تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
ﮯ
ﰀ
قوله: ﴿الحاقة﴾ : مبتدأٌ و «ما» مبتدأٌ ثانٍ، و «الحاقَّةُ» خبرُه، والجملةُ خبرُ الأوِل، وقد تَقَدَّم تحريرُ هذا في الواقعة. وهناك سؤالٌ حسنٌ وجوابٌ مثلُه فعليك باعتبارِه. والحاقَّةُ فيها وجهان، أحدهما: أنَّه وصفٌ اسمُ فاعلٍ بمعنى: أنها تُبْدِي حقائق الأشياءِ. وقيل: لأنَّ الأمرَ يَحِقُّ فيها فهي من باب: ليلٌ نائمٌ ونهارٌ صائمٌ. وقيل: مِنْ حَقَّ الشيءُ: ثَبَتَ فهي ثابتةٌ كائنةٌ. وقيل: لأنها تَحُقُّ كلَّ مُحاقٍّ في دينِ اللَّهِ، أي: تَغْلِبُه. مِنْ حاقَقْتُه فحقَقْتُه أحُقُّه، أي: غَلَبْتُه. والثاني: أنها مصدرٌ كالعاقبةِ والعافيةِ.
ﮱﯓ
ﰁ
قوله: ﴿مَا الحاقة﴾ : في موضعِ نصبٍ على إسقاطِ الخافض؛ لأنَّ أَدْرَى بالهمزةِ، ويتعدَّى لاثنينِ، الأَولُ بنفسه. والثاني: بالباءِ، قال تعالى: ﴿وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] فلَمَّا وَقَعَتْ جملةُ الاستفهامِ مُعَلِّقَةً لها كانَتْ في موضوع المفعولِ الثاني، ودونَ الهمزة تَتَعْدَّى لواحدٍ بالباء نحو: دَرَيْتُ بكذا، ويكونَ بمعنى عَلِمَ فيتعدَّى لاثنين.
قوله: ﴿فَأُهْلِكُواْ﴾ : هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ زيدُ ابن علي «فَهَلَكوا» مبنياً للفاعلِ مِنْ هَلَكَ ثلاثياً.
قوله: ﴿بالطاغية﴾، أي: بالصيحةِ المتجاوزةِ للحدِّ. وقيل: بالفَعْلةِ الطاغيةِ. وقيل: بالرجلِ الطاغيةِ، وهو عاقِرُ الناقةِ، والهاء للمبالغةِ، فالطاغيةُ على هذه الأوجه صفةٌ. وقيل: الطاغيةُ مصدرٌ ويُوَضِّحُه ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ [الشمس: ١١] والباءُ للسببيةِ على الأقوالِ كلِّها، إلاَّ القولَ الأولَ فإنها للاستعانةِ ك «عَمِلْتُ بالقَدُوم».
قوله: ﴿بالطاغية﴾، أي: بالصيحةِ المتجاوزةِ للحدِّ. وقيل: بالفَعْلةِ الطاغيةِ. وقيل: بالرجلِ الطاغيةِ، وهو عاقِرُ الناقةِ، والهاء للمبالغةِ، فالطاغيةُ على هذه الأوجه صفةٌ. وقيل: الطاغيةُ مصدرٌ ويُوَضِّحُه ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ [الشمس: ١١] والباءُ للسببيةِ على الأقوالِ كلِّها، إلاَّ القولَ الأولَ فإنها للاستعانةِ ك «عَمِلْتُ بالقَدُوم».
قوله: ﴿حُسُوماً﴾ : فيه أوجهٌ، أحدها: أَنْ ينتصِبَ نعتاً لِما قبلها. والثاني: أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ بفعلٍ مِنْ لفظِها، أي: تَحْسِمْهم حُسوماً. الثالث: أَنْ ينتصِبَ على الحالِ، أي: ذاتَ حُسوم. الرابع: أَنْ يكونَ مفعولاً له، ويَتَّضِحُ ذلك بقول الزمخشري: «الحُسوم: لا يَخْلو مِنْ أَنْ يكونَ جمعَ حاسِم كشاهِد وشُهود، أو مصدراً كالشُّكور والكُفور. فإنْ كانَتْ جمعاً فمعنى قولِه» حُسوماً «: نَحِسات حَسَمَتْ كلَّ خيرٍ، واستأصَلَتْ كلَّ بركةٍ، أو متتابعةً هبوبَ الريح، ما خَفَتَتْ ساعةً، تمثيلاً لتتابُعِها بتتابُعِ فِعْلِ الحاسمِ في إعادة الكيِّ على الدَّاء كَرَّةً بعد أخرى حتى يَنْحَسِمَ. وإن كان مصدراً: فإمَّا أَنْ ينتصِبَ بفعلِه مضمراً، أي: تَحْسِم حُسوماً، بمعنى: تَسْتأصِلُ استئصالاً، أو يكونُ صفةً كقولِ: ذاتَ حُسومٍ، أو يكونُ مفعولاً له، أي: سَخَّرها عليهم للاستئصالِ. وقال عبد العزيز بن زُرارة الكلابي:
424
٤٣١٦ - ففرَّق بين بَيْنِهُمُ زمانٌ | تتابَعَ فيه أعوامٌ حُسومُ |
٤٣١٧ - فأرسَلْتَ ريحاً دَبُوراً عقيماً | فدارَتْ عليهمْ فكانَتْ حُسُوماً |
قوله: ﴿فِيهَا صرعى﴾ صَرْعَى حالٌ، جمعُ صَريع نحو: قتيل وقَتْلى، وجريح وجَرْحى، والضمير في «فيها» للأيام والليالي، أو للبيوت، أو للرِيح، أظهرُها الأولُ لقُرْبِه، ولأنَّه مذكورٌ.
وقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ﴾ حالٌ من القوم، أو مستأنفةٌ. وقرأ أبو نهيك «أَعْجُزُ» على أَفْعُل نحو: ضَبُع وأَضْبُع. وقُرِىء «نخيل» حكاه الأخفشُ، وقد تقدَّم أنَّ اسم الجنس يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ، واختير هنا تأنيثهُ
425
للفواصلِ، كما اخْتِير تذكيرُه لها في سورةِ القمر كما تقدَّم التنبيهُ عليه.
426
قوله: ﴿فَهَلْ ترى﴾ : أدغم اللامَ في التاءِ أبو عمروٍ وحَده، وتقدم في الملك. و «مِنْ باقية» مفعولُه و «مِنْ» مزيدةٌ، والتاءُ في «باقية» قيل: للمبالغةِ، أي: مِنْ باقٍ، والأحسنُ أَنْ تكونَ صفةً لفرقةٍ أو طائفة ونحو ذلك.
قوله: ﴿وَمَن قَبْلَهُ﴾ : قرأ بكسر القاف وفتح الباء أبو عمروٍ والكسائي، أي: ومَنْ هو في جهتِه، ويؤيِّدُه قراءةُ أبي موسى و «مَنْ تِلْقَاءَه» وقرأه أُبَيٌّ «ومَنْ تبعه»، والباقون بالفتحِ والسكونِ على أنَّه ظرفٌ، أي: ومَنْ تقدَّمه.
قوله: ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ إمَّا أَنْ يكونَ صفةً/، أي: بالفَعْلَةِ أو الفَعَلات الخاطئة، وإمَّا أن يكون مصدراً كالخَطَأ فيكون كالعافية والكاذبة.
قوله: ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ إمَّا أَنْ يكونَ صفةً/، أي: بالفَعْلَةِ أو الفَعَلات الخاطئة، وإمَّا أن يكون مصدراً كالخَطَأ فيكون كالعافية والكاذبة.
قوله: ﴿فِي الجارية﴾ : غَلَبَ استعمالُ «الجارية» في السفينة كقولِه:
426
٤٣١٨ - تِسْعُونَ جاريةً في بطنِ جاريةٍ | .......................... |
427
قوله: ﴿وَتَعِيَهَآ﴾ : العامَّة على كسرِ العينِ وتخفيفِ الياءِ، وهو مضارعٌ وَعى منصوبٌ عطفاً على «لِنَجْعَلَها». وابن مصرف وأبو عمروٍ في رواية هارونَ عنه وقنبلَ بإسكانها تشبيهاً له ب «رَحْم» و «شَهْد»، وإنْ لم يكُنْ منه، ولكنْ صارَ في اللفظِ بمنزلة فَعِل الحلقيِّ العينِ. ورُوِيَ عن حمزةَ إخفاءُ الكسرةِ. ورُوِي عن عاصمٍ وحمزةَ أيضاً تشديدُ الياءِ. وهو غَلَطٌ عليها، وإنما سَمِعهما الراوي يُبَيِّنان حركةَ الياءِ فظنَّها شَدَّةً. وقيل: أَجْرَيا الوصلَ مُجْرى الوقفِ فَضَعَّفا الحرفَ وهذا لا ينبغي أَنْ يُلْتَفَتَ إليه. ورُوِيَ عن حمزةَ أيضاً وموسى بن عبد الله العبسيِّ «وتَعِيْها» بسكونِ الياءِ، وفيها وجهان: الاستئنافُ والعطفُ على المنصوبِ، وإنما سَكَّنا الياءَ استثقالاً للحركةِ على حرفِ العلةِ كقراءةِ ﴿تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩] وقد مَرَّ.
