تفسير سورة ق

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة ق من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة ق
مكيّة وهى خمس وأربعون اية وثلث ركوعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر وتمّم بالخير.
ق قف والصحيح انه من الحروف المقطعة فقيل اسم للسورة وقيل اسم من اسماء القران وقال القرطبي هو مفتاح اسم الله القدير والقادر والقاهر والقريب والقابض وقيل اشارة الى قضى الأمر او قضى ما هو كائن والحق انه رمز بين الله ورسوله - ﷺ - لا يعلم تأويله الا الله وبعض الراسخين فى العلم وقد مر الكلام فى أوائل سورة البقرة قال قال عكرمة والضحاك هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضر من خضر السماء والسماء مقبية عليه وعليه كتفاها يقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة وَالْقُرْآنِ الواو للقسم وقال ابن عباس كلمة ق قسم يعنى حذف حرف القسم بايصال الفعل اليه او إضماره وهذا الواو للعطف الْمَجِيدِ اى ذو المجد والشرف على سائر الكتب او لكونه كلام المجيد او لانه من تعلمه وعلم معانيه وامتثال أحكامه بمجد وجواب القسم محذوف تقديره لقد صدق الرسول المنذر لتبعثن او نحو ذلك وقيل جوابه قوله تعالى وما يلفظ من قول وقيل قد علمنا وقال اهل الكوفة جوابه.
بَلْ عَجِبُوا بمعنى قد عجبوا اى كفار مكة وعلى التقدير الاول هذا معطوف على محذوف تقديره والقران المجيد لقد صدق الرسول وقد أنكره الكفار بل عجبوا أَنْ جاءَهُمْ منصوب بنزع الخافض يعنى عجبوا من ان جاءهم مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ليعجبهم مما ليس هو بعجب وهو ان تنذرهم أحد من جنسهم او من قومهم
ممن عرفوا عدالته واعترفوا بها ومن كان كذلك لا يكون الا ناصحا لقومه خايفا عليهم ان ينالهم مكروه وإذا علم ان امرا مخافا أظلهم لزمه ان ينذرهم فكيف ما هو غاية المخاف وقد قال لهم رسول الله - ﷺ - إذا اجتمع اليه بطون قريش ارايتكم ان أخبرتكم ان خيلا يخرج بالوادي يريد ان يغير عليكم انكم مصدقى قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ والفاء للتفسير فهو بيان لتعجبهم وهذا اشارة الى اختيار الله تعالى محمدا - ﷺ - للرسالة وإضمار ذكرهم فى عجبوا او إظهاره هاهنا للتسجيل على كفرهم بذلك وجاز ان يكون الفاء للتعقيب وهذا اشارة الى البعث بعد الموت فهو عطف لتعجبهم مما انذروا به على عجبهم ببعث المنذر وللمبالغة فى انكار هذا التعجب وضع المظهر موضع المضمر فانهم مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السموات والأرض وما بينهما أول مرة وإقرارهم بالنشأة الاول أنكروا النشأة الاخرى مع شهادة العقل بانه لا بد من الجزاء وجاز ان يكون عذا اشارة الى المبهم يفسره.
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ج الظرف متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده تقديره أنرجع الى الحيوة إذا متنا وصرنا ترابا ذلِكَ الرجع رَجْعٌ بَعِيدٌ عن الوهم والعادة او الإمكان وانما أورد هذا اولا مبهما وثانيا مفسرا لانه ادخل فى الإنكار او الاول استبعاد لان يتفضل عليهم مثلهم والثاني استقصاء بقدرة الله تعالى عما هو أهون عليه مما يشاهدون من صنعه ثم رد الله تعالى انكارهم للبعث فقال.
قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ج يعنى ما يأكل الأرض من أجسادهم بعد الموت يعنى لا يغرب من علمنا شىء فلا يتعذر علينا جمع ما نقص منها وبعثهم بعد الموت ومن قال هذه الجملة جواب للقسم قالوا للام محذوف لطول الكلام- وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ اى محفوظ من الشياطين ومن ان يندرس ويتغير وقيل معناه حافظ التفاصيل الأشياء يعلم به من عنده من الملائكة وهذه الجملة حال من فاعل علمنا ثم رد الله تعالى انكارهم نبوة النبي - ﷺ - فقال.
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ يعنى النبوة الثابتة بالمعجزات إضراب من الاضراب الاول فان التكذيب بالشيء الثابت بالادلة القطعية فوق من التعجب والاستبعاد لَمَّا جاءَهُمْ ظرف متعلق بكذبوا فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ الفاء للسببية المريج المضطرب الملتبس فان تكذيبهم سبب لاضطرابهم فى القول قال قتادة والحسن من ترك الحق مرج عليه امره والتبس عليه دينه وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم انهم يقولون مرة شاعر ومرة ساحر ومرة معلم ومرة مجنون ومرة مفتر والأقوال متناقصة
غالبا تم رد تكذيبهم وارشدهم الى الاستدلال على قدرته على البعث بخلق العالم فقال.
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا الهمزة للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره اكذبوا بالبعث فلم ينظروا حين كذبوا به إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ حال من السماء او ظرف متعلق بلم ينظروا كَيْفَ حال من مفعول بَنَيْناها ورفعناها بلا عمد وَزَيَّنَّاها بالكواكب وجملتى بنيناها وزيناها بتأويل المفرد بدل من السماء والاستفهام بكيف للتقرير والمعنى الم ينظروا الى بنائنا السماء فوقهم وتزيينا إياها بالكواكب متكيفة بكيفية بديعة راسخة وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ اى شقوق ومن زايدة والجملة حال من مفعول بنيناها اى كابنة على حال ليس لها عيوب وشقوق.
وَالْأَرْضَ منصوب بفعل مقدر يفسره مَدَدْناها بطناها والجملة معطوفة على بنينها فان قيل جملة بنينها بتأويل المفرد بدل من السماء كما ذكرنا ولا يتصور ذلك فى المعطوف قلنا فى الكلام حذف وإضمار تقديره اما ان يقال أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها والى الأرض تحتهم كيف مددناها واما ان يقال والأرض مددناها تحتها وجاز ان يقال الجملة بتأويل المفرد معطوفة على السماء والمعنى الم ينظروا الى مددنا الأرض وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ اى جبال ثوابت وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ اى من كل صنف من النباتات بَهِيجٍ حسن ذا بهجة وسرور.
تَبْصِرَةً وَذِكْرى منصوبان على العلة الفائية فان المقصود من خلق الأشياء كونها تبصرة وذكرى دالة على وجود الخالق القديم القدير العليم الواجب وجوده وصفاته الكمال المنزه عن النقص والزوال لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع الى ربه بالتفكر فى خلقه خص هذا لعبد لكونه هو المنتفع به.
