تفسير سورة القمر

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة القمر من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة القمر
مكيّة وهى خمس وخمسون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى البغوي عن انس بن مالك ان اهل مكة سالوا رسول الله - ﷺ - ان يراهم اية فاراهم القمر شقتين حتى راى حراء بينهما وكذا اخرج الشيخان فى الصحيحين وقال البغوي قال شيبان عن قتادة فاراهم انشقاق القمر مرتين كذا اخرج الترمذي بلفظ فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت اقتربت الساعة والشق القمر الى قوله سحر مستمر واخرج الشيخان والحاكم واللفظ له عن ابن مسعود قال رايت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي - ﷺ - فقالوا سحر القمر فنزلت اقتربت الساعة وانشق القمر وكذا اخرج البغوي من طرق البخاري بلفظ انشق القمر على عهد رسول الله - ﷺ - فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله - ﷺ - اشهدوا قال البغوي وقال ابو الضحى عن مسروق عن عبد الله انشق القمر بمكة وقال انشق القمر ثم التأم بعد ذلك وروى ابو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال انشق القمر على عهد رسول الله - ﷺ - فقال سحركم ابن ابى كبشة فاسالوا السفار فسألوهم فقالوا نعم قد رايناه فانزل الله تعالى
اقْتَرَبَتِ اى دنت السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ يعنى قد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر.
وَإِنْ يَرَوْا يعنى الكفار آيَةً معجزة دالة على صدق النبي - ﷺ - يُعْرِضُوا عن التأمل والايمان وَيَقُولُوا هذا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ اى ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم مر الشيء واستمر بمعنى ذهب كقولهم قر واستقر كذا قال مجاهد وقتادة وقال ابو العالية والضحاك مستمر بمعنى قوى شديد يعلو كل سحر من قولهم مر الحبل إذا صلب واشتدوا مررته إذا أحكمت قتله واستمر الشيء إذا قوى واستحكم وقيل معناه سحر مطرد يوجد متتابعا كثيرا وقيل معناه مستبثع من استمر إذا اشتد مرارته والجملة الشرطية معترضة لبيان عادة الكفار وقوله تعالى.
وَكَذَّبُوا عطف على انشق يعنى كذبوا النبي - ﷺ - والقران وما عاينوا من قدرة الله تعالى وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ولم يتبعوا الوحى بعد ظهوره ذكرهما بلفظ الماضي للاشعار بانهما من عادتهم القديمة وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ اى منبة؟؟؟ اى غاية من خذلان او نصر فى الدنيا وسعادة او شقاوة فى الاخرة فان الشيء إذا انتهى الى غايت ثبت واستقر وكذا قال مقاتل لكل حديث منتهى وقيل معناه كل امر مقدر مستقر يعنى كاين واقع لا محالة وكل امر وعد الله واقع كاين
لا محالة وقال الكلبي لكل امر حقيقة ما كان منهم فى الدنيا فسيظهر وما كان منه تعالى فى الاخرة فسيعرف وقال قتادة وكل امر مستقر فى الخير يستقر باهل الخير وكل امر مستقر فى الشر يستقر باهل الشر وقيل كل امر من خير او شر مستقر قراره فالخير مستقر باهله فى الجنة والشر مستقر باهله فى النار وقيل يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب قرأ ابو جعفر مستقر بالجر على انه صفة امر وكل معطوف على الساعة يعنى اقتربت الساعة واقتربت كل امر مستقر باهله.
وَلَقَدْ جاءَهُمْ يعنى كفار مكة فى القران مِنَ الْأَنْباءِ انباء القرون الخالية او انباء الاخرة.
ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ ما موصولة او موصوفة أصله من تجر بقلب تاء الافتعال مع الزاء والا للتناسب وكذا مع الذال فان التاء حرف مهموس والدال والذال والزاء مهجورات ومخرج التاء والذال واحد مصدر ميمى بمعنى الأزد جار يعنى جائهم ما فيه نهى وعظة بحيث يقتضى الانتهاء من المعاصي والاتعاظ فان هلاك الأمم الطاغية الماضية المواعيد بالنار يقتضى ذلك.
