تفسير سورة الأنعام

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

﴿الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور﴾ وخلق اللَّيل والنَّهار ﴿ثمًّ الذين كفروا﴾ بعد قيام الدَّليل على وحدانيَّته بما ذكر من خلقه ﴿بربهم يعدلون﴾ الحجارةَ والأصنام فيعبدونها معه ٠
﴿هو الذي خلقكم من طين﴾ يعني: آدم أبا البشر ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلا﴾ يعني: أجل الحياة إلى الموت ﴿وأجل مسمى عنده﴾ من الممات إلى البعث ﴿ثم أنتم﴾ أيُّها المشركون بعد هذا ﴿تمترون﴾ تشكُّون وتكذِّبون بالبعث يريد إنَّ الذي ابتدأ الخلق قادرٌ على إعادته
﴿وهو الله﴾ أَي: المعبود المعظَّم المتفرِّد بالتَّدبير ﴿في السماوات وفي الأرض﴾
﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ الدَّالَّة على وحدانيَّته كما ذكر من خلق آدم وخلق اللَّيل والنَّهار ﴿إلاَّ كانوا عنها معرضين﴾ تاركين التًّفكُّر فيها
﴿فقد كذبوا﴾ يعني: مشركي أهل مكة ﴿بالحق لما جاءهم﴾ يعني: القرآن ﴿فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أَيْ: أخبار استهزائهم وجزاؤه
﴿ألم يروا﴾ يعني: هؤلاء الكفَّار ﴿كم أهلكنا من قبلهم من قرن﴾ من جيلٍ وأمَّةٍ ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾ أعطيناهم من المال والعبيد والأنعام ما لم نُعطكم ﴿وأرسلنا السماء﴾ المطر ﴿عليهم مدراراً﴾ كثير الدَّرِّ وهو إقباله ونزوله بكثرة ﴿فأهلكناهم بذنوبهم﴾ بكفرهم ﴿وأنشأنا﴾ أوجدنا ﴿من بعدهم قرناً آخرين﴾ وهذا احتجاجٌ على منكري البعث
﴿ولو نزلنا عليك﴾ قال مشركو مكَّة: لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من السَّماء جملةً واحدة معاينة فقال الله: ﴿ولو نزلنا عليك كتاباً﴾ أَيْ: مكتوباً ﴿في قرطاس﴾ يعني: الصَّحيفة ﴿فلمسوه بأيديهم﴾ فعاينوا ذلك مُعاينةً ومسُّوه بأيديهم ﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أخبر الله تعالى أنَّهم يدفعون الدَّليل حتى لو رأوا الكتاب ينزل من السَّماء لقالوا: سحر
﴿وقالوا: لولا أنزل عليه ملك﴾ طلبوا ملكاً يرونه يشهد له بالرِّسالة فقال الله عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ لأُهلكوا بعذاب الاستئصال كسُنَّة مَنْ قبلهم ممَّن طلبوا الآيات فلم يؤمنوا ﴿ثم لا ينظرون﴾ لا يُمهلون لتوبةٍ ولا لغير ذلك
﴿ولو جعلناه ملكاً﴾ أيْ: ولو جعلنا الرَّسول الذي ينزل عليهم ليشهدوا له بالرِّسالة مَلَكاً كما يطلبون ﴿لجعلناه رجلاً﴾ لأنَّهم لا يستطيعون أن يروا المَلَك في صورته لأنَّ أعين الخلق تحار عن رؤية الملائكة ولذلك كان جبريل عليه السَّلام يأتي رسول الله ﷺ في صورة دحية الكلبيِّ ﴿وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكُّوا فلا يدروا أمَلَكٌ هو أم آدميٌّ أَيْ: فإنَّما طلبوا حال لبسٍ لا حال بيانٍ ثمَّ عزَّى الله نبيَّه عليه السَّلام بقوله:
﴿ولقد استهزئ برسل من قبلك﴾ وكُذِّبوا ونُسبوا إلى السّحر ﴿فحاق﴾ فحلَّ ونزل ﴿بالذين سخروا﴾ من الرُّسل ﴿ما كانوا به يستهزئون﴾ من العذاب وينكرون وقوعه
﴿قل﴾ لهم يا محمد: ﴿سيروا في الأرض﴾ سافروا في الأرض ﴿ثم انظروا﴾ فاعتبروا ﴿كيف كان عاقبة﴾ مُكذِّبي الرُّسل يعني: إذا سافروا رأوا آثار الأمم الخالية المهلكة يحذِّرهم مثلَ ما وقع بهم
﴿قل لمن ما في السماوات والأرض﴾ فإن أجابوك وإلاَّ ﴿قل لله كتب على نفسه الرحمة﴾ أوجب على نفسه الرَّحمة وهذا تلطُّفٌ في الاستدعاء إلى الإنابة ﴿ليجمعنكم﴾ أي: والله ليجمعنكم ﴿إلى يوم القيامة﴾ أَيْ: ليضمنَّكم إلى هذا اليوم الذي أنكرتموه وليجمعنَّ بينكم وبينه ثمَّ ابتدأ فقال: ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ أهلكوها بالشِّرك ﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾
﴿وله ما سكن في الليل والنهار﴾ أَيْ: ما حلَّ فيهما واشتملا عليه يعني: جميع المخلوقات
﴿قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض﴾ خالقهما ابتداءً ﴿وهو يطعم ولا يطعم﴾ يَرزق ولا يرزق
﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يوم عظيم﴾
﴿من يصرف عنه﴾ أَي: العذاب ﴿يومئذ﴾ يوم القيامة ﴿فقد رحمه﴾ فقد أوجب الله له الرَّحمة لا محالة
﴿وإن يمسسك الله بضر﴾ أيْ: إنْ جعل الضُّرَّ وهو المرض والفقر يمسُّك
﴿وهو القاهر﴾ القادر الذي لا يعجزه شيء ﴿فوق عباده﴾ أَيْ: إنَّ قهره قد استعلى عليهم فهم تحت التَّسخير
﴿قل أي شيء أكبر شهادة﴾ قال أهل مكة للنبي ﷺ ائتنا بمَنْ يشهد لك بالنُّبوَّة فإنَّ أهل الكتاب ينكرونك فنزلت هذه الآية أمر الله تعالى محمداً عليه السَّلام أن يسألهم ثمَّ أمر أن يخبرهم فيقول: ﴿اللَّهُ شَهِيدٌ بيني وبينكم﴾ أَي: الله الذي اعترفتم بأنه خالق السماوات والأرض والظُّلمات والنُّور يشهد لي بالنُّبوَّة بإقامة البراهين وإنزال القرآن عليَّ ﴿وأوحي إلي هذا القرآن﴾ المُعجز بلفظه ونظمه وأخباره عمَّا كان ويكون ﴿لأنذركم﴾ لأخوِّفكم ﴿به﴾ عقاب الله على الكفر ﴿ومَنْ بلغ﴾ يعني: ومَنْ بلغه القرآن من بعدكم فكلُّ مَنْ بلغه القرآن فكأنما رأى محمد عليه السَّلام قل ﴿أإنكم لتشهدون أنَّ مع الله آلهة أخرى﴾ استفهام معناه الجحد والإِنكار ﴿قل لا أشهد﴾ الآية
﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ مفسَّرة في سورة البقرة
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أي: لا أحد أظلم ممَّن اختلق على الله كذباً يعني: الذين ذكرهم في قوله: ﴿وإذا فعلوا فاحشة﴾ الآية ﴿أو كذَّب بآياته﴾ بالقرآن وبمحمد عليه السَّلام ﴿إنه لا يفلح الظالمون﴾ لا يسعد مَنْ جحد ربوبيَّة ربِّه وكذَّب رسله وهم الذين ظلموا أنفسهم بإهلاكها بالعذاب
﴿ويوم﴾ واذكر يوم ﴿نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شركاؤكم﴾ أصنامكم وآلهتكم ﴿الذين كنتم تزعمون﴾ أنَّها تشفع لكم وهذا سؤال توبيخ
﴿ثم لم تكن فتنتهم﴾ أَيْ: لم تكن عاقبة افتتانهم بالأوثان وحبِّهم لها ﴿إلاَّ أن﴾ تبرَّؤوا منها فـ ﴿قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾
﴿انظر﴾ يا محمد ﴿كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ بجحد شركهم في الآخرة ﴿وضلَّ﴾ وكيف ضلَّ ذلك: زال وبطل ﴿عنهم ما كانوا يفترون﴾ بعبادته من الأصنام
﴿ومنهم﴾ ومن الكفَّار ﴿من يستمع إليك﴾ إذا قرأت القرآن ﴿وجعلنا على قلوبهم أكنَّة﴾ أغطيةً ﴿أن يفقهوهُ﴾ لئلا يفهموه ولا يعلموا الحقَّ ﴿وفي آذانهم وقراً﴾ ثِقلاً وصمماً فلا يعون منه شيئاً ولا ينتفعون به ﴿وإن يروا كلَّ آية﴾ علامة تدل على صدقك ﴿لا يؤمنوا بها﴾ هذا حالهم في البعد عن الإِيمان ﴿حتى إذا جاؤوك يجادلونك﴾ مخاصمين معك في الدِّين ﴿يقول الذين كفروا﴾ مَنْ كفر منهم: ﴿إن هذا﴾ ما هذا ﴿إلاَّ أساطير الأوَّلين﴾ أحاديث الأمم المتقدمة التي كانوا يسطرونها في كتبهم
﴿وهم ينهون﴾ النَّاس عن اتَّباع محمد ﴿وينأون﴾ ويتباعدون ﴿عنه﴾ فلا يؤمنون به ﴿وإنْ﴾ وما ﴿يهلكون إلاَّ أنفسهم﴾ بتماديهم في معصية الله تعالى ﴿وما يشعرون﴾ وما يعلمون ذلك
﴿ولو ترى﴾ يا محمد ﴿إذ وقفوا على النار﴾ أَيْ: حُبسوا على الصِّراط فوق النَّار ﴿فقالوا يا ليتنا نرد﴾ تمنَّوا أن يردُّوا إلى الدُّنيا فيؤمنوا وهو قوله: ﴿ولا نكذب﴾ أَيْ: ونحن لا نكذِّب ﴿بآيات ربنا﴾ بعد المعاينة ﴿ونكون من المؤمنين﴾ ضمنوا أنْ لا يُكذِّبوا ويؤمنوا فقال الله تعالى:
