سورة الشعراء
مكية٢
٢ السورة كلها مكية في قول الجمهور، إلا أربع آيات من "والشعراء يتبعهم الغاوون" إلى آخر السورة. قاله ابن عباس، عطاء وقتادة، انظر: البحر٧/٥..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراءمكية
قوله تعالى ذكره: ﴿طسم﴾ [١] إلى قوله (يَسْتَهْزِئُونَ) [٥].
قال ابن عباس: طَسِم: قسم، أقسم الله جلّ ذكره به، وهو من أسماء الله.
وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن، فالتقدير على قول ابن عباس: والسميع إن هذه الآيات التي أنزلتها على محمد في هذه السورة، آيات الكتاب التي أنزلتها من قبلها الذي يبين لمن تدبره بفهم وفكر فيه. يعقل أنه من عند الله لم ينخرصه محمد، ولا تقوله من عند نفسه والمعنى في ﴿تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين﴾، أي:
قال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ﴾ أي: لعلك قاتل نفسك يا محمد لأجل تأخرهم عن الإيمان بك.
قال تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً﴾، أي: إن نشأ يا محمد ننزل عليهم لأجل تكذيبهم لك من السماء آية.
﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾، أي: فظل القوم ختضعة أعناقهم لها. قال قتادة: معناه لو شاء الله لأنزل آية يذلون بها، فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله.
قال ابن جريج: معناه لو شاء لأراهم أمراً من أمره، لا يعمل أحد بعده بمعصية.
وقال مجاهد: أ'ناقهم: كبراؤهم.
وقال أبو زيد والأخفش: أعناقهم: جماعاتهم، يقال: جاءني عنق من الناس، أي: جماعة، ويقال: جاء في عنق من الناس أي: كبراؤهم. وهذا قول مجاهد.
وقال عيسى بن عمر: خاضعين، وخاضعة هنا واحد وهو اختيار المبرد. فمن قال: خاضعين رده على المضاف إليه. ومن قال: خاضعة رده على الأعناق لأنهم إذا ذلوا ذلت رقابهم، وإذا ذلت رقابهم ذلوا. ثم قال تعالى ذكره ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ﴾، أي: ما يأتي هؤلاء المشركين من تذكير يحدثه الله
٢ ز: ذكر..
٣ ز: يستمعون..
٤ ز: عن..
٥ ز: صلى الله عليه وسلم..
٦ "الواو" من "وعند": سقطت من ز..
٧ ز: وإنما..
٨ آل عمران: ١٨..
٩ الإخلاص: ١..
١٠ "السورة" سقطت من ز..
١١ ز: محدثا..
١٢ ز: كثيرا..
أي: كذبوا بالذكر الذي أتاهم فسيأتيهم أخبار ما قد كذبوا به واستهزءوا منه، وهذا تهديد من الله لهم أنه سيحل بهم العقوبة على تماديهم على تكذيبهم وكفرهم وإنما أخبر
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرض كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا﴾.
المعنى: أَوَلَمْ ير هؤلاء المكذبون بالبعث إلى الأرض كم أنبتنا فيها بعد أن كانت مينة لا نبات فيها ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾، أي: من كل جنس حسن، فكما أحيينا الأرض بهذا النبات، كذلك نحييهم بعد الموت للبعث/ يوم القيامة، لأن أصلهم من الأرض فهم كالأرض.
قال الشعبي: الناس من بنات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم، ومن صار إلى النار فهو لئيم.
ثم قال ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾، أي: قد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون فأخبر عنهم ما سبق في علمه منهم.
قال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ أي: لا يمتنع عليه شيء يريده ﴿الرحيم﴾، أي: ذو الرحمة لمن تاب من كفره.
قال ابن جريج: كل شيء في الشعراء من قوله " عزيز رحيم " فمعناه عزيز حين انتقم من أعدائه، رحيم بالمؤمنين حين أنجاهم ممن أهلك.
ودل قوله: ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾، على أنهم كانوا لا يتقون، ودل أيضاً على أنه أمر موسى أن يأمرهم بالتقوى، فهذا من باب الإيماء إلى الشيء بغيره، لأنه أمره بأن يأتي القوم الظالمين ولم يبين لأي شيء يأتيهم، فدل قوله ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾، لأي شيء يأتيهم وهو الأمر بالتقوى والتقوى اسم جامع للخير كله من الإيمان والعمل. فكأنه قال: أن إئت القوم الظالمين ومرهم بالتقوى فهذا مفهوم الخطاب.
ثم قال تعالى: حكاية عن قول موسى: ﴿قَالَ رَبِّ إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾، أي: أخاف من قوم فرعون أن يكذبون بقولي: إنك أرسلتني إليهم، ويضيق صدري
ثم قال: ﴿فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ﴾، يعني أهاه، أي: ليؤازرني ويعينني، فالمعنى اجعله رسولاً لك معي.
ثم قال: ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ﴾، أي: ولقوم فرعون علي ذنب أذنبته إليهم، وهو قتله القبطي بالوكزة ﴿فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾، يعني قود بالنفس التي قتلت منهم. ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾، وقف، و ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾، التمام و ﴿أَن يُكَذِّبُونِ﴾، وقف إن رفعت ﴿وَيَضِيقُ﴾ على الاستئناف، فإن رفعت عطفت على ﴿أَخَافُ﴾، أو نصبت عطفت على ﴿يُكَذِّبُونِ﴾، كان التمام ﴿أَن يَقْتُلُونِ﴾.
وقيل: رسول اسم للجمع كالعدو والصديق، فلذلك أتى موحداً.
أي: بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي: بأن
قال: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً﴾ أي: قال فرعون لموسى حين قال له: أرسل معنا بني إسرائيل - ألم نربك ميتاً صغيراً، وفي الكلام حذف والتقدير: فلما ذهبا إليه قالا ذلك.
وقوله: / ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾، بمن فرعون على موسى بتربيته عنده إلى أن قتل القبطي.
وروى الخفاف عن أبي عمرو " عُمْرك " بإسكان الميم، وحكى سيبويه فتح العين وإسكان الميم في القسم في " لعمرك " فلا يستعمل في القسم عنده إلا مفتوحاً لخفته، وكثرة استعمالهم له في القَسَم.
قال تعالى: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ﴾، يعني قتله القبطي، يوبخ فرعون موسى بذلك. وقرأ الشعبي ﴿فَعْلَتَكَ﴾ بكسر الفاء يريد به الحال
وقوله: ﴿وَأَنتَ مِنَ الكافرين﴾.
قال السدي: معناه: وأنت من الكافرين على ديننا هذا التي تعيب؛ أي: أنت ساتر على ديننا.
قال ابن زيد: معناه: كفرت نعمتنا عليك، وتربيتنا لك فجازيتنا أن قتلت نفساً منا وكفرت نعمتنا. وكذلك قال ابن عباس: يريد كفر النعمة.
وقيل المعنى: وقتلت نفساً منا وأنت الآن من الكافرين لنعمتي، وتربيتي إياك. فقال موسى لفرعون: ﴿فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين﴾، أي: قتلت النفس وأنا من الجاهلين، لأن ذلك قبل أن يأتيه الوحي من الله بتحريم قتله. يقال: جهل فلان الطريق وضل الطريق بمعنى، وفي حرف ابن مسعود من الجاهلين.
وقال ابن زيد : معناه : وأنا من الخاطئين لقتله لم أتعمده٥، قال أبو عبيدة : من الضالين : من الناسين.
و٦قال الزجاج : وأنت من الكافرين لنعمتي ويجوز٧ من الكافرين لقتلك الذي٨ قتلت فنفى موسى الكفر، واعترف بأنه فعل ذلك جهلا.
وقيل : معنى٩ : الضالين : أي : قتلت القبطي وأنا ضال في العلم بأن وكزتي له تقتله، ولم أتعمد قتله ولا قصدت١٠ لذلك.
٢ ز: ينزل عليه..
٣ انظر: اللسان ١١/١٢٩، مادة، جهل..
