تفسير سورة النبأ

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة النبأ من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سورة النبأ
مكية، ليس فيها نسخ ولا حكم، وآيها: أربعون آية، وحروفها: سبع مئة وسبعون حرفًا، وكلمها: مئة وثلاث وسبعون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١)﴾.
[١] لما دعا النبي - ﷺ - أهل مكة إلى التوحيد، وأخبرهم بالبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن، جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون: ماذا جاء به محمد؟ فنزل قوله تعالى: ﴿عَمَّ﴾ (١) أصله (عَنْ) (مَا) أدغمت النون في الميم، وحذفت الألف فرقًا بين الاستفهام والخبر. ووقف البزي، ويعقوب بخلاف عنهما (عَمَّهْ) بزيادة هاء بعد الميم (٢) ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾ هؤلاء المشركون؛ أي: يسأل بعضهم بعضًا، ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه؛ كأنه لفخامته خفي جنسه، فيسأل عنه، وهو استفهام توقيف وتعجيب منهم.
(١) انظر: "تفسير الطبري" (٣٠/ ١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٣٧).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ١٣٤)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٣١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٤٥).
﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢)﴾.
[٢] ثم بين شأن المسؤول عنه، فقال: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ وهو القرآن.
...
﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)﴾.
[٣] ﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ بأن أنكر (١) بعض، وكذب بعض، وقولهم: سحر، وكهانة، وشعر، وجنون، وغير ذلك.
قال الزجَّاج: الكلام تام في قوله: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول: يتساءلون عن النبأ العظيم، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي يقتضيه الحال والمحاورة اقتضابًا للجواب (٢) وإسراعها إلى موضع قطعهم، وهذا نحو قوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ﴾ [الأنعام: ١٩]، وله أمثلة كثيرة (٣).
...
﴿كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤)﴾.
[٤] ﴿كَلَّا﴾ ردٌّ على الكفار في تكذيبهم.
﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ عاقبةَ تكذيبهم، وهو وعيد لهم في المستقبل.
...
(١) في "ت": "شك".
(٢) في "ت": "للحجة".
(٣) نقل كلام الزجاج: ابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ٤٢٣)، وأبو حيان في "البحر المحيط" (٨/ ٤٠٣).
﴿ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٥)﴾.
[٥] ﴿ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ كرر الزجر تأكيدًا، وجيء بـ (ثُمَّ) ليؤذِنَ أن الوعيد الثاني أشدُّ من الأول، وأن مدته أطول.
...
﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦)﴾.
[٦] ثم أومأ تعالى إلى القدرة على البعث فقال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾ فراشًا يُمْهَد للأناسي كالمهد للصبي.
...
﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧)﴾.
[٧] ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾ للأرض حتى لا تميد؛ كتثبيت البيت بالوتد.
...
﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (٨)﴾.
[٨] ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أصنافًا ذكورًا وإناثًا.
...
﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (٩)﴾.
[٩] ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ راحة لأبدانكم، وقيل: قطعًا لأعمالكم؛ لأن أصل السبت: القطع.
***
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ غطاء يستر كل شيء بظلمته.
...
﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (١١)﴾.
[١١] ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ وقتَ معاش (١) تتقلبون فيه، وتبتغون من فضل الله ما قسم لكم من رزقه.
...
﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا﴾ أي: سبع سماوات ﴿شِدَادًا﴾ جمع شديدة؛ أي: قوية محكمة لا يؤثر فيها مرور الزمان.
...
﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (١٣)﴾.
[١٣] ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾ مضيئًا جامعًا بين النور والحرارة؛ يعني: الشمس.
...
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾ السحائب إذا عصرت بالرياح فيُخرج منها.
(١) "وقت معاش" زيادة من "ت".
﴿مَاءً ثَجَّاجًا﴾ مُنْصَبًّا بكثرة.
...
﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (١٥)﴾.
[١٥] ﴿لِنُخْرِجَ بِهِ﴾ بالماء ﴿حَبًّا﴾ كالحنطة والشعير.
﴿وَنَبَاتًا﴾ كالتبن والحشيش وما تنبته الأرض مما تأكل الأنعام.