حِكْمَةٌ بالِغَةٌ غايتها لا خلل فيها بدل من ما فاعل جاء او خبر لمبتداء محذوف اى هو فَما تُغْنِ النُّذُرُ نفى او استفهام للانكار اى فلم تغن النذر او فاى غناء يغنى النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر اى الرسول او المصدر منه او مصدر بمعنى الانذار-.
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حيث لا ينفعهم إنذارك نسختها اية القتال يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ قرأ البزي الداعي بإثبات الياء وصلا ووقفا وابو عمرو دورش فى الوصل فقط ويوم منصوب با ذكر والجملة مستانف وجملة يخرجون حال من مفعول بدعوا المحذوف تقديره يوم يدعوهم الداعي يخرجون او الظرف متعلق يخرجون وجملة تخرجون مستانفة وذلك يوم القيامة- الداعي اسرافيل عليه السلام يقف على صخرة بيت المقدس يقول يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والاشعار المنقطعة ان الله يأمر كن ان تجمعين لفصل الخطاب رواه ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ قرأ ابن كثير بإسكان الكاف والباقون بضمه اى شىء منك قطيع لم تعهد مثله تنكره النفوس استعظاما.
خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب خاشعا بفتح الخاء والف بعد وكسر الشين على الافراد والتذكير لان فاعله ظاهر غير حقيق التأنيث وقرأ ابن مسعود رض خاشعة على الأصل وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وابو جعفر خشعا على صيغة جمع التكسير وحسن ذلك
ولا يحسن مررت برجال قايمين غلمانهم لانه ليس على صيغة يشبه الفعل يعنى ذليلا أبصارهم حال من فاعل يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ اى القبور كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ فى الكثرة والتموج والانتشار فى الامكنة الجملة ايضا حال من فاعل يخرجون.
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ قرأ ابن كثير الداعي بإثبات الياء فى الحالين ونافع وابو عمرو فى الوصل فقط يعنى مسرعين مادى أعناقهم الى صوت الداعي او ناظرين اليه يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ صعب شديد جملة مستانفة.
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى قبل قومك قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحا عليه السلام تنازع الفعلان فى المفعولية فاعمل الثاني وحذف من الاول والمعنى كذبت قوم نوح نوحا عليه السلام فكذبوه تكذيبا بعد تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب جاء قرن اخر فكذبوه وهذا الى الف سنة الا خمسين عاما وجازان يقدر المحذوف غير المذكور فلا يكون من باب التنازع والمعنى كذبوه بعد ما كذبوا الرسل وجاز ان ينزل الفعل منزلة اللازم ولا يقدر المفعول فلا يكون من باب التنازع والمعنى صدر التكذيب قبلهم من قوم نوح فكذبوا نوحا والفاء حينئذ للتفصيل بعد الإجمال وَقالُوا عطف على كذبوا مَجْنُونٌ خبر مبتدا محذوف اى هو وَازْدُجِرَ اما عطف على مجنون يعنى قالوا هو مجنون وازدجرته الجن فخبطته وذهب بعقله كذا قال مجاهد او عطف على قالوا يعنى وازدجروه عن التبليغ بانواع الاذية وقالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين- اخرج عبد بن حميد عن مجاهد واحدا منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا عليه فيفيق ويقول اللهم اغفر لى لقومى فانهم لا يعلمون وكذا اخرج احمد فى الزهد من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير.
فَدَعا نوح رَبَّهُ بعد ما اوحى اليه انه لن يؤمن من قومك الا من قدا من فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أَنِّي مَغْلُوبٌ اى بانى مغلوب غلبنى قومى فَانْتَصِرْ اى فانتقم لى منهم لعذاب لبعتهم وقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا.
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ منصب انصبابا شديدا لم ينقطع أربعين يوما وقيل معناه بماء طبق ما بين السماء والأرض.
