تفسير سورة القلم

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة القلم من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة القلم

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿ن﴾ اختلفوا في تفسيره. فروي عن ابن عباس بطرق أن المراد به الحوت الذي على ظهره الأرض، وأنه من أول ما خلق الله تعالى فكبس الأرض على ظهره؛ وهو رواية أبي الضحى، وأبي ظبيان، والكلبي، وأبي صالح عن ابن عباس (١). وقول مجاهد ومقاتل والسدي (٢)، قالوا: هو الحوت الذي يحمل الأرض وهو في بحر تحت الأرض السفلى (٣).
والنون في اللغة السمكة (٤). ومنه قوله تعالى في ذكر يونس عليه السلام: ﴿وَذَا النُّونِ﴾، وقد مر (٥).
(١) أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم، وصححه، والضياء في المختارة وغيرهم. انظر: "تنوير المقباس" ٣/ ١١٦، و"جامع البيان" ٢٩/ ٩، و"المستدرك" ٢/ ٤٩٨، و"العظمة" ٤/ ١٤٠٣ و"تفسير الماوردي" ٤/ ٢٧٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٠.
قلت: إن صح هذا عنه فهو من الإسرائيليات التي ملئت بها كتب التفسير، وابتليت بها الأمة، وكشف زيفها وكذبها وبعدها عن الحقيقة والواقع.
(٢) في (س): (والسدي) زيادة.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٠، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٠ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٤.
(٤) انظر: "اللسان" ٣/ ٧٥٠ (نون).
(٥) عند تفسيره الآية (٨٧) من سورة الأنبياء.
69
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (ن) الدواة (١)، ونحو هذا روى الضحاك (٢)؛ وهو قول الحسن وقتادة (٣). والنون في اللغة الدواة، ومنه قول الشاعر (٤):
إذا ما الشوق برح بي إليهم ألفت النون بالدمع السجوم
وروى عكرمة (٥) عن ابن عباس أن نون هاهنا آخر حروف الرحمن. قال: (الر) و (حم) و (ن) حروف الرحمن مقطعة (٦).
وروى معاوية بن قرة (٧) مرفوعًا أن نون هاهنا لوح من نور (٨).
(١) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٧٨، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٠.
(٢) في (س): (ونحو هذا روى الضحاك) زيادة.
(٣) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦١ أ، و "زاد المسير" ٨/ ٣٢٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٣.
(٤) لم أجده. وفي "تهذيب اللغة" ١٥/ ٥٦٠، قال:... ﴿ن وَالْقَلَمِ﴾ لا يجوز فيه غير الهجاء، ألا ترى أن كتاب المصحف كتبوه ﴿ن﴾ ولو أريد به الدواة أو الحوت كتب نون. وانظر: "المحرر الوجيز" ١٦/ ٧٣.
(٥) (س): (عكرمة) زيادة.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٠، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ١/ ٢٣٠ - ٢٣٣. بسندين أحدهما ضعيف والآخر حسن، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦١ أ.
(٧) معاوية بن قرة المدني البصري، ثقة عالم، مات سنة ١١٣ هـ عن ثمانين سنة، وكان يقول: لقيت ثلاثين صحابيًّا. انظر: "سير أعلام النبلاء" ٥/ ١٥٣، و"طبقات ابن سعد" ٧/ ٢٢١ و"التقريب" ٢/ ٢٦١، و"التاريخ الكبير" ٤/ ٣٣٠.
(٨) أخرجه ابن جرير عن معاوية عن أبيه. "جامع البيان" ٢٩/ ١٠. قال ابن كثير: وهذا مرسل غريب. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠١. وقال أبو حيان: لعله لا يصح شيء من ذلك، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٠٧. وقال ابن حجر: والمشهور في ﴿ن﴾ أن حكمها حكم أوائل السور في الحروف المقطعة، وبه جزم الفراء.
"فتح الباري" ٨/ ٦٦١، وانظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٧٧، و"روح المعاني" ٢٩/ ٢٣.
70
وقال أبو عبيدة وابن كيسان (١): نون فاتحة السورة كسائر الفواتح (٢).
وقال المبرد: (ن) اسم الحرف المعروف من حروف الهجاء نحو (ق) و (م). وهذا هو الأشبه؛ لأنه لو كان للسمكة لكان معربًا غير ساكن الآخر (٣)؛ لأنه اسم لمسمى (٤)، وحروف المعجم إنما هي موضوعة على الوقف، ولذلك يلتقي في أواخرها ساكنان؛ هذا كلامه. وقد اختار قول من قال: إنه من حروف المعجم لافتتاح السورة، والمراد به آخر حروف الرحمن لبنائه على السكون. والقول ما قال (٥).
(١) في (س): (وابن كيسان) زيادة.
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٤.
(٣) في (ك): (الأخير).
(٤) في (ك): (المسمى).
(٥) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٧٧، وفي "العظمة" ٢/ ٥٣٢ قال المحقق: ولم يصح في ذلك شيء مرفوع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما روى بعض الصحابة ومن بعدهم.
قلت: ورد في الحروف المقطعة نقول لا تسلم سندًا، وآراء لا تسلم اجتهادًا. والأسلم فيها السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند شرعي، وتفويض أمرها إلى الله، والقول بكل تواضع: الله أعلم. وبهذا قال كثير من سلف الأمة رحمهم الله جميعًا.
وقال الشوكاني -رحمه الله- بعد التحقيق في هذه المسألة، والذي أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة، واقتدى بسلف الأمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك، مع الاعتراف بأن في إنزالها حكمة لله -عز وجل- لا تبلغها عقولنا، ولا تهتدي إليه أفهامنا، وإذا انتهت إلى السلامة في مدارك فلا تجاوزه. انظر: "فتح القدير" ١/ ٣٥.
وانظر: "لباب التأويل" ١/ ١٩، و"روح المعاني" ١/ ٣٥، و"الإسرائيليات" لأبي شهبة ٣٠٥ - ٣٠٦.
71
والقراء مختلفون في إظهار النون وإخفائه من قوله ﴿ن * وَالْقَلَمِ﴾ (١)، فمن أظهرها فلأنه ينوي بها الوقف بدلالة اجتماع الساكنين فيها، وإذا كانت موقوفة كانت في تقدير الانفصال مما قبلها، وإذا انفصل مما قبلها وجب التبيين، لأنها إنما تخفى في حروف الفم عند الاتصال. ووجه الإخفاء أن همزة الوصل لم تقطع مع هذه الحروف في نحو ﴿الم﴾، وقولهم في العدد: واحد، اثنان. فمن حيث لم تقطع الهمزة معها علمت أنه في تقدير الوصل، وإذا وصلتها أخفيت (٢) النون (٣). وقد ذكرنا هذا في قوله: ﴿ص * وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] و ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ﴾ [يس: ١ - ٢] قال الفراء: وإظهارها أعجب إلي، لأنها هجاء، والهجاء كالوقوف وإن اتصل (٤).
قوله تعالى: ﴿وَالْقَلَمِ﴾ قال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم ثم قال له: اكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى أن تقوم الساعة (٥) قال: وهو قلم من نور طوله كما بين السماء
(١) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص ﴿ن وَالْقَلَمِ﴾ بإظهار النون. وقرأ الباقون بإخفائها. انظر: "حجة القراءات" ص ٧١٧، و"الإتحاف" ص ٤٢١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٢٦.
(٢) في (ك): (خفيت).
(٣) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٣٠٩ - ٣١٠.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧٢.
قلت: واختيار الفراء للإظهار لا يعني الطعن أو الرد لما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو اختيار ابن جرير أيضًا. حيث قال: والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان بأيتهما قرأ القارئ أصاب، غير أن إظهار النون أفصح وأشهر، فهو أعجب إليّ. "جامع البيان" ٢٩/ ١١.
(٥) أخرجه ابن جرير في "جامعه" ٢٩/ ١٠، وابن أبي حاتم، وأحمد في "المسند" ٥/ ٣١٧، والترمذي في "سننه"، كتاب: القدر ٤/ ٣٩٧ (٢١٥٥) وقال: هذا =
72
والأرض. وهذا قوله في رواية أبي الضحى، وأبي ظبيان، وأبي صالح، ومقسم (١).
وروى مجاهد عنه قال: كان أول (٢) ما خلق الله القلم فقال له: اكتب القدر. قال: فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه (٣).
وهذا قول جميع المفسرين. قالوا: هو القلم الذي كتب به اللوح المحفوظ (٤). قوله: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾. قالوا: يعني وما تكتب الملائكة
= حديث غريب من هذا الوجه. وفي "الأسماء والصفات" للبيهقي ٢/ ٢٣٩، قال محققه: صحيح إلى ابن عباس، ثم ذكر طرقه عن ابن عباس. ثم عقب بذكر الحديث مرفوعًا من حديث عبادة بن الصامت وقال: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح لغيره.
وهو حديث صحيح كما في "تحقيق شرح الطحاوية" ٢/ ٣٤٤.
(١) في (س): (وأبي ظبيان، وأبي صالح، ومقسم) زيادة. وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٥.
(٢) في (س): (كان أول) زيادة.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١١، وهو معنى حديث سراقة بن مالك، الذي رواه مسلم في "صحيحه"، كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي ٤/ ٢٠٤٠، وأحمد في "مسنده" ٣/ ٢٩٢، وغيرهما.
(٤) قول المؤلف -رحمه الله-: وهذا قول جميع المفسرين؛ صوابه: بعض المفسرين. والأكثرون على أنه جنس أقسم الله سبحانه بكل قلم يكتب به في السماء وفي الأرض. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٥، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ١٥. وقال ابن كثير: والظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، فهو قسم منه تعالى وتنبيه لخلقه على ما أنهم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠١.
73
الحفظة من أعمال بني آدم (١).
٢ - قوله تعالى: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ قال أبو إسحاق: ﴿أَنْتَ﴾ هو اسم ﴿مَآ﴾ و ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ الخبر، و ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّك﴾ موصولة بمعنى النفي. انتفى عنك الجنون بنعمة ربك كما تقول: أنت بنعمة الله (٢) فَهِمٌ، وما أنت بنعمة الله بجاهل. وتأويله: فارقك الجهل بنعمة ربك (٣). وهذا جواب لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦].
قال مقاتل: وذلك حين قال كفار مكة: إن محمدًا مجنون، فأقسم الله بالحوت وبالقلم وبأعمال بني آدم، فقال: ﴿مَآ أنَتَ﴾ يا محمد ﴿بِنِعْمَتِ رَبِّك﴾، يعني برحمة ربك ﴿بِمَجنُونٍ﴾ (٤)، وقال عطاء عن (٥) ابن عباس: يريد بنعمة ربك عليك بالإيمان والنبوة (٦).
٣ - قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أكثر المفسرين وأهل المعاني يقولون: غير منقوض ولا مقطوع، يقال: منَّهُ السير، أي أضعفه. والمنين: الضعيف، ومنَّ الشيء إذا قطعه (٧)، ومنه قول لبيد (٨):
(١) انظر: "زاد المسير" ٨/ ٣٢٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٥، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠١، وهو منسوب لابن عباس، ومقاتل، والسدي.
(٢) في (ك): (ربك).
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٤.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٢ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٥.
(٥) في (س): (عطاء عن) زيادة.
(٦) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٧٩، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ١٥.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢، و"اللسان" ٣/ ٥٣٥ (منن).
(٨) "ديوان لبيد" ص١٧١، و"شرح المعلقات السبع" للزوزني ٨٣، و"الخصائص" ١/ ٢٩٦.
غبس كواسبُ ما يمنُّ طعامها
يصف كلابًا ضارية. وقال مجاهد: غير محسوب (١). وهو المن الذي يريد به الاعتداد. وهو معنى قول مقاتل: لا يمن به عليك (٢).
وقال الكلبي: غير مكدر عليك في الجنة (٣). والقول هو الأول. والمعنى: إن لك لأجرًا يصبرك على بهتهم وافترآتهم عليك، وقولهم: إنك مجنون: غير ممنون.
