تفسير سورة فصّلت

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة حم السجدة١ مكية
وهي ثلاث أو أربع وخمسون آية وست ركوعات
١ فصلت..

﴿ حم تنزيل من الرحمن الرحيم ﴾ تنزيل خبر حم إن كان اسما للسورة ؛ وإلا فهو خبر محذوف، أو مبتدأ مخصص١ خبره قوله ﴿ كتاب ﴾، أو على الأولين إما خبر بعد خبر، أو بدل أو خبر محذوف
١ يعني تنزيل مبتدأ نكرة مخصص بالصفة وهي من الرحمن الرحيم /١٢ منه..
﴿ فصلت ﴾ : ميزت وبينت ﴿ آياته قرآنا ﴾ نصب على المدح أو حال، ﴿ عربيا لقوم يعلمون ﴾ : لقوم صفة أخرى لقرآنا، أو متعلق بفصلت أي : هذا التفصيل للعلماء، فإنهم هم العالمون به
﴿ بشيرا ﴾ : للمؤمنين ﴿ ونذيرا ﴾ : للكافرين ﴿ فأعرض أكثرهم ﴾ : عن تأمله، ﴿ فهم لا يسمعون ﴾ : سماع قبول،
﴿ وقالوا قلوبنا أكنة ﴾ : أغطية ﴿ مما تدعونا إليه ﴾ : فلا نفقه ما تقول ﴿ وفي آذاننا وقر ﴾ : صمم، ﴿ من بيننا وبينك حجاب ﴾ يعني نحن في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم، ولا يسمع، وبينه- مع ما هو عليه- وبين داعيه- مع ما هو عليه- حجاب غليظ، فلا تلافى ولا ترآى، وفائدة من أن الحجاب ابتدأ منا ومنك، فيدل على استيعاب ما بين الطرفين بالحجاب ﴿ فاعمل ﴾ : على دينك، ﴿ إننا عاملون ﴾ : على ديننا،
﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾ أي : لست بجني ولا بملك أتكلم بما لا تفهمون، ﴿ فاستقيموا إليه ﴾ : وجهوا إليه وجوهكم، وأخلصوا له العبادة ﴿ واستغفروه ﴾ : من سالف الذنوب ﴿ وويل للمشركين ﴾
﴿ الذين لا يؤتون الزكاة ﴾ : لا يطهرون أنفسهم، ﴿ قد أفلح من زكاها ﴾ [ الشمس : ٩ ]، ﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ [ الأعلى : ١٤ ]، أو المراد زكاة أموالهم، وأصلها مأمور به ابتداء البعثة وأما مقدارها وكيفيتها فبين أمرها بالمدينة. ولفظ الإيتاء يساعد المعنى الثاني، بل كالصريح، لكن الأول منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ وهم بالآخرة هم كافرون ﴾
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ﴾ : غير مقطوع وأما المنة فلله على أهل الجنة، ﴿ بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ﴾ [ الحجرات : ١٧ ].
﴿ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ﴾ أي في حقيقة يومين معلومين عند الله، لا نعرف كيفيتها أو في قدر يومين لأن الظاهر من قوله :﴿ رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ﴾ [ النازعات : ٢٨-٢٩ ]، أن حدوث اليوم والليلة بعد خلق السماء وعن كثير من السلف أن اليومين : الأحد والاثنان وفيه إشكال، اللهم إلا أن يقال : إن الله تعالى لما خلق الأزمان سمى أول يومه السبت ثم الأحد ثم الاثنان ثم وثم، وخلق السماء والأرض وما بينهما في مقدار ستة أيام قبل حدوث الزمان متصل لحدوثه بمعنى أنه لو كان الزمان حين الخلق موجودا لكانت مدة الخلق ستة أيام يكون أوله يوم الأحد البتة، وآخره يوم الجمعة ﴿ وتجعلون له أندادا ذلك ﴾ : القادر العظيم، ﴿ رب العالمين ﴾
﴿ وجعل فيها ﴾ : في الأرض، ﴿ رواسي ﴾ : جبالا ثوابت وهو عطف على محذوف، أي خلقها وجعل، وقيل : عطف على خلق والفصل بالجملتين كلا فصل ؛ لأن الأولى بمنزلة الإعادة لتكفرون، والثانية اعتراضية كالتأكيد لمضمون الكلام، ﴿ من فوقها ﴾ : مرتفعة ليظهر على الناظرين ﴿ وبارك فيها ﴾ : بخلق المنافع فيها، ﴿ وقدر فيها أقواتها ﴾ : أقوات أهلها، أو قدر في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى، ﴿ في أربعة أيام ﴾ أي : تتمتها لقوله :﴿ خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ﴾ [ السجدة : ٤ ]١، واليومان الثلاثاء والأربعاء ﴿ سواء ﴾ أي : استوت استواء بلا زيادة ولا نقصان، والجملة صفة أيام ﴿ للسائلين ﴾ أي : هذا الحصر للسائلين عن مدة خلقها، أو متعلق بقدر أي : قدر فيها للمحتاجين أقواتها
١ وثبت أن خلق السماوات في يومين فلو كان الكلام على ظاهرة لزم أن يكون خلق المجموع في ثمانية أيام، وقد ثبت أنه في ستة وظاهر كلام الزمخشري أن قوله:" في أربعة أيام" خبر مبتدأه محذوف أي: المجموع في أربعة /١٢ منه ووجيز..
