ردهم إلى يوسف فأمرهم بتفتيش أوعيتهم بين يديه / ١٢ معالم..
﴿ فَبَدَأَ ﴾ : المؤذن أو يوسف بعد ما ردوا إليه، ﴿ بِأَوْعِيَتِهِمْ ﴾ فتشها أولا، ﴿ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ﴾ :١من أبويه، ﴿ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ ﴾ : مثل ذلك الكيد، ﴿ كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ : بأن علمناه إياه، ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ فإن دين ملك مصر الضرب والتغريم في السارق دون الاسترقاق، ﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ﴾، أي : لم يتيسر له أخذه في دين الملك بحال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله تعالى بأن أجرى على ألسنة إخوته أن السارق الاسترقاق فوجد السبيل إلى ذلك وجاز أن يكون منقطعا٢، ﴿ نرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء ﴾ : بالعلم كما رفعنا درجة يوسف ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ : حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى.
١ قال قتادة: ذكر لنا أنه كان لا يفتح متاعا ولا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثما قذفهم به حتى إذا لم يبق إلا رحل بنيامين قال: ما أظن هذا أخذه، فقال إخوته: والله لا نترك حتى تنظر في رحله فإنه أطيب لنفسك ولأنفسنا فلما فتحوا متاعه استخرجوه منه فذلك قوله: "ثم استخرجها" الآية / ١٢ وجيز..
٢ أي: لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه /١٢ منه..
﴿ قَالُواْ ﴾ أي : إخوته، ﴿ إِن يَسْرِقْ ﴾ : بنيامين، ﴿ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ ﴾ أي : يوسف، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ يعني لا عجب فإن هذا طريقتهم ونحن براء منها.
وأما وصفهم إياه بالسرقة فإنه كان لجده أبي أمه صنم يعبده فأخذه سرا وكسره أو كانت عمته تحضنه بعد وفاة أمه فلما ترعرع أراد يعقوب أن يكون معه ويأخذه من عمته وكانت لا تطيق فراقه فعمدت إلى منطقة هي لها ورثتها من إسحق فحزمتها١ على يوسف تحت ثيابه ثم قالت : فقدت المنطقة اكتشفوا أهل البيت، فكشفوا فوجدوها مع يوسف وهو صغير فقالت : صار يوسف سلما لي فأمسكته، فإن السارق يسترق لمن سرق منه كما مر، وكان يأخذ من البيت للسائل أشياء فيعطيه ففطن به إخوته.
﴿ فأَسَرَّهَا ٢يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾ ضمير أسرها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله، ﴿ قَالَ أنتم شَرٌّ مَّكَانًا ﴾ يعني قال في نفسه : أنتم شر منزلة في السرقة : لأن خيانتكم حقيقة وأنث الضمير لأن المراد منه جملة وهي بدل من أسرها وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل : الضمير للإجابة أو لنسبة السرقة، ﴿ وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ٣ : في شأني من الرقة فإنه كذب وهذا أيضا من جملة ما أسر يوسف.
١ أي: شدتها /١٢..
٢ ضمير أسرها إلى مثل الكراهة والحزازة التي دل عليها سياق الكلام / ١٢ وجيز..
٣ روى أنهم دخلوا على يوسف فقال روبيل: لتردن علينا أخانا أو لأصيحن صيحة لا تبقى بمصر امرأة حامل إلا ألقت ولدها وقامت كل شعرة في جسد روبيل فخرجت من ثيابه فقال يوسف، لابن له صغير: قم إلى جنب روبيل فمسه ويروى خذ بيده فأتني به فذهب الغلام فمسه فسكن غضبه فقال روبيل: إن هاهنا لبذرا من بذر يعقوب، فقال يوسف: من يعقوب؟ وروى أنه غضب ثانيا فقام إليه يوسف فركضه برجله وأخذ بتلابيبه فوقع على الأرض وقال: أنتم يا معشر العبرانيون تظنون أن لا أحد أشد منكم فلما ضار أمرهم إلى هذا ورأوا أن لا سبيل لهم إلى تخليصه خضعوا وذلوا وقالوا: "يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا" إلخ/ ١٢ معالم..