٤ - ثم مدحه مع وعد الأجر بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء (٤): يريد دين عظيم، لم أخلق من الأديان أحب ولا أرضى عندي منهن اختصصتك به واصطفيته (٥) لك ولأمتك. ونحو هذا قال الكلبي: على دين عظيم. وهو قول مقاتل، ومجاهد، والسدي، وأبي
= "تهذيب اللغة" ٥/ ٣٩٤، و"اللسان" ٣/ ١٨٠ (قهد)، وصدر البيت:
لمعفر فهد تنازع شلوه
والعفر: الإلقاء على العفر، وهو أديم الأرض، والفهد: الأبيض. والشلو: العضو.
والغبس: الذئاب أو الكلاب.
والمعنى: أن طعام الذئاب لا يفتر لكثرة الاصطياد أو طعام الذئاب لا يقطعه أصحابها.
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٠٨.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٢ ب، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٨١، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٠.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٦، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٦.
(٤) في (س): (في رواية عطاء) زيادة.
(٥) في (ك): (واصصفيتك).
75
مالك، وابن زيد بن أسلم (١) وجماعة (٢)؛ قالوا: يعني الإسلام والدين (٣).
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: يعني القرآن؛ وهو قول الحسن والعوفي قالا (٤): يعني أدب القرآن (٥).
ويدل على هذا ما روي أن عائشة سئلت عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: كان خلقه القرآن (٦).
وفسره قتادة فقال: ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله (٧). واختاره الزجاج فقال: المعنى إنك على الخلق الذي أمرك (٨) الله به في القرآن (٩). ومعنى الخلق في اللغة: العادة (١٠). ذكرنا (١١) ذلك في قوله:
(١) في (س): (والسدي، وأبي مالك، وابن زيد بن أسلم) زيادة.
(٢) (وجماعة) ساقطة من (س).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٢ ب، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٥، و"زاد المسير" ٨/ ٣٢٨.
(٤) في (ك): (قال).
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٧، ورجحه، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٢، و"الدر" ٦/ ٢٥١.
(٦) الحديث رواه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها باب: جامع صلاة الليل ١/ ٥١٣، وأبو داود في كتاب: التطوع ٢/ ٩٩، والنسائي في كتاب: قيام الليل ٢/ ١٩٩.
(٧) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٣ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٢٧.
(٨) في (ك): (أمر).
(٩) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٤.
(١٠) انظر: "مفردات الراغب" ص ١٥٧ (خلق).
(١١) في (ك): (ذكر).
76
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ١٣٧].
وقال ابن الأعرابي: الخلق: الدين، وسمي خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عظيمًا لعظم قدره وجلالة محله عند الله تعالى (١).
قوله (٢): ﴿فَسَتُبْصِرُ﴾ أي: فسترى يا محمد، ﴿وَيُبْصِرُون﴾ يعني المشركين، ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ اختلفوا في الباء هاهنا، فأكثر المفسرين وأهل المعاني على أنها صلة زائدة (٣). والمعنى: أيكم المفتون وهو الذي فتن بالجنون. قال أبو عبيدة: مجازه أيكم، وأنشد:
يَضرِبُ بالسيفِ ويرجُو بالفَرَجْ (٤)
ونحوه قال الأخفش وابن قتيبة (٥).
وقال مقاتل: هذا وعيد العذاب ببدر (٦). يعني: سترى ويرى أهل مكة إذا نزل بهم العذاب ببدر أيكم المفتون. ونحو هذا قال قتادة (٧)، وابن عباس
(١) انظر: "تهذيب اللغة" ٧/ ٢٩ (خلق).
(٢) في (س): (قوله) زيادة.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٧١٢، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٨٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٠٩.
(٤) البيت للنابغة الجعدي، وصدره:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
انظر: "ديوانه" ص ٢١٦، و"الخزانة" ٩/ ٥٢٠، و"مغني اللبيب" ص ١٠٨ و"مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٤، و"تفسير القرآن" ص ٤٧٨، و"الإنصاف" ص ٢٨٤.
(٥) (س): (ونحوه قال الأخفش وابن قتيبة) زيادة. انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٧١٢، و"تفسير غريب القرآن" ٤٧٧ - ٤٧٨.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٢ ب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٢.
(٧) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٠٨، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٤.
77
في رواية عطاء يقول: بأيكم المجنون (١). وهذا محمول على زيادة الباء.
وقال أبو إسحاق: لا يجوز أن يكون الباء هاهنا لغوًا في قول أحد من أهل العربية (٢)، وفيه قولان للنحويين:
أحدهما: قالوا: المفتون هاهنا بمعنى الفتون (٣). والمصادر تجيء على المفعول نحو المعقول والميسور. ويقال: ليس له معقود رأي. أي عقد رأي. والمفتون هاهنا بمعنى الفتون (٤)، أي: الجنون. وهذا قول الحسن والضحاك (٥) ورواية عطية عن ابن عباس. قالوا: بأيكم الجنون (٦).
والقول الثاني: أن الباء بمعنى في (٧). ومعنى الآية: ستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون. أي: فرقة الإسلام أم في (٨) فرقة الكفار (٩). والقولان للفراء (١٠) فشرحهما أبو إسحاق.
وقال في البيت الذي أنشده أبو عبيدة: معناه: نرجو كشف ما نحن
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٧ برواية الكلبي، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٤ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٧، ذكره برواية العوفي.
(٢) مراد الزجاج من قوله هذا: أن من قال بزيادتها لم يستند على نقل صحيح عن أهل اللغة، وإنما هو اجتهاد منه.
(٣) في (ك): (المفتون).
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٥.
(٥) في (س): (والضحاك) زيادة.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٣، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٢.
(٧) في (ك): (في معنى).
(٨) في (س): (في) زيادة.
(٩) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢٠٥.
(١٠) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧٣.
78
فيه بالفرج، أو نرجو النصر بالفرج (١). وهذا القول وإن أنكره غير مردود، لأن زيادة الباء كثير في الكلام وفي التنزيل، ذكرنا ذلك في عدة مواضع (٢). واختار المبرد أن يكون ﴿اَلمَفْتُونُ﴾ مصدرًا معنى الفتنة (٣).
٨، ٩ - قوله تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ يعني رؤساء أهل مكة، وذلك أنهم دعوه إلى دين فنهاه الله أن يطيعهم، ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ قال الليث: الإدهان: اللين والمصانعة. وقال أبو الهيثم: الإدهان: المقاربة في الكلام والتليين في القول (٤).
وقال المبرد: أدهن الرجل في دينه، وداهن في أمره، إذا خان وأظهر خلاف ما يضمر (٥). وذكرنا هذا عند قوله: ﴿أَنْتُمْ مُدْهِنُون﴾ [الواقعة: ٨١].
(١) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٥.
(٢) اختلف العلماء في وقوع الزائد في القرآن، فالمبرد، وثعلب، وابن السراج وغيرهم قالوا: لا صلة في القرآن والجمهور على إثبات الصلات في القرآن. ومراد من أثبت الحروف الزائدة في القرآن ما أتي به لغرض التقوية والتوكيد، وليس المراد إهمال اللفظ ولا كونه لغوًا فتحتاج إلى التنكب عن التعبير بها إلى غيرها. انظر: "البسيط في شرح جمل الزجاجي" ٢/ ٨٥٦ و"البرهان في علوم القرآن" ٣/ ٧٢.
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٢.
وقال ابن تيمية -رحمه الله- عند هذه الآية: هذه تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ فيها. منها قوله: ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ حار فيها كثير، والصواب المأثور عن السلف؛ ثم ذكر ما روي عن مجاهد والحسن وغيرهما، إلى أن قال: والذين لم يفهموا هذا قالوا: الباء زائدة. قاله ابن قتيبة وغيره. وهذا كثير.. ، و"دقائق التفسير" ٥/ ١٩ - ٢٠.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٠٥، و"اللسان" ١/ ١٠٢٩ (دهن).
(٥) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٣.
79
قال الكلبي: لو (١) تصانعهم في الدين فيصانعونك (٢). والمعنى: تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك ويتركوا بعض ما لا ترضى فتلين لهم ويلينون. وهذا قول مجاهد: تركن إليهم وتترك ما أنت عليه من الحق فيمالئونك (٣). وهذا قول أكثر المفسرين (٤). ومعنى رواية الوالبي عن ابن عباس (٥).
وقال ابن قتيبة: كانوا أرادوه على أن يعبدوا آلهتهم مدة ويعبدوا الله مدة (٦).
وروى عنه عطاء: لو تكفر (٧) يكفرون. وهذا قول مقاتل، وعطية، والضحاك (٨). وهذا كالأول؛ لأنه يكفر بمداهنتهم لو فعل، وهم يكفرون باتباعه فيتبعونه على الكفر (٩).
(١) في (س): (لو) زيادة.
(٢) في (ك): (فيصانعوك).
وانظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٧، ونسب أيضًا للحسن كما في "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٤ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٧، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٠، وذكروا عن الكلبي قوله: ودوا لو تلين لهم فيلينون لك.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤، و"الدر" ٦/ ٢٥١.
(٤) انظر: "غرائب القرآن" ٢٩/ ١٧.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٤، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٨٣، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٤ ب.
(٦) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤٧٨.
(٧) (ك): (تكفرون).
(٨) (س): (والضحاك) زيادة. انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٤ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣١.
(٩) قال ابن العربي: ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوال... أمثلها قولهم: ودوا لو =
80
١٠ - قوله: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ﴾: كثير الحلف بالباطل، ﴿مَهِينٌ﴾ قال مجاهد ومقاتل: ضعيف القلب (١).
قال الزجاج: هو فعيل من المهانة وهي القلة، ومعناه هاهنا القلة في الرأي والتمييز (٢). وهذا معنى قول المفسرين: ضعيف القلب.
وقال الحسن وقتادة: المهين: المكثار من الشر (٣). ومعناه أنه الوضيع بإكثاره من القبيح. وقيل: هو القبيح. وقيل: الحقير؛ لأنه عرف أنه يحلف على الكذب (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء (٥): يعني: الأخنس بن شريق؛ وهو قول السدي والكلبي (٦).
وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة حين عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم-
= تكذب فيكذبون، ودوا لو تكفر فيكفرون. "أحكام القرآن" ٤/ ١٨٤٣.
وقال القرطبي -تعقيبًا على ابن العربي-: (كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى...) "الجامع" ١٨/ ٢٣١.
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٣.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٥.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٥ أ.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٨/ ٢٣١.
(٥) في (س): (في رواية عطاء) زيادة.
(٦) في (س): (والكلبي) زيادة.
انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٠٨، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣١، ذكروا هذا القول دون نسبة لابن عباس، وإنما قصروه على عطاء والكلبي والسدي.
المال ليرجع عن دينه (١).
١١ - قوله تعالى: ﴿هَمَّازٍ﴾ قال المبرد: هو الذي يهمز الناس بالمكروه، وأكثر ذلك بظهر الغيب (٢).
وقال الزجاج: مغتاب للناس (٣).
وقال ابن عباس: طعان للناس (٤). وقال مقاتل: مغتاب (٥).
﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيم﴾ يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم. ويقال: نمَّ يَنُمُّ وَينِمُّ نمّا ونميمًا ونميمة. ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ قال عطاء والكلبي (٦) عن ابن عباس، ومقاتل، معنى الخير هاهنا الإيمان والإسلام، كان له عشرة بنين، وكان يقول لهم وللحمته من قرابته: لئن تبع دين محمد منكم أحد (٧) لا أنفعه بشيء أبدًا (٨)؛ فمنعهم الإسلام وهو الخير الذي منعهم. وعلى هذا معناه: مناع للإيمان والإسلام؛ أي يمنعهما الناس. ويجوز أن يكون المعنى (٩): مناع رفده ونفعه لأجل الخير وهو الإسلام.
وقال الآخرون: معناه: بخيل بالمال. فالخير على هذا القول المال،
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٧.
(٢) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٤.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢٠٥.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٧.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٢.
(٦) في (س): (والكلبي) زيادة.
(٧) في (س): (أحد) زيادة.
(٨) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٧، و"تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٥ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٨.
(٩) في (س): من (مناع للإيمان) إلى هنا زيادة.
وهو اختيار ابن قتيبة (١).