قوله: ﴿وَاحِدَةٌ﴾ : تأكيدٌ ونَفْخَةٌ مصدرٌ قام مقامَ الفاعلِ. وقال ابن عطية: «لَمَّا نُعِتَ صَحَّ رَفْعُهُ» انتهى. ولو لم يُنْعَت لصَحَّ رفعُه لأنه مصدرٌ مختصٌ لدلالتِه على الوَحْدة، والممنوعُ عند البصريين إنما هو إقامةُ المبهمِ نحو: ضُرِب ضَرْبٌ. والعامَّةُ على الرفعِ فيهما، وقرأ أبو السَّمَّال بنصبِهما كأنه أقام الجارَّ مُقامَ الفاعلِ، فترك المصدرَ على أصله، ولم يؤنِّثِ الفعلَ وهو «نُفخَ» لأنَّ التأنيثَ مجازيٌ، وحَسَّنه الفَصْلُ.
[قوله:] ﴿وَحُمِلَتِ الأرض﴾ : قرأه العامَّةُ بتخفيف الميمِ، أي: وحَمَلَتْها الريحُ أو الملائكةُ أو القُدرة ثم بُني. وقرأ ابنُ عامرٍ في روايةٍ والأعمش وابن أبي عبلة وابن مقسم بتشدِيدِها، فجازَ أَنْ يكونَ التشديدُ للتكثير، فلم يُكْسِبِ الفعلَ مفعولاً آخرَ، وجازَ أَنْ يكونَ للتعدية، فيُكْسِبَه مفعولاً آخرَ، فيُحْتمل أَنْ يكونَ الثاني محذوفاً، والأولُ هو القائمُ مقامَ الفاعلِ تقديرُه: وحُمِّلَتِ الأرضُ والجبالُ ريحاً تُفَتِّتُها؛ لقوله ﴿فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾ [طه: ١٠٥]. وقيل: التقدير حُمِّلَتا ملائكةً. ويُحْتَمَل أَنْ يكونَ الأولُ هو المحذوفَ، والثاني هو القائمُ مقامَ الفاعلِ.
قوله: ﴿فَدُكَّتَا﴾ : أي: الأرضُ والجبالُ؛ لأنَّ المرادَ الشيئان المتقدِّمان كقوله: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات: ٩].
قوله: ﴿فَدُكَّتَا﴾ : أي: الأرضُ والجبالُ؛ لأنَّ المرادَ الشيئان المتقدِّمان كقوله: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات: ٩].
قوله: ﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ : منصوبٌ ب «وَقَعَتْ». و «وقعتِ الواقعةُ» لا بُدَّ فيه مِنْ تأويلٍ: وهو أَنْ تكونَ «الواقعةُ» صارَتْ عَلَمَاً بالغَلَبة على القيامة أو الواقعةِ العظيمة، وإلاَّ ف «قام القائم» لا يجوزُ؛ إذ لا فائدةَ فيه، وتقدَّم هذا في قوله ﴿إِذَا وَقَعَتِ الواقعة﴾ [الواقعة: ١]. والتنوين في «يومئذٍ» للعوضِ مِنْ الجملةِ، تقديره: يوم إذ نُفِخَ في الصُّور.
قوله :﴿ وَاهِيَةٌ ﴾، أي : ضعيفة. يقال : وَهَى الشيءُ يَهِي وَهْياً، أي : ضَعُف ووهَى السِّقاءُ : انخرق. قال :
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: وقوله :﴿ أَرْجَآئِهَآ ﴾، أي : جوانُبها ونواحيها. واحِدُها : رَجا بالقصر، يُكتب الألف عكسَ رمى، لقولهم رَجَوان قال :
وقال الآخر :
خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤُهُ | ومَنْ هُرِيْقَ بالفَلاةِ ماؤُه |
فلا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ أني | أقَلُّ القومِ، مَنْ يُغْني مكاني |
وقال الآخر :
كأَنْ لم تَرَيْ قبلي أسيراً مُقَيدَّاً | ولا رجلاً يُرْمى به الرَّجَوانِ |
قوله: ﴿على أَرْجَآئِهَآ﴾ : خبرُ المبتدأ. والضميرُ للسماء. وقيل: للأرض. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين قولِه» والمَلَكُ «وبين أنْ يقال: والملائكة؟ قلت: المَلَكُ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ؛ ألا ترى أنَّ قولَك» ما مِنْ مَلَكٍ إلاَّ وهو شاهِدٌ «أعمُّ من قولِك:» ما مِنْ ملائكة «انتهى. قال الشيخ:» ولا يَظْهر أنَّ المَلَكَ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ؛ لأنَّ المفردَ المحلَّى بالألف واللام [الجنسية] قُصاره أَنْ يكونَ مُراداً به الجمعُ المُحلَّى [بهما] ولذلك صَحَّ الاستثناءُ منه، فقصاراه أن يكونَ كالجمعِ المُحَلَّى بهما، وأمَّا دَعْواه أنه أعَمُّ منه بقوله: «ألا ترى إلى آخره» فليس دليلاً على دَعْواه؛ لأنَّ «مِنْ مَلَكٍ» نكرةٌ مفردةٌ في سياقِ النفيِ قد دَخَلَتْ عليها «مِنْ» المُخَلِّصةُ للاستغفارق. فَشَمَلَتْ كلَّ مَلَكٍ، فاندرج تحتها الجمعُ لوجود الفردِ فيه، فانتفى كلُّ فردٍ بخلافِ «مِنْ ملائكة» فإنَّ «مِنْ» دَخَلَتْ على جمع مُنكَّرٍ، فَعَمَّ في كلِّ جمعٍ جمعٍ من الملائكة، ولا يلزَمُ مِنْ ذلك انتفاءُ كلِّ فردٍ مَنْ الملائكة. لو قلت: «
429
ما في الدارِ مِنْ رجال» جاز أَنْ يكونَ فيها واحدٌ؛ لأنَّ النفيَ إنما انسحب على جمعٍ، ولا يَلْزَمُ مِنْ انتفاءِ الجمعِ أَنْ ينتفيَ المفرد، والمَلَكُ في الآية ليس في سياقِ نفيٍ دَخَلَتْ عليه «مِنْ» وإنما جيء به مفرداً لأنه أَخفُّ، ولأنَّ قولَه «على أَرْجائِها» يَدُلُّ على الجَمْعِ؛ لأنَّ الواحدَ بما هو واحدٌ لا يمكنُ أَنْ يكونَ «على أرجائها» في وقتٍ واحدٍ، بل في أوقاتٍ. والمرادُ واللَّهُ أعلَمُ أنَّ الملائكةَ على أرجائها، لا أنه مَلَكٌ/ واحدٌ ينتقِلُ على أرجائها في أوقات «.
قلت: الزمخشريُّ مَنْزَعُه في هذا ما قدَّمْتُه عنه في أواخرِ سورةِ البقرة عند قوله ﴿وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ فليُراجَعْ ثمة. وأمَّا قولُ الشيخ:» ما [في الدار] مِنْ رجال، إنَّ النفي مَنسَحِبٌ على رُتَبِ الجمعِ «ففيه خلافٌ للناسِ ونَظَرٌ. والتحقيقُ ما ذكره. والضمير في» فوقهم «يجوزُ أَنْ يعودَ على المَلَك؛ لأنه بمعنى الجمع كما تقدَّم، وأَنْ يعودَ على الحامِلينَ الثمانيةِ. وقيل: يعود على جمع العالَمِ، أي: إن الملائكةَ تحملُ عَرْشَ اللَّهِ تعالى فوق العالَمِ كلِّه.
قوله: ﴿ثمانيةٌ﴾ أَبْهم اللهُ تعالى هذا العددَ، فلم يَذْكُرْ له تمييزاً فقيل: تقديرُه ثمانية أشخاصٍ. وقيل: ثمانيةُ صُنوفٍ.
قلت: الزمخشريُّ مَنْزَعُه في هذا ما قدَّمْتُه عنه في أواخرِ سورةِ البقرة عند قوله ﴿وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ فليُراجَعْ ثمة. وأمَّا قولُ الشيخ:» ما [في الدار] مِنْ رجال، إنَّ النفي مَنسَحِبٌ على رُتَبِ الجمعِ «ففيه خلافٌ للناسِ ونَظَرٌ. والتحقيقُ ما ذكره. والضمير في» فوقهم «يجوزُ أَنْ يعودَ على المَلَك؛ لأنه بمعنى الجمع كما تقدَّم، وأَنْ يعودَ على الحامِلينَ الثمانيةِ. وقيل: يعود على جمع العالَمِ، أي: إن الملائكةَ تحملُ عَرْشَ اللَّهِ تعالى فوق العالَمِ كلِّه.
قوله: ﴿ثمانيةٌ﴾ أَبْهم اللهُ تعالى هذا العددَ، فلم يَذْكُرْ له تمييزاً فقيل: تقديرُه ثمانية أشخاصٍ. وقيل: ثمانيةُ صُنوفٍ.
430
قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ :«تُعْرَضُون» هو جوابُ «إذا» مِنْ قولِه «فإذا نُفِخَ»، قاله الشيخ. وفيه نظرٌ، بل جوابُها ما تقدَّم مِنْ قولِه «وقَعَتِ الواقعة» و «تُعْرَضُون» على هذا مستأنفٌ.
430
قوله: ﴿لاَ تخفى﴾ قرأ الأخَوان بالياءِ مِنْ تحتُ؛ لأن التأنيثَ مجازيٌّ، وللفصل أيضاً، وهما على أصلِهما في إمالةِ الألفِ. والباقون «لا تَخْفى» بالتاءِ مِنْ فوقُ للتأنيثِ اللفظيِّ، والفتحُ وهو الأصلُ.
قوله: ﴿وَاهِيَةٌ﴾، أي: ضعيفة. يقال: وَهَى الشيءُ يَهِي وَهْياً، أي: ضَعُف ووهَى السِّقاءُ: انخرق. قال:
وقوله: ﴿أَرْجَآئِهَآ﴾، أي: جوانُبها ونواحيها. واحِدُها: رَجا بالقصر، يُكتب الألف عكسَ رمى، لقولهم رَجَوان قال:
وقال الآخر:
قوله: ﴿وَاهِيَةٌ﴾، أي: ضعيفة. يقال: وَهَى الشيءُ يَهِي وَهْياً، أي: ضَعُف ووهَى السِّقاءُ: انخرق. قال:
٤٣١٩ - خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤُهُ | ومَنْ هُرِيْقَ بالفَلاةِ ماؤُه |
٤٣٢٠ - فلا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ أني | أقَلُّ القومِ، مَنْ يُغْني مكاني |
٤٣٢١ - كأَنْ لم تَرَيْ قبلي أسيراً مُقَيدَّاً | ولا رجلاً يُرْمى به الرَّجَوانِ |
أَرْمي عليها وهي فَرْعٌ أَجْمَعُ | وهي ثلاثُ أَذْرُعٍ وإصبعُ |
وقال الزمخشري: «والمعنى في تقديم السِّلسلةِ على السَّلْك مثلُه في تقديمِ الجحيمِ على التَّصْليةِ أي: لا تَسْلُكوه إلاَّ في هذه السلسلةِ و» ثُمَّ «للدلالةِ على التفاوُتِ لِما بين الغَلِّ والتَّصْليةِ بالجَحيم، وما قبلَها، وبينَ السَّلْكِ في السِّلسلة لا على تراخي المُدَّة». ونازعه الشيخُ في إفادةِ التقديم الاختصاصَ كعادتِه، وجوابُه ما تقدَّم، ونازَعه أيضاً في أنَّ «ثُمَّ» للدلالة على تراخي الرتبة. وقال: «يمكنُ التراخي الزماني: بأَنْ يَصْلَى بعد أن يُسْلَكَ، ويُسْلَكَ بعد أَنْ يُؤْخَذَ ويُغَلَّ بمهلةٍ بين هذه الأشياءِ». انتهى. وفيه نظرٌ: من حيث إن التوعُّدَ بتوالي العذابِ آكَدُ وأقطعُ مِنْ التوعُّدِ بتَفْريقه.
436
وقله: ﴿وَلاَ يَحُضُّ﴾ : الحضُّ: البَعْثُ على الفعلِ والحِرْصُ على وقوعِه، ومنه حروفُ التحضيض المُبَوَّبُ لها في النحوِ؛ لأنه يُطْلَبُ بها وقوعُ الفعلِ وإيجادُه.
قوله: ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ﴾ : في خبرِ «
436
ليس» وجهان، أحدهما: «له»، والثاني: «ههنا»، وأيُّهما كان خبراً تعلَّق به الآخَرُ، أو كان حالاً مِنْ «حميمٌ». ولا يجوزُ أَنْ يكونَ «اليومَ» خبراً البتة لأنه زمانٌ، والمُخْبَرُ عنه جثةٌ. ومنع المهدويُّ أَنْ يكونَ «ههنا» خبراً، ولم يَذْكُرِ المانعَ. وقد ذكره القرطبي فقال: «لأنه يَصيرُ المعنى: ليس ههنا طعامٌ إلاَّ مِنْ غسْلين/ ولا يَصِحُّ ذلك لأنَّ ثَمَّ طعاماً غيرَه». انتهى. وفي هذا نظرِ؛ لأنَّا لا نُسَلِّم أولاً أنَّ ثَمَّ طعاماً غيرَه. فإنْ أَْرَدَ قولَه: ﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٦] فهذا طعامٌ آخرُ غيرُ الغِسْلين. فالجوابُ: أنَّ بعضَهم ذهب إلى أن الغِسْلينَ هو الضَّريعُ بعينِه فسمَّاه في آيةٍ غِسْليناً، وفي أخرى ضَريعاً. ولَئِنْ سَلَّمْنا أنهما طعامان فالحَصْرُ باعتبارِ الآكلين. يعني أنَّ هذا الآكلَ انحصَر طعامُه في الغِسْلِيْنِ، فلا يُنافي أَنْ يكونَ في النار طعامٌ آخر. وإذا قُلْنا: إنَّ «له» الخبر، وإن «اليوم» و «ههنا» متعلِّقان بما تعلَّقَ هو به فلا إشكال. وكذاك إذا جَعَلْنا «ههنا» هو الخبرَ، وعَلَّقْنا به الجارَّ والظرفَ ولا يَضُرُّ كونُ العاملِ معنوياً للاتساع في الظروفِ وحروف الجرِّ.
