تفسير سورة سورة القصص من كتاب تفسير الشعراوي
المعروف بـتفسير الشعراوي
.
لمؤلفه
الشعراوي
.
المتوفي سنة 1418 هـ
ﰡ
ﮝ
ﰀ
الحروف المقطعة في بدايات سور القرآن مرة يأتي حرف واحد مثل (ق، ن) أو حرفان مثل (طس، حم) أو ثلاثة أحرف مثل (الم، طسم) أو أربعة مثل (المر) أو خمسة مثل (حمعسق، كهيعص) وكل منها له مفتاح وأسرار لم يفتح علينا بعد لمعرفته وما قلنا في معنى هذه الحروف مجرد محاولات على الطريق.
يعني: ما يأتي في هذه السورة آيات الكتاب المبين.
أي: نقص عليك ﴿مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ﴾ [القصص: ٣] والنبأ: الخبر الهام الذي يجب الالتفات إليه، وهل هناك أهم من إرسال موسى عليه السلام إلى مَن ادعى الألوهية؟ لذلك أفرد لهما هذه السورة، فلم يَرِدْ فيها ذِكْر آخر إلا لقارون؛ لأنها تعالج مسألة القمة، مسألة التوحيد، وتردّ علىَ مَنِ ادّعى الألوهية، ونازع الله تعالى في صفاته.
قوله ﴿بالحق﴾ [القصص: ٣] لأن تلاوته وقصصه حق، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق﴾ [آل عمران: ٦٢].
والقصص مأخوذ من قصِّ الأثر وتتبّعه، وقد اشتُهِر به بعض العرب قديماً، ومهروا فيه حتى إنهم ليعرفون أثر الرجل من أثر المرأة.. ألخ، وقد اشتُهِرت عندهم قصة الرجل الذي فقد جمله، وقابل أحد القصاصين، وسأله عنه فقال: جملك أبتر الذَّنَب؟ قال: نعم، قال: أعور؟ قال: نعم، قال: أعرج؟ عندها لم يشكّ صاحب الجمل أن هذا الرجل هو الذي أخذ جمله، فأمسك به وقاضاه.
وفي مجلس القضاء، قال الرجل: والله ما أخذتُ جملك، كلني رأيتُ الجمل يبعثر بَعْره خلفه، أما هذا فيضع بَعْره مرة واحدة،
قوله ﴿بالحق﴾ [القصص: ٣] لأن تلاوته وقصصه حق، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق﴾ [آل عمران: ٦٢].
والقصص مأخوذ من قصِّ الأثر وتتبّعه، وقد اشتُهِر به بعض العرب قديماً، ومهروا فيه حتى إنهم ليعرفون أثر الرجل من أثر المرأة.. ألخ، وقد اشتُهِرت عندهم قصة الرجل الذي فقد جمله، وقابل أحد القصاصين، وسأله عنه فقال: جملك أبتر الذَّنَب؟ قال: نعم، قال: أعور؟ قال: نعم، قال: أعرج؟ عندها لم يشكّ صاحب الجمل أن هذا الرجل هو الذي أخذ جمله، فأمسك به وقاضاه.
وفي مجلس القضاء، قال الرجل: والله ما أخذتُ جملك، كلني رأيتُ الجمل يبعثر بَعْره خلفه، أما هذا فيضع بَعْره مرة واحدة،
10870
فعرفتُ أنه مقطوع الذنب، ورأيت أحد أخفافه لا يؤثر في الرمل فعرفتُ أنه أعرج، ورأيته يأكل من ناحية ويترك الأخرى فعرفتُ أنه أعور.
والحق تبارك وتعالى حين يقصُّ علينا يقصُّ الواقع، فقَصص القرآن لا يعرف الخيال كقصص البشر؛ لذلك يسميه القصص الحق، وأحسن القصص، لأنه يروي الواقع طِبْق الأصل.
والحق تبارك وتعالى حين يقصُّ علينا يقصُّ الواقع، فقَصص القرآن لا يعرف الخيال كقصص البشر؛ لذلك يسميه القصص الحق، وأحسن القصص، لأنه يروي الواقع طِبْق الأصل.
10871
معنى ﴿عَلاَ﴾ [القصص: ٤] من العلو أي: استعلى، والمستعلَى عليه هم رعيته، بل علا على وزرائه والخاصة من رعيته، وعلا حتى على الله عَزَّ وَجَلَّ فادَّعى الألوهية، وهذا منتهى الاستعلاء، ومنتهى الطغيان والتكبُّر، وما دامت عنده هذه الصفات وهو بشر وله هوىً فلا بُدَّ أنْ يستخدمها في إذلال رعيته.
﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً﴾ [القصص: ٤] جمع شيعة، وهي الطائفة التي لها استقلالها الخاص، والمفروض في المُمَلَّك أنْ يُسوِّي بين رعيته، فلا تأخذ طبقة أو جماعة حظوه عن الأخرى، أما فرعون فقد جعل الناس طوائف، ثم يسلِّط بعضها على بعض، ويُسخِّر بعضها لبعض.
﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً﴾ [القصص: ٤] جمع شيعة، وهي الطائفة التي لها استقلالها الخاص، والمفروض في المُمَلَّك أنْ يُسوِّي بين رعيته، فلا تأخذ طبقة أو جماعة حظوه عن الأخرى، أما فرعون فقد جعل الناس طوائف، ثم يسلِّط بعضها على بعض، ويُسخِّر بعضها لبعض.
10871
ولا شكَّ أن جَعْل الأمة الواحدة عدة طوائف له مَلْحظ عند الفاعل، فمن مصلحته أن يزرع الخلاف بين هذه الطوائف ويشغل بعضها ببعض، فلا تستقر بينهم الأمور، ولا يتفرغون للتفكير فيما يقلقه ويهزّ عرشه من تحته، فيظل هو مطلوباً من الجميع.
والقبط كانوا هم سكان مصر والجنس الأساسي بها، ثم لما جاءها يوسف عليه السلام واستقرَّ به الأمر حتى صار على خزائنها، ثم جاء إخوته لأخْذ أقواتهم من مصر، ثم استقروا بها وتناسلوا إلا أنهم احتفظوا بهويتهم فلم يذوبوا في المجتمع القبطي.