٤ انظر: ابن جرير١٩/٦٧، والدر٩/٢٩١..
٥ انظر: ابن جرير١٩/٦٧، وزاد المسير٦/١١٩..
٦ "الواو" من "وقال" سقطت من ز..
٧ ز: وتخون..
٨ ز: التي قتلته..
٩ ز: المعنى..
١٠ ز: قصدة..
وقال الزجاج: وأنت من الكافرين لنعمتي ويجوز من الكافرين لقتلك الذي قتلت فنفى موسى الكفر، واعترف بأنه فعل ذلك جهلاً.
وقيل: معنى: الضالين: أي: قتلت القبطي وأنا ضال في العلم بأن وكزتي له تقتله، لم أتعمد قتله ولا قصدت لذلك.
قال تعالى ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾، أي: هربت منك خوفاً أن تقتلوني بقتلي القبطي منكم ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً﴾، قال السدي: نبوة.
وقال الزجاج: الحكم: تعليمه التوراة التي فيها حكم الله.
ثم قال موسى لفرعون ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي وتربيتك إياي، وتركك استعبادي كما استعبدت بني إسرائيل نعمة منك تمنها عليّ، وفي الكلام حذف، والتقدير: وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني لم تيتعبدني.
وقال الأخفش قيل المعنى: وتلك نعمة على الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتقريع.
وقال الفراء: في الكلام حذف والتقدير: هي لعمري نعمة إذ مننت علي فلم تستعبدني، واستعبدت بني إسرائيل.
وقيل المعنى: وأنت من الكافرين لنعمتي، وتربيتي لك فأجابه موسى فقال: نعم هي نعمة أن هبّدت بني إسرائيل ولم تستعبدني. وأن في موضع رفع على البدل من نعمة.
وقيل: هي في موضع نصب على معنى: بأن عبدت، يقال عبدت الرجل وأعبدته: إذا اتخذته عبداً.
وقيل: وتلك نعمة تمنها عليّ أن استعبدت بني إسرائيل فكلفتهم تربيتي. لأن فرعون لم يربه إنما أمر من يربيه من بني إسرائيل أمه وغيرها. فلما منّ عليه فرعون بتربيته له. قال له موسى أثر بيتك إيأي: باستعبادك بني إسرائيل وتكليفك لهم
قوله تعالى ذكره: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين﴾،
هذا يدل على أن موسى دعاه إلى طاعة رب العالمين. قال فرعون: ﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾، فهذا حذف، واختصار يدل عليه جواب فرعون. وهذا من إعجاز القرآن، وإيتان اللفظ القليل بالمعاني الكثيرة. ومثل هذا لا يوجد في كلام الناس: أي: قال فرعون: وأي: شيء رب العالمين. قال موسى ﴿قَالَ رَبُّ / السماوات والأرض﴾ أي: مالكهن ﴿وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ﴾، فأجابه موسى بصفات الله التي يعجز عنها المخلوقون، ولم يكن عنده رد على موسى غير أن قال لمن حوله: ﴿أَلاَ تَسْتَمِعُونَ﴾، أي: ألا تستمعون جواب موسى، لأن فرعون سأل موسى عن الأجناس أي: من أي: جنس رب العالمين فلما لم يكن الله جلّ ذكره جنساً من الأجناس
فقال: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾، أي: لمغلوب على عقله، لأنه يقول قولاً لا نعرفه ولا نفهمه؛ يُلبس بذلك على قومه. يريد فرعون أن موسى مجنون إذ
﴿إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ما يقال لكم فأخبرهم أن ملك الله جلّ ذكره ليس كملك فرعون الذي لا يملك إلا بلداً واحداً، فلما علم فرعون صحة ما يقول موسى وتبين له ولقومه ذلك توعد موسى استكباراً وتجبراً فقال ﴿لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين﴾، أي: لئن أقررت بمعبود غيري لأسجننك مع من في السجن من أهله، فرفق به موسى، وقال له ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾، أي: بآية ظاهرة تدلك على صدق ما نقول، وما ندعوك إليه إن قبلت، قال له فرعون: فأت بها إن كنت صادقاً، فإني لا أسجنك بعد ذلك ﴿فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾، أي: تحولت ثعباناً ذكراً، وهي الحية. ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾، أي:
قيل: كان بياضهما يغلب على ضوء الشمس.
وقيل: نزعها من قميصه.
وقال المنهال: ارتفعت الحية في السماء قدر ميل، ثم سفلت حتى صار رأس فرعون بين نابيها فجعلت تقول: يا موسى: مرني بما شئت، فجعل فرعون يقول: يا موسى أسألك بالذي أرسلك قال: فأخذه بطنه، ثم قال فرعون للملا حوله أي للأشراف من قومه ﴿إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾، قال ذلك بعدما أراه الآيتين، وأزال عنه ما خاف منه من الثعبان أن يبتلعه فلم بمكنه إنكار ما رأى فقال لقومه، ما قال عند ذلك: ﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ﴾، أي: يريد أن يخرج بني إسرائيل من أرضكم إلى الشام بقهره إياكم بالسحر، فالخطاب منه لأشراف قومه من القبط والمراد بنو
قال تعالى: ﴿فَجُمِعَ السحرة لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾، أي: فجمع الحاشرون السحرة لوقت معلوم، تواعد فرعون وموسى بالاجتماع فيه وذلك يوم الزينة.
﴿وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى﴾ [طه: ٥٩]، ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ﴾، لتنظروا لمن الغلبة ألموسى أم للسحرة؟ وقيل: المعنى: وقال بعض الناس لبعض: هل أنتم مجتمعون لننظر لمن الغلبة لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين موسى.
وروى: أن الاجتماع كان بالاسكندرية قاله ابن زيد.
فبلغ ذنب الحية يومئذ من وراء البحيرة وهربوا وأسلموا فرعون فهمّت
وقال ابن لهيعة: كان فرعون لحيته خضراء، وكانت تضرب ساقه إذا رهب، وكانت له جمة خضراء مثل ذلك من خلفه، وكان إذا ركب غطى شعره، من خلفه الظهر، ومن بين يديه لحيته.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا جَآءَ السحرة قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً﴾، أي: لما جاء السحرة فرعون لموسى قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً قبلك على سحرنا إن كنا نحن الغالبين موسى. قال لهم فرعون: نعم لكم الأجر قبلي إن غلبتهم وإنكم إذا غلبتهم لمن المقربين مني، فقالوا عند ذلك لموسى ﴿إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين﴾ [الأعراف: ١٥]، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه وقد نصه تعالى في غير هذا الموضع ولم يحذفه للإفهام وحذفه هنا للاختصار
روي: أن حبالهم وعصيهم كانت حمل ثلاث مائة بعير، فابتلعت العصا جميع ذلك، ثم دنا موسى فقبض عليها بيده فصارت عصا، كما كانت أولاً وليس لتلك الحبال والعصي أثر، فألقي السحرة عند ذلك ساجدين مذعنين
[طه: ٦٦] فأوحى الله إليه ﴿أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ [الأعراف: ١١٧] فألقى عصاه فغذا هي ثعبانٌ مبين فاغرٌ فاه يبلغ حبالهم وعصيهم، فألقى السحرة عند ذلك ساجدين، فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلها، فعند ذلك قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، قال: وكانت امرأة فرعون تسأل: من غلب؟ فيقال غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت برب موسى وهارون. فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن هي رجعت عن قولها فهي
قوله: قال فرعون ﴿آمَنتُمْ لَهُ﴾، أي: قال فرعون للسحرة آمنتم له أي: بأنّ ما جاء به حق ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾، في ذلك أي: قبل أن آمركم به.
قال ابن زيد خطاياهم: السحر، والكفر اللذان كانوا عليهما. قال ابن زيد: كانوا يومئذ أول من آمن بموسى، وكان قد آمن بموسى ست مائة ألف وسبعون ألفاً من بني إسرائيل، فأول من آمن من عند ظهور الآية السحرة.