﴿بل﴾ ليس الأمر على ما تمنَّوا في الردِّ ﴿بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل﴾ وهو أنَّهم أنكروا شركهم فأنطق الله سبحانه جوارحهم حتى شهدت عليهم بالكفر والمعنى: ظهرت فضيحتهم في الآخرة وتهتكت أستارهم ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا﴾ إلى ما نُهوا ﴿عنه﴾ من الشِّرك للقضاء السَّابق فيهم بذلك وأنَّهم خلقوا للشَّقاوة ﴿وإنهم لكاذبون﴾ في قولهم: ﴿وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ ربنا﴾
﴿وقالوا﴾ يعني: الكفار ﴿إن هي إلاَّ حياتنا الدنيا﴾ أنكروا البعث
﴿ولو ترى إذ وقفوا على ربهم﴾ عرفوا ربَّهم ضرورة وقيل: وقفوا على مسألة ربِّهم وتوبيخه إيَّاهم ويؤكِّد هذا قوله: ﴿أليس هذا بالحق﴾ أَيْ: هذا البعث فيقرُّون حين لا ينفعهم ذلك ويقولون: ﴿بلى وربنا﴾ فيقول الله تعالى: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كنتم تكفرون﴾ بكفركم
﴿قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله﴾ بالبعث والمصير إلى الله ﴿حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة﴾ فجأة ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ قصَّرنا وضيَّعنا عمل الآخرة في الدُّنيا ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾ أثقالهم وآثامهم ﴿على ظهورهم﴾ وذلك أنَّ الكافر إذا خرج من قبره استقبله عمله أقبح شيءٍ صورةً وأخبثه ريحاً فيقول: أنا عملك السَّيِّىء طال ما ركبتني في الدُّنيا فأنا أركبك اليوم ﴿ألا ساء ما يزرون﴾ بئس الحمل ما حملوا
﴿وما الحياة الدنيا إلاَّ لعبٌ ولهو﴾ لأنَّها تفنى وتنقضي كاللَّهو واللَّعب تكون لذَّةً فانيةً عن قريبٍ ﴿وللدار الآخرة﴾ الجنَّة ﴿خير للذين يتقون﴾ الشِّرك ﴿أفلا تعقلون﴾ أنَّها كذلك فلا تَفْتُروا في العمل لها ثم عزى نبيه ﷺ على تكذيب قريش إيَّاه فقال:
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ في العلانيَة: إنَّك كذَّابٌ ومُفترٍ ﴿فإنهم لا يكذبونك﴾ في السرِّ قد علموا صدقك ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ بالقرآن بعد المعرفة نزلت في المعاندين الذين تركوا الانقياد للحقِّ كما قال عز وجل: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم﴾ افلآيه
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾ رجاء ثوابي ﴿وأوذوا﴾ حتى نشروا بالمناشير وحرِّقوا بالنَّار ﴿حتى أتاهم نصرنا﴾ معونتنا إيَّاهم بإهلاكِ مَنْ كذَّبهم ﴿وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ لا ناقِضَ لحكمه وقد حكم بنصر الأنبياء في قوله: ﴿كتب الله لأغلبنَّ أنا ورسلي﴾ ﴿وَلَقدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ أَيْ: خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ودَمَّرنا قومهم
﴿وإن كان كبر﴾ عَظُمَ وثَقُل ﴿عليك إعراضهم﴾ عن الإيمان بك وبالقرآن وذلك أن النبي ﷺ كان يحرص على إيمان قومه فكانوا إذا سألوه آيةً أحبًّ أن يريهم ذلك طمعاً في إيمانهم فقال الله عز وجل: ﴿فإن استطعت أن تبتغي﴾ تطلب ﴿نفقاً﴾ سرباً ﴿في الأرض أو سلماً﴾ مصعداً ﴿في السماء فتأتيهم بآية﴾ فافعل ذلك والمعنى: أنَّك بشرٌ لا تقدر على الإِتيان بالآيات فلا سبيل لك إلاَّ الصَّبر حتى يحكم الله ﴿ولو شاء الله لجمعهم على الهدى﴾ أَيْ: إنَّما تركوا الإِيمان لسابق قضائي فيهم لو شئت لاجتمعوا على الإِيمان ﴿فلا تكوننَّ من الجاهلين﴾ بأنّه يؤمن بك بعضهم دون بعض وأنَّهم لا يجتمعون على الهدى وغلَّظ الجواب زجراً لهم عن هذه الحال
﴿إنما يستجيب﴾ أَيْ: يُجيبك إلى الإيمان ﴿الذين يسمعون﴾ وهم المؤمنون الذين يستمعون الذِّكر فيقبلونه وينتفعون به والكافر الذي ختم الله على سمعه كيف يصغى إلى الحقِّ؟ ﴿والموتى﴾ يعني: كفَّار مكة ﴿يبعثهم الله ثمَّ إليه يرجعون﴾ يردُّون فيجازيهم بأعمالهم
﴿وقالوا﴾ يعني: رؤساء قريش ﴿لولا﴾ هلاَّ ﴿نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ يعنون: نزول ملك يشهد له بالنُّبوَّة ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ ما عليهم في ذلك من البلاء وهو ما ذكرنا في قوله: ﴿ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر﴾
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يطير بجناحيه﴾ يعني: جميع الحيوانات لأنها لا تخلوا من هاتين الحالتين ﴿إلاَّ أمم أمثالكم﴾ أصناف مصنَّفة تُعرف بأسمائها فكلُّ جنس من البهائم أُمَّةٌ كالطَّير والظِّباء والذُّباب والأُسود وكلُّ صنفٍ من الحيوان أُمَّةٌ مثل بني آدم يعرفون بالإِنس ﴿ما فرَّطنا في الكتاب من شيء﴾ ما تركنا في الكتاب من شيءٍ بالعباد إليه حاجةٌ إلاَّ وقد بيَّناه إمَّا نصّاً وإمَّا دلالة وإمَّا مجملاً وإمَّا مفصَّلاً كقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ أَيْ: لكلِّ شيء يحتاج إليه من أمر الدِّين ﴿ثم إلى ربهم﴾ أَيْ: هذه الأمم ﴿يحشرون﴾ للحساب والجزاء
﴿والذين كذَّبوا بآياتنا﴾ بما جاء به محمد عليه السَّلام ﴿صمٌّ﴾ عن القرآن لا يسمعونه سماع انتفاع ﴿وبكم﴾ عن القرآن لا ينطقون به ثمَّ أخبر أنَّهم بمشيئته صاروا كذلك فقال: ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صراطٍ مستقيم﴾
﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين بالله ﴿أرأيتكم﴾ معناه: أخبروني ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ يريد: الموت ﴿أَوْ أتتكم الساعة﴾ القيامة ﴿أغير الله تدعون﴾ أَيْ: أتدعون هذه الأصنام والأحجار التي عبدتموها من دون الله ﴿إن كنتم صادقين﴾ جوابٌ لقوله: ﴿أرأيتكم﴾ لأنَّه بمعنى أخبروني كأنَّه قيل: إنْ كنتم صادقين أخبروا مَنْ تدعون عند نزول البلاء بكم
﴿بل﴾ أَيْ: لا تدعون غيره ﴿إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه﴾ أَيْ: يكشف الضُّرَّ الذي من أجله دعوتموه ﴿إِنْ شَاءَ وتنسون﴾ وتتركون ﴿ما تشركون﴾ به من الأصنام فلا تدعونه
﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك﴾ رسلاً فكفروا بهم ﴿فأخذناهم بالبأساء﴾ وهو شدَّة الفقر ﴿والضرَّاء﴾ الأوجاع والأمراض ﴿لعلهم يتضرعون﴾ لكي يتذللَّوا ويتخشعوا
﴿فلولا﴾ فهلاَّ ﴿إذ جاءهم بأسنا﴾ عذابنا ﴿تضرعوا﴾ تذلَّلوا والمعنى: لم يتضرعوا ﴿ولكن قست قلوبهم﴾ فأقاموا على كفرهم ﴿وزيَّن لهم الشيطان﴾ الضَّلالة التي هم عليها فأصروا
﴿فلما نسوا ما ذكروا به﴾ تركوا ما وُعظوا به ﴿فتحنا عليهم أبواب كلِّ شيء﴾ من النِّعمة والسُّرور بعد الضُّرِّ الذي كانوا فيه ﴿حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم﴾ في حال فرحهم ليكون أشدَّ لتحسُّرهم ﴿بغتةً فإذا هم مبلسون﴾ آيسون من كلِّ خير
﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا﴾ أنفسهم أَيْ: غابرهم الذي يتخلَّف في آخر القوم والمعنى: استؤصلوا بالهلاك فلم يبق منهم باقية ﴿والحمد لله رب العالمين﴾ على نصر الرُّسل وإهلاك الظَّالمين
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ أَيْ: أصمكم وأعمالكم ﴿وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ حتى لا تعرفوا شيئاً يعني: أذهب هذه الأعضاء عنكم أصلاً ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ أَيْ: بما أخذ عنكم ﴿انظر كيف نصرف﴾ نبين لهم في القرآن ﴿الآيات ثم هم يصدفون﴾ يعرضون عمَّا ظهر لهم
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أو جهرة﴾ ليلاً أو نهاراً ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظالمون﴾ الذين جعلوا لله شركاء
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يحزنون﴾
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يفسقون﴾
﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ التي منها يرزق ويعطي ﴿ولا أعلم الغيب﴾ فأخبركم بعاقبة ما تصيرون إليه ﴿ولا أقول لكم إني ملك﴾ أشاهد من أمر الله ما لا يشاهده البشر ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ أَيْ: ما أخبركم إلاَّ بما أنزل الله عليَّ ﴿قل هل يستوي الأعمى والبصير﴾ الكافر والمؤمن ﴿أفلا تتفكرون﴾ أَنَّهما لا يستويان
﴿وأنذر به﴾ خوِّف بالقرآن ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ يريد: المؤمنين يخافون يوم القيامة وما فيها من أهوال ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ﴾ يعني: إنَّ الشفاعة إنَّما تكون بإذنه ولا شفيعٌ ولا ناصرٌ لأحدٍ في القيامة إلاَّ بإذن الله ﴿لعلهم يتقون﴾ كي يخافوا في الآخرة وينتهوا عمَّا نهيتهم
﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم﴾ نزلت في فقراء المؤمنين لمَّا قال رؤساء الكفَّار للنبي صلى الله عليه وسلم: نَحِّ هؤلاء عنك لنجالسك ونؤمن بك ومعنى: ﴿يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾ يعبدون الله بالصَّلوات المكتوبة ﴿يريدون وجهه﴾ يطلبون ثواب الله ﴿ما عليك من حسابهم﴾ من رزقهم ﴿من شيء﴾ فَتَمَلُّهم وتطردهم ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ أَيْ: ليس رزقك عليهم ولا رزقهم عليك وإنَّما يرزقك وإياهم الله الرزاق فدعهم يدنوا منك ولا تطردهم ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظالمين﴾ لهم بطردهم
﴿وكذلك فتنا بعضهم ببعض﴾ ابتلينا الغنيّ بالفقير والشَّريف بالوضيع ﴿ليقولوا﴾ يعني: الرُّؤساء ﴿أهؤلاء﴾ الفقراء والضُّعفاء ﴿منَّ الله عليهم من بيننا﴾ أنكروا أن يكونوا سبقوهم بفضيلةٍ أو خصُّوا بنعمةٍ فقال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ أيْ: إنَّما يهدي إلى دينه مَنْ يعلم أنَّه يشكر
﴿وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا﴾ يعني: الصَّحابة وهؤلاء الفقراء ﴿فقل سلام عليكم﴾ سلّم عليهم بتحيَّة المسلمين ﴿كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾ أوجب الله لكم الرَّحمة إيجاباً مُؤكَّداً ﴿أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة﴾ يريد: إن ذنوبكم حهل ليس بكفرٍ ولا جحود لأنَّ العاصي جاهلٌ بمقدار العذاب في معصيته ﴿ثم تاب من بعده﴾ رجع عن ذنبه ﴿وأصلح﴾ عمله ﴿فأنَّه غفور رحيم﴾
﴿وكذلك﴾ وكما بينَّا لك في هذه السُّورة دلائلنا على المشركين ﴿نفصل﴾ نبيِّن لك حجَّتنا وأدلتنا ليظهر الحقُّ ولتعرف يا محمد سبيل المجرمين في شركهم بالله في الدُّنيا وما يصيرون إليه من الخزي يوم القيامة بإخباري إيَّاك
﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ من دون الله﴾ الأصنام التي يعبدونها مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ﴾ أَيْ: إنَّما عبدتموها على طريق الهوى لا على طريق البرهان فلا أتَّبعكم على هواكم ﴿قد ضللت إذاً﴾ إنْ أنا فعلت ذلك ﴿وما أنا من المهتدين﴾ الذين سلكوا سبيل الهدى
﴿قل إني على بينة﴾ يقينٍ وأمرٍ بيِّنٍ ﴿من ربي﴾ لا مُتَّبع لهوىً ﴿وكذبتم به﴾ أَيْ: بربِّي ﴿ما عندي ما تستعجلون به﴾ يعني: العذاب أو الآيات التي اقترحتموها ثمَّ أعلم أنَّ ذلك عنده فقال: ﴿إن الحكم إلاَّ لله يقص الحق﴾ أَيْ: يقول القصص الحقّ ومَنْ قرأ: ﴿يقص الحق﴾ فمعناه: يقضي القضاء الحق ﴿وهو خير الفاصلين﴾ الذين يفصلون بين الحقِّ والباطل
﴿قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ من العذاب لعجلت لكم ولانفصل ما بيني وبينكم بتعجيل العقوبة وهو معنى قوله: ﴿لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ هو أعلم بوقت عقوبتهم فهو يؤخِّرهم إلى وقته وأنا لا أعلم ذلك قوله:
﴿وعنده مفاتح الغيب﴾ خزاءن ما غاب عن بني آدم من الرزق ولامطر ونزول العذاب والثَّواب والعقاب ﴿لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البر﴾ القفار ﴿والبحر﴾ كلُّ قرية فيها ماءٌ لا يحدث فيهما شيء إلاَّ بعلم الله ﴿وما تسقط من ورقة إلاَّ يعلمها﴾ ساقطة وقبل أنْ سقطت ﴿ولا حبة في ظلمات الأرض﴾ في الثرى تحت الأرض ﴿ولا رطب﴾ وهو ما ينبت ﴿ولا يابس﴾ وهو ما لا ينبت ﴿إلاَّ في كتاب مبين﴾ أثبت الله ذلك كلَّه في كتابٍ قبل أن يخلق الخلق
﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل﴾ يقبض أرواحكم في منامكم ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ﴾ ما كسبتم من العمل ﴿بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فيه﴾ يردُّ إليكم أرواحكم في النَّهار ﴿ليقضى أجل مسمى﴾ يعني: أجل الحياة إلى الموت أَيْ: لتستوفوا أعماركم المكتوبة
﴿وهو القاهر فوق عباده﴾ مضى هذا ﴿ويرسل عليكم حفظة﴾ من الملائكة يحصون أعمالكم ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ أعوان ملك الموت ﴿وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ﴾ لا يعجزون ولا يُضيِّعون
﴿ثم ردوا﴾ يعني: العباد يُردُّون بالموت ﴿إلى الله مولاهم الحق أَلا لَهُ الْحُكْمُ﴾ أَي: القضاء فيهم ﴿وَهُوَ أسرع الحاسبين﴾ أقدر المجازين
﴿قل من ينجيكم﴾ سؤال توبيخٍ وتقريرٍ أَيْ: إنَّ الله يفعل ذلك ﴿من ظلمات البر والبحر﴾ أهوالهما وشدائدهما ﴿تدعونه تضرعاً وخفية﴾ علانيَةً وسرَّاً ﴿لئن أنجانا من هذه﴾ أَيْ: من هذه الشَّدائد ﴿لنكوننَّ من الشاكرين﴾ من المؤمنين الطَّائعين وكانت قريش تسافر في البر والبحر فإذا ضلُّوا الطَّريق وخافوا الهلاك دعوا الله مخلصين فأنجاهم وهو قوله:
﴿قل الله ينجيكم منها﴾ الآية أعلم الله سبحانه أنَّ الله الذي دعوه هو ينجِّيهم ثمَّ هم يشركون معه الأصنام التي قد علموا أنَّها من صَنعتهم وأنَّها لا تضرُّ ولا تنفع والكرب أشدُّ الغمِّ ثمَّ أخبر أنَّه قادر على تعذيبهم فقال:
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عذاباً من فوقكم﴾ كالصَّيحة والحجارة والماء ﴿أو من تحت أرجلكم﴾ كالخسف والزَّلزلة ﴿أو يلبسكم شيعاً﴾ يخلطكم فرقاً بأن يبثَّ فيكم الأهواء المختلفة فتخالفون وتقاتلون وهو معنى قوله: ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظر كيف نصرِّف﴾ نُبيِّن لهم ﴿الآيات﴾ في القرآن ﴿لعلهم يفقهون﴾ لكي يعلموا
﴿وكذَّب به﴾ بالقرآن ﴿قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ بمسلَّط أَيْ: إنَّما أدعوكم إلى الله ولم أُومر بحربكم ولا أَخْذكم بالإِيمان وهذا منسوخٌ بآية القتال
﴿لكلِّ نبأ مستقر﴾ لكلِّ خبرٍ يخبره الله وقتٌ ومكانٌ يقع فيه من غير خلف ﴿وسوف تعلمون﴾ ما كان منه في الدنيا فتستعرفونه وما كان منه في الآخرة فسوف يبدو لكم يعني: العذاب الذي كان يعدهم في الدُّنيا والآخرة
﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا﴾ بالتَّكذيب والاستهزاء ﴿فأعرض عنهم﴾ أمر الله تعالى رسوله عليه السَّلام فقال: إذا رأيت المشركين يُكذِّبون بالقرآن وبك ويستهزئون فاترك مجالستهم ﴿حتى يخوضوا في حديث غيره﴾ حتى يكون خوضهم في غير القرآن ﴿وَإِمَّا ينسينَّك الشيطان﴾ إنْ نسيت فقعدت ﴿فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى﴾ فقم إذا ذكرت فقال المسلمون: لئن كنَّا كلَّما استهزأ المشركون بالقرآن وخاضوا فيه قمنا عنهم لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام وأن نطوف بالبيت فرخَّص للمؤمنين في القعود معهن يُذكِّرونهم فقال:
﴿وما على الذين يتقون﴾ الشِّرك والكبائر ﴿من حسابهم﴾ آثامهم ﴿من شيء ولكن ذكرى﴾ يقول: ذكِّروهم بالقرآن وبمحمَّد فرخَّص لهم بالقعود بشرط التَّذكير والموعظة ﴿لعلَّهم يتقون﴾ لِيُرجى منهم التَّقوى
﴿وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً﴾ يعني: الكفَّار الذين إذا سمعوا آيات الله استهزؤوا بها وتلاعبوا عند ذكرها ﴿وذكِّر به﴾ وعِظْ بالقرآن ﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بما كسبت﴾ تُسلم للهلكة وتحبس في جهَّنم فلا تقدر على التَّخلص ومعنى الآية: وذكرِّهم بالقرآن إسلام الجانين بجناياتهم لعلَّهم يخافون فيتَّقون ﴿وإن تعدل كل عدل﴾ يعني: النَّفس المُبسلة تفدِ كلَّ فداء يعني: تفدِ بالدُّنيا وما فيها ﴿لا يؤخذ منها أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا﴾ أُسْلِموا للهلاك ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ وهو الماء الحار
﴿قل أندعوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يضرنا﴾ أنعبد ما لا يملك لنا نفعاً ولا ضرَّاً لأنَّه جماد؟ ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ نردُّ وراءنا إلى الشِّرك بالله فيكون حالنا كحال ﴿كالذي استهوته الشياطين في الأرض﴾ استغوته واستفزَّته الغِيلان في المهانة ﴿حيران﴾ متردِّداً لا يهتدي إلى المحجَّة ﴿له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا﴾ هذا مثَلُ مَنْ ضلَّ بعد الهدى يجيب الشَّيطان الذي يستهويه في المفازة فيصبح في مضلَّة من الأرض يهلك فيها ويعصي مَنْ يدعوه إلى المحجَّة كذلك مَنْ ضلَّ بعد الهدى ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ ردٌّ على مَنْ دعا إلى عبادة الأصنام أَيْ: لا نفعل ذلك لأنَّ هدى الله هو الهدى لا هدى غيره
﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون﴾
﴿وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق﴾ أَيْ: بكمال قدرته وشمول علمه وإتقان صنعه وكلُّ ذلك حقٌّ ﴿ويوم يقول﴾ واذكر يا محمَّد يوم يقول للشَّيء ﴿كن فيكون﴾ يعني: يوم القيامة يقول للخلق انتشروا فينتشرون
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾
﴿وكذلك نري إبراهيم﴾ أَيْ: وكما أرينا إبراهيم استقباح ما كان عليه أبوه من عبادة الأصنام نريه ﴿ملكوت السماوات والأرض﴾ يعني: ملكهما كالشَّمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والبحار أراه الله تعالى هذه الأشياء حتى نظر إليها مُعتبراً مُستدلاًّ بها على خالقها وقوله: ﴿وليكون من الموقنين﴾ عطفٌ على المعنى تقديره: ليستدلَّ بها وليكون من الموقنين
﴿فلما جنَّ﴾ أَيْ: ستر وأظلم ﴿عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ أَيْ: في زعمكم أيُّها القائلون بحكم النَّجم وذلك أنَّهم كانوا أصحاب نجومٍ يرون التدبيرفي الخليقة لها ﴿فلما أفل﴾ أَيْ: غاب ﴿قال لا أحبُّ الآفلين﴾ عرَّفهم جهلهم وخطأهم في تعظيم النُّجوم ودلَّ على أنَّ مَنْ غاب بعد الظُّهور كان حادثاً مُسخَّراً وليس بربٍّ
﴿فلما رأى القمر بازغاً﴾ طالعاً فاحتجَّ عليهم في القمر والشَّمس بمثل ما احتجَّ به عليهم في الكوكب وقوله: ﴿لئن لم يهدني ربي﴾ أَيْ: لئن لم يُثبِّتني على الهدى وقوله للشَّمس:
﴿هذا ربي﴾ ولم يقل هذه لأنَّ لفظ الشَّمس مذكَّرٌ ولأنَّ الشَّمس بمعنى الضياء والنُّور فحمل الكلام على المعنى ﴿هذا أكبر﴾ أَي: من الكوكب والقمر فلمَّا توجَّهت الحجَّة على قومه قال: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾
﴿إني وجهت وجهي﴾ أَيْ: جعلت قصدي بعبادتي وتوحيدي لله عز وجل وباقي الآية مفسَّر فيما مضى
﴿وحاجَّة قومه﴾ جادلوه وخاصموه في تركه آلهتهم وعبادة الله وخوَّفوه أن تصيبه آلهتهم بسوء فقال: ﴿أتحاجوني في الله﴾ أَيْ: في عبادته وتوحيده ﴿وقد هدان﴾ بيَّن لي ما به اهتديت ﴿ولا أخاف ما تشركون به﴾ من الأصنام أن تصيبني بسوء ﴿إلاَّ أن يشاء ربي شيئاً﴾ إني لا أخاف إلاَّ مشيئة الله أن يعذِّبني ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ علمه علماً تاماً ﴿أفلا تتذكرون﴾ تتعظون وتتركون عبادة الأصنام
﴿وكيف أخاف ما أشركتم﴾ يعني: الأصنام أنكر أن يخافها ﴿وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ ينزل به عليكم سلطاناً﴾ ما ليس لكم في إشراكه بالله حجَّةٌ وبرهانٌ ﴿فإيُّ الفريقين أحق بالأمن﴾ بأن يأمن العذاب الموحِّدُ أم المشرك؟
﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم﴾ لم يخلطوا إيمانهم بشركٍ ﴿أولئك لهم الأمن﴾ من العذاب ﴿وهم مهتدون﴾ إلى دين الله
﴿وتلك حجتنا﴾ يعني: ما احتجَّ به عليهم ﴿آتيناها إبراهيم﴾ ألهمنا إبراهيم فأرشدناه إليها ﴿نرفع درجات مَنْ نشاء﴾ مراتبهم بالعلم والفهم ثمَّ ذكر نوحاً ومَنْ هدى من الأنبياء من أولاده إلى قوله:
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلَّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾
﴿وكلاً﴾ أَيْ: من المذكورين هاهنا ﴿فضلنا على العالمين﴾ علمي زمانهم
﴿ومن آبائهم﴾ أَيْ: وهدينا بعض آبائهم ﴿وذرياتهم وإخوانهم﴾ فـ من هاهنا للتبغيض
﴿ذلك هدى الله﴾ دين الله الذي هم عليه ﴿يَهْدِي بِهِ مَنْ يشاء﴾ يريد: يرشد إليه مَنْ يشاء ﴿من عباده ولو أشركوا﴾ عبدوا غيري ﴿لحبط﴾ بطل عملهم
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ يعني: الكتب التي أنزلها عليهم ﴿والحكم﴾ العلم والفقه ﴿فإن يكفر بها﴾ أي: بآياتنا ﴿هؤلاء﴾ أهل مكَّة ﴿فقد وكلنا بها﴾ أَيْ: أرصدنا لها ﴿قوماً﴾ وفَّقناهم لها وهم المهاجرون والأنصار
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ يعني: النَّبيِّين الذين تقدَّم ذكرهم ﴿فبهداهم اقتده﴾ أَي: اصبر كما صبروا فإنَّ قومهم كذَّبوهم فصبروا ﴿قل لا أسألكم عليه﴾ على القرآن وتبليغ الرِّسالة ﴿أجراً﴾ مالاً تعطونيه ﴿إن هو﴾ يعني: القرآن ﴿إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ موعظة للخلق أجمعين
﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ ما عظَّموا الله حقَّ عظمته وما وصفوه حقَّ صفته ﴿إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ من شيء﴾ وذلك أن ليهود أنكروا إنزال الله عزَّ وجل من السَّماء كتاباً إنكاراً للقرآن ﴿قل﴾ لهم يا محمد: ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى﴾ يعني: التَّوراة ﴿تجعلونه قراطيس﴾ مكتوبة وتودعونه إيَّاها ﴿تبدونها﴾ يعني: القراطيس يبدون ما يحبُّون ويكتمون صفة محمَّد ﷺ ﴿وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ﴾ في التَّوراة فضيَّعتموه ولم تنتفعوا به ﴿قل الله﴾ أي: الله أنزله ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ في خوضهم﴾ إفكهم وحديثهم الباطل ﴿يلعبون﴾ يعملون ما لا يُجدي عليهم
﴿وهذا كتاب﴾ يعني: القرآن ﴿أنزلناه مبارك﴾ كثيرٌ خيره دائمٌ نفعه يبشِّر بالثواب ويزجر عن القبيح إلى ما لا يحصى من بركاته ﴿مصدق الذي بين يديه﴾ موافقٌ لما قبله من الكتب ﴿ولتنذر أم القرى﴾ أهل مكة ﴿ومن حولها﴾ يعني: أهل سائر الآفاق ﴿والذين يؤمنون بالآخرة﴾ إيماناً حقيقياً ﴿يؤمنون به﴾ بالقرآن
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ نزلت في مسيلمة والأسود العنسي ادَّعيا النُّبوَّة وأنَّ الله قد أوحى إليهما وهذا معنى قوله: ﴿أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ الله﴾ يعني: المستهزئون الذين قالوا: ﴿لو نشاء لقلنا مثل هذا﴾ ﴿ولو ترى﴾ يا محمد ﴿إذ الظالمون﴾ يعني: الذين ذكرهم ﴿في غمرات الموت﴾ شدائده وأهواله ﴿والملائكة باسطوا أيديهم﴾ إليهم بالضَّرب والتَّعذيب ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ أَيْ: يقولون ذلك ونفس الكافر تخرج بمشقةٍ وكُرهٍ لأنَّها تصير إلى أشدِّ العذاب والملائكة يكرهونهم على نزع الرُّوح ويقولون: ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ كرهاً ﴿اليوم تجزون عذاب الهون﴾ أَي: العذاب الذي يقع به الهوان الشَّديد ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ من أنَّه أوحي إليكم ولم يوح ﴿وكنتم عن آياته تستكبرون﴾ عن الإِيمان بها تتعظَّمون
﴿ولقد جئتمونا فرادى﴾ يقال للكفَّار في الآخرة: جئتمونا فرادى بلا أهل ولا مالٍ ولا شيءٍ قدَّمتموه ﴿كما خلقناكم أول مرة﴾ كما خرجتم من بطون أُمَّهاتكم ﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خوَّلناكم﴾ ملَّكناكم وأعطيناكم من المال والعبيد والمواشي ﴿وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زعمتم أنَّهم فيكم شركاء﴾ وذلك أنَّ المشركين كانوا يعبدون الأصنام على أنَّهم شركاء الله وشفعاؤهم عنده ﴿لقد تقطع بينكم﴾ وصلكم ومودتكم ﴿وضلَّ عنكم﴾ ذهب عنكم ﴿ما كنتم تزعمون﴾ تُكذِّبون في الدُّنيا
﴿إنَّ الله فالق الحبّ﴾ شاقُّة بالنَّبات ﴿والنوى﴾ بالنَّخلة ﴿يخرج الحي من الميت﴾ يخرج النُّطفة بشراً حيّاً ﴿ومُخرج الميت﴾ النُّطفة ﴿من الحيّ﴾ وقيل: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ﴿ذلكم الله﴾ الذي فعل هذه الأشياء التي تشاهدونها ربكم ﴿فأنى تؤفكون﴾ فمن أين تُصرفون عن الحقِّ بعد البيان!
﴿فالق الإِصباح﴾ شاقُّ عمود الصُّبح عن ظلمة اللَّيل وسواده على معنى أنَّه خالقه ومبديه ﴿وجعل الليل سكناً﴾ للخلق يسكنون فيه سكون الرَّاحة ﴿والشمس والقمر حسباناً﴾ وجعل الشَّمس والقمر بحسبانٍ لا يجاوزانه فيما يدوران في حسابٍ ﴿ذلك تقدير العزيز﴾ في ملكه يصنع ما أراد ﴿العليم﴾ بما قدَّر من خلقهما
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لقوم يعلمون﴾
﴿وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة﴾ يعني: آدم ﴿فمستقر﴾ أَيْ: فلكم مستقرٌّ في الأرحام ﴿ومستودع﴾ في الأصلاب
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ يعني: المطر ﴿فأخرجنا به نبات كلٍّ شيء﴾ يَنبت ﴿فأخرجنا﴾ من ذلك النَّبات ﴿خضراً﴾ أخضر كالقمح والشَّعير والذُّرة وما كان رطباً أخضر مما ينبت من الحبوب ﴿نخرج منه﴾ من الخضر ﴿حباً متراكباً﴾ بعضه على بعض في سنبلةٍ واحدةٍ ﴿ومن النخل من طلعها﴾ أوَّل ما يطلع منها ﴿قنوان﴾ يعني: العراجين التي قد تدلَّت من الطَّلع ﴿دانية﴾ ممَّن يجتنيها يعني: قصار النَّخل اللاَّحقة عذوقها بالأرض ﴿وجنات﴾ أَيْ: وأخرجنا بالماء جنَّات ﴿من أعناب والزيتون﴾ وشجر الزَّيتون ﴿والرمان﴾ وشجر الرُّمان ﴿مشتبهاً﴾ في اللون يعني: الرُّماني ﴿وغير متشابه﴾ في الطَّعم أي: مختلفة في الطَّعم وقيل: مُشتبهاً ورقها مُختلفاً ثمرها ﴿انظروا إلى ثمره﴾ نظر الاستدلال والعبرة أوَّل ما يعقد ﴿وينعه﴾ نضجه ﴿إنَّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون﴾ يصدِّقون أنَّ الذي أخرج هذا النَّبات قادرٌ على أن يحيي الموتى
﴿وجعلوا لله شركاء الجن﴾ أطاعوا الشَّياطين في عبادة الأوثان فجعلوهم شركاء لله ﴿وخرقوا له بنين وبنات﴾ افتعلوا ذلك كذباً وكفراً يعني: الذين قالوا: الملائكة بنات الله واليهود والنَّصارى حين دعوا لله ولداً ﴿بغير علم﴾ لم يذكروه عن علمٍ إنَّما ذكروه تكذُّباً وقوله:
﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحبة﴾ أَيْ: مِنْ أين يكون له ولدٌ؟ ولا يكون الولد إلاَّ من صاحبةٍ ولا صاحبة له ﴿وخلق كلَّ شيء﴾ أَيْ: وهو خالق كل شيء
﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء وكيل﴾
﴿لا تدركه الأبصار﴾ في الدُّنيا لأنَّه وعد في القيامة الرُّؤية بقوله: ﴿وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة﴾ الآية والمُطلق يحمل على المقيد وقيل: لا يحيط بكنهه وحقيقته الأبصار وهي تراه فالأبصار ترى الباري ولا تحيط به ﴿وهو يدرك الأبصار﴾ يراها ويحيط بها علماً لا كالمخلوقين الذين لا يدركون حقيقة البصر وما الشَّيء الذي صار به الإِنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما ﴿وهو اللطيف﴾ الرَّفيق بأوليائه ﴿الخبير﴾ بهم
﴿قد جاءكم بصائر من ربكم﴾ يعني: بيِّنات القرآن ﴿فمن أبصر﴾ اهتدى ﴿فلنفسه﴾ عمل ﴿ومن عمي فعليها﴾ فعلى نفسه جنى العذاب ﴿وما أنا عليكم بحفيظ﴾ برقيب على أعمالكم حتى أجازيكم بها
﴿وكذلك﴾ وكما بيَّنا في هذه السُّورة ﴿نصرِّف﴾ نبيِّن ﴿الآيات﴾ في القرآن ندعوهم بها ونخوِّفهم ﴿وليقولوا درست﴾ عطف على المضمر في المعنى والتقدير: نصرِّف الآيات لتلزمهم الحجَّة وليقولوا درست أَيْ: تعلَّمت مِن يسار وجبر واليهود ومعنى درس: قرأ على غيره ومعنى هذه اللام في قوله: ﴿وليقولوا﴾ معنى لم العاقبة أَيْ: نصرِّف الآيات ليكون عاقبة أمرهم تكذيباً للشَّقاوة التي لحقتهم ﴿ولنبينه لقوم يعلمون﴾ يعني: أولياءه الذين هداهم والذين سعدوا بتبيين الحق
﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين﴾
﴿ولو شاء الله ما أشركوا﴾ أَيْ: ولو شاء الله لجعلهم مؤمنين ﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حفيظاً﴾ لم تبعث لتحفظ المشركين من العذاب إنَّما بُعثت مُبَلِّغاً فلا تهتمَّ لشركهم فإنَّ ذلك لمشيئة الله
﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يعني: أصنامهم ومعبوديهم وذلك أنَّ المسلمين كانوا يسبُّون أصنام الكفَّار فنهاهم الله عزَّ وجل عن ذلك لئلا يسبُّوا ﴿الله عدواً بغير علم﴾ أَيْ: ظُلماً بالجهل ﴿كذلك﴾ أَيْ: كما زيَّنا لهؤلاء عبادة الآوثان وطاعة الشَّيطان بالحرمان والخذلان ﴿زينا لكلِّ أمة عملهم﴾ من الخير والشَّرِّ
﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم﴾ اجتهدوا في المبالغة في اليمين ﴿لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آية ليؤمنن بها﴾ وذلك أنَّه لمَّا نزل: ﴿إن نشأ ننزل عليهم﴾ الآية أقسم المشركون بالله لئن جاءنهم آية ليؤمننَّ بها وسأل المسلمون ذلك وعلم الله سبحانه أنَّهم لا يؤمنون فأنزل الله هذه الآية ﴿قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ هو القادر على الإتيان بها ﴿وما يشعركم﴾ وما يدريكم إيمانهم أَيْ: هم لا يؤمنون مع مجيء الآيات إيَّاهم ثمَّ ابتدأ فقال: ﴿إنها إذا جاءت لا يؤمنون﴾ ومَنْ قرأ أنَّها بفتح الألف كانت بمعنى لعلَّها ويجوز أن تجعل لا زائدة مع فتح أنَّ
﴿ونقلب أفئدتهم وأبصارهم﴾ نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية بتقليب قلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي يجب أن تكونَ عليه فلا يؤمنون ﴿كما لم يؤمنوا به﴾ بالقرآن أو بمحمَّدٍ عليه السَّلام ﴿أوَّل مرَّة﴾ أتتهم الآيات مثل انشقاق القمر وغيره ﴿ونذرهم في طغيانهم يعمهون﴾ أخذلهم وأدعهم في ضلالتهم يتمادون
﴿ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة﴾ فرأوهم عياناً ﴿وكلمهم الموتى﴾ فشهدوا لك بالصِّدق والنُّبوَّة ﴿وحشرنا عليهم﴾ وجمعنا عليهم ﴿كلَّ شيء﴾ في الدُّنيا ﴿قُبلاً﴾ و ﴿قِبَلاً﴾ أَيْ: مُعاينةً ومُواجهةً ﴿ما كانوا ليؤمنوا﴾ لما سبق لهم من الشَّقاء ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أن يهديهم ﴿ولكنَّ أكثرهم يجهلون﴾ أنَّهم لو أُوتوا بكلِّ آيةٍ ما آمنوا
﴿وكذلك جعلنا لكلِّ نبيٍّ عدوّاً﴾ كما ابتليناك بهؤلاء القوم كذلك جعلنا لكلِّ نبيٍّ قبلك أعداءً ليعظم ثوابه والعدو هاهنا يُراد به الجمع ثمَّ بيَّن مَنْ هم فقال: ﴿شياطين الإِنس﴾ يعني: مردة الإِنس والشَّيطان: كلُّ متمرِّدٍ عاتٍ من الجنَّ والإِنس ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ يعني: إنَّ شياطين الجنِّ الذين هم من جند إبليس يوحون إلى كفار الإِنس ومردتهم فيغرونهم بالمؤمنين وزخرف القول: باطله الذي زُيِّن ووُشِّي بالكذب والمعنى أنَّهم يُزيِّنون لهم الأعمال القبيحة غروراً ﴿ولو شاء ربك ما فعلوه﴾ لَمَنع الشَّياطين من الوسوسة للإِنس
﴿ولتصغى إليه﴾ ولتميل إلى ذلك الزُّخرف والغرور ﴿أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ قلوب الذين لا يصدِّقون بالبعث ﴿وليرضوه﴾ ليحبُّوه ﴿وليقترفوا﴾ ليعملوا ما هم عاملون
﴿أفغير الله﴾ أَيْ: قل لأهل مكَّة: أفغير الله ﴿أبتغي حكماً﴾ قاضياً بيني وبينكم ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب﴾ القرآن ﴿مفصلاً﴾ مُبَيِّناً فيه أمره ونهيه ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ من اليهود والنَّصارى ﴿يعلمون﴾ أنَّ القرآن ﴿مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تكونن من الممترين﴾ من الشَّاكين أنَّهم يعلمون ذلك
﴿وتمت كلمة ربك﴾ أقضيته وعِداته لأوليائه في أعدائه ﴿صدقاً﴾ فيما وعد ﴿وعدلاً﴾ فيما حكم والمعنى: صادقةً عادلةً ﴿لا مبدل لكلماته﴾ لا مغير لحكمه ولا خلف لوعده ﴿وهو السميع﴾ لتضرُّع أوليائه ولقول أعدائه ﴿العليم﴾ بما في قلوب الفريقين
﴿وإن تطع أكثر من في الأرض﴾ يعني: المشركين ﴿يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ دين الله الذي رضيه لك وذلك أنَّهم جادلوه في أكل الميتة وقالوا: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربُّكم؟ ﴿إن يتبعون إلا الظن﴾ في تحليل الميتة ﴿وإن هم إلاَّ يخرصون﴾ يكذبون في تحليل ما حرَّمه الله
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾
﴿فكلوا مما ذكر اسم الله عليه﴾ أَيْ: ممَّا ذكِّي على اسم الله ﴿إن كنتم بآياته مؤمنين﴾ تأكيدٌ لاستحلال ما أباحه الشَّرع ثمَّ أبلغَ في إباحة ما ذبح على اسم الله بقوله:
﴿وما لكم أنْ لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه﴾ عند الذَّبح ﴿وقد فصَّل﴾ بيَّن ﴿لكم ما حرَّم عليكم﴾ في قوله: ﴿حرمت عليكم الميتة﴾ الآية ﴿إلاَّ ما اضطررتم إليه﴾ دعتكم الضَّرورة إلى أكله ممَّا لا يحلُّ عند الاختيار ﴿وإنَّ كثيراً ليضلون بأهوائهم﴾ أَيْ: الذين يُحلُّون الميتة ويناظرونكم في إحلالها ضلُّوا باتِّباع أهوائهم ﴿بغير علمٍ﴾ إنَّما يتَّبعون فيه الهوى ولا بصيرة عندهم ولا علم ﴿إنَّ ربك هو أعلم بالمعتدين﴾ المتجاوزين الحلال إلى الحرام
﴿وذروا ظاهر الإِثم وباطنه﴾ سرَّه وعلانيته ثمَّ أوعد بالجزاء فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾
﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عليه﴾ ممَّا لم يُذَكَّ ومات ﴿وإنه﴾ وإنَّ أكله ﴿لفسقٌ﴾ خروجٌ عن الحقِّ ﴿وإنَّ الشياطين﴾ يعني: إبليس وجنوده وسوسوا ﴿إلى أوليائهم﴾ من المشركين ليخاصموا محمداً وأصحابه في أكل الميتة ﴿وإن أطعتموهم﴾ في استحلال الميتة ﴿إنكم لمشركون﴾ لأنَّ مَنْ أحلَّ شيئاً ممَّا حرَّمه الله فهو مشركٌ
﴿أَوْ مَنْ كان ميتاً فأحييناه﴾ ضالاًّ كافراً فهديناه ﴿وجعلنا له نوراً﴾ ديناً وإيماناً ﴿يمشي به في الناس﴾ مع المسلمين مُستضيئاً بما قذف الله في قلبه من نور الحكمة والإِيمان ﴿كمَنْ مثله﴾ كمَن هو ﴿في الظلمات﴾ في ظلمات الكفر والضَّلالة ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ ليس بمؤمن أبداً نزلت في أبي جهلٍ وحمزة بن عبد المطلب ﴿كذلك﴾ كما زُيِّن للمؤمنين الإِيمان ﴿زين للكافرين ما كانوا يعملون﴾ من عبادة الأصنام
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ يعني: كما أنَّ فسَّاق مكَّة أكابرها كذلك جعلنا فسَّاق كلِّ قرية أكابرها يعني: رؤساءَها ومترفيها ﴿ليمكروا فيها﴾ بصدِّ النَّاس عن الإِيمان ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ لأنَّ وبال مكرهم يعود عليهم ﴿وما يشعرون﴾ أنَّهم يمكرون بها
﴿وإذا جاءتهم آية﴾ ممَّا أطلع الله عليه نبيَّه عليه السَّلام ممَّا يخبرهم به ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أوتي رسل الله﴾ حتى يوحى إلينا ويأتينا جبريل فنصدِّق به وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ من القوم سأل أن يُخصَّ بالوحي كما قال الله: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صحفا مُنشَّرة﴾ فقال الله سبحانه: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ يعني: أنَّهم ليسوا بأهل لها هو أعلم بمَنْ يختصُّ بالرِّسالة ﴿سيصيب الذين أجرموا صغار﴾ مذلَّةٌ وهوانٌ ﴿عند الله﴾ أَيْ: ثابت لهم عند الله ذلك
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإِسلام﴾ يوسِّعْ قلبه ويفتحه ليقبل الإِسلام ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حرجاً﴾ شديد الضِّيق ﴿كأنما يصَّعد في السماء﴾ إذا كُلَّف الإِيمان لشدَّته وثقله عليه ﴿كذلك﴾ مثل ما قصصنا عليك ﴿يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ﴾ العذاب ﴿على الذين لا يؤمنون﴾
﴿وهذا صراط ربك﴾ هذا الذي أنت عليه يا محمد دين رَبِّكَ ﴿مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ وهم المؤمنون
﴿لهم دار السلام﴾ الجنة ﴿عند ربهم﴾ مضمونةً لهم حتَّى يُدخلهموها ﴿وهو وليهم﴾ يتولَّى إيصال الكرامات إليهم ﴿بما كانوا يعملون﴾ من الطَّاعات
﴿ويوم يحشرهم جميعاً﴾ الجنّ والإِنس فيقال لهم: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ من الإِنس﴾ أَيْ: من إغوائهم وإضلالهم ﴿وقال أولياؤهم﴾ الذين أضلَّهم الجنُّ ﴿مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بعضنا ببعض﴾ يعني: طاعة الإِنس للجنِّ وقبولهم منهم ما كانوا يغرونهم به من الضَّلالة وتزيين الجنِّ للإِنس ما كانوا يهوونه حتى يسهل عليهم فعله ﴿وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا﴾ يعني: الموت والظَّاهر أنَّه البعث والحشر ﴿قال النار مثواكم﴾ فيها مقامكم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ الله﴾ مَنْ شاء الله وهم مَنْ سبق في علم الله أنَّهم يُسلمون ﴿إنَّ ربك حكيم﴾ حكم للذين استثنى بالتَّوبة والتَّصديق ﴿عليم﴾ علم ما في قلوبهم من البرِّ
﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً﴾ كما خذلنا عُصاة الجنِّ والإنس نَكِلُ بعض الظَّالمين إلى بعض حتى يضلَّ بعضهم بعضاً
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ منكم﴾ الرُّسل كانت من الإنس والذين بلَّغوا الجنَّ منهم عن الرُّسل كانوا من الجنِّ وهم النُّذر كالذين استمعوا القرآن من محمد ﷺ من الجنِّ فأبلغوه قومهم
﴿ذلك﴾ الذي قصصنا عليك من أمر الرُّسل لأنَّه ﴿لم يكن ربك مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ أَيْ: بذنوبهم ومعاصيهم من قبل أن يأتيهم الرَّسول فينهاهم وهو معنى قوله: ﴿وأهلها غافلون﴾ أَيْ: لكلِّ عاملٍ بطاعة الله درجات في الثَّواب ثمَّ أوعد المشركين فقال: ﴿وما ربك بغافل عما يعملون﴾
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عما يعملون﴾
﴿وربك الغني﴾ عن عبادة خلقه ﴿ذو الرحمة﴾ بخلقه فلا يعجل عليهم بالعقوبة ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ يعني: أهل مكَّة ﴿ويستخلف من بعدكم﴾ وينشئ من بعدكم خلقاَ آخر ﴿كما أنشأكم﴾ خلقكم ابتداءً ﴿مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ يعني: آباءهم الماضين
﴿إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين﴾
﴿قل يا قوم اعملوا على مكانتكم﴾ على حالاتكم التي أنتم عليها ﴿إني عامل﴾ على مكانتي وهذا أمرُ تهديدٍ يقول: اعملوا ما أنتم عاملون إنِّي عاملٌ ما أنا عَامِلٌ ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدار﴾ أيُّنا تكون له الجنَّة ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ لا يسعد مَنْ كفر بالله وأشرك بالله
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ﴾ كان المشركون يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم ﴿نصيباً﴾ وللأوثان نصيباً فما كان للصَّنم أُنْفِقَ عليه وما كان لله أُطعم الضِّيفان والمساكين فما سقط ممَّا جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه وقالوا: إنَّ الله غنيٌّ عن هذا وإن سقط ممَّا جعلوه للأوثان من نصيب الله التقطوه وردُّوه إلى نصيب الصَّنم وقالوا: إنَّه فقير فذلك قوله: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شركائهم﴾ ثمَّ ذمَّ فعلهم فقال: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أَيْ: ساء الحكم حكمهم حيث صرفوا ما جعلوه لله على جهة التَّبرُّز إلى الأوثان
﴿وكذلك﴾ ومثل ذلك الفعل القبيح ﴿زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المشركين قتل أولادهم شركاؤهم﴾ يعني: الشَّياطين أمروهم بأن يئدوا أولادهم خشية العَيْلَة ﴿ليردوهم﴾ ليهلكوهم في النَّار ﴿وليلبسوا عليهم دينهم﴾ ليخلطوا ويُدخلوا عليهم الشَّكَّ في دينهم ثمَّ أخبر أنَّ جميع ما فعلوه كان بمشيئته فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فعلوه فذرهم وما يفترون﴾ من أنَّ لله شريكاً
﴿وقالوا هذه أنعام وحرث حجر﴾ حرَّموا أنعاماً وحرثاً وجعلوها لأصنامهم فقالوا: ﴿لا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نَشَاءُ بزعمهم﴾ أعلم الله سبحانه أنَّ هذا التَّحريم كذبٌ من جهتهم ﴿وأنعام حرّمت ظهورها﴾ كالسَّائبة والبحيرة والحامي ﴿وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ يقتلونها لآلتهم خنقاً أو وقذاً ﴿افتراءً عليه﴾ أَيْ: يفعلون ذلك للافتراء على الله وهو أنَّهم زعموا أنَّ الله أمرهم بذلك
﴿وقالوا ما في بطون هذه الأنعام﴾ يعني: أجِنَّة ما حرَّموها من البحائر والسَّوائب ﴿خالصةٌ لذكورنا﴾ حلالٌ للرِّجال خاصَّة دون النِّساء هذا إذا خرجت الأجنَّة أحياء وإن كان ميتةً اشترك فيها الرِّجال والنِّساء ﴿سيجزيهم وصفهم﴾ سيجزيهم الله جزاء وصفهم الذي هو كذبٌ أَيْ: سيعذِّبهم الله بما وصفوه من التَّحليل والتَّحريم الذي كلُّه كذبٌ ﴿إنه حكيم عليم﴾ أَيْ: هو أعلم وأحكم من أن يفعل ما يقولون
﴿قد خسر الذين قتلوا أولادهم﴾ بالوأد ﴿سفهاً﴾ للسَّفه ﴿وحرَّموا ما رزقهم الله﴾ من الأنعام يعني: البحيرة وما ذُكر معها
﴿وهو الذي أنشأ﴾ أبدع وخلق ﴿جنات معروشات﴾ يعني: الكرم ﴿وغير معروشات﴾ ما قام على ساق ولم يُعرش له كالنَّخل والشَّجر ﴿والنخل والزرع مختلفاً أكله﴾ أُكُلُ كلِّ واحدٍ منهما وكلِّ نوعٍ من الثَّمر له طعمٌ غير طعم النَّوع الآخر وكلُّ حبٍّ من حبوب الزَِّرع له طعمٌ غير طعم الآخر ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ أمر إباحة ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يعني: العشر ونصف العشر ﴿ولا تسرفوا﴾ فتعطوا كلَّه حتى لا يبقى لعيالكم شيء ﴿إنه لا يحب المسرفين﴾ يعني: المجاوزين أمر الله
﴿ومن الأنعام﴾ وأنشأ من الأنعام ﴿حمولة﴾ وهي كلُّ ما حمل عليها ممَّا أطاق العمل والحمل ﴿وفرشاً﴾ وهو الصِّغار التي لا يحمل عليها كالغنم والبقر والإِبل الصِّغار ﴿كلوا مما رزقكم الله﴾ أَيْ: أحلَّ لكم ذبحه ﴿ولا تتبعوا خطوات الشيطان﴾ في تحريم شيءٍ ممَّا أحله الله ﴿إنه لكم عدو مبين﴾ بيِّنُ العداوة أخرج أباكم من الجنَّة وقال: لأحتنكنَّ ذريته ثمَّ فسر الحمولة والفرش فقال:
﴿ثمانية أزواج﴾ الذَّكر زوجٌ والأنثى زوجٌ وهي الضَّأن والمعز وقد ذُكرا في هذه الآية والإِبل والبقر ذُكرا فيما بعد وجعلها ثمانيةً لأنَّه أراد الذَّكر والأُنثى من كلِّ صنفٍ وهو قوله: ﴿من الضَّأن اثنين ومن المعز اثنين﴾ والضَّأن: ذوات الصُّوف من المعز والغنم: ذوات الشَّعر ﴿قل﴾ يا محمد للمشركين الذين يُحرِّمون على أنفسهم ما حرَّموا من النَّعم: ﴿آلذكرين﴾ من الضَّأن والمعز ﴿حرَّم﴾ الله عليكم ﴿أم الأُنثيين﴾ فإن كان حرَّم من الغنم ذكورها فكلُّ ذكورها حرام وإن كان حرَّم الأنثيين فكلُّ الإِناث حرام ﴿أمَّا اشتملت عليه أرحام الأُنثيين﴾ وإن كان حرَّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضَّأْنِ والمعز فقد حرَّم الأولاد كلَّها وكلُّها أولادٌ فكلُّها حرام ﴿نبئُوني بعلم﴾ أَيْ: فسِّروا ما حرَّمتم بعلمٍ إن كان لكم علمٌ في تحريمه وهو قوله: ﴿إن كنتم صادقين﴾
﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾ هل شاهدتم الله قد حرَّم هذا إذْ كنتم لا تؤمنون برسول الله؟ ! فلمَّا لزمتهم الحجَّة بيَّن الله تعالى أنَّهم فعلوا ذلك كذباً على الله فقال: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ليضلَّ الناس بغير علم﴾ الآية يعني: عمرو بن لحي وهو الذي غيَّر دين إسماعيل وسنَّ هذا التَّحريم ثمَّ ذكر المحرَّمات بوحي الله فقال:
﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ ميتة أو دماً مسفوحاً﴾ يعني: سائلاً ﴿أو فسقاً أهلَّ لغير الله به﴾ يعني: ما ذًبح على النُّصب
﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ يعني: الإِبل والنَّعامة ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلاَّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا﴾ وهي المباعر ﴿أو ما اختلط بعظم﴾ فإنِّي لم أحرّمه يعني: ما تعلَّق من الشَّحم بهذه الأشياء ﴿ذلك﴾ التَّحريم ﴿جزيناهم ببغيهم﴾ عاقبناهم بذنوبهم ﴿وإنا لصادقون﴾ في الإِخبار عن التَّحريم وعن بغيهم فلمَّا ذكر لهم رسول الله ﷺ ما حُرِّم على المسلمين وما حرِّم على اليهود قالوا له: ما أصبت وكذَّبوه فأنزل الله تعالى:
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ ولذلك لا يعجل عليكم بالعقوبة ﴿وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ﴾ عذابه إذا جاء الوقت ﴿عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ يعني: الذين كذَّبوك بما تقول
﴿سيقول الذين أشركوا﴾ إذا لزمتهم الحجة وتيقَّنوا باطل ما هم عليه: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا ولا حرَّمنا من شيء كذلك كذَّب﴾ جعلوا قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ حجَّةً لهم على إقامتهم على الشِّرك وقالوا إنَّ الله رضي منَّا ما نحن عليه وأراده منَّا وأمرنا به ولو لم يرضه لحال بيننا وبينه ولا حجة لهم في هذا لأنَّهم تركوا أمر الله وتعلَّقوا بمشيئته وأمرُ الله بمعزلٍ عن إرادته لأنَّه مريدٌ لجميع الكائنات غير آمرٍ بجميع ما يريد فعلى العبد أن يحفظ الأمر ويتَّبعه وليس له أن يتعلَّق بالمشيئة بعد ورود الأمر فقال الله تعالى: ﴿كذلك كذب الذين من قبلهم﴾ أَيْ: كما كذَّبك هؤلاء كذَّب كفَّار الأمم الخالية أنبياءهم ولم يتعرَّض لقولهم: ﴿لو شاء الله﴾ بشيءٍ ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ من كتابٍ نزل في تحريم ما حرَّمتم ﴿إن تتبعون إلاَّ الظن﴾ ما تتَّبعون فيما أنتم عليه إلاَّ الظَّنَّ لا العلم واليقين ﴿وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ﴾ وما أنتم إلاَّ كاذبين
﴿قل فللَّه الحجة البالغة﴾ بالكتاب والرَّسول والبيان ﴿فَلَوْ شَاءَ لهداكم أجمعين﴾ إخبار عن تعلُّق مشيئة الله تعالى بكفرهم وأنَّ ذلك حصل بمشيئته إذ لو شاء الله لهداهم
﴿قل هلم شهداءكم﴾ أَيْ: هاتوا شهداءكم وقرِّبوهم وباقي الآية ظاهر
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ أَقرأ عليكم الذي حرَّمه الله ثم ذكر فقال: ﴿أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً﴾ وأوصيكم بالوالدين إحساناً ﴿ولا تقتلوا أولادكم﴾ من أولادكم من مخافة الفقر ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بطن﴾ يعني: سر الزِّنا وعلانيته ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بالحق﴾ يريد القصاص
﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾ وهو أن يصلح ماله ويقوم فيه بما يثمره ثمَّ يأكل بالمعروف إن احتاج إليه ﴿حتى يبلغ أشده﴾ أَي: احفظوه عليه حتى يحتلم ﴿وأوفوا الكيل﴾ أتِمُّوه من غير نقصٍ ﴿والميزان﴾ أَيْ: وزن الميزان ﴿بالقسط﴾ بالعدل لا بخسٍ ولا شططٍ ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ إلاَّ ما يسعها ولا تضيق عنه وهو أنَّه لو كلَّف المعطي الزِّيادة لضاقت نفسه عنه وكذلك لو كلَّف الآخذ أن يأخذ بالنُّقصان ﴿وإذا قلتم فاعدلوا﴾ إذا شهدتم أو تكلَّمتم فقولوا الحقَّ ﴿وَلَوْ﴾ كان المشهود له أو عليه ﴿ذا قربى﴾
﴿وأنًّ هذا﴾ ولأنَّ هذا ﴿صراطي مستقيماً﴾ يريد: ديني دين الحنفية أقومُ الأديان ﴿فاتبعوه ولا تتبعوا السبل﴾ اليهوديَّة والنصرانيَّة والمجوسية وعبادة الأوثان ﴿فتفرَّق بكم عن سبيله﴾ فتضلَّ بكم عن دينه ﴿ذلكم﴾ الذي ذكر ﴿وصَّاكم﴾ أمركم به في الكتاب ﴿لعلكم تتقون﴾ كي تتقوا السُّبل
﴿ثم آتينا﴾ أَيْ: ثمَّ أُخبركم أنَّا آتَيْنَا ﴿مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ أَيْ: على الذي أحسنه موسى من العلم والحكمة وكتب الله المتقدِّمة أَيْ: علمه ومعنى: ﴿تماماً﴾ على ذلك أَيْ: زيادة عليه حتى تمَّ له العلم بما آتيناه ﴿وتفصيلاً﴾ أَيْ: آتيناه للتَّمام والتفصيل وهو البيان ﴿لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون﴾ لكي يُؤمنوا بالبعث ويُصدِّقوا بالثَّواب والعقاب
﴿وهذا كتاب﴾ يعني: القرآن ﴿أنزلناه مبارك﴾ مضى تفسيره في هذه السُّورة
﴿أن تقولوا﴾ لئلا تَقُولُوا: ﴿إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا﴾ يعني: اليهود والنَّصارى ﴿وَإِنْ كُنَّا عَنْ دراستهم لغافلين﴾ وما كنَّا إلاَّ غافلين عن تلاوة كتبهم والخطابُ لأهل مكَّة والمرادُ: إثبات الحجَّة عليهم بإنزال القرآن على محمَّد عليه السَّلام كيلا يقولوا يوم القيامة: إنَّ التَّوراة والإِنجيل أُنزلا على طائفتين من قبلنا وكنَّا غافلين عمَّا فيهما وقوله:
﴿وصدف عنها﴾ أَيْ: أعرض
﴿هل ينظرون﴾ إذا كذَّبوك ﴿إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ عند الموت لقبض أرواحهم وذكرنا معنى ﴿ينظرون﴾ في سورة البقرة ﴿أو يأتي ربك﴾ أَيْ: أمره فيهم بالقتل ﴿أو يأتي بعض آيات ربك﴾ يعني: طلوع الشَّمس من مغربها والمعنى: إن هؤلاء الذي كذَّبوك إمَّا أن يموتوا فيقعوا في العذاب أو يؤمر فيهم بالسَّيف أو يمهلون قدر مدَّة الدُّنيا فيتوالدون ويتنعَّمون فيها فإذا ظهرت أمارات القيامة ﴿لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ قدَّمت طاعةً وهي مؤمنةٌ ﴿قل انتظروا﴾ أحد هذه الأشياء ﴿إنا منتظرون﴾ بكم أحدها
﴿إن الذين فرقوا دينهم﴾ يعني: اليهود والنَّصارى أخذوا ببعض ما أُمروا وتركوا بعضه كقوله إخباراً عنهم: ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض﴾ ﴿وكانوا شيعاً﴾ أحزاباً مختلفة بعضهم يُكفِّر بعضاً ﴿لست منهم في شيء﴾ يقول: لم تؤمر بقتالهم فلمَّا أُمر بقتالهم نُسخ هذا
﴿من جاء بالحسنة﴾ من عمل من المؤمنين حسنةً ﴿فله عشر أمثالها﴾ كتبت له عشر حسناتٍ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ الخطيئة ﴿فلا يجزى إلاَّ مثلها﴾ أَيْ: جزاءً مثلها لا يكون أكثر منها ﴿وهم لا يظلمون﴾ لا ينقص ثواب أعمالهم
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ديناً﴾ أَيْ: عرَّفني ديناً ﴿قيماً﴾ مستقيماً
﴿قل إنَّ صلاتي ونسكي﴾ عبادتي من حجِّي وقرباني ﴿ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾ أَيْ: هو يحييني وهو يميتني وأنا أتوجَّه بصلاتي وسائر المناسك إلى الله لا إلى غيره وقوله:
﴿وبذلك أمرت﴾ بذلك أوحي إليَّ ﴿وأنا أول المسلمين﴾ من هذه الأمة
﴿قل أغير الله أبغي رباً﴾ سيِّداً وإلهاً ﴿وهو ربُّ كلِّ شيء﴾ مالكه وسيِّده ﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا﴾ لا تجني نفسٌ ذنباً إلاَّ أُخذت به ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ يعني: الوليد بن المغيرة كان يقول: اتَّبعوا سبيلي أحمل أوزاركم فأنزل الله: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ لا يحمل أحدٌ جناية غيره حتى لا يُؤَاخذ بها الجاني
﴿وهو الذي جعلكم﴾ يا أُمَّةَ محمَّدٍ ﴿خلائف﴾ الأمم الماضية في ﴿الأرض﴾ بأنْ أهلكهم وأورثكم الأرض بعدهم ﴿ورفع بعضكم فوق بعض درجات﴾ بالغنى والرِّزق ﴿ليبلوكم في ما آتاكم﴾ ليختبركم فيما رزقكم ﴿إنَّ ربك سريع العقاب﴾ لأعدائه ﴿وإنه لغفور﴾ لأوليائه ﴿رحيم﴾ بهم
Icon