وبالمناسبة يخطىء الكثيرون فيظنون أن القبطيَّ يعني النصراني وهذا خطأ، فالقطبي يعني المصري كجنس أساسي في مصر، لكن لما استعمرت الدولةُ الرومانية مصرَ كان مع قدوم المسيحية فأطلقوا على القبطي (مسيحي).
لكن، ما السبب في أن فرعون جعل الناس طوائف، تستعبد كلٌّ منها الأخرى؟ قالوا: لأن بني إسرائيل كانوا في خدمة المستعمر الذي أزاح حكم الفراعنة، وهم ملوك الرعاة، فلما طُرِد ملوك الرعاة من مصر كان طبيعياً فيمَنْ يحكم مصر أن يضطهد بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا موالين لأعدائه، ويسيرون في ركابهم، ومن هنا جاء اضطهاد فرعون لبني إسرائيل.
والقرآن الكريم حينما يتحدث عن ملوك مصر في القديم وفي الحديث يُسمِّيهم فراعنة، كما في قوله تعالى: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد﴾ [الفجر: ١٠].
والقبط كانوا هم سكان مصر والجنس الأساسي بها، ثم لما جاءها يوسف عليه السلام واستقرَّ به الأمر حتى صار على خزائنها، ثم جاء إخوته لأخْذ أقواتهم من مصر، ثم استقروا بها وتناسلوا إلا أنهم احتفظوا بهويتهم فلم يذوبوا في المجتمع القبطي.
وبالمناسبة يخطىء الكثيرون فيظنون أن القبطيَّ يعني النصراني وهذا خطأ، فالقطبي يعني المصري كجنس أساسي في مصر، لكن لما استعمرت الدولةُ الرومانية مصرَ كان مع قدوم المسيحية فأطلقوا على القبطي (مسيحي).
لكن، ما السبب في أن فرعون جعل الناس طوائف، تستعبد كلٌّ منها الأخرى؟ قالوا: لأن بني إسرائيل كانوا في خدمة المستعمر الذي أزاح حكم الفراعنة، وهم ملوك الرعاة، فلما طُرِد ملوك الرعاة من مصر كان طبيعياً فيمَنْ يحكم مصر أن يضطهد بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا موالين لأعدائه، ويسيرون في ركابهم، ومن هنا جاء اضطهاد فرعون لبني إسرائيل.
والقرآن الكريم حينما يتحدث عن ملوك مصر في القديم وفي الحديث يُسمِّيهم فراعنة، كما في قوله تعالى: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد﴾ [الفجر: ١٠].
10872
وهنا في قصة موسى عليه السلام قال أيضاً: فرعون: أما في قصة يوسف عليه السلام فلم يأْتِ ذكْر للفراعنة، إنما قال ﴿الملك﴾ [يوسف: ٤٣] وهذه من مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم؛ لأن الحكم في مصر أيام يوسف كان لملوك الرعاة، ولم يكُنْ للفراعنة، حيث كانوا يحكمون مصر قبله وبعده لما استردوا مُلْكهم من ملوك الرُّعاة؛ لذلك في عهد يوسف بالذات قال ﴿الملك﴾ [يوسف: ٥٠] فلم يكُنْ للفرعون وجود في عصر يوسف.
فمعنى ﴿سْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ﴾ [القصص: ٤] يعني: تستبد طائفة الأقباط، وهم سكان مصر الأصليون بطائفة بني إسرائيل لينتقموا منهم جزاءَ موالاتهم لأعدائهم.
وأول دليل على بطلان ألوهية فرعون أن يجعل أمته شِيَعاً، لأن المألوهين ينبغي أن يكونوا جميعاً عند الإله سواء؛ لذلك يقول تعالى في الحديث عن موكب النبوات:
﴿إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٩].
ذلك لأن دين الله واحد، وأوامره واحدة للجميع، فلو كنتم مُتمسِّكين بالدين الحق لجعلتُم الناس جميعاً شيعة واحدة، لا يكون لبعضهم سلطة زمنية على الآخرين، فإذا رأيت في الأمة هذه التفرقة وهذا التحزُّب فاعلم أنهم جميعاً مدينون؛ لأن الإسلام كما قُلْنا في صفائه كالماء الذي لا طعمَ له، ولا لون، ولا رائحة.
وهذا الماء يحبه الجميع ولا بُدَّ لهم منه لاستبقاء حياتهم، أما أن نُلوِّن هذا الماء بما نحب، فأنت تحب البرتقال، وأنا أحب المانجو. وهذا يحب الليمون.. إلخ إذن: تدخلتْ الأهواء، وتفرَّق الدين الذي أراده الله مجتمعاً.
فمعنى ﴿سْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ﴾ [القصص: ٤] يعني: تستبد طائفة الأقباط، وهم سكان مصر الأصليون بطائفة بني إسرائيل لينتقموا منهم جزاءَ موالاتهم لأعدائهم.
وأول دليل على بطلان ألوهية فرعون أن يجعل أمته شِيَعاً، لأن المألوهين ينبغي أن يكونوا جميعاً عند الإله سواء؛ لذلك يقول تعالى في الحديث عن موكب النبوات:
﴿إِنَّ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٥٩].
ذلك لأن دين الله واحد، وأوامره واحدة للجميع، فلو كنتم مُتمسِّكين بالدين الحق لجعلتُم الناس جميعاً شيعة واحدة، لا يكون لبعضهم سلطة زمنية على الآخرين، فإذا رأيت في الأمة هذه التفرقة وهذا التحزُّب فاعلم أنهم جميعاً مدينون؛ لأن الإسلام كما قُلْنا في صفائه كالماء الذي لا طعمَ له، ولا لون، ولا رائحة.
وهذا الماء يحبه الجميع ولا بُدَّ لهم منه لاستبقاء حياتهم، أما أن نُلوِّن هذا الماء بما نحب، فأنت تحب البرتقال، وأنا أحب المانجو. وهذا يحب الليمون.. إلخ إذن: تدخلتْ الأهواء، وتفرَّق الدين الذي أراده الله مجتمعاً.
10873
لذلك يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ستفترق أمتي بِضْع وستون، أو بضع وسبعون فرقة، كلُّهم في النار إلا ما أنا عليه وأصحابي».