قوله تعالى: ﴿مُعْتَدٍ﴾ قال مقاتل: يعني في الغشم والظلم (٢). والمعنى أنه ظلوم يعتدي الحق ويتجاوزه فيأتي بالظلم. وهو معنى قول الكلبي: معتد للحق (٣). ومعناه أنه صاحب الباطل. ﴿أَثِيم﴾ أثم بغشمه وظلمه، وصار ذا إثم.
وقال عطاء (٤): أثيم في جميع أفعاله.
وقال الكلبي: يعني فاجرًا (٥).
١٣ - قوله تعالى: ﴿عُتُلٍّ﴾ قال الفراء: العتل في هذا الموضع: الشديد الخصومة بالباطل (٦)؛ وهو قول الكلبي (٧).
وقال أبو عبيدة: هو الفظ الكافر، وهو الشديد في كل شيء (٨).
وقال المبرد: العتل عند العرب: الجافي الخلق. ونحسبه -والله أعلم- في هذا الموضع المتجافي عن الحق.
وقال الزجاج: هو في اللغة: الغليظ الجافي (٩).
(١) انظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤٧٨، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٥، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٢.
(٢) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٤.
(٣) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٢.
(٤) في (س): من (أثم بغشمه) إلى هنا زيادة.
(٥) في (س): (وقال الكلبي: يعني فاجرًا) زيادة. وانظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٨.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧٣.
(٧) في (س): (وهو قول الكلبي) زيادة. وانظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٨.
(٨) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٤.
(٩) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٦.
83
وقال الليث: هو الأكول المنوع (١).
هذا قول أهل اللغة في تفسير العُتل (٢)، وأصله في العتل، وهو السوق الشديد والقود العنيف من قوله: ﴿فَاَعْتِلُوهُ﴾ وقد مر (٣). فالعُتل: الجافي الغليظ الشديد الخصومة والفظ العنيف.
وقال الفراء في كتاب "المصادر": إنه لعُتُل بَيِّنُ العُتُلَّة، بضم العين والتاء وتشديد اللام. قال: والعرب تقول: إنك لَعَتِلٌ شديد إلى الشر -بفتح العين وكسر التاء مخففة- بيَّن العتل (٤). معناه: إنك لسريع إلى الشر. وقوله المفسرين في هذا على قسمين:
أحدهما: أنه ذم في الخَلْق.
والثاني: أنه ذم في الخُلُق.
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد قوي ضخم (٥).
وقال مقاتل: رحيب الجوف وثيق الخلق (٦).
وقال أبو رزين: العتل: الصحيح (٧).
(١) انظر: "اللسان" ٢/ ٦٨١ (عتل)، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٢.
(٢) في (س): (هذا قول أهل اللغة في تفسير العتل) زيادة.
(٣) عند تفسيره الآية (٤٧) من سورة الدخان. قال: العتل أن تأخذ بتلابيب الرجل فتعتله، أي: تجره إليك وتذهب به إلى حبس أو بلية وأخذ فلان بزمام الناقة فعتلها، وذلك إذا قبض على أصل الزمام عند الرأس وقادها قودًا عنيفًا. وقال ابن السكيت: عتلته إلى السجن وعتنته فأنا أعتله وأعتنه، إذا دفعته دفعًا عنيفًا.
(٤) انظر: "اللسان" ٢/ ٦٨١٤ (عتل)، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٢، عن ابن السكيت.
(٥) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٤.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٣.
(٧) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦.
84
وقال مجاهد: هو الشديد الأشر (١).
وقال عبيد بن عمير (٢): هو الأكول الشروب القوي الشديد يوزن فلا يزن شعيرة (٣)، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفًا دفعة واحدة في جهنم (٤).
وقال الحسن: هو الفاحش الخُلق، اللئيم الضريبة (٥).
قوله تعالى: ﴿بَعْدَ ذَلكَ﴾ قال صاحب النظم: (بعد) هاهنا بمنزلة مع على تأويل عتل مع ما وصفناه به (٦). وهذا معنى قول مقاتل (٧). يعني مع هذا النعت. ﴿زَنِيم﴾ الزنيم في اللغة: الدعي.
قال أبو عبيدة (٨): الملصق بالقوم وليس منهم، وأنشد لحسان بن ثابت (٩):
وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد.
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٢.
(٢) في (ك): (شعرة).
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٤.
(٤) انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة ١٣/ ٤٤٠، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٥ أ، و"حلية الأولياء" ٣/ ٢٧٠، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٢.
(٥) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٠٨، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٦، و"الدر" ٦/ ٢٥١. والضريبة: الطبيعة أي: اللئيم بطبعه.
(٦) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٨، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٢.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ.
(٨) (أبو عبيدة) ساقطة من (ك).
(٩) "ديوان حسان" ص ٨٩، و"اللسان" ٢/ ٥٣ (زنم)، و"مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف" ص ٣٨، ونيطَ آخر. والمعنى: أنت زنيم مؤخر في آل هاشم كما يؤخر الراكب القدح خلفه.
85
قال: ويقال للتيس: زنيم له زنمتان (١).
قال المبرد: وإنما أخذ فيما ذكر أبو عبيدة من زنمت (٢) الشاة إذا شقت أذنها فاسترخت هدبته (٣) ويبست كالشيء المعلق. والزنمة من كل شيء الزيادة (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء (٥): يريد مع هذا هو دعي في قريش وليس منهم (٦). ونحو هذا روى ثابت بن أبي صفية عن رجل يكنى أبا عبد الرحمن عن ابن عباس قال: هو اللئيم الملزق (٧) ثم أنشأ يقول:
زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع (٨)
وهذا قول مجاهد، وسعيد بن المسيب، وعكرمة (٩). قالوا: هو ولد
(١) في (ك): (زمتان) وانظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٥.
(٢) في (ك): (زمت).
(٣) في (س): (هُنية).
(٤) انظر: "الكامل" ٣/ ٢٢٣ - ٢٢٤.
(٥) في (س): (في رواية عطاء) زيادة.
(٦) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٨، و"تنوير المقباس" ٦/ ١١٨، وهي من طريق الكلبي.
(٧) في (ك): (المزلق).
(٨) في (س): (الكوارع) والبيت لحسان بن ثابت كما في "ديوانه" ص ٤٩١، وفي "اللسان" ٢/ ٥٣ (زنم) نسبه للخطيم التميمي.
(٩) أخرج ابن أبي حاتم نحوه عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه أبو عبيد، والمبرد وغيرهما.
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٤، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٤، وعند ابن جرير من طريق العوفي: الزنيم: الدعي. وعنده بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال في الزنيم: الذي يعرف بأبنة. "جامع البيان" ٢٩/ ١٧، و"تفسير ابن عباس" مروياته للحميدي ٢/ ٨٩٧. =
86
الزنا الملحق بالقوم في النسب وليس منهم (١). وتمثل عكرمة فيه ببيت شعر فقال:
زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم (٢)
ويؤكد هذا التفسير ما قال مرة الهمداني (٣): إنما ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة (٤). وفيه قول آخر:
قال الشعبي: هو الرجل الذي يعرف بالشر، كما تعرف الشاة بزنمتها (٥).
وقال سعيد بن جبير: هو الرجل السوء يعرف بالشر، يمر على القوم فيقولون: هذا رجل سوء (٦). ونحو هذا روى خصيف (٧) عن عكرمة قال: الزنيم: الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها (٨).
= والأبنةُ: العيب في الخشب والعود، يقال: ليس في حسب فلان أبنة، كقولك:
ليس فيه وصمة "اللسان" ١/ ٩ (أبن).
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٤، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٠.
(٢) لم أجد للبيت قائلَّا: وانظر المراجع السابقة.
(٣) في (ك): (الهمداني مرة).
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٥ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٨.
(٥) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٥ ب، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٩٩ عن ابن عباس وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٦) انظر: "تفسير مجاهد" ٢/ ٦٨٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٨، و"الدر" ٦/ ٢٥٣، عن ابن عباس ونسب تخريجه لابن أبي حاتم.
(٧) في (س): (ونحو هذا روى خصيف عن) زيادة.
(٨) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٨، عن ابن عباس.
87
قال ابن قتيبة: معنى هذا القول أنه قد لحقه (١) سبة في الدِّعوة (٢) عرف بها مزنمة الشاة (٣). وفي الزنيم قول ثالث روى عكرمة (٤) عن ابن عباس: نعت فلم يعرف فقيل: ﴿زَنيِمٍ﴾ قال: وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها (٥). وهذا قول مقاتل: كان في أصل أذنه مثل زنمة الشاة (٦).
١٤ - ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ قال الفراء: وقرئ (أأن كان) بهمزتين (٧). قال: والمعنى: ولا تطع كل حلاف مهين أن كان، أي: لأن كان يريد لا تطعه لماله وبنيه. ومن قال: (أأن كان) فإنه وبخه؛ والمعنى: ألان كان ذا مال وبنين تطعه. وإن شئت قلت (٨): ألأن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه
(١) في (ك): (لحقته).
(٢) الدِّعوة: بكسر الدال: ادعاء الولد الدَّعيَّ غيرَ أبيه. وقال ابيت شميل: الدَّعوة في الطعام والدِّعوة في النسب. "اللسان" ١/ ٩٨٧ (دعا).
(٣) انظر: "تأويل المشكل" ص ١٥٩.
(٤) في (س): (عكرمة) زيادة.
(٥) أخرجه ابن جرير بسند صحيح. "جامع البيان" ٢٩/ ١٧، و"تفسير ابن عباس" ومروياته للحميدي ٢/ ٨٩٧، وفي البخاري ٦/ ١٩٨ عن ابن عباس قال: رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٥، وقال ابن كثير في "تفسيره" ٤/ ٤٠٥، والأقوال في هذا كثيرة، وترجع إلى ما قلناه، وهو أن الزنيم هو المشهور بالشر، الذي يعرف به من بين الناس، وغالبًا يكون دعيا ولد زنا، فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما لا يتسلط على غيره.
(٧) قرأ ابن عامر (آن كان) بهمزة مطولة، وقرأ حمزة وأبو بكر (أأنْ) بهمزتين مخففتين على الاستفهام. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وحفص عن عاصم (أن كان) على الخبر.
انظر: "حجة القراءات" ص ٧١٧، و"الإتحاف" ص ٤٢١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٣.
(٨) (قلت) زيادة من "معاني القرآن" للفراء.
88
آياتنا قال: أساطير الأولين. وكان حسن (١).
واختار أبو إسحاق القول الثاني، وقال: (أنْ) نصب بمعنى قال ذلك؛ لأن كان ذا مال وبنين. أي: جعل مجازاة النعم التي خُولها من المال والبنين الكفر بآياتنا.
قال: قال: وإذا جاءت ألف الاستفهام ومعناها التوبيخ فهذا هو القول، ولا يصلح غيره. وإذ (٢) بغير استفهام جاز أن يكون المعنى: ولا تطع كل حلاف مهين أن كان ذا مال وبنين. أي: لا تطعه ليَسَاره وعدده (٣).
وقد اتفقا (٤) على جواز أن يكون قال في قوله: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ﴾ عاملًا في (أنْ) في (٥) قوله: ﴿أَن كاَنَ﴾ قال أبو علي: لا يخلو من أن يكون العامل فيه ﴿تُتْلَى﴾ أو ﴿قَال﴾ أو شيء ثالث، ولا يجوز أن يعمل واحد منهما فيه. ألا ترى أن تتلى من قوله: ﴿تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا﴾ قد أضيفت إذا إليه، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله، ألا ترى أنك لا تقول: القتال زيدًا حين يأتي زيد. ولا يجوز أن يعمل فيه (قال) أيضًا؛ لأن (قال) جواب (إذا)، وحكم الجواب أن يكون بعد ما هو جواب له ولا يتقدم عليه. وإذا لم يجز أن يعمل في (أنْ) واحد من هذين الفعلين علمت أنه محمول (٦) على شيء آخر مما دل في الكلام عليه.
(١) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧٣ - ١٧٤.
(٢) بياض في المخطوطتين، ولعلها (وإذا قرئ).
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٦.
(٤) أي الفراء والزجاج.
(٥) في (س): (في) زيادة.
(٦) في (ك): (مجنون).
