تفسير سورة سورة النازعات من كتاب أوضح التفاسير
المعروف بـأوضح التفاسير
.
لمؤلفه
محمد عبد اللطيف الخطيب
.
المتوفي سنة 1402 هـ
ﰡ
﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾ الملائكة تنزع أرواح الكفار. وقيل: إن الكافر عند طلوع روحه: يشعر كأنه غريق
﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾ التي تنشط الروح؛ أي تخرجها برفق؛ وهي نفس المؤمن
﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً﴾ التي تسبح في مضيها؛ أي تسرع
﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً﴾ التي تسبق إلى أداء ما أمرت به
﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾ التي تدبر أمر العباد بما يصلحهم في دينهم ودنياهم؛ بأمر ربهم
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ تتحرك الأرض بشدة؛ فيموت كل من عليها. وهو عند النفخة الأولى
﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ النفخة الثانية؛ وعندها تبعث الخلائق. وقيل: «الرادفة» السماء؛ لأنها تتبع الأرض في التخريب؛ فتنشق؛ وتنتثر كواكبها
﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ مضطربة
﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ ذليلة لهول ما ترى
﴿يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ أي كانوا يقولون ذلك في الدنيا، أو ذلك قولهم في الآخرة. يقال: رد إلى حافرته: أي إلى أول أمره. وقيل: يتمنون أن لو يردوا إلى قبورهم ميتين، أو يردوا إلى الدنيا؛ كقوله تعالى حكاية عنهم ﴿هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ﴾ ﴿نَّخِرَةً﴾ بالية
﴿كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ رجعة ذات خسران
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ أي صيحة واحدة؛ وهي النفخة الثانية
﴿فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ﴾ فإذا هم أحياء على وجه الأرض
﴿بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ﴾ المطهر المبارك ﴿طُوًى﴾ اسم للوادي، أو هو بمعنى مرتين. أي الوادي الذي قدس مرة بعد أخرى. وقيل: «طوى» بمعنى طإ الأرض حافياً
﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ تجاوز الحد
﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى﴾ إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان
﴿فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى﴾ ألقى موسى عصاه «فإذا هي حية تسعى»
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى﴾
تولى عن موسى، وسعى في مكايدته. أو أدبر مرعوباً، يسرع في مشيته
﴿فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ أي فجمع الجنود والسحرة
ونادى فيهم قائلاً: ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾
﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى﴾ أي فعاقبه الله تعالى على كلمتيه «الآخرة» وهي «أنا ربكم الأعلى» «والأولى» وهي ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ أو عاقبه الله عقاب الدنيا والآخرة
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ التنكيل بفرعون، وبسائر الكافرين ﴿لَعِبْرَةً﴾ لعظة ﴿لِّمَن يَخْشَى﴾ الله تعالى، ويخاف عقابه
﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا﴾ أي أخلقكم بعد موتكم أصعب أم بناء السماء؟
﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ أي أعلى ارتفاعها
﴿وَأَغْطَشَ﴾ أظلم ﴿لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أبرز ضوء نهارها
﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ بسطها، أو جعلها كالدحية؛ وهي البيضة. ويؤيده ما ذهب إليه الفلكيون، والجغرافيون؛ من كروية الأرض، وانبعاجها كالبيضة
﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ فجر منها العيون، وأخرج منها الكلأ الذي يرعى
﴿مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ أي كل ما ذكر: خلقناه متاعاً لكم ولأنعامكم
﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى﴾ الداهية العظمى؛ وهي القيامة
﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى﴾ ما عمل في الدنيا؛ من خير أو شر
﴿فَأَمَّا مَن طَغَى﴾ كفر وفجر
﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ أي فضل الدنيا الفانية الزائلة؛ على الآخرة الدائمة الباقية
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ أي قيامه بين يديه للحساب ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ أي نهاها عما تهواه؛ مما يوقع في الردى، ويستوجب العذاب (انظر آية ١٧٦ من سورة الأعراف)
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ عن القيامة ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ متى وقتها؟
﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا﴾ أي أين أنت من ذكر الساعة ووقتها؟ فقد تفرد بعلمها علام الغيوب
﴿إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ﴾ أي منتهى علمها، وما يكون فيها
﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ أي إنما أرسلناك لتنذر - من أهوالها - من يخشاها؛ لا أن تعلمهم بوقتها
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾ أي يوم يرون الساعة
﴿لَمْ يَلْبَثُواْ﴾ في الدنيا
﴿إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ وهما طرفا النهار؛ فكأنه تعالى يقول: لم يلبثوا إلا جزءاً من يوم.
وهو تعالى القادر على تقصير الأوقات وإطالتها؛ فقد يرى النائم أنه قد تزوج وأنجب، وأنه قد مرت عليه من الأحداث ما يستغرق السنين ذوات العدد؛ وهو لم يزاول مضجعه بعد، وقد لا يتجاوز وقته بضع ثوان؛ فكذلك الميت حين يبعث يظن أنه لم يلبث في دنياه وقبره إلا جزءاً من يوم.
732
سورة عبس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
733