فشيعة الإسلام إذن واحدة، أما أن نرى على الساحة عشرات الفِرَق والشِّيَع والجماعات، فأيّها يتبع المسلم؟ إذن: ما داموا قد فرَّقوا دينهم، وكانوا شِيعاً فلسْتَ منهم في شيء.
ثم يُفسِّر الحق سبحانه هذا الاستضعاف ﴿يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ﴾ [القصص: ٤] فيقول ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ [القصص: ٤] وقلنا: إن الإفساد أن تأتي على الصالح بذاته فتفسده، فمن الفساد إذن قتْل الذُّكْران واستحياء النساء؛ لأن حياة الناس لا تقوم إلا باستبقاء النوع، فقتل الذّكْران يمنع استبقاء النوع، واختار قَتْل الذكْران: لأنهم مصدر الشر بالنسبة له، أمّا النساء فلا شوكة لهُنَّ، ولا خوفَ منهن؛ لذلك اتسبقاهُنَّ للخدمة وللاستذلال.
وحين نتتبع هذه الآية نجد أنها جاءت في مواضع ثلاثة من كتاب الله، لكل منها أسلوب خاص، ففي الآية الأولى يقول تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩].
وفي موضع آخر: ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٤١] وهاتان الآيتان على لسان الحق تبارك وتعالى.
أما الأخرى فحكاية من الله على لسان موسى عليه السلام حين يُعدِّد نِعَم الله تعالى على بني إسرائيل، فيقول:
فشيعة الإسلام إذن واحدة، أما أن نرى على الساحة عشرات الفِرَق والشِّيَع والجماعات، فأيّها يتبع المسلم؟ إذن: ما داموا قد فرَّقوا دينهم، وكانوا شِيعاً فلسْتَ منهم في شيء.
ثم يُفسِّر الحق سبحانه هذا الاستضعاف ﴿يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ﴾ [القصص: ٤] فيقول ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ [القصص: ٤] وقلنا: إن الإفساد أن تأتي على الصالح بذاته فتفسده، فمن الفساد إذن قتْل الذُّكْران واستحياء النساء؛ لأن حياة الناس لا تقوم إلا باستبقاء النوع، فقتل الذّكْران يمنع استبقاء النوع، واختار قَتْل الذكْران: لأنهم مصدر الشر بالنسبة له، أمّا النساء فلا شوكة لهُنَّ، ولا خوفَ منهن؛ لذلك اتسبقاهُنَّ للخدمة وللاستذلال.
وحين نتتبع هذه الآية نجد أنها جاءت في مواضع ثلاثة من كتاب الله، لكل منها أسلوب خاص، ففي الآية الأولى يقول تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩].
وفي موضع آخر: ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٤١] وهاتان الآيتان على لسان الحق تبارك وتعالى.
أما الأخرى فحكاية من الله على لسان موسى عليه السلام حين يُعدِّد نِعَم الله تعالى على بني إسرائيل، فيقول:
10874
﴿اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٦].
فالواو في ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ [إبراهيم: ٦] لم ترد في الكلام على لسان الله تعالى، إنما وردتْ في كلام موسى؛ لأنه في موقف تَعداد نِعَم الله على قومه وقصده؛ لأن يُضخِّم نعم الله عليهم ويُذكِّرهم بكل النعم، فعطف على ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب﴾ [إبراهيم: ٦] قوله ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ [إبراهيم: ٦].
لكن حين يتكَلَّم الله تعالى فلا يمتنُّ إلا بالشيء الأصيل، وهو قتْل الأولاد واستحياء النساء؛ لأن الحق تبارك وتعالى لا يمتنّ بالصغيرة، إنما يمتنُّ بالشيء العظيم، فتذبيح الأبناء واستحياء النساء هو نفسه سوء العذاب.
وقوله مرة ﴿يُذَبِّحُونَ﴾ [البقرة: ٤٩] ومرة ﴿يُقَتِّلُونَ﴾ [الأعراف: ١٤١] لأن قتل الذّكْران أخذ أكثر من صورة، فمرَّة يُذبِّحونهم ومرة يخنقونهم.
ومعنى: ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٤١] من السَّوْم، وهو أنْ تطلب الماشية المرعى، فنتركها تطلبه في الخلاء، وتلتقط رزقها بنفسها لا نقدمه نحن لها، وتسمى هذه سائمة، أما التي نربطها ونُقدِّم لها غذاءها فلا تُسمَّى سائمة.
فالمعنى ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب﴾ [الاعراف: ١٤١] يعني: يطلبون لكم سوء العذاب، وما داموا كذلك فلا بُدَّ أنْ يتفنَّنوا لكم فيه.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾
فالواو في ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ [إبراهيم: ٦] لم ترد في الكلام على لسان الله تعالى، إنما وردتْ في كلام موسى؛ لأنه في موقف تَعداد نِعَم الله على قومه وقصده؛ لأن يُضخِّم نعم الله عليهم ويُذكِّرهم بكل النعم، فعطف على ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب﴾ [إبراهيم: ٦] قوله ﴿وَيُذَبِّحُونَ﴾ [إبراهيم: ٦].
لكن حين يتكَلَّم الله تعالى فلا يمتنُّ إلا بالشيء الأصيل، وهو قتْل الأولاد واستحياء النساء؛ لأن الحق تبارك وتعالى لا يمتنّ بالصغيرة، إنما يمتنُّ بالشيء العظيم، فتذبيح الأبناء واستحياء النساء هو نفسه سوء العذاب.
وقوله مرة ﴿يُذَبِّحُونَ﴾ [البقرة: ٤٩] ومرة ﴿يُقَتِّلُونَ﴾ [الأعراف: ١٤١] لأن قتل الذّكْران أخذ أكثر من صورة، فمرَّة يُذبِّحونهم ومرة يخنقونهم.
ومعنى: ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ [الأعراف: ١٤١] من السَّوْم، وهو أنْ تطلب الماشية المرعى، فنتركها تطلبه في الخلاء، وتلتقط رزقها بنفسها لا نقدمه نحن لها، وتسمى هذه سائمة، أما التي نربطها ونُقدِّم لها غذاءها فلا تُسمَّى سائمة.