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً تميز من النسبة والمعنى فجرنا عيون الأرض لكن غير للمبالغة كانه قال جعلنا الأرض كلها عيونا منفجرة فَالْتَقَى الْماءُ يعنى الافتعال بمعنى التفاعل وذلك يقتضى تعدد الفاعل لكن الماء اسم يطلق
على الواحد والكثير وأريد هاهنا فالتقى الماء ان يعنى ماء السماء وماء الأرض كذا قرأ عاصم الجحدري عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ج اى على حسب امر قد قدره الله تعالى فى الأزل وكتب فى اللوح او على حال قدرت وسويت وهو ان قدر ما انزل من السماء على قدرنا اخرج من الأرض او على امر قدره الله وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.
وَحَمَلْناهُ يعنى نوحا عَلى سفينة ذاتِ أَلْواحٍ أخشاب عريضة وَدُسُرٍ اى مسامير دسارا ودسير ذكر النعت وأقيمت مقام الاسم.
تَجْرِي حال من ذات ألواح بِأَعْيُنِنا ج اى محفوظة بحفظنا جَزاءً اى فعلنا ذلك جزاء او جزينا قوم نوح جزاء لِمَنْ كانَ كُفِرَ اى لاجل نوح لانه نعمة كفروها فان كل نبى نعمة من الله ورحمة على أمته وقيل من بمعنى ما اى جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمة عند الكافرين او المعنى حاجزا لما صنع بنوح وأصحابه او المعنى فعلنا ذلك اى أغرقنا قوم نوح وأنجينا نوحا جزاء وثوابا لنوح عليه السلام.
وَلَقَدْ تَرَكْناها اى الفعلة المذكورة يعنى أبقينا قصتها آيَةً على قدرتنا وصدق الأنبياء يعتبر بها من بعدهم وقال قتادة الضمير المنصوب عايد الى السفينة ولقد أبقى الله السفينة بأرض الجزيرة وقيل بالجودي دهرا طويلا حتى نظرها أوائل هذه الامة وهذه جملة معترضة وكذا قوله تعالى فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ اى معتبر الاستفهام للاغراء والتحريض على الادكار والاتعاظ والفاء للسببية أصله مدتكر مفتعل من الدكر قلبت التاء دالا للتناسب ثم أدغمت الدال فى الدال لقرب المخرج.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ الاستفهام للتعظيم والتهويل والفاء للسببية فان القصة السابقة سبب للتهويل ونذر جمع نذير وقال الفراء الانذار والنذر مصدر ان كالانفاق والنفقة والإيقان واليقين وكيف خبر كان قدمت لاقتضائها صدر الكلام قرأ ورش عذابى ونذرى بإثبات الياءات فى ستة مواضع من هذه السورة.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا اى سهلنا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ اى للاذكار والاتعاظ بان ذكرنا فيه انواع المواعظ والعبر والوعيد واحوال الأمم السابقة للاعتبار والمعنى يسرنا القران للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ عادٌ قوم هود عليه السلام هودا وجميع الأنبياء فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ اى انذاراتى لهم بالعذاب قبل نزوله او لمن بعدهم فى تعذيبهم.
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً باردا شديد الهبوب وشديد الصوت فِي يَوْمِ نَحْسٍ شوم على الأعداء
مُسْتَمِرٍّ اى استمر شومه او استمر عليهم حتى اهلكهم الله او على صغيرهم وكبيرهم فلم يبقى منهم أحدا او أشد مرارته قال البغوي قيل كان يوم الأربعاء اخر شهر.
تَنْزِعُ النَّاسَ اى تقلعهم من أماكنهم ثم ترمى بهم على رؤسهم فتدق رقابهم وقال البيضاوي روى انهم دخلوا فى الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعهم الريح منها وصرعتهم موتى وقال البغوي روى انها كانت تنزع الناس من قبورهم كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ اى اصول نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ منقلع من مكانه ساقط على الأرض ذكر الصفة حملا على اللفظ والتأنيث فى قوله اعجاز نخل خاوية ونخل باسقات للمعنى قال البغوي انما قال اعجاز نخل وهى أصولها التي قطعت فروعها لان الريح كانت تبين رؤسهم من أجسادهم فتبقى الأجسام بلا رؤس.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ كرر للتهويل وقيل الاول لما حاق بهم فى الدنيا والثاني لما يحيق بهم فى الاخرة كما قال ايضا فى قصتهم لنذيقهم الخزي فى الحيوة الدنيا ولعذاب الاخرة اخزى.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ بالإنذارات والمواعظ والرسل.
