ﰡ
قوله عز وجل :﴿ وَالنازِعَاتِ غَرْقاً ﴾ إلى آخر الآيات.
ذكر أنها الملائكة، وأنّ النزع نزعُ الأنفس من صدور الكفار، وهو كقولك : والنازعات إغراقا، كما يُغرِق النازِع في القوس، ومثله :﴿ وَالناشِطَاتِ نَشْطاً ﴾ يقال : إنها تقبض نفس المؤمن كما يُنْشطُ العقال مِن البعير، والذي سمعت من العرب أن يقولوا : أنشَطتُ وكأنما أُنشِطَ من عقال، وربطها : نشطها، فإذا ربطتَ الحبلَ في يد البعير فأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته، وأنت منشط..
الملائكة أيضا، جعل نزولها من السماء كالسباحة. والعرب تقول للفرس الجواد [ ١٢٤/ا ] إنه لسابح : إذا مرَّ يتمطّى.
وهي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء إذ كانت الشياطين تسترق السمع.
هي الملائكة أيضا، تنزل بالحلال والحرام فذلك تدبيرها، وهو إلى الله جل وعز، ولكن لما نزلت به سميت بذلك، كما قال عز وجل :﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ﴾، وكما قال :﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ ﴾، يعني : جبريل عليه السلام نزّله على قلب محمد صلى الله عليهما وسلم، والله الذي أنزله، ويسأل السائل : أين جواب القسم في النازعات ؟ فهو مما ترك جوابُه لمعرفة السامعين، المعنى وكأنه لو ظهر كان : لتبعثُنّ، ولتحاسبُنّ ؛ ويدل على ذلك قولهم : إذا كنا عظاما ناخرة ألا ترى أنه كالجواب لقوله : لتبعثن إذ قالوا : إذا كنا عظاما نخرة نبعث.
وهي : النفخة الأولى.
يقال : إلى أمرنا الأول إلى الحياة، والعرب تقول : أتيت فلانا ثم رجعت على حافرتي، أي رجعت إلى حيث جئت. ومن ذلك قول العرب : النقد عند الحافرة. معناه : إذا قال : قد بعتُك رجعتُ عليه بالثمن، وهما في المعنى واحد. وبعضهم : النقد عن الحافر. قال : وسألت عنه بعض العرب، فقال : النقد عند الحافر، يريد : عند حافر الفرس، وكأن هذا المثل جرى في الخيل.
وقال بعضهم : الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم فسماها : الحافرة. والمعنى : المحفورة. كما قيل : ماء دافق، يريد : مدفوق.
وهو وجه الأرض، كأنها سميت بهذا الإسم، لأن فيها الحيوان : نومَهم، وسهرهم [ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد ] قال : حدثنا الفراء، قال : حدثني حِبَّان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال :( الساهرة ) : الأرض، وأنشد :
ففيها لحمُ ساهرةٍ وبحرٍ | وما فاهوُا به لهمُ مُقِيمُ |
هو واد بين المدينة ومصر، فمن أجراه قال : هو ذكرٌ سمينا به ذكراً، فهذا سبيل ما يُجْرى، ومن لم يجره جعله معدولا [ ١٢٥/ا ] عن جهته. كما قال : رأيت عمر، وذفر، ومضر لم تصرف لأنها معدولة عن جهتها، كأن عمر كان عامراً، وزفر زافراً، وطوى طاوٍ، ولم نجد اسما من الياء والواو عدل عن جهته غير طوى، فالإجراء فيه أحب إليّ : إذ لم أجد في المعدول نظيراً.
إحدى الكلمتين قوله :﴿ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ والأخرى قوله :﴿ أَنا رَبُّكُم الأعلى ﴾.
وقوله جل وعز :﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى ﴾.
أي : أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى.
يعني : أهل مكة ثم وصف صفة السماء، فقال : بناها.
وقوله جل وعز :﴿ وَأَخْرَجَ ضُحاها ﴾. ضوءها ونهارها.
يجوز نصب الأرض ورفعها. والنصب أكثر في قراءة القراء، وهو مثل قوله :﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ﴾، مع نظائر كثيرة في القرآن.
خلق ذلك منفعة لكم، ومتعة لكم، ولو كانت متاع لكم كان صوابا، مثل ما قالوا :﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنْ نَهارٍ بَلاَغٌ ﴾، وكما قال :﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وهو على الاستئناف يُضْمَر له ما يرفعه.
وهي القيامة تطم على كل شيء، يقال : تَطِمُ وتطُمُّ لغتان.
مأوى أهل هذه الصفة، وكذلك قوله :﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى مَن وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه ونهيه [ ١٢٥/ب ] نفسه عن هواها.
مأوى أهل هذه الصفة، وكذلك قوله :﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى مَن وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه ونهيه [ ١٢٥/ب ] نفسه عن هواها.
مأوى أهل هذه الصفة، وكذلك قوله :﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى مَن وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه ونهيه [ ١٢٥/ب ] نفسه عن هواها.
يقول القائل : إنما الإرساء للسفينة والجبال، وما أشبههن، فكيف وصفت الساعةُ بالإِرساء ؟ قلت : هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست، ورسوّها قيامها، وليس قيامها كقيام القائم على رجلِه ونحوه، إنما هو كقولك : قد قام العدل، وقام الحق، أي : ظهر وثبت.
أضاف عاصم والأعمش، ونوّن طلحة بن مصرف وبعض أهل المدينة، فقالوا :«منذرٌ من يخشاها »، وكلٌّ صواب وهو مثل قوله :«بَالِغٌ أَمْرَه »، و «بَالِغُ أمْرِه » و«مُوهِنٌ كَيْدَ الْكافِرِين » و﴿ موهنُ كيدِ الكَافرِينَ ﴾ مع نظائر له في القرآن.
يقول القائل : وهل للعشي ضحا ؟ إنما الضحا لصدر النهار، فهذا بيّن ظاهر من كلام العرب أن يقولوا : آتيك العشية أو غداتها، وآتيك الغداة أو عشيتها. تكون العشية في معنى : آخِر، والغداة في معنى : أول، أنشدني بعض بني عقيل :
نحن صبحنا عامراً في دارها | عشية الهلال أو سَرارِها |