﴿ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ ١إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ﴾ : بدله فإن أباه مستأنس به على أخيه الهالك، ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ : إلى الخلق فأحسن إلينا.
١ أهل مصر يسمون نائب السلطان عزيزا /١٢..
﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ ﴾ : أعوذ بالله١ معاذا من، ﴿ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ ﴾ : في فتواكم لو أخطنا غير السارق.
١ فيه إشارة أن "معاذا" مصدر لفعل محذوف "وأن نأخذ" متعلق به وحذف حرف الجر من أن وأن ليس بعزيز /١٢..
﴿ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ ﴾ : من يوسف وإجابته إياهم وباب الاستفعال للمبالغة، ﴿ خَلَصُواْ ﴾ : انفردوا واعتزلوا، ﴿ نَجِيًّا ﴾ : ذوي نجوى أو فوجا١ نجيا وكان تناجيهم في تدابير أمرهم، ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ ﴾ : في السن روبيل أو في الرأي وهو يهوذا أو في الرياسة وهو شمعون، ﴿ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ ﴾ : عهدا وثيقا بذكر الله، ﴿ وَمِن قَبْلُ٢ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾ ما صلة أي : من قبل هذا قصرتم في شأنه٣ أو مصدرية عطف على مفعول تعلموا أو موصولة أي : لم تعلموا ما قدمتموه٤ فهو من الفرط وهو التقدم، ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ ﴾ : أفارق، ﴿ الأَرْضَ ﴾ : أرض مصر، ﴿ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي ﴾ : في الرجوع، ﴿ أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي ﴾ : بخلاص أخي أو بخروجي أو بالمقاتلة، ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ : فحكمه الحق.
١ على الأول نجيا مصدر وهو حال بحذف المضاف وعلى الثاني بمعنى مناجيا كالعشير بمعنى المعاشر وإفراده لأنه صفة لموصوف مفرد اللفظ كالفرج/١٢..
٢ وجوز الزمخشرى أن ما مصدرية مبتدأ ومن قبل خبره، قال صاحب البحر: ذهل عن قاعدة عربية وحق له أن يذهل وهي أن الظروف التي هي غايات إذا بنيت لا تقع خبرا و لا صلة ولا صفة ولا حالا فلا يجوز عمرو جاء وزيد خلف، بل يقال خلفه، وكذلك قال أبو البقاء / ١٢..
٣ على هذا الوجه ومن قبل عطف على لم تعلموا والجملة حالية /١٢..
٤ يعني على هذا الوجه يكون من الفرط بمعنى التقدم لا بمعنى التقصير وضمير الموصول محذوف/١٢ منه..
﴿ ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ﴾ : على حسب الظاهر، ﴿ وَمَا شَهِدْنَا ﴾ : عليه، ﴿ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ﴾ : بأن رأينا إخراج الصاع من متاعه، ﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ : فلا ندري أنه سرق أو دست الصاع في رحله أو ما كنا حين عهدنا أن نأتي به للعواقب عالمين فلم ندر أنه سيسرق.
﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ : أي : أرسل مصر واسألهم عن القصة، ﴿ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ ﴾ أي : القافلة، ﴿ الَّتِي أَقْبَلْنَا ﴾ : توجهنا، ﴿ فِيهَا وَإِنَّا ﴾ : والله، ﴿ لَصَادِقُونَ١.
١ فإن قيل: كيف استجاز يوسف أن يعمل مثل هذا بأبيه ولم يخبره بمكانه وحبس أخاه مع شدة وجد أبيه وفيه معنى العقوق وقطيعة الرحم قيل: قد أكثر الناس فيه والصحيح إنه عمل ذلك بأمر الله سبحانه أمره به ليزيد في بلاء يعقوب/١٢ معالم..