89
والذي يدل عليه هذا الكلام من المعنى هو يجحد أو يكفر أو يمسك عن قبول الحق، ونحو ذلك. إنما جاز أن يعمل المعنى فيه وإن كان متقدمًا عليه لشبهه بالظرف، والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن تقدم عليها ويدلك على مشابهته للظرف تقدير اللام معه.
وإن من النحويين من يقول: إنه في موضع جر كما أنه لو كانت اللام ظاهرة معه كان كذلك، فإذا صار كالظرف (١) من حيث قلنا لم يمتنع المعنى من أن يعمل فيه كما لم يمتنع من أن يعمل في نحو قوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] لما كان ظرفا، والعامل فيه بعثتم، الدال عليه قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيد﴾، وكذلك ﴿أَن كاَنَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾، كأنه جحد بآياتنا لأن كان ذا مال وبنين، أو كفر بآياتنا لأن كان ذا مال وبنين (٢). وعلى هذا المعنى يكون محمولًا فيمن استفهم فقال: أن كان ذا مال وبنين؛ لأنه (٣) توبيخ وتقرير، فهو بمنزلة الخبر. ومثل ذلك قولك: ألأن أنعمت عليك جحدت نعمتي، إذا وبخته بذلك. فعلى هذا تقدير الآية (٤).
١٦ - قوله تعالى: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ الوسم: أثر كية. يقال: وسمته فهو موسوم بسمة يعرف بها، إما بكية، وإما قطع في أذن علامة
(١) في (ك): (فالظرف).
(٢) في (س): (أو كفر بآياتنا لأن كان ذا مال وبنين) زيادة.
(٣) في (س): (لأنه) زيادة.
(٤) من قوله (قال أبو علي) إلى هنا كلام أبي علي، وفيه تصرف من المؤلف.
انظر: "الحجة" ٦/ ٣١٠ - ٣١١، و"البيان في غريب إعراب القرآن" ٢/ ٤٥٣، و"الكشاف" ٤/ ١٢٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٥.
90
له (١). قال أبو عبيد: الخرطوم الأنف. وأنشد قول ذي الرمة (٢):
تنجو إذا جعلت تدمى أخشتها وأعتم بالزبد الجعد الخراطيمُ
ونحو هذا قال أبو عبيد (٣).
وقال أبو زيد: الخرطوم والخطم: الأنف. وقال المبرد: الخرطوم هاهنا الأنف، وهو من السباع في مواضع الشفاه من (٤) الناس، والجحافل (٥) من ذوات الحوافر، والمرمات والمقمات (٦) من ذوات الأظلاف، والمشافر من الإبل، وهو من الليل موضع الأنف (٧). واختلفوا في معنى هذا الوسم، فالأكثرون على أنه وعيد (٨) له بذلك في الآخرة.
قال مقاتل: سنسمه بالسواد على الأنف، وذلك أنه يسود وجهه قبل دخول النار (٩). ونحو هذا قال أبو العالية: يسود وجهه فيجعل له علمًا في
(١) انظر: "اللسان" ٣/ ٩٢٨ (وسم).
(٢) انظر: "ديوان ذي الرمة" ١/ ٤٠٥، و"تهذيب اللغة" ١/ ١٢١، و"اللسان" ٢/ ٨٨٩ (عمَّ)، وتنجو: تسرع السير، وأخشتها: جمع خشاش، وهي حلقة تكون في أنف البعير، والزبد: الجعد المتراكم على خطم البعير.
(٣) في (س): (ونحو هذا قال أبو عبيد) زيادة
(٤) في (ك): (وقال أبو زيد: الخرطوم) زيادة. والصواب حذفها.
(٥) جحافل الخيل: أفواهها. وجحفلة الدابة: ما تناول به العلف، بمنزلة الشفة في الإنسان. "اللسان" ١/ ٤٠٧ (جحف).
(٦) المرمة (بالكسر): شفة البقرة، وكل ذات ظلف، والمِقَمَّة والمَقَمَّة، الشَّفة. وهي من ذوات الظِّلف خاصة، سميت بذلك؛ لأنها تقتم به ما تأكله أي تطلبه، و"اللسان" ١/ ٩٢٢ (رمم)، ٣/ ١٦٦ (قمم).
(٧) انظر: "اللسان" ١/ ٨١٥ (خرطم).
(٨) في (ك): (وعد).
(٩) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٦.
91
الآخرة ويعرف بسواد وجهه (١)، وهذا القول اختيار الفراء والزجاج (٢).
قال الفراء: سنسمه سمة أهل النار؛ أي: سنسود وجهه، والخرطوم (٣) وإن كان قد خص بالسمة؛ لأن في مذهب الوجه، لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض (٤).
وقال الزجاج: معنى ﴿سَنَسِمُهُ﴾ سنجعل له في الآخرة العلم (٥) الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم، وجائز -والله أعلم- أن ينفرد بسمة؛ لتعاليه في عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخص من التشويه بما يتبين به من غيره كما كانت عداوته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عداوة يتبين بها من غيره (٦)، فهؤلاء جعلوا هذه السمة على الخرطوم سواد وجهه في الآخرة. وجعل الضحاك هذه السمة كيًّا على وجهه يعرف بها في الآخرة: وهو معنى قول ابن عباس في رواية عطاء (٧). كما توسم الغنم؛ واختاره الكسائي (٨). وهذا قريب من قول أبي إسحاق الثاني. هذا كله قول من قال: إن هذا (٩) الوعيد يلحقه في الآخرة.
وذهب بعضهم إلى أن هذه التسمية لحقته في الدنيا. وهو قول الكلبي
(١) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٧ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٩.
(٢) في (س): (وهذا القول اختيار الفراء والزجاج) زيادة.
(٣) في (ك): (قبل دخول النار. أي سنسود وجهه. والخرطوم) زيادة، والصواب ما أثبته.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧٤.
(٥) في (ك)، (س): (علمًا الحلم)، والتصحيح من معاني الزجاج.
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٧.
(٧) في (س): (في رواية عطاء) زيادة.
(٨) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٧ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٩.
(٩) في (س): (هذا) زيادة.
92
عن ابن عباس قال: سنخطمه بالسيف فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش، فقاتل يوم بدر فخطم بالسيف في القتال (١). وذهب آخرون إلى أن معني هذا الوسم أنه يُشهر بالقبيح والذكر السوء؛ وهو قول قتادة، واختيار ابن جرير وابن قتيبة (٢).
قال قتادة: سنلحق به شيئًا لا يفارقه (٣).
وقال ابن جرير (٤): سنبين أمره بيانًا واضحًا حتى تعرفوه فلا يخفى كما لا تخفى السمة على الخراطيم (٥).
وشرح ابن قتيبة هذا المعنى. فقال: للعرب (٦) في مثل هذا اللفظ مذهب تخبر به. تقول العرب للرجل يسب الرجل سبة قبيحة (٧) باقية، أو
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٧٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٦.
قلت: ذكر المفسرون -رحمهم الله- أن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة أو الأسود ابن عبد يغوث، أو الأخنس بن شريق، وكل هؤلاء لا يصدق فيهم ما رواه الكلبي هنا عن ابن عباس، فالوليد لم يحضر غزوة بدر، وكذا الأخنس، والأسود أول من قتل من المشركين، فكيف يجعل خطمه بالسيف علامة باقية ما عاش. ولهذا وغيره فالظاهر أن الآية وما قبلها نزلت في غير معين وأنه من عرف بالشر واشتهر به.
وانظر: "دقائق التفسير" ٥/ ١٧، والله تعالى أعلم.
(٢) في (س): (وهو قول قتادة واختيار ابن جرير، وابن قتيبة) زيادة.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٥.
(٤) في (س): (قال ابن جرير) زيادة.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٨ - ١٩.
(٦) في (س): (فقال للعرب) زيادة.
(٧) في (س): (قبيحة) زيادة.
93
تبينوا عليه فاحشة: قد وسمه بميسم (١) بسوء. يريدون ألصق به عارًا لا يفارقه كما أن السمة لا تنمحي ولا يعفو (٢) أثرها. قال جرير (٣):
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث (٤) جدعت أنف الأخطل
يريد أنه وسم الفرزدق وجدع أنف الأخطل بالهجاء. أي: أبقى به عليه عارًا كالجدع والوسم. وقال أيضًا (٥):
رفع المطيُّ بما وسمت مجاشعًا والزنبري يعوم ذو الأجلال
يريد أن هجاءه قد سارت في المطي وغني به في البر والبحر (٦). وهذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة (٧) ولا يعلم أن الله -عز وجل- وصف أحدًا وصفه له ولا بلغ من ذكر عيوبه ما بلغه من ذكرها عنه؛ لأنه وصف بالحلف، والمهانة، والغيب للناس، والمشي بالنمائم، والبخل، والظلم، والإثم،
(١) في (س): (يسم).
(٢) في (ك): (ولا يمحوا).
(٣) انظر: "ديوان جرير" ٢/ ٩٤٠.
(٤) البَعِيث: خداش بن بشر، كنيته أبو زيد، أو أبو مالك. أحد بني مجاشع، كان شاعرًا، وخطيبًا مفوهًا. عاش في البصرة أو بالقرب منها، وقف إلى جانب غسان، السليطي ضد جرير. فدخل في معركة النقائض بين جرير والفرزدق.
انظر: "طبقات فحول الشعراء" ص ٣٢٦، و"المؤتلف والمختلف" ص ٥٦، ١٠٨، و"الأغاني" ٨/ ١٦، و"تاريخ التراث العربي" ٢/ ٧٩، و"الخزانة" ٢/ ٢٧٩.
(٥) "ديوان جرير" ٢/ ٩٥٥، والزنبري هو السفن الثقيلة.
(٦) انظر: "تأويل المشكل" ص ١٥٦.
(٧) وهو قول ابن عباس، ومقاتل. انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١١٧، و"تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٧.
94
والدِّعوة؛ فألحق به عارًا لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة. كالوسم على الخرطوم وأبين ما يكون في الوجه. ومما يشهد لهذا المذهب قول من قال في قوله: ﴿زَنِيمٍ﴾ أنه يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها.
١٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا﴾ (١) الآية. قال المفسرون: بلونا أهل مكة بالجوع والقحط كما ابتلينا أصحاب الجنة بالجوع حين هلكت جنانهم. وهم قوم من ثقيف، كانوا باليمن (٢) مسلمين ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنان وزروع ونخيل. وكان أبوهم يجعل مما فيها للمساكين من كل شيء حظًّا عند الصرام وعند الحصاد والدياسة والرفاع (٣). فقالت بنوه: العيال كثير، والمال قليل، ولا يسعنا أن نعطي المساكين كما كان يفعل أبونا. وعزموا على حرمان المساكين فصارت عاقبتهم إلى الهلاك وإلى ما قص الله في كتابه من قصتهم (٤).
قال مقاتل: وهذا مثل ضربه الله لكفار مكة ليعتبروا فيرجعوا، وهو قوله: ﴿كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّة﴾ (٥) قال المفسرون: وهي تسمى (٦): الضروان
(١) (كما بلونا) ساقطة من (س).
(٢) اليمن: تشرف على البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويطلق عليها بلاد العرب السعيد أو الخضراء، وسميت اليمن لتيامنهم إليها، قال ابن عباس: تفرقت العرب، فمن تيامن منهم سميت اليمن وهي أيمن الأرض فسميت اليمن.
انظر: "معجم البلدان" ٥/ ٤٤٧، و"دراسات تاريخية: العرب وظهور الإسلام" ص ٥.
(٣) (س): (والرفاع) زيادة. والمراد به رفع المحصول في المخازن.
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٧ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٩، من رواية الكلبي عن ابن عباس.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٣٩.
(٦) في (س): (تسمى) زيادة.
بقرب صنعاء (١).
قال سعيد بن جبير: على اثني عشر ميلًا منها (٢). وقال الكلبي: كان بينهم وبين صنعاء فرسخان ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم بالنار (٣).
قوله: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ حلفوا ليقطعن ثمر نخلهم إذا أصبحوا بسُدفة (٤) من الليل. قال مقاتل: قالوا: اغدوا سرًا إلى جنتكم فاصرموها ولا تؤذنوا المساكين وكان آباؤهم يخبرون المساكين (٥) فيجتمعون عند صرام جنتهم (٦).