فالمعنى ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب﴾ [الاعراف: ١٤١] يعني: يطلبون لكم سوء العذاب، وما داموا كذلك فلا بُدَّ أنْ يتفنَّنوا لكم فيه.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾
10875
فلن يدوم لفرعون هذا الظلم؛ لأن الله تعالى كتب ألاّ يفلح ظَلُوم، وألاَّ يموت ظلوم، حتى ينتقم للمظلوم منه، ويُريه فيه عاقبة ظلمه، حتى إن المظلوم ربما رحم الظالم، وحَسْبك من حادث بامرىء ترى حاسديه بالأمس، راحمين له اليوم.
وهنا تُطالعنا غضبة الحق تبارك وتعالى للمؤمنين ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض﴾ [القصص: ٥] والمنة: عطاء مُعوّض، وبدون مجهود من معطي المنة، كأنها هِبَة من الحق سبحانه، وغضبة لأوليائه وأهل طاعته؛ لأن الحق تبارك وتعالى كما قال الإمام علي: إن الله لا يُسلِم الحق، ولكن يتركه ليبلو غَيْرة الناس عليه، فإذا لم يغاروا عليه غَارَ هو عليه.
والحق تبارك وتعالى حينما يغَارُ على الذين استُضعِفوا لا يرفع عنهم الظلم فحسب، وإنما أيضاً ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] أئمة في الدين وفي القيم، وأئمة في سياسة الأمور والملك ﴿وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين﴾ [القصص: ٥] أي: يرثون مَنْ ظلمهم، ويكونون سادةً عليهم وأئمةً لهم، فانظر على كم مرحلة تأتي غيرة الله لأهل الحق.
ولولا أن فرعون الذي قوي على المستضعفين وأذلَّهم تأبَّى على الله ورفض الانقياد لشملته رحمة الله، ولعاشَ هو ورعيته سواء؟
لذلك أهل الثورات الذين جاءوا للقضاء على أصحاب الفساد وإنصاف شعوبهم ممَّنْ ظلمهم، كان عليهم بعد أنْ يقضوا على الفساد، وبعد أن يمنعوا المفسد أن يُفسِد، ويحققوا العدالة في المجتمع، كان عليهم أنْ يضموا الجميع إلى أحضانهم ورعايتهم، ويعيش الجميع بعد تعديل الأوضاع سواسية في مجتمعهم، وبذلك نأمن الثورة المضادة.
وهنا تُطالعنا غضبة الحق تبارك وتعالى للمؤمنين ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض﴾ [القصص: ٥] والمنة: عطاء مُعوّض، وبدون مجهود من معطي المنة، كأنها هِبَة من الحق سبحانه، وغضبة لأوليائه وأهل طاعته؛ لأن الحق تبارك وتعالى كما قال الإمام علي: إن الله لا يُسلِم الحق، ولكن يتركه ليبلو غَيْرة الناس عليه، فإذا لم يغاروا عليه غَارَ هو عليه.
والحق تبارك وتعالى حينما يغَارُ على الذين استُضعِفوا لا يرفع عنهم الظلم فحسب، وإنما أيضاً ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] أئمة في الدين وفي القيم، وأئمة في سياسة الأمور والملك ﴿وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين﴾ [القصص: ٥] أي: يرثون مَنْ ظلمهم، ويكونون سادةً عليهم وأئمةً لهم، فانظر على كم مرحلة تأتي غيرة الله لأهل الحق.
ولولا أن فرعون الذي قوي على المستضعفين وأذلَّهم تأبَّى على الله ورفض الانقياد لشملته رحمة الله، ولعاشَ هو ورعيته سواء؟
لذلك أهل الثورات الذين جاءوا للقضاء على أصحاب الفساد وإنصاف شعوبهم ممَّنْ ظلمهم، كان عليهم بعد أنْ يقضوا على الفساد، وبعد أن يمنعوا المفسد أن يُفسِد، ويحققوا العدالة في المجتمع، كان عليهم أنْ يضموا الجميع إلى أحضانهم ورعايتهم، ويعيش الجميع بعد تعديل الأوضاع سواسية في مجتمعهم، وبذلك نأمن الثورة المضادة.
10876
ثم يقول تعالى استكمالاً لمِنَّته: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض﴾
10877
قوله تعالى ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض﴾ [القصص: ٦] نعرف أن الأرض مكان يحدث فيه الحدَث، لأن كل حَدَث يحتاج إلى زمان وإلى مكان، فالمعنى: نجعل الأرض مكاناً لممكَّن فيها، والتمكين يعني: يتصرف فيها تسلطاً، ويأخذ خيرها.
وقد شرح الحق سبحانه لنا التمكين في عدة مواضع من القرآن، ففي قصة يوسف عليه السلام: ﴿إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [يوسف: ٥٤] مكين يعني: لك عندنا مكانة ومركز ثابت لا ينالُك أحد بشيء، ومنها قوله تعالى: ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾ [يوسف: ٢١] يعني: أعطيناه سلطة يأخذ بها خير المكان، ثم يُصرِّف هذا الخير للآخرين.
وقوله تعالى: ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] وهامان هو وزير فرعون، ولا بد أنه كان لكل منهما جنود خاصة غير جنود الدولة عامة، كما نقول الآن: الحرس الجمهوري، والحرس الملكي، والجيش.
أو: أن هامان يصنع من باطن فرعون، فالملِك لا يزاول أموره إلا بواسطة وزرائه، وفي هذه الحالة يأخذ الجنود الأوامر من هامان. أو: أن هامان كان له سلطة ومركز قوة لا تقل أهمية عن سلطة فرعون، وربما رفع رأسه وتطاول على فرعون في قوت من الأوقات.
وقد شرح الحق سبحانه لنا التمكين في عدة مواضع من القرآن، ففي قصة يوسف عليه السلام: ﴿إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ [يوسف: ٥٤] مكين يعني: لك عندنا مكانة ومركز ثابت لا ينالُك أحد بشيء، ومنها قوله تعالى: ﴿وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض﴾ [يوسف: ٢١] يعني: أعطيناه سلطة يأخذ بها خير المكان، ثم يُصرِّف هذا الخير للآخرين.
