تفسير سورة القمر

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة القمر من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة القمر مكية وآيها خمس وخمسون آية.

﴿اقتربت الساعة وانشق القمر﴾ وروى أنَّ الكُفَّارَ سألُوا رسولَ الله ﷺ آيةً فانشقَّ القمرُ قالَ ابن عباس رضي الله عنهُمَا انفلقَ فلقتينِ فلقةٌ ذهبتْ وفلقةٌ بقيتْ وقالَ ابنُ مسعودٍ رأيتُ حِراءَ بين فلتقى القمرِ وعنْ عثمانَ بنِ عطاءٍ عنْ أبيهِ أنَّ معناهُ سينشقُّ يومَ القيامةِ ويردُّه قولُه تعالى
﴿وإن يروا آية يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾ فإنَّه ناطقٌ بأنَّه قدْ وقع وأنهم قد شاهدوه بعدَ مُشاهدةِ نظائرِه وقُرِىءَ وقد انشق القمر اقتربتِ الساعةُ وقدُ حصلَ منْ آياتِ اقترابِها أنَّ القَمرَ قدِ انشقَّ ومَعْنى الاستمرارِ الاطرادُ أو الاستحكامُ أيْ وإِنْ يَرَوا آيةً من آياتِ الله يُعرضُوا عنِ التأملِ فيها ليقفُوا على حقِّيتها وعلوِّ طبقتِها ويقولُوا سحرٌ مطردٌ دائمٌ يأت به محمدٌ عَلى مرِّ الزمانِ لا يكادُ يختلفُ بحالٍ كسائرِ أنواعِ السحرِ أو قويٌّ مستحكمٌ لا يمكنُ إزالتُه وقيلَ مستمرٌ ذاهبٌ يزولُ ولا يَبْقى تمنيةً لأنفسِهم وتعليلاً وهو الأنسبُ بغلوِّهِم في العِنادِ والمكابرة ويؤيده ما سيأت لردِّه وقُرِىءَ وإنْ يُرَوا على البناءِ للمفعولِ من الإراءةِ
﴿وكذبوا﴾ أى بالنبي ﷺ وما عاينوه مما أظهر الله تعالَى على يدِه من المعجزاتِ ﴿واتبعوا أَهْوَاءهُمْ﴾ التي زيَّنها الشيطانُ لهم أو كذَّبُوا الآيةَ التي هيَ انشقاقُ القمرِ واتَّبعُوا أهواءَهُم وقالُوا سحرَ القمرَ أو سحرَ أَعْيُننا والقمرُ بحاله وصنيعة الماضِي للدلالةِ على التحققِ وقولُه تعالى ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾ استئنافٌ مسوقٌ لإقناطِهم عما علقوا به أما نيهم الفارغةَ من عدمِ استقرارِ أمره عليه الصلاة والسلام حسبمَا قالُوا سحرٌ مستمرٌّ ببيانِ ثباتِه ورسوخِه أي وكلُّ أمرٍ من الأمورِ مستقرٌّ أي مُنتهٍ إلى غايةٍ يستقرُّ عليَها لا محالةَ ومن جُملتِها أمرُ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم فسيصير الى غاية يتيبين عندَهَا حقِّيتُه وعلُّو شأنِه وإبهامُ المستقَرِّ عليهِ للتَّنبيهِ على كمالِ ظُهور الحالِ وعدمِ الحاجةِ إلى التَّصريحِ بهِ وقيلَ المَعْنى كلُّ أمرٍ من أمرِهم وأمرِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مستقرٌّ أي سيثبتُ ويستقرُّ على حالةِ خذلانٍ أو نصرةٍ في الدُّنيا وشقاوةٍ أو سعادةٍ في الآخرةِ وقُرىء بالفتحِ على أنَّه مصدرٌ أو اسمُ مكانٍ أو اسمُ زمانٍ أي ذُو استقرارٍ أو ذُو موضعَ استقرارٍ أو ذُو زمانِ استقرارٍ
167
٩ ٤
وبالكسرِ والجرِّ عَلى أنَّه صفة أمرَ وكلُّ عطفٌ على الساعةِ أيْ اقتربتِ الساعةُ وكلُّ أمرٍ مستقرٌّ
168