﴿ ثم استوى إلى السماء ﴾ : قصد نحوها، ﴿ وهي دخان ﴾ : ارتفع من الماء الذي عليه عرشه، ﴿ فقال لها وللأرض ائتيا ﴾ : ما أمركما أي : افعلاه واستجيبا لأمري، كما يقال : ائت ما هو الأحسن قيل : إتيان السماء حدوثها، وإتيان الأرض أن تصير مدحوة. عن ابن عباس– رضي الله عنه- أطلعي شمسك وقمرك ونجومك يا سماء وشققي أنهارك فأخرجي ثمارك ونباتك يا أرض ﴿ طوعا أو كرها ﴾ : طائعتين أو مكرهتين أي : شئتما أو أبيتما ذلك ﴿ قالتا أتينا طائعين ﴾ : استجيبا لك منقادين لما خاطبهما وأقدرهما على الجواب أجراهما مجرى العقلاء عن بعض السلف أن المتكلم موضع الكعبة، ومن السماء ما يسامنه
﴿ فقضاهن ﴾ : خلقهن، واحكمهن الضمير إلى السماء على المعنى ﴿ سبع سماوات ﴾، حال ﴿ في يومين ﴾ : يوم الخميس والجمعة، وهذه الآيات مشعرة بأن خلق الأرض ودحوها مقدم على خلق السماوات١، وهو مخالف لما في سورة النازعات ﴿ والأرض بعد ذلك دحاها ﴾[ النازعات : ٣٠ ]، فلا بد أن نقول أن ثم في ﴿ ثم استوى إلى السماء ﴾ للتراخي٢ الرتبي لا الزماني، وسنذكره في سورة النازعات ﴿ وأوحى في كل سماء أمرها ﴾ قرر ورتب شأنها أي : خلق ما يحتاج إليه من الملك، وما لا يعلمه إلا الله تعالى ﴿ وزينا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ : الكواكب كلها ظاهرة٣ عليها، ﴿ وحفظا ﴾ مصدر لمحذوف أي : وحفظناها في استراق السمع حفظا ﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾
١ لأن خلق الجبال وجعلها رواسي من فوق الأرض والبركة فيها بخلق المنافع وتقدير الأقوات قبل الدحو بعيد جدا، وإن كان أحد القولين المذكورين وهو قوله: إتيان الأرض أن تصير مدحوة هو ذلك البعيد فتأمل/١٢ منه..
٢ وقال الشوكاني بعد ذكر هذا الإستشكال: إن ثم ليست للتراخي الزماني، بل للتراخي الرتبي، فيندفع الإشكال من أصله، وعلى تقدير إنها للتراخي الزماني فالجمع ممكن، بأن الأرض خلقها متقدم على خلق السماء ودحوها بمعنى بسطها هو أمر زائد على مجرد خلقها فهي متقدمة خلقا متأخرة دحوا وهذا ظاهر انتهى.
وفي الوجيز بعد ذكر الإشكال والأولى أن ثم هنا لترتيب الإخبار لا لترتيب الزمان، كأنه قال أخبركم بأنه خلق الأرض وجعل فيها كذا وكذا ثم أخبركم أنه استوى إلى السماء، فلا تعرض في الآية للترتيب، ولما كان خلق السماء أبدع استؤنف الإخبار فيه بثم وهذا كقوله:" ثم كان من الذين آمنوا" بعد قوله: " فلا اقتحم العقبة" [البلد: ١٣-١٧]، ومن هذا القبيل أيضا "ثم آتينا موسى الكتاب" بعد قوله: " قل تعالوا" الآية [الأنعام: ١٥١-١٥٤]، ويدل على أن المقصود الإخبار بوقوع هذه الأشياء من غير ترتيب وقوله في الرعد ﴿الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها﴾ الآية ثم قال بعد: ﴿وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي﴾[٢-٣] الآية فظاهر هذا رفع السماوات، ثم مد الأرض وظاهر ما في هذه السورة جعل الرواسي قبل خلق السماء، لكن المقصود من الآيتين الإخبار بصدور ذلك منه من غير تعرض لترتيب ما، كأنه لا يندفع الإشكال إلا بهذا/١٢..

٣ إشارة إلى أنه يمكن تصحيح كلام أهل الهيئة أن السيارات في سبع سماوات كما قال تعالى:﴿كل في فلك يسبحون﴾[الأنبياء: ٣٣] بأن نقول: لما كانت الكواكب ظاهرة على السماء الدنيا ترى كأنها تلالؤ عليها فيصدق أن سماء الدنيا مزينة بها /١٢ منه..