وقوله تعالى: ﴿وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] وهامان هو وزير فرعون، ولا بد أنه كان لكل منهما جنود خاصة غير جنود الدولة عامة، كما نقول الآن: الحرس الجمهوري، والحرس الملكي، والجيش.
أو: أن هامان يصنع من باطن فرعون، فالملِك لا يزاول أموره إلا بواسطة وزرائه، وفي هذه الحالة يأخذ الجنود الأوامر من هامان. أو: أن هامان كان له سلطة ومركز قوة لا تقل أهمية عن سلطة فرعون، وربما رفع رأسه وتطاول على فرعون في قوت من الأوقات.
10877
وقد رأينا هذا عندنا في مصر لذلك يقولون في المثل الريفي المعروف: تقول لمن يحاول خداعك (على هامان) ؟ يعني: أنا لا تنطلي عليَّ هذه الحيل.
والضمير في ﴿مِنْهُمْ﴾ [القصص: ٦] يعود على المستضعفين ﴿مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] أي: سنريهم الشيء الذي يخافون منه، والمراد النبوءة التي جاءتهم، إما عن طريق الكهنة، أوعن طريق الرُّؤْيا، حيث رأى فرعون ناراً تأتي من بيت المقدس، وتتسلط على القِبْط في مصر، لكنها لا تؤذي بني إسرائيل، فلما عبَّروا له هذه الرؤيا قال: لا بد أنه سيأتي من هذه البلد من يسلب مني مُلْكي.
ويُرْوى أنه الكهنة أخبروه أنه سيُولد في هذه السنة مولود يكون ذهاب مُلْكك على يديه.
فسوف يرى فرعون وقومه هذه المسألة بأعينهم ويباشرونها بأنفسهم، وسيقع هذا الذي يخافون منه؛ لذلك أمر فرعون بقتْل الذكْران من بني إسرائيل ليحتاط لأمره، ويُبقِي على مُلْكه، لكن هذا الاحتياط لم يُغنِ عنه شيئاً.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى﴾
والضمير في ﴿مِنْهُمْ﴾ [القصص: ٦] يعود على المستضعفين ﴿مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] أي: سنريهم الشيء الذي يخافون منه، والمراد النبوءة التي جاءتهم، إما عن طريق الكهنة، أوعن طريق الرُّؤْيا، حيث رأى فرعون ناراً تأتي من بيت المقدس، وتتسلط على القِبْط في مصر، لكنها لا تؤذي بني إسرائيل، فلما عبَّروا له هذه الرؤيا قال: لا بد أنه سيأتي من هذه البلد من يسلب مني مُلْكي.
ويُرْوى أنه الكهنة أخبروه أنه سيُولد في هذه السنة مولود يكون ذهاب مُلْكك على يديه.
فسوف يرى فرعون وقومه هذه المسألة بأعينهم ويباشرونها بأنفسهم، وسيقع هذا الذي يخافون منه؛ لذلك أمر فرعون بقتْل الذكْران من بني إسرائيل ليحتاط لأمره، ويُبقِي على مُلْكه، لكن هذا الاحتياط لم يُغنِ عنه شيئاً.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى﴾
10878
عجيب أمر فرعون، فبعد أن أمر بقتل الأولاد من بني إسرائيل يأتيه في البحر تابوت به طفل رضيع، فلا يخطر على باله أن أهله ألقوه في البحر لينجو من فرعون، فكيف فاتتْه هذه المسألة وهو إله؟ لم يعرفها بألوهيته، ولا عرفها حتى بذكائه وفِطْنته.
وإذا كان الكهنة أخبروه بأن ذهاب مُلْكه على يد وليد من هؤلاء الأولاد، وإذا كانت هذه النبوءة صحيحة فلا بُدَّ أن الولد سينجو من القتل ويكبر، ويقضي على مُلْك فرعون، وما دام الأمر كذلك فسوف يقتل فرعون الأولاد غير الذي سيكون ذهاب مُلْكه على يديه.
وتشاء إرادة الله أنْ يتربَّى موسى في قصر فرعون، وأنْ تأتي إليه أمه السيدة الفقيرة لتعيش معه عيشة الترف والثراء، ويصير موسى بقدرة الله قُرَّة عَيْن للملكة، فانظر إلى هذا التغفيل، تغفيل عقل وطمس على بصيرة فرعون الذي ادَّعى الألوهية.
وبذلك نفهم قول الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] فقلبه يُغطِّي على بصيرته ويُعمِّيها.
قوله تعالى لأم موسى: ﴿أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم﴾ [القصص: ٧] فمَنْ مِنَ النساء تقبل إنْ خافت على ولدها أنْ تُلقيه في اليم؟ مَنْ ترضى أَنْ تُنجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟ وقد جعل الحق سبحانه عاطفة الأمومة تتلاشى أمام وارد الرحمن الذي أتاها، والذي لا يؤثر فيه وارد الشيطان.
وإذا كان الكهنة أخبروه بأن ذهاب مُلْكه على يد وليد من هؤلاء الأولاد، وإذا كانت هذه النبوءة صحيحة فلا بُدَّ أن الولد سينجو من القتل ويكبر، ويقضي على مُلْك فرعون، وما دام الأمر كذلك فسوف يقتل فرعون الأولاد غير الذي سيكون ذهاب مُلْكه على يديه.
وتشاء إرادة الله أنْ يتربَّى موسى في قصر فرعون، وأنْ تأتي إليه أمه السيدة الفقيرة لتعيش معه عيشة الترف والثراء، ويصير موسى بقدرة الله قُرَّة عَيْن للملكة، فانظر إلى هذا التغفيل، تغفيل عقل وطمس على بصيرة فرعون الذي ادَّعى الألوهية.
وبذلك نفهم قول الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] فقلبه يُغطِّي على بصيرته ويُعمِّيها.
قوله تعالى لأم موسى: ﴿أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم﴾ [القصص: ٧] فمَنْ مِنَ النساء تقبل إنْ خافت على ولدها أنْ تُلقيه في اليم؟ مَنْ ترضى أَنْ تُنجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟ وقد جعل الحق سبحانه عاطفة الأمومة تتلاشى أمام وارد الرحمن الذي أتاها، والذي لا يؤثر فيه وارد الشيطان.