فَقالُوا أَبَشَراً آدميا منصوب على المفعولية بفعل مضمر يفسره ما بعده مِنَّا صفة لبشر اى من جنسنا او من جملتنا لا فضل له علينا بالمال والجاه واحِداً بدل من بشرا وعطف بيان له اى منفرد الا تبع له او من احادنا دون اشرافنا نَتَّبِعُهُ الاستفهام للانكار والإنكار على كون متبوعهم مثلهم فى الجنسية ودونهم فى الانفراد لا على فعل الاتباع فانه لو كان المتبوع من الملائكة او ملوك البشر لم ينكروا اتباعه فلا بد تقدير الفعل موخرا من المفعول فى الإضمار والتفسير تأكيد الإنكار الاتباع إِنَّا إِذاً اى إذا نتبعه لَفِي ضَلالٍ اى خطاء ذهاب عن الصواب وَسُعُرٍ قال وهب معناه بعد من الحق وقال الفراء جنون يقال ناقة مسعودة إذا كانت خفيفة الراس هايمة على وجهها وقال قتادة معناه عناء وعذاب مما يكره منا من طاعة وقيل سعر جمع سعير قال ابن عباس معناه عذاب وقال الحسن شدة عذاب وكانهم عكسوا قول صالح عليه السلام لما قال ان تتبعونى كنتم فى ضلال عن الحق وسعير ونيران فقالوا ان اتبعناك انا إذا لفى ضلال وسعير.
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ الكتاب والوحى مِنْ بَيْنِنا وفينا من هو أحق بذلك يعنون انه لم يلق عليه الذكر من بيننا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ يكذب على الله أَشِرٌ بطر منكر يريد ان يتعظم علينا بادعاء النبوة إضراب من نفى الفضيلة الى ادعاء الرذيلة فيه عليه السلام.
سَيَعْلَمُونَ غَداً حين ينزل هم العذاب وقال الكلبي يعنى يوم القيامة مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ أهم أم صالح عليه السلام قرأ ابن عامر وحمزة ستعلمون عذابنا الخطاب على الالتفات والباقون بالياء على الغيبة والجملة استيناف فى جواب ما شانهم ولما سالوا معجزة من الصالح عليه السلام على صدقه وقالوا تعنتا ان يخرج لهم ناقة حمراء عشراء من صخرة عينوها قال الله تعالى.
إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ اى مخرجوها وباعثوها فِتْنَةً لَهُمْ اى لاجل امتحانهم او حال كونها امتحاناتهم فَارْتَقِبْهُمْ اى فانتظر يا صالح ما يصنعوا بها وَاصْطَبِرْ على اذاهم او اصبر على ارتقابهم.
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ اى مقسوم بَيْنَهُمْ يعنى بين قومك وبين الناقة لها يوم ولهم يوم أورد ضمير الجمع المذكر العاقل تغليبا كُلُّ شِرْبٍ اى نصيب من الماء مُحْتَضَرٌ يحضره من كان نوبته فاذا كان يوم الناقة حضرت شربها وإذا كان يوم نوبتهم حضروه دون الناقة واحتضر وحضر بمعنى واحد وقال مجاهد يحتضرون الماء إذا غابت الناقة فاذا جاءت الناقة حضر واللبن.
فَنادَوْا ثمود صاحِبَهُمْ قدار بن سالف فَتَعاطى فتناول الناقة بسيغه فَعَقَرَ فعذبناهم.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ثم بين عذابهم فقال.