...
﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (١٦)﴾.
[١٦] ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿أَلْفَافًا﴾ ملتفة الأشجار، واحدها: لِفٌّ ولَفيفٌ.
...
﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (١٧)﴾.
[١٧] ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ﴾ بين الخلائق ﴿كَانَ مِيقَاتًا﴾ للثواب والعقاب.
...
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (١٨)﴾.
[١٨] ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ بدل من ﴿يَوْمَ الْفَصْلِ﴾، ﴿فَتَأْتُونَ﴾ من قبوركم إلى الموقف ﴿أَفْوَاجًا﴾ جماعاتٍ مختلفةً، ونصبه على الحال.
...
﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (١٩)﴾.
[١٩] ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ﴾ قرأ الكوفيون: (وَفُتِحَتِ) بتخفيف التاء،
والباقون: بالتشديد (١)؛ أي: شُقَّت لنزول الملائكة ﴿فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ أي: ذات أبواب مفتحة.
...
﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ﴾ ذُهِبَ بها عن أماكنها ﴿فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ هباءً يُرى كالسراب.
...
﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (٢١)﴾.
[٢١] ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا﴾ طريقًا وممرًا، فالمؤمن يمر عليها ليدخل الجنة، والكافر يدخلها، وقيل: (مِرْصَادًا) مِرْقَبًا ترقُب منه الملائكة الخلائقَ، فيُدخلون المؤمنَ الجنة، والكافرَ النار.
...
﴿لِلطَّاغِينَ مَآبًا (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿لِلطَّاغِينَ﴾ للكافرين ﴿مَآبًا﴾ مرجعًا.
...
﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿لَابِثِينَ﴾ قرأ حمزة، ورويس عن يعقوب: (لَبِثِينَ) بغير ألف بعد اللام، واللَّبِثُ: مَنْ شأنُه اللبثُ والمقامُ في المكان، وقرأ الباقون:
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١٩٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٤٦ - ٤٧).
بالألف (١)، واللابث من وجُد منه اللبث، وإن قَلَّ، ونصبه حال مقدرة من الضمير في (الطَّاغِينَ) ﴿فِيهَا أَحْقَابًا﴾ جمع حُقْب: ثمانون سنة، كل يوم منها ألف سنة، وليس المراد منه عددًا محصورًا، فكلما مضى حقب، تبعه حقب، إلى غير نهاية، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود.
...
﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا﴾ من حر ﴿وَلَا شَرَابًا﴾ من عطش.
...
﴿إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿إِلَّا حَمِيمًا﴾ وهو ما بلغ نهاية الحر ﴿وَغَسَّاقًا﴾ هو الزمهرير. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: بتشديد السين، والباقون: بتخفيفها (٢).
...
﴿جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿جَزَاءً﴾ مصدر ﴿وِفَاقًا﴾ أي: موافقًا لسوء أعمالهم.
...
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٩)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٣٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٤٧).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٨)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٨٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٤٨).
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ﴾ لا يخافون ﴿حِسَابًا﴾ لأنهم لم يصدِّقوا بالبعث.
...
﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا﴾ أي: تكذيبًا، وهو مصدر بلغة العرب.
...
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ نصب بمضمر يفسره ﴿أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا﴾ حال؛ أي: مكتوبًا في اللوح، وهذه الآية اعتراض بين (كِذَّابًا).
...
﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠)﴾.
[٣٠] وقوله: ﴿فَذُوقُوا﴾ أي: يقال لهم: ذوقوا جزاءكم.
﴿فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾ فوق عذابكم.
...
﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١)﴾.
[٣١] ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾ أي: فوزًا بالبغية.
***
﴿حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿حَدَائِقَ﴾ بيان ﴿مَفَازًا﴾ أي: بساتين عليها جدران ﴿وَأَعْنَابًا﴾ تفسير الـ (حدائق)؛ أي: فيها أنواع الأشجار المثمرة.
...
﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿وَكَوَاعِبَ﴾ يعني: نساء قد تكعَّبت ثُديُهن، وهُنَّ النَّواهد.