﴿وَلَقَدْ جَاءهُمْ﴾ أي في القُرانِ وقولُه تعالَى ﴿مّنَ الأنباء﴾ أي أنباءِ القرونِ الخاليةِ أو أنباءِ الآخرةِ متعلق بمحذوف هو حال مما بعدَهُ أيْ وبالله لقد جاءهُم كائناً من الأنباء ﴿ما فيه مزدجر﴾ أي ازدجارٌ من تعذيبٍ أو وعيدٍ أو موضعُ ازدجار على ان تجريديةٌ والمَعْنى أنَّه في نفسِه موضعُ ازدجارٍ وتاءُ الافتعالِ تقلبُ دالاً مع الدالِ والذالِ والزَّاي للتناسبِ وقُرِىءَ مُزَّجَرٌ بقلبِها زاء وإدغامِها
﴿حِكْمَةٌ بالغة﴾ غايتَها لا خللَ فَيها وهي بدلٌ مَا أو خبرٌ لمحذوفٍ وقُرِىءَ بالنصبِ حالاً منَها فإنَّها موصولةٌ أو موصوفةٌ تخصصتْ بصفتِها فساغَ نصبُ الحال عنها ﴿فما تغن النذر﴾ نفيٌ للإغناءِ أو إنكارٌ لهُ والفاءُ لترتيبِ عدمِ الإغناءِ على مجيءِ الحكمةِ البالغةِ مع كونِه مظنَّة للإغناءِ وصيغةُ المُضارعِ للدلالةِ على تجددِ عدمِ الإغناءِ واستمرارِه حسبَ تجددِ مجيءِ الزواجرِ واستمرارِه وما على الوجهِ الثانِي منصوبةٌ أي فأيُّ إغناء تُغني النذر وهوجمع نذيرٍ بمعنى المنذرِ أو مصدرٌ بمَعْنى الإنذارِ
﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ لعلمكَ بأنَّ الإنذارَ لا يُؤثرُ فيهم البتة ﴿يوم يدع الداع﴾ منصوبٌ بيخرُجونَ أو باذكُرْ والدَّاعِي إسرافيلُ عليهِ السَّلامُ ويجوزُ أنْ يكونَ الدعاءُ فيهِ كالأمرِ في قولِه تعالى كُنْ فَيَكُونُ وإسقاطا لياء للاكتفاءِ بالكسرِ تخفيفاً ﴿إلى شَىْء نُّكُرٍ﴾ أي منكرٍ فظيعٍ تنكرُه النفوسُ لعدمِ العهدِ بمثلِه وهو هَولُ القيامةِ وقُرِىءَ نُكْرٍ بالتخفيفِ ونكر بمَعْنى أنكر
﴿خُشَّعاً أبصارهم﴾ حالٌ من فاعلِ ﴿يُخْرِجُونَ﴾ والتقديمُ لأنَّ العاملَ متصرفٌ أي يخرجونَ ﴿مّنَ الأجداث﴾ أذلةً أبصارُهم من شدةِ الهولِ وقُرِىءَ خاشعاً والإفرادُ والتذكيرُ لأنَّ فاعلَه ظاهرٌ غيرُ حقيقيِّ التأنيثِ وقُرِىءَ خاشعةً على الأصلِ وقُرِىءَ خُشَّعٌ أبصارُهم عَلَى الابتداءِ والخبرِ على أنَّ الجملةَ حالٌ ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ في الكثرةِ والتموج والتفرق في الأقطارِ
﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع﴾ مسرعينَ مادِّي أعناقِهُم إليهِ أو ناظرينَ إليهِ ﴿يَقُولُ الكافرون﴾ استئنافٌ وقع جوابا عما نشأَ من وصفِ اليومِ والأهوال وأهلِه بسوءِ الحالِ كأنَّه قيلَ فماذا يكونُ حينئذٍ فقيلَ يقولُ الكافرونَ ﴿هذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ أي صعبٌ شديدٌ وفي إسنادِ القولِ المذكورِ إلى الكفارِ تلويحٌ بأنَّ المؤمنينَ ليسُوا في تلكَ المرتبةِ من الشدةِ
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ شروعٌ
168
} ٤ ١٠
في تعدادِ بعضِ ما ذكر من الأنباء الموجبةِ للازدجارِ ونوعُ تفصيلٍ لها وبيانٌ لعدمِ تأثرِهم بها تقريراً لفحْوَى قولِه تعالى فَمَا تُغْنِى النذر أي فعلَ التكذيبَ قبلَ تكذيب قومك قوم نوح وقولُه تعالَى ﴿فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا﴾ تفسيرا لذلكَ التكذيبِ المبهمِ كما في قوله تعالى وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ الخ وفيه مزيدة تقريرٍ وتحقيقٍ للتكذيبِ وقيلَ معناهُ كذَّبوه تكذيباً إثرَ تكذيبٍ كلَما خَلاَ منهم قرنٌ مكذبٌ جاءَ عقيبَه قرنٌ آخر مكذبٌ مثلُه وقيلَ كذبتْ قومُ نوحٍ الرسلَ فكذبُوا عبدنَا لأنَّه من جُملتِهم وفي ذِكرِه عليه الصلاة والسلام بعنوان العبوديةِ مع الإضافةِ إلى نونِ العظمةِ تفخيمٌ له عليه الصلاة السلام ورفعٌ لمحلِّه وزيادةُ تشنيعٍ لمكذبيهِ ﴿وَقَالُواْ مَجْنُونٌ﴾ أي لم يقتصرُوا على مجردِ التكذيبِ بل نسبُوه إلى الجنونِ ﴿وازدجر﴾ عطفٌ على قالُوا أي وزُجِرَ عن التبليغِ بأنواعِ الأذيةِ وقيلَ هو من جُملةِ ما قالُوه أي هُو مجنونٌ وقد ازدجرتْهُ الجِنُّ وتخبطتهُ
169
﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى﴾ أي بأَنِّي وقُرِىءَ بالكسرِ على إرادةِ القولِ ﴿مَغْلُوبٌ﴾ أي من جهة قومي مالى قدرةٌ على الانتقامِ منْهم ﴿فانتصر﴾ أي فانتقِمْ لِي منُهم وذلكَ بعد تقررِ يأسِه منُهم بعد اللَّتيا والتي فقد رُويَ أنَّ الواحدَ منْهم كان يلقاهُ فيخنقُه حتَّى يخِرَّ مغشياً عليهِ ويقولَ اللهمَّ اغفرُ لقومِي فإنَّهم لا يعلمونَ
﴿فَفَتَحْنَا أبواب السماء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ﴾ منصبَ وهُو تمثيلٌ لكثرةِ الأمطارِ وشدةِ انصبابِها وقُرِىءَ ففتَّحنا بالتشديدِ لكثرةِ الأبوابِ
﴿وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً﴾ أي جعلنَا الأرض كُلَّها كأنَّها عيون متفجرة وأصله بالتشديد وفجرنَا عيونَ الأرضِ فغُيرَ قضاءً لحقِّ المقامِ ﴿فَالْتَقَى الماء﴾ أي ماءُ السماءِ وماءُ الأرضِ والإفرادُ لتحقيقِ أنَّ التقاءَ الماءينِ لم يكُنْ بطريقِ المجاورةِ والتقاربِ بلْ بطريقِ الاختلاطِ والاتحادِ وقُرِىءَ المَاءانِ لاختلافِ النوعينِ والماوان بقلب الهمزة واو ﴿على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ أي كائناً على حالٍ قد قدَّرَها الله تعالَى من غيرِ تفاوتٍ أو على حالٍ قدرتْ وسويتْ وهو أن قدر ماأنزل على قدرِ ما أُخرجَ أو على أمرٍ قدرَهُ الله تعالَى وهو هلاكُ قومِ نوحٍ بالطُّوفانِ
﴿وَحَمَلْنَاهُ﴾ أي نوحاً عليهِ السَّلام ﴿على ذَاتِ ألواح﴾ أي أخشابٍ عريضةٍ ﴿وَدُسُرٍ﴾ ومساميرَ جمعُ دِسارٍ من الدَّسرِ وهو الدفعُ وهي صفةٌ للسفينةِ أقيمتْ مقامَها من حيثُ إنَّها كالشرح لها تؤدِّي مُؤدَّاها
﴿تجري بأعيننا﴾ بمر أى منَّا أي محفوظةً بحفظِنا
169
} ٩ ١٥
﴿جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ﴾ أي فعلنَا ذلكَ جزاءَ لنوحٍ عليهِ السَّلامُ لأنَّه كانَ نعمةً كفرُوها فإنَّ كلَّ نبيَ نعمةٍ من الله تعالَى على أمتهِ ورحمة وأى نعمة وأى رحمة وقد جوز أن يكون على حذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعلِ إلى الضميرِ واستتارُه في الفعلِ بعد انقلابِه مرفوعاً وقُرِىءَ لَمنْ كَفَرَ أي للكافرينَ
170
﴿وَلَقَدْ تركناها﴾ أي السفينةَ أو الفعلة ﴿آية﴾ يعتبرُ بَها من يقفُ على خَبرِها وقالَ قَتَادةُ أبقاهَا الله تعالَى بأرضِ الجزيرة وقيلَ على الجُودِّي دَهْراً طويلاً حتى نظرَ إليها أوائلُ هذه الأمةِ ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أي معتبرٍ بتلكَ الآيةِ الحقيقةِ بالاعتبارِ وقُرِىءَ مُذْتكرٍ على الأصلِ ومُذَّكرٍ بقلبِ التاءِ ذالاً والإدغام فيَها
﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ استفهام تعظيم وعجيب أى كانا على كفية هائلةٍ لا يحيطُ بَها الوصفُ والنذرُ جمعُ نذيرٍ بمَعْنى الإنذارِ
﴿ولقد يسرنا القرآن﴾ الخ جملةٌ قسميةٌ وردتْ في أواخرِ القصصِ الأربعِ تقريراً لمضمونِ ما سبقَ من قولِه تعالى وَلَقَدْ جَاءهُمْ مّنَ الأنباء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالغة فَمَا تُغْنِى النذر وتنبيهاً على أنَّ كلَّ قصةٍ منها مستقلة بإجاب الإدكارِ كافيةٌ في الازدجارِ ومع ذلكَ لم تقعْ واحدةٌ في حيزِ الاعتبارِ أى وبالله ولقد سهَّلَنا القرآنَ لقومِكَ بأنْ أنزلناهُ على لغتِهم وشحنَّاهُ بأنواعِ المواعظِ والعبرِ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيدِ والوعدِ ﴿لِلذّكْرِ﴾ أي للتذكرِ والاتعاظِ ﴿فهل من مدكر﴾ إنكارا ونفيٌ للمتعظِ على أبلغِ وجهٍ وآكدِه حيثُ يدلُّ على أنَّه لا يقدرُ أحد يجيبَ المستفهَم بنَعَمْ وحَملُ تيسيرِه على تسهيلِ حفظِه بجزالةِ نظمِه وعذوبِة ألفاظِه وعباراتِه مما لا يساعدُه المقامُ
﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾ أي هوداً عليهِ السَّلامُ ولم يتعرضْ ليكفية تكذيبِهم له رَوْماً للاختصارِ ومُسارعةً إلى بيانِ ما فيه الازدجارُ من العذابِ وقولُه تعالَى ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ لتوجيهِ قلوبِ السامعينَ نحوَ الاصغاءِ إلى ما يُلقى إليهم قبلَ ذكرِه لا لتهويلِه وتعظيمِه وتعجيبِهم من حالةِ بعدَ بيانه كما قلبه وما بعدَهُ كأنَّه قيلَ كذبتْ عادٌ فهل سمعتُم أو فاسمعُوا كيفَ كانَ عذابِي وإنذاراتِي لهم وقولُه تعالَى
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ استئنافٌ ببيانِ ما أُجملَ أولاً أيْ أرسلنَا عليهم ريحا باردة أوشديدة الصوتِ ﴿فِى يَوْمِ نَحْسٍ﴾ شؤمٍ ﴿مُّسْتَمِرٌّ﴾ أي شؤمُه أو مستمرٌّ عليهم إلى أنْ أهلكهُم أو شاملٌ لجميعِهم كبيرِهم وصغيرِهم أو مشتد مرارته وكانَ يومَ الأربعاءِ آخرَ الشهرِ
170
} ٦ ٢٠
171
﴿تَنزِعُ الناس﴾ تقلعُهم رُويَ أنَّهم دخلُوا الشعابَ والحفرَ وتمسَّكَ بعضُهم ببعضٍ فنزعتُهم الريحُ وصرعتُهم مَوْتى ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ أي منقلعٍ عن مغارسِه قيل شُبهوا بأعجازِ النخلِ وهيَ أصولُها بلا فروعٍ لأنَّ الريح كانت تقلع رؤسهم فتُبقِي أجساداً وجثثاً بلا رؤس وتذكير صفى النخل للنظرِ إلى اللفظِ كما أنَّ تأنيثَها في قولِه تعالى أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ للنظرِ إِلى المَعْنى وقولُه تعالَى
﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ تهويلٌ لهما وتعجيبٌ من أمرِهما بعد بيانِهما فليسَ فيه شائبةُ تكرارٍ وما قيلَ من أنَّ الأولَ لِما حاقَ بهم في الدُّنيا والثانِي لما يحيقُ بهم في الآخرةِ يردُّه ترتيبُ الثَّانِي على العذابِ الدنيوي
