﴿ الحاقة ﴾ من أسماء يوم القيامة، لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد، ولهذا عظمَّ الله أمرها فقال
﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة ﴾، ثم ذكر تعالى أهلاكه الأمم المكذبين بها فقال تعالى :
﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية ﴾ وهي الصيحة التي أسكتتهم والزلزلة التي أسكنتهم، هكذا قال قتادة :
﴿ الطاغية ﴾ الصيحة، وهو اختيار ابن جرير وقال مجاهد :
﴿ الطاغية ﴾ الذنوب، وكذا قال ابن زيد إنها الطغيان، وقرأ :
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ ﴾ [ الشمس : ١١ ]،
﴿ وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ ﴾ أي باردة، قال قتادة والسدي :
﴿ عَاتِيَةٍ ﴾ أي شديدة الهبوب، عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم، وقال الضحّاك :
﴿ صَرْصَرٍ ﴾ باردة
﴿ عَاتِيَةٍ ﴾ عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة، وقال علي : عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب،
﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ ﴾ أي سلطها عليهم،
﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ﴾ أي كوامل متتابعات مشائيم، قال ابن مسعود :
﴿ حُسُوماً ﴾ متتابعات، وعن عكرمة والربيع : مشائيم عليهم كقوله تعالى :
﴿ في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ﴾ [ فصلت : ١٦ ] ويقال : إنها التي تسميها الناس الأعجاز، وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى :
﴿ فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾. وقيل : لأنها تكون في عحجز الشتاء، قال ابن عباس :
﴿ خَاوِيَةٍ ﴾ خربة، وقال غيره : بالية، أي جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخرّ ميتاً على أُمّ رَأسه، فينشدخ رأسه، وتبقى جثته هامدة، كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا إغصان، وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال :
« نصرت بالصَّبا وأهلك عاد بالدَّبور » وعن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ :
« ما فتح الله على عاد من الريح التي هلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم، فمرت أهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم فجعلتهم بين السماء والأرض، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عادٍ، الريحَ وما فيها قالوا : هذا عارض ممطرنا، فألقت أهل البادية، ومواشيهم على أهل الحاضرة » ﴿ فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ ﴾ ؟ أي هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أو ممن ينتسب إليهم؟ بل بادوا عن آخرهم، ولم يجعل الله لهم خلفاً، ثم قال تعالى :
﴿ وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ ﴾ أي ومن قبله من الأمم المشبهين له، وقوله تعالى :
﴿ والمؤتفكات ﴾ وهم الأمم المكذبون بالرسل،
﴿ بِالْخَاطِئَةِ ﴾ وهي التكذيب بما أنزل الله، قال الربيع
﴿ بِالْخَاطِئَةِ ﴾ أي بالمعصية، وقال مجاهد : بالخطايا، ولهذا قال تعالى :
﴿ فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ ﴾ أي كل كذب رسول الله إليهم كما قال تعالى :
﴿ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل ﴾ [ ص : ١٤ ]
﴿ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ١٤ ]، ومن كذب برسول فقد كذب بالجميع، كما قال تعالى :
﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين ﴾ [ الشعراء : ١٠٥ ]،
﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين ﴾ [ الشعراء : ١٢٣ ] وإنما جاء إلى كل أمّة رسول واحد، ولهذا قال هاهنا :
﴿ فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ﴾ أي عظيمة شديدة أليمة، قال مجاهد
﴿ رَّابِيَةً ﴾ : شديدة، وقال السدي : مهلكة.
2601
ثم قال تعالى :
﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء ﴾ أي ازداد على الحد، وقال ابن عباس :
﴿ طَغَا المآء ﴾ كثر، وذلك بسبب دعوة نوح عليه السلام، فاستجاب الله له، وعمَّ أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح في السفينة، فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته، قال علي بن أبي طالب : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك، فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخزان، فطغى الماء على الخزان، فخرج، فذلك قوله تعالى :
﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء ﴾ أي زاد على الحد بإذن الله،
﴿ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾ ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك إلا يوم عاد فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت، فذلك قوله تعالى :
﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾، ولهذا قال تعالى ممتناً على الناس
﴿ حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾ وهي السفينة الجارية على وجه الماء،
﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً ﴾ أي وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار، كما قال :
﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٢ ] وقال تعالى :
﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ [ يس : ٤١-٤٢ ] وقال قتادة : أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة، والأول أظهر، ولهذا قال تعالى :
﴿ وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ أي وتفهم هذه النعمة وتذكرها أذن واعية، قال ابن عباس : حافظة سامعة، وقال قتادة :
﴿ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله. وقال الضحّاك :
﴿ وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ سمعتها أذن ووعت، أي من له سمع صحيح وعقل رجيح، وهذا عام في كل من فهم ووعي.
2602