قال ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بعبادي إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ﴾، أي: أوحينا إلى موسى إذ تمادى فرعون في غيه، أن اسر ببني إسرائيل من أرض مصر ﴿اإِنَّكُم مّتَّبَعُونَ﴾ أي: يتبعكم
أي: جامعين يجمعون الناس لطلب موسى ومن معه، والمدائن يجوز أن يكون مفاعل ويكون همزها سماعاً على غير أصل، فتكون مشتقة من دان يدين. ويجوز أن يكون فعائل، ويكون همزها على الأصل وتكون مشتقة من مدن، وهذا أحسن من الأول.
أي: قال فرعون لمن جمع من الناس: إن موسى ومن معه لشرذمة قليلون. والشرذمة الطائفة، وشرذمة كل شيء بقيته القليلة.
قال أبو عبيدة: كانوا ست مائة ألف وسبعين ألفاً فوصفهم بالقلة.
قال الزجاج: كانت مقدمة فرعون: سبع مائة ألف، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة.
وقال قيس بن عباد: كانت مقدمة فرعون ست مائة ألف، كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة، في يده حربة وهو خلفهم في الدهم، فلما انتهى موسى ببني إسرائيل البحر، قالت بنو إسرائيل: يا موسى أين ما وعدتنا؟ هذا البحر بين
قال مالك: خرج مع موسى رجلان من التجار إلى البحر، فلما أتيا إليه قالا له: ماذا أمرك ربك به؟ قال: أمرني ربي أن أضرب البحر بعصاي هذه فيجف، فقالا / له " إفعل ما أمرك به ربك فلن يخلفك، قال ثم ابتدرا إلى البحر، فألقياه أنفسهما فيه تصديقاً به.
قال ابن جريج: أوحى الله جلّ ذكره إلى موسى قبل أن يسري بهم أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات في بيت، ثم اذبحوا أولاد الضأن فأضربوا بدمائها على
وقال ابن عباس كان مع فرعون يومئذ ألف جبار كلهم عليه تاج، وكلهم أمير على خيل.
قال ابن جريج: كان ثلاثون ألفاً يعني من الملائكة ساقة، خلف
أي: بقتلهم أبكارنا.
وقيل: معناه: ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ﴾ بذهابهم بالعواري التي كانوا استعاروها من الحلي.
وقيل: ﴿لَغَآئِظُونَ﴾ بخروجهم من أرضنا بغير رضانا.
وقال عمرو بن ميمون: قالوا لفرعون: إن موسى قد خرج ببني إسرائيل، فقال: لا تكلموهم حتى يصيح الديك، فلم يصح تلك الليلة ديك فلما أصبح: أحضر شاة فذبحت، وقال: لا يتم سلخها حتى يحضر خمسمائة ألف فارس من القبط فحضروا.
وقال الجرمي: لا يجوز حذر زيداً إلا على حذف (من).
وقال الكسائي والفراء والمبرد: رَجُل حَذِرٌ. إذا كان الحَذَرُ في خلقته فهو متيقظ منتبه، فلا يتعدى على هذا المعنى كما لا يتعدى كريم وشريف. ومعنى حاذر عندهم: مستعد فيكون المعنى على قراءة من قرأ بغير ألف: وإنا لجميع قد استشعرنا الحذر حتى صار كالخلقة وقيل معناه: وإنا لجميع حاملون السلاح، وإن بني إسرائيل لا سلاح معهم. ومن قرأ بألف فمعناه: مستعدون بالسلاح، فهو أمر محدث فيهم.
وقيل حاذرون: شاكون في السلاح: وقرأ ابن عمار حادرون بالدال غير معجمة بمعنى: ممتلئين غيظاً. تقول العرب جمل حاذر: إذا كان ممتلئاً غيظاً.
وقيل: حاذرون ممتلئون بالسلاح.
قال تعالى ذكره: ﴿﴾، أي: أخرج الله فرعون وقومه من بساتين وعيون، وكنوز ذهب وفضة.
﴿﴾، أي: حسن، يعني المنابر.
وقال عبد الله بن عمرو: نيل مصر: سيد الأنهار، سخر الله له كل
وقال: كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعاً من أسوان إلى رشيد.
وقال: المقام الكريم: الفيوم.
أي: هكذا أخرجناهم من ذلك، كما وصفت لكم في هذه الآية.
﴿وَأَوْرَثْنَاهَا﴾، أي: أورثنا تلك الجنات، والعيون والكنوز، والمقام
أي: اتبع فرعون وأصحابه موسى ومن معه وقت الشروق.
وقال أبو عبيدة نحو المشرق، يقال أشرقنا: دخلنا في الشروق، كما يقال: أصبحنا دخلنا في الصباح. ويقال: شرقنا، إذا أخذوا نحو المشرق، وغربنا إذا أخذوا نحو المغرب. فعلى هذا لا يصح قول أبي عبيدة إلا لو كان مُشْرِقين.
قال مجاهد: خرج موسى ليلاً فكسف بالقمر، وأظلمت الأرض وقال أصحابه: إن يوسف أخبرنا أنا سنُنَجَّى من فرعون، وأخذ علينا العهد لنخرجن بعظامه معنا: فخرج موسى من ليلته سأل عن قبره، فوجد عجوزاً بيتها على قبره، فأخرجته له بحكمها، وكان حكمها أن قالت: احملني فاجر بي معك، فجعل عظام يوسف في كسائه، وجعله على رقبته، وخيل فرعون في ملء أعنتها خضراء في
قال تعالى ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان﴾، أي: رأى بعضهم بعضاً: قال أصحاب موسى ﴿لَمُدْرَكُونَ﴾، أي: الملحقون.
وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بالتشديد وهو مفتعلون، ومعنى التخفيف لملحقون، ومعنى التشديد: لمجتهد في لحاقنا، كما
وروي: أنهم قالوا ذلك تشاءموا بموسى وقالوا: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا.
قال: السدي: لما نظرت بنو إسرائيل إلى فرعون، وقد ردفهم قالوا: إنا لمدركون، قالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا، فكانوا يذبحون أبناءنا، ويستحيون نسائنا، ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا إنا لمدركون، البحر من بين أيدينا، وفرعون من خلفنا.
وعن ابن عباس أنه قال: لما انتهى موسى البحر، هاجت الريح العواصف والقواصف، فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الرهج وإلى البحر أمامهم فقالوا يا موسى: إنا لمدركون. ﴿قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾، أي: ليس الأمر كما ذكرتم لا
قال عبد الله بن شداد بن الهاد: لقد بلغني أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفاً من دهم الخيل سوى ما في جنده من شية الخيل، وخرج موسى حتى إذا قابله البحر ولم يكن عنه منصرف، طلع فرعون في جنده من خلفهم ثم قال تعالى ﴿فَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر﴾ روي: أن الله جلّ ذكره: أمر البحر أن لا ينغلق حتى يضربه موسى بعصاه.
قال السدي تقدم هارون فضرب البحر، فأبى البحر أن ينفتح: وقال: من هذا الحبل الذي يضربني حتى أاه موسى فكناه أبا خالد وضربه فانفلق.
وقوله تعالى: ﴿فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم﴾، أي: كالجبل العظيم.
قال تعالى: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين﴾، أي: قربنا " ثم " أي: هنالك الآخرين يعني قوم فرعون من البحر، وقدمناهم إليه.
قال ابن عباس: أزلفنا قدمناهم / إلى البحر.
وقال ابن جرير: قربنا، وكذلك قال قتادة.
وقيل: أزلفنا أهلكنا: وقرأ أبيُّ بن كعب: " أزلقنا " بالقاف. قال السدي، دنا فرعون وأصحابه بعدما قطع موسى ببني إسرائيل البحر من البحر، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال: ألآ ترون: أن البحر فرق مني، قد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أتت خيله أن تقتحم، فنزل جبريل عليه السلام على ما ذيانة فشمت الحُصُ، ريح الماذية، فاقتحمت في إثرها حتى إذا همّ أولهم أن يخرج ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم.