ويقال: قد صرم العذق عن النخلة وأرم النخل إذا حان وقت صرامه (٧).
١٨ - قوله تعالى: ﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾ يقولون: إن شاء الله. هذا قول جماعة
(١) صنعاء: نسبة إلى جودة الصنعة في ذاتها. كان اسمها أزال، فلما وافتها الحبشة قالوا: هذه صنعة، ومعناه: حصينة، فسميت صنعاء بذلك. وبينها وبين عدن ثمانية وستون ميلًا، وهي شبيهة بدمشق في كثرة المياه والفواكه. "معجم البلدان" ٣/ ٤٢٥.
(٢) أخرج ابن جرير، وعبد الرزاق وغيرهما بلفظ: (هي أرض باليمن يقال لها: ضروان، بينها وبين صنعاء ستة أميال). انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٦، و"فتح الباري" ٨/ ٦٦٢.
(٣) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٧ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٩، والفرسخ السكون. ثلاثة أميال أو ستة، سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن.
(٤) السُّدفة: ظلمة فيها ضوء من أول الليل وآخره، ما بين الظلمة إلى الشفق، وما بين الفجر إلى الصلاة. "اللسان" ٢/ ١٢١ (سدف).
(٥) في (س): (وكان آبائهم يخبرون المساكين) زيادة.
(٦) في (ك): (جنتكم)، وانظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ أ.
(٧) انظر: "اللسان" ٢/ ٤٣٤ (صرم).
المفسرين (١). ويقال: حلف فلان يمينًا ليس فيها ثنيا ولا ثنوى ولا ثنية ولا مثنوية ولا استثناء، كله واحد، وأصل هذا كله من الثني وهو الكف والرد (٢)، وذلك أن الحالف إذا قال: والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله غيره فقد رد ما قاله بمشيئة الله غيره.
١٩ - قوله تعالى: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ (٣) قال ابن عباس: أحاطت بها النار فاحترقت (٤).
وقال الكلبي: ﴿عَلَيْهَا﴾ على الجنة، أرسل عليها نارًا من السماء فاحترقت، فذلك قوله: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ﴾، والطائف لا يكون إلا ليلاً (٥).
وروى (٦) أبو ظبيان (٧) عن ابن عباس قال: هو أمر من أمر ربك (٨).
وقال قتادة: طرقها طارق من أمر الله، والطائف: الطارق ليلاً (٩).
(١) في (س): (هذا قول جماعة المفسرين) زيادة.
(٢) انظر: "اللسان" ١/ ٣٨٢ (ثنى).
(٣) (وهم نائمون) ساقطة من (س).
(٤) انظر: "زاد المسير" ٨/ ٣٣٦.
(٥) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٨، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ١٩.
(٦) في (ك): (وقال).
(٧) في (س): (روى أبو ظبيان عن) زيادة.
(٨) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤١.
(٩) أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال: (أتاها أمر الله ليلاً فأصبحت كالصريم. قال: كالليل المظلم).
وما ذكره المؤلف هنا هو قول ابن جرير -رحمه الله-، والمعنى متقارب.
انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٩، و"الدر" ٦/ ٢٥٣.
97
وحقيقة المعنى ما ذكره ابن عباس من قوله: أحاطت بها النار (١).
وقال مقاتل: بعث نارًا بالليل على جنتهم فأحرقتها حتى صارت سوداء، فذلك قوله: ﴿وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ قال: يعني أصبحت الجنة سوداء كالليل. وهو قول ابن عباس في رواية عطاء؛ يعني كالليل المظلم (٢)، شبه سوادها بسواد الليل الدامس، وهو آخر ليالي الشهر، وهو أشد ما يكون ظلمة. وهذا القول في الصريم هو قول الفراء والزجاج (٣).
قال شمر: الصريم: الليل، والصريم: النهار (٤)، ينصرم الليل من النهار والنهار من الليل. وعلى هذا الصريم بمعنى المصارم (٥).
وقال غيره: سمي الليل صريمًا لأنه يقطع بظلمته عن التصرف. وعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل، وهو يبطل بالنهار. سمي صريمًا ولا يصرم (٦) عن التصرف (٧).
وقال قتادة: ﴿كَالصَّرِيمِ﴾ كأنها صرمت (٨). وعلى هذا الصريم بمعنى
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٢.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣ ب، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٦ و"الدر" ٦/ ٢٥٤.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٥، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢٠٨.
(٤) (النهار) ساقطة من (ك)، (س)، والصواب إثباتها. وانظر: "الأضداد" للأصمعي والسجستاني وابن السكيت ص ٤١، ١٠٥، ١٩٥، ٥٣٩.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٨٥، و"اللسان" ٢/ ٤٣٥ (صرم).
(٦) في (ك): (ولا يصرف).
(٧) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٢.
(٨) انظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٦، و"تهذيب اللغة" ١٢/ ١٨٥، و"اللسان" ٢/ ٤٣٥ (صرم).
98
المصروم، أي: المقطوع ما فيه. وأبى عطاء هذا القول فروى عن ابن عباس: وليس يعني المصرومة، وذلك أن النار تحرق الأشجار فلا تشبه ما في ثمره وإن احترقت الثمار دون الأشجار، وهو بعيد أشبه المقطوع ثمره (١).
وقال الحسن: أي: صرم عنها الخير فليس فيها شيء (٢). والصريم على هذا مفعول أيضًا. وقال المؤرج: كالرملة (٣) انصرمت من معظم الرمل (٤).
وقال الأصمعي: الصريم من الرمل: قطعة ضخمة تنصرم عن سائر الرمل، وتجمع (٥) الصرائم (٦). وعلى هذا شبهت الجنة وهي محترقة لا ثمر فيها ولا خير بالرملة المنقطعة عن الرمال، وهي لا تنبت شيئاً ينتفع به. وقال الأخفش: كالصبح انصرم من الليل (٧). وقد ذكرنا أن النهار يسمى صريمًا.
قال المبرد: قيل: كالنهار لا شيء فيها، كما يقال: لك سواد الأرض وبياضها. فالسواد العامر، والبياض الغامر، وعلى (٨) هذا شبهه
(١) في (س): من قوله (وأبى عطاء) إلى هنا زيادة. وانظر: "غرائب القرآن" ٢٩/ ١٩.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٧٩.
(٣) في (ك): (كالرمث).
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٢.
(٥) في (ك): (وجمعه).
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٨٥، و"اللسان" ٢/ ٤٣٥ (صرم).
(٧) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨ أ، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٢.
(٨) في (ك): (سوى).
99
بالنهار لخرابها وخلوها من الثمار والأشجار، وهذا على المقابلة، وذلك أن العامر لما سمي سوادًا سمي الخراب بياضًا لا على معنى اللون (١) ولكن على معنى المضادة (٢).
٢١ - قوله تعالى: ﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)﴾ قال مقاتل: لما أصبحوا قال بعضهم لبعض: ﴿اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ﴾ قال يعني بالحرث الثمار والزرع والأعناب (٣)، ولذلك قال: (صارمين)؛ لأنهم أرادوا قطع ثمار النخيل والأعناب.
وقال أبو إسحاق: إن كنتم عازمين (٤) على صرم (٥) النخل.
وقال الكلبي: على حرثكم. يعني: ما كان في جنتهم من شجر وزرع (٦) ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾ يعني (٧): جاذين للنخل والحصاد، ولم يرد الجمع بين النخل والزرع في الحصاد؛ لأن الحصاد والقطاف لا يجتمعان في وقت واحد، ولكنهم غدوا إلى جنتهم لحصاد الزرع وللمقام بها إلى آخر القطاف.
و (أن) في قوله: ﴿أَنِ اغْدُوا﴾ بمعنى أي، كما قال تعالى ذكره: {أَنِ
(١) (ك): (الليل).
(٢) لم أجد هذا القول، وغيره من أقوال المبرد نقلها المؤلف، وليست في مؤلفاته المعروفة، ولعلها -والله أعلم- نقلت من كتابه "إعراب القرآن" وهو كتاب مفقود.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣/ ب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٨، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ١٩.
(٤) (ك)، (س): (عازمين) ساقطة.
(٥) (ك)، (س): (الصرام) وانظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٨.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٦، ولم ينسب لقائل.
(٧) (س): (قال يعني).
100
﴿امْشُواْ﴾، وقد مر (١).
قوله تعالى: ﴿فَاَنطَلَقُواْ﴾ أي ذهبوا إلى جنتهم ﴿وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ يسرون الكلام بينهم بـ ﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤)﴾، ومضى تفسير التخافت عند قوله: ﴿وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ (٢) قال ابن عباس: غدوا إليها بسدفة يسر بعضهم إلى بعض الكلام لئلا يعلم أحد من الفقراء والمساكين (٣).
وقال قتادة: كانت الجنة لشيخ، وكان يتصدق، وكان يمسك قوته ويتصدق بالفضل، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة، فلما مات غدوا عليها وقالوا: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (٤)، ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾.
وقال أبو إسحاق: لما كان الوقت الذي اعتدوا فيه في أول الصبح بسدفة غدوا إلى جنتهم ليصرموها (٥). ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ﴾ واختلفوا في تفسير الحرد. والحرد (٦) في اللغة يكون على معان. الحرد: المنع، من قولهم: حاردت السنة إذا قل مطرها ومنعت ريعها. وحاردت الناقة إذا منعت لبنها وقيل اللبن (٧). ومنه قول الأعشى:
(١) عند تفسيره الآية (٦) من سورة ص.
(٢) عند تفسيره الآية (١١٠) من سورة الإسراء. قال: المخافتة: الإخفاء، يقال: خفت صوته يخفت وخفاتًا إذا ضعف وسكن. وصوت خفيت أي خفيض. ومن هذا يقال للرجل إذا مات: قد خفت، أي: انقطع كلامه؛ وخفت الزرع إذا ذبل ولان.
(٣) انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٨٩.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٩، و"الدر" ٦/ ٢٥٣.
(٥) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٧.
(٦) (س): (والحرد) زيادة.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٤١٥، و"اللسان" ١/ ٦٠٢ (حرد).
101
فإذا ما بكؤت أو حاردتْ فك عن حاجب أخرى طينها (١)
والحرد: القصد؛ ومنه قول الهذلي (٢):
أقبل سيلٌ كان من (٣) أمرِ الله يحرِد حَرْد الجنَّة المُغَلَّهْ
وأنشد أبو عبيدة (٤):
أما إذا أحردت حردي فمجرية ضبطاء تمنع غيلًا غير مقروب
والحرد: الغضب. وهما لغتان الحَرْدُ (٥)، والحَرَدُ؛ والتحريك أكثر. وأنشد أبو عبيدة (٦):
أسود شرًى لاقت أسود خفية تساقوا (٧) على حرد وماء الأساود
(١) انظر: "ديوان الأعشى" (١٥١)، و"اللسان" ١/ ٦٠٢ (حرد)، وفي ألفاظه اختلاف وتقديم وتأخير. والشاعر يصف باطنة -وهي إناء عظيمة- إذا قل ما فيها من لبن أو شرب أو انقطع فتحت أخرى.
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٦، و"الخزانة" ١٠/ ٣٥٦، ونسبه لقرب بن المستفيد، و"شواهد الكشاف" (٢٥٤)، وود أيضًا في "زيادات ديوان حسان" (٥٢٢)، و"إصلاح المنطق" (٤٧).
(٣) (س): (في).
(٤) البيت لمنقد الأسدي الملقب بالجميح، وهو تشبيه للمرأة باللبؤة الضبطاء نزقًا وخفة والذي أنشده هو ابن قتيبة وليس بأبي عبيدة انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٥، و"تفسير غريب القرآن" (٤٨٠)، و"تهذيب اللغة" ١١/ ٤٩٣ (ضبط).
(٥) (ك): (والحرد).
(٦) (س): (أبو عبيدة) زيادة. والبيت للأشهب بن رُميلة كما في "اللسان" ١/ ٦٠٢، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢١، و"تفسير غريب القرآن" (٤٨٠)، و"الخزانة" ٦/ ٢٧، والشَّرى موضع تُنسب إليه الأسد. يقال للشجعان: ما هم إلا أسود الشرى. وقيل: هو شرى الفرات وناحيته وبه غياض وآجام ومأسدةٌ. "اللسان" ٢/ ٣١٠ (شري).