﴿أَتْرَابًا﴾ مستوياتٍ في السن.
...
﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ مملوءةً.
...
﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (٣٥)﴾.
[٣٥] ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ باطلًا من الكلام ﴿وَلَا كِذَّابًا﴾ قرأ الكسائي: بتخفيف الذال مصدر كَذَب مخففًا، وقرأ الباقون: بتشديدها (١) مصدر كذَّب مثقلًا، المعنى: لا يسمعون في الجنة باطل الكلام، ولا كلامَ من يكذب ولا يكذَّبُ صاحبه، واتفقوا على تشديد (كِذَّابًا) في الحرف المتقدم (٢) لوجود فعله معه.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٩)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٩)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٤١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٤٩).
(٢) "المتقدم" ساقطة من "ت".
﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ﴾ بمقتضى وعده، ونصبه مصدر.
﴿عَطَاءً﴾ تفضُّلًا منه، وهو بدل من (جَزَاءً).
﴿حِسَابًا﴾ كافيًا، ومنه: أعطاني فأحسبني؛ أي: أكثر علي حتى قلت: حسبي، ونصبه صفة.
...
﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو: (رَبُّ) بالرفع على الاستئناف، و ﴿الرَّحْمَنِ﴾ خبره، وقرأ ابن عامر، وعاصم، ويعقوب: (رَبِّ) بالخفض إتباعًا لقوله: (مِنْ رَبِّكَ)، وقرؤوا أيضًا (الرحمن) بالخفض إتباعًا لقوله: (رَبِّ السَّمَوَاتِ) وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (رَبِّ) بالخفض؛ لقربه من قوله: (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ)، وقرؤوا: (الرَّحْمَنُ) بالرفع؛ لبعده منه على الاستئناف (١).
﴿لَا يَمْلِكُونَ﴾ الضمير لأهل السموات والأرض ﴿مِنْهُ خِطَابًا﴾ أي: لا يملكون شفاعة إلا بإذنه تعالى.
...
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٦٩)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٩)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٤١ - ٥٤٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٥٠).
﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿يَوْمَ﴾ ظرف لـ (لاَ يَمْلِكُونَ) ﴿يَقُومُ الرُّوحُ﴾ قال ابن عباس عن النبي - ﷺ -: "الرُّوحُ خَلْقٌ غيرُ الملائكةِ هم حفظة لنا" (١)، وقيل: هو جبريل عليه السلام (٢).
﴿وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا﴾ أي: متقابلين (٣)، ونصبه على الحال. قرأ أبو عمرو: (وَالْمَلاَئِكَة صفًّا) بإدغام التاء في الصاد (٤).
﴿لَا يَتَكَلَّمُونَ﴾ جميع الخلائق ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ في الكلام.
﴿وَقَالَ صَوَابًا﴾ أي: حقًّا في الدنيا، وهو الشهادة بالتوحيد.
* * *
﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾ الثابتُ وقوعُه، وهو يوم القيامة.
﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا﴾ مرجعًا بالإيمان.
* * *
(١) ذكره الثعالبي في "تفسيره" (٤/ ٣٨٢).
(٢) انظر: "الكشاف" للزمخشري (٤/ ٦١٢).
(٣) "أي متقابلين" زيادة من "ت".
(٤) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٨٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٥٠).
﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾ وهو عذاب الآخرة، وكلُّ ما هو آت قريب.
﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ﴾ المراد بالمرء (١): الجنس؛ أي: ينظر ثَمَّ كلّ امرئ.
﴿مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ من خير وشر.
﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ﴾ في الدنيا ﴿تُرَابًا﴾ ولم أر حسابًا.
روي أن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة، فيقتص من بعضها لبعض، ثم يقول لها بعد ذلك: كوني ترابًا، فيعود جميعها ترابًا، فإذا رأى الكفار ذلك، تمنوا مثله (٢)، والله أعلم.
* * *
(١) "بالمرء" ساقطة في "ت".
(٢) رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (١٠)، والطبري في "تفسيره" (٣٠/ ٢٦)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣٣٩٦)، والحاكم في "المستدرك" (٣٢٣١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
Icon