﴿ قَالَ ﴾ أي : لما رجعوا وقالوا ليعقوب ما قالوا قال :﴿ بَلْ سَوَّلَتْ ﴾ : زينب وسهلت، ﴿ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا١ : عظيما قررتموه، ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ : أجمل، ﴿ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ ﴾ : بيوسف وأخيه وأخيهما الذي توقف بمصر، ﴿ جَمِيعًا ﴾ : مجتمعين، ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾ : بحالي، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ : في أفعاله.
١ وإلا فمن أين يدري الملك أن السارق يؤخذ بسرقته وما هذا إلا في ديننا / ١٢ منه..
﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ : أعرض عنهم كراهة، ﴿ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ : يا شدة حزني إليه تعالى فهذا أوانك والألف عوض عن ياء المتكلم، ﴿ وَابْيَضَّتْ١ عَيْنَاهُ٢ مِنَ الْحُزْنِ ﴾ : عمي من كثرة العبرة التي لا يتمالك فيها نفسه، ﴿ فهو كظيم ٣ : مملوء من الغيظ على أولاده لا يظهره.
١ قال مقاتل: ما لم يبصر بهما ست سنين /١٢ معالم..
٢ كثرة البكاء محقت سواد عينيه فعمى / ١٢ منه..
٣ قال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانون عاما لا تجف عينا يعقوب، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب /١٢ معالم..
﴿ قَالُواْ تَالله ﴾ لا ﴿ تفتؤا ﴾ بحذف حرف النفي١ فإنه لا يلتبس بالإثبات لأنه لو كان إثباتا لابد في جوابه من اللام والنون المؤكدة أي : لا تزال، ﴿ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ﴾ : مشفيا٢ على الهلاك أو ذايبا٣ من الغم أو من المرض مصدر وضع موضع الاسم، ﴿ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ٤ : الميتين.
١ قال امرؤ القيس.
فقلت يمين الله أبرح قائماه ولو قطعوا رأسي لديك و لأوصالي.
١٢ معالم ومنه..

٢ مشفيا- مشرفا..
٣ ذابيا- ذائبا..
٤ قاله مجاهد وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن والأسف شفقة عليه وإن كانوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه / ١٢ فتح..
﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي ﴾ هو أصعب هم لا يصبر صاحبه على كتمانه فيبثه وينشره إلى الناس، ﴿ وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ ﴾ : لا إليكم و لا غيركم فخلوني وشكايتي، ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ : فإني أعلم أن رؤيا يوسف صدق وإني سوف أسجد له أو أخبره ملك الموت بحياة يوسف.
﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ ﴾ : تفحصوا، ﴿ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ ﴾ : لا تقنطوا، ﴿ مِن رَّوْحِ اللّهِ ﴾ : من فرجه وتنفيسه، ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ : فإن المؤمن لا يزال يطمع في رحمة الله تعالى.
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ ﴾ : بعدما رجعوا إلى مصر، ﴿ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ : شدة الجوع، ﴿ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ١ مُّزْجَاةٍ ﴾ : رديئة أو قليلة كانت دراهم رديئة أو الغرايئر والحبائل أو الصوف والأقط أو حبة الخضراء أو الأدم والنعال، ﴿ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ﴾ : أتمه لنا، ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ : برد أخينا أو بقبض هذه البضاعة المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ : أحسن الجزاء.
١ وأما أن البضاعة أي شيء ففيه اختلاف، و لا فائدة في تحقيقها له/١٢ وجيز..
﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم ﴾ : قبح، ﴿ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ : فرقتم بينهما وذللتموه حتى لا يستطيع أن يتكلم بينكم بعد فقد يوسف إلا بذلة، ﴿ إِذْ أنتم جَاهِلُونَ١ : فإن فعلتكم فعل الجهال.
١ لا أبدى عذرهم بقوله: "إذ أنتم جاهلون" دل على أن قوله: "هل علمتم" ليس تعتيبا، بل هو حث على إنابتهم مع خفي معاتبة على وجود الجهل وأنه حقيق الانتفاء عن مثلهم فلله هذا الخلق الكريم /١٢ وجيز..