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير النفع فَأَنْبَتْنا بِهِ اى بذلك الماء فى الأرض جَنَّاتٍ بساتين وَحَبَّ الْحَصِيدِ اضافة العام الى الخاص على طريقة حق اليقين وكل الدراهم وعين الشيء يعنى الحب الذي يحصد كالبر والشعير ونحو ذلك مما يزرع ويقتات به وانما خص الحب باضافة الى الحصيد لان المقصود من الحبوب والمنتفع به كمال الانتفاع ما يحصد ويقتات به وقيل هذه الاضافة من قبيل مسجد الجامع وصلوة الاولى بتأويل الصلاة الجامع وصلوة الساعة الاولى فالمعنى حب الزرع الذي من شانه ان يحصد كالبر والشعير ونحوهما.
وَالنَّخْلَ معطوف على جنات باسِقاتٍ طويلات او حاملات من بسقت الشاة إذا حملت أفردها بالذكر لكثرة منافعها وفرط ارتفاعها قال رسول الله - ﷺ - ان من الشجر شجرة لا تسقط ورقها وان مثلها
كمثل المسلم فانبئونى ما هى فوقع الناس فى شجر البوادي فقال رسول الله - ﷺ - هى النخلة رواه البخاري من حديث ابن عمرو قال عليه الصلاة والسلام أكرموا عمتكم النخل فانها خلقت من فضلة طينة أبيكم آدم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فاطعموا نساءكم الولد الرطب فان لم يكن رطب فتمر رواه ابن ابى حاتم وابو يعلى فى مسنده وابن عدى فى الكامل والعقيلي وابن انسى وابو نعيم فى الطب وابن مردوية عن على رض لَها طَلْعٌ اى ثمر ومحل مسمى بذلك لانه تطلع والطلع أول ما يظهر من قبل ان ينشق نَضِيدٌ منضود بعضه فوق بعض والمراد تراكم الطلع او كثرة ما فيه من الثمر جملة لها طلع نضيد حال ثان من النخيل.
رِزْقاً لِلْعِبادِ علته للانبات او مصدر من غير لفظه فان الإنبات رزق وَأَحْيَيْنا بِهِ اى بالماء عطف على أنبتنا بَلْدَةً مَيْتاً اى أرضا جدبة لانماء لها كَذلِكَ اى مثل ذلك الخروج للنبات من الأرض بعد سببها الْخُرُوجُ للاموات من القبور فى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - ما بين النفخين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت قالوا أربعون سنة قال أبيت ثم ينزل الله من السماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شىء الا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة واخرج ابن ابى داود نحوه وفيه ما بين النفختين أربعون عاما واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يسيل واد من تحت العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلى من انسان او طيرا ودابة ولو مر عليهم ما رقد عرفهم قبل ذلك ما عرفهم على وجه الأرض فينبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد وذلك قوله تعالى إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ واخرج احمد وابو يعلى والبيهقي عن انس قال قال رسول الله - ﷺ - يبعث الناس يوم القيامة والسماء طش عليهم ثم أورد تسليته للنبى - ﷺ - ووعيدا للكافرين بمثل ما أصاب أمثالهم بقوله.
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ اى ذو طش اى قبل كفار مكة قَوْمُ نُوحٍ انذر قومه الف سنة الا خمسين عاما فكذبوه فاخذهم الطوفان وهم ظالمون وأنجاه الله ومن أمن معه فى الفلك المشحون وَأَصْحابُ الرَّسِّ فى القاموس الرس ابتداء الشيء والبير المطوية بالحجارة وبير كانت لبقيته من ثمود كذبوا نبيهم درسوه فى بير والحفر ودفن الميت وقال البغوي الرس البير وكل ركية لم تطو بالحجارة والاجر فهو رس وقيل الرس المعدن والجمع رسائس واختلفوا فى اصحاب الرس فقال بعضهم كما قال صاحب القاموس
هم بقية ثمود وقال البغوي روى ابو روق عن الضحاك ان بيرا كان بحضر موت فى بلدة يقال لها حاصورا وان اربعة آلاف ممن أمن لصالح نجوا من العذاب فاتوا بحضر موت معهم صالح فلما حضروه مات صالح فسمى حضر موت لان صالحا لما حضره مات فبنوا حاصورا وقعدوا على هذا البير وأمروا عليهم رجلا فاقاموا دهرا وتناسلوا حتى كثروا ثم عبدوا الأصنام وكفروا فارسل الله إليهم نبيا يقال له حنظلة بن صفوان وكان حمالا فيهم فقتلوه فى السوق فاهلكهم الله وعطلت بيرهم وخربت قصورهم وفيهم قال الله تعالى وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال سعيد بن جبير كان لاصحاب الرس نبى يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فاهلكهم الله وقال وهب بن منبه كانوا اهل بير واصحاب مواش يعبدون الأصنام فوجه الله إليهم شعيبا عليه السلام يدعوهم الى الإسلام فتمادوا فى طغيانهم وفى أذى شعيب عليه السلام فبيناهم حول البير فى منازلهم انهارت البير فخسف الله بهم وبديارهم ورباعهم فهلكوا جميعا وقال قتادة والكلبي الرس بير بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فاهلكهم الله عز وجل وقال كتب والمقاتل والسدى الرس بير بانطاكية قتل فيها حبيب النجار وهم الذين ذكرهم فى سورة يسين وقيل هم اصحاب أخدود الذين حفروها وقال عكرمة هم رسوا نبيهم فى البير وَثَمُودُ كذبت المرسلين إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ... قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فجاء بناقة عشر أخرجت من صخرة فولدت ولدا مثلها وو كانت تشرب الماء كله يوما وتذر يوما فقال صالح هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فياخذكم عذاب يوم عظيم- فعقروها فاصبحوا نادمين فقال لهم صالح تمتعوا فى داركم ثلثة ايام ذلك وعد غير مكذوب فانجى الله صالحا والذين أمنوا معه وأخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين.
وَعادٌ كذبت المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون فاهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فصاروا صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية وَفِرْعَوْنُ وقومه العمالقة بعث الله اليه موسى وهارون وقال اذهب الى فرعون انه طفى فقل هل لك الى ان تزكى وأهديك الى ربك فتخشى فاراه الاية الكبرى- القى عصاه فاذا هى حية تسعى وادخل يده فى جيبه خرجت بيضاء من غير سوء اية اخرى فكذب وتولى وقال انا ربكم الأعلى فاوحى الله الى موسى ان اسر بعبادي ليلا واضرب بعصاك
البحر فكان كل فرق كالطود العظيم فسار فى البحر موسى ببني إسرائيل وأنجى الله موسى وبنى إسرائيل واتبعهم فرعون وجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم فلما أدركه الغرق قال امنت انه لا اله الّا الذي امنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين فقال الله تعالى الان وقد عصبت من قبل وكنت من المفسدين فاليوم ينجيك ربك لتكونن لمن خلفك اية وَإِخْوانُ لُوطٍ كذبوا المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون أتأتون الذكر ان من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال انى لعملكم من القالين فانجاه الله واهله الا امرأته كانت من الغابرين وأمطر الله عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين.
وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ كذب المرسلين إذ قال لهم شعيب الا تتقون انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين قالوا انما أنت من المسحرين وما أنت الا بشر مثلنا وان نظنك لمن الكاذبين فاسقط علينا كسفا من السماء ان كنت من الصادقين فكذبوه فاخذهم عذاب يوم الظلة إذ كانوا فى حر شديد وكانوا يدخلون الا سراب فاذا دخلوها وجدوها أشد حرا فاظلهم الله سبحانه وهى الظلة فاجتمعوا إليها فامطرت عليهم نارا فاحترقوا وَقَوْمُ تُبَّعٍ ط قال البغوي قال قتادة هو تبع الحميرى كان من ملوك اليمن وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة وبنى سمرقند سمى تبعا لكثرة اتباعه وكل واحد منهم سمى تبعا لانه يتبع صاحبه وكان هذا الملك يعبد النار فاسلم ودعا قومه الى الإسلام فكذبوه ذكر محمد بن اسحق وغيره عن عكرمة عن ابن عباس وغيره قالوا كان تبع الاخر وهو ابو كرب اسعد بن مليك بن يكرب حين اقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لاخرابها واستيصال أهلها فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من امره فخرجوا لقتاله فكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه باللّيل فاعجبه ذلك وقال ان هؤلاء لكرام فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما كعب واسد من أحبار بنى قريظة عالمان وكانا ابني عم حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا له ايها الملك لا تفعل فانك ان أبيت الا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نامن عليك عاجل العقوبة فانها مهاجر بنى يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد - ﷺ - مولده مكة وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به
من القتل والجراح امر كبير فى أصحابه وفى عدوهم قال تبع من يقاتله وهو نبى قالا يسير اليه قومه فيقتتلون هاهنا فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ثم انهما دعواه الى دينهما فاجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين الى اليمن فاتاه فى الطريق نفر من هذيل وقالوا انا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة قال اى بيت قالوا بيت بمكة وانما تريد هذيل هلاكه لانهم عرفوا انه لم يرده أحد قط بسوء الا هلك فذكر ذلك للاحبار فقالوا ما نعلم لله فى الأرض بيتا غير هذا البيت فاتخذه مسجد او انسك عنده وانحروا حلق راسك وما أراد القوم إلا هلاكك لانه ما ناوأه أحد قط إلا هلك فاكرمه واصنع عنده ما يصنع اهله فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح وكسا البيت الوصائل وهو أول من كسى البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة واقام به ستة ايّام وطاف به وحلق وانصرف فلما دنى من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه وقالوا لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه وقال انه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا الى النار وكانت باليمن نار فى أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه فتاكل الظالم ولا تضر المظلوم قال تبع أنصفتم فخرج القوم باوثانهم وما يتقربون به فى دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار فاقبلت حتى غشيتهم فاكلت الأوثان وما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما يتلوان التوراة تعرق جباهما لم تضرهما ونكصت النار حتى رجعت الى مخرجها الذي خرجت منه فاصفقت عند ذلك حمير على دينهما فمن هنالك كان اصل اليهودية فى اليمن وذكر ابو حاتم عن الرقاشي قال كان ابو كرب اسعد الحميرى من التبابعة أمن بالنبي - ﷺ - قبل ان يبعث بسبعمائة سنة وذكر لنا ان كعبا كان يقول ذم الله قومه ولم يذمه وكانت عائشة تقول لا تسبوا تبعا فانه كان رجلا صالحا وقال سعيد بن جبير هو الذي كسا البيت روى البغوي بسنده عن سهل بن سعد قال سمعت النبي ص يقول لا تسبوا تبعا فانه
كان قد اسلم روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - ما أدرى تبع أكان نبيا او غير نبى انتهى كلام البغوي فى سورة الدّخان كُلٌّ اى كل واحدا وكل قوم منهم او جميعهم كَذَّبَ أفرد الضمير للفظة كل الرُّسُلَ أورد صيغة الجمع لان من كذب واحدا فقد كذب جميعهم او لانهم كانوا كلهم لا يومنون بالله وحده وكانوا ينكرون إرسال الرسل بالطريق الاولى فَحَقَّ وجب وحل وَعِيدِ اى وعيدي اى عذابى الموعود كل ذلك يحل بهؤلاء الكفار مكذبى الرسل اثبت الياء وصلا ورش والباقون حذفوها فى الحالين.
أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ فى القاموس عى بالأمر لم يهتد لوجه مراده او عجز عنه ولم يطلق أحكامه
والهمزة للانكار والفاء للعطف والتعقيب على مضمون قوله تعالى أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ قوله تعالى كذبت قبلهم قوم نوح الى آخره معترضات والمستفاد انكار تعقب الخلق ما سبق ذكره والمعنى بنينا السماء بلا فروج ومددنا الأرض وألقينا فيها رواسى وأنزلنا من السماء ماء فانبتنا بها ما ذكر فلم نعى بخلقها أول مرة كما ترونه تعرفون به كيف نعى بالاعادة وليس أول الخلق باهون من إعادته والكفار مع اعترافهم بذلك وقيام الدليل لا يعترفون بالاعادة بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ اى خلط وشبهة والمراد به الشك واصل اللبس الستر وفى حالة الشك يختلط الحق بالباطل ويستر الحق مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ اى معاد وقال رسول الله - ﷺ - قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك شتمنى ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدأنى وليس أول الخلق باهون له علىّ من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الله أحد الصمد الذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد رواه البخاري عن ابى هريرة وعن ابن عباس نحوه.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ اى تحدث بِهِ نَفْسُهُ صلى الوسوسة الصوت الخفي والمراد ما يخطر بالبال وما فيما توسوس موصولة والباء فى به صلة يقال صوت بكذا والضمير عايد الى ما او مصدرية والباء للتعدية والضمير عائد الى الإنسان ونعلم خبر مبتداء محذوف والجملة الاسمية حال من فاعل خلقنا او مفعوله او كليهما وتقديره ونحن نعلم ما تحدث به نفسه به فان الله تعالى خلق الإنسان ووسوسة ولكل شىء عرض وجوهر والخلق بالاختيار والارادة مسبوق بالعلم ضرورة وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ اى الى الإنسان مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ الحبل العرق وإضافته الى الوريد من قبيل شجرة الأراك ويوم الجمعة للبيان والجملة حال ثان من فاعل خلقنا والوريد ان عرقان مكتنفان بصفحتى العنق متصلان بالوتين يرد ان من الراس اليه قيل سمى وريد ان لان الروح يرده واختلف اقوال العلماء فى تصوير هذه الا قربية فقال علماء الظاهر المراد قرب علمه منه قال البيضاوي معناه نحن اعلم بحاله ممن كان اقرب اليه من حبل الوريد ففيه تجوز لقرب الذات لقرب العلم لانه موجبه وحبل الوريد مثل يضرب لكمال القرب يقال الموت ادنى لى من الوريد قال البغوي معناه نحن اعلم به منه لان أبعاضه واجزائه يحجب بعضها بعضا ولا يحجب عن علم الله شىء وعلى هذا التأويل يلزم جواز ان يقال الطبيب اقرب الى المريض من حبل الوريد فان المريض لا يعلم بعض أحواله من الصحة والمرض ما يعلمه الطبيب ولو بالاستدلال لا سيما إذا كان شىء عديم العلم والعقل يعلم بعض أحواله وهو لا يعلم شيئا من احوال نفسه فيجوز ان يقال انا اقرب من السماء من نفسه فالاقتصار فى القول باقر بيته سبحانه
الى خلقه بهذا المعنى غير مرضى عندى وقالت الصوفية العلية بل الله سبحانه اقرب الى المخلوقات من أنفسها قربا ذاتيا لا زمانيا ولا مكانيا ولا متكيّفا بكيفية أصلا- يدرك ذلك القرب بنور الفراسة لا بالمشاعر او الاستدلال وغاية ما يقال فى هذا المقام ان العالم من حيث انه محتاج فى الوجود والبقاء الى الواجب يشبه نسبته الى الواجب بنسبة الظل الى الأصل فان الظل لا وجود له ولا بقاء الا بوجود أصله فالاصل اقرب الى الظل من نفسه والواجب اقرب الى الممكن من نفسه بالذات الا ترى ان الممكن ما لم ينتسب الى الواجب لم يجب بالغير وما لم يجب لم يوجد وما لم يوجد لا يجوز حمله على نفسه حملا أوليا غلا يقال زيد ما لم يوجد يجوز حينئذ سلبه عن نفسه إذ يشترط وجود الموضوع للحمل الإيجابي وان كان حملا أوليا فوجود الممكن اقرب الى ذات الممكن من ذاته لجواز سلب الشيء عن نفسه ما لم يوجد والمراد بالوجود هاهنا ما به الموجودية لا المعنى المصدرية فذات الله سبحانه اقرب الى الممكن من ذاته فهو ابعد فى الوجدان واقرب بالذات ولما كانت الصوفية ينسبون العالم الى دائرة الظلال والظلال الى الصفات والصفات الى الذات وفى الظلال مراتب كثيرة كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام ان لله سبعون الف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لا حرقت صبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وكذا فى الصفات قال الله تعالى ولو ان ما فى الأرض من شحرة أقلام والبحر يمده من بعده لسبعة أبحر ما نفدت كلمات الله وقال الله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق فنبأ على هذا- قال المجدد قدس سره العزيز انه سبحانه وراء الوراء ثم وراء الوراء ثم وراء الوراء فى جهته القرب دون البعد يعنى ظلال الصفات اقرب الى الممكن من الممكن وصفات الله تعالى اقرب الى الممكن من ذاته ومن الظلال والله سبحانه اقرب الى الممكن من ذاته ومن الظلال ومن الصفات والله تعالى اعلم (فائدة) هذا النوع من القرب المستفاد من هذه الاية يعم الخلائق كلها حتى الكافرين ولله سبحانه بخواص عباده قرب اخر لا يشارك النوع الاول من القرب الا اشتراكا اسميا لا حقيقيا وذلك القرب ايضا يدرك بالفراسة الصحيحة ويستفاد من الكتاب والسنة قال الله تعالى واسجد واقترب وقال الله تعالى الله معنا ان معى ربى عند ذى العرش مكين عند مليك مقتدر وفى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى ونحو ذلك
وقال عليه الصلاة والسلام لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل ونحو ذلك وهذا القرب يسمى بالولاية ولها مراتب لا تعدو لا نحصى ولا يدل عليه كلمة لا يزال ويضاده البعد المختص بالكفار قال الله تعالى الا بعد العاد قوم هود الا بعد الثمود الا بعدا للقوم الظالمين-.
إِذْ يَتَلَقَّى اى يأخذ الملكان الْمُتَلَقِّيانِ الموكلان بالإنسان ومفعول يتلقى محذوف مراد يعنى يتلقى عمله ومنطقه
يحفظانه ويكتبانه عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ الجار والمجرور متعلق بقعيد وقعيد بدل من المتلقيان والتقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد اى مقاعد كالجليس بمعنى المجالس فحذف الاول لدلالة الثاني عليه وقيل يطلق الفعيل على الواحد والكثير كقوله تعالى والملائكة بعد ذلك ظهير والمراد بالقعيد اللازم الذي لا يبرح الا القاعد الذي هو ضد القائم وقال مجاهد القعيد الرصيد والظرف متعلق با ذكر يعنى اذكر إذ يتلقى او متعلق بأقرب إيذانا بانه تعالى غنى عن استحفاظ الملكين فانه اعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لكنه لحكمة اقتضته والزام حجة يوم يقوم الاشهاد و.
ما يَلْفِظُ الإنسان من فيه مِنْ قَوْلٍ من زائدة وقول مفعول به إِلَّا لَدَيْهِ ملك رَقِيبٌ يرقب عمله ليكتب عَتِيدٌ حاضر معه الاستثناء مفرغ والمستثنى صفة لقول قال الحسن انما الملئكة يجتنبون الإنسان على حالين عند غايطه وعند جماعة وقال مجاهد يكتبان عليه حتى آتيناه فى مرضه وقال عكرمة لا يكتبان الا ما يوجر عليه او يوزر فيه روى البغوي بسنده عن ابى امامة قال قال رسول الله - ﷺ - كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل وكاتب الحسنات امير على كاتب السيئات فاذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه لسبع ساعات لعله يسبح ويستغفر ورواه ابن راهويه فى مسنده والبيهقي فى شعب الايمان لما ذكر الله تعالى استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه ببيان مبدأ خلق العالم من بناء السماء والأرض ومبدأ خلق الإنسان ومعاشه بقوله ولقد خلقنا الإنسان الى هاهنا عقب ذلك قرب الموت وقيام الساعة تهديدا وتوعيدا فقال.