(٧) (ك)، (س): (تساء).
102
هذا الذي ذكرنا هو قول جميع أهل اللغة في تفسير الحرد (١). وأقوال المفسرين غير خارجة عن هذه المعاني. قال قتادة: على جد من أمرهم (٢).
وقال مقاتل: جد في أنفسهم (٣).
وقال الكلبي: غدوا جادين. وهو قول أبي العالية والحسن ومجاهد (٤) في رواية أبي بشر. وهذا من معنى القصد، وذلك أن المقاصد إلى الشيء جاد بخلاف من لا يكون له قصد في أمر، على أن الليث قد قال في كتابه: على جد من أمرهم. فقال الأزهري: الصواب على حد. أي على منع، كما قال الفراء. ثم ذكر بإسناده عن الفراء بالحاء (٥).
ويدل على صحة معنى هذا القول أن أبا عبيدة والمبرد والقتيبي (٦) قالوا في معنى الحرد هاهنا: إنه المنع (٧). أي: غدوا من بيتهم إلى جنتهم على منع المساكين ما كانوا يعطونه.
وقال مجاهد وعكرمة: على أمر أسسوه بينهم (٨). وهذا من معنى القصد أيضًا.
(١) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٥، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٦، و"معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢٠٧.
(٢) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٠٩، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٠.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٦.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٠، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٠.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٤١٤، و"اللسان" ١/ ٦٠٤ (حرد).
(٦) (س): (والقتيبي) زيادة.
(٧) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٥، و"تفسير غريب القرآن" (٤٧٩)، و"فتح القدير" ٥/ ٢٧٢.
(٨) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٠ و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٦.
103
وقال الشعبي: على حرد على المساكين، وهو قول (١) سفيان (٢)؛ قال (٣): على حنق وغضب.
وروى (٤) معمر عن (٥) الحسن: على فاقة (٦)؛ ومعناه من القلة، من قولهم: حاردت الناقة، والمعنى أنهم غدوا على قلة مالهم عند أنفسهم فقالوا: المال قليل لا يسع المساكين. وقال السدي: الحرد اسم الجنة. وذكر الأزهري هذا القول فقال (٧): وقيل في بعض (٨) التفسير: إن حرد كانت قريتهم (٩).
قوله تعالى: ﴿قَادرِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد قادرين على جنتهم في أنفسهم (١٠)؛ وهو قول مقاتل وجميع المفسرين (١١).
(١) (س): (وقال الشعبي: على حرد على المساكين وهو قول) زيادة.
(٢) (ك): (وقال سفيان).
(٣) (س): (وقال) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢١، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٠.
(٤) (ك): (وقال).
(٥) (س): (معمر عن) زيادة.
(٦) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٠٩، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢١.
(٧) (س): (وذكر الأزهري هذا القول فقال) زيادة.
(٨) (س): (بعض) زيادة.
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٤١٤ (حرد).
قال ابن كثير: وقال السدي: ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ أي كان اسم قريتهم حرد. فأبعد السدي في قوله هذا. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٦، وقال الآلوسي -عن تفسير السدي هذا-: ولا أظن ذلك مرادًا) "روح المعاني" ٢٩/ ٣١.
(١٠) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨/ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٢.
(١١) (س): (وهو قول مقاتل وجميع المفسرين) زيادة، وقال النحاس: أصح ما قيل =
104
قال أبو إسحاق: أي قادرين عند أنفسهم على قصد جنتهم لا يحول بينهم وبينها آفة (١). وقال ابن قتيبة: يقول: منعوا وهم قادرون، أي: واجدون (٢). فالقدرة على هذا القول بمعنى الجدة والقدرة على المال. وفي القول الأول معناه القدرة على الجنة.
٢٦ - قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)﴾ قال الفراء: غدوا على مالهم ليصرموه فلم يروا إلا سوادًا فقالوا: إنا لضالون ما (٣) هذا بمالنا الذي نعرف. ثم قال بعضهم: بل هو مالنا حرمنا بما صنعنا بالأرامل والمساكين (٤).
وقال أبو إسحاق: لما رأوها محترقة قالوا: إنا قد ضللنا طريق جنتنا، أي ليست هذه، ثم علموا أنها عقوبة فقالوا:
٢٧ - ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧)﴾، أي: حرمنا ثمر جنتنا بمنعنا المساكين (٥). هذا معنى قول المفسرين. قال ابن عباس: قالوا: إنا أخطأنا الطريق (٦). وذلك أنهم أنكروها لأنها احترقت.
ثم نظروا إلى أعلام فيها فعرفوا أنها جنتهم فقالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
= في معناه على قصد كما قال مجاهد، قد أسسوا ذلك بينهم، أي عملوه على قصد وتأسيس ومؤامرة بينهم قادرين عليه عند أنفسهم. "إعراب القرآن" ٣/ ٤٨٧، وهو اختيار ابن جرير أيضًا. "جامع البيان" ٢٩/ ٢١.
(١) لم أجده عنه، وهو معنى ما قاله المفسرون وأهل اللغة.
(٢) انظر: "تفسير غريب القرآن" (٤٨٠).
(٣) (س): (ما) زيادة.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧٥.
(٥) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٨.
(٦) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٢، و"تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٠٩، عن قتادة. وكذا في "جامع البيان" ٢٩/ ٢١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٦.
105
(٢٧) قَالَ أَوْسَطُهُمْ} هو يعني أعدلهم في قول جميع المفسرين. قال ابن عباس: هو كقوله: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ﴾ [المائدة: ٨٩]، وكقوله: ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣]. ﴿لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ قالوا: هلا تستثنون فتقولون: إن شاء الله. وهو قول ابن عباس (١) ومقاتل والكلبي ومجاهد (٢).
قال أبو إسحاق: ومعنى التسبيح هاهنا الاستثناء، وهو أن يقولوا: إن شاء الله. فإن قيل: التسبيح أن تقول: سبحان الله. والجواب في ذلك أن كل ما عظمت الله به فهو تسبيح، لأن التسبيح تنزيه الله عن السوء، والاستثناء تعظيم الله والإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل فعلًا إلا بمشيئة الله عز وجل (٣).
وقال أبو صالح: كان استثناؤهم سبحان الله (٤). وإنما أنكر أوسطهم عليهم ترك الاستثناء (٥) في قوله: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ فحلفوا على صرام جنتهم من غير استثناء فلم يصرموا فأنكر عليهم الأوسط ترك الاستثناء في اليمين (٦).
﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ نزهوه عن أن يكون ظالمًا فيما صنع، وأقروا على أنفسهم بالظلم، فقالوا: ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ بمعصيتنا ومنعنا المساكين.
(١) (س): (ابن عباس) و (الكلبي) زيادة.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٢، و"تفسير مقاتل" ١٦٣/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٨، ونسبه لابن جريج والجمهور.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٩.
(٤) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٨/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٣.
(٥) (ك)، (س): (الاستتاء عليهم في ذكر الله عنهم). وانظر: "الوسيط" ٤/ ٣٣٨.
(٦) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٢، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٩٠.
106
وقال الكلبي: ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ يقولون: نستغفر ربنا مما صنعنا (١)، ثم لام بعضهم بعضًا فيما فعلوا من العزم على منع المساكين.
٣٠ - وقوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠)﴾ يقول (٢) هذا لهذا: أنت أشرت علينا بهذا الرأي. ويقول هذا لهذا: أنت (٣) منعتنا أن ندخلها المساكين. فكان هذا هو التلاوم بينهم، قاله عطاء والكلبي (٤).
وقال مقاتل: يلوم بعضهم بعضًا في منع حقوق المساكين (٥).
ثم نادوا على أنفسهم بالويل فقالوا: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد طغينا فيما أعطانا الله ولم نأخذه بالشكر كما صنعت الآباء. فدعوا الله وتضرعوا (٦). ثم اجتمع (٧) القوم وتعاقدوا إن أبدلنا الله (٨) بها خيرًا منها لنصنعن كما صنعت الآباء. فدعوا الله وتضرعوا إليه وسألوه ذلك، وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم الله بها خيرًا منها جنة يقال لها: الحيوان، فيها عنب ليس يحمل البغل منها إلا عنقودًا، فذلك قوله تعالى:
(١) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٤.
(٢) (ك): (يقولون).
(٣) (ك): (أن).
(٤) (س): (قاله عطاء والكلبي) زيادة. وانظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٣، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٩٠.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٠.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٩/ أ، و"الوسيط" ٤/ ٣٣٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٠، ومن نسبه منهم عزاه لابن كيسان.
(٧) (ك): (احتج).
(٨) (ك)، (س): (الله أبدلنا).
107
﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (٣٢)﴾ (١)، وفي هذا إشارة إلى أنهم لما بلوا بذهاب ما لهم تذكروا فرجعوا إلى الله تعالى بالرغبة. وهو وعظ لأهل مكة بالتذكير والرجوع إلى الله تعالى. فلما بلاهم بالجدب حين دعا عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر (٢)، واجعلها سنين كسنى يوسف" (٣).
وقال عطاء عن ابن عباس: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلن محمدًا وأصحابه وليرجعن إلى مكة حتى يطوفوا بالبيت ويشربوا الخمر ويضرب القيان على رؤوسهم، فأخلف الله ظنهم، وقطع رجاهم فقتلوا وأسروا وانهزموا (٤) كأهل هذه الجنة لما انطلقوا إليها عازمين على الصرام وإحراز المال دون المساكين فلما انتهوا إليها وجدوها سوداء محترقة، فخاب ظنهم وأخلف رجاؤهم، فذلك قوله: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾
(١) أخرجه الثعلبي وغيره عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.
انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٩/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨١، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ٢١.
(٢) (ك): (أهل مضر).
(٣) متفق عليه. أخرجه البخاري في مواضع من "صحيحه"، كتاب: الجهاد، باب: الدعاء على المشركين ٤/ ٥٢، وكتاب: التفسير، سورة النساء ٦/ ٦١، ومسلم في كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة ١/ ٤٦٦، وأحمد في "المسند" ٩/ ٢٣٩.
ولفظ البخاري. "اللهم أنج سلمة بن هشام، الله أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف".
(٤) (س): (وانهزموا) زيادة.
108
يعني (١) كما ذكر من إحراقها بالنار (٢). وتم الكلام هاهنا لتمام قصة أصحاب الجنة (٣).
ثم ذكر عذاب الآخرة فقال: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ يعني المشركين. قال ابن عباس: يريد أن عذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا وأعظم (٤).
٣٤ - ٣٨ - ثم أخبر بما عنده للمتقين فقال: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)﴾ قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية قال كفار مكة للمسلمين: إنا نعطى في الآخرة أفضل مما تعطون. فأنزل الله تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥)﴾ (٥) ثم وبخهم فقال: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)﴾ إذ حكمتم أن لكم من الخير ما للمسلمين ﴿أَمْ لَكُمْ﴾ بل ألكم ﴿كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ تقرؤون ﴿إِنَّ لَكُمْ﴾ في ذلك الكتاب ﴿لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ تختارون وتشتهون. أي: أعندكم كتاب من الله بهذا و ﴿إِنَّ لَكُمْ﴾ في موضع نصب بـ ﴿تَدْرُسُونَ﴾ وكسر إن لمكان اللام في (لَمَا) (٦).
٣٩ - ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ﴾ قال مقاتل: يقول: ألكم عهود على الله
(١) (س): (يعني) زيادة.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٦، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٣.
(٣) انظر: "المكتفى في الوقف والابتداء" (٥٨٢).
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٣.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣/ ب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٩١، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ٢١.
(٦) انظر "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٦، و"إعراب القرآن" للنحاس ٣/ ٤٨٩.
بالغة ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ استوثقتم بها منه فلا تنقطع. أعهدكم (١) إلى يوم القيامة بأن لكم الذي تقضون لأنفسكم من الخير (٢).
وقال عطاء: يريد ألكم عهد مني ألا أصيبكم بعذاب ولا عقوبة (٣).