﴿ولقد يسرنا القرآن لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ الكلامُ فيه كالذي مر فيما سبقَ
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر﴾ أي الإنذاراتِ والمواعظِ التي سمعُوها من صالحٍ أو بالرسلِ عليهم السَّلامُ فإنَّ تكذيبَ أحدهم تكذيب لكل لاتفاقِهم على أصولِ الشرائعِ
﴿فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا﴾ أي كائناً من جنسِنا وانتصابُه بفعلِ يفسِّره ما بعدَهُ ﴿واحدا﴾ أى منفردا لاتبع له أو واحداً من آحادِهم لا من أشرافِهم وهو صفةٌ أُخرى لبشراً وتأخيرُه عن الصفةِ المؤولةِ للتنبيهِ على أنَّ كلاً من الجنسيةِ والوحدةِ مما يمنعُ الاتباعَ ولو قُدِّمَ عليَها لفاتتِ هذه النكتةُ وقُرِىءَ أبشرٌ منَّا واحدٌ من على الابتداءِ وقولُه تعالَى ﴿نَّتَّبِعُهُ﴾ خبرُهُ والأولُ أوجهُ للاستفهامِ ﴿إِنَّا إِذاً﴾ أي على تقديرِ اتباعِنا له وهو منفردٌ ونحن أُمَّةٌ جَمَّةٌ ﴿لَفِى ضلال﴾ عن الصوابِ ﴿وَسُعُرٍ﴾ أي جنونٍ فإنَّ ذلكَ بمعزلٍ من مُقتَضى العقلِ وقيلَ كان يقولُ لهم إن لم تتبعونِي كنتُم فِى ضلالٍ عن الحقِّ وسعرٍ أي نيرانٍ جمعُ سعيرٍ فعكسُوا عليهِ عليهِ السَّلامُ لغايةِ عتوهِم فقالُوا إنِ اتبعناكَ كُنَّا إذن كَما تقولُ
﴿أؤلقي الذّكْرُ﴾ أي الكتابُ والوحيُ ﴿عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا﴾ وفينَا من هو أحقُّ منه بذلكَ ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ أي ليسَ الأمرُ كذلكَ بل هو كَذا وكَذا حملَهُ بطرُه على الترفعِ علينا بما ادَّعاهُ وقولُه تعالَى
﴿سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر﴾ حكايةٌ لما قالَهُ تعالَى لصالحٍ عليهِ السَّلامُ وعداله ووعيد لقومِه والسينُ لتقريبِ مضمونِ الجملةِ وتأكيدِه والمرادُ
171
} ٥ ٢٧
بالغدِ وقتُ نزولِ العذابِ أي سيعلمونَ البتةَ عن قريبٍ من الكذابُ الأشرُ الذي حملَهُ أشرُه وبطرُه على الترفعِ أصالحٌ هو أم مَنْ كذبَهُ وقُرِىءَ ستعلمونَ على الالتفاتِ لتشديدِ التوبيخِ أو على حكايةِ ما أجابَهُم به صالحٌ وقُرِىءَ الأشر كقولِهم حذر في حذر وقُرِىءَ الأشرُّ أي الأبلغُ في الشرارةِ وهو أصلٌ مرفوضٌ كالأخيرِ وقيل المراد بالغد ويأباهُ قولُه تعالَى
172
﴿إنا مرسلو الناقة﴾ الخ فإنَّه استئنافٌ مسوق لبيان مبادىء الموعودِ حتْماً أي مخرجُوها من الهضبةِ حسبمَا سألُوا ﴿فِتْنَةً لَّهُمْ﴾ أي امتحاناً ﴿فارتقبهم﴾ أي فانتظرْهُم وتبصرْ ما يصنعونَ ﴿واصطبر﴾ على أذيتِهم
﴿وَنَبّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ مقسومٌ لها يومٌ ولهم يومٌ وبينهُم لتغليبِ العُقَلاءِ ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾ يحضرُه صاحبُه في نوبتِه
﴿فَنَادَوْاْ صاحبهم﴾ هو قُدارُ بن سلف أُحيمرُ ثمودَ ﴿فتعاطى فَعَقَرَ﴾ فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له فأحدث العقرَ بالناقةِ وقيل فتعاطَى الناقةَ فعقرَها أو فتعاطَى السيفَ فقتلَها والتَّعاطِي تناولُ الشيءِ بتكلفٍ
﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ الكلامُ فيه كالذي مر في صدرِ قصةِ عادٍ
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحدة﴾ هي صيحةُ جبريلَ عليهِ السَّلامُ ﴿فَكَانُواْ﴾ أي فصارُوا ﴿كَهَشِيمِ المحتظر﴾ أي كالشجرِ اليابسِ الذي يتخذُه من يعملُ الحظيرةَ لأجلِها أو كالحشيشِ اليابسِ الذي يجمعُه صاحبُ الحظيرةِ لماشيتِه في الشتاءِ وقُرِىءَ بفتحِ الظاءِ أي كهشيمِ الحظيرةِ أو الشجرة المتخذِ لَها
﴿ولقد يسرنا القرآن لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر﴾ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا﴾ أي ريحاً تحصبُهم أي ترميهم بالحصباءِ ﴿إِلاَّ الَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ﴾ في سحرٍ وهو آخرُ الليلِ وقيلَ هو السدسُ الأخيرُ منْهُ أي ملتبسينَ بسحرٍ
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا ﴾ أي ريحاً تحصبُهم أي ترميهم بالحصباءِ ﴿ إِلاَّ آلَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ ﴾ في سحرٍ وهو آخرُ الليلِ وقيلَ : هو السدسُ الأخيرُ منْهُ أي ملتبسينَ بسحرٍ.
﴿نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا﴾
172
أي إنعاماً منَّا وهو علةٌ لنجينا ﴿كذلك﴾ أي مثلَ ذلك الجزاءِ العجيبِ ﴿نَجْزِى مَن شَكَرَ﴾ نعمتنَا بالإيمانِ والطاعةِ
173
﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ﴾ لوطٌ عليهِ السَّلامُ ﴿بَطْشَتَنَا﴾ أي أَخذتَنَا الشديدةَ بالعذابِ ﴿فَتَمَارَوْاْ﴾ فكذَّبوا ﴿بالنذر﴾ متشاكينَ
﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ﴾ قصدُوا الفجورَ بهم ﴿فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾ فمسحنَاها وسوَّيناها كسائرِ الوجه روى أنه لَمَّا دخلُوا دارَهُ عنوةً صفقَهُم جبريلُ عليهِ السَّلامُ صفقةً فتركهُم يترددونَ لا يهتدونَ إلى البابِ حتَّى أخرجُهم لوطٌ عليه السَّلامُ ﴿فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ أي فقلُنَا لهُم ذُوقوا على ألسنةِ الملائكةِ أو ظاهرُ الحالِ والمرادُ به الطمسُ فإنَّه من جملةِ ما أُنذرُوه من العذابِ
﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً﴾ وقُرِىءَ بكرةَ غيرَ مصروفةٍ على أنَّ المرادَ بها أولُ نهار مخصوصة ﴿عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ﴾ لا يفارقُهم حتى يسلموا إلى النارِ وفي وصفِه بالاستقرار إيماءٌ إلى أنَّ ما قبلَهُ من عذابِ الطمسِ ينتهِي إليهِ
﴿فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ حكايةً لما قيل حينئذٍ من جهتِه تعالى تشديداً للعذابِ
﴿ولقد يسرنا القرآن لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ مرَّ ما فيه من الكلام