10879
ثم يهيىء الحق سبحانه كذلك امرأة فرعون ليتم هذا التدبير الإلهي لموسى فتقول ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ [القصص: ٩].
فيرد عليها فرعون: بل لك أنت وحدك، وكأنه يستشعر ما سيحدث، ولكن إرادة الله لا بُدَّ نافذة ولا بُدَّ أن يأخذ القدر مجراه لا يمنعه شيء؛ لأن الله تعالى إذا أراد شيئاً فلا رادّ لإرادته.
فمع ما علمه فرعون من أمر الرؤيا أو النبوءة رُبّي الوليد في بيته، ولا يخلو الأمر أيضاً من سيطرة المرأة على الرجل في مثل هذا الموقف.
لذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما قُرِئت هذه الآية قال: «والذي يُحلف به، لو قال فرعون كما قالت امرأته قرة عين لي ولك لهداه الله كما هداها» إنما ردَّ الخير الذي ساقه الله إليه؛ لذلك أسلمتْ زوجته وماتت على الإيمان.
وهي التي قالت: ﴿رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين﴾ [التحريم: ١١] أما هو فمات على كفره شَرَّ ميتة.
وسبق أنْ تكلّمنا في وحي الله لأم موسى ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧] وقلنا: إن الوحي في عموم اللغة: إعلام بطريق خفي دون أن تبحث عن الموحِي، أو الموحَى إليه، أو الموحَى به.
أما الوَحْي الشرعي فإعلام من الله تعالى لرسوله بمنهج لخَلْقه.
فيرد عليها فرعون: بل لك أنت وحدك، وكأنه يستشعر ما سيحدث، ولكن إرادة الله لا بُدَّ نافذة ولا بُدَّ أن يأخذ القدر مجراه لا يمنعه شيء؛ لأن الله تعالى إذا أراد شيئاً فلا رادّ لإرادته.
فمع ما علمه فرعون من أمر الرؤيا أو النبوءة رُبّي الوليد في بيته، ولا يخلو الأمر أيضاً من سيطرة المرأة على الرجل في مثل هذا الموقف.
لذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما قُرِئت هذه الآية قال: «والذي يُحلف به، لو قال فرعون كما قالت امرأته قرة عين لي ولك لهداه الله كما هداها» إنما ردَّ الخير الذي ساقه الله إليه؛ لذلك أسلمتْ زوجته وماتت على الإيمان.
وهي التي قالت: ﴿رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين﴾ [التحريم: ١١] أما هو فمات على كفره شَرَّ ميتة.
وسبق أنْ تكلّمنا في وحي الله لأم موسى ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧] وقلنا: إن الوحي في عموم اللغة: إعلام بطريق خفي دون أن تبحث عن الموحِي، أو الموحَى إليه، أو الموحَى به.
أما الوَحْي الشرعي فإعلام من الله تعالى لرسوله بمنهج لخَلْقه.
10880
فالله تعالى يوحي للملائكة: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ﴾ [الأنفال: ١٢].
ويُوحى إلى الرسل: ﴿إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [النساء: ١٦٣].
ويُوحي للمؤمنين الصادقين في خدمة رسول: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي﴾ [المائدة: ١١١].
يوحي إلى النحل، بل وإلى الجماد: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا﴾ [الزلزلة: ١٥].
وقد يكون الإعلام والوحي من الشيطان: ﴿وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١].
ويكون من الضالين: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢].
فالوَحْي إلى أم موسى كان وَحْياً من المرتبة الرابعة بطريق النَّفْث في الروع، أو الإلهام، أو برؤيا، أو بملَك يُكلِّمها، هذا كله يصح.
وهذا الوحي من الله، وموضوعه ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم﴾ [القصص: ٧] وهذا أمر ﴿وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني﴾ [القصص: ٧] نهى ﴿إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين﴾ [القصص: ٧] وهذه بشارة في خبرين. فهذه الآية إذن جمعتْ لأم موسى أمرين، ونهيين، وبشارتين في إيجاز بليغ مُعْجز.
ويُوحى إلى الرسل: ﴿إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [النساء: ١٦٣].
ويُوحي للمؤمنين الصادقين في خدمة رسول: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي﴾ [المائدة: ١١١].
يوحي إلى النحل، بل وإلى الجماد: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا﴾ [الزلزلة: ١٥].
وقد يكون الإعلام والوحي من الشيطان: ﴿وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١].
ويكون من الضالين: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢].
فالوَحْي إلى أم موسى كان وَحْياً من المرتبة الرابعة بطريق النَّفْث في الروع، أو الإلهام، أو برؤيا، أو بملَك يُكلِّمها، هذا كله يصح.
وهذا الوحي من الله، وموضوعه ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم﴾ [القصص: ٧] وهذا أمر ﴿وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني﴾ [القصص: ٧] نهى ﴿إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين﴾ [القصص: ٧] وهذه بشارة في خبرين. فهذه الآية إذن جمعتْ لأم موسى أمرين، ونهيين، وبشارتين في إيجاز بليغ مُعْجز.
10881
ومعنى ﴿أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧] يعني: مدة أمانك عليه ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ [القصص: ٧] ولم يقل من أيِّ شيء ليدلّ على أيِّ مخوف تخشاه على وليدها ﴿فَأَلْقِيهِ فِي اليم﴾ [القصص: ٧] ويراعي الحق سبحانه مشاعر الأم وقَلقها على ولدها، خاصة إذا ألقتْه في البحر فيطمئنها ﴿وَلاَ تَخَافِي﴾ [القصص: ٧] لأن الله سيُيسِّر له تربية خيراً من تربيتك في ظل بيت الغِنَى والملْك.
﴿وَلاَ تحزني﴾ [القصص: ٧] أي: لفراقه؛ لأن هذا الفراق سيُعوِّضك، ويُعوِّض الدنيا كلها خيراً، حين يقضي على هذا الطاغية، ويأتي بمنهج الله الذي يحكم خَلْق الله في الأرض.
ثم اعلمي بعد هذا أن الله رادُّه إليك، بل وجاعله من المرسلين، إذن: أنا الذي أحفظه، وليس من أجلك فحسب، إنما أيضاً لأن له مهمة عندي.