ومعنى ﴿بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ أي: متناهية في التأكيد تنتهي إلى يوم القيامة. فتكون (إلى) من صلة (بالغة). هذا قول الكسائي (٤). ويجوز أن يكون (إلى) من صلة الأيمان، أي: أيمان إلى يوم القيامة. ويكون معنى (بالغة) مؤكدة، كما تقول جيد بالغ وكل شيء متناه في (٥) الصحة والجودة فهو بالغ (٦). ويدل على هذا المعنى قراءة الحسن (بالغةً) بالنصب (٧) على معنى حقًّا. كأنه قيل: أيمان علينا حقًّا بلغت حقيقة التأكيد، هذا كله معنى قول الفراء (٨). وقال أبو إسحاق: أي حلف لكم على ما تدعون في حكمكم (٩).
٤٠ - ثم قال لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠)﴾ أيهم كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين. وذكرنا معنى الزعيم عند قوله: ﴿وَأَنَا بِهِ
(١) (س): (عهدكم).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣/ ب.
(٣) لم أجده.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٣٥/ ٩٣.
(٥) (ك): (فهو في)، والتصحيح من "الوسيط".
(٦) انظر: "الوسيط" ٤/ ٣٣٨، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٩٣، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٩.
(٧) قرأ الجمهور {بَالِغَةٌ﴾. وقرأ الحسن، وزيد بن علي (بالغة) بالنصب على الحال. انظر: "معانى الفراء" ٣/ ١٧٦، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٥، و"الإتحاف" (٤٢١).
(٨) (س): (هذا كله معنى قول الفراء) زيادة. وانظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٦.
(٩) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢٠٩.
زَعِيمٌ} (١).
قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ يعني بل ألهم شركاء. يعني ما كانوا يجعلونهم شركاء لله، وهذا كقوله: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم: ٤٠]، فأضاف الشركاء إليهم لأنهم جعلوها شركاء لله فأضافها إليهم بفعلهم. والتأويل: أم عندهم لله شركاء فليأتوا بهؤلاء الشركاء ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في أنها شركاء لله.
٤٢ - قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ ظرف لهذا الأمر. أي: فليأتوا بها في ذلك اليوم (٢). وذلك أنها تبطل وتزهق فلا تنفعهم بشيء. يقول الله: ﴿إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة لتنفعهم وتشفع لهم. وهذا الذي ذكرنا معنى ما ذكره صاحب النظم (٣).
وأما معنى قوله: ﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ فروى عكرمة عن ابن عباس قال: عن شدة. ألم تسمع إلى قول الشاعر (٤):
وقامتِ الحربُ بنا على ساقْ
قال: وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب. أما سمعتم قول الشاعر:
سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحربُ بنا على ساق
(١) من آية (٧٢) من سورة يوسف. وانظر: "تفسير غريب القرآن" (٤٨٠)، و"مفردات الراغب" (٢١٣) (زعم).
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨١، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ٢٢.
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٨.
(٤) أخرجه الطستي في مسائل عن ابن عباس. انظر: "الدر" ٦/ ٢٥٥، وهو مندرج في الأثر الآتي. ولم أجد للبيت قائلاً.
111
ثم قال (١): هو يوم كرب وشدة (٢).
وروى عطاء عنه قال: يريد شدة في الآخرة.
وروى إبراهيم عنه أيضًا: عن شدة الأمر (٣).
قال (٤): وقال ابن عباس يكشف عن أمر عظيم (٥).
وروى مجاهد عنه قال: هو أشد ساعة في القيامة. فهذا ما روي عن عباس في هذه الآية (٦). ونحو هذا (٧) قال سعيد بن جبير ومجاهد (٨) وقتادة. قالوا: عن شدة الأمر وبلاء عظيم (٩). وهذا قول جميع أصحاب
(١) (ك): (قال) زيادة.
(٢) أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٩٩، وابن جرير في "جامعه" ٢٩/ ٢٤، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وفي "الدر" ٦/ ٢٥٤ نسبه أيضًا لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وحسن إسناده الحافظ في "فتح الباري" ١٣/ ٤٢٨، وانظر: "الأسماء والصفات" للبيهقي وما ذكره محققه وقد بين ضعف إسناده. فليراجع ٢/ ١٨٣.
(٣) (س): من قوله (وروى عطاء) إلى هنا زيادة. وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨١ عن سعيد بن جبير.
(٤) (ك): (وقال ابن عباس: يريد شدة في الآخرة. قال).
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٤، و"الدر" ٦/ ٢٥٤، ونسب تخريجه للفريابي، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، وابن منده، وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي، ولم أجده عند البيهقي.
(٦) (س): (فهذا ما روي عن ابن عباس في هذه الآية) زيادة. وقال البيهقي بعد ذكره الروايات: هذا ما روينا عن ابن عباس في المعنى يتقاربان، وقد روي عن ابن عباس بهذا اللفظ، وروي بمعناه. "الأسماء والصفات" ٢/ ١٨٤.
(٧) (ك): (ونحوه).
(٨) س: (ومجاهد) زيادة.
(٩) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣١٠، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٤، و"الدر" ٦/ ٢٥٥.
112
اللغة (١).
قال أبو عبيدة: إذا اشتد الأمر والحرب قيل: قد كشف الأمر عن ساقه، وأنشد لقيس بن زهير (٢) فقال:
فإذ شمرت (٣) لك عن ساقها... فويهًا ربيع ولا تسأم (٤)
وروى الفراء بإسناده (٥) عن ابن عباس (٦) أنه قال: يريد يوم القيامة والساعة لشدتها. قال الفراء أنشدني بعض العرب لجد (٧) طرفة (٨):
كشفت لهم عن ساقها... وبدا من الشرِّ الصراح (٩)
(١) (س): (وهذا قول جميع أصحاب اللغة) زيادة.
(٢) (س): (القيس بن زهير) زيادة. وهو قيس بن زهير بن جذيمة، يكنى أبا هند، شاعر وفارس جاهلي، كان سيد عبس، وله أخبار مشهورة يوم داحس والغبراء. انظر: "الأغاني" ١٧/ ١٨٧، و"المؤتلف والمختلف" (٢٥٥)، و"الخزانة" ٣/ ٥٣٦، و"شرح شواهد المغني" (١١٣)، و"معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين" (٢٨٧).
(٣) (ك): (شمر).
(٤) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٦٦، وورد البيت منسوبًا في "اللسان" ٣/ ٩٩٨ (ويه) وقوله فويها أصلها (ويه) من أدوات الإغراء فَنَوَّنَها فقال: فويهًا.
(٥) (س): (والفراء بإسناده) زيادة.
(٦) أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ١٨٥، بإسناد صحيح. وصححه الحافظ في "الفتح" ٤٢٨/ ١٣.
(٧) (ك): (وأنشد الفراء لجد).
(٨) (ك)، (س): (أبي طرفة)، والصواب ما أثبته. وهو سعد بن مالك، جد طرفة بن العبد. شاعر جاهلي، واحد سادات بكر بن وائل وفرسانها.
انظر: "طبقات فحول الشعراء" (٤٩)، و"المؤتلف والمختلف" (١٩٨)، و"شرح الحماسة" للتبريزى ٧٣/ ٢، و"الحماسة" لأبي تمام ١/ ٢٦٥، و"معجم الشعراء الجاهليين والمخضرمين" (١٤٨).
(٩) والبيت ورد في "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٧، و"الخصائص" ٣/ ٢٥٢، و"اللسان" =
113
وقال أبو إسحاق: معنى ﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ كشف عن الأمر الشديد. وأنشد:
قد شمرت عن ساقها فشدوا (١) وجدت الحربُ بكم (٢) فجدوا
والقوس فيها وتر عردُّ (٣)
وقال ابن قتيبة: أصل هذا أن الرجل إذا وقع (٤) في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد (٥) شمر عن ساقه. فاستعيرت الساق والكشف عنها في موضع الشدة (٦). قال دريد يرثي رجلاً:
كميش الإزار خارج نصف ساقهِ جسور على الجلاء طلاع أنجد (٧)
= ٢/ ٢٤٣ (سوق)، و"الحماسة" لأبي تمام ١/ ٢٦٦، و"المحتسب" ٢/ ٣٢٦. والصراح والصراح: الخالص من كل شيء.
(١) (ك): (وشدوا).
(٢) (ك): (الحرب بكم) ساقطة.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢١٠.
والبيت ورد في خطبة الحجاج أول ما قدم أميرًا على العراق. والأبيات لحنظلة بن ثعلبة. انظر: "الكامل" ١/ ٢٢٤، و"اللسان" ٢/ ٨٢٧ (عرد)، و"العقد الفريد" ٤/ ١٢١، و"شرح شواهد الشافية" (٣٠٠).
والعُرُدُّ: هو الشديد في كل شيء. يقال: إنه لقوي شديد عرد. "اللسان" ٢/ ٧٢٨ (عرد).
(٤) (ك): (وقع) ساقطة.
(٥) (س): (والجد) زيادة.
(٦) انظر: "تأويل المشكل" (١٣٧).
(٧) البيت من قصيدة قالها في أخيه عارضة بن الصمة. ويروى:
بعيد عن الآفات طلاع أنجد
انظر: "ديوانه" (٤٩)، و"الحماسة" لأبي تمام ١/ ٣٩٨، و"الأصمعيات" (١٠٨)، و"جمهرة أشعار العرب" (٢٢٣)، و"تهذيب اللغة" ٩/ ٢٣١ (سوق)، و"الخزانة" ١/ ٢٦٠. =
114
وقال الهذلي:
وكنت إذا جاري دعا لمضوفةٍ أشمر حتى ينصف الساق مئزري (١)
وأنشد أيضًا فقال (٢):
في سنةٍ قدكشفت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وزاد غيره بيانًا فقال: تأويل الآية: يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق. وقد كثر هذا في كلام العرب حتى صار كالمثل في شدة الأمر (٣).
= وقوله: (طلاع أنجد) أي: أنه يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه. والأنجد: جمع النجد، وهو الطريق في الجبل وكذلك الثية. "اللسان" ٢/ ٦٠٥ (طلع)، و"القاموس المحيط" (كمش، طلع).
(١) انظر: "ديوان الهذليين" ٣/ ٩٢، و"المحتسب" ١/ ٢١٤، و"الخزانة" ٧/ ٤١٧، و"اللسان" ٢/ ٥٦١ (ضيف).
(٢) ورد في البيت غير منسوب في "تفسير غريب القرآن" (٤٨١)، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٦، و"الدر المصون" ١/ ٤١٧.
(٣) قال ابن القيم -رحمه الله-: والصحابة متنازعون في تفسير الآية، هل المراد الكشف عن الشدة، أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن ذلك صفة الله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكرًا، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته. وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه: فيكشف الرب عن ساقه فيخرون له سجدًا: ومن حمل الآية على ذلك قال قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ مطابق لقوله -صلى الله عليه وسلم-... نكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال:
115
وقوله تعالى: ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ قال مقاتل: وذلك أنه تدمج أصلاب الكفار يومئذ فيكون عظمًا واحداً مثل صياصي (١) البقر، لأنهم لم يسجدوا لله في الدنيا.
وهذا قول جميع المفسرين (٢). قالوا: إذا كان ذلك سجد (٣) الخلق كلهم لله سجدة واحدة. ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا (٤) فلا يستطيعون؛ لأن أصلابهم أيبس فلا تلين للسجود.
قال ابن مسعود: وأما المؤمنون فيخرون سجدًا، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقًا كأن فيها السفافيد (٥).
= ذلك أن يقال: كشفت الشدة من القوم لا كشف عنها كما قاله الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠)﴾.. فالعذاب، والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه. "الصواعق المرسلة" ١/ ٢٥٢ - ٢٥٣. وانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ٢/ ١٢٧، و"الأسماء والصفات" للبيهقي ٢/ ١٨١، ١٨٣.
(١) صياصي البقر: أي قرونها واحدتها صيصية بالتخفيف. انظر: "النهاية" ٣/ ٩ (صيص).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٤/ أ، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٤، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٨.
(٣) (ك)، (س): (سجدوا).
(٤) (ك): (يسجد).