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً صاح بهم جبرئيل عليه السلام فَكانُوا اى صاروا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ قال ابن عباس المحتظر الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجر والشوك دون السباع فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم وقيل هو الشجر اليابس الذي يتخذه من الحظير لاجل الحظيرة او الحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لما شيته فى الشتاء وقال قتادة معناه كالعظام النخرة المحترقة وقال سعيد بن جبير هو التراب يتناشر من الحائط.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً اى ريحا ترميهم بالحصباء وهى الحصى الصغار وقيل الحصباء هى الحجر الذي دون ملأ الكف وقد يكون الحاصب الرامي فيكون على هذا انا أرسلنا عليهم حاصبا يحصبهم اى يرميهم بالحجارة إِلَّا آلَ لُوطٍ استثناء من الضمير المجرور فى عليهم نَجَّيْناهُمْ يعنى ال لوط بِسَحَرٍ اى فى سحر وهى اخر الليل او مسحرين الجملة تعليل للاستثناء.
نِعْمَةً اى انعاما علة لنجينا مِنْ عِنْدِنا ط صفة لنعمة كَذلِكَ نَجْزِي
مَنْ شَكَرَ
نعمة الله بالايمان والطاعة يعنى من وحد الله وشكر نعمة نجزيه جزاء....
كما جزينا ال لوط ولم نعذبهم مع المشركين كذا قال مقاتل.
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ يعنى انذر لوط قومه بَطْشَتَنا اى أخذتنا إياهم بالعذاب ان لم يؤمنوا مفعول ثان لانذر فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ يعنى كذبوا لوطا وشكوا بالإنذار.
وَلَقَدْ راوَدُوهُ اى طلبوا لوطا ان يعرض عَنْ ضَيْفِهِ ويسلمهم إليهم حين قصدوا الفجور بهم وكانوا الملائكة فيهم جبرئيل عليه السلام على صورة الامارد أرسلهم الله على قوم لوط ليرسلوا عليهم حجارة من طين مسومة للمسرفين فلما قصد قوم لوط داره وعالجوا الباب ليدخلوا قالت الرسل للوط خل بينهم وبين الدخول فانا رسل ربك لن يصلوا إليك فدخلوا الدار وقال البغوي واخرج ابن إسحاق وابن عساكر من طريق جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ان لوطا اغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار فلما راى الملائكة ما على لوط قالوا انا رسل ربك لن يصلوا إليك فصعقهم جبرئيل بجناحه بإذن الله فتركهم عمياء يترددون متحيرين لا يهتدون الى الباب فاخرجهم لوط عميانا لا يبصرون وذلك قوله تعالى فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ اى صيرناها كساير الوجه لا يرى له شق كذا قال اكثر المفسرين وقال الضحاك طمس الله أبصارهم فلم يروا الرسل فقالوا قد رأيناهم حين دخلوا البيت فاين ذهبوا فلم يرواهم فرجعوا فقال الله تعالى على السنة الرسل فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ اى ما أنذرتكم به على لسان لوط من العذاب.
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ اى جاءهم وقت الصبح بُكْرَةً أول النهار عَذابٌ رمى الحجارة مُسْتَقِرٌّ اى يستقر بهم بعد الموت عذاب القبر حتى يسلمهم الى النار المؤبدة-.
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ع وفائدة التكرير بعد كل قصة ان يستانفوا تنبيها واتعاظا واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه.
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ج يعنى موسى وهارون عليهما السلام ومن معهما وقيل هى الآيات التي انذرهم بها موسى واكتفى بذكر ال فرعون عن ذكره للعلم بانه اولى بذلك.
كَذَّبُوا بِآياتِنا يعنى الآيات التسعة كُلِّها عن صفوان بن عسال قال قال يهودى لصاحبه اذهب بنا الى هذا النبي فقال له صاحبه لا تقل نبى انه لو سمعك لكان له اربع أعين فاتيا رسول الله - ﷺ - فسالا عن تسع آيات بينات فقال رسول الله - ﷺ - لا تشركوا
بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ولا تمشوا ببرى الى ذى سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تأكلوا الربوا ولا تقذفوا محصنة ولا تولوا للفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود ان لا تعتدوا فى السبت قال فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد انك بنى قال فما يمنعكم ان تتبعونى قالا ان داود عليه السلام دعى ربه ان لا يزال فى ذريته نبى وانا نخاف ان تبعناك ان يقتلنا اليهود رواه ابو داود والترمذي والنسائي فَأَخَذْناهُمْ بالعذاب يعنى أغرقناهم فى اليم ثم أدخلناهم فى النار أَخْذَ عَزِيزٍ غالب لا يغلب مُقْتَدِرٍ على الانتقام لا يعجزه ما أراد ولا يمنعه شىء عما أراد.