يقولون: ظلت أم موسى تُرضِعه في بيتها طالما كانت آمنة عليه من أعين فرعون، إلى أنْ جاءها أحَد العسس يفتش البيت فخافت على الولد فلفته في خرقة ودسته في فجوة بجوارها، كانت هذه الفجوة هي الفُرْن، ألقتْه فيه وهو مسجور دون أن تشعر يعني من شدة خوفها عليه حتى إذا ما انصرف العَسَس ذهبت إليه، فإذا به سالماً لم يُصِبْه سوء. وكأن الله تعالى يريد لها أنْ تطمئن على حِفْظ الله له، وأن وعده الحق.
وقد وردت مسألة وحي الله لأم موسى في كتاب الله مرتين مما دعا السطحيين من المستشرقين إلى اتهام القرآن بالتكرار الذي
﴿وَلاَ تحزني﴾ [القصص: ٧] أي: لفراقه؛ لأن هذا الفراق سيُعوِّضك، ويُعوِّض الدنيا كلها خيراً، حين يقضي على هذا الطاغية، ويأتي بمنهج الله الذي يحكم خَلْق الله في الأرض.
ثم اعلمي بعد هذا أن الله رادُّه إليك، بل وجاعله من المرسلين، إذن: أنا الذي أحفظه، وليس من أجلك فحسب، إنما أيضاً لأن له مهمة عندي.
يقولون: ظلت أم موسى تُرضِعه في بيتها طالما كانت آمنة عليه من أعين فرعون، إلى أنْ جاءها أحَد العسس يفتش البيت فخافت على الولد فلفته في خرقة ودسته في فجوة بجوارها، كانت هذه الفجوة هي الفُرْن، ألقتْه فيه وهو مسجور دون أن تشعر يعني من شدة خوفها عليه حتى إذا ما انصرف العَسَس ذهبت إليه، فإذا به سالماً لم يُصِبْه سوء. وكأن الله تعالى يريد لها أنْ تطمئن على حِفْظ الله له، وأن وعده الحق.
وقد وردت مسألة وحي الله لأم موسى في كتاب الله مرتين مما دعا السطحيين من المستشرقين إلى اتهام القرآن بالتكرار الذي
10882
لا فائدةَ منه، وذكروا قوله تعالى:
﴿إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ على عيني﴾ [طه: ٣٨٣٩].
لكن فَرْق بين الوحي الأول والوحي الآخر: الوحي الأول خاص بالرضاعة في مدة الأمان، أما الآخر فبعد أنْ خافت عليه أوحى إليها لتقذفه في اليم.
وتأمل ﴿أَنِ اقذفيه﴾ [طه: ٣٩] والقذف إلقاء بقوة، لا أنْ تضعه بحنان ورفق؛ لأن عناية الله ستحفظه على أي حال ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل﴾ [طه: ٣٩] وهذا أمر من الله تعالى لليمِّ أن يخرج الوليد سالماً إلى الساحل؛ لذلك لم يأت في هذا الوحي ذِكْر لعملية الرضاعة.
فكأن الوحي الأول جاء تمهيداً لما سيحدث؛ لتستعد الأم نفسياً لهذا العمل، ثم جاء الوحي الثاني للممارسة والتنفيذ، كما تُحدِّث جارك، وتُحذِّره من اللصوص وتنصحه أنْ يحتاط لهذا الأمر، فإذا ما دخل الليل حدث فعلاً ما حذّرتَه منه فَرُحْت تنادي عليه ليسرع إليهم ويضربهم.
لذلك يختلف أسلوب الكلام في الوحي الأول، فيأتي رتيباً مطمئناً: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين﴾ [القصص: ٧] هكذا في نبرة هادئة لأن المقام مقام نصح وتمهيد، لا مقام أحداث وتنفيذ.
أما الوحي الثاني فيأتي في سرعة، وبنبرة حادة: ﴿أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل﴾ [طه: ٣٩] فالعَجلة في اللفظ تدلُّ على أن المقام مقام مباشرة للحدث فعلاً.
﴿إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ على عيني﴾ [طه: ٣٨٣٩].
لكن فَرْق بين الوحي الأول والوحي الآخر: الوحي الأول خاص بالرضاعة في مدة الأمان، أما الآخر فبعد أنْ خافت عليه أوحى إليها لتقذفه في اليم.
وتأمل ﴿أَنِ اقذفيه﴾ [طه: ٣٩] والقذف إلقاء بقوة، لا أنْ تضعه بحنان ورفق؛ لأن عناية الله ستحفظه على أي حال ﴿فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل﴾ [طه: ٣٩] وهذا أمر من الله تعالى لليمِّ أن يخرج الوليد سالماً إلى الساحل؛ لذلك لم يأت في هذا الوحي ذِكْر لعملية الرضاعة.
فكأن الوحي الأول جاء تمهيداً لما سيحدث؛ لتستعد الأم نفسياً لهذا العمل، ثم جاء الوحي الثاني للممارسة والتنفيذ، كما تُحدِّث جارك، وتُحذِّره من اللصوص وتنصحه أنْ يحتاط لهذا الأمر، فإذا ما دخل الليل حدث فعلاً ما حذّرتَه منه فَرُحْت تنادي عليه ليسرع إليهم ويضربهم.
لذلك يختلف أسلوب الكلام في الوحي الأول، فيأتي رتيباً مطمئناً: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين﴾ [القصص: ٧] هكذا في نبرة هادئة لأن المقام مقام نصح وتمهيد، لا مقام أحداث وتنفيذ.
أما الوحي الثاني فيأتي في سرعة، وبنبرة حادة: ﴿أَنِ اقذفيه فِي التابوت فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل﴾ [طه: ٣٩] فالعَجلة في اللفظ تدلُّ على أن المقام مقام مباشرة للحدث فعلاً.
10883
وفي الأولى قال ﴿فَأَلْقِيهِ﴾ [القصص: ٧]، أما في الثانية فقال ﴿فاقذفيه﴾ [طه: ٣٩] والأم لا تقذف وليدها، بل تضعه بحنان وشفقة، لكن الوقت هنا ضيِّق لا يتسع لممارسة الحنان والشفقة.