﴿ فإن أعرضوا ﴾ : مع هذا البيان عن الإيمان ﴿ فقل أنذرتكم صاعقة ﴾ : مهلكة، ﴿ مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل ﴾، حال من صاعقة عاد أو ظروفها لما فيها من معنى الفعل أي : صعقوا إذ جاءتهم
﴿ من بين أيديهم ﴾ أي : من القرى القريبة من بلادهم ﴿ ومن خلفهم ﴾ القرى البعيدة كما قال :﴿ وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ﴾[ الأحقاف : ٢١ ]، وقيل : من كل جانب وعملوا فيهم كل حيلة كما قاتل الشيطان :﴿ لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم ﴾[ الأعراف : ١٧ ]، وقيل :
أنذروهم من مثل الوقائع المتقدمة ومن العذاب المتأخر أي : عذاب الآخرة ﴿ ألا تعبدوا إلا الله ﴾ أن بمعنى أي ﴿ قالوا لو شاء ربنا ﴾ : إرسال الرسل، ﴿ لأنزل ملائكة ﴾ : برسالته فإنما أنتم لستم بملائكة ﴿ فإنا بما أرسلتم به ﴾ : على زعمكم، ﴿ كافرون ﴾
﴿ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ﴾ : بغوا وعتوا، ﴿ وقالوا من أشد منا قوة ﴾، اغتروا بقوتهم ومزيد قدرتهم وحاسبوا أنها تغنيهم عن العذاب، ﴿ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ﴾ : أزيد قدرة منهم، ﴿ وكانوا بآياتنا يجحدون ﴾ أي : يعلمون وينكرون عطف على فاستكبروا
﴿ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا ﴾ : شديدة الصوت من الصرير وشديدة البرد من الصر١ ﴿ في أيام نحسات ﴾ : مشئومات عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ﴿ لنذيقهم عذاب الخزي ﴾ : الذل وصف به العذاب مع أنه في الأصل صفة المعذب على الإسناد المجازي للمبالغة ﴿ في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ﴾
١ صر يصر صرا وصريرا صوت/١٢ قاموس..
﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ : دللناهم على طريق الحق١، بلسان نبيهم صالح -عليه السلام ﴿ فاستحبوا العمى ﴾ : اختاروا الضلالة ﴿ على الهدى ﴾، وهذا لا ينافي كون الضلال بمشيئة الله تعالى، وإنما ينافيه لو كان معنى هديناهم ٢ أردنا منهم الهدى ﴿ فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ﴾ : صيحة ورجفة ؛ وهي الذل والهوان والإضافة إلى العذاب ووصفه بالهوان للمبالغة ﴿ بما كانوا يكسبون ﴾ : من القبائح
١ وفي الوجيز بعد ما فسر الآية بما فسر به المصنف وهذا تفسير ظاهر موافق من غير تكلف لمذهب أهل السنة والجماعة..
٢ رد علي الزمخشري- عفا الله عنه- حيث قال: لو لم تكن في القرآن حجة على القدرية إلا هذا لكفى بها الحجة. سمى أهل السنة باسم المعتزلة وقد صار كالمثل في الاشتهار أن القدرية هم الذين لا يؤمنون بالقدر خيره وشره نسبة لمبالغتهم في نفيه/١٢منه..
﴿ ونجينا ﴾ : من تلك الصاعقة، ﴿ الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾.
﴿ يوم١ يحشر أعداء الله إلى النار ﴾ أي اذكره ﴿ فهم يوزعون ﴾ يحبس أولهم على آخرهم
١ ولما ذكر ما عاقبهم به في الدنيا ذكر ما عاقبهم في الآخرة فقال:﴿ويوم يحشر أعداء الله﴾ الآية /١٢ فتح..
﴿ حتى إذا ما جاءوها ﴾ ما مزيدة لتأكيد ظرفية للشهادة أي : إنما تقع فيه البتة ﴿ شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ﴾ : من المعاصي،
﴿ وقالوا لجلودهم ﴾، خص الجلود بالسؤال لأن الشهادة منها أعجب إذ ليس شأنها الإدراك بخلاف السمع والبصر ﴿ لم شهدتم علينا ﴾ : لأي علة ؟ ! وبأي موجب ؟ ! ﴿ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ﴾أي : كل شيء ينطق فما شهدنا اختيارا، بل اضطرارا، والأعضاء في القيامة هي الناطقة بالحقيقة١ وفيها القدرة والإرادة، لا كنطق ينسب إلى الجملة، واللسان مجرد آلة حتى إن إسناد النطق إليه ربما يعد مجازا ﴿ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾، الظاهر أنه من تتمة كلام الجلود٢ عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن الكافر يجحد شركه ويحلف كما يحلفون لكم فتشهد من أنفسهم جوارحهم ويختم على أفواههم ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء هو الذي خلقكم أول مرة وإليه ترجعون، فتقر الألسنة بعد الجحود
١ ولذلك قال:"شهد عليهم سمعهم "وقالوا:" لم شهدتم علينا ". وليس الشاهد أنفسهم وهذه آلات للنطق بمنزلة اللسان، بل الجوارح في القيامة هي الناطقة حقيقة/١٢ منه..