﴿ قَالُواْ أَإِنَّكَ ﴾ : استفهام تقرير، ﴿ لَأَنتَ يُوسُفُ ﴾ : وضع التاج وكان فوق جبهته مثل شامة بيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها فعرفوه أو هو من وراء ستر فرفع الحجاب فعرفوه، ﴿ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي١ : من الأبوين ذكره لتعريف نفسه ولإدخاله في قوله :﴿ قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا ﴾ : بالوصال، ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ﴾ : الله، ﴿ وَيِصْبِرْ ﴾ : على المصائب، ﴿ فإن اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ أي : أجره ولإحسانه بالجمع بين الصبر والتقوى.
١ زادهم في الجواب لأنه سبق منه قوله: "هل علمتم ما فعلتم يوسف ولأخيه" وتوطئه لما ذكر بعد من قوله: "قد من الله علينا" /١٢ وجيز..
﴿ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ﴾ : اختارك، ﴿ اللّهُ عَلَيْنَا ﴾ : بالعلم والحسن، ﴿ وَإِن كُنَّا ﴾ : إن شأننا إنا كنا، ﴿ لَخَاطِئِينَ ﴾ : مذنبين.
﴿ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ ﴾ : لا تعيير ولا مؤاخذة، ﴿ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ : متعلق الخبر أي لا مؤاخذة في هذا اليوم فكيف بما بعده من الأيام أو المراد من اليوم الدنيا أي : لا مؤاخذة في الدنيا وأما في الآخرة فبيد الله ولذلك قال، ﴿ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ ﴾ : دعا لهم بالمغفرة، ﴿ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ : فإنه يغفر الصغائر والكبار.
﴿ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي١ هَذَا ﴾ أي : القميص الذي كان عليه، ﴿ فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا٢ : يصير بصيرا ذا بصر قالوا : القميص من نسج الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي، ﴿ وَأْتُونِي ﴾ : أنتم وأبي، ﴿ بِأَهْلِكُمْ٣ : نسائكم و ذراريكم، ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾.
١ وأخرج الحكيم الترمذي وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: لما كان من أمر إخوة يوسف ما كان كتب يعقوب إلى يوسف، وهو لا يعلم أنه يوسف:
بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إلى عزيز آل فرعون سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد، فإنا أهل بيت مولع بنا أسباب البلاء كان جدي إبراهيم خليل الله ألقى في النار في طاعة ربه فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأمر الله جدي أن يذبح له أبي ففدان وكان لي ابن وكان أحب الناس إلي ففقدته فأذهب حزني عليه نور بصري وكان له أخ من أمه كنت إذا ذكرته ضممته إلى صدري فأذهب عني بعض وجدي وهو المحبوس عندك في السرقة وإني أخبرك لم أسرق ولم ألد سارقا، فلما قرأ يوسف الكتاب بكى وصاح وقال: ذهبوا بقميصي/١٢ فتح. زاد محيي السنة بعد قوله: "ولم ألد سارقا" فإن رددته أتى وإلا دعوت إليك دعوة تدرك السابع من ولدك/١٢..

٢ على أن يأت هي التي من أخوات كان قيل: كان ذلك بوحي الله، وقيل: بعث إليه قميصه ليزول بكاؤه وينشرح صدره قال يهوذا: أنا أحمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء، قيل: حمله وهو حاف حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسير ثمانين فرسخا /١٢ فتح..
٣ أي: جميع من شمله لفظ الأهل من النساء والذرارى قيل: كانوا سبعين وقيل: ثلاثة وتسعين /١٢ فتح..
﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ ﴾ : خرجت، ﴿ الْعِيرُ ﴾ : من مصر١، ﴿ قَالَ أَبُوهُمْ ﴾ : لمن حضره٢، ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾ هاجت ريح فجاءت برائحة قميصه من مسيرة ثمانية أيام، ﴿ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ٣ أي : لولا تسفهوني وتنسبوني إلى نقصان عقل للهرم لصدقتموني وجواب لولا محذوف.