والأمر لليمِّ بأن يلقي التابوت بالساحل له حكمة؛ لأن العمق موضع الحيوانات البحرية المتوحشة التي يُخاف منها، أمَّا بالقُرْب من الساحل فلا يوجد إلا صغار الأسماك التي لا خطورة منها، وكذلك ليكون على مَرْأى العين، فيطمئن عليه أهله، ويراه مَنْ ينقذه ليصل إلى البيت الذي قُدِّر له أنْ يتربّى فيه.
وفعلاً، وصل التابوت إلى الساحل، وكان فرعون وزوجته آسية وابنته على الشاطىء، فلما أُخرِج لهم التابوت وجدوا فيه الطفل الرضيع، وكان موسى عليه السلام أسمر اللون، مُجعَّد الشعر، كبير الأنف، يعني لم يكُنْ عليه السلام جميلاً تنجذب إليه الإنظار ويفرح به مَنْ يراه.
لذلك يمتنُّ الله عليه بقوله: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي﴾ [طه: ٣٩] أي: ليس بذاتك أن يحبك مَنْ يراك إنما بمحبة الله، لذلك ساعة رأته آسية أحبَّته وانشرح صدرها برؤيته، فتمسكَّت به رغم معارضة فرعون لذلك.
كما أن ابنة فرعون، وكانت فتاة مبروصة أصابها البرص،
والأمر لليمِّ بأن يلقي التابوت بالساحل له حكمة؛ لأن العمق موضع الحيوانات البحرية المتوحشة التي يُخاف منها، أمَّا بالقُرْب من الساحل فلا يوجد إلا صغار الأسماك التي لا خطورة منها، وكذلك ليكون على مَرْأى العين، فيطمئن عليه أهله، ويراه مَنْ ينقذه ليصل إلى البيت الذي قُدِّر له أنْ يتربّى فيه.
وفعلاً، وصل التابوت إلى الساحل، وكان فرعون وزوجته آسية وابنته على الشاطىء، فلما أُخرِج لهم التابوت وجدوا فيه الطفل الرضيع، وكان موسى عليه السلام أسمر اللون، مُجعَّد الشعر، كبير الأنف، يعني لم يكُنْ عليه السلام جميلاً تنجذب إليه الإنظار ويفرح به مَنْ يراه.
لذلك يمتنُّ الله عليه بقوله: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي﴾ [طه: ٣٩] أي: ليس بذاتك أن يحبك مَنْ يراك إنما بمحبة الله، لذلك ساعة رأته آسية أحبَّته وانشرح صدرها برؤيته، فتمسكَّت به رغم معارضة فرعون لذلك.
كما أن ابنة فرعون، وكانت فتاة مبروصة أصابها البرص،
10884
ورأت في الرؤيا أن شفاءها سيكون بشيء يخرج من البحر، فتأخذ من ريقه، وتدهن موضع البرص فيشفى، فلما رأتْ موسى تذكرتْ رؤياها، فأخذت من ريقه ودهنتْ جلدها، فشُفِيت في الحال فتشبثتْ به هي أيضاً.
فاجتمع لموسى محبة الزوجة، ومحبة البنت، وهما بالذات أصحاب الكلمة المسموعة لدى فرعون، بحيث لا يرد لهما طلباً.
وفي انصياع فرعون لرغبة زوجته وابنته وضعفه أمامهما رغم ما يعلم من أمر الطفل دليلٌ على أن الزوجة والأولاد هما نقطة الضعف عند الرجل، ووسيلة السيطرة على شهامته وحزمه، والضغط على مراداته.
لذلك يطمئننا الحق تبارك وتعالى على نفسه، فيقول سبحانه وتعالى ﴿مَا اتخذ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً﴾ [الجن: ٣].
ذلك لأن الصاحبة غالباً ما تستميل زوجها بوسيلة أو بأخرى، أما الولد فيدعو الأب إلى الجبْن والخضوع، والحق تبارك وتعالى لا يوجد لديه مراكز قوى، تضغط عليه في أي شيء، فهو سبحانه مُنزَّه عن كل نقص.
وحكوا في دعابات أبي نواس أن أحدهم وسَّطه ليشفع له عند الخليفة هارون الرشيد، فشفع له أبو نواس، لكن الخليفة لم يُجِبْه إلى طلبه، وانتظر الرجل دون جدوى، ففكر في وساطة أخرى، واستشفع بآخر عند زبيدة زوجة الرشيد، فلما كلَّمته أسرع إلى إجابة الرجل، وهنا غضب أبو نواس وعاتب صاحبه الرشيد، لكنه لم يهتم به، فقال له اسمع إذن:
فاجتمع لموسى محبة الزوجة، ومحبة البنت، وهما بالذات أصحاب الكلمة المسموعة لدى فرعون، بحيث لا يرد لهما طلباً.
وفي انصياع فرعون لرغبة زوجته وابنته وضعفه أمامهما رغم ما يعلم من أمر الطفل دليلٌ على أن الزوجة والأولاد هما نقطة الضعف عند الرجل، ووسيلة السيطرة على شهامته وحزمه، والضغط على مراداته.
لذلك يطمئننا الحق تبارك وتعالى على نفسه، فيقول سبحانه وتعالى ﴿مَا اتخذ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً﴾ [الجن: ٣].
ذلك لأن الصاحبة غالباً ما تستميل زوجها بوسيلة أو بأخرى، أما الولد فيدعو الأب إلى الجبْن والخضوع، والحق تبارك وتعالى لا يوجد لديه مراكز قوى، تضغط عليه في أي شيء، فهو سبحانه مُنزَّه عن كل نقص.
وحكوا في دعابات أبي نواس أن أحدهم وسَّطه ليشفع له عند الخليفة هارون الرشيد، فشفع له أبو نواس، لكن الخليفة لم يُجِبْه إلى طلبه، وانتظر الرجل دون جدوى، ففكر في وساطة أخرى، واستشفع بآخر عند زبيدة زوجة الرشيد، فلما كلَّمته أسرع إلى إجابة الرجل، وهنا غضب أبو نواس وعاتب صاحبه الرشيد، لكنه لم يهتم به، فقال له اسمع إذن: