تفسير سورة سورة المعارج من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة المعارج مكية
وهي أربع وأربعون آية وفيها ركوعان
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ سأل سائل ﴾ أي : دعا داع،
﴿ بعذاب واقع ﴾ : البتة،
﴿ للكافرين ﴾، وهو نضر بن الحارث قال : إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فالباء لتضمين معنى دعا بمعنى استدعى، وقيل : لتضمين معنى استعجل، وعن الحسن، وقتادة لما خوفهم الله تعالى العذاب قال بعضهم : سلوا عن العذاب على من يقع ؟ فنزلت، فعلى هذا الباء لتضمين معنى اهتم، أو الباء بمعنى عن، كما قيل في :﴿ فاسأل به خبيرا ﴾ ( الفرقان : ٥٩ ) ويكون للكافرين خبر محذوف جوابا للسائل، أي : هو للكافرين، ﴿ ليس له دافع ﴾ : يرده صفة أخرى لعذاب على الوجه الأول، وجملة مؤكدة للكافرين على الثاني،
﴿ من الله ﴾ أي : دافع من جهته، لأنه قدره، وقيل تقديره هو من الله، ﴿ ذي المعارج ﴾ : ذي السماوات، فإن الملائكة تعرج فيها أو ذي الدرجات أو ذي الفواضل،
﴿ تعرج الملائكة والروح ﴾ : جبريل، أو خلق أعظم من الملك يشبهون الناس، وليسوا ناسا، وعن بعض المفسرين : المراد أرواح المؤمنين، فقد ورد أنها يصعد من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السابعة، ﴿ إليه ﴾ : إلى محل قربته، ﴿ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ﴾ : من سني الدنيا لو صعد غير الملك، وذلك لأن غلظ كل أرض خمسمائة، وبين كل أرض إلى أرض كذلك، وكذا السماء، فيكون إلى محدب سماء السابعة أربعة عشر ألفا عام، وبينها إلى العرش ستة وثلاثون، فيكون خمسين ألف سنة، هكذا نقل عن ابن عباس- رضي الله عنهما، أو المراد يوم القيامة أي : تعرج الملك والروح للعرض والحساب في يوم كذا جعله الله على الكافرين خمسين ألف سنة، ويخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا، وفي الأحاديث الصحاح " إن طول يوم القيامة خمسون ألف سنة " وقيل في يوم متعلق بواقع، وعن بعض المراد مدة الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة، وعن بعض اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة خمسون ألف سنة
﴿ فاصبر صبرا جميلا ﴾، على التكذيب، والاستهزاء، وذلك قبل آية القتال،
﴿ إنهم يرونه ﴾ : العذاب، أو يوم القيامة، ﴿ بعيدا ﴾ : من الإمكان،
﴿ ونراه قريبا ﴾ : من الوقوع،
﴿ يوم تكون السماء ﴾، ظرف لمقدر مثل يقع لدلالة المقام، أو لقريبا، أو بدل عن " في يوم " على ثاني وجوهه ﴿ كالمهل ﴾ : كدردى الزيت، وقيل : كالفلز المذاب،
﴿ وتكون الجبال كالعهن ﴾ : كالصوف المندوف،
﴿ ولا يسأل حميم حميما ﴾ : قريب عن قريبه للشدة،
﴿ ويبصرنهم ﴾، التبصير التعريف، والإيضاح أي : يبصر الأحماء الأحماء، ومع ذلك لا يسأل عنه لاشتغالهم بحال أنفسهم استئناف، أو حال وذو الحال في معنى المعرف بالاستغراق، أو صفة لحميما، ولما كان الحميم عاما جمع الضميرين، ﴿ يود المجرم لو يفتدي ﴾ " لو " بمعنى أن، ﴿ من عذاب يومئذ ببنيه ﴾
﴿ وصاحبته وأخيه ﴾ أي : هو بحيث يتمنى الافتداء بأقرب الناس فضلا عن أن يهتم بحاله، ويسأل عنه،
﴿ وفصيلته ﴾ : عشيرته، ﴿ التي تئويه ﴾ : تضمه في النسب، أو في الشدائد، أو المراد من الفصيلة الأم،
﴿ ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ﴾ أي : يود لو يفتدي، ثم لو ينجيه الافتداء، وهيهات أن ينجيه، فثم للاستبعاد،
﴿ كلا ﴾، ردع للمجرم عن الودادة، ﴿ إنها ﴾ أي : النار، أو ضمير مبهم يفسره ما بعده، ﴿ لظي ﴾ : لهب، أو هو علم للنار،
﴿ نزاعة للشوى ﴾ الشوى : الأطراف، أو جمع شواة، وهي جلدة الرأس، أو لحم الساقين، أو محاسن الوجه، وأم الرأس، أو اللحم والجلد، أو الجوارح ما لم يكن مقتلا،
﴿ تدعوا ﴾ : النار إلى نفسها بأسمائهم، ﴿ من أدبر ﴾ : عن الحق، ﴿ وتولى ﴾ : عن الطاعة،
﴿ وجمع ﴾ : المال، ﴿ فأوعى ﴾ : فأمسكه في وعائه، ولم يصرفه في الخير،
﴿ إن الإنسان ﴾، التعريف للاستغراق، ﴿ خلق هلوعا ﴾ : شديد الحرص قليل الصبر. ﴿ إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ﴾ : لم ينفق أصلا، والأحوال الثلاثة مقدرة، أو محققة، لأنه مجبول طبيعته على الجزع، والبخل عند الفقر، والمال.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ إن الإنسان ﴾، التعريف للاستغراق، ﴿ خلق هلوعا ﴾ : شديد الحرص قليل الصبر. ﴿ إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ﴾ : لم ينفق أصلا، والأحوال الثلاثة مقدرة، أو محققة، لأنه مجبول طبيعته على الجزع، والبخل عند الفقر، والمال.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ إن الإنسان ﴾، التعريف للاستغراق، ﴿ خلق هلوعا ﴾ : شديد الحرص قليل الصبر. ﴿ إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ﴾ : لم ينفق أصلا، والأحوال الثلاثة مقدرة، أو محققة، لأنه مجبول طبيعته على الجزع، والبخل عند الفقر، والمال.
﴿ إلا المصلين ﴾ : إلا من قدر الله أنه من أهل التوحيد، والطاعة، فإنه ما خلقه كذلك،
﴿ الذين هم على صلاتهم دائمون ﴾ : لا يتركون فريضة،
﴿ والذين في أموالهم حق معلوم ﴾، كالزكاة وغيرها،
﴿ للسائل والمحروم ﴾، مر تفسيره في سورة " والذاريات "
﴿ والذين يصدقون بيوم الدين ﴾ : بيوم الجزاء، فلا يعملون السيئات، ولو عملوا نادرا يتوبون عن قريب خوفا عن الجزاء،
﴿ والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ﴾ : خائفون،
﴿ إن عذاب ربهم غير مأمون ﴾، معترضة تدل على أن ليس لعاقل الأمن من عذاب الله،
﴿ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ﴾، سبق في سورة " قد أفلح المؤمنون "
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:﴿ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ﴾، سبق في سورة " قد أفلح المؤمنون "
﴿ والذين هم بأمانتهم وعهدهم راعون ﴾ : لا يخونون، ولا يغدرون،
﴿ والذين هم بشهادتهم قائمون ﴾ : محافظون عليها لا يكتمون، ولا يزيدون، ولا ينقصون،
﴿ والذين هم على صلاتهم يحافظون ﴾ : على أركانها، وواجباتها، ومستحباتها افتتح في وصفهم بذكر الصلاة، واختتم بها كما في سورة المؤمنين لشرفها، وكمال الاعتناء بها،
﴿ أولئك في جنات مكرمون ﴾ : عند الله.
﴿ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ﴾ : مسرعين حولك مادي أعناقهم إليك،
﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ﴾ : فرقا شتى، جمع عزة نزلت فيمن يجتمع حوله- عليه السلام- يستمعونه، ويستهزئون به، وعن اليمين إما متعلق بعزين، أو هو أيضا حال، أو بمهطعين،
﴿ أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ﴾، كانوا يقولون : لو كانت جنة، فلندخلنها قبلهم،
﴿ كلا ﴾، ردع عن هذا الطمع، ﴿ إنا خلقناهم مما يعلمون ﴾ أي : من تراب، ثم من نطفة، وهي جملة للتعليل، كأنه قال : ارتدعوا عن طمع الجنة، لأن الدليل دال على ضلالكم، فإنكم على استحالة البعث وهو ممكن، لأنا خلقناكم من نطفة، وكذا وكذا، ومن كان قادرا على مثل ذلك لا يقدر على الإعادة، أو معناه إن خلقناهم من نطفة قذرة فمن أين يدعون التقدم من غير تطهير النفس بالإيمان، والأعمال ؟ أو إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾( الذاريات : ٥٦ )،
﴿ لا أقسم برب المشارق والمغارب ﴾ : مشارق الكواكب ومغاربها، ﴿ إنا لقادرون ﴾
﴿ على أن نبدل خيرا منهم ﴾ : على أن نعيدهم يوم القيامة بأبدان خير من هذه، ﴿ وما نحن بمسبوقين ﴾ : عاجزين مغلوبين، أو معناه نحن قادرون على أن نهلكهم، ونأتي بدلهم بخلق خير منهم،
﴿ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ﴾، هذا قبل وجوب القتال،
﴿ يوم يخرجون من الأجداث ﴾ : القبور، ﴿ سراعا ﴾ : مسرعين إلى إجابة الداعي، ﴿ كأنهم إلى نصب يوفضون ﴾ : يسرعون إلى النصب يبتدرون أيهم يستلمه أول فعلوا حين عاينوا أنصابهم في الدنيا، أو يسارعون إلى علامة وغاية منصوبة،
﴿ خاشعة ﴾ : ذليلة خاضعة، ﴿ أبصارهم ترهقهم ﴾ : تلحقهم، ﴿ ذلة ﴾ : هوان، ﴿ ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ﴾ في الدنيا.
والحمد لله على الإيمان.