١ قاصدة مكان يعقوب والأصح أنه قريب من بيت المقدس..
٢ من أولاده و أحفاده وعشائره..
٣ قال بعض العلماء: يقال شيخ مفند أي: فاسد الرأي، ولا يقال عجوز مفندة لأن المرأة لم تكن لها قط رأي أصيل/١٢ منه..
﴿ قَالُواْ ﴾ : الحاضرون، ﴿ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ﴾ : لفي خطئك القديم من حب يوسف.
﴿ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ ﴾ أي : البريد قال البصريون : تقديره لما ظهر مجيء البشير فأضمر الرافعَ قال بعضهم : البشير يهوذا الذي جاء بقميصه ملطخا بدم كذب، ﴿ ألْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ ﴾ : عاد، ﴿ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ﴾ : بتعليمه، ﴿ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾.
﴿ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قَالَ ﴾ : يعقوب، ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ ﴾ : أخر الدعاء إلى السحرِ١ أو إلى ليلة الجمعة٢ أو إلى أن يستحل لهم من يوسف، ﴿ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾.
١ صح ذلك عن ابن مسعود وغيره، كما في تفسير ابن كثير (٢/٤٩١)..
٢ ورد في ذلك حديث مرفوع أخرجه ابن جرير بسند ضعيف، انظر المصدر السابق..
﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ﴾ : في١ موضع خارج عن البلد حين استقبلهم يوسف وأهل مصر، ﴿ آوَى ﴾ : ضم، ﴿ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ﴾ : أباه وخالته فإن أمه ماتت، وعن بعض السلف أن أمه في حياة، ﴿ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ ﴾ : من القحط والمكاره فالاستثناء متعلق بالدخول المكيف بالأمن.
١ روى أن يوسف جهز إلى لأبيه مائتي راحلة وخرج في أربعة آلاف من عظماء مصر وخرج أهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب يمشي متكئا على يهوذا فنظر إلى الخيل والناس وقال: هذا يا يهوذا فرعون مصر، قال: لا، ولكن هذا ولدك فلما لقيه أبوه قال: السلام عليك يا مذهب الأحزان وسأله أول ما كلمه عن دينه/١٢ وجيز..
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ : السرير، ﴿ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا ﴾ : أبواه وإخوته وكان سجود التعظيم شائعا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرم في هذه الملة الغراء١ وجعل السجود مختصا بجناب الرب تعالى شأنه قال بعضهم : المراد من السجود الانحناء، وعن بعضهم معناه : خروا لله تعالى سجدا شكرا له والأول أصح، ﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ ﴾ : الشمس والقمر أبواي وأحد عشر كوكبا إخوتي، ﴿ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ : صدقا وكان بين رؤياه وتأويله أربعون سنة أو ثمانون سنة أو خمس وثلاثون سنة أو ثماني عشرة سنة والله تعالى أعلم، ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ : ولم يذكر الجب لأنه وعد مع إخوته لا تثريب عليكم بعد هذا، وأيضا عد لهم نعما غير معلومة لهم وإخراجه من الجب معلوم لإخوته، ﴿ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ ﴾ : البادية فإنهم كانوا أهل بادية ومواشي، ﴿ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ﴾ : أفسد، ﴿ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ ﴾ : تدبيره، ﴿ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾ : بالأمور، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ : الذي لا يفعل إلا على وفق الحكمة.
١ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد..." وقد روى من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. راجع الإرواء (١٩٩٨)..
﴿ رَبِّ١ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾ أي : بعضه وهو ملك مصر، ﴿ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ﴾ : بعض تعبير الرؤيا، ﴿ فَاطِرَ ﴾ : مبدع، ﴿ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ : منصوب بالمنادى، ﴿ أَنتَ وَلِيِّي ﴾ : ناصري ومتولى أمري، ﴿ فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ وتَوَفَّنِي ﴾ : اقبضني، ﴿ مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ٢ : من آبائي وغيرهم سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا حان أجله وانقضى عمره وكلام بعض السلف وهو أنه ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف عليه السلام يشعر بأنه سأل منجزا وهو جائز في ملتهم ويحتمل أن مراده أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام كما أن نوحا عليه السلام أول من قال :" رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي " الآية ( نوح : ٢٨ )، وقالوا : أقام يعقوب عند يوسف أربعا وعشرين سنة ثم مات وحمل جسده الشريف عند أبيه إسحاق عليه السلام بالشام.
١ فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله علم أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله تعالى حسن العاقبة فقال: "رب قد آتيتني من الملك" /١٢ معالم..
٢ قال قتادة: لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف، وفي القصة لما جمع الله شمله وأوصل إليه أبويه وأهله اشتاق إلى ربه عز وجل فقال هذه المقالة قيل كان عمره عند أن ألقى في الجب سبع عشرة سنة وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة إلى قدوم أبيه يعقوب ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذي سيأتي وتوفاه الله وليس في اللفظ ما يدل على أنه طلب الوفاة في الحال، ولهذا ذهب الجمهور إلى أنه لم يتمن الموت بهذا الدعاء في الحال وإنما دعا به أن يتوفاه على دين الإسلام ويلحقه بالصالحين من عباده عند حضور أجله وقد عاش بعد ذلك سنين كثيرة وولد له من امرأة العزيز ثلاثة أولاد إفراثيم وميشا رحمة امرأة أيوب البتلا - عليه السلام - ولما مات دفنوه في أعلى النيل في صندوق من رخام وقيل: من حجارة المرمر لتعم البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه فبقي أربعمائة سنة إلى أخرجه موسى وحمله معه حتى دفنه بقرب آبائه بالشام في الأرض المقدسة وهو الآن هناك/١٢ فتح. [إحراج موسى لسد يوف عليهما السلام ودفنه له بقرب آبائه بالشام صحيح ثبت في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الحاكم (٢/٥٧١) وغيره]..
﴿ ذَلِكَ ﴾ أي : نبأ يوسف، ﴿ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ : يا محمد، ﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ﴾ : لدى إخوة يوسف، ﴿ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ ﴾ : عزموا على أمرهم، ﴿ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ : بيوسف وهذا كالدليل على أنه بالوحي لأنه لم تكن عندهم وما كان أحد من قومك يعلمه فيعلمك.
﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ ﴾ : على إيمانهم، ﴿ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ : لعنادهم وعدم إرادة الله تعالى قال بعضهم : نزلت حين سأل قريش واليهود عن قصة يوسف فلما أخبرهم رجاء إيمانهم.
﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ ﴾ : على تبليغ الوحي، ﴿ مِنْ أَجْرٍ ﴾ : من جعل، ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ : عظة، ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ : عامة لا تخص بهم.
﴿ وَكَأَيِّن ﴾ أي : وكم١، ﴿ مِّن آيَةٍ ﴾ : دلائل دالة على وجوده وصفاته الحسنى، ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا ﴾ : على الآيات يشاهدونها، ﴿ وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ : لا يتفكرون فيها.
١ والمشهور أنه مركب من كاف التشبيه ومن أي /١٢ وجيز..
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ ﴾ : في الإقرار بخالقتيه، ﴿ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ١ : لعبادتهم غيره إنهم إذا قيل لهم : من خلق السماوات والأرض ؟ قالوا : الله وهم يشركون به، وعن الحسن البصري أن هذا في المنافقين قال بعض السلف : ثمة شرك آخر لا بد أن تشعره وهو الرياء.
١ يعبدون معه غيره كما كانت تفعله الجاهلية فإنهم مقرون بالله سبحانه الخالق لهم لكنهم كانوا يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقربوهم إلى الله كما قالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" (الزمر: ٢)، ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله المعتقدون في الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه الله سبحانه كما يفعل عباد القبور ولا ينافي هذا ما قيل من أن الآية نزلت في قوم مخصوصين فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ لا بما يفيده السبب من الاختصاص بمن كان سببا لنزول الحكم، قال ابن عباس في الآية: سلهم من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض؟ فسيقولون: الله فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره، وقال عطاء: كانوا يعلمون أن الله ربهم وهو خالقهم وهو رازقهم وكانوا مع ذلك يشركون في تلبيتهم يقولون: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك/١٢ فتح..