437
قوله: ﴿إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ : صفةٌ ل «طعامٌ» دَخَلَ الحصرُ على الصفةِ، كقولك: «ليس عندي رجلٌ إلاَّ من بني تميمٍ» والمرادُ بالحميم الصديقُ، فعلى هذا الصفةُ مختصَّةٌ بالطعامِ أي: ليس له صديق ينفعُه ولا طعامٌ إلاَّ مِنْ كذا. وقيل: التقديرُ: ليس له حميمٌ إلاَّ مِنْ غِسْلين ولا طعامٌ، قاله أبو البقاء، فجعل «مِنْ غِسْلين» صفةً للحميم،
437
كأنَّه أرادَ به الشيءَ الذي يُحَمُّ به البدنُ مِن صديدِ النارِ. ثم قال: «وقيل: من الطعامِ والشرابِ؛ لأنَّ الجميعَ يُطْعَمُ بدليله قولِه: ﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] فعلى هذا يكونُ ﴿إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ صفةً ل» حميم «ول» طعام «، والمرادُ بالحَميم ما يُشْرَبُ. والظاهرُ أنَّ خبرَ» ليس «هو قوله:» مِنْ غِسْلين «إذا أُرِيد بالحميم ما يُشْرَبُ أي: ليس له شرابٌ ولا طعامٌ إلاَّ غِسْليناً. أمَّا إذا أُريد بالحميمِ الصديقُ فلا يتأتَّى ذلك. وعلى هذا الذي ذكَرْتُه فيُسْألُ عمَّا يُعَلَّقُ به الجارُّ والظرفان؟ والجوابُ: أنها تتعلَّقُ بما تعلَّقَ به الخبرُ، أو يُجْعَلُ» له «أو» ههنا «حالاً مِنْ» حميم «، ويتعلَّقُ» اليوم «بما تَعَلَّق به الحالُ. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ» اليومَ «حالاً مِنْ» حميم «، و» له «و» ههنا «متعلِّقان بما تعلَّق به الحالُ؛ لأنه ظرفُ زمانٍ، وصاحبُ الحالِ جثةٌ. وهذا الموضِعُ موضِعٌ حَسَنٌ مفيدٌ فتأمّلْه.
والغِسْلِين: فِعْلِيْن مِن الغُسالةِ، فنونُه وياؤُه زائدتان. قال أهلُ اللغة: هو ما يَجْري من الجِراح إذا غُسِلَتْ. وفي التفسير: هو صَديدُ أهلِ النار. وقيل: شجرٌ يأكلونه.
والغِسْلِين: فِعْلِيْن مِن الغُسالةِ، فنونُه وياؤُه زائدتان. قال أهلُ اللغة: هو ما يَجْري من الجِراح إذا غُسِلَتْ. وفي التفسير: هو صَديدُ أهلِ النار. وقيل: شجرٌ يأكلونه.
438
قوله: ﴿لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون﴾ : صفةٌ ل «غِسْلين». والعامَّةُ يَهْمِزُون «الخاطِئُون» وهو اسمُ فاعلٍ مِنْ خَطِىءَ يَخْطأ، إذا فَعَلَ غيرَ الصوابِ متعمِّداً، والمُخْطِىءُ مَنْ يفعلُه غيرَ متعمِّدٍ.
وقرأ الزُّهريُّ والعَتكِيُّ وطلحة والحسن «الخاطِيُون» بياءٍ مضمومةٍ
وقرأ الزُّهريُّ والعَتكِيُّ وطلحة والحسن «الخاطِيُون» بياءٍ مضمومةٍ
438
بدلَ الهمزة. وقد تقدَّم مثلُه في «مُسْتَهْزِيُون» أولَ هذا الموضوع. وقرأ نافعٌ في روايةٍ، وشيخُه وشَيْبَةُ بطاءٍ مضمومةٍ دونَ همزِ. وفيها وجهان، أحدُهما: أنَّه كقراءةِ الجماعةِ، إلاَّ أنه خُفِّفَ بالحَذْفِ. والثاني: أنه اسمُ فاعلٍ مِن خطا يخطو إذا اتَّبع خطواتِ غيرِه. فيكونُ مِنْ قولِه: ﴿لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان﴾ [النور: ٢١] قاله الزمخشري، وقد مَرَّ في أول هذا الموضوع أنَّ نافعاً يَقْرأ «الصابِييْنَ» بدونِ همزٍ، وتقدَّم ما نَقَلَ الناسُ فيها، وعن ابن عباس: ما الخاطُون كلُّنا نَخْطُو. ورَوى عنه أبو الأسودِ الدؤليُّ: «ما الخاطُون، إنما هو الخاطئُون وما الصابُون، إنما هو الصابِئُون».