أَكُفَّارُكُمْ يعنى كفار قومكم ايها المؤمنون من قريش خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ يعنى من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وال فرعون المذكورين بحلول العذاب بهم قوة وعددا او مكانة ودينا عند الله والاستفهام للانكار يعنى ليسوا خيرا منهم فكيف أمنوا من مثل ما حل بهم من العذاب أَمْ لَكُمْ يا اهل مكة بَراءَةٌ وأمان من العذاب فِي الزُّبُرِ ج اى فى الكتب السماوية ان من كفر منكم وكذب الرسل لا يعذب حتى أمنوا من العذاب.
أَمْ يَقُولُونَ اى هؤلاء الكفار نَحْنُ جَمِيعٌ اى جماعة أمرنا مجتمع مُنْتَصِرٌ ممتنع لا نرام او منتصر من الأعداء لا تغلب او متناصر بعضنا بعضا والتوحيد حملا على لفظ الجميع وموافقة لرؤس الاى اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالوا يوم بدر نحن جميع منتصر فنزلت.
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قرأ يعقوب سنهزم بالنون على صيغة المتكلم المعروف والجمع منصوبا على المفعولية والباقون على صيغة الواحد الغائب المجهول والجمع مرفوعا على انه مسند اليه أورد الدبر مفردا فى محل الأدبار بارادة الجمع الجنس موافقة لرؤس الاى كما يقال ضربنا منهم الراس او لان كل واحد منهم يولى دبره روى البخاري عن ابن عباس ان النبي - ﷺ - قال وهو فى قبة يوم بدر أنشدك عهدك ووعدك اللهم ان تشاء لا تعبد بعد اليوم فقال ابو بكر وأخذ بيده حسبك يا رسول الله ألححت على ربك فخرج وهو يثب فى الدرع وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر كنت لا أدرى اى جمع يهزم فلما كان يوم بدر رايت النبي - ﷺ - يثب فى درعه ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر ذكره البغوي قول سعيد بن المسيب قال سمعته من عمرو اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم وابن مردوية فى تفاسيرهم من مرسل عكرمة ورواه الطبراني فى مجمعه الأوسط.
بَلِ السَّاعَةُ إضراب على طريقة الانتقال الى الأهم
مَوْعِدُهُمْ جميعا للعذاب وما يحيق بهم فى الدنيا فمن طلايعه وكان ليس بعذاب بالنسبة الى ما يحيق بهم يوم القيامة ولذلك لا يعذب بعض الكفار فى الدنيا مع استحقاقهم جميعا للعذاب- وَالسَّاعَةُ أَدْهى اى أشد داهية والداهية امر فظيع لا يهدى الى دفعه وَأَمَرُّ فذاقا من عذاب الدنيا.
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ اى الكافرين تعميم بعد تخصيص لبيان حال الكفار مطلقا بعد التخصيص بذكر كفار مكة فِي ضَلالٍ عن الحق فى الدنيا وَسُعُرٍ نيران فى الاخرة وقيل معنى الاية فى ضلال اى ذهاب من طريق الجنة فى الاخرة وسعر اى نار مسعرة كذا قال الحسن بن فضل وقال قتادة فى عناء وعذاب.
