تفسير سورة القلم

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة القلم من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة القلم
مكية وهي اثنان وخمسون آية.

﴿ ن ﴾ من الحروف المقطعة وقد مر البحث في أوائل سورة البقرة، وقيل اسم للحوت والمراد به الجنس، أو البهموت وهو الذي عليه الأرض، أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه أشد سوادا من النفس، يكتب به لكن كتابته بصورة الحروف، قراءته بالسكون وصلا وقفا يؤيد القول الأول، ويأبى عن غيره من الأقوال، قرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بإخفاء النون إجاء للواو المنفصل كالمتصل والباقون بالإظهار ﴿ والقلم ﴾ الواو للقسم والقلم الذي خط اللوح، عن عبادة ابن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما أكتب ؟ قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن إلى الأبد }١ رواه الترمذي، وقال هذا حديث غريب، وعن عبد الله ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه على الماء ﴾ ٢ رواه مسلم قال البغوي هو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض يحتمل أن يراد جنس القلم أقسم به لكثرة فوائده﴿ وما يسطرون ﴾ والضمير للقلم بالمعنى الأول على التعظيم، أو بالمعنى الثاني بإرادة الجنس، وأسند الفعل إلى الآلة وأجريت مجرى أولي العلم بإقامتها مقامهم أو لأصحابه على المعنى الثاني، أو بغير المذكور أي الحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم، أو العلماء الذين يكتبون علوم الدين.
١ أخرجه الترمذي في كتاب: القدر ﴿٢١٨٢﴾.
٢ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: حجاج آدم وموسى عليهما السلام ﴿٢٦٥٣﴾.
﴿ ما أنت بنعمة ربك ﴾ أي متلبسا بنعمة ربك من النبوة والمروة، وكمال العقل والفهم وجلال الفضل، وأنواع المكارم والعلوم، والعامل في الحال معنى النفي، وقيل مجنون، والباء لا يمنع كونه عاملا فيما قبله، لكونه زائدة، لكنه ضعيف من حيث المعنى ﴿ بمجنون ﴾ قال البغوي هذا جواب لقول الكفار :﴿ يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ﴾ ١ وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج وإنما قالوا ذلك استبعادا منهم ما ادعاه النبي صلى الله عليه وسلم من الرسالة من الله، وما ارتكبه النبي صلى الله عليه وسلم من مخالفة جميع الناس، في أيام العسرة واستيلاء ظلمة الكفر، ولما كان هذا الاستبعاد منهم مستقرا قويا في زعمهم، أكدوا قولهم إنك لمجنون، بأن ولام القسم، وبناء على شدة إنكارهم أكد الله سبحانه الجواب بالقسم، وزيادة الباء في الخبر لتأكيد النفي، وفيه نفي المجنون عنه صلى الله عليه وسلم بحال تلبسه بنعمة الله، ليكون هذا القيد بمنزلة البينة والبرهان على النفي، فإنه من كان بهذه المثابة من العلم والعقل والفهم والكمال، فالقول فيه بأنه مجنون سفسطة، لا يقول به إلا من هو أبلد من الحمار، وأحمق من ابن حنيفة، ألم تسمع أن الأتان سجدت إلى الكعبة ثلاثا، حين ركبت حليمة مع النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وقالت الأتان على ظهري خير النبيين وسيد المرسلين وخير الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين، صلى الله عليه وسلم، كذا ذكر في المواهب اللدنية في حديث طويل، فالكفار أبلد من الحمار.
١ سورة الحشر الآية: ٦.