٢ رد على البغوي والواحدي حيث قالا تم الكلام، وقال الله:﴿وهو خلقكم﴾ إلخ وليس هذا من جواب الجلود وهذا الذي نقلنا عن ابن عباس- رضي الله عنهما- يدل على ما قلنا وقد صحح هذا النقل عن ابن عباس- رضي الله عنهما- الشيخ المحدث عماد الدين بن كثير/١٢ منه..
﴿ وما كنتم تستترون ﴾ : عند المعاصي، ﴿ أن يشهد ﴾ : لأن يشهد ﴿ عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ﴾ أي : ليس استتاركم عن المعاصي خيفة شهادة الجوارح، فإنكم ما تصدقون بشهادتها لإنكاركم الحشر والبعث ﴿ ولكن ظننتهم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون١أي : لكنكم إنما استترتم بظنكم أن الله لا يعلم الخفيات، فهو بالحقيقة استدراك من المفعول له أي : ليس استتاركم لخوف الشهادة، بل لظن أن٢ الله تعالى لا يعلم
١ نقل محيي السنة بإسناده عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت رجال فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ وقال الآخر: يسمع إن جهرنا لا إن أخفينا وقال الآخر: إن يسمع ما جهرنا يسمع ما أخفينا. فأنزل الله ﴿وما كنتم تستترون﴾ الآية /١٢ منه أقول وفي البخاري عن ابن مسعود بمعناه /١٣ منه [أخرجه البخاري في "التفسير" (٤٨١٦)، وفي غير موضع من صحيحه]..
٢ تفسير القاضي لا يطابق تفسيرنا فتأمل ترى أيهما أصوب، ولا تغفل أيضا عما نقلنا في الحاشية من سبب النزول/١٢ منه..
﴿ وذلكم ﴾، مبتدأ ﴿ ظنكم الذي ظننتم بربكم ﴾ خبر أو بدل ﴿ أرداكم ﴾، خبر ثان أو هو الخبر أي : أهلككم، ﴿ فأصبحتم من الخاسرين ﴾، قد صرح بعض المفسرين أن كلام الجلود إلى قوله :﴿ فأصبحتم من الخاسرين ﴾،
﴿ فإن يصبروا ﴾ : ولا يسألوا شيئا، ﴿ فالنار مثوى لهم ﴾ : لم ينفعهم الصبر، ﴿ وإن يستعتبوا ﴾ : يسترضوا، ﴿ فما هم من المعتبين ﴾، فلم يرضوا تقول استعتبته١ فأعتبني أي : استرضيته فأرضاني أو إن سألوا الرجوع عن الآخرة إلى الدنيا لم يجابوا،
١ العتبى الرجوع لهم إلى ما يحبون/١٢ منه..
﴿ وقيضنا١ : قدرنا، ﴿ لهم ﴾ : للمشركين، ﴿ قرناء ﴾ : من الشياطين، ﴿ فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ﴾ أي : أحسنوا لهم أعمالهم الماضية والآتية فلم يروا أنفسهم إلا محسنين أو أمر الدنيا وإتباع شهواتها، وأمر الآخرة وإنكارها ﴿ وحق عليهم القول ﴾ : كلمة العذاب، ﴿ في أمم ﴾ أي : كائنين في جملتهم حال من عليهم ﴿ قد خلت من قبلهم من الجن والإنس وإنهم ﴾ استئناف تعليل ﴿ كانوا خاسرين ﴾.
١ ولما ذكر الوعيد الشديد على كفرهم، أردفه بذكر السبب الذي لأجله وقعوا في ذلك الكفر فقال:﴿وقضينا لهم قرناء﴾ الآية /١٣ كبير..
﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ﴾ : كان بعضهم يوصى بعضا إذا رأيتم محمدا يقرأ فعارضوه بالزجر والشعر واللغو وكلموا فيه وعيبوه أو بالمكاء والصفير، أو أكثروا الكلام والصياح ليختلط عليه ﴿ لعلكم تغلبون ﴾ : محمدا على قراءته فيترك
﴿ فلنذيقن الذين كفروا ﴾ أي : نذيقنهم ﴿ عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ﴾ أي : نجزينهم جزاء أسوء أعمالهم من الاستهزاء، وتحقير القرآن
﴿ ذلك ﴾ : الأسوأ ﴿ جزاء أعداء الله ﴾ مبتدأ وخبر ﴿ النار ﴾ عطف بيان للخبر ﴿ لهم فيها ﴾ : في النار، ﴿ دار الخلد١ : في النار مواضع واسعة، ولهم فيها مكان يخلدون فيه ﴿ جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ﴾
١ وجاز أن يكون من باب التجريد نحو:﴿لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ [الأحزاب: ٢١]. فالنار في نفسها دار الخلد، والتجريد هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمرا آخر بتلك الصفة مبالغة لكماله فيها/١٢ منه ووجيز..
