تفسير سورة يس

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة يس من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ فعزّرنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ﴾ [ يس : ١٤ ].
قاله هنا بغير تأكيد باللام، لأنه ابتداءُ إخبار، وقاله بعدُ بالتأكيد بها( ١ )، لأنه جواب بعد إنكار وتكذيب، فاحتيج إلى التأكيد.
١ - في قوله: ﴿قالوا ربّنا يعلم إنا إليكم لمرسلون﴾ آية (١٦)..
قوله تعالى :﴿ وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ﴾ [ يس : ٢٢ ]، قاله الجائي من المدينة.
إن قلتَ : كيف أضاف الفطرة إلى نفسه، والرجوع –الذي هو البعث- إليهم، مع علمه بأن الله فطرهم وإيّاه، وإليه يرجع هو، وهم، فلم يقل : الذي فطرنا وإليه نرجع، أو فطركم وإليه تُرجعون ؟   !
قلتُ : لأن الخلق والإيجاد، نعمة من الله تعالى تُوجب الشكر، والبعث بعد الموت للجزاء، وعيد من الله يوجب الزجر، فأضاف ما يقتضي الشكر لنفسه، لأنه أليق بإيمانه، وما يقتضي الزجر إليهم، لأنه أليق بكفرهم.
قوله تعالى :﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ﴾ [ يس : ٢٩ ]. ذُكر هنا مرتين، وليس بتكرار، لأن الأول هي النفخة التي يموت بها الخلق، والثانية( ١ ) هي النفخة التي يحيا بها الخَلق.
١ - في قوله تعالى: ﴿إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون﴾ آية (٥٣)..
قوله تعالى :﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ﴾ [ يس : ٤٠ ].
إن قلتَ : كيف نفى تعالى الإدراك عن الشمس للقمر، دون عكسه ؟
قلتُ : لأن سير القمر أسرع، لأنه يقطع فَلَكه في شهر، والشمس لا تقطع فَلَكها إلا في سنة، فكانت جديرة بأن توصف بنفي الإدراك لبطء سيرها، والقمر خليقا بأن يوصف بالسّبق، لسرعة سيره( ١ ).
١ - هذا التعبير البديع ﴿لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر﴾ يُضفي عليها –وهي جمادات- صفة الحكمة والعقل، فلم يقل تعالى مثلا: لا تدخل الشمس في مدار القمر، ولا القمر في مدار الشمس، وإنما ذكرها بهذا التعبير البديع، الفائق في الجمال والتصوير، وكأنها عاقلة تجري وتسير بحكمة واتّزان، ولهذا ختمها بقوله: ﴿وكل في فلك يسبحون﴾ بصيغة جمع العقلاء، وهي صورة بديعة، من صور الجمال الغنيّ في القرآن. اﻫ التفسير الواضح الميسّر للصابوني..
قوله تعالى :﴿ وآية لهم أنا حملنا ذرياتهم في الفلك المشحون ﴾ [ يس : ٤١ ].
إن قلتَ : الذّرية اسم للأولاد، والمحمول في سفينة نوح عليه السلام، آباء المذكورين، لا أولادهم ؟   !
قلتُ : الذريّة من أسماء الأضداد عند كثير، تُطلق على الآباء والأولاد، والمراد هنا : الفريقان، فمعناه حملنا آباءهم وأولادهم، لأنهم كانوا في ظهور آبائهم المحمولين ظاهرا.
قوله تعالى :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ [ يس : ٤٨ ] أي متى إنجازه ؟ وإلا فالوعد بالبعث، كان واقعا لا منتظرا، أو أراد بالوعد : الموعود.
قوله تعالى :﴿ قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا... ﴾ الآية [ يس : ٥٢ ].
إن قلتَ : قولهم ذلك سؤال عن الباعث، فكيف طابقه الجواب بقوله ﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ [ يس : ٥٢ ] ؟
قلتُ : معناه : بعثكم الرحمن الذي وعدكم بالبعث، وأخبركم به الرسول، وإنما جيء به على هذه الطريقة، تبكيتا لهم وتوبيخا.
قوله تعالى :﴿ هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متّكئون ﴾ [ يس : ٥٦ ].
إن قلتَ : كيف قال في صفة أهل الجنة ذلك، والظلّ إنم يكون لما يقع عليه الشمس، ولا شمس في الجنة، لقوله تعالى :﴿ لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ﴾ [ الإنسان : ١٣ ] ؟
قلتُ : ظلّ أشجار الجنة، من نور قناديل العرش، أو من نور العرش، لئلا تبهر أبصارَهم، فإنه أعظم من نور الشمس.
قوله تعالى :﴿ اليوم نختم في أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ [ يس : ٦٥ ] سمّى نطق اليد كلاما، ونطق الرجل شهادة، لأن الغالب في كونها فاعلة، وفي الرّجل كونها حاضرة، وقول الفاعل على نفسه إقرار لا شهادة، وقول الحاضر على غيره شهادة.
قوله تعالى :﴿ وما علّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ﴾ [ يس : ٦٩ ] أي إنشائه ﴿ وما ينبغي له ﴾ أي ما يليق به ذلك، كما قال تعالى :﴿ وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ﴾ [ مريم : ٩٢ ] وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرَّجَز، نحو قوله :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وقوله :
هل أنتِ إلا أُصْبُعٌ دَمِيتِ وفي سبيل الله ما لَقِيتِ
فليس بشعر عند الخليل، أو أن الموزون بوزن الشعر –وإن لم يكن رجزا- ليس بشعر عند أحد( ١ )، إذ الشعر قول موزون مُقَفّى، مقصود به الشعر، والقصد منتف فيما روي من ذلك.
١ - هذا هو الصحيح أن ما قاله صلى الله عليه وسلم إنما جاء عفوا، ولم يقصد به الشعر ولا قوله، وإنما جاء موزونا على وزن الشعر، ومثل هذا لا يسمى في العرف شعرا..
قوله تعالى :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما... ﴾ [ يس : ٧١ ] الآية، أي قدرتُنا، عبّر عنها باليد لما بينهما من الملازمة( ١ )، وللإشارة إلى الانفراد بخلق الأنعام، كما يُقال في عمل القلب : هذا مما عملت يداك، وإن لم يكن للمخاطب يد.
١ - والمعنى: أو لم ينظر هؤلاء الكفار، نظر تفكّر واعتبار، إلى ما خلقناه لهم بقدرتنا، من الإبل والأنعام؟ فالمراد بقوله: ﴿بأيدينا﴾ أي بقدرتنا..
قوله تعالى :﴿ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ﴾ [ يس : ٧٨ ] الآية، سمّاه مثلا، وإن لم يكن مثلا، لما اشتمل عليه من الأمر العجيب( ١ )، وهو إنكار الإنسان قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، مع شهادة العقل والنقل على ذلك.
١ - المعنى: جاءنا بأمر غريب، يشبه المثل في غرابته، ونسي أنّا خلقناه من نطفة قذرة، فأوجدناه بعد العدم ! ؟.
Icon