439
وقوله: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ : قد تقدَّم مثلُه في آخرِ الواقعة، وأَشْبَعْتُ القولَ ثَمَّةَ إلاَّ أنَّه قيل ههنا: إنَّ «لا» نافيةٌ لفعلِ القسم، وكأنَّه قيل: لا أَحْتاجُ أَنْ أُقْسِمَ على هذا؛ لأنه حقٌّ ظاهرٌ مُسْتَغْنٍ عن القسمِ، ولو قيل به في الواقعة لكان حَسَناً.
قوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ﴾ : هو جواب القسمِ.
قوله: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ﴾ : معطوفٌ على الجوابِ فهو جواب. أَقْسَمَ على شيئين، أحدُهما مُثْبَتٌ، والآخرُ منفيٌّ وهو من البلاغةِ الرائعة.
439
قوله: ﴿قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ﴾ ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ انتصبَ «قليلاً» في الموضعَيْنِ نعتاً لمصدرٍ أو زمانٍ محذوفٍ أي: إيماناً قليلاً أو زماناً قليلاً. والناصب تُؤْمِنون وتَذَكَّرون، و «ما» مزيدةٌ/ للتوكيدِ. وقال ابنُ عطيةَ: «ونُصِبَ» قليلاً «بفعلٍ مضمرٍ، يَدُلُّ عليه» تُؤْمِنون «. وما يُحتمل أَنْ تكونَ نافيةً فيَنْتَفِيَ إيمانُهم البتةَ، ويُحتمل أَنْ تكونَ مصدريةً، ويتصفَ بالقلَّةِ، فهو الإِيمانُ اللغويُّ؛ لأنَّهم قد صَدَّقوا بأشياءَ يسيرةٍ، لا تُغْني عنهم شيئاً؛ إذ كانوا يُصَدِّقون بأنَّ الخيرَ والصِّلةَ والعفافَ الذي يأمرُ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو حقٌّ وصوابٌ». قال الشيخ: «أمَّا قولُه:» قليلاً «نُصِبَ بفعلٍ إلى آخره فلا يَصِحُّ؛ لأن ذلك الفعلَ الدالَّ عليه» تُؤْمنون «: إمَّا أن تكونَ» ما «نافيةً [أو مصدريةً] كما ذَهَب إليه. فإنْ كانَتْ نافيةً فذلك الفعلُ المضمرُ الدالُّ عليه» تُؤْمِنون «المنفيُّ ب» ما «يكونُ منفيّاً، فيكون التقدير: ما تُؤْمِنون قليلاً ما تؤمنون، والفعلُ المنفيُّ ب» ما «لا يجوزُ حَذْفُه ولا حَذْفُ» ما «، لا يجوز:» زيداً ما أَضْرِبُه «على تقدير: ما أضربُ زيداً ما أَضْرِبُه. وإنْ كانَتْ مصدريةً كانَتْ: إمَّا في موضع رفعٍ ب» قليلاً «على الفاعلية، أي: قليلاً إيمانُكم، ويبقى» قليلاً «لا يتقدَّمه مَا يَعْتمد عليه حتى يعملَ، ولا ناصبَ له، وإمَّا في موضعِ رفعٍ على الابتداءِ فيكونُ مبتدأً لا خبرَ له، لأنَّ ما قبلَه منصوبٌ».
قلت: لا يريدُ ابنُ عطيةَ بدلالةِ «تُؤْمنون» على الفعلِ المحذوفِ الدلالةَ المذكورةَ في بابِ الاشتغالِ، حتى يكونَ العاملُ الظاهر مفسِّراً
قلت: لا يريدُ ابنُ عطيةَ بدلالةِ «تُؤْمنون» على الفعلِ المحذوفِ الدلالةَ المذكورةَ في بابِ الاشتغالِ، حتى يكونَ العاملُ الظاهر مفسِّراً
440
للعاملِ المضمرِ، بل يريدُ مجرَّدَ الدلالةِ اللفظيةِ، فليس ما أوردَه الشيخُ عليه مِنْ تمثيلِه بقولِه: «زيداً ما أَضْرِبُه» أي: ما أضربُ زيداً ما أضربه بواردٍ.