﴿ وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضللنا من الجن والإنس ﴾ أي : شيطاني النوعين وعن علي- رضي الله عنه- إن مرادهم إبليس، فإنه سن الكفر، وقابيل فإنه سن القتل ﴿ نجعلهما تحت أقدامنا ﴾ : أسفل منا في العذاب، ليكون عذابهما أشد ﴿ ليكونا من الأسفلين١ أي : في الدرك الأسفل
١ قيل: ندهسهما انتقاما منهما ليكونا من الأسفلين مكانا أو ذلا /١٢ منه..
﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ﴾ : أقروا بوحدانيته ﴿ ثم استقاموا ﴾ : على التوحيد، لم يشركوا به شيئا، أو على أمر الله تعالى فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته ﴿ تتنزل عليهم الملائكة ﴾ عند الموت أو عنده في القبر عند البعث ﴿ ألا تخافوا١ بمعنى أي : أو بأن لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ﴿ ولا تحزنوا ﴾ على ما خلفتموه من أمر الدنيا ﴿ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ﴾ : على لسان أنبيائكم
١ يعني إن "إن" إما مفسرة أو مصدرية /١٢ منه..
﴿ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا ﴾ : وفقناكم على الخير وحفظناكم من الشر بإذن الله تعالى ﴿ وفي الآخرة ﴾ نؤنس منكم وحشة القبر، ونوصلكم إلى الجنة ﴿ ولكم فيها ﴾ : في الآخرة، ﴿ ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ﴾ : ما تطلبون، والثاني أعم من الأول١
١ لأنه يمكن طلب شيء لا تشتهيه نفسه /١٢..
﴿ نزلا من غفور رحيم ﴾، النزل طعام التنزيل، وهو حال من الضمير المستكن في خبر ما تدعون لا من مفعول تدعون.
﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ﴾ : إلى طاعته ﴿ وعمل صالحا ﴾، لا من الذين لا يوافق قولهم عملهم ﴿ وقال إنني من المسلمين١ جعل الإسلام دينه ومذهبه، أو تكلم بذلك تفاخرا، والآية عامة في كل مهدي هاد ولعل مراد من قال : إن المراد به المؤذنون أنهم أولى وأدخل لا أنها نزلت فيهم، فإن الآية مكية والأذان شرع بالمدينة
١ يعني ليس الغرض التكلم بهذا الكلام بل جعل للإسلام دينه ومذهبه كما تقول: هذا أقول الشافعي أي: مذهبه واعلم أن القول يستعمل بمعان يناسب المقام، كالنصح ومن ذلك ما ورد في الدعاء المأثور (سبحان من تعزز بالعز وقال به) /١٢ وجيز..
﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ﴾، لا الثانية لتأكيد النفي، ﴿ ادفع ﴾ : السيئة، ﴿ بالتي هي أحسن ﴾ : وهي الحسنة استئناف كأنه قيل : كيف أصنع ؟ قال : ادفع والمراد من الأحسن الزائد مطلقا عن ابن عباس– رضي الله عنهما- أمر بالصبر عند الغضب، وبالعفو عند الإساءة. معناه لا تستوي الحسنات، بل يتفاوت إلى الحسن والأحسن، وكذلك السيئات فادفع السيئة التي ترد عليك بحسنة هي أحسن من أختها، مثلا تحسن إلى من أساءك ولا تكتفي بمجرد العفو عنه ﴿ فإذا الذي بينك وبينه عداوة ﴾ أي : إذا فعلت ذلك يصير العدو ﴿ كأنه ولي حميم ﴾ : صديق شفيق،
﴿ وما يلقاها ﴾ أي : تلك الخصلة يعني مقابلة الإساءة بالإحسان ﴿ إلا الذين صبروا ﴾ : على مخالفة النفس، ﴿ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ﴾ : من كمال النفس
﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ﴾ أي : يفسدك فساد. حال كون الفساد من الشيطان يعني يصرفك عن الدفع بالتي هي أحسن، فيكون من قبيل جد جده، ومن الشيطان حال مقدم ﴿ فاستعذ بالله ﴾ : حتى يوفقك على دفعه، ﴿ إنه هو السميع ﴾ : باستعاذتك ﴿ العليم ﴾ : بما في ضميرك،
﴿ من آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ﴾، الضمير للأربعة نحو : الأيام مضين١ ﴿ إن كنتم إياه تعبدون ﴾ : فإن عبادته مع عبادة غيره غير مقبولة،
١ فإن حكم ضمير جماعة ما لا يعقل، وإن كانت الذكور أن يجعل مؤنثا فلا يكون هذا من باب التغليب /١٢ وجيز ومنه..
﴿ فإن استكبروا ﴾ : عن الامتثال ﴿ فالذين عند ربك ﴾ أي : الملائكة ﴿ يسبحون له بالليل والنهار ﴾ أي : دائما، ﴿ وهم لا يسأمون ﴾ : لا يملون وهذا مثل قوله :﴿ فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ﴾ [ الأنعام : ٨٩ ]
﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ﴾ : متذللة استعارة عن يبسها، ﴿ فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ﴾ : تحركت بالنبات، ﴿ وربت ﴾ زادت وعلت، ﴿ إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾ : فيقدر على الإعادة،
﴿ إن الذين يلحدون ﴾ : يميلون عن الاستقامة ﴿ في آياتنا١ : يضعون في غير موضعها ﴿ لا يخفون علينا ﴾، فيه وعيد شديد ﴿ أفمن يلقى في النار خير أم يأتي آمنا يوم القيامة ﴾ : يعني جزاء الإلحاد فيها النار ﴿ اعملوا ما شئتم ﴾، تهديد على تهديد ﴿ إنه بما تعملون بصير ﴾ : فيجازيكم،
١ بأن يطعنوا فيها ويؤولوها بالباطل ويلغوا فيها ويحرفوا فيها /١٢ منه.
قال السيوطي في الإكليل تحت هذه الآية: قال ابن عباس- رضي الله عنه هو أن يوضع الكلام في غير موضعه أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه، ففيه الرد على من تعاطي تفسير القرآن بما لا يدل عليه جوهر اللفظ، كما يفعله باطنيه [كذا بالأصل والمقصود: الباطنية] والاتحادية والملا حدة وغلاة المتصوفة انتهى.
ومن الإلحاد في أسماء الله وآياته ما يفعله كثير من الفلاسفة ومتفلسفة الصوفية والمتكلمين الذين يجعلون الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني تخالف لغة العرب، وتناقض ثبوت الصفات كما فعله بلفظ الغنى والقديم والواحد والواجب بنفسه، فصاروا يجعلونها تدل على معاني وتستلزم معاني تناقض ثبوت الصفات، وتوسعوا في التعبير ثم ظنوا أن هذا الذي فعلوه هو موجب الأدلة العقلية وغيرها. وهذا غلط منهم، فموجب الأدلة العقلية لا يتلقى عن مجرد التعبير، وموجب الأدلة السمعية يتلقى من عرف المتكلم بالخطاب لا من الوضع المحدث فليس لأحد أن يجعل الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني ثم يريد أن يفسر مراد الله بتلك المعاني، بل هذا من فعل الملاحدة المفترين. فإن هؤلاء عمدوا إلى معاني ظنوها ثابتة فجعلوها هي معنى الوحدة، والوجوب والغنى والقدم ونفى المثل ثم عمدوا إلى ما جاء في القرآن والسنة من تسمية الله بأنه أحد واحد وغني نحو ذلك من نفي المثل والكفو عنه فقالوا: هذا يدل على المعاني التي سميناها بهذه الأسماء وهذه الأسماء وهذا من أعظم الافتراء على الله، وكذلك المتفلسفة عمدوا إلى لفظ الخالق والفاعل والصانع والمحدث ونحو ذلك فوضعوها لمعنى ابتدعوه، وقسموا الحدوث إلى نوعين: ذاتي وزماني وأرادوا بالذاتي كون المربوب مقارنا للرب أزلا وأبدا وأن هذا اللفظ على هذا المعنى لا يعرف في لغة أحد من الأمم، ولو جعلوا هذا اصطلاحا لهم لم ننازعهم فيه، لكن قصدوا بذلك التلبيس على الناس وأن يقولوا: نحن نقول بحدوث العالم وأن الله خالق له وفاعل له وصانع له ونحو ذلك من المعاني التي يعلم بالاضطرار أنها تقتضي تأخير المفعول، لا يطلق على ما كان قديما بقدم الرب مقارنا له أزلا وأبدا، وكذلك فعل من فعل بلفظ المتكلم وغير ذلك من الأسماء ولو فعل هذا بكلام سيبويه وبقراط لفسد ما ذكروه من النحو والطب، ولو فعل هذا بكلام آحاد العلماء كمالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة لفسد العلم بذلك، ولكان ملبوسا عليهم، فكيف إذا فعل هذا بكلام رب العالمين وهذه طريقة الملاحدة الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته ومن شركهم في بعض ذلك وكذلك إذا قالوا: الموصوفات تتماثل أو الأجسام تتماثل أو الجواهر تتماثل، وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى:﴿ليس كمثله شيء﴾ [الشورى: ١١] على نفي مسمى هذه الأمور التي سموها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث، كان هذا افتراءه على القرآن فإن هذا ليس هو المثل في لغة العرب، لا لغة القرآن، ولا غيرها فحمل القرآن على ذاك كذب على القرآن هذا ما التقطت من كلام شيخ الإسلام ابن تميمة على وجه الاختصار/١٢..

﴿ إن الذين كفروا بالذكر ﴾ : بالقرآن، ﴿ لما جاءهم ﴾، جملة مستأنفة، وحذف خبر إن للتهويل أي : يكون من أمرهم ما يكون، أو يهلكون أو الجملة بدل من الذين يلحدون إلخ ﴿ وإنه لكتاب عزيز ﴾ : أعزه الله
﴿ لا يأتيه بالباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ : ليس للبطلان إليه سبيل، أو لا يبطله الكتب المتقدمة ولا يأتيه كتاب بعده يبطله، ﴿ تنزيل من حكيم حميد ﴾ : في ذاته وإن لم يحمده الحامدون،
﴿ ما يقال لك ﴾ أي : لا يقول لك قومك ﴿ إلا من قد قيل للرسل من قبلك ﴾ أي : إلا مثله أي : فاصبر كما صبروا ولا تجزع ﴿ إن ربك لذو مغفرة ﴾ : لمن تاب، ﴿ وذو عقاب١ أليم ﴾ : لمن أصر على التكذيب وقيل : معناه لا يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم، وهو إن ربك لذو مغفرة، فقوله :﴿ إن ربك ﴾ بدل مما قد قيل
١ ولما ذكر الملحدين في آياته وأنهم لا يخفون عليه، والكافرين بالقرآن ذكر ما دل على تعنتهم وما ظهر من تكذيبهم فقال: ﴿ولو جعلناه﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ ولو جعلناه١ قرآنا أعجميا ﴾ : بغير لغة العرب، ﴿ لقالوا لولا ﴾ أي : هلا، ﴿ فصلت آياته ﴾ : بينت بوجه نفهمه، ﴿ أأعجمي وعربي ﴾ أي : أكلام أعجمي ومخاطب عربي ؟ ! فالهمزة للإنكار، ومن قرأ بلا همزة فهو إخبار وعن بعضهم أن معناه حينئذ هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا وبعضها عربيا، لينتفع بها القبيلتان، يعني هم على أي حال تجدهم في عناد واعتراض متعنتين. نقل البغوي عن مقاتل أنها نزلت حين قال المشركون : يعلم يسار محمدا القرآن وهو غلام يهودي، أعجمي يكنى أبا فكيهة، ﴿ قل ﴾ : يا محمد ﴿ هو ﴾ : القرآن، ﴿ للذين آمنوا هدى ﴾ : إلى الحق، ﴿ وشفاء ﴾ : من الجهل، ﴿ والذين لا يؤمنون ﴾، عطف على المجرور باللام ﴿ في آذانهم وقرا ﴾، عطف على هدى، والمحققون يجوزون مثل ذلك العطف " وفي آذانهم " حال من الضمير في الذين لا يؤمنون، ووقر أي : ذو وقر أو كوقر أو الذين كفروا مبتدأ، وخبره في آذانهم وقر بتقدير مبتدأ أي : هو يعني القرآن في آذانهم وقر فيكون من عطف الجملة على الجملة ﴿ وهو عليهم عمى ﴾ أي : ذو عمى أو كعمى فلا ينتفعون به أصلا ﴿ أولئك ينادون من مكان بعيد ﴾ لهذا تمثيل أي : مثلهم مثل من يصبح به من مسافة بعيدة، لا يسمع من مثلها إلا مجرد نداء، مثل الذين كفروا، كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء وعن الضحاك ينادون يوم القيامة من مكان بعيد بأشنع أسمائهم.
١ أي: الذكر/١٢..
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ﴾ : بالتصديق والتكذيب، كما اختلف قومك في كتابك ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾ : في تأخير العذاب وأجل مسمى، ﴿ لقضي بينهم ﴾ : عجل لهم العذاب، ﴿ وإنهم ﴾ أي : المشركين ﴿ لفي شك منه ﴾ : من القرآن ﴿ مريب ﴾ : موقع لهم في الريبة أو أن اليهود لفي شك من التوراة
﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد١ : فلا يعذب أحدا إلا بعد الاستحقاق.
١ ولما ذكر من عمل صالحا ومن أساء كان فيه دلالة على الجزاء كأن سائلا قال: متى ذلك؟ فأجاب:﴿إليه يرد علم الساعة﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ إليه يرد علم الساعة ﴾ : ما يعلمها إلا الله، ﴿ وما١ تخرج من ثمرات ﴾، ما نافية ومن زائدة للاستغراق ﴿ من أكمامها ﴾، جمع كم بالكسرة، وهو وعاء الثمرة، ﴿ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ﴾ : مقرونا بعلمه ﴿ ويوم يناديهم٢ أي : اذكر يوم ينادي الله تعالى المشركين ﴿ أين شركائي ﴾ بزعمكم ؟ ﴿ قالوا آذناك ﴾ أعلمناك ﴿ ما منا من شهيد ﴾ : من أحد يشهد أن لك شريكا إذ تبرءوا عنهم لما عاينوا الحال والسؤال توبيخ
١ ثم ذكر سعة علمه، فقال: "وما تخرج إلخ"/١٢ وجيز..
