تفسير سورة ق

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة ق من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة ق
سورة مكية وهي خمس وأربعون آية وثلاث ركوعات وهي مدنية

﴿ ق ﴾ والصحيح أنه من الحروف المقطعة فقيل اسم السورة وقيل اسم من أسماء القرآن وقال القرطبي هو مفتاح اسم الله القدير والقادر والقاهر والقريب والقابض وقيل إشارة إلى قضاء الأمر أو قضاء ما هو كائن والحق أنه رمز بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يعلم تأويله إلا الله وبعض الراسخين في العلم وقد مر الكلام في أوائل سورة البقرة، وقال : قال عكرمة والضحاك هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضر من خضر السماء والسماء مقببة عليه وعليه كتفاها يقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة ﴿ والقرآن ﴾ الواو للقسم، وقال ابن عباس كلمة ق قسم يعني حذف حرف القسم بإيصال الفعل إليه أو إضماره وهذا الواو للعطف ﴿ المجيد ﴾ أي ذو المجد والشرف على سائر الكتب أو لكونه كلام المجيد أو لأنه من تعله وعلم معانيه وامتثال أحكامه بجد وجواب القسم محذوف تقديره لقد صد الرسول المنذر لتبعثن أو نحو ذلك وقيل جوابه قوله تعالى :﴿ ما يلفظ من قول ﴾١ وقيل قد علمنا وقال أهل الكوفة جوابه ﴿ بل عجبوا ﴾
١ سورة ق الآية ١٨.
﴿ بل عجبوا ﴾ بمعنى قد عجبوا أي كفار مكة وعلى التقدير الأول هذا معطوف على محذوف تقديره والقرآن المجيد لقد صدق الرسول وقد أنكره الكفار بل عجبوا ﴿ أن جاءهم ﴾ منصوب بنزع الخافض يعني عجبوا من أن جاءهم ﴿ منذر منهم ﴾ لعجبهم مما ليس هو بعجب وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من قومهم ممن عرفوا عدالته واعترفوا بها ومن كان كذلك لا يكون إلا ناصحا جنسهم أو من قومهم مما عرفوا عدالته واعترفوا بها ومن كان كذلك لا يكون إلا ناصحا لقومه خائفا عليهم أن ينالهم مكروه وإذا علم أن أمرا مخافا أظلهم لزمه أن ينذرهم فكيف ما هو غاية المخاف وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع إليه بطون قريش ﴿ أرأيتكم إن أخبرتكم أن خيلا يخرج بالوادي يريد أن يغير عليكم أنكم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ﴾ ١ الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس ﴿ فقال الكافرون هذا شيء عجيب٢ ﴾ والفاء للتفسير فهو بيان لتعجبهم وهذا إشارة إلى اختيار الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة وإضمار ذكرهم في عجبوا أو إظهاره هاهنا إشارة إلى اختيار الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة وإضمار كرهم قي عجبوا أو إظهاره هاهنا للتسجيل على كفرهم بذلك وجاز أن يكون الفاء للتعقيب وهذا إشارة إلى البعث بعد الموت فهو عطف لتعجبهم مما أنذر رواية على عجبهم ببعث المنذر وللمبالغة في إنكار هذا التعجب وضع المظهر موضع المضمر فإنهم مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما أول مرة وإقرارهم بالنشأة الأولى أنكر والنشأة الأخرى مع شهادة العقل بأنه لا بد من الجزاء وجاز أن يكون هنا إشارة إلى المبهم يفسره ﴿ أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ﴾
١ أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب: تفسير سورة المسد ﴿٤٩٧١﴾ وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: في قوله تعالى ﴿وانذر عشيرتك الأقربين﴾ (٢٠٨).
﴿ أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ﴾ الظرف متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده تقديره أنرجع إلى الحياة إذا متنا وصرنا ترابا ﴿ ذلك ﴾ الرجع ﴿ رجع بعيد ﴾ عن الوهم والعادة أو الإمكان وإنما أورد هذا أولا مبهما وثانيا مفسرا لأنه أدخل في الإنكار أو الأول استعباد لأن يتفضل عليهم مثلهم والثاني استقصاء بقدرة الله تعالى عما هو أهون عليه مما يشاهدون من صنعه
ثم رد الله تعالى إنكارهم للبعث فقال ﴿ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ﴾ يعني ما يأكل الأرض من أجسادهم بعد الموت يعني لا يغرب من علمنا شيء فلا يتعذر علينا جمع ما نقص منها وبعثهم بعد الموت يعني لا يغرب من علمنا شيء فلا يتعذر علينا جمع ما نقص منها وبعثهم بعد الموت ومن قال هذه الجملة جواب للقسم قالوا اللام بحذوف لطول الكلام ﴿ وعندنا كتاب حفيظ ﴾ أي محفوظ من الشياطين ومن أن يندرس ويتغير وقيل معناه حافظ التفاصيل الأشياء يعلم به من عنده من الملائكة وهذه الجملة حال من فاعل علمنا
ثم رد الله تعالى إنكارهم نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فقال ﴿ بل كذبوا بالحق ﴾ يعني النبوة الثابتة بالمعجزات إضراب من الإضراب الأول فإن التكذيب بالشيء الثابت بالأدلة القطعية فوق من التعجب والاستعباد ﴿ لما جاءهم ﴾ ظرف متعلق بكذبوا ﴿ فهم في أمر مريج ﴾ الفاء للسببية المريج المضطرب الملتبس فن تكذيبهم سبب لاضطرابهم في القول قال قتادة والحسن من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم أنهم يقولون مرة شاعر ومرة ساحر ومرة معلم ومرة مجنون ومرة مفتر والأقوال متناقضة غالبا
ثم رد تكذيبهم وأرشدهم إلا الاستدلال على قدرته على البعث بخلق العالم فقال :﴿ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ﴾﴿ أفلم ينظروا ﴾ الهمزة للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره أكذبوا بالبعث فلم ينظروا حين كذبوا به ﴿ إلى السماء فوقهم ﴾ حال من السماء أو ظرف متعلق بلم ينظروا ﴿ كيف ﴾ حال من مفعول ﴿ بنيناها ﴾ ورفعنا بلا عمد ﴿ وزيناها ﴾ بالكواكب وجملة بنيناها وزيناها بتأويل المفرد بدل من السماء والاستفهام بكيف للتقدير والمعنى ألم ينظروا إلى بنائها السماء فوقهم وتزيينها إياها بالكواكب متكيفة بكيفية بديعة راسخة ﴿ وما لها من فروج ﴾ أي شقوق ومن زائدة والجملة حال من مفعول بنيناها أي كائنة على حال ليس لها عيوب وشقوق
﴿ والأرض ﴾ منصوب بفعل مقدر يفسره ﴿ مددناها ﴾ بسطناها والجملة معطوفة على بنيناها فإن قيل جملة بنيناها بتأويل المفرد بدل من السماء كما ذكرنا ولا يتصور ذلك في المعطوف قلنا في الكلام حذف وإضمار تقديره إما أن يقال أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وإلى الأرض من تحتهم كيف مددناها وإما أن يقال والأرض مددناها وإما أن يقال والأرض مددناها تحتها وجاز أن يقال الجملة بتأويل المفرد معطوفة على السماء والمعنى ألم ينظروا إلى مددنا الأرض ﴿ وألقينا فيها رواسي ﴾ أي جبال ثوابت ﴿ وأنبتنا فيها من كل زوج ﴾ أي من كل صنف من النباتات ﴿ بهيج ﴾ حسن ذا بهجة وسرور
﴿ تبصرة وذكرى ﴾ منصوبان على العلة الغائية فإن المقصود من خلق الأشياء كونها تبصرة وذكرى دالة على وجود الخالق القديم القدير العليم الواجب وجوده وصفاته الكمال المنزه عن النقص والزوال ﴿ لكل عبد منيب ﴾ راجع إلى ربه بالتفكر في خلقه خص هذا العبد لكونه هو المنتفع به
﴿ ونزلنا من السماء ماء مباركا ﴾ كثير النفع ﴿ فأنبتنا به ﴾ أي بذلك الماء في الأرض ﴿ جنات ﴾ بساتين ﴿ وحب الحصيد ﴾ إضافة العام إلى الخاص على طريقة حق اليقين وكل الدراهم وعين الشيء يعني الحب الذي يحصد كالبر والشعير ونحو ذلك مما يزرع ويقتات به وإنما خص الحب بإضافة إلى الحصيد لأن المقصود من الحبوب والمنتفع به كمال الانتفاع ما يحصد ويقتات به وقيل هذه بالإضافة من قبيل مسجد الجامع وصلاة الأولى بتأويل الصلاة الجامع وصلاة الساعة الأولى فالمعنى حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر والشعير ونحوهما
﴿ والنخل ﴾ معطوف على جنات ﴿ باسقات ﴾ طويلات أو حاملات من بسقت الشاة إذا حملت أفردها بالذكر لكثرة منافعها وفرط ارتفاعها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من الشجر شجرة لا تسقط ورقها وإن مثلها كمثل المسلم فأنبئوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هي النخلة )١ رواه البخاري من حديث ابن عمر وقال عليه الصلاة والسلام ( أكرموا عمتكم النخل فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فأطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر ) رواه ابن أبي حاتم وأبو يعلى في مسنده وابن عدي في الكامل والعقيلي وابن السني وأبو نعيم في الطب وابن مردويه عن علي رضي الله عنه ﴿ لها طلع نضيد ١٠ ﴾ أي ثمر ومحل مسمى بذلك لأنه تطلع والطلع أول ما يظهر من قبل أن ينشق ﴿ نضيد ﴾ منضود بعضه فوق بعض والمراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه من الثمر جملة لها طلع نضيد حال ثان من النخيل
١ أخرجه الباري في كتاب العلم باب: قول المحدث حدثنا أو اخبرنا أو أنبـنا ﴿٦١﴾ وأخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب: مثل المؤمن مثل النخلة ﴿٢٨١١﴾.
﴿ رزقا للعباد ﴾ عليه للإنبات أو مصدر عن غيره لفظ فإن الإنبات رزق ﴿ وأحيينا به ﴾ أي بالماء عطف على أنبتنا ﴿ بلدة ميتا ﴾ أي أرضا جدبة لإنماء لها ﴿ كذلك ﴾ أي مثل ذلك الخروج للنبات من الأرض بعد سببها ﴿ الخروج ﴾ للأموات من القبور في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بين النفخين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما ؟ قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت، قالوا أربعون سنة قال أبيت ثم ينزل الله من السماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة ) ١ وأخرج ابن أبي داود نحوه وفيه ما بين النفختين أربعون عاما، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال يسيل واد من تحت العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلي من إنسان أو طير أو دابة ولو مر عليهم مار قد عرفهم قبل ذلك ما عرفهم على وجه الأرض فينبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد وذلك قوله تعالى :﴿ وإذا النفوس زوجت ﴾ وأخرج أحمد وأبو يعلى والبيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يبعث الناس يوم القيامة والسماء طش عليهم )
١ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير باب: ﴿يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا﴾ ﴿٤٩٣٥﴾.
ثم أورد تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيدا للكافرين بمثل ما أصاب أمثالهم بقوله ﴿ كذبت قبلهم ﴾ أي ذوي بطش يعني قبل كفار مكة ﴿ قوم نوح ﴾ أنذر قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فكذبوه فأخذهم الطوفان وهم ظالمون وأنجاه الله ومن أمن معه في الفلك المشحون ﴿ وأصحاب الرس ﴾ في القاموس الرس بابتداء الشيء والبئر المطوية بالحجارة وبئر كانت لبقية من ثمود كذبوا نبيهم درسوه في بئر والحفر ودفن الميت، وقال البغوي الرس البئر وكل ركية لم تطوي بالحجارة والآجر فهو ريس وقيل الرس المعدن والجمع رسايس. واختلفوا في أصحاب الرس ؟ فقال بعضهم كما قال صاحب القاموس هم بقية ثمود قال البغوي روى أبو روق عن الضحاك أن بئرا كان بحضور موت في بلدة يقال لها حاصروا وإن أربعة آلاف ممن آمن لصالح نجوا من العذاب فأتوا بحضر موت معهم صالح فلما حضروه مات صالح فسمي حضرموت أن صالحا لما حضره مات فبنوا حاصروا وقعدوا على هذا البئر وأمروا عليهم رجلا فأقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا ثم عبدوا الأصنام وكفروا فأرسل الله إليهم نبيا يقال له حنظلة ابن صفوان وكان جهالا فيهم فقتلوه في السوق فأهلكهم الله وعطلت بئرهم وخربت قصورهم وفيهم قال الله تعالى :﴿ وبئر معطلة وقصر مشيد ﴾ ١ قال سعيد ابن جبير كان لأصحاب الرس نبي يقال له حنظلة ابن صفوان فقتلوه فأهلكهم عليه السلام يدعوهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي أذى شعيب عليه السلام فبيناهم حول البئر في منازلهم انهارت البئر فخسف الله بهم وبديارهم ورباعهم فهلكوا جميعا، وقال قتادة والكلبي الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله عز وجل وقال كعب ومقاتل والسدي الرس بئر بأنطاكية قتل فيها حبيب النجار وهم الذين ذكرهم في سورة ياسين وقيل هم أصحاب أخدود الذين حفروها وقال عكرمة هم رسوا نبيهم في البئر ﴿ وثمود ﴾ كذبت المرسلين ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٤٢ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ١٤٣ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٤٤ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ١٥٣ مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ١٥٤ ﴾٢ فجاء بناقة عشراء خرجت من صخرة فولدت ولدا مثلها وكانت تشرب الماء كله يوما وتذر يوما فقال صالح :﴿ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ١٥٥ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ١٥٦ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ١٥٧٣ فقال هم صالح ﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب٦٥ ﴾ ٤ فأنجى الله صالحا والذين آمنوا معه أخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين
١ سورة الحج الآية ٤٥.
٢ سورة الشعراء الآية {١٥٣ ـ ١٥٤.
٣ سورة الشعراء الآية: ١٥٥ ـ ١٥٤.
٤ سورة هود الآية: ٦٥.
﴿ وعاد ﴾ كذبت المرسلين ﴿ إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين ١٠٧ فاتقوا الله وأطيعون ١٠٨ ﴾ ١ فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فصاروا صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ﴿ وفرعون ﴾ وقومه العمالقة بعث الله إليه موسى وهارون وقال :﴿ اذهب إلى فرعون إنه طغى ١٧ فقل هل لك إلى أن تزكى ١٨ وأهديك إلى ربك فتخشى ١٩ فأراه الآية الكبرى ٢٠ ﴾ ٢ ألقى عصاه فإذا هي حية تسع وأدخل يده في جيبه خرجت بيضاء من غير سوء آية أخرى فكذب وتولى وقال أنا ربكم الأعلى فأوحى الله إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا واضرب بعصاك البحر فكان كل فرق كالطود العظيم فسار في البحر موسى ببني إسرائيل وأنجى الله موسى وبني إسرائيل وأتبعهم فرعون وجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم فلما أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إلاه إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فقال الله تعالى :﴿ ألئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ٩١ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ﴾ ٣ ﴿ أخوهم لوط ﴾ كذبوا المرسلين ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٦١ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ١٦٢ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٦٣ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٦٤ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ١٦٥ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ١٦٦ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ١٦٧ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ ١٦٨ ﴾٤.
فأنجاه الله وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطر الله عليهم حجارة من طين مسومة عند بك للمسرفين
١ سورة الشعراء الآية: ١٢٤ـ ١٢٥.
٢ سورة النازعات الآية: ١٧ ـ ٢٠.
٣ سورة يونس الآية: ٩١ ـ ٩٢.
٤ سورة الشعراء: ١٦١ ـ ١٦٨.
﴿ وأصحاب لئيكة ﴾ كذب المرسلين ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ١٧٧ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ١٧٨ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٧٩ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٨٠ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ١٨١ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ١٨٢ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ١٨٣ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ١٨٤ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ١٨٥ وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ١٨٦ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ١٨٧ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ١٨٨ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾١ إذ كانوا في حر شديد وكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا فأظلهم الله سبحانه وهي الظلة فاجتمعوا إليها فأمطرت عليهم نارا فاخترقوا ﴿ وقوم تبع ﴾ قال البغوي قال قتادة هو تبع الحميري كان من ملوك اليمن وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة وبنى سمرقند سمي تبعا لكثرة أتباعه وكل واحد منهم سمي تبعا لأنه يتبع صاحبه وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعى قومه إلى الإسلام فكذبوه ذكر محمد ابن إسحاق وغيره عن عكرمة عن ابن عباس وغيره قالوا كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد ابن يكرب حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع إخرابها واسئصال أهلها فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره فخرجوا لقتاله فكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فأعجبه ذلك وقال إن هؤلاء لكرام فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما كعب وأسد من أحبار بني قريظة عالمان وكانا ابني عم حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد صلى الله عليه وسلم مولده مكة وهذا دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه وفي عدوهم قال تبع من يقتله وهو نبي ؟ قالا يسير إليه فيقتتلوا هاهنا فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة وخرج بها ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن فأتاه في الطريق نفر من هذيل، وقالوا إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة قال أي بيت قالوا بيت مكة وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك فذكر ذلك للأحبار فقالوا ما نعلم لله في الأرض بيتا غير هذا البيت فاتخذه مسجدا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك ما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناداه أحد قط إلا هلك فأكومه واصنع عنده ما يصنع أهله فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم، فلما قدم مكة نزل الشعب البطائح وكسا البيت الوصائل وهو أول من كسى البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق وانصرف فلما دنى من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه وقالوا لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا إلى النار وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فلما يختلفون فيه فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم قال تبع أنصفتم فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم فأكلت الأوثان ومما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمية على دينهما فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن. وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال كان أبو كرب أسعد الحميري من التبايعة آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة وذكر لنا أن كعبا كان يقوم ذم الله قومه ولم يذمه وكانت عائشة تقول لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالح وقال سعيد ابن جبير هو الذي كسا البيت روى البغوي بسنده عن سهل ابن سعد قال سمعت النبي يقول ( لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم ) والبغوي بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما أدري تبع أكان نبيا أو غير نبي ) انتهى كلام البغوي في سورة الدخان ﴿ كل ﴾ أي كل واحدا أو كل قوم منهم أو جميعهم ﴿ كذب ﴾ أفرد الضمير للفظة كل ﴿ الرسل ﴾ أورد صيغة الجمع لأن من كذب واحدا فقد كذب جميعهم أو لأنهم كانوا كلهم لا يؤمنون بالله وحده وكانوا ينكرون إرسال الرسل بالطريق الأولى ﴿ فحق ﴾ وجب وحل ﴿ وعيد ﴾ أي وعيدي أي عذابي الموعود كل ذلك يحل بهؤلاء عن الكفار مكذبي الرسل أثبت الياء وصاية ورش والباقون حذفوها في الحالين
١ سورة الشعراء الآية ـ ١٧٧ ـ ١٨٩.
﴿ أفعيينا بالخلق الأول ﴾ في القاموس عيي بالأمر لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطلق أحكامه والهمزة للإنكار والفاء للعطف والتعقيب على مضمون قوله تعالى ﴿ أفلم ينظروا إلى السماء ﴾ قوله تعالى :﴿ كذبت قبلهم قوم نوح ﴾ إلى آخره معترضات والمستفاد إنكار تعقب الخلق ما سبق ذكره والمعنى بيننا السماء بلا فروج ومددنا الأرض وألقينا فيها رواسي وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا بها ما ذكر فلم نعي بخلقها أول مرة كما ترونه تعترفون بالإعادة ﴿ بل هم في لبس ﴾ أي خلط شبهة والمراد به الشك وأصل اللبس الستر وفي حالة الشك يختلط الحق بالباطل ويستر ﴿ من خلق جديد ﴾ أي معاد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون له علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولد وأنا الله أحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد )١ رواه البخاري عن أبي هريرة وعن ابن عباس نحوه
١ أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب: تفسير سورة الإخلاص ﴿٤٦٩٠﴾.
﴿ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به ﴾ أي تحدث به ﴿ نفسه ﴾ الوسوسة الصوت الخفي والمراد ما يخطر بالبال وما فيما توسوس موصولة والباء في به صلة يقال صوت بكذا الضمير عائد إلى ما أو مصدرية والباء للتعدية والضمير عائد إلى الإنسان ونعلم خبر مبتدأ محذوف والجملة الاسمية حال من فاعل خلقنا أو مفعوله أو كليهما وتقديره ونحن نعلم ما تحدث به نفسه فإن الله تعالى خلق الإنسان وسوسة ولكل شيء عرض وجوهر والخلق بالاختيار والإرادة مسبوق بالعلم ضرورة ﴿ ونحن أقرب إليه ﴾ أي إلى الإنسان ﴿ من حبل الوريد ﴾ الحبل العرق وإضافته إلى الوريد من قبيل شجرة الأراك ويوم الجمعة للبيان والجملة حال ثان من فاعل خلقنا الوريدان عرقان مكتنفان بصفحة العنق متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه قيل سمي وريدان لأن الروح يرده. واختلف أقوال العلماء في تصوير هذه الأقربية ؟ فقال علماء الظاهر المراد قرب علمه منه، قال البيضاوي معناه نحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه من حبل الوريد ففيه تجوز لقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه وحبل الوريد مثل يضرب لكمال القرب يقال الموت أدنى لي من الوريد قال البغوي معناه نحن أعلم به منه لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضا ولا يحجب عن علم الله شيء وعلى هذا التأويل يلزم جواز أن يقال الطبيب أقرب إلى المريض من حبل الوريد فإن المريض لا يعلم بعض أحواله وهو لا يعلم شيئا من أحوال نفسه فيجوز أن يقال أنا أقرب من السماء من نفسه فالاقتصار في القول بأقربيته سبحانه إلى خلقه بهذا المعنى غير مرضي عندي وقالت الصوفية العلية بل الله سبحانه أقرب إلى المخلوقات من أنفسها قربا ذاتيا لا زمانيا ولا مكانيا ولا متكيفا بكيفية أصلا يدرك ذلك القرب بنور الفراسة لا بالمشاعر أو الاستدلال وغاية ما يقال في هذا المقام أن العالم من حيث أنه محتاج في الوجود والبقاء إلى الواجب يشبه نسبته إلى الواجب بنسبة الظل إلى الأصل فإن الظل لا وجود له ولا بقاء إلا بوجود أصله فالأصل أقرب إلى الظل من نفسه والواجب أقرب إلى الممكن من نفسه بالذات ألا ترى أن الممكن ما لم ينتسب إلى الواجب لم يجب بالغير وما لم يجب لم يوجد وما لم يوجد لا يجوز حمله على نفسه حملا أوليا فلا يقال زيد ما لم يوجد حينئذ لسلبه عن نفسه إذ يشترط وجود الموضوع للحمل الإيجابي وإن كان حملا أوليا فوجود الممكن أقرب إلى ذات الممكن عن ذاته لجواز سلب الشيء عن نفسه ما لم يوجد والمراد بالوجود هاهنا ما به الموجودية لا المعنى المصدرية فذات الله سبحانه أقرب إلى الممكن من ذاته فهو أبعد في الوجدان وأقرب الذات ولما كانت الصوفية ينسبون العالم إلى دائرة الظلال إلى الصفات والصفات إلى الذات وفي الظلال مراتب كثيرة كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام ( إن لله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لأحرقت سبحاب وجهه وانتهى إليه بمن خلقه )١ كذا في الصفات قال الله تعالى :﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله ﴾ ٢ وقال الله تعالى :﴿ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ﴾ ٣ فبناء على هذا قال المجدد وقدس سره للعزيز أنه سبحانه وراء الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء في جهته القرب دون البعد يعني ظلال الصفا أقرب إلى الممكن من أمكن وصفات الله تعالى ألممكن من ذاته ومن الظلال ومن الصفات والله تعالى أعلم.
فائدة : هذا النوع من القرب المستفاد من هذه الآية يعم الخلائق كلها حتى الكافرين والله سبحانه بخواص عباده قرب آخر لا يشارك النوع الأول من القرب إلا اشتراكا اسميا لا حقيقيا وذلك القرب أيضا يدرك بالفراسة الصحيحة ويستفاد من الكتاب والسنة قال الله تعالى ﴿ واسجد واقترب ﴾ ٤ وقال الله تعالى ﴿ الله معنا ﴾ ٥ ﴿ إن معي ربي ﴾ ٦ ﴿ عندي ذي العرش مكين ﴾ ٧ ﴿ عند مليك مقتدر ﴾ ٨ وفي ﴿ ثم دنا فتدلى ٨ فكان قاب قوسين أو أدنى ﴾ ٩ ونحو ذلك وقال عليه السلام ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل ) ١٠ نحو ذلك وهذا القرب يسمى بالولاية ولها مراتب لا تعد ولا تحصى ولا يدل عليه كلمة لا يزال ويضاده البعد المختص بالكفار قال الله تعالى ﴿ ألا بعدا لعاد قوم هود ﴾ ١١ ﴿ بعدا لثمود ﴾ ١٢ ﴿ ألا بعد للقوم الظالمين ﴾ ١٣
١ رواه أبو يعلى والطبراني وفيه موسى ابن عبيدة لا يحتج به. انظر مجمع الزوائد في كتاب ﴿الأيمان باب: في عظمة الله تعالى {٢٥٢﴾.
٢ سورة لقمان الآية ٢٧.
٣ سورة النحل الآية ٩٦.
٤ سورة العلق: الآية ١٩.
٥ سورة التوبة الآية ٤٠.
٦ سورة الشعراء الآية: ٦٢.
٧ سورة التكوير الآية ٢٠.
٨ سورة القمر الآية ٥٥.
٩ سورة النجم الآية ٨ ـ ٩.
١٠ أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب التواضع ﴿٦٥٠٢﴾.
١١ سورة هود الآية ٦٠.
١٢ سورة هود الآية ٦٨.
١٣ سورة هود الآية ٤٤.
إذ يتلقى أي يأخذ الملكان ﴿ المتلقيان ﴾ الموكلان بالإنسان ومفعول يتلقى محذوف مراد يعني يتلقى عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه ﴿ عن اليمين وعن الشمال قعيد ﴾ الجار والمجرور متعلق بقعيد بدل من المتلقيان والتقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد أي مقاعد كالجليس بمعنى المجالس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وقيل يطلق الفعيل على الواحد والكثير كقوله تعالى ﴿ والملائكة بعد ذلك ظهير ﴾ ١ والمراد القعيد اللازم الذي لا يبرح إلا القاعد الذي هو ضد القائم وقال مجاهد القعيد الرصيد والظرف متعلق باذكر يعني اذكر يتلقى أو متعلق بأقرب إيذانا بأنه تعالى غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لكنه لحكمة اقتضته وإلزام حجة يوم يقوم الأشهاد
١ سورة التحريم الآية ٤.
﴿ ما يلفظ ﴾ الإنسان من فيه من قول من زائدة وقول مفعول به ﴿ إلا لديه ﴾ ملك ﴿ رقيب ﴾ يرقب عمله ليكتب ﴿ عتيد ﴾ حاضر مع الاستثناء مفرغ والمستثنى صفة لقول قال الحسن إنما الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين عند غائطه وعند جماعه وقال مجاهد يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه وقال عكرمة لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يوزر فيه، روى البغوي بسنده عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيآت على يسار الرجل وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيآت فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه لسبع ساعات لعله يسبح ويستغفر ) ورواه ابن راهوية في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان لما ذكر الله تعالى استعبادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه لبيان مبدأ خلق العالم من بناء السماء والأرض ومبدأ خلق الإنسان ومعاشه بقوله، ولقد خلقنا الإنسان إلى هاهنا عقب ذلك قرب الموت وقيام الساعة تهديدا وتوعيدا
﴿ وجاءت سكرة الموت ﴾ أي غمرته شدته التي يغشى الإنسان ويزيل عقله جاء جاءت وما عطف عليه أعني نفخ وجاءت وكشفنا، وقال بصيغة الماضي ومعناه المستقبل للدلالة على قربه وتحقق وقوعه ﴿ بالحق ﴾ الباء للتعدية والمعنى أحضرت سكرات الموت الأمر المتحقق الثابت فإن الدنيا وما فيها كأنها سراب لا تحقق لها وما كان بعد الموت فهو أمر ثابت لا مرد له والوعد الحق الذي لا يحتمل تخلفه من الموت أو الجزاء فإن الإنسان خلق له وجاز أن يكون حالا متلبسا بالحق ومستصحبا له والحق هو الموت وما بعده وجاز أن يكون بالحق جملة مؤكدة لما سبق يعني هذا القول متلبس بالحق ﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى الحق بمعنى الموت أو الجزاء ﴿ ما كنت ﴾ أيها الإنسان ﴿ منه تحيد ﴾ أي تميل وتفرعنه يعني تكره الموت وتنكر الجزاء وهذه الجملة بتقدير القول حال من مقدر تقديره جاءت سكرة موت الإنسان بالحق يقال له ذلك ما كنت منه تحيد فإن المراد بالموت موت الإنسان
﴿ ونفخ في الصور ﴾ نفخة البعث ﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى يوم يقول لجهنم إن كان ظرفا لنفخ وإلا فهو إشارة إلى مصدر نفخ المضاف محذوف يعني وقت ذلك النفخ ﴿ يوم ﴾ تحقق ﴿ الوعيد ﴾ والجملة مفعول يقال المحذوف يعني يقال ذلك يوم الوعيد أخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال إن الذين يفرقون في البحر فتقسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شيء إلا العظام فيلقها الأمواج على البر فيمكث العظام حتى تصير نخرة فتمر بها الإبل فيأكل ثم يسير الإبل فتبعرها ثم تجيء بعدهم قوم فينزلون منزلا فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه ثم تخمد ذلك النار فتجيء ريح فيلقي ذلك الرماد على الأرض فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور
﴿ وجاءت ﴾ ذلك اليوم ﴿ كل نفس ﴾ مؤمنة وكافرة ﴿ معها ﴾ محلها النصب على الحال من كل لإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة ﴿ سائق وشهيد ﴾ أخرج سعيد ابن منصور وعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم عن عثمان ابن عفان في ثلاثة قال سائق يسوقها إلى أمر الله تعالى وشهيد يشهد عليها بما علمت وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي هريرة قال السائق الملك والشهيد العمل ذكر السيوطي في كتاب البرزخ من حدث جابر مرفوعا ( فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيآت فانتشطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضر معه أحدهما سائق وآخر شهيد ) وأخرجه أبو نعيم وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا وقال البغوي وقال الضحاك السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل وهو رواية العوفي عن ابن عباس
﴿ لقد كنت ﴾ على إضمار القول يعني يقال له لقد كنت في الدنيا ﴿ في غفلة من هذا ﴾ الذي نزل بك هذا اليوم } ﴿ فكشفنا عنك غطاءك ﴾ الحاجب لأمور المعاد، وهو الغفلة والانهماك وفي المحسوسات والألف بها وقصور النظر عليها والران واسوداد القلب المكني عنه بقوله تعالى ﴿ ختم الله على قلوبهم على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ﴾ ١ وقوله تعالى :﴿ كلا بل ران على قلوبهم ﴾ ٢ ﴿ فبصرك اليوم حديد ﴾ نافذ تبصر ما كنت تنكره في الدنيا قال البغوي روي عن مجاهد يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيآتك حديد
١ سورة البقرة الآية ٧.
٢ سورة المطففين الآية ١٤.
﴿ وقال قرينه ﴾ أي الملك الموكل عليه عطف على يقال المحذوف ﴿ هذا ما لدي عتيد ﴾ أي حاضر إما موصوفة والظرف صفة له وعتيد صفة بعد صفة وإما موصولة خبر مبتدأ والظرف صلتها وعتيد بدل سنها أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف والإشارة إما إلى الشخص أو إلى ديوان عمله يعني هذا شيء كائن عندي حاضرا وهذا الذي هو كائن عندي حاضرا وهذا حاضر فيقول الله تعالى :﴿ ألقيا ﴾
﴿ ألقيا ﴾ خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد أو للملكين من خزنة النار أو الواحد وتثنية الفاعل بمنزلة تثنية الفعل للتأكيد أو الألف بدل من نون التأكيد الخفيفة للوصل مجرى الوقف ويؤيده ما قرئ بالنون الخفيفة ﴿ في جهنم كل كفار عنيد ﴾ معاند للحق
﴿ مناع للخير ﴾ أي للزكوات المفروضة وكل حق وجب في ماله ﴿ معتد ﴾ ظالم لا يقر بتوحيد الله تعالى ﴿ مريب ﴾ شاك في الله وفي دينه
﴿ الذي جعل مع الله إلاها آخر ﴾ الموصول مبتدأ متضمن معنى الشرط وخبره ﴿ فألقياه في العذاب الشديد ﴾ وهو النار أو الموصول بدل من كف كفار فألقياه تكرير للتأكيد الموصول مفعول يفسره فألقياه
﴿ قال قرينه ﴾ يعني الملك الموكل به كذا قال ابن عباس وسعيد ابن جبير ومقاتل قال سعيد ابن جبير يقول الملك ذلك حين يقول الكافر رب إن الملك زاد علي في الكتابة فيقول الملك ﴿ ربنا ما أطغيته ﴾ يعني ما كسبته إلى الكفر والطغيان وما زدت عليه في الكتابة ولكون هذه الجملة جوابا بالمحذوف أعني قول الكافر هو المغاني وكذب علي واستؤنفت هذه الجملة كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التفاؤل بخلاف الأولى أعني ﴿ قال قرينه ﴾ فإنها واجبة العطف ما قبلها للدلالة على جميع مفهوماتهما في الحصول أعني مجيء كل نفس وقول قرينه بما قال ﴿ ولكن كان في ضلال بعيد ﴾ وقال بعض المفسرين المراد بالقرين الشيطان الذي قيض لهذا الكافر يعني أن الكافر يقول أطغاني شيطاني فيقول الشيطان ربنا ما أضللته ولا أغويته ولكن كان في ضلال بعيد فأعنته فإن إغواء الشيطان إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال :﴿ وما كان عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ﴾ ١ ولهذا ترى المخلصين الكرام الصوفية العلية شمروا ذيلهم وبذلوا جهدهم في مجاهدة أنفسهم وتزكيتها كيلا متطرق إليهم الشيطان والله أعلم لكن ما ذكره علماء العربية أن المعرفة إذا عيدت فالثاني غير الأول كما في قوله تعالى :﴿ فإن مع العسر يسرى ٥ إن مع العسر يسرى ٦ ﴾ ٢ معناه إن مع العسر واحد يسرين وإن الأصل في الإضافة العهد الخارجي يقتضي أن يكون المراد بقرينه ثانيا أيضا الملك الموكل به كما قال سعيد ابن جبير وغيره وقال بعض المتأخرين المراد بالقرين في كلا القرينين الشيطان الذي قيض مع الكافر فهو له قرين ومعنى قوله هذا ما لدي عتيد هذا الشخص ما عندي وفي سلطاني عتيد لجهنم هينة لها بإغوائي ومعنى قوله ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد أن ما أطغيته كرها ولكن كان في ضلال بعيد فاتبعني باختياره واستجاب لي دعوتي إياه إلى الكفر والمعاصي ولم يستجب دعوة رسلك
١ سورة إبراهيم الآية ٢٢.
٢ سورة الشرح الآية ٥ ـ ٦.
﴿ قال ﴾ الله تعالى :﴿ لا تختصموا لدي ﴾ أي موقف الحساب بحيث لا فائدة فيه ﴿ وقد قدمت إليكم بالوعيد ﴾ على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة وهو حال وفيه تعليل للنهي أي لا تختصموا عاملين بأن أوعدتكم والباء زائدة وجاز أن يكون بالوعيد حالا والمفعول به
قوله تعالى ﴿ ما يبدل القول لدي ﴾ يعني لا يتخلف قولي ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ ١ فلا تطعموا غفراني وقال الكلبي واختاره الفراء أن المعنى لا يكذب عندي ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب ﴿ وما أنا بظلام للعبيد ﴾ ليس المراد نفي مبالغة الظلم بل نفي أصل الظلم وإنما أورد صيغة المبالغة تعريضا للمخاطبين يعني أن الكافرين في الظلم كما في قوله تعالى ﴿ أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون٥٠ ﴾ ٢.
١ سورة النساء الآية ذ: ٤٨.
٢ سورة النور: الآية: ٥٠.
﴿ يوم نقول لجنهم هل امتلأت ﴾ قرأ نافع وأبو بكر يقول بالياء على الغيبة والضمير عائد إلى الله سبحانه على نسق قوله تعالى :﴿ قال لا تختصموا ﴾ والباقون بالنون على التكلم ولما سبق من الله تعالى أنه يملأ جهنم من الجنة والناس فهذا سؤال منه تعالى لتصديق خبره وتحقيق وعده ﴿ وتقول ﴾ يعني جهنم في الجواب ﴿ هل من مزيد ﴾ قال عطاء ومجاهد ومقاتل ابن سليمان استفهام إنكار ومعناه قد امتلأت فلم يبق في موضع لم يمتلئ يعني لا يتصور المزيد على هذا الامتلاء الذي حصل والصحيح أنه استفهام للاستزادة لما روى الشيخان في الصحيحين عن أنس عن النبي صلى عليه وسلم قال :( لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزل بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله تعالى لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة ) ١ وأخرج ابن أبي عاصم في الستة عن أبي ابن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جهنم تسأل المزيد حتى يضع الجبار تعالى قدمه فيها فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط ) وقال البغوي روي عن ابن عباس رضي الله عنه إن الله تعالى سبقت كلمته ﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين١١٩ ﴾ ٢ فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيه فوج إلا ذهب فيها ولا يملأها فتقول ألست قد أقسمت بتملأن فيضع قدمه عليها ثم يقول هل امتلأت فتقول قط قط فليس مزيد، وقال البيضاوي هذا السؤال والجواب جيء بهما التخيل والتصوير يعني أنها مع اتساعها تطرح فيها من الجنة والناس فوجا فوجا حتى تمتلئ لقوله تعالى ﴿ لأملأن ﴾ هذا على تقدير كون الاستفهام للإنكار أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ أو إنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثر لهم والطالب للزيادة وهذين التوجيهين على تقدير كون الاستفهام للإستزادة ولكن لا ضرورة إلى هذا التأويل والأولى الحمل على حقيقة السؤال والجواب ولا استعباد في إنطاقها كإنطاق الجوارح ويوم إما منصوب بتقدير أذكر مقدارا أو ظرف لنفخ وما عطف عليه على سبيل التنازغ
١ أخرجه البخاري في كتاب: التوحيد باب: قول اله تعالى: ﴿وهو العزيز الحكيم﴾ ﴿٧٣٨٤﴾ وأخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ﴿٢٨٤٨﴾.
٢ سورة هود الآية ١١٩.
﴿ وأزلفت ﴾ أي أدنيت عطف على نفخ ﴿ الجنة للمتقين ﴾ من الشرك ﴿ غير بعيد ﴾ منصوب على الظرف أي مكان غير بعيد أو زمانا غير بعيد وعلى الحال وتذكيره لأنه صفة محذوف أي شيئا غير بعيد أو لأن الجنة بمعنى البستان والغرض من هذا التقييد التوكيد كما يقال قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل
﴿ هذا ﴾ الثواب أو الإزلاف مبتدأ خبره ﴿ ما توعدون ﴾ قرأ ابن كثير بالياء على الغيبة والضمير للمتقين والباقون بالتاء على الخطاب للمتقين بإضمار القول يبعني لهم هذا ما توعدون ﴿ لكل أواب ﴾ بدل من المتقين بإعادة الجار وجاز أن يكون هذا مبتدأ وما توعدون صفة ولكل أواب خبره والمعنى رجاع إلى الله عما سواه ظاهرا وباطنا وقيل رجاع من المعاصي إلى الطاعات وقال سعيد ابن المسيب الذي يذنب ثم يتوب وقال الشعبي ومجاهد الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها وقال الضحاك هو التواب وقال ابن عباس وعطاء المسبح كما في قوله تعالى :﴿ يا جبال أوبي ﴾ ١ وقال قتادة المصلح وعن زيد ابن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ﴿ صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ﴾ ٢ رواه مسلم ﴿ حفيظ ﴾ يعني دائم الحضور لا يغفل عن الله طرفة عين، وقال ابن عباس الحافظ لأمر الله وعدنا أيضا أنه هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع ويستغفر منها يعني لا يرى ذنوبه وقال قتادة حفيظ لما استودعه الله من حقه، وقال الضحاك هو المحافظ على نفسه المتعهد لها، وقال الشعبي المراقب وقال سهيل ابن عبد الله الحافظ على الطاعات
١ سورة سبأ الآية ١٠.
٢ أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ﴿٧٤٨﴾.
﴿ من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب ﴾ مخلص مقبل على الطاعة ومحل من مجرور على أنه بدل بعد بدل للمتقين أو بدل من موصوف أواب أو مرفوع على الابتداء خبره
﴿ ادخلوها ﴾ على تأويل يقال لهم أدخلوها فإن من معناه الجمع وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول أو صفة لمصدر أي خشية متلبسة بالغيب يعني خشي عقابه وهو غائب من الله تعالى يعني في الدنيا حين لم يره أو غائب عن عقابه أو هو غائب عن الأعين لا يراه أحد، قال الضحاك والسدي والحسن يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد وتخصيص الرحمان للإشعار بأنهم رجوا رحمته وخافوا عذابه أو بأنهم يخشون عذابه مع علمهم بسعة رحمته لا يغترون برحمته ولا يجترئون على معاصيه ووصف القلب بالإنابة لأن المعتبر وإنما هي الإنابة بالقلب ﴿ بسلام ﴾ أي متلبسين بسلامة يعني سالمين من العذاب والهموم وزوال النعمة أو بسلام يعني مسلما عليكم من الله وملائكته ﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى الدخول بتقدير المضاف يعني وقت ذلك الدخول في الجنة ﴿ يوم الخلود ﴾ يوم تقدير الخلود كقوله تعالى :﴿ فادخلوها خالدين ﴾١ روى الشيخان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه }٢ البخاري عن أبي هريرة مرفوعا :( يقال يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت ) ٣
١ سورة الزمر: الآية : ٧٣.
٢ أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب (٦٥٤٤) وأخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها. باب النار يدخلها جبار، والجنة يدخلها الضعفاء(٢٨٥٠)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب (٦٥٤٥).
﴿ لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ﴾ وهو مما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :﴿ إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له تمن فيتمنى ويتمنى فيقول هل تمنيت فيقول نعم فيقول لك ما تمنيت ومثله معه ﴾١ رواه مسلم وأخرج نهاد عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر حديثا طويلا قال فيه ( ثم يقول الله تعالى إني عهدت إلى عبادي أني لا أدخل الجنة رجلا إلا جعلت له فيها ما اشتهت نفسه لكم فيها ما سألتم ومثله ) ﴿ وقل جابر وأنس المراد بالمزيد النظر إلى وجه الله الكريم أخرج مسلم وابن ماجه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ) ثم تلا هذه الآية، { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾٢ وروى ابن خزيمة وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري وكعب ابن عجرة وابن عباس وحذيفة وابن مسعود وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله تعالى يبعث يوم القيامة مناديا ينادي الصوت يسمعه أولهم وآخرهم يا أهل الجنة وإن الله وعدكم الحسنى وزيادة الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمان ) والله تعالى أعلم
١ أخرجه مسلم في حساب الإيمان باب معرفة طريق الرؤيا (١٨٢).
٢ أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى (١٨١) وأخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب، باب: فيما أنكرت الجهمية (١٨٧)..
﴿ وكم أهلكنا قبلهم ﴾ أي قبل قومك ﴿ من قرن هم أشد منهم ﴾ أي من قومك بطشا قوة كعاد وفرعون وغيرهم وجملة هم أشد صفة لقرن ﴿ فنقبوا في البلاد ﴾ في القاموس نقب في الأرض أي ذهب كأنقب ونقب، قلب التشديد للتكثير والمعنى إذهبوا في البلاد للتعرف فيها والتمتع حينئذ الفاء للسببية فإن شدة بطشهم سبب للتصرف في البلاد أو المعنى جالوا في الأرض كل مجال حذر الموت والفاء حينئذ لمجرد التعقيب ﴿ هل من محيص ﴾ من زائدة ومحيص في محل الرفع على الفاعلية أو النصب على المفعولية بفعل محذوف، والاستفهام للإنكار تقديره بل كان لهم محيص أو هل وجدوا لهم محيصا فكيف يغفل أهل مكة ويلههم الأمل وجاز أن يكون نقبوا معطوفا على أهلكنا والضمير عائد إلى أهل مكة والمعنى إنهم ساروا في بلاد القرون الخالية فتشوا أخبارهم ورأوا آثارهم فهل محيصا حتى يتوقعوا مثلهم
﴿ إن في ذلك ﴾ السورة وإن كان ضمير نقبوا راجعا إلى أهل مكة فيجوز أن يكون المشار إليه مصدر لقبوا يعني في سيرهم في البلاد ﴿ لذكرى ﴾ تذكرة وعظة ﴿ لمن كان له قلب ﴾ أي قلب صاف عن الكامرات صالح لتجليات الصفات له لعينه غير متكفية بالذات مشتغل بالله فارغ عن غيره مصدق لحديث قدسي ﴿ لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ﴾١ ولا يكون القلب هكذا إلا بعد الفناء المصطلح للصوفية وقال ابن عباس معناه كان له عقل تسمية الحال باسم المحل وقيل المراد قلب واع يتفكر في حقائق الأمور وكان إن كان ناقصة أو بمعنى صار فقلب اسمه وله خبر وإن كان تامة فقلب فاعله وله حال من الفاعل والجار والمجرور أعني لمن كان الخ متعلق أو بالظرف المستقر أعني في ذلك ﴿ أو ألقى السمع ﴾ عطف على صلة من ﴿ وهو شهيد ﴾ قال من فاعل ألقى يعني أن السورة موعظة لمن كان له قلب سليم أو استمع القرآن وهو شهيد حاضر قلبه ولو بتكلف لا بتغافل أو شاهد يصدقه فيتعظ بظاهرة وينزجر بزواجره قلت فالأول بيان الكاملين والثاني بيان المريدين المخلصين نظيره قوله عليه الصلاة والسلام ( الإحسان أن تعبد ربك كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك ) ٢ يعني تصور الحضور بتكلف.
١ قال الحافظ العراقي، لم أر له أصلا، وفي حديث عقبة عند الطبراني (وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين: انظر تخريج أحاديث الغحياء/ المجلد الثالث / كتاب شرح عجائب القلب.
٢ خرجه البخاري في كتاب: الإيمان باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة (٥٠).
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن اليهود أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت عن خلق السماوات والأرض فقال :﴿ خلق الله الأرض يوم الأحد والبحار يوم الإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من المنافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمداين والعمران والخراب وخلق الله يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه فخلق في أول ساعة الآجال حين يموت من مات وفي الثانية والتي الآفة على كل شيء ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر الساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد ؟ قال : ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو أتمم قالوا ثم استراح فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فنزلت { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ﴾ من تعب وإعياء
﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ أي اليهود إن الله تعالى أعني فاستراح أو المشركون في أمر البعث فإنه من قدر على خلق العالم فهو قادر على بعثهم والانتقام منهم وروى مسلم عن أبي هريرة من غير ذكر اليهود ولا ذكر نزول الآية ولفظه أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال :( خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر الساعة من النهار بين العصر إلى الليل }١ قلت لعل ذكر خلق التربة يوم السبت من خلط بعض الرواية والصحيح أن بدء خلق العالم من يوم الأحد وتمامه يوم الجمعة كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ﴾ والسبت اليوم السابع فإن قيل قد صح من الأحاديث ما يدل على أن خلق آدم بعد خلق السموات والأرض والملائكة والجن بزمان طويل وكان قبل ذلك سلطنة الجن وكان إبليس في الملائكة وكان له ملك الأرض وملك سماء الدنيا والجنة يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة وفسر قوله تعالى :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ١ ﴾ ٢ أنه قد أتي على آدم أربعون سنة ملقى من طين بين مكة والطائف قبل أن ينفخ فيه الروح لا يذكر ولا يعرف ولا يدري ما اسمه ولا ما يراد به، كذا قال البغوي وغيره وهذا الحديث يدل على أن آدم خلق في آخر الساعة من جمعة خلق فيها الملائكة فكيف التوفيق ؟ قلت لعل المراد بخلق آدم تقديره في اللوح لمحفوظ يدل عليه قوله ( خلق في أول ساعة الآجال حين يموت من مات وفي الثانية ألقى الآفة كل شيء ينتفع به الناس ) فإنه لا يتصور ذلك بمعنى التقدير ﴿ وسبح بحمد ربك ﴾ يعني صل متلبسا بحمد ربك ﴿ قبل طلوع الشمس ﴾ يعني صلاة الفجر ﴿ وقبل الغروب ﴾ يعني صلاة العصر وروي عن ابن عباس قال قيل الغروب الظهر والعصر هذا لعل قول ابن عباس مبني على أن وقت الضروري للصلاتين واحد كما قال به مالك وغيره
١ أخرجه مسلم في كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام (٢٧٨٩).
٢ ورة الإنسان الآية ١.
﴿ ومن الليل فسبحه ﴾ ويعني صلاة المغرب والعشاء وقال مجاهد المراد منه صلاة الليل أي وقت صلى يعني نوافل ﴿ وأدبار السجود ﴾ قرأ نافع وابن كثير وحمزة بكسر الهمزة مصدر أدبر إدبارا وقرأ الآخرون بفتحها على أنه جمع دبر قال البغوي قال عمر ابن الخطاب وعلي ابن أبي طالب والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي أدبار السجود ركعتان قبل صلاة المغرب وإدبار النجوم ركعتان قبل صلاة الفجر وهي رواية العوفي عن ابن عباس ورواه الترمذي عن ابن عباس مرفوعا هكذا قال أكثر المفسرين ولم يظهر لي وجه إطلاق إدبار السجود على صلاة قبل صلاة المغرب مع أن وقت الغروب قبيلها ليس وقت السجود والظن أن يكون المراد من أدبار السجود النوافل الراتبة بعد الفرائض وجاز أن يكون معنى قوله تعالى :﴿ وسبح بحمد ربك ﴾ قل سبحان الله وبحمده، روى الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله مئة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه )١ روى الشيخان عنه مرفوعا ( من قال سبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) وهما عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمان سبحان الله وبحمده سبحان العظيم ) وقال مجاهد قوله تعالى :{ وسبح ﴾ هو التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سبح في دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام المائة لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) رواه مسلم والبخاري ونحوه أخرج مالك وابن خزيمة
١ أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات باب: فضل التسبيح (٦٤٠٥) وأخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة باب: فضل التهليل والتسبيح (٢٦٩٢).
﴿ واستمع ﴾ صيغة أمره ما بعده بتأويل المفرد أو بتقدير المضاف مفعول به يعني اسمع ما على عليك أو اسمع حديث ﴿ يوم يناد ﴾ فائدة قوله تعالى استمع التنبيه والتهويل وتعظيم المخبريه والظرف على التأويل الأول متعلق بفعل محذوف دل عليه يوم الخروج تديره يخرج الناس كلهم من القبور يوم ينادي، قال النقاش عن أبي ربيعة عن البزي وابن مجاهد عن قنبل ينادي بالياء في الوقف فقط والباقون يقفون بغير ياء ﴿ المناد ﴾ أثبت الياء في الحالين ابن كثير وفي الوصل خاصة نافع وأبو عمر والباقون حذفوها في الحالين قال مقاتل ينادي إسرافيل بالحشر أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء وكذا أخرج ابن عساكر عن زيد ابن جابر الشافع في هذه الآية قال يقف إسرافيل على صخرة بيت المقدس فيقول يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والأشعار المتقطعة إن الله يأمركم أن تجتمع لفصل الخطاب ﴿ من مكان قريب ﴾ متعلق يعني من صخرة بيت المقدس وهو قريب من القبور لكونها من الأرض وهما في وسط الأرض وقال الكلبي هي أقرب الأرض إلى السماء ثمانية عشر ميلا
﴿ يوم يسمعون ﴾ بدل من يوم يناد أي الأموات يسمعون بإذن الله تعالى فإن الأموات والجمادات في الاستماع إذا أراد الله تعالى كالأحياء فإن الموجودات لا تخلو عن نوع من الحياة كما حققناه في تفسير سورة الملك وكذا انعقد الإجماع على عذاب القبر على الروح والجسد جميعا أخرج الشيخان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قتل بدر فقال ( يا فلان ابن فلان يا فلان ابن فلان وهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا ) قال عمر يا رسول الله كيف تكلم أجراما لا أرواح فيها فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا )١ وقال القرطبي نفخة الإحياء تمتد وتطول فيكون أوائلها للإحياء وما بعدها للإزعاج من القبور فلا يسمعون ما كان للإحياء ويستمعون ما كان للإزعاج وقال السيوطي يحتمل السماع من أول وهلة للأرواح وهي في الصور قلت ما ذكر من كلام إسرافيل خطاب للعظام والجلود لا للأرواح فلا فائدة في سماع الأرواح والله تعالى أعلم ﴿ الصيحة ﴾ يعني صيحة إسرافيل المذكور وقال البيضاوي ولعله في إعادة نظيركن يعني أمر تكويني لا يشرط فيه السماع قلت : لكن قوله تعالى :﴿ يوم يسمعون ﴾ صريح في إثبات السماع فالأولى ما قلت بالحق متعلق بالصيحة والمراد به البعث للجزاء ﴿ ذلك يوم الخروج ﴾ من القبور
١ أخرجه البخاري في كتاب: المغازي باب قتل أبي جهل (٣٩٧٦) وأخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه (٢٨٧٥).
﴿ إنا نحن نحي ونميت وإلينا المصير ﴾ في الآخرة
﴿ يوم تشقق ﴾ قرأ الكوفيون وأبو عمرو بتخفيف الشين بحذف أحد التائين والباقون بالتشديد بإبدال التاء شينا والإدغام وأصله يتشقق ﴿ الأرض عنهم ﴾ أي على الأموات إذا ادعوا إلى الحساب والظرف يعني يوم تتشقق متعلق بفعل دل عليه قوله تعالى :﴿ ذلك حشر علينا يسير ﴾ تقديره يحشرون يوم تشقق الأرض عنهم ﴿ سراعا ﴾ جمع سريع حال من الضمير المرفوع في الفعل المقدر يعني يحشرون سراعا، وقيل من الضمير المجرور في عنهم يعني تشقق الأرض عنهم حال كونهم مسرعين في الخروج ﴿ ذلك ﴾ الحشر دفعة واحدة المفهوم مما سبق ﴿ حشر علينا يسير ﴾ الظرف متعلق بيسير قدم عليه الاختصاص فإن ذلك لا تيسير إلا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شأن عن شأن كما قال :﴿ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ﴾١
١ سورة لقمان الآية (٢٨).
﴿ نحن أعلم بما يقولون ﴾ يعني كفار مكة في تكذيبه فيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم ﴿ وما أنت عليهم بجبار ﴾ تجبرهم على الإسلام إنما بعث مذكرا وداعيا اخرج ابن جرير من طريق عمرو ابن قيس الملائي عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خفتنا فنزلت ﴿ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ﴾ ثم أخرج عن عمر مثله مرسلا قرأ ورش وعيدي وصلا فقط والباقون يحذونها في الحالين يعني لا ينفع تذكيرك بالقرآن إلا من يخاف ما أوعدت به من عصاني من العذاب يعني المسلمين والله تعالى أعلم.
Icon