يَوْمَ يُسْحَبُونَ اى يجرون فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ يقال لهم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ اى حر النار والمها فان مسها سبب لالمها.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ منصوب بفعل مضمر يفسره خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ والجملة معترضة بين ذكر الكفار نزلت رد المخاصمة قريش روى مسلم والترمذي عن ابى هريرة قال جاءت مشركوا قريش يخاصمون رسول الله - ﷺ - فى القدر فنزلت ان المجرمين فى ضلال وسعر الى قوله انا كل شىء خلقناه بقدر يعنى خلقنا كل شىء بتقدير سابق او مقدرا مكتوبا فى اللوح المحفوظ معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه قال الحسن قدر الله لكل شىء من خلقه قدره الذي ينبغى له اى يقتضيه الحكمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وكان عرشه على الماء- رواه مسلم وروى البغوي بسنده عن طاؤس بن مسلم اليماني قال أدركت ناسا من اصحاب رسول الله - ﷺ - يقولون كل شىء بقدر حتى العجز والكيس وعن على بن ابى طالب قال قال رسول الله - ﷺ - لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله بعثني بالحق ويومن بالبعث بعد الموت ويومن بالقدر رواه الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول يكون فى أمتي خسف ومسخ وذلك على المكذبين بالقدر رواه ابو داود وروى الترمذي نحوه وعنه قال قال رسول الله - ﷺ - القدرية مجوس هذه الامة ان مرضوا لا تعودوهم وان ماتوا لا تشهدوهم رواه احمد وابو داود وعن ابى خزامة عن أبيه قال قلت يا رسول الله ارايت رقى تسترقى بها ودواء نتداوى بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هى من قدر الله رواه احمد والترمذي وابن ماجة وفى الباب أحاديث كثيرة وانعقد عليه اجماع الصحابة ومن بعدهم من
من اهل السنة والجماعة.
وَما أَمْرُنا فى تكوين الأشياء وإعدامها وإعادتها إِلَّا واحِدَةٌ اى إلا فعلة واحدة وهى الإيجاد والامحاء بلا معالجة ومعناه او إلا كلمة واحدة وهى قوله تعالى كن فى الإيجاد والصيحة فى الاعدام والبعث كاينة فى اليسر والسرعة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ قال الكلبي عن ابن عباس وما أمرنا بمجىء الساعة فى السرعة الا كطرف البصر نظيره قوله تعالى وما امر الساعة الا كلمح البصر او هو اقرب.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ جمع شيع معناه المثل كذا فى القاموس يعنى أهلكنا اشباهكم فى الكفر ممن قبلكم يا اهل مكة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متعظ بالاعتبار ممن قبله الفاء للسببية والاستفهام للحث والتحريض بمعنى الأمر يعنى لقد أهلكنا يا اهل مكة اشباهكم فاذكروا واتعظوا متصل بما سبق فى توبيخ اهل مكة وما بينهما معترضات.
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ صفة لشىء فعله المكلفون ثابت مكتوب فِي الزُّبُرِ اى فى صحائف الحفظة التي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها فيجازى بها يوم القيامة او فى اللوح المحفوظ.
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ من اعمال المكلفين او من الخلائق وأعمالهم واجالهم مُسْتَطَرٌ اى مسطور مكتوب فى صحائف الحفظة او فى اللوح المحفوظة فهذه الجملة بيان وتفسير وتأكيد لما سبق او المراد بأحد الجملتين كونها مكتوبا فى صحائف الحفظة وبالأخرى فى اللوح المحفوظ والله تعالى اعلم.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ اى انهار الجنة من الماء والخمر والعسل واللبن او رد لفظ المفرد اكتفاء باسم الجنس موافقة لروس الاى وقال الضحاك يعنى فى الضياء السعة ومنه النهار قال البغوي قرأ الأعرج ونهر بالضمتين جمع نهار يعنى لا ليل لهم.
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ اى فى مكان لا لغو فيه ولا تأثيم يعنى الجنة او فى مكان مرضى قال الجوهري يعبر عن فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق ومنه قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ الاية وقوله تعالى لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عند ربهم وقوله تعالى أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخرجني مخرج صدق قال البغوي قال الصادق رض مدح الله المكان بالصدق فلا يقعد فيه الا اهل الصدق عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ اى عند الله مالك الأشياء كلها وملكها قادر لا يعجزه شىء عندية غير متكيفة لا تدركه العقول والافهام الا من فتق الله غشاوة بصيرته من الكرام وفايدة التكبير فيها الإيماء الى ان ما من شىء الا تحت ملكه وقدرته والله تعالى اعلم-.
Icon