﴿ولقد جاء آل فِرْعَوْنَ النذر﴾ صُدِّرتْ قصتُهم بالتوكيدِ القسمِي لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بشأنِها لغايةِ عظمِ ما فيَها من الآياتِ وكثرتِها وهولِ ما لاقَوه منَ العذابِ وقوة إيجابِها للاتعاظِ والاكتفاءُ بذكرِ آلِ فرعونَ للعلمِ بأنَّ نفسَه أَوْلى بذلكَ أي وبالله لقد جاءهُم الإنذاراتُ وقولُه تعالى
﴿كذبوا بآياتنا﴾ استئناف مبني على سؤال نشأَ من حكايةِ مجيءِ النذرِ كأنَّه قيلَ فمَاذا فعلُوا حينئذٍ فقيلَ كذَّبُوا بجميع آياتنا وهي الآيت التسعُ ﴿فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ﴾ لا يُغالبُ ﴿مُّقْتَدِرٍ﴾ لا يُعجزه شيءٌ
﴿أكفاركم﴾ يا معشرَ العربِ ﴿خَيْرٌ﴾ قوةً وشدةً وعُدّةً وعدةً أو مكانةً ﴿مّنْ أُوْلَئِكُمْ﴾ الكفارِ المعدودينَ والمَعُنى أنه أصابَهُم مَا أصابَهُم مع ظهورِ خيريتِهم منكُم فيما ذُكِرَ
173
٤٩ ٤٤
من الأمورِ فهلْ تطمعونَ أنْ لا يصيبَكُم مثلُ ذلكَ وأنتُم شرٌّ منهم مكاناً وأسوأُ حالاً وقولُه تعالَى ﴿أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى الزبر﴾ إضرابٌ وانتقالٌ من التبكيتِ بوجهٍ آخرَ أيْ بلْ ألكم براءةٌ وأمنٌ من تبعاتِ ما تَعْمَلُونَ من الكُفر والمعاصِي وغوائلِهما في الكتب السماوية تصرونَ على ما أنتُم عليهِ وقولُه تعالى
174
﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾ إضرابٌ من التبكيتِ والالتفاتُ للإيذانِ باقتضاءِ حالِهم للإعراضِ عنهُم وإسقاطِهم عن رتبةِ الخطابِ وحكايةِ قبائِحهم لغيرِهم أي بلْ أيقولونَ واثقينَ بشوكتِهم نحنُ أولُو حزمٍ ورأيٍ أمرُنا مجتمعٌ لانرام ولا نُضامُ أو منتصرٌ من الأعداءِ لا نُغلبُ أو متناصر ينصر بعضُنا بعضاً والإفرادُ باعتبارِ لفظِ الجميعِ وقولُه تعالَى
﴿سَيُهْزَمُ الجمع﴾ ردٌّ وإبطالٌ لذلكَ والسينُ للتأكيدِ أي يُهزم جمعُهم البتةَ ﴿وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ أي الأدبارَ وقد قُرِىءَ كذلكَ والتوحيدُ لإرادةِ الجنسِ أو إرادةِ أن كلّ واحدٍ منهم يولِّي دبرَه وقد كان كذلكَ يومَ بدرٍ قال سعيدُ بنُ المسيِّب سمعتُ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنُهُ يقولُ لما نزلتْ سَيُهْزَمُ الجمعُ وَيُوَلُّونَ الدبرَ كنتَ لا أدرِي أيَّ جمعٍ يُهزمُ فلمَّا كانَ يومَ بدرٍ رأيتُ رسولَ الله ﷺ يلبَسُ الدرعَ ويقولُ سَيُهْزَمُ الجمعُ وَيُوَلُّونَ الدبرَ فعرفتُ تأويلَها وقُرِىءَ سَيهزمُ الجمعَ أي الله عزَّ وعَلاَ
﴿بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ﴾ أي ليسَ هَذا تمامَ عقوبتِهم بلِ الساعةُ موعدُ أصلِ عذابِهم وهَذا من طلائعِه ﴿والساعة أدهى وَأَمَرُّ﴾ أي في أقصى غايةٍ من الفظاعةِ والمرارةِ والداهيةُ الأمرُ الفظيعُ الذي لا يُهتدَى إلى الخلاصِ عنْهُ وإظهارُ الساعةِ في موقعِ إضمارِها لتربيةِ تهويلها
﴿إِنَّ المجرمين﴾ من الأولينَ والآخرينَ ﴿فِى ضلال وَسُعُرٍ﴾ أي في هلاكٍ ونيرانٍ مسعرةٍ وقيلَ فِى ضلال عن الحقِّ في الدُّنيا ونيرانٍ في الآخرةِ وقولُه تعالَى
﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ﴾ الخ منصوبٌ إمَّا بما يُفهم من قولِه تعالَى في ضلالٍ أي كائنونَ في ضلالٍ وسعرٍ يومَ يجرونَ ﴿فِى النار على وُجُوهِهِمْ﴾ وإما يقول مقدر بعده أي يوم يسحبون يقال لهم ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ أي قاسُوا حرَّها وألمَها وسقرُ علمُ جهنَّم ولذلكَ لم يُصرفْ منْ سقرتْهُ النارُ وصقرتْهُ إذا لوَّحتْهُ والقولُ المقدرُ على الوجهِ الأولِ حالٌ من ضميرِ يسحبونَ
﴿إِنَّا كُلّ شَىْء﴾ من الأشياءِ ﴿خلقناه بِقَدَرٍ﴾ أي ملتبساً بقدرٍ معينٍ اقتضْتُه الحكمةِ التي عليَها يدورُ
174
٥٥ ٥٠
أمرُ التكوينِ أو مقدراً مكتوباً في اللوحِ قبلَ وقوعِه وكلَّ شيءٍ منصوبٌ بفعلِ يفسِّره ما بعدَهُ وقرىء بالرفع على أنه مبتدأٌ وخلقناهُ خبرُهُ
175
﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة﴾ أي كلمةٌ واحدةٌ سريعةُ التكوينِ وهُو قولُه تعالَى كُنْ أو إلا فعلةٌ واحدةٌ هو الإيجادُ بلا معالجةٍ ﴿كَلَمْحٍ بالبصر﴾ في اليُسرِ والسرعةِ وقيلَ معناهُ قولُه تعالَى وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم﴾ أي أشباهَكُم في الكفرِ من الأممِ وقيل أتباعَكُم ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ يتعظُ بذلكَ
﴿وَكُلُّ شَىْء فَعَلُوهُ﴾ من الكفرِ والمعاصِي مكتوبٌ على التفصيلِ ﴿فِى الزبر﴾ أي في ديوانِ الحفظةِ
﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ﴾ من الأعمالِ ﴿مُّسْتَطَرٌ﴾ مسطورٌ في اللوحِ المحفوظِ بتفاصيلِه ولما كانَ بيانُ سوءِ حالِ الكفرةِ بقولِه تعالى إِنَّ المجرمين مِمَّا يستدعِي بيانَ حُسنِ حال المؤمنن ليتكافأَ الترهيبُ والترغيبُ بيّن ما لَهُم من حسنِ الحالِ بطريقِ الإجمالِ فقيلَ
﴿إن المتقين﴾ أي من الكُفر والمَعاصي ﴿فِي جنات﴾ عظيمةِ الشأنِ ﴿وَنَهَرٍ﴾ أي أنهارٍ كذلكَ والإفرادُ للاكتفاءِ باسمِ الجنسِ مراعاةً للفواصلِ وقُرِىءَ نُهْرٍ جمعُ نَهَرٍ كأُسْدٍ وأَسدٍ
﴿فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ في مكانٍ مرضيَ وقُرِىءَ في مقاعدِ صدقٍ ﴿عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ﴾ أي مقربينَ عند مليكٍ لا يُقادَرُ قدرُ ملكِه وسلطانِه فلا شيءَ إلاَّ وهو تحتَ ملكوتِه سُبحانه ما أعظمَ شأنَهُ عن رسول الله صلى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ القمرِ في كلِّ غِبَ بعثَهُ الله تعالى يومَ القيامةِ ووجهُه مثلُ القمر ليلة بدر
175
الرحمن ٥ {
بسم الله الرحمن الرحيم لما عد في السورةِ السابقةِ ما نزلَ بالأممِ السالفةِ من ضروبِ نقمِ الله عزَّ وجلَّ وبيّن عَقيبَ كلِّ ضربٍ منَها أنَّ القرآنَ قدْ يُسِّرِ لحملِ النَّاسِ عَلى التذكرِ والاتعاظِ ونَعَى عليهم إعراضَهُم عن ذلكَ عدَّدَ في هذه السورةِ الكريمةِ ما أفاضَ على كافَّةِ الأنامِ من فنونِ نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية ولآفاقية وأنكرَ عليهم إِثْرَ كلِّ فنٍ منها إخلالَهُم بمواجبِ شُكرِها وبُدىءَ بتعليمِ القُرآنِ فقيل
176
Icon