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ اى غمرته وشدته التي يغشى الإنسان ويزيل عقله جاء جاءت وما عطف عليه اعنى نفخ وجاءت وكشفنا وقال بصيغة الماضي ومعناه المستقبل للدلالة على قربه وتحقق وقوعه بِالْحَقِّ ط الباء للتعدية والمعنى أحضرت سكرات الموت الأمر المتحقق الثابت فان الدنيا وما فيها كانها سراب لا تحقق لها وما كان بعد الموت فهو امر ثابت لا مردّ له او الوعد الحق الذي لا يحتمل تخلفه من الموت او الجزاء فان الإنسان خلق له وجاز ان يكون حالا متلبسا بالحق ومستصحبا له والحق هو الموت وما بعده وجاز ان يكون بالحق حملة مؤكدة لما سبق يعنى هذا القول متلبس بالحق ذلِكَ اشارة الى الحق بمعنى الموت او الجزاء ما كُنْتَ ايها الإنسان مِنْهُ تَحِيدُ اى تميل وتفر عنه يعنى تكره الموت وتنكر الجزاء وهذه الجملة بتقدير القول حال من مقدر
تقديره جاءت سكرة موت الإنسان بالحق يقال له ذلك ما كنت منه تحيد فان المراد بالموت موت الإنسان-.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ نفخة البعث ذلِكَ اشارة الى يوم يقول لجهنم ان كان ظرفا لنفخ والا فهو اشارة الى مصدر نفخ والمضاف محذوف يعنى وقت ذلك النفخ يَوْمُ تحقق الْوَعِيدِ والجملة مفعول يقال المحذوف يعنى يقال ذلك يوم الوعيد اخرج ابو النعيم فى الحلية عن عكرمة قال ان الذين يفرقون فى البحر فتقسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شىء الا العظام فيلقها الأمواج على البر فيمكث العظام حتى تصير نخرة فتمر بها الإبل فياكل ثم يسير؟؟؟ الإبل فتبحرها ثم يجىء بعدهم قوم فينزلون منزلا فياخذون ذلك البعر فيوقدونه ثم تخمد ذلك النار فتجىء ريح فيلقى ذلك الرماد على الأرض فاذا جاءت النفخة خرج أولئك واهل القبور.
وَجاءَتْ ذلك اليوم كُلُّ نَفْسٍ مؤمنة وكافرة مَعَها محلها النصب على الحال من كل لاضافة الى ما هو فى حكم المعرفة سائِقٌ وَشَهِيدٌ اخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم فى تفاسيرهم عن عثمان بن عفان فى الاية قال سائق يسوقها الى امر الله تعالى وشهيد يشهد عليها بما عملت واخرج ابن ابى حاتم والبيهقي عن ابى هريرة قال السائق الملك والشهيد العمل ذكر السيوطي فى كتاب البرزخ من حديث جابر مرفوعا فاذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فانتشطا كتابا معقودا فى عنقه ثم حضرا معه أحدهما سائق واخر شهيد أخرجه ابو نعيم وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا وقال البغوي وقال الضحاك السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والا رجل وهو رواية العوفى عن ابن عباس.
لَقَدْ كُنْتَ على إضمار القول يعنى يقال له لقد كنت فى الدنيا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا الذي نزل بك هذا اليوم فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الحاجب لامور المعاد وهو الغفلة والانهماك فى المحسوسات والالف بها وقصور النظر عليها والرين واسودا والقلب المكي عنه بقوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وقوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ نافذ تبصر ما كنت تنكره فى الدنيا قال البغوي روى عن مجاهد يعنى نظرك الى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيّئاتك حديد.
وَقالَ قَرِينُهُ اى الملك الموكل عليه عطف على يقال المحذوف هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ اى حاضرها اما موصوفة والظرف صفة له وعتيد صفة بعد صفة واما موصولة خبر مبتداء والظرف صلتها وعتيد بدل منها او خبر بعد خبر او خبر مبتداء محذوف والاشارة اما الى الشخص او الى ديوان عمله يصفى هذا شىء كاين عندى حاضرا وهذا الذي هو كائن عندى حاضرا وهذا حاضر فيقول الله تعالى.
أَلْقِيا خطاب من الله تعالى للسايق والشهيد او للملكين من خزنة النار او الواحد وتثنية الفاعل بمنزلة تثنية الفعل للتاكيد او الالف بدل من نون التأكيد الخفيفة للوصل مجرى الوقف ويؤيده ما قرىء بالنون الخفيفة- فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ معاند للحق.
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ اى للزكوة المفروضة وكل حق وجب فى ماله مُعْتَدٍ ظالم لا يقر بتوحيد الله تعالى مُرِيبٍ شاك فى الله وفى دينه.
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الموصول مبتداء متضمن معنى الشرط وخبره فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ وهو النار او الموصول بدل من كل كفار فالقياه تكرير للتاكيد الموصول مفعول يفسره فالقياه.
قالَ قَرِينُهُ يعنى الملك الموكل به كذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل قال سعيد بن جبير يقول الملك ذلك حين يقول الكافر رب ان الملك زاد على فى الكتابة فيقول الملك رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ يعنى ما نسبته الى الكفر والطغيان وما زدت عليه فى الكتابة ولكون هذه الجملة جوابا بالمحذوف اعنى قول الكافر هو أطغاني وكذب على استونفت هذه الجملة كما تستانف الجمل الواقعة فى حكاية التقاؤل بخلاف الاولى اعنى وقال قرينه فانها واجبة العطف ما قبلها للدلالة على جميع مفهوماتهما فى الحصول اعنى مجىء كل نفس وقول قرينه بما قال وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ وقال بعض المفسرين المراد بالقرين الشيطان الذي قيض لهذا الكافر يعنى ان الكافر يقول أطغاني شيطانى فيقول الشيطان ربنا ما أضللته ولا اغويته ولكن كان فى ضلال بعيد فاعنته فان إغواء الشيطان انما يوثر فيمن كان مختل الرأي مايلا الى الفجور كما قال وما كان لى عليك سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى ولا تلومونى ولوموا أنفسكم ولهذا ترى المخلصين الكرام الصوفية العلية شمر واذيلهم وبذلوا جهدهم فى مجاهدة أنفسهم وتزكيتها كيلا تتطرق إليهم الشيطان والله اعلم لكن ما ذكره علماء العربية ان المعرفة إذا أعيدت فالثانى غير الاول كما فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا معناه ان مع عسر واحد يسرين وان الأصل فى الاضافة العهد الخارجي يقتضى ان يكون المراد بقرينته ثانيا ايضا الملك الموكل به كما قال سعيد بن جبير وغيره وقال بعض المتأخرين المراد بالقرين فى كلا القرينتين الشيطان الذي قيض مع الكافر فهو له قرين ومعنى قوله هذا مالدى عتيد هذا الشخص ما عندى وفى سلطانى عتيد لجهنم هيّئته لها باغوائى ومعنى قوله ما أطغيته ولكن كان فى ضلال بعيد ان ما أطغيته كرها ولكن كان فى ضلال بعيد فاتبعنى باختياره واستجاب لى دعوتى إياه الى الكفر والمعاصي ولم يستجب دعوة رسلك.
قالَ الله تعالى لا تَخْتَصِمُوا
لَدَيَ
اى موقف الحساب بحيث لا فائدة فيه وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ على الطغيان فى كتبى وعلى السنة رسلى فلم يبق لكم حجة وهو حال وفيه تعليل للنهى اى لا تختصموا عاملين بان اوعدتكم والباء زائدة وجاز ان يكون بالوعيد حالا والمفعول به قوله تعالى.
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يعنى لا يتخلف قولى بانّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فلا تطمعوا غفرانى وقال الكلبي واختاره القراء أن المعنى لا يكذب عندى ولا يغير القول عن وجهه لانى اعلم الغيب وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ليس المراد نفى مبالغة الظلم بل نفى اصل الظلم وانما أورد صيغة المبالغة تعريضا للمخاطبين يعنى ان الكافرين فى الظلم كما فى قوله تعالى أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ-.
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ قرأ نافع وابو بكر يقول بالياء على الغيبة والضمير عايد الى الله سبحانه على نسق قوله تعالى قال لا تختصموا والباقون بالنون على التكلم ولما سبق من الله تعالى انه يملأ جهنم من الجنة والناس فهذا سوال منه تعالى لتصديق خبره وتحقيق وعده وَتَقُولُ يعنى جهنم فى الجواب هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان استفهام انكار ومعناه قد امتلأت فلم يبق فى موضع لم يمتل يعنى لا يتصور المزيد على هذا الامتلاء الذي حصل والصحيح انه استفهام للاستزادة لما روى الشيخان فى الصحيحين عن انس عن النبي - ﷺ - قال لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزت فيها قدمه فينزوى بعضها الى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال فى الجنة فضل حتى ينشىء الله تعالى لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة واخرج ابن ابى عاصم فى الستة عن ابى بن كعب قال قال رسول الله - ﷺ - جهنم تسال المزيد حتى يضع الجبار تعالى قدمه فيها فينزوى بعضها الى بعض وتقول قط قط وقال البغوي روى عن ابن عباس رض ان الله تعالى سبقت كلمته لاملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما سيق اعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج الا ذهب فيها ولا يملأ هاشى فتقول الست قد أقسمت لتملأنى فيضع قدمه عليها ثم يقول هل امتلأت فتقول قط قط فليس مزيد وقال البيضاوي هذا السؤال والجواب جىء بهما التخييل والتصوير يعنى انها مع اتساعها تطرح فيها من الجنة والناس فوجا فوجا حتى تمتلى لقوله تعالى لاملأن هذا على تقدير كون الاستفهام للانكار او انها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ او انها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثر لهم والطالب للزيادة وهذين التوجهين على تقدير كون الاستفهام للاستزادة
ولكن لا ضرورة الى هذا التأويل والاولى الحمل على حقيقة السؤال والجواب ولا استبعاد فى انطاقها كانطاق الجوارح ويوم اما منصوب بتقديرا ذكر مقدرا او ظرف لنفخ وما عطف عليه على سبيل التنازع.
وَأُزْلِفَتِ اى أدنيت عطف على نفخ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ من الشرك غَيْرَ بَعِيدٍ منصوب على الظرف اى مكانا غير بعيدا وزمانا غير بعيد وعلى الحال وتذكيره لانه صفة محذوف اى شيئا غير بعيد او لان الجنة بمعنى البستان والغرض من هذا التقييد التوكيد كما يقال قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل.
هذا الثواب او الا زلاف مبتداء خبره ما تُوعَدُونَ قرأ ابن كثير بالياء على الغيبة والضمير للمتقين والباقون بالتاء على الخطاب للمتقين بإضمار القول يعنى يقال لهم هذا ما توعدون لِكُلِّ أَوَّابٍ بدل من المتقين باعادة الجار وجاز ان يكون هذا مبتداء وما توعدون صفة ولكل أواب خبره والمعنى رجاع الى الله عما سواه ظاهر او باطنا وقيل رجاع من المعاصي الى الطاعات وقال سعيد بن المسيب الذي يذنب ثم يتوب وقال الشعبي ومجاهد الذي يذكر ذنوبه فى الخلاء فيستغفر منها وقال الضحاك هو التواب وقال ابن عباس وعطاء المسبح كما فى قوله تعالى يا جبال اوّبى وقال قتادة المصلى وعن زيد بن أرقم ان رسول الله - ﷺ - قال صلوة الأوابين حين ترمض الفصال رواه مسلم حَفِيظٍ يعنى دايم الحضور لا يغفل عن الله طرفة عين وقال ابن عباس الحافظ لامر الله وعند ايضا انه هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع ويستغفر منها يعنى لا يرى ذنوبه سهلا وقال قتادة حفيظ لما استودعه الله من حقه وقال الضحاك هو المحافظ على نفسه المتعهد لها وقال الشعبي المراقب وقال سهيل بن عبد الله هو المحافظ على الطاعات.
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ مخلص مقبل على الطاعة ومحل من مجرور على انه بدل بعد بدل للمتقين او بدل من موصوف أواب او مرفوع على الابتداء خبره.
ادْخُلُوها على تاويل يقال لهم ادخلوها فان من معناه الجمع وبالغيب حال من الفاعل او المفعول او صفة لمصدر اى خشية متلبسة بالغيب يعنى خشى عقابه وهو غايب من الله تعالى يعنى فى الدنيا حين لم يره او غايب عن عقابه او هو غايب عن الأعين لا يراه أحد قال الضحاك والسدى والحسن يعنى فى الخلوة حيث لا يراه أحد وتخصيص الرحمن للاشعار بانهم رجوا رحمته وخافوا عذابه او بانهم يخشون عذابه مع علمهم بسعة رحمته لا يغترون برحمة ولا يجئرون على معاصية ووصف القلب بالانابة لان المعتبر وانما هى الانابة بالقلب بِسَلامٍ ط اى متلبسين بسلامة يعنى سالمين من العذاب والهموم وزوال النعمة او بسلام يعنى مسلما عليكم
من الله وملائكته ذلِكَ اشارة الى الدخول بتقدير المضاف يعنى وقت ذلك الدخول فى الجنة يَوْمُ الْخُلُودِ يوم تقدير الخلود كقوله تعالى فَادْخُلُوها خالِدِينَ روى الشيخان من ابن عمر عن النبي - ﷺ - قال يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا اهل النار لا موت ويا اهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه وروى البخاري عن ابى هريرة مرفوعا يقال يا اهل الجنة خلود ولا موت ويا اهل النار خلود ولا موت.
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ وهو مما لا يخطر ببالهم ممالا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر عن ابى هريرة ان رسول الله - ﷺ - قال ان ادنى مقعد أحدكم من الجنة ان يقول له تمن فيتمنى ويتمنى فيقول هل تمنيت فيقول نعم فيقول لك ما تمنيت ومثله معه رواه مسلم واخرج نهاد عن ابى سعيد قال قال رسول الله - ﷺ - وذكر حديثا طويلا قال فيه ثم يقول الله تعالى انى اعهدت الى عبادى انى لا ادخل الجنة رجلا الا جعلت له فيها ما اشتهت نفسه لكم فيها ما سالتم ومثله وقال جابر وانس والمراد بالمزيد النظر الى وجه الله الكريم اخرج مسلم وابن ماجة عن صهيب عن النبي - ﷺ - قال إذا دخل اهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيأ أزيدكم فيقولون الم تبيض وجوهنا الم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما اعطوا شيئا أحب إليهم من النظر الى ربهم ثم تلا هذه الاية- للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وروى ابن خزيمة وابن مردوية عن ابى موسى الأشعري وكعب بن عجرة وابى بن كعب وابن مردوية وابو الشيخ عن انس وابو الشيخ عن ابى هريرة وكذا عن ابى بكر الصديق وابن عباس وحذيفة وابن مسعود وغيرهم عن رسول الله - ﷺ - قال ان الله تعالى يبعث يوم القيامة مناديا ينادى الصوت يسمعه أولهم وآخرهم يا اهل الجنة ان الله وعدكم الحسنى وزيادة الحسنى الجنة والزيادة النظر الى وجه الرحمن والله تعالى اعلم.
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ اى قبل قومك مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ اى من قومك بَطْشاً قوة كعاد وفرعون وغيرهم وجملة هم أشد صفة لقرن فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ فى القاموس نقب فى الأرض اى ذهب كانقب ونقب قلت التشديد للتكثير والمعنى اذهبوا فى البلاد للتصرف فيها والتمتع وحينئذ الفاء للسببية فان شدة بطشهم سبب للتصرف فى البلاد او المعنى جالوا فى الأرض كل مجال حذر الموت والفاء حينئذ لمجرد التعقيب هَلْ مِنْ مَحِيصٍ من زائدة محيص فى محل الرفع على الفاعلية او النصب على المفعولية بفعل محذوف والاستفهام للانكار تقديره بل كان لهم محيص او هل وجدوا لهم محيصا
فكيف يغفل اهل مكة ويلههم الأمل وجاز ان يكون نقبوا معطوفا على أهلكنا والضمير عايد الى اهل مكة والمعنى انهم ساروا فى بلاد القرون الخالية فتشوا اخبارهم ورأوا اثارهم فهل محيصا حتى يتوقعوا مثلهم.
إِنَّ فِي ذلِكَ السورة وان كان ضمير نقبوا راجعا الى اهل مكة فيجوز ان يكون المشار اليه مصدر نقبوا يعنى فى سيرهم فى البلاد لَذِكْرى تذكرة وعظة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ اى قلب صاف عن الكدورات صالح لتجليات الصفات له لعينه غير متكفية بالذات مشتغل بالله فارغ عن غيره مصدق لحديث قدسى لا يسعنى ارضى ولا سمائى ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن ولا يكون القلب هكذا الا بعد الفناء المصطلح للصوفية وقال ابن عباس معناه كان له عقل تسمية الحال باسم المحل وقيل المراد قلب داع يتفكر فى حقائق الأمور وكان ان كان ناقصة بمعناه او بمعنى صار فقلب اسمه وله خبر وان كان تامة فقلب فاعله وله حال من الفاعل والجار والمجرور اعنى لمن كان إلخ متعلق بذكرى او بالظرف المستقر اعنى فى ذلك أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ عطف على صلة من وَهُوَ شَهِيدٌ قال من فاعل القى يعنى ان السورة موعظة لمن كان له قلب سليم او استمع القران وهو شهيد حاضر قلبه ولو بتكلف لا بتغافل او شاهد يصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره قلت فالاول بيان الكاملين والثاني بيان المريدين المخلصين نظيره قوله عليه الصلاة والسلام الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك يعنى- يتصور الحضور بتكلف اخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس ان اليهود أتت رسول الله - ﷺ - فسالت عن خلق السموات والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد والبحار يوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلثاء وما فى هن من المنافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمداين والعمران والخراب وخلق الله يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة الى ثلث ساعات بقين منه فخلق فى أول ساعة الآجال حين يموت من مات وفى الثانية التي الآفة على كل شىء ينتفع به الناس وفى الثالثة آدم واسكنه الجنة وامر إبليس بالسجود له وأخرجه منها فى اخر الساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب النبي - ﷺ - غضبا شديدا فنزلت.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ من تعب واعيا. -.
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ اى اليهود ان الله تعالى أعيى فاستراح او المشركون فى امر البعث فانه من قدر على خلق العالم فهو قادر على بعثهم والانتقام منهم وروى مسلم عن ابى هريرة من غير ذكر اليهود
ولا ذكر نزول الاية ولفظه أخذ رسول الله - ﷺ - بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة فى اخر الخلق فى اخر الساعة من النهار بين العصر الى الليل قلت لعل ذكر خلق التربة يوم السبت من غلط بعض الرواية والصحيح ان بدأ خلق العالم من يوم الأحد وتمامه يوم الجمعة كما يدل عليه قوله تعالى خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ والسبت اليوم السابع فان قيل قد صح من الأحاديث ما يدل على ان خلق آدم بعد خلق السموات والأرض والملائكة والجن بزمان طويل وكان قبل ذلك سلطنة الجن وكان إبليس فى الملائكة وكان له ملك الأرض وملك سماء الدنيا والجنة يعبد الله تارة فى الأرض وتارة فى السماء وتارة فى الجنة وفسر قوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً انه قد اتى على آدم أربعون سنة ملقى من طين بين مكة والطائف قبل ان ينفخ فيه الروح لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به كذا قال البغوي وغيره وهذا الحديث يدل على ان آدم خلق فى اخر الساعة من جمعة خلق فيها الملائكة والفلكيات فكيف التوفيق قلت لعل المراد بخلق آدم تقديره فى اللوح المحفوظ يدل عليه وقوله خلق فى أول ساعة الآجال حين يموت من مات وفى الثانية القى الآفة على كل شى ينتفع به الناس فانه لا يتصور ذلك بمعنى التقدير- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يعنى صل متلبسا بحمد ربك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعنى صلوة الفجر وَقَبْلَ الْغُرُوبِ يعنى صلوة العصر وروى عن ابن عباس قال قبل الغروب الظهر والعصر هذا لعل قول ابن عباس مبنى على ان وقت الضروري للصلوتين واحد كما قال به مالك وغيره.
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ يعنى صلوة المغرب والعشاء وقال مجاهد المراد منه صلوة الليل اىّ وقت صلى يعنى نوافل وَأَدْبارَ السُّجُودِ قرأ نافع وابن كثير وحمزة بكسر الهمزة مصدر أدبر ادبار او قرأ الآخرون بفتحها على انه جمع دبر قال البغوي قال عمر بن الخطاب وعلى بن ابى طالب والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي ادبار السجود ركعتان قبل صلوة المغرب وادبار النجوم ركعتان قبل صلوة الفجر وهى رواية العوفى عن ابن عباس ورواه الترمذي عن ابن عباس مرفوعا هكذا قال اكثر المفسرين ولم يظهر لى وجه اطلاق ادبار السجود على صلوة قبل صلوة المغرب مع ان وقت الغروب تبيلها؟؟؟ ليس وقت السجود والظن ان يكون المراد من ادبار السجود النوافل الراتبة بعد الفرائض وجاز ان يكون معنى قوله تعالى سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قل سبحان الله و
بحمده روى الشيخان عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - من قال حين يصبح وحين يمسى سبحان الله مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به الا أحد قال مثل ما قال او زاد عليه روى الشيخان عنه مرفوعا من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وهما عنه قال قال رسول الله - ﷺ - كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان جيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان العظيم وقال مجاهد قوله تعالى ادبار السجود هو التسبيح باللسان فى ادبار الصلوات المكتوبات عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - من سبح فى دبر كل صلوة مكتوبة ثلثا وثلثين وحمد الله ثلثا وثلثين وكبر الله ثلثا وثلثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام الاية لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير غفرت خطاياه وانى كانت مثل زبد البحر رواه المسلم والبخاري ونحوه اخرج مالك وابن خزيمة.
وَاسْتَمِعْ صيغة امره ما بعده بتأويل المفرد او بتقدير المضاف مفعول به يعنى اسمع ما يملى عليك او اسمع حديث يَوْمَ يُنادِ وفائدة قوله تعالى استمع التنبيه والتهويل وتعظيم المخبر به والظرف على التأويل الاول متعلق بفعل محذوف دل عليه يوم الخروج تقديره يخرج الناس كلهم من القبور يوم ينادى قال النقاش عن ابى ربيعة عن البزي وابن مجاهد عن قنبل ينادى بالياء فى الوقف فقط والباقون يقفون بغير ياء الْمُنادِ اثبت الياء فى الحالين ابن كثير وفى الوصل خاصة نافع وابو عمرو والباقون حذفوها فى الحالين قال مقاتل ينادى اسرافيل بالحشر أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المقمزقة والشعور المتفرقة ان الله يأمركم ان تجتمعوا الفصل القضاء وكذا اخرج ابن عساكر عن زيد بن جابر الشافعي فى هذه الاية قال يقف اسرافيل على صخرة بيت المقدس فيقول يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والاشعار المنقطعة ان الله يأمركم ان تجتمع لفصل الخطاب مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ متعلق بيناد يعنى من صخرة بيت المقدس وهو قريب من القبور لكونها من الأرض وهما فى وسط الأرض وقال الكلبي هى اقرب الأرض الى السماء ثمانية عشر ميلا.
يَوْمَ يَسْمَعُونَ بدل من يوم يناد اى الأموات يسمعون بإذن الله تعالى فان الأموات والجمادات فى الاستماع إذا أراد الله تعالى كالاحياء فان الموجودات لا تخلو عن نوع من الحيوة كما حققناه فى تفسير سورة الملك وكذا انعقد الإجماع على عذاب القبر على الروح والجسد جميعا اخرج الشيخان عن انس ان النبي - ﷺ - وقف على قتلى بدر فقال يا فلان بن فلان يا فلان بن فلان وهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى وجدت ما وعدني ربى حقا قال عمر يا رسول الله كيف تكلم اجراما لا أرواح فيها فقال ما أنتم باسمع لما أقول منهم غير انهم لا يستطيعون ان يرد وأعلى شيئا وقال القرطبي نفخة الاحياء تمتد وتطول فيكون أوايلها
للاحياء وما بعدها للازعاج من القبور فلا يسمعون ما كان للاحياء ويستمعون ما كان للازعاج وقال السيوطي يحتمل السماع من أول وهلة للارواح وهى فى الصور قلت ما ذكر من كلام اسرافيل خطاب للعظام والجلود لا للارواح فلا فائدة فى سماع الأرواح والله تعالى اعلم الصَّيْحَةَ يعنى صيحة اسرافيل المذكور وقال البيضاوي لعله فى إعادة نظير كن يعنى امر تكوينى لا يشترط فيه السماع قلت لكن قوله تعالى يوم يسمعون صريح فى اثبات السماع فالاولى ما قلت بِالْحَقِّ ط متعلق بالصيحة والمراد به البعث للجزاء ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ من القبور.
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ فى الاخرة.
يَوْمَ تَشَقَّقُ قرأ الكوفيون وابو عمرو بتخفيف الشين بحذف أحد التاءين والباقون بالتشديد بابدال التاء شينا والإدغام واصله يتشقق الْأَرْضُ عَنْهُمْ اى عن الأموات إذا ادعوا الى الحساب والظرف اعنى يوم تتشقق متعلق بفعل دل عليه قوله تعالى ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ تقديره يحشرون يوم تشقق الأرض عنهم سِراعاً ط جمع سريع حال من الضمير المرفوع فى الفعل المقدر يعنى يحشرون سراعا وقيل من الضمير المجرور فى عنهم يعنى تشقق الأرض عنهم حال كونهم مسرعين فى الخروج ذلِكَ الحشر دفعة واحدة المفهوم مما سبق حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ الظرف متعلق بيسير قدم عليه للاختصاص فان ذلك لا تيسير الا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شان عن شان كما قال ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ يعنى كفار مكة فى تكذيبه فيه تسلية لرسول الله ﷺ وتهديد لهم- وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ قف تجبرهم على الإسلام انما بعثت مذكرا وداعيا- اخرج ابن جرير من طريق عمرو بن قيس الملائى عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله ﷺ لو خوفتنا فنزلت فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ثم اخرج عن عمر مثله مرسلا قرأ ورش وعيدي وصلا فقط والباقون يحذفونها فى الحالين يعنى لا ينفع تذكيرك بالقران الا من يخاف ما أوعدت به من عصانى من العذاب يعنى المسلمين والله تعالى اعلم.
Icon