٢ ولما ثبت بهذا علمه وقدرته وعجز من سواه وجهله، وأمر الساعة مقرر لا بد من كونه لينتصر المظلوم، وليتميز المسيء من المحسن ذكر شقاوة المسيء فقال: ﴿ويوم يناديهم﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ وضل عنهم ما كانوا يدعون ﴾ : من الأصنام، ﴿ من قبل ﴾ : قبل القيامة فلا ينفعهم، ﴿ وظنوا ﴾ : أيقنوا ﴿ ما لهم من محيص ﴾ : مهرب،
﴿ لا يسأم ﴾ : لا يمل، ﴿ الإنسان من دعاء الخير ﴾ : كالمال والصحة، ﴿ وإن مسه الشر ﴾ : كالفقر والمرض، ﴿ فيئوس١ : من فضله، ﴿ قنوط ﴾ : من رحمته، وما هذا إلا حال الكافر فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون،
١ واليأس صفة القلب، وهو أن يقطع رجاءه من الخير والقنوط أن يظهر عليه أثر اليأس/١٢ وجيز..
﴿ ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ﴾ : بتفريجها عنه، ﴿ ليقولن هذا لي ﴾ : حقي وصل إلي، أو لا يزول عني، ﴿ وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي ﴾ : على فرض أن تقوم القيامة كما يزعمون ﴿ إن لي عنده للحسنى ﴾ : معد لي عند الله الحسنى من النعمة يتمنى على الله تعالى مع إساءة عمله، وهو جواب القسم ساد مسد جواب الشرط ﴿ فلننبئن الذين كفروا ﴾ : نخبرهم، ﴿ بما عملوا ﴾ : بحقيقة أعمالهم فيعلموا أنها تستوجب ندامة لا كرامة ﴿ ولنذيقنهم من عذاب غليظ ﴾
﴿ وإذا أنعمنا١ على الإنسان أعرض ﴾ : نسي المنعم، ولم يأتمر بأوامره ﴿ ونأى بجانبه ﴾ : أذهب نفسه وتباعد عنه تكبرا، والجانب مجاز عن النفس ﴿ وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ﴾ : كثير دائم لأنه إذا كان عرضه واسعا فما ظنك بطوله فإنه أطول الامتدادين استعير ما هو من صفة الأجرام للدعاء
١ ولما حكى الله تعالى أقوال الذي أنعم عليه بعد وقوعه في الآفات حكى أفعاله أيضا فقال:﴿وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض﴾ من التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله، ونأى بجانبه أي: ذهب بنفسه وتكبر وتعظم، ثم إن مسه الضر والفقر أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع/١٢ كبير..
﴿ قل أرأيتم ﴾ : أخبروني، ﴿ إن كان ﴾ : القرآن، ﴿ من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق ﴾ : خلاف وعداوة ﴿ بعيد١ : عن الطريق المستقيم، أي : من أضل منكم ؟ فوضع موضعه، ليكون تعليلا لكمال الضلال، وهو في موقع مفعولي أخبروني على طريق التعليق،
١ وتقرير هذا الكلام أنكم كلما سمعتم هذا القرآن أعرضتم عنه وما تأملتم فيه وبالغتم في النفرة عنه، حتى قلتم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر، ثم من المعلوم بالضرورة أنه ليس العلم بكون القرآن باطلا علما بديهيا وليس العلم بفساد القول بالتوحيد والنبوة علما بديهيا فقبل الدليل يحتمل أن يكون صحيحا، وأن يكون فاسدا فبتقدير أن يكون صحيحا كان إصراركم على دفعه من أعظم موجبات العقاب، فهذا الطريق يوجب عليكم أن تتركوا هذه النفرة وأن ترجعوا إلى النظر والاستدلال؛ فإن دل دليل على صحته قبلتموه، وإن دل على فساده تركتموه. فأما قبل الدليل فالإصرار على الدفع والإعراض بعيد عن العقل /١٢ كبير..
﴿ سنريهم آياتنا ﴾ : الدالة على حقية القرآن، ﴿ في الآفاق ﴾ : كوقائع لا تتعلق بخاصتهم، مثل ظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان ﴿ وفي أنفسهم ﴾ : كالوقائع التي حلت بهم، كوقعة بدر وفتح مكة ﴿ حتى يتبين لهم أنه ﴾ : القرآن، ﴿ الحق ﴾ : المنزل من عند الله تعالى أو معناه سنريهم آياتنا في الآفاق، كالشمس والقمر وغيرهما، وفي أنفسهم من عجائب الصنع المركب منها الإنسان حتى يتبين أن الله هو الحق وكل شيء سواه باطل، زائل لا يستحق الألوهية ﴿ أولم يكف ﴾ أي : أليس الأمر كذلك ؟ ولم يكف ﴿ بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾ أي : ألم يكف شهادته على كل شيء ؟ وهو يشهد على صدق محمد فيما أخبر به عنه أو ألم يكف في حقية الله تعالى اطلاعه على جميع الأشياء ؟ فبربك فاعل كفى، وما بعده بدل منه قيل : أو لم يكفك ربك ؟ فإنه عالم بكل شيء فيعلم حالك
﴿ ألا إنهم في مرية ﴾ : شك ﴿ من لقاء ربهم ﴾ : بالبعث، ﴿ ألا إنه بكل شيء محيط ﴾ : الكل تحت علمه وقدرته فإقامة الساعة يسير عليه.
والحمد لله رب العالمين.
Icon