قال تعالى: ﴿واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ﴾، أي: واقصص يا محمد على مشركي قومك خبر إبراهيم، حين قال لأبيه وقومه، أي: شيء تعبدون ﴿نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾، أي: نثبت خدماً مقيمين على عبادتها.
قال ابن جريج: هو الصلاة لأصنامهم. قال إبراهيم: ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾، أي: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم.
قال٢ الأخفش٣ : التقدير هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم ثم حذف، وقرأ٤ قتادة : هل يُسمعونكم بضم الياء، أي : هل يُسمعونكم٥ كلامهم.
وقيل : المعنى : هل يسمعونكم إذا دعوتموهم٦ لصلاح أموركم، وهل يستجيبون لكم، ويعطونكم ما سألتموهم، وهل ينفعونكم إذ٧ عبدتموهم وهل يضرون من لا يعبدهم، كل ذلك توبيخا لهم٨ وتقريعا.
٢ من "قال الأخفش... حذف" ساقط من ز..
٣ انظر: معاني الأخفش ٢/٦٤٦..
٤ انظر: شواذ القرآن ص١٠٨، والبحر٧/٢٣..
٥ ز: يسمعون..
٦ ز: إذ تدعون..
٧ ز: إذا..
٨ ز: توبيخ..
وقيل: المعنى: هل يسمعونكم إذا دعوتموهم لصلاح أموركم، وهل يستجيبون لكم، ويعطونكم ما سألتموهم، وهل ينفعونكم إذ عبدتموهم وهل يضرون من لا يعبدهم، كل ذلك توبيخاً لهم وتقريعاً.
وقوله: ﴿أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾، أي: هل تنفعكم هذه الأصنام فترزقكم شيئاً على عبادتكم لها، أو يضرونكم إذا تركتم عبادتها. فقالوا: ﴿بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، أي: نحن نفعل ذلك، كما فعله آباؤنا وإن كانت لا تسمع ولا تنفع، ولا تضر، إنما نتبع في عبادتها فعل آبائنا لا غير. وهذا الجواب: حائد على السؤال لأنه سألهم: هل يسمعون الدعاء، أو ينفعون أو يضرون، فحادوا عن الجواب وقالوا: ﴿وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾، وليس هذا
أي: ما تعبدون من الأصنام انتم وآباؤكم المتقدمون قبلكم.
﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي﴾، أي: يوم القيامة كما قال ﴿كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ [مريم: ٨٢] وأخبرنا الله تعالى عن الأصنام، كما يخبر عن من يعقل. جاز أن يقول هنا: عدو لي ". وعدو يقع للجمع والمؤنث بلفظ واحد وقد قالوا: عدوة الله بمعنى معادية.
وقيل: هذا من المقلوب، لأن الأصنام لا تعادي أحداً، ولا تعقل، والمعنى فإني عدو لهم أي: عدو لمن عبدهم. وأصل العداوة، من عدوت الشيء، إذا تجاوزته وتخلفته.
قال تعالى: ﴿الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾، أي: يهدين للصواب من القول والعمل. ﴿والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾، أي: وهو الذي يغذيني بالطعام والشراب، ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾، أي: يبرءني ويعافين ﴿والذي يُمِيتُنِي﴾، إذا شاء ﴿ثُمَّ يُحْيِينِ﴾، إذا أراد بعد مماتي.
أي: يوم الجزاء على الأعمال، والطمع ها هنا بمعنى اليقين، كما جاء الظن بمعنى اليقين.
وقيل: الطمع على بابه. لكن أراد أنه يطمع أن يغفر الله للمؤمنين ذنوبهم
قال مجاهد: الخطيئة قوله ﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩] وقوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ [الأنبياء: ٦٣] وقوله في سارة إنها أختي، حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها.
وقرأ الحسن: خطاياي: بالجمع، وقال: ليست: خطيئة واحدة، والخطيئة تقع معنى الخطايا كما يقع الذنب بمعنى الذنوب.
قال تعالى ذكره: ﴿فاعترفوا بِذَنبِهِمْ﴾ [الملك: ١١] أي: بذنوبهم، وكما
قال ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً﴾، أي: نبوة ﴿وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾، أي: أرسلني إلى خلقك حتى أكون ممن ائتمنته على وحيك، ﴿واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين﴾، أي: ذِكراً جميلاً، وثناء حسناً باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي. قاله ابن زيد.
وقيل: ذلك اللسان الصدق: إيمان جميع الأمم به. فأعطاه ذلك؛ فليس يهودي ولا نصراني ولا غيرهما من أهل الكتاب إلا يؤمن به ويحبه ويثني عليه، ويقول: هو خليل الله، وقد قطع الله تعالى ولاية جميع أهل الكتاب منه لما تولوه وادعوه، فقال: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً﴾ [آل عمران: ٦٧] ثم ألحق ولايته بهذه الأمة فقال: ﴿إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي والذين آمَنُواْ﴾ [آل عمران: ٦٨] وهذا كله أجره الذي عجل له وهي الحسنة. إذ يقول ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدنيا حَسَنَةً﴾ وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه، هذا كله قول عكرمة. أو معنى قوله.
أي: أورثني من منازل من هلك من أعدائك من الجنة.
﴿واغفر لأبي﴾ من شركه بك فلا تعاقبه عليه.
﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين﴾، أي: ممن ضل عن السبيل الهدى، وكفر بك.
أي: لا تذلني بعقابك إيأي: يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة.
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب / وعدتني
وروى أبو هريرة أيضاً أن النبي ﷺ قال: " إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة ".
أي: لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدنيا، ما كان له من مال وبنين.
أي: لا ينفع إلا القلب السليم من الشك في توحيد الله، والبعث بعد الممات. قاله مجاهد.
وقال قتادة: هو السليم من الشرك.
قال ابن زيد: سلم من الشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد.
وقال الضحاك: السليم، الخالص.
وقال سفيان: بلغني في قول الله تعالى ﴿إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، إنه الذي
أي: أدنيت وقربت، أي: قرب دخولهم إياها.
قال تعالى ﴿وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ﴾، أي: أظهرت النار للذين غووا.
يروى: أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، تتلظى على أعداء الله. ﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ الله﴾، أي: قيل للغاوين: أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، هل ينصرونكم من عذاب الله، أو ينتصرون لأنفسهم فينحونها مما يراد بها.
أي: رمي بهم في الجحيم، بعضهم على بعض مكبين على وجوههم. وأصل كبكبوا: كببوا: فأبدل من الباء الثاني كاف، استثقالاً لثلاث باءات.
قال ابن زيد: كبكبوا: طرحوا، والمعنى: فكبب هؤلاء الأنداد التي كانت تعبد من دون الله في الجحيم والغاوين.
قال قتادة: الغاوون هنا: الشياطين، فيكون معنى الآية: فكبب فيها الكفار والشياطين.
وقال السدي: فكبكبوا: يعني مشركي قريش، والغاوون الآلهة وجنود إبليس. وحقيقة معنى كبكبوا: تكرير الانكباب، كأنه إذا ألقي ينكب مرة، بعد مرة حتى يستقر فيها نعوذ بالله منها.
أي: وكذلك جاث فيها مع
وقيل: جنود إبليس هنا: كل من دعاه إلى عبادة الأصنام، فساعد إبليس على ما يريد فهم جنوده.
قال تعالى: ﴿قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ﴾، أي: في جهنم: يعني قول الغاوين للأنداد، وجنود إبليس، وتخاصمهم في جهنم، ﴿تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾، أي: إنا كنا لفي ضلال مبين، أي: في حيرة ظاهرة.
وقال الزجاج: المعنى تالله ما كنا إلا في ضلال عن الحق ظاهر.
في العبادة والتعظيم.
قوله تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ﴾،
أي: فما لنا من شافع يشفع لنا عند الله من الأباعد، ولا صديق من الأقارب.
قال ابن جريج من شافعين: من الملائكة، ولا صديق حميم من الناس. وقال مجاهد: حميم شقيق.
وقال قتادة: يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحاً نفع، وأن الحميم إذا كان صالحاً: شفع.
وقال بعض أهل اللغة: الحميم الخاص.
قال تعالى: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ﴾، أي: رجعة إلى الدنيا.
﴿مِنَ المؤمنين﴾، بالله.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: لعلامة وذا إشارة إلى ما تقدم ذكره، والكاف خطاب النبي ﷺ، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾، أي: الشديد الانتقام، ممن عبد غيره من دونه ثم لم يتب من، كفره، / الرحيم
٢ ز: شديد..
٣ ز: من دون الله..
٤ ز: منه..
أي: كذبت جماعة قوم نوح المرسلين. وإنما جمع المرسلين ولم يرسل إليهم إلا نوح، لأن من كذب رسولاً بمنزلة من كذب جميع الرسل، ويجوز أن تكون قد كذبت الرسل مع تكذيبها لنوح، ولم تؤمن برسول كان قبله.
وقيل: إنما أخبر عنهم: بتكذيب الرسل، لأنهم كذبوا نوحاً فيما أتاهم به عن الله، وكذبوا كل من دعا إلى توحيد الله من سائر المسلمين قبل نوح، الذين بلغهم خبرهم، ودعاتهم إلى توحيد الله، فقد كان قبل نوح رسل، ودعاة إلى الله جلّ ذكره إدريس وغيره.
قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، سمي نوح أخاهم لأنه كان من قبيلتهم.
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾، أي: رسول من الله إليكم، أمين على وحيه إلي، ورسالته إيأي: إليكم. ﴿فاتقوا الله﴾، أي: عقابه على كفركم به ﴿وَأَطِيعُونِ﴾، وأطيعون في نصيحتي لكم، وأمري إياكم.
﴿وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾، أي: لا أسألكم على نصحي لكم، من ثواب ولا جزاء.
﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين﴾، أي: ما جزائي وثوابي على دعائي لكم إلا على رب العالمين، دونكم، ودون جميع الخلق.
﴿فاتقوا الله﴾، أي: عقابه على كفركم، وخافوا حلول سخطه بكم على كفركم.
قال: ﴿قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون﴾، أي: كيف نؤمن لك، ونصدقك، وإنما اتبعك منا سفلة الناس، دون الأشراف وذوي الأموال.
وقيل: " كان " زائدة. والتقدير: وما علمي بما يعملون الآن، فأما ما كانوا يعملون فقد كان يعلمه.
وقيل: معنى قوله: ﴿وَمَا عِلْمِي﴾، وما علمي بما يعملون أي: لست أسأل عما كانوا يعملون، ولا أطلب علم ذلك. ذلك إلى الله يحاسبهم على أعمالهم، ويجازيهم عليها، فقد أظهروا الإيمان فليس لي إلا ما ظهر، والله المطلع على الباطن، فأما فقرهم فلا يضرهم ذلك عند الله، يعني من يشاء، ويفقر من يشاء. ليس الفقر بضار في الدين، ولا الغني بنافع في الدين، إنما ينفع الإيمان ويضر الكفر.
قال مجاهد وقتادة: الأرذلون: الحاكة.
وقيل: هم الحجامون.
وقيل : " كان " زائدة. والتقدير : وما علمي بما يعملون الآن، فأما ما كانوا يعملون فقد كان يعلمه.
وقيل٢ : معنى قوله :﴿ وما علمي ﴾٣، وما علمي بما يعملون٤ أي : لست٥ أسأل عما كانوا يعملون، ولا أطلب علم ذلك. ذلك إلى الله يحاسبهم على أعمالهم، ويجازيهم عليها، فقد أظهروا الإيمان فليس لي إلا ما ظهر، والله المطلع على الباطن، فأما فقرهم فلا يضرهم ذلك عند الله٦، يغني من يشاء، ويفقر٧ من يشاء. ليس الفقر بضار٨ في الدين، إنما ينفع الإيمان ويضر الكفر.
قال مجاهد وقتادة : الأرذلون : الحاكة٩.
وقيل : هم الحجامون.
وقرأ يعقوب١٠ : وأتباعك١١.
٢ انظر: زاد المسير ٦/١٣٤..
٣ بعده في ز: "يعملون"..
٤ "وما علمي بما يعملون" ساقط من ز..
٥ ز: ليست..
٦ ز: عند الله..
٧ ز: ويغفر..
٨ ز: يغاين..
٩ قاله الضحاك، وابن عباس، انظر: زاد المسير ٦/١٣٤، والدر ١٩/٣١١..
١٠ هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري أبو محمد، أحد القراء العشرة: مولده بالبصرة سنة ١١٧هـ. ووفاته بها سنة ٢٠٥هـ كان إمام البصرة ومقرئها، وله في القراءات رواية مشهورة. انظر: النجوم الزاهرة ٢/١٧٩ والأعلام ٩/٢٥٢..
١١ انظر: إملاء ما من به الرحمن..
يعني إنه تعالى: يعلم سر أمورهم وعلانيتها.
قال ابن جريج: معناه هو أعلم بما في أنفسهم.
أي: قال لهم نوح: وما أنا بطارد من آمن بي، واتبعني.
أي: ما أنا إلا منذر لكم عذاب الله، مبين عما جئتكم به.
أي: لئن لم تنته عما تقول، وتدعونا إليه، وتعيب به آلهتنا لتكونن من المشتومين أي: لنشتمنك.
وقيل: من المرجومين بالحجارة حتى نقتلك.
أي: كذبون فيما أتيتهم به من الحق.
وقال قتادة: معنى ذلك: فاقض بيني وبينهم قضاء. وكذلك قال ابن زيد.
﴿وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي﴾ أي: نجني من ذلك العذاب، أي يأتي به حكمك: ﴿وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين﴾، ﴿وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين﴾ يعني: ﴿فِي الفلك المشحون﴾، والفلك جمع واحدة فلك، كأسد وأسد.
وقيل: هو واحد وجمع، بلفظ واحد.
قال ابن عباس: كانوا ثمانين رجلاً، فلم يتناسل منهم أحد إلا لولد نوح، عليه السلام.
وهو قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين﴾ [الصافات: ٧٧] فجميع العالم بعد نوح ليس بنسب إلا لنوح.
قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: لعلامة وحجة على قدرة الله، وتوحيده، وذلك إشارة إلى ما تقدم من ذكر ما فعل بنوح، ومن آمن معه، وما فعل بالكفار من
﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾، يعني قوم نوح.
أي: في انتقامه ممن عطاه.
﴿الرحيم﴾، بالتائب منهم أن يعذبه بعد توبته.
قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين﴾. قد تقدم ذكر علة الجمع في ﴿المرسلين﴾. و " عاد " قبيلة وانصرف لخفته.
وقيل: هو اسم الأب لهم ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، أي: تتقون عقاب الله، ونقمته لكم على كفركم.
أي: رسول من عند الله. أمين على ما أرسلني به، فلا أبلغكم إلا ما أرسلت به، ولا أخفي عنكم منه شيئاً.
﴿وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾، أي: لا أسألكم على تبليغي لكم رسالة الله جعلاً ولا ثواباً. ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين﴾، أي: ما ثوابي وجزائي على نصحي لكم وتبليغي إياكم ما جئتكم به إلا على الله.
أي: قال لهم هود موبخاً لهم: أتبنون بكل مشرف من الأرض بنياناً عَلَمَاً.
قال ابن عباس: بكل ريع: بكل شرف. وعنه: بكل طريق. وقال مجاهد: بكل فج، وعنه: الريع: الشية الصغيرة.
وقال عكرمة: بكل فج وواد
وقال الضحاك: بكل طريق.
وقوله: ﴿آيَةً تَعْبَثُونَ﴾، قال مجاهد هي بروج الحمامات، والرّيع والرَّيْعُ: لغتان.
وقيل الريع: جمع ريعة. ومعنى ﴿تَعْبَثُونَ﴾ تلعبون.
قال تعالى: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ﴾، قال مجاهد: هي قصور مشيدة. وقال قتادة وسفيان: هي مصانع الماء. والمصانع جمع مصنعة، وكل بناء تسمية العرب مصنعة.
وقيل: هي بمعنى: كما تخلدون أي: كيما تخلدون.
وقيل: هي بمعنى: لأن تخلدوا. قال الزجاج.
أي: إذا غضبتم، وسطوتم، سطوتم، قتلاً بالسيف وضرباً بالسياط. وهذا إنما يكره في الظلم، وهو جائز في الحق.
﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾، أي: اتقوا عقاب الله، وأطيعون فيما آمركم به، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، يعني بالبنين والأموال، والبساتين، والعيون، والأنهار.
يوم القيامة.
أي: معتدل عندنا وعظك إيانا، وتركك الوعظ.
وقال قتادة: معناه خلقة الأولين أي: هكذا كانت خلقتهم يموتون ويحيون، فنحن نعيش كما عاشوا، ونموت كما ماتوا.
وقال الفراء، معناه: عادة الأولين. ومن أسكن اللام فمعناه: تخرص الأولين وكذبهم أن ثم بعثاً، وحساباً، وعقاباً.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾.
قوله تعالى ذكره: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾.
فمعنى قوله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: فكذبوا هوداً فيما جاءهم به، فأهلكوا بتكذيبهم.
﴿﴾ أي لعبرة: أي: إن في إهلاكنا عاداً بتكذيبهم رسلنا
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾، أي: أكثر عاد لم يكونوا مؤمنين. ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز﴾ في انتقامه ﴿الرحيم﴾ بمن تاب وآمن.
قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين﴾، ثمود: اسم للقبيلة عند من لم يصرفه، ومن صرفه جعله اسماً للأب، وتفسير قوله: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ﴾، إلى قوله ﴿رَبِّ العالمين﴾، قد تقدم نظيره، وهو مثل ذلك.
قال تعالى: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ﴾، أي: أيترككم ربكم في هذه الدنيا: آمنين لا تخافون شيئاً. ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾، أي: بساتين تجري فيها العيون.
قال: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾، قال ابن عباس: هضيم: أي أينع وبلغ فهو هضيم. قال عكرمة: هو الرطب اللين.
وقال الزهري: هو الرخص اللطيف، أول ما يطلع وهو الطلع النضيد، لأن بعضه فوق بعض. وأصل الهضيم في اللغة انضمام الشيء، وتكسره، للينه، ورطوبته. ومنه: قولهم: هضيم فلان فلاناً حقه: إذا انتقصه وأبخسه، وهضيم مفعول صرف إلى فعيل.
وقيل: هضيم منه ما قد أرطب ومنه / ما هو مذنب.
وقيل: هضيم أي: هاضم مرئ، فيكون على هذا فهيل، بمعنى: فاعل.
أي: تنقبون في الجبال بيوتاً أشرين بطرين. وقال قتادة: معجبين، وعنه عن الحسن: آمنين.
وقال مجاهد: شرهين
وقال أبو صالح: حاذقين. وكذلك روي أيضاً عن الضحاك. وكذلك، قال معاوية بن قرة، ومنصور بن المعتمر. وقد روي ذلك عن ابن عباس أيضاً.
وقال ابن زيد: فرهين: أقوياء.
وقال أبو عبيدة: مرحين. ومن قرأ: فارهين: بألف، فقيل: الهاء بدل من حاء.
وقيل: هما لغتان. يقال فَرِه: يَفْرَه فهو: فاره، وفَرِه، يَفْرُهُ فهو فَرِهٌ وفاره: إذا
قد مضى تفسيره.
أي: المسرفين على أنفسهم، في تماديهم على معصية الله جلّ وعز. يعني الرهط التسعة بينهم.
أي: يسعون في أرض الله بمعاصيه، ولا يصلحون أنفسهم بالعمل الصالح.
قال مجاهد وقتادة: من المسحرين: من المسحورين.
وقال ابن عباس: من المخلوقين. أي: ممن له سحر، والسِّحْر والسَّحْر: الرئة.
وقيل: السحر: الصدر الذي يجري فيه الطعام إلى المعدة.
وقيل: معناه من المعلَّلين بالطعام والشراب.
﴿مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾، أي: أنت من بني آدم: تأكل كما نأكل. تقول ذلك
﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾، أي: فأتنا بدلالة وحجة تدل على أنك محق فيما تقول، فأتاهم بالناقة تدل على صدقه، وقال لهم: ﴿لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾.
روي أنه أخرجها لهم من صخرة. وقال لهم: لها يوم تشرب فيه فلا تعترضوا في شربها، ولكم أنتم شرب يوم آخر، لا تشارككم هي فيه.
وروي: أنهم سألوا صالحاً عليه السلام: فقالوا له: إن كنت صادقاً فادع الله يخرج لنا ناقة من هذا الجبل. حمراء عُشَراء فتضع بكراً، ونحن ننظر، ثم ترد الماء فتشربه، وتغدو علينا بمثله لبناً، فجاءهم الله عزّ وجلّ بها، وجعل لها شرباً في يوم، ولهم شرب في يوم. فكانت يوم ترد الماء لا يردونه هم، ولكنهم تسقيهم مثل ما شربت لبناً، ويوم لا ترد هي يردونه هم فيشربون ويدخرون، فحذرهم صالح عقرها فعقروها فأهلكوا.
وروي: أنهم لما سألوه آية قال لهم: أي: آية تريدون؟ فقالوا: أخرج
روي١أنه أخرجها لهم من صخرة. وقال لهم : لها يوم تشرب فيه فلا تعترضوا في شربها، ولكم أنتم شرب يوم آخر، لا تشارككم هي فيه.
وروي :٢ أنهم سألوا صالحا عليه السلام فقالوا له : إن كنت صادقا فادع الله٣ يخرج لنا ناقة من هذا الجبل. حمراء عُشراء فتضع بكرا، ونحن ننظر، ثم ترد الماء فتشربه، وتغدو علينا بمثله لبنا، فجاءهم الله عز٤ وجل بها، وجعل٥ لها شربا في يوم، ولهم شرب في يوم. فكانت يوم ترد الماء لا يردونه هم، ولكنهم تسقيهم مثل ما شربت لبنا، ويوم لا ترد هي يردونه هم فيشربون ويدخرون، فحذرهم صالح عقرها٦ فعقروها فأهلكوا.
وروي٧ : أنهم لما سألوه٨ آية قال لهم : أي : آية تريدون٩ ؟ فقالوا : أخرج لنا١٠ من هذا الجبل الذي تنزل بسفحه١١ : ناقة١٢ عشراء حتى نؤمن أنك رسول الله، فأمرهم أن يجتمعوا : ليخرج١٣ الله لهم الناقة من الجبل، على ما سألوه، فاجتمعوا ودعا صالح بإذن الله له١٤ فتحرك الجبل وانصدع، فخرجت منه ناقة، عظيمة الخلق وهي عشراء حاملة١٥ من غير فحل، فولدت فصيلا بعد ذلك، فجعل الله لهم فيها آيات١٦ من ذلك خروجها من جبل، وعظم خلقها، وحملها من غير فحل، فلم يؤمنوا مع ما رأوا من الآيات، وأقاموا على كفرهم، ثم نهاهم عن عقرها، فخالفوه فعقروها، فأهلكهم الله أجمعين. والشِّرب : الحظ والنصيب من الماء. والشِّرب، والشَّرب، والشُّرب مصادر١٧ كلها بلغات، والمضموم أشبهها بالمصادر، لأن المفتوح والمكسور يشتركان١٨ في شيء آخر. فيكون الشرب : الحظ من الماء، ويكون الشرب جمع شارب، كتاجر وتجر، واختار : أبو عمرو والكسائي الفتح في مصدر شرب١٩.
٢ ز: روي..
٣ بعده في ز: لنا..