وأمَّا الردُّ الثاني فظاهرٌ. وقد تقدَّم لابنِ عطيةَ هذا القولُ في أول سورةِ الأعراف وتكلَّمْتُ معه ثَمَّة. وقال الزمشخريُّ: «والقلَّةُ في معنى العَدَمِ أي: لا تُؤْمنون ولا تَذَكَّرون البتة». قال الشيخ: «ولا يُرادُ ب» قليلاً «هنا النفيُ المَحْض، كما زعم، وذلك لا يكونُ إلاَّ في» أقَلَّ «نحو:» أقَلُّ رجلٍ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ «وفي» قَلَّ «نحو:» قَلَّ رجلٌ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ «وقد يُستعمل في قليل وقليلة، أمَّا إذا كانا مرفوعَيْنِ، نحوُ ما جَوَّزوا في قولِه:
أمَّا إذا كان منصوباً نحو: «قليلاً ضَرَبْتُ» أو «قليلاً ما ضَرَبْتُ» على أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً فإنَّ ذلك لا يجوزُ؛ لأنَّه في «قليلاً ضربْتُ» منصوبٌ ب «ضربْتُ». ولم تَستعمل العربُ «قليلاً» إذا انتصَبَ بالفعلِ نفياً، بل مقابلاً لكثير، وأمَّا في «قليلاً ما ضربْتُ» على أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً فتحتاج إلى رفع «قليل» لأنَّ «ما» المصدريةَ في موضعِ رفع على الابتداء «انتهى ما رَدَّ به، وهو مجردُ دَعْوى.
وأمَّا الردُّ الثاني فظاهرٌ. وقد تقدَّم لابنِ عطيةَ هذا القولُ في أول سورةِ الأعراف وتكلَّمْتُ معه ثَمَّة. وقال الزمشخريُّ: «والقلَّةُ في معنى العَدَمِ أي: لا تُؤْمنون ولا تَذَكَّرون البتة». قال الشيخ: «ولا يُرادُ ب» قليلاً «هنا النفيُ المَحْض، كما زعم، وذلك لا يكونُ إلاَّ في» أقَلَّ «نحو:» أقَلُّ رجلٍ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ «وفي» قَلَّ «نحو:» قَلَّ رجلٌ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ «وقد يُستعمل في قليل وقليلة، أمَّا إذا كانا مرفوعَيْنِ، نحوُ ما جَوَّزوا في قولِه:
٤٣٢٣ -............................ | قليلٌ بها الأصواتُ إلاَّ بُغامُها |
441
وقرأ ابن كثير وابن عامر بخلافٍ عن ابن ذكوان بالغَيْبة في» يؤمنون «و» يَذَّكَّرون «حَمْلاً على قولِه:» الخاطِئون «، والباقون بالخطاب حَمْلاً على» بما تُبْصِرون وما لا تُبْصرون «. وأُبَيٌّ» تتذكَّرون «بتاءين.
442
قوله: ﴿تَنزِيلٌ﴾ : هذه قراءةُ العامَّة، أعني الرفعَ على إضمارِ مبتدأ، أي: هو تنزيلٌ، وتقدَّم مثلُه. وأبو السَّمَّال «تَنْزيلاً» بالنصبِ على إضمارِ فعل أي: نَزَّل تنزيلاً.
قوله: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ﴾ : هذه قراءةُ العامَّةِ. تَفَعَّل من القولِ مبنيّاً للفاعلِ. وقال الزمخشري: «التقوُّلُ افعتالُ القولِ؛ لأن فيه تكلُّفاً من المُفْتَعِل». وقرأ بعضُهم «تُقُوِّل» مبنياً للمفعول. فإن كان هذا القارىءُ رفع «بعضُ الأقاويل» فذاك، وإلاَّ فالقائمُ مَقامَ الفاعلِ الجارُّ، وهذا عند مَنْ يرى قيامَ غيرِ المفعول به مع وجودِه. وقرأ ذكوان وابنه محمد «يقولُ» مضارعُ «قال». والأقاويلُ: جمعُ أقوالٍ، وأقوالٌ جمع قَوْل، فهو نظير «أباييت» جمعُ أَبْيات جمعُ بَيْت. وقال الزمخشري: «
442
وسَمَّى الأقوالَ المتقوَّلةَ أقاويلَ تصغيراً لها وتحقيراً، كقولك: أعاجيب، وأضاحيك، كأنها جمع أُفْعُولة من القَوْل».
443
قوله: ﴿باليمين﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ على أصلِها غيرَ مزيدةٍ والمعنى: لأَخَذْناه بقوةٍ مِنَّا، فالباءُ حاليةٌ، والحالُ من الفاعلِ، وتكون في حكم الزائدةِ. واليمينُ هنا مَجازٌ عن القوةِ والغَلَبة، وأَنْ تكونَ مزيدةً، والمعنى: لأَخَذْنا منه يمينَه، والمرادُ باليمين الجارِحَةُ، كما يُفْعَلُ بالمقتول صَبْراً يُؤْخَذُ بيميِنه، ويُضرب بالسيفِ في جيده مواجهةً، وهو أشَدُّ عليه. والوتينُ نِياطُ القلبِ، إذا انقطعَ ماتَ صاحبُه. وقال الكلبي: «هو عِرْقٌ بين العِلْباء والحُلْقوم، وهما عِلْباوان، بينهما العِرْقُ، والعِلْباءُ: / عَصَبُ العُنُق». وقيل: عِرْقٌ غليظٌ تصادِفُه شَفْرة الناحِرِ. قال الشمّاخ: