تفسير سورة المؤمنون

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ فِي صَلاَتِهمْ خَاشِعُونَ ﴾ أي لا تطمح أبصارهم ولا يلتفتون مكبون.
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلاَلةٍ مِنْ طِينٍ ﴾ مجازها الولد والنطفة قالت بنت النعمان بن بشير الأنصارية :
وهل كنتُ إلاّ مُهرةً عربيّة سُلالة أَفراسٍ تجلّلها بَغْلُ
فإن نُتِجتُ مُهراً كريماً فبالحَرَى وإنْ يك إقرافٌ فمِن قِبل الفَحْل
تقول لزوجها روح بن زنباع الجذامي.
ويقال : سليلة وقال :
يقذفن في اسلائها بالسلايلِ ***
وقال حسان :
فجاءت به عُضْبَ الأديم غَضَنفراً سلالة فرْج كان غير حَصينِ
ويقال لبن غضنفر أي خائر غليظ والأسد سمي غضنفر لكثافته وعظم هامته وأذنيه، والغضنفر الغليظ من اللبن ومن كل شيء.
﴿ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾ مجازها أن كل شيء فوق شيء فهو طريقة من كل شيء والمعنى هنا السموات لأن بعضهن فوق بعض.
﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ مجازه تنبت الدهن والباء من حروف الزوائد وفي آية آخرى :﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإلْحَادٍ ﴾ مجازه يريد فيه إلحاداً قال الراجز :
نحن بنو جعدة أصحاب الفَلجُ *** نَضِرب بالبيِض ونرجو بالفَرَجْ
أي نرجو الفرج.
﴿ طورِ سِينَاءَ ﴾ الطور الجبل قال العجاج :
دانَي جَناحَيْه مِن الطُّور فمرّ ***
و ﴿ سِينَاء ﴾ اسم.
﴿ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ مجازها مجاز الجنون وهما واحد.
﴿ فَاْسْلكْ فِيهَا مِنْ كلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ مجازها فاجعل واحمل وفي آية أخرى ﴿ مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ ﴾ قال عدي بن زيد :
وكنتُ لزِازَ خَصْمكَ لم أُعَرِّد وقد سلكوك في يوم عَصِيبِ
وبعضهم يقول اسلك بالألف قال :
﴿ فَإذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَّنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ﴾ مجازه إذا علوت على السفينة وفي آية أخرى :﴿ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ أي علا وقال آخرون : حتى إذا كنت أنت ومن معك في الفلك لأن " في " و " على " واحد كقوله ﴿ وَلاَ صَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ أي على جذوع النخل والفلك هاهنا السفينة وقد يقع على الواحد والجميع بلفظ واحد.
﴿ فَقل الْحَمْدُ لِلِه ﴾ مرفوع لأنه حكاية يأمره أن يلفظ بهذا اللفظ ولم يعملوا فيه " قل خيرا " فينصبونه.
﴿ وَأَنْرْفَناهُمْ في الْحيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ مجازه وسعنا عليهم فأترفوا فيها وبغوا ونِظروا فكفروا وأعجبوا قال العجاج :
وقد أراني بالديار مُترَفا ***
﴿ عَمَّا قَلِيلٍ ﴾ مجازه عن قليل وما من حروف الزوائد فلذلك جروه وفي آية أخرى ﴿ إنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ والعرب قد تفعل ذلك، قال النابغة :
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة شَلأ كما تطرد الجمالة الشُرُدا
قالت ألا ليت ما هذا الحمام لنا إلى حَمامتنا ونصفَه فقدِ
ويقال في المثل : ليت ما من العشب خوصة.
﴿ فَجَعَلْناَهُمْ غُثاَءً ﴾ وهو ما أشبه الزبد وما ارتفع على السيل وما أشبه ذلك مما لا ينتفع به في شيء.
﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَترَى ﴾ أي بعضهم في أثر بعض ومنه قولهم : جاءت كتبه تترى، والوجه أن لا ينون فيها لأنها تفعل وقوم قليل ينونون فيه لأنهم يجعلونه اسماً ومن جعله اسماً في موضع تفعل لم يجاوز به ذلك فيصرفه.
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ أي يتمثل بهم في الشر ولا يقال في الخير : جعلته حديثاً.
﴿ لنَا عَابِدُونَ ﴾ أي داينون مطيعون، وكل من دان لملك فهو عابد له ومنه سمي أهل الخبرة العباد.
﴿ وَآوَيْناَهُماَ إلَى رَبْوَةٍ ﴾ تقديره أفعلنا وأوى وهو على تقدير عوى ومعناه ضممنا وربوة يضم أولها ويكسر وهي النجوة من الأرض ومنها قولهم : فلان في ربوة من قومه، أي عز وشرف وعدد.
﴿ ذَاتِ قَرَار وَمَعِينٍ ﴾ أي تلك الربوة لها ساحةٌ وسعةٌ أسفل منها وذات معين أي ماء جار طاهر بينهم.
﴿ زُبُراً ﴾ أي قطعاً، ومن قرأها زبرا - بفتح الباء - فإنه يجعل واحدتها زبرة كزبرة الحديد : القطعة.
﴿ إذَا هُمْ بَجْأَرُونَ ﴾ أي يرفعون أصواتهم كما يجأر الثور، قال عدي بن زيد :
إنّني والله فاسمَع حَلِفِي بأبيل كلما صَلَّى جَأَرْ
﴿ فَكْنتُمُ على أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ ﴾ يقال لمن رجع من حيث جاء : نكص فلان على عقبيه.
﴿ سَامِراً تَهْجُرُونَ ﴾ مجازه : تهجرون سامراً وهو من سمر الليل، قال ابن أحمر :
مِن دونهم إن جئتهم سَمَراً عَزْفُ القِيَانِ ومَجْلِسٌ غَمْرُ
وسامر في موضع " سمار " بمنزل طفل في موضع أطفال.
﴿ أمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجاً ﴾ أي أتاوة وغلةً كخرج العبد إلى مولاء، أو الرعية إلى الوالي، والخرج أيضاً من السحاب ومنه يرى اشتق هذا أجمع قال أبو ذؤيب :
إذا همَّض بالإقلاع هَبَّتْ له الصَّبا وأعقَبَ نَوْءٌ بعدَها وخُرُوجُ
قال أبو عمرو الهذلي : إنما سمي خروجاً الماء يخرج منه.
﴿ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَا كِبوُنَ ﴾ أي لَعَادِلون، يقال نكب عنه، ويقال : نكب عن فلان، أي عدل عنه، ويقال : نكب عن الطريق، أي عدل عنه.
﴿ قلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ أي فكيف تعمون عن هذا وتصدون عنه وتراه من قوله : سحرت أعيينا عنه فلم ينصره.
﴿ منْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾ وهمز الشيطان غمزه الإنسان وقمعه فيه.
﴿ وَمِنْ وَرَائِهمْ بَرْزَخٌ ﴾ أي أمامهم وقدامهم، قال الشاعر :
أترجو بنو مروان سمي وطاعتي وقومى تميم والغُلاةُ ورائيا
وما بين كل شيئين برزخ وما بين الدنيا والاخرة برزخ، قال :
ومقدارُ ما بيني وبينكَ بَرْزَخُ ***
﴿ فَاتَّخَذْتُموهمْ سِخْرِيّاً ﴾ مكسورة الأولى لأنه من قولهم : يسخر منه، وبعضهم يضم أوله، لأنه يجعله من السخرة والتسخر بهم.
﴿ لاَ بُرْهَانَ ﴾ لا بيان.
Icon