(٥) أخرجه ابن جرير وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا. وقال القرطبي: قلت: معنى حديث أبي موسى وابن مسعود ثابت في "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد الخدري وغيره. انظر: "صحيح مسلم" كتاب: الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية ١/ ١٦٨ - ١٦٩.
قلت: ورواه البخاري في كتاب: التفسير، سورة القلم ٦/ ١٩٨ من حديث أبي سعيد أيضًا. =
116
قوله: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يعني حين أيقنوا بالعذاب وعاينوا النار (١). وهي حال من قوله: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾. ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ قال ابن عباس: يلحقهم ذل الندامة والحسرة (٢).
قوله: ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ يعني في الدنيا حين كانوا يدعون إلى الصلاة المكتوبة ويؤمرون بها وهم معافون (٣) ليس في أصلابهم مثل سفافيد الحديد. ومعنى قوله: ﴿يُدْعَوْنَ﴾ أي بالأذان والإقامة. وهذا الذي ذكرنا قول ابن عباس ومقاتل وإبراهيم التيمي (٤). قال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حيّ على الفلاح فلا يجيبون. وفي هذا وعيد لمن قعد عن الجماعة ولم يجب الأذان إلى إقامة الصلاة في الجماعة (٥).
قوله تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ يريد القرآن. قاله ابن عباس. وقال مقاتل: يقول لمحمد: خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن فأنا أنفرد بهلكتهم (٦).
= انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٥٠.
والسفافيد: جمع سفود. وهو حديدة ذات شُعب معقفة، معروفة، يشوى بها اللحم. "اللسان" (سفد).
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٤/ أ، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٧.
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٣.
(٣) (ك): (معاقبون).
(٤) (س): (إبراهيم التيمي) زيادة. وانظر: "تفسير مقاتل" ١٦٤/ أ، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٧، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٣.
(٥) انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٢٧، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٥١.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٤/ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٥١، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٧.
117
قال أبو إسحاق: معناه لا تشغل قلبك به، كله إليّ فإني أكفيك أمره (١).
قوله تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: نأخذهم قليلاً قليلاً فلا نباغتهم. قال ابن عباس: أمكر بهم من حيث لا يعلمون (٢). وهذا مفسر في سورة الأعراف مع الآية التي بعدها (٣).
قوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ﴾ مع الآية التي بعدها مفسر في سورة الطور (٤).
٤٨ - قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ قال مقاتل: اصبر على الأذى لقضاء ربك الذي هو آت (٥). ﴿وَلَا تَكُنْ﴾ في الضجر والعجلة ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ يعني يونس بن متى. قال الكلبي ومقاتل: يقول: لا تضجر كما ضجر، ولا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب (٦). ثم أخبر عن عقوبة يونس حين لم يصبر وعجل بقوله: ﴿إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾، والعامل في (إذ) معنى قوله: ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ (٧) يريد: لا تكن كمن صحب الحوت إذ نادى، وليس العامل فيه (تكن) لأنه ليس المعنى: لا تكن مثله إذ
(١) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢١١.
(٢) انظر: "الجامع لاحكام القرآن" ١٨/ ٢٥١.
(٣) عند تفسيره الآية (١٨٢ - ١٨٣) من سورة الأعراف.
(٤) عند تفسيره الآية (٤٠ - ٤١) من سورة الطور.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٤/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٤، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٩٨.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٤/ أ، و"تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣١٠، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٩.
(٧) انظر: "البحر المحيط" ٨/ ٣١٧.
118
نادى ربه من بطن الحوت بقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]. وقوله ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ أي مملوء غمًّا وكربًا (١). ومثله ﴿كَظِيمٌ﴾، وقد مر (٢).
قوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: رحمة من ربه (٣)، وهو أن رحمه وتاب عليه (٤) ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ﴾ لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض. وذكرنا تفسير هذا عند قوله: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ﴾ (٥)، وقوله: ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ قال ابن عباس والحسن (٦): مذنب (٧).
وقال الكلبي: (مذموم) ملوم مبعد من كل خير (٨).
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٢١١.
(٢) عند تفسيره الآية (٨٤) من سورة يوسف. قال: الكظيم: الساكت على غيظه، يقال: ما يكظم فلان على حرة إذا كان لا يحتمل شيئًا وفلان كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئًا حزنًا ممسكًا عليه.
وانظر: "اللسان" ٣/ ٢٦٥، و"المفردات" (٤٣٢) (كظم).
(٣) (ك): (ربك).
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٦، و"تفسير مقاتل" ١٦٤/ ب، و"جامع البيان" ٢٩/ ٢٩، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٧٣/ أ.
(٥) عند تفسيره الآية (١٤٥) سورة الصافات. قال: العراء: المكان الخالي. قال أبو عبيدة: وإنما قيل له: عراء، لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه. وقال الليث: العراء: الأرض الفضاء التي لا تستر بشيء.
(٦) (س): (والحسن) زيادة.
(٧) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٦، وذكر ابن كثير في "تفسيره" ٤/ ٤٠٨ عن ابن عباس ومجاهد والسدي قوله: (وهو مغموم).
(٨) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٥٤.
119
وقال مقاتل: يذم ويلام (١). ولكن ربه منَّ عليه فنبذ بالعراء وهو سقيم، وليس بمذموم للنعمة التي تداركه.
قال أبو إسحاق: المعنى أنه قد نبذ بالعراء وهو غير مذموم؛ لأن النعمة قد شملته (٢). ويدل على ذلك قوله: ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ قال ابن عباس: فاستخلصه واصطفاه الله (٣)، ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ قال ابن عباس: رد إليه الوحي وشفعه في قومه وفي نفسه (٤).
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال الأخفش: (إن) مخففة من الثقيلة كما تقول: إن كان عبدُ الله لظريفًا. فمعناه (٥): إن عبد الله لظريف قبل اليوم (٦).
وقوله: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ من أزلقه عن موضعه إذا رماه ونحاه، وهذه (٧) قراءة العامة. وقرأ نافع بفتح الياء (٨). يقال: زلق هو وزلقته. مثل:
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٤/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٤.
(٢) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢١١.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٦، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٥٤.
(٤) انظر: "زاد المسير" ٨/ ٣٤٣، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٩٩.
(٥) (ك): (معناه).
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٧١٢.
(٧) (ك): (بهذه).
(٨) قرأ الجمهور ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ بضم الياء، وقرأ نافع وأبو جعفر ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ بفتح الياء. وهما لغتان، يقال: أزلق يزلق، وزلق يزلق، والمعنى واحد.
انظر: "حجة القراءات" (٧١٨)، و"النشر" ٢/ ٣٨٩، و"الإتحاف" (٤٢٢).
120
شترت عينه وشترتها أنا (١) وحزن وحزنته (٢)، والأول أكثر وأوسع؛ لأنه يقال: زلق من موضعه وأزلقته أنا فينقل الفعل بالهمزة. والمفسرون بعضهم علي أن هذه الآية نزلت في قصد الكفار أن يصيبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعين، وكانوا ينظرون إليه نظرًا شديدًا ويقولون (٣): ما رأينا مثله ولا مثل حججه، يريدون أن يصيبوه (٤) بالعين. وهذا قول الكلبي ومن تابعه (٥).
قالوا: ذكر الله شدة نظرهم إليه للإصابة بالعين. وأما أهل التحقيق من المفسرين وأصحاب العربية فإنهم ذهبوا إلى غير هذا. قال الفراء: إن كادوا ليزلقونك. أي ليرمونك ويزيلونك (٦) عن موضعك بأبصارهم، كما يقال: كاد يصرعني لشدة نظره إليّ. وهو بين من كلام العرب كثير (٧).
وقال المبرد: أي يحدون النظر إليك حتى يكاد يزلقك نظرهم. وهذا كلام معروف عند العرب.
وقال أبو إسحاق: مذهب أهل اللغة والتأويل أنهم من شدة إبغاضهم
(١) الشتر: انقلاب في جفن العين قلما يكون خلقة. والشتر مخففة: فعلك بها. "اللسان" ٢/ ٢٦٨ (شتر).
(٢) لغتان: تقول: حزنني يحزنني حزنًا فأنا محزون. ويقولون: أحزنني فأنا محزن وهو محزن. "اللسان" ١/ ٦٢٧ (حزن).
(٣) (ك): (قال ويقولون).
(٤) (ك): (يصيبونه).
(٥) وهو قول قتادة، والنضر بن شميل، والأخفش، والسدي، وغيرهم.
انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ٣٠، و"الكشف والبيان" ١٢/ ١٧٣/ ب، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٠٩، ورجحه.
(٦) (ك): (ويزلقونك).
(٧) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٧٩.
121
وعداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك. وهذا مستعمل في الكلام. يقول القائل: نظر إلى فلان نظرًا يكاد يصرعني (١) ونظرًا يكاد يأكلني. وتأويله أنه نظر إليَّ نظرًا لو أمكنه معه (٢) أكلي، أو أن يصرعني لفعل. وهذا واضح (٣).
وقال ابن قتيبة: ليس يريد الله عز وجل في هذا الموضع أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرًا شديدًا بالعداوة والبغضاء، يكاد يزلقك أي يسقطك كما قال الشاعر (٤):
يكشف عن ساق عظيمة جلت عظمتها وتعالى شأنها . وحمل الآية على الشدة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل =
يتقارضون إذا التقوا في موطن نظرًا يزيل مواطئ الأقدام
وقال أبو علي: معنى ﴿لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ أنهم ينظرون إليك نظر البغضاء كما قال: ينظر الأعداء المنابذون، وأنشد البيت الذي أنشده ابن قتيبة (٥). والدليل على صحة ما ذهب إليه هؤلاء أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن. وهو قوله: ﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾، وهم كانوا يكرهون ذلك أشد
(١) (س): من قوله (لشدة نظره إلى وهو بين) إلى هنا زيادة.
(٢) (ك): (معه)، (س): (معي).
(٣) انظر: "معاني القرآن" ٥/ ٢١٢.
(٤) البيت ورد غير منسوب في "تفسير غريب القرآن" (٤٨٢)، و"مشكل القرآن" (١٧٠ - ١٧١)، و"البيان والتبيين" ١/ ١١، و"الكشاف" ٤/ ٤٧٨، و"زاد المسير" ٨/ ٣٤٤، و"اللسان" ٣/ ٦٠ (قرض)، و"البحر المحيط" ٨/ ٣١٧ ومعنى (يتقارضون) أي: ينظر بعضهم إلى بعض نظر عداوة وبغضاء.
(٥) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٣١٢ - ٣١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٥٦.
122
الكراهية فيحدون إليه النظر بالبغضاء، والإصابة بالعين إنما تكون مع الإجاب والاستحسان، ولا تكن مع الكراهية والبغض، ويدل على ما ذكرناه قوله: ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أي: ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن (١)، فقال الله: ﴿وَمَا هُوَ﴾ يعني القرآن ﴿إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ قال ابن عباس: موعظة للمؤمنين (٢). والله تعالى أعلم.
(١) نسبه الرازي إلى الجبائي ثم قال: واعلم أن هذا السؤال ضعيف؛ لأنهم وإن كانوا يبغضونه من حيث الدين لعلهم كانوا يستحسنون فصاحته وايراده للدلائل. انظر: "التفسير الكبير" ٣٠/ ١٠٠، ونسبه القرطبي في "جامعه" ١٨/ ٢٥٥ للقشيري.
قلت: بل حال المشركين في مكة مع القرآن والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على غاية الاستحسان ونهاية التعجب ولم ينسبوه -صلى الله عليه وسلم- إلى السحر والكهانة وغير ذلك إلا لشدة تأثيره على السامع، وقد بذلوا كل ما في وسعهم لصد القادمين إلى مكة من ملاقاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو سماعه وما ذاك إلا خشية دخول الناس في هذا الدين وصدق الله إذ يقول: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وليس في الآية ما يمنع الجمع بين نظر العداوة والبغضاء، ونظر الحسد والإصابة بالعين، والله أعلم.
(٢) انظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٥.
123
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبى الحسن على بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
من سورة الحاقة إلى سورة القيامة
تحقيق
د. نورة بنت عبد الله بن عبد العزيز الورثان
125
Icon