٤ "عز وجل" سقطت من ز..
٥ "وجعل لها" سقطت من ز: وفي الأصل "لهم" والسياق يقتضي ما أثبت..
٦ ز: عظمها..
٧ ز: روي..
٨ ز: سئلوا..
٩ ز: رأيت لو تبذون..
١٠ ز: "أخرجنا لنا هي""..
١١ ز: بسفحه..
١٢ ز: نادمة..
١٣ ز: لتخرج لهم..
١٤ "له" سقطت من ز..
١٥ ز: حامل..
١٦ ز: آية..
١٧ ز: "ما صادر" وهو تحريف..
١٨ ز: "تشاكان" وهو تحريف كذلك..
١٩ انظر: اللسان ١/٨٧ مادة: شرب..
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء﴾، أي: بعقر، وضرب وشبهه.
﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾، أي: يحل عليكم عذاب يوم القيامة.
وقيل: إنهم لما ندموا على عقرها. ولم يتوبوا من كفرهم، طلبوا صالحاً ليقتلوه، فتنحى من بين أيديهم، هو ومن آمن معه، فأخذهم العذاب.
قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، إلى قوله ﴿الرحيم﴾، وقد تقدم تفسيره.
قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين﴾، / إلى قوله ﴿رَبِّ العالمين﴾، قد تقدم تفسيره.
قال: ﴿أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين﴾، أي: أتنكحون الذكور الذين حرم الله عليكم نكاحهم، وتَدَعُون النساء اللواتي أحل الله لكم نكاحهن. وعن زيد بن أسلم، أن المعنى: أتأتون أدبار الرجال وتدعون النساء.
وأكثر أهل التفسير: على أن الإشارة في النساء هنا إنما هي الفروج.
وقيل: عادون: معتدون.
قال: ﴿قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين﴾، أي: لئن لم تنته عما تقول لنا وتنهانا عنه، لنخرجنك من بين أظهرنا، ومن بلدنا. قال لهم لوط: ﴿إِنِّي لِعَمَلِكُمْ﴾، يعني من إتيان الذكور ﴿مِّنَ القالين﴾، أي: من المبغضين المنكرين. ثم قال مستغيثاً لمَّا تواعدوه بالإخراج: ﴿رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾، أي: من عقوبتك إياهم على ما يعملون. فاستجاب الله له دعاءه. فنجاه. ﴿وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾.
أي: في الباقين: أي: فيمن بقي من العذاب، يعني
وقيل: إنما قيل: ﴿فِي الغابرين﴾، بمعنى أنها بقيت حتى كبرت وهرمت.
وقيل: إنما كانت ممن بقي بعد قومها، ولم تهلك معهم في قريتهم، وإنما أصابها الحجر بعدما خرجت من قريتهم مع لوط فكانت من الباقين بعد قومها، ثم أهلكها الله بما أهلك به بقايا قوم لوط من الحجارة.
وقال قتادة: قيل من الغابرين: لأنها غبرت في عذاب الله أي: بقيت فيه.
وأبو عبيد: يذهب إلى أن المعنى: من الباقين في الهرم. أي: بقيت حتى هرمت.
أي: ثم أهلكنا الآخرين: يعني من بقي من قوم لوط.
قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، إلى قوله ﴿الرحيم﴾ قد مضى تفسيره.
قوله: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ المرسلين﴾.
قال أبو عبيد: ليكة اسم قرية. والأيكة اسم البلد كله. وترك الصرف على قراءة نافع ومن تبعه يدل على ما قاله قتادة: أرسل شعيب إلى قوم أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة.
قال٨ الضحاك : خرج أصحاب ليكة. يعني حين أصابهم الحر، فانضموا إلى الغيضة والشجر، فأرسل الله عليهم سحابة، فاستظلوا بها، فلما تتاموا تحتها أحرقوا.
وقوله تعالى٩ :﴿ إذ قال لهم شعيب ألا تتقون ﴾[ ١٧٧ ]، أي : تتقون عقاب الله على معصيتكم إياه.
٢ ز: قدم..
٣ بعده في ز: "أخوهم لوط"..
٤ ز: ابن..
٥ ز: بن ثوبة..
٦ "وشعيب هو ابن ثوبة" سقط من ز..
٧ من "وأصحاب.... إبراهيم" سقط من ز..
٨ ز: وقال..
٩ "تعالى" سقطت من ز..
قال الضحاك: خرج أصحاب ليكة. يعني حين أصابهم الحر، فانضموا إلى الغيضة والشجر، فأرسل الله عليهم سحابة، فاستظلوا بها، فلما تتاموا تحتها أحرقوا.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، أي: تتقون عقاب الله على معصيتكم إياه.
أي: أمين على ما جئتكم به.
قوله: ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾، إلى ﴿رَبِّ العالمين﴾، قد تقدم تفسيره.
أي: أوفوا الناس حقوقهم من الكيل، ولا تكونوا ممن ينقصهم حقوقهم.
أي: بالميزان المقوم الذي لا بخس فيه على من وزنتهم لهم به.
﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ﴾ أي: لا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن.
قال ابن عباس ومجاهد: القسطاس: العدل.
أي: وخلق الخلق الأولين. وفي الجبلة لغات: جبلة، وجُبُله، وجُبْلة ومن هذا قولهم: جبل فلان على كذا: أي: خلق عليه. وقد تقدم تفسير.
﴿إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين﴾، إلى الكاذبين.
قال / تعالى: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء﴾، أي: يقول قوم شعيب له: أسقط علينا جانباً من السماء. ومن قرأ: بفتح السين جعله جمع: كسفة، كسدرة وسدر، وكسرة وكسر. ويجوز أن يكون من أسكن، جعله أيضاً جمع كسفة: كثمرة وتمر، فيكون المعنى: فأسقط علينا قطعاً من السماء، إن كنت صادقاً فيما جئتنا به.
أي: قال شعيب لقومه: ربي أعلم بما تعملون من عملكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
قال ابن عباس: بعث الله عليهم رمدة وحراً شديداً فأخذ بأنفاسهم، فدخلوا البيوت، فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هرباً إلى البرية، فبعث الله جلّ وعزّ عليهم سحابة، فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها برداً. فنادى بعضهم بعضاً، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم ناراً. ومثل هذا المعنى قال قتادة. وروي: أن الله جلّ ذكره بعث عليهم سموماً فخرجوا إلى الأيكة وهي شجر الدوم، يستظلون تحتها من الحر. فأضرمها الله عليهم ناراً فاحترقوا أجمعين.
وقيل: إن الله بعث عليهم حراً شديداً أو بعث العذاب في ظلة، فخرج رجل
قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم﴾، إلى قوله ﴿الرحيم﴾ قد تقدم تفسير ذلك.
قال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين﴾، يعني وإن الذكر، قالها: تعود على الذكر من قوله: ﴿مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ﴾ وقال قتادة: تعود على القرآن. والمعنى واحد، أي: إن القرآن لتنزيل الله على جبريل: نزل به جبريل عليه السلام. ﴿على قَلْبِكَ﴾، أي: تلاه عليك يا محمد. ﴿لِتَكُونَ مِنَ المنذرين﴾، أي: من رسل الله الذين ينذرون الأمم ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾، أي: تنذر به قومك بلسانهم العربي الظاهر لهم، لئلا يقولوا: إنه نزل بغير لساننا، فلا نفهمه، وهذا تقريع
٢ ز: والهاء..
٣ انظر: ابن جرير١٩/١١١، والقرطبي١٣/١٣٨، وابن كثير٥/٢٠٥، ومجمع البيان١٩..
٤ ز: يعود..
٥ ز: وأن..
٦ اسم الجلالة ساقط من ز..
٧ من "نزل.... وسلم" سقط من ز..
أي: وإن هذا القرآن لفي كتب الأولين. فهذا لفظ عام ومعناه الخصوص، معناه: وإن هذا القرآن لفي بعض كتب الأولين، أي ذكره، وخبره في بعض ما أنزل على الأنبياء من الكتب.
وقد قيل: معناه: وإن الانذار بمن أهلك لفي كتب الأولين.
أي: أولم يكن لقريش علامة على صدقك، وحجة على أن القرآن من عند الله، وأن محمداً رسول الله ﷺ، أن علماء بني إسرائيل الذين أسلموا: يجدون ذكر محمد مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. قال ابن عباس: كان ابن
قال ابن عباس: الأنبياء كلهم من بني إسرائيل إلا أحد عشر: إدريس، ونوح، وصالح، وهود، وشعيب، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب ومحمد ﷺ وعليهم أجمعين.
أي: ولو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم التي لا تنطق، فنطقت به ما آمنوا، ولقالوا: لولا فصلت آياته حتى نفهمه، والأعجمون جمع أعجم، وهو الذي لا يصفح، وإن كان غير أعجمي في
قوله تعالى ذكره: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين﴾ إلى قوله: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ أي: كما ختم على قلوب هؤلاء أنهم لا يؤمنون بهذا القرآن، ولو نزلناه على بعض الأعجمين، فقرأه عليهم، كذلك سلكه التكذيب / والكفر في قلوب المجرمين، ومعنى: سلكناه: أدخلناه. والهاء في سلكناه، تعود على قوله ﴿مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾، التقدير: كذلك أدخلنا ترك الإيمان في قلوب المجرمين.
قال ابن جريج: سلكناه: يعني الكفر.
وقال ابن زيد: الشرك، فليس يؤمنون حتى يعاينوا العذاب. وكذلك قال الحسن.
أي: يستعجل هؤلاء المشركون بالعذاب لقولهم لن نؤمن لك حتى تسقط السماء، كما زعمت، علينا كسفاً.
قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾، أي أرأيت يا محمد إن أخرنا في آجالهم سنين ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون.
" ما " الأول في موضع نصب بأغنى. و " ما " الثانية: الفاعلة ويجوز أن تكون ما الأولى نافية، والثانية فاعلة، وتقدر حذفها من آخر الكلام. والتقدير: لم يغن عنهم الزمان الذي كانوا
وقال عكرمة: عنى بالسنين: عمر الدنيا.
قال: ﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ﴾ أي: وما أهلكنا من قرية من القرى التي تقدم ذكرها، ومن غيرها إلا لها منذرون، ينذرونهم عذاب الله، ويكذرونهم نعمه، " ذكرى " في موضع نصب على المصدر، لأن منذرون بمعنى: مذكرون. فتقف على هذا على " ذكرى " وكذلك إن نصبت " ذكرى " بإضمار فعل: أي جعلنا ذلك ذكرى لهم.
وقيل: " ذكرى " في موضع رفع على إضمار المبتدأ تقديره: تلك ذكرى، وذلك ذكرى، وإنذارنا ذكرى.
﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾، أي: ما كنا نظلم قرية، فنهلكها من غير إنذار وتذكرة. فتقف على هذا " منذرون " ثم تبتدئ " ذرى " أي: هذا القرآن ذكرى للمتذكرين، ودل على هذا الإضمار قوله: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين﴾ [الشعراء: ٢١٠] الآية، أي:
أي: ما تنزلت الشياطين بهذا القرآن على محمد ﷺ، ولكن نزل به عليه الروح الأمين وهو جبريل ﷺ. وقرأ الحسن: الشياطون بالواو وهو غلط لأنه جمع مكسر إعرابه في آخره.
أي: وما يتأتى للشياطين أن ينزلوا بالقرآن، ولا يصلح لهم ذلك ولا يستطيعون أن ينزلوا به، لأنهم لا يصلون إلى استماعه في المكان الذي هو به من السماء.
أي: إن الشياطين عن سمع القرآن في المكان الذي هو به لمعزلون، فكيف يستطيعون ان ينزلوا به، والسمع مصدر في موضع الاستماع.
﴿فَتَكُونَ مِنَ المعذبين﴾، وقيل: هو خطاب للنبي ﷺ، والمراد به جميع الخلق. ومعناه إنه خوطب بذلك ليعلمه الله حكمه فيمن عبد غيره كائناً ما كان، ودليل هذا قوله: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾، فهذا خطاب للنبي ﷺ بلا اختلاف، والمعنى: أنذرهم لئلا يتكلوا على نسبهم، وقرابتهم منك فيدعوا ما يجب عليهم. " ولما نزلت هذه الآية بدأ النبي ﷺ ببني جده، وولده فحذرهم " وقالت عائشة رضي الله عنها: " لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ: يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت رسول الله، يا بني عبد المطلب: إني لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم ".
أي إن عصاك عشيرتك في إنذارك لهم وأبوا إلا الإقامة على كفرهم أي: من عملكم، وعبادتكم الأصنام.
قال: ﴿وَتَوكَّلْ عَلَى العزيز﴾، أي العزيز في نقمته من أعدائه، ﴿الرحيم﴾ لمن تاب من كفره.
أي: تقوم إلى صلاتك.
قال مجاهد: حيت تقوم أينما كنت.
أي: ونرى تقلبك في صلاتك حين تركع وتسجد، وتقوم وتقعد. قاله ابن عباس وعكرمة، وعن ابن عباس معناه: وتقلبك في الطهور من طهر إلى طهر.
أي: على من تنزل الشياطين من الناس.
أي: كذاب أثيم، أي: آثم.
قال قتادة: هم الكهنة تسرق الجن السمع، ثم يأتون به إلى أوليائهم من الإنس.
أي: يلق الشياطين ما استمعت إلى الكهنة. قاله مجاهد. وأكثر الكهنة كاذبون. وقيل: المعنى يلق الكهنة السمع أي: يسمعونه ويعقلونه ﴿وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾،. يعني الكهنة أيضاً.
قالت عائشة: كانت الشياطين تسترق السمع فتجيء بكلمة حق فتقذفها في
أي: الشعراء يتبعهم أهل الغي، لا أهل الرشد.
قال ابن عباس: الغاوون: رواه الشعر. وقال مجاهد، وقتادة هم الشياطين. وقال عكرمة، هم عصاة الجن. وقيل: هم السفهاء. وعن ابن عباس: أنها نزلت في رجلين: أحدهما من الأنصار، والآخر من غيرهم، تهاجيا على عهد النبي ﷺ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه. أي: سفهاء. وكذلك
هذا مثل ومعناه: أنهم في كل فن من القول الباطل يذهبون، يمدحون هذا بما ليس فيه، ويذمون هذا بما ليس فيه، فهم يذهبون، كالهائم على وجهه، قال ابن عباس: معناه في كل لغو يخوضون.
قال قتادة: قوله: ﴿إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ الآية، نزلت في
ثم قال تعالى: ﴿وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً﴾، أي: ذكروه في حال كلامهم، ومحاورتهم ومخاطبتهم الناس / قاله ابن عباس. وقال ابن زيد: وذكروا الله كثيراً في شعرهم. وقيل المعنى: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله. إنما ناضلوا من كذّب رسول الله ﷺ، وهو أحق الناس بالهجاء ﴿وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ﴾، أي: هجوا من هجاهم، من شعراء المشركين، وجاوبوهم عن هجائهم.
قال ابن عباس: يردون على الكفار الذين هجوا المسلمين.
قال سالم مولى تميم الداري: لما نزلت: ﴿والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون﴾ الثلاث
وقال: أنتم. ثم قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾، يعنى مشركي مكة، الذين ظلموا أنفسهم بشركهم بالله، سيعلمون أي: مرجع يرجعون، وأي: معاد يعودون بعد مماتهم، وأي منصوب ينقلبون على المصدر، وليس بمفعول به، لأن " ينفعل " لا يتعدى: نحو: ينطلق، فإنما نصبه على أنه نعت لمصدر محذوف عمل ما فيه ﴿يَنقَلِبُونَ﴾، ولا ينتصب " سيعلم " لأن " سيعلم " خبر، أو " أي " استفهام ولا يعمل ما قبل الاستفهام فيه.