﴿ وإن لك لأجرا ﴾ على احتمال الأذى وتبليغ الرسالة والتنكير للتعظيم ﴿ غير ممنون ﴾ أي مقطوع أو ممنون به عليك من الناس، فإن الله يعطيك وعلى الناس منة منك. والجملة معطوفة على جواب القسم، أو حال من أنت وكذلك قوله تعالى :﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ٤ ﴾
﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ٤ ﴾ فإنك تحتمل عن قومك ما لا يحتمل أمثالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( وما أوذي أحد أوذيت في الله ) رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس وابن عساكر عن جابر نحوه، وعن أبي هريرة قال يا رسول الله ادع على المشركين قال :( إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ) ١ رواه مسلم، والكفار لما رموه صلى الله عليه وسلم بالجنون، والمجنون لا يستحق أجرا ولا يكون له خلق حسن، فإيراد هذين الجملتين على العطف والحال تأكيد لما سبق من نفي الجنون ورد لقول الكفار على أبلغ الوجوه، قال ابن عباس ومجاهد خلق عظيم دين عظيم ولا دين أحب إلي ولا أرضى عندي منه وهو دين الإسلام، قال الحسن هو آداب القرآن سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن ألست تقرأ القرآن قد أفلح المؤمنون الخ٢ رواه مسلم وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من ما نهى الله عنه يعني إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن وقال جند الخلق العظيم أن لا يكون همته غيره تعالى.
فصل : في أخلاقه صلى الله عليه وسلم عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها أحسنه خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير٣ وعن أنس قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أن قط وما قال لشيء صنعته لم صنعت ولا لشيء تركته لم تركت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم٤ متفق عليه، وعن أنس أن امرأة كانت في عقلها شيئا قالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال يا أم فلان أجلسني في أي سلك المدينة شئت أجلس فقعد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قضت حاجتها رواه مسلم، وعنه قال كانت الأمة من إماء المدينة ليأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينطلق به حيث شاءت رواه البخاري وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسام كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي نزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدما ركبتين بين يدي جليس٥ رواه الترمذي وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة ولا ينسل شيئا منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينهتك لشيء من محارم الله فينتقم لله٦ رواه مسلم وعن أنس قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرد نجراني غليظ الحاشية فأدركه إعرابي فجذبه برادئه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبه ثم قال يا محمد صلى الله عليه وسلم مر لي من الذي لله عندك فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء٧ متفق عليه، وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، الحديث متفق عليه، وعن جابر قال ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فقال لا، متفق عليه، وعن جبير ابن مطعم بينما هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقفلة من حنين، فعلقت الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذا العصاة نعم لقسمته بينكم، لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا٨ رواه البخاري، وعن عائشة قالت : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق، ولا يجيز بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح٩، وفي الباب أحاديث لا تكاد تحصى في فضل حسن الخلق، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بعثت لأتمم حسن الخلق ) رواه أحمد وفي الموطأ بلاغا، وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أثقل شيء يوضع في الميزان للمؤمن يوم القيامة خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء ) ١٠ رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وروى أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال : فإن أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق } ١١ وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ) ١٢ رواه أبو داود، وعن عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا ) رواه البخاري وفي الصحيحين بلفظ ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) ١٣ وعن رجل من مزنة وعند البيهقي في شعب الإيمان وعن أسامة ابن شريك في شرح السنة قالوا يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان، قال الخلق الحسن، وعن معاذ قال كان آخر ما وصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الفرزان قال :( يا معاذ أحسن خلقك للناس ) رواه مالك.
١ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: النهي عن لعن الدواب وغيرها ﴿٢٥٩٩﴾.
٢ أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها بابك جامع الليل ومن نام عنه أو مرض ﴿٧٤٦﴾.
٣ أخرجه البخاري في كتاب: لمناقب: باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم ﴿٣٣٥٦﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: الفضائل: بابك في صفة النبي وأنه كان أحسن الناس وجها ﴿٢٣٣٧﴾.
٤ أخرجه البخاري في كتاب: المناقب باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم ﴿٣٣٦٨﴾ وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل باب: طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه ﴿٢٣٣٠﴾.
٥ اخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع ﴿٢٥٣٩﴾.
٦ اخرجه مسلم في كتاب: الفضائل باب: مباعدته صلى الله عليه وسلم لآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته ﴿٢٣٢٨﴾.
٧ أخرجه البخاري في كتاب: الأدب بابك التبسم والضحك ﴿٥٧٣٨﴾ وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب: إعطاء من يسأل بفحش وغلظة ﴿١٠٥٧﴾.
٨ أخرجه البخاري في كتاب: الجهاد والسير، باب: الشجاعة في الحرب والجبن ﴿٢٦٦٦﴾.
٩ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة باب: ما جاء في خلق النبي صلى الله عليه وسلم ﴿٢٠٨٥﴾.
١٠ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في حسن الخلق ﴿٢٠١٠﴾.
١١ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة باب: ما جاء في حسن الخلق ﴿٢٠١٢﴾.
١٢ أخرجه أبو داود في كتاب: الأدب باب: في حسن الخلق ﴿٤٧٩٠﴾.
١٣ أخرجه البخاري في كتاب: المناقب باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم ﴿٣٣٦٦﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: الفضائل باب: كثرة حيائه صلى اله عليه وسلم ﴿٢٣٢١﴾.
﴿ فستبصر ﴾ يا محمد والسين للتحقيق ﴿ ويبصرون ﴾ أي الكفار يوم القيامة.
﴿ بأييكم المفتون ٦ ﴾ أيكم مبتدأ والباء زائدة والمفتون بمعنى المجنون خبره، أو المفتون مصدر بمعنى الجنون كالمعقول والمجلود مبتدأ والخبر مقدم، أو المعنى بأي الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين أو بفريق الكافرين، في أيهما من يستحق هذا الاسم، والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول للفعلين السابقين على سبيل التنازع، والحاصل أن الجنون ليس بالكفار، فإنه لا شك أن مقتضى العقل أنه من خبر بين الخبرين اختار أخيرهما، ومن ابتلي ببليتين اختار أهونهما، والمؤمنون اختاروا الاشتغال بالله سبحانه الجميل، المتصف بجميع الكمالات، المنزه عن جميع النقائض، أنصار النافع، وبذلوا همتهم في ابتغاء مرضاته، واجتنبوا موجبات سخطه، واختاروا نعم الأخروية القوية الأبدية على النعم الدنيوية الدنية الزائلة الكائنة كأن لم تكن، والكفار اختاروا الممكنات التي لا تضر ولا تنفع إلا بإذن الله، بل اختاروا للعبادة الحجارة وتركوا الله الواحد القهار القيوم، واختاروا الحظوظ العاجلة التي لا يدرك منها إلا ما شاء الله، على النعم الأبدية، واختاروا النار على الجنة.
﴿ إن ربك هو ﴾ ضمير فصل ﴿ أعلم بمن ضل ﴾ متعلق بأعلم ﴿ عن سبيله ﴾ فهم المجانين على الحقيقة، فإن مقتضى الجنون الضلال عن سبيل الحق. ﴿ وهو أعلم بالمهتدين ﴾ الفائزين بكمال العقل، الواصلين إلى الجميل المطلق.
﴿ فلا تطع المكذبين ٨ ﴾ الفاء للسببية، يعني إذا ظهر أنك على الهدى، والمكذبين على الضلال، فلا تطعهم.
﴿ ودوا ﴾ حال بتقدير قد من المكذبين ﴿ لو تدهن ﴾ لو للتمني بيا للوداد والإدهان اللين المشتق من الدهن ﴿ فيدهنون ﴾ الفاء للعطف والتعقيب هي ودوا المداهنة من المجانين لكن يحبون أن يكون إدهانهم بعد إدهانك، أو للسببية أي ودوا لو تدهن فهم يدهنون، ودوا إدهانك فهم الآن يدهنون طمعا فيه، يعني لو تلني لهم بترك نهيهم عن الشرك أو توافقهم في بعض الأمور أحيانا فينالونك بترك الطعن والموافقة في بعض الأمور.
مسألة : وهذه الآية تدل على أن المداهنة في أمر الدين حرام.
﴿ ولا تطع ﴾ تخصيص بعد تعميم، قال قتادة نزلت في الوليد بن المغيرة، وأخرج المنذر عن الكلبي وابن أبي حاتم عن السدي نزلت في الأخنس بن شريف، وكذا ذكر البغوي قول عطاء، وقال ابن أبي حاتم عن مجاهد نزلت في الأسود بن عبد يغوث ﴿ كل حلاف ﴾ لفظة كل وردت لتأكيد شمول النهي، كل فرد بقرينة المقام، فلا يدل على جواز طاعة البعض، والمراد بالحلاف كثير الحلف بالباطل، وقد مر في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ﴾١.
مسألة : إن الإكثار بالحلف مكروه، ﴿ مهين ﴾ حقير فعيل من المهانة، بمعنى الحقارة وهي قلة الرأي والتميز.
١ سورة البقرة الآية: ٢٢٤.
﴿ هماز ﴾ عياب مغتاب، وقيل من يشير بعينه وحاجبه إلى عيوب الناس، ﴿ مشاء بنميم ﴾ فعال للحديث على وجه السعاية.
﴿ مناع للخير ﴾ يمنع الناس عن الخير من الإيمان والإنفاق والعمل الصالح، ﴿ معتد ﴾ متجاوز عن الحد في الظلم، ﴿ أثيم ﴾ كثير الإثم.
﴿ عتل ﴾ قال في القاموس : الأكول المنيع الجافي الغليظ، ﴿ بعد ذلك ﴾ الظرف متعلق بزنيم، وكلمة بعد بمعنى مع، أو المعنى بعد ما عدت من رذائله ﴿ زنيم ﴾ قال في القاموس : الزنيم المستلحق في قوم ليس منهم والدعي، وفيه أيضا الدعي كغنى من تبنيته والمتهم في النسبة، قال البيضاوي الزنيم مأخوذ من زنمتي الشاة وهما المتدليتان من أذنها وحلقها. وكان الوليد ابن مغيرة ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة من مولده، والأخنس ابن شريق أصله من ثقيف وعداده في زهرة، قال البغوي في الدنيا معصما فكان للناس ظلوما، قال : فذلك العتل الزنيم، مرسل له شواهد، روي عن عكرمة عن ابن عباس قال في هذه الآية نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف، وكان له زنمة في عنقه يعرف بها، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : نزل على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ ولا تطع كل حلاف مهين ١٠ هماز مشاء بنميم ١١ ﴾ فلم نعرفه حتى نزل عليه ﴿ بعد ذلك زنيم ﴾ فعرفناه، كان له زنمة كزنمة الشاة. وقال سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنه قال يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها، قلت لعله لما كان هذه الصفة، أعني كونه زنيما أدنى في القبح من الرذائل المقدمة ذكره بقوله :﴿ بعد ذلك زنيم ﴾ والله تعالى أعلم، عن الحارث ابن وهب الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف لو يقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ متكبر }١ رواه البغوي وروى أبو داود والطبراني عن أبي الدرداء نحوه.
١ أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب الكبر (٥٧٢٣).
﴿ أن كان ذا مال وبنين ١٤ ﴾ قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة وأبو بكر ويعقوب أن كان بهمزتين أحدهما للاستفهام، ثم حمزة وأبو بكر يخففان الهمزتين بلا مد وبمد الهمزتين، الأولى أبو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية، وقرأ الآخرون بهمزة واحدة بلا استفهام، وتقديره لأن كان متعلق بالنهي في لا تطع، فالمعنى على تقدير عدم الاستفهام : لا يكن منك طاعة من كان هذا شأنه، لكونه ذا مال وبنين، كما أنها عادة أصحاب المال والثروة، وعلى تقدير الاستفهام : أتطيعه لكونه ذا مال وبنين ؟ فالاستفهام للإنكار، أو متعلق بمدلول جملة بعده، أي كفر وكذب القرآن لأجل الغنى تكبرا وبطرا، والمعنى : كان الغنى موجبا للشكر، فكفر على عكس ما ينبغي.
﴿ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ١٥ ﴾ أي شيء كتبوه كذبا من قصص الأولين في القاموس، الأساطير الأحاديث لا نظام لها، إذا متعلق، أي قال ذلك.
﴿ سنسمه على الخرطوم ١٦ ﴾ على الأنف، كأنه شبهه بالفيل والخنزير، وأنفه بالخرطوم جملة مستأنفة بالوعيد والتهديد، قال الفراء المراد به الوجه، فإن بعض الشيء يعبر به عن الكل، وقال أبو العالية ومجاهد : يسود وجهه فيجعل له علما في الآخرة يعرف به سواد الوجه، قول ابن عباس سنحطمه بالسيف، وفعل ذلك يوم البدر.
﴿ إنا بلوناهم ﴾ يعني أهل مكة بالقحط والجوع لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم قال :( اللهم اجعل عليهم سينين كسني يوسف ) حتى أكلوا العظام والجيف١ جملة مستأنفة في جواب سؤال مقدر أي ما فعل لهم حين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا مجنون ﴿ كما بلونا أصحاب الجنة ﴾ صفة مصدر محذوف والإضافة واللام للتعهد. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جرير أن أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا فاربطوهم في الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا، فنزلت إنا بلوناهم في قدرتهم عليهم كما بلونا أصحاب الجنة في اقتدارهم عليهم، روى محمد ابن مروان عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس قال كان بستان اليمن يقال، له الضروان دون صنعاء بفر سخين، غرسه رجل صالح، وكان يترك للمساكين إذا صرموا نخلهم كل شيء تعداه المنجل، فإذا طرح من فوق النخل إلى البساط فكل شيء يسقط عن البساط يترك ذلك أيضا للمساكين، وإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين، وإذا داسوه كان لهم كل شيء ينتثره أيضا، فلما مات الرجل ورثه ثلاثة بنيه، فقالوا والله إن المال لقليل وإن العيال كثير، وإنما كان هذا الأمر يفعل إذا كان المال كثيرا والعيال قليلا، فإذا قل المال وكثل العيال، فإنا لانستطيع أن نفعل هذا، فتحالفوا بينهم ﴿ إذ أقسموا ﴾ أي حلفوا متعلق ببلونا ﴿ ليصرمنها ﴾ جواب قسم أي ليقطعن ثمرها أي الجنة ﴿ مصبحين ﴾ داخلين في الصباح قبل أن يعلم المساكين، حال من فاعل ليصرمنها.
١ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير بابك ﴿يغشى الناس هذا عذاب أليم ١١﴾ ﴿٤٥٤٤﴾.
﴿ ولا يستثنون ١٨ ﴾ حال من فاعل أقسموا، أي أقسموا غير مستثنين، أي قائلين إن شاء الله، وإنما سماه استثناء لما فيه من الإخراج، غير أن المخرج به خلاف المذكور، والمخرج بالاستثناء عينه، أو لأن أفعل إن شاء الله، ولا أفعل إلا أن يشاء الله واحد، ويحتمل أن يكون جملة ( لا يستثنون ) معطوفة على ليصرمنها، داخلة في جواب القسم. والمعنى ولا يستثنون حصة المساكين، كما كان يخرج أبوهم، أو يكون جملة مستأنفة، أي كان شأنهم ذلك.
﴿ فطاف ﴾ معطوف على أقسموا﴿ عليها ﴾ على جنتهم ﴿ طائف ﴾ بلاء نازل بالليل وهو نار نزلت من السماء فأحرقتها ﴿ من ربك ﴾ من ابتدائية ﴿ وهم نائمون ﴾
﴿ فأصبحت ﴾ الجنة ﴿ كالصريم ﴾ أي كالبستان الذي صرم ثمارها بحيث لم يبق فيها شيء فعيل بمعنى المفعول أو كالليل باحتراقها واسودادها أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سمي بالصريم لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه أي ينقطع، وقال الحسن أي صرم منها الخير فليس فيها شيء وقال ابن عباس كالرماد الأسود بلغة خزيمة والجملة معطوفة على فطاف
﴿ فتنادوا ﴾ أصحاب الجنة ﴿ مصبحين ﴾ الجملة معطوفة على أصبحت
﴿ أن اغدوا ﴾ أن مفسرة معناه القول أعني تنادوا ﴿ على حرثكم ﴾ متعلق باغدوا أي اخرجوا إلى حرثكم وتعديته بعلى إما لتضمنه بمعنى الإقبال أو لتشبيه الغدو للصرام الغدو الغدو المتضمن بمعنى الاستيلاء ويحتمل أن اغدوا إنا قصة وعلى حرثكم خبره ﴿ إن كنتم صارمين ﴾ قاطعين شرط استغنى عن الجزاء بما مضى
﴿ فانطلقوا ﴾ أي أصحاب الجنة ﴿ وهم يتخافتون ﴾أي يقولون بينهم سرا وخفي وخفت وخفه بمعنى كتم
﴿ أن لا يدخلنها ﴾ أي الجنة وأن مفسرة لقوله تعالى :﴿ يتخافتون ﴾ فإنه في معنى القول ﴿ اليوم عليكم مسكين ﴾ نهي للمسكين عن الدخول مؤكد أو المراد به المبالغة في النهي عن تمكينه عن الدخول كقوله لا أثنيك هاهنا
﴿ وغدوا ﴾ عطف على انطلقوا ﴿ على حرد قادرين ﴾ على حرد متعلق بقادرين وهو خبر لغدوا أو الجملة معطوفة على انطلقوا أو الحرد في اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب، فقال الحسن والقتادة وأبو العالية على جد وجهد، وقال القرطبي ومجاهد وعكرمة على أمر مجمع قد أسسوه بينهم وكل ذلك راجع إلى المقصد، وقال أبو عبيدة على منع المساكين وقول الشعبي وسفيان على غضب في المساكين، وقال ابن عباس على قدرة عند على جنتهم وثمارها
﴿ فلما رأوها ﴾ أي الجنة محترقة ﴿ قالوا ﴾ لما ظرف متعلق بقالوا ﴿ إنا لضالون ﴾ الطريق فليس هذا جنتنا وإنا لمخطئون حيث منعنا المساكين وتركنا الاستثناء
﴿ بل نحن محرومون ٢٧ ﴾ قد حرمنا خير الجنة
﴿ قال أوسطهم ﴾ سنا أو أعد لهم وأعلقهم والجملة مستأنفة ﴿ ألم أقل لكم ﴾ استفهام تقرير ﴿ لولا ﴾ هلا ﴿ تسبحون ﴾ أي تستثنون سمي الاستثناء تسبيحا لأنها تعظيم لله تعالى وإقرار بأنه لا يقدر أحدكم على شيء إلا بمشيئته، وقال أبو صالح كان استثناؤهم سبحان الله تعالى أو هلا تسبحون الله وتشكروه على ما أعطاكم ولا تمنعوا المساكين فإن الشكر صرف لنعمة في رضاء وقيل هلا تستغفرون من فعلكم
﴿ قالوا سبحان ربنا ﴾ جملة مستأنفة نزهوا الله سبحانه من أن يكون ظالما في ما فعل وإقرار على أنفسهم بالظلم وقالوا﴿ إنا كنا ظالمين ﴾ بمنع المساكين عن حقهم
﴿ فأقبل بعضهم على بعض ﴾ عطف على قالوا ﴿ يتلاومون ﴾حال من فاعل أقبل ومفعوله على طريقة لقيه راكبين أي يلوم بعضهم بعضا في منع المساكين حقوقهم
﴿ قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ٣١ ﴾ جملة مستأنفة أي أعطينا نعم الله فلم نشكرها كما شكر أبونا
ولما ندموا على ما فعلوا وتابوا عنه وعزموا على الشكر والإنفاق رجعوا على أنفسهم وقالوا رجاء ﴿ عسى ربنا أن يبدلنا ﴾ جنة ﴿ خيرا منها ﴾ من ذلك الجنة التي أحرقت ﴿ إنا إلى ربنا راغبون ﴾ إلى الانتهاء الرغبة أو لتضمنها معنى الرجوع والجملة في مقام التعليل للرجاء فإن الرغبة إلى الله تعالى يوجب الإنعام، قال البغوي قال ابن مسعود بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم جنة يقال لها الجبوان فيها عنب يخمل البغل عنقودا
﴿ كذلك ﴾ خبر ما بعده مبتدأ أي كما فعلنا بأهل مكة وأصحاب الجنة ﴿ العذاب ﴾ في الدنيا على ترك الشكر ﴿ ولعذاب الآخرة ﴾ على الكفر والمعاصي وترك الشكر ومنع الزكاة ﴿ أكبر ﴾ أشد وأبقى من عذاب الدنيا ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ شرط استغنى عن الجزاء بما مضى أي لو كانوا يعلمون العذاب ما فعلوا فعلهم.
﴿ إن المتقين عند ربهم ﴾ في جواب القدس ﴿ جنات النعيم ﴾ أي ليس فيها إلا التنعيم الخالص، جملة مستأنفة سبقت الوعد للمتقين بعد وعيد المجرمين ولما قال المشركون من أهل مكة إنا نعطي في الآخرة على تقدير ثبوتها أفضل مما تعطون أو مثله