﴿ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ ﴾ : عقوبة تغشاهم وتشملهم، ﴿ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾ : فجأة مفعول مطلق، ﴿ وَهُمْ لا َيَشْعُرُونَ ﴾ : فلا يستعدون لها.
﴿ قُلْ هَذِهِ ﴾ أي : الدعوة إلى التوحيد، ﴿ سَبِيلِي ﴾ : طريقتي، ﴿ أَدْعُو إِلَى اللّهِ ﴾ : بينان وتفسير للسبيل، ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ : معرفة وحجة، ﴿ أَنَاْ ﴾ : تأكيد لضمير أدعوا، ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ أي١ : من آمن بي أيضا يدعوا إلى الله تعالى، قال بعضهم : تم الكلام عند قوله :" إلى الله " و " على بصيرة " خبر أنا وما عطف عليه، ﴿ وَسُبْحَانَ اللّهِ ﴾ أي : قل أنزهه تنزيها عن الشريك، ﴿ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
١ قال ابن عباس: يعني أصحاب محمد كانوا على أحسن طريقة وأقصد هداية معدن العلم وكنز الإيمان وجند الرحمن قال عبد الله بن مسعود: من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم و تمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم/١٢ معلم التنزيل..
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ﴾ : يا محمد، ﴿ إِلاَّ رِجَالاً ﴾ : لا نساء ولا ملائكة، ﴿ نُّوحِي إِلَيْهِم ﴾ : كما أوحينا إليك، ﴿ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ : فإن أهلها أعقل من أهل البادية، ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ : من الأمم المكذبة فيعتبروا، ﴿ وَلَدَارُ ﴾ : الحياة، ﴿ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ ﴾ : الشرك، ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ : يستعملون ١ عقولهم فيؤمنوا.
١ بالأصل: تستعملون..
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ﴾ : متعلق بما دل عليه الكلام كأنه قيل : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فتراخى نصرهم وتطاول عهدهم في الكفار حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، أو استيأسوا من نصرهم، ﴿ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ ﴾ فيه قراءتان التخفيف والتشديد وعلى الأول : الضمائر كلها لمن أرسل الرسل إليهم فإن الرسل دال عليهم وحاصله أنهم حسبوا كذب الرسل في الوعيد والوعد والضمائر للرسل يعني قد خطر بخواطرهم خلف الوعد من الله تعالى في نصرهم، وعن ابن عباس١ رضي الله عنهما لأنهم كانوا بشرا وتلا :" حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " ( البقرة : ٢١٤ )، وقيل معناه : ظنوا كذب القوم بوعد الإيمان وخلف وعدهم وعلى الثاني، الضمائر للرسل والظن بمعنى اليقين وهو شائع أي : أيقنوا تكذيب القوم لهم أو بمعناه أي : ظنوا أنهم يكذبهم من آمن بهم أيضا يرتد عن دينهم لاستبطاء النصر، ﴿ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء ﴾ وهم أتباع الأنبياء، ﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا ﴾ أي : عذابنا ﴿ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾.
١ رواه البخاري عن ابن عباس، والمراد الوسوسة وحديث النفس لا الظن المصطلح/١٢..
﴿ لقد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ﴾ : قصص المرسلين مع قومهم أو قصص يوسف وإخوته، ﴿ عِبْرَةٌ ﴾ : عظة، ﴿ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ ﴾ : القرآن، ﴿ حَدِيثًا يُفْتَرَى ﴾ : يخلق، ﴿ وَلَكِن ﴾ كان، ﴿ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ : من الكتب السماوية، ﴿ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ : يحتاج إليه العباد من أمر الدين، ﴿ وَهُدًى ﴾ : من الضلال، ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ : ينال بها خير الدارين ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ : يصدقونه.
اللهم اجعلنا منهم.
* في الأصل ( خزف ) ص٣٣٢.
Icon