تفسير سورة النازعات

معاني القرآن
تفسير سورة سورة النازعات من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الرحمن الرحيم.
قوله عز وجل :﴿ وَالنازِعَاتِ غَرْقاً ﴾ إلى آخر الآيات.
ذكر أنها الملائكة، وأنّ النزع نزعُ الأنفس من صدور الكفار، وهو كقولك : والنازعات إغراقا، كما يُغرِق النازِع في القوس، ومثله :﴿ وَالناشِطَاتِ نَشْطاً ﴾ يقال : إنها تقبض نفس المؤمن كما يُنْشطُ العقال مِن البعير، والذي سمعت من العرب أن يقولوا : أنشَطتُ وكأنما أُنشِطَ من عقال، وربطها : نشطها، فإذا ربطتَ الحبلَ في يد البعير فأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته، وأنت منشط..
وقوله عز وجل :﴿ وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً ﴾.
الملائكة أيضا، جعل نزولها من السماء كالسباحة. والعرب تقول للفرس الجواد [ ١٢٤/ا ] إنه لسابح : إذا مرَّ يتمطّى.
وقوله عز وجل :﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ﴾.
وهي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء إذ كانت الشياطين تسترق السمع.
وقوله عز وجل :﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾.
هي الملائكة أيضا، تنزل بالحلال والحرام فذلك تدبيرها، وهو إلى الله جل وعز، ولكن لما نزلت به سميت بذلك، كما قال عز وجل :﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ ﴾، وكما قال :﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ ﴾، يعني : جبريل عليه السلام نزّله على قلب محمد صلى الله عليهما وسلم، والله الذي أنزله، ويسأل السائل : أين جواب القسم في النازعات ؟ فهو مما ترك جوابُه لمعرفة السامعين، المعنى وكأنه لو ظهر كان : لتبعثُنّ، ولتحاسبُنّ ؛ ويدل على ذلك قولهم : إذا كنا عظاما ناخرة ألا ترى أنه كالجواب لقوله : لتبعثن إذ قالوا : إذا كنا عظاما نخرة نبعث.
وقوله عز وجل :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴾.
وهي : النفخة الأولى.
﴿ تَتْبَعُها الرَّادِفَةُ ﴾ وهي : النفخة الثانية.
وقوله عز وجل :﴿ الْحافِرَةِ ﴾.
يقال : إلى أمرنا الأول إلى الحياة، والعرب تقول : أتيت فلانا ثم رجعت على حافرتي، أي رجعت إلى حيث جئت. ومن ذلك قول العرب : النقد عند الحافرة. معناه : إذا قال : قد بعتُك رجعتُ عليه بالثمن، وهما في المعنى واحد. وبعضهم : النقد عن الحافر. قال : وسألت عنه بعض العرب، فقال : النقد عند الحافر، يريد : عند حافر الفرس، وكأن هذا المثل جرى في الخيل.
وقال بعضهم : الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم فسماها : الحافرة. والمعنى : المحفورة. كما قيل : ماء دافق، يريد : مدفوق.
وقوله :﴿ أَئِذَا كُنا عِظَاما ناخِرَةً ﴾ حدثنا الفراء قال : حدثني قيس بن الربيع عن السدي عن عمرو بن ميمون قال : سمعت عمر بن الخطاب يقرأ :«إِذا كُنا عِظَاما ناخِرَةً »، حدثنا الفراء قال : حدثني الكسائي عن محمد بن الفضل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن عن علي رحمه الله أنه قرأ «نَخِرَةً »، وزعم في إسناده هذا : أنّ ابن عباس قرأها «نخرة » [ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء ] قال : وحدثني شريك بن عبد الله، ومحمد بن عبد العزيز التيمي أبو سعيد عن مغيرة عن مجاهد قال شريك : قرأ ابن عباس. «عظاما ناخرة » وقال محمد بإسناده عن مغيرة عن مجاهد. قال : سمعت ابن الزبير. يقول على المنبر : ما بال صبيان يقرءون :( نخرة )، وإنما هي ( ناخرة ) [ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد قال ] حدثنا الفراء [ ١٢٤/ب ] قال : وحدثني مندل عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس أنه قرأ :( ناخرة ). وقرأ أهل المدينة والحسن :( نخرة )، و( ناخرة ). أجود الوجهين في القراءة، لأن الآيات بالألف. ألا ترى أن ( ناخرة ) مع ( الحافرة ) و( الساهرة ) أشبه بمجيء التنزيل، و ( الناخرة ) و( النخرة ) سواء في المعنى ؛ بمنزلة الطامع والطمِع، والباخل والبخِل. وقد فرق بعض المفسرين بينهما، فقال :( النخرة ) : البالية، و( الناخرة ) : العظمُ المجوف الذي تمر فيه الريح فينخر.
وقوله عز وجل :﴿ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ ﴾.
وهو وجه الأرض، كأنها سميت بهذا الإسم، لأن فيها الحيوان : نومَهم، وسهرهم [ حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد ] قال : حدثنا الفراء، قال : حدثني حِبَّان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال :( الساهرة ) : الأرض، وأنشد :
ففيها لحمُ ساهرةٍ وبحرٍ وما فاهوُا به لهمُ مُقِيمُ
وقوله عز وجل :﴿ طُوًى ﴾.
هو واد بين المدينة ومصر، فمن أجراه قال : هو ذكرٌ سمينا به ذكراً، فهذا سبيل ما يُجْرى، ومن لم يجره جعله معدولا [ ١٢٥/ا ] عن جهته. كما قال : رأيت عمر، وذفر، ومضر لم تصرف لأنها معدولة عن جهتها، كأن عمر كان عامراً، وزفر زافراً، وطوى طاوٍ، ولم نجد اسما من الياء والواو عدل عن جهته غير طوى، فالإجراء فيه أحب إليّ : إذ لم أجد في المعدول نظيراً.
وقوله عز وجل :﴿ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى ﴾.
إحدى الكلمتين قوله :﴿ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ والأخرى قوله :﴿ أَنا رَبُّكُم الأعلى ﴾.
وقوله جل وعز :﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى ﴾.
أي : أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماء ﴾.
يعني : أهل مكة ثم وصف صفة السماء، فقال : بناها.
وقوله عز وجل :﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَها ﴾. أظلم ليلها.
وقوله جل وعز :﴿ وَأَخْرَجَ ضُحاها ﴾. ضوءها ونهارها.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحاها ﴾.
يجوز نصب الأرض ورفعها. والنصب أكثر في قراءة القراء، وهو مثل قوله :﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ﴾، مع نظائر كثيرة في القرآن.
وقوله عز وجل :﴿ مَتَاعاً لَّكُمْ ﴾.
خلق ذلك منفعة لكم، ومتعة لكم، ولو كانت متاع لكم كان صوابا، مثل ما قالوا :﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنْ نَهارٍ بَلاَغٌ ﴾، وكما قال :﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وهو على الاستئناف يُضْمَر له ما يرفعه.
وقوله عز وجل :﴿ فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ ﴾.
وهي القيامة تطم على كل شيء، يقال : تَطِمُ وتطُمُّ لغتان.
وقوله تبارك وتعالى، ﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى أهل هذه الصفة، وكذلك قوله :﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى مَن وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه ونهيه [ ١٢٥/ب ] نفسه عن هواها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:وقوله تبارك وتعالى، ﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى أهل هذه الصفة، وكذلك قوله :﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى مَن وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه ونهيه [ ١٢٥/ب ] نفسه عن هواها.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:وقوله تبارك وتعالى، ﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى أهل هذه الصفة، وكذلك قوله :﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمأوَى ﴾.
مأوى مَن وصفناه بما وصفناه به من خوف ربه ونهيه [ ١٢٥/ب ] نفسه عن هواها.

وقوله عز وجل :﴿ أَيَّانَ مُرْسَاها ﴾.
يقول القائل : إنما الإرساء للسفينة والجبال، وما أشبههن، فكيف وصفت الساعةُ بالإِرساء ؟ قلت : هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست، ورسوّها قيامها، وليس قيامها كقيام القائم على رجلِه ونحوه، إنما هو كقولك : قد قام العدل، وقام الحق، أي : ظهر وثبت.
وقوله عز وجل :﴿ إِنَّما أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا ﴾.
أضاف عاصم والأعمش، ونوّن طلحة بن مصرف وبعض أهل المدينة، فقالوا :«منذرٌ من يخشاها »، وكلٌّ صواب وهو مثل قوله :«بَالِغٌ أَمْرَه »، و «بَالِغُ أمْرِه » و«مُوهِنٌ كَيْدَ الْكافِرِين » و﴿ موهنُ كيدِ الكَافرِينَ ﴾ مع نظائر له في القرآن.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾.
يقول القائل : وهل للعشي ضحا ؟ إنما الضحا لصدر النهار، فهذا بيّن ظاهر من كلام العرب أن يقولوا : آتيك العشية أو غداتها، وآتيك الغداة أو عشيتها. تكون العشية في معنى : آخِر، والغداة في معنى : أول، أنشدني بعض بني عقيل :
نحن صبحنا عامراً في دارها عشية الهلال أو سَرارِها
أراد عشية الهلال أو عشية سَرار العشية، فهذا أسد من آتيك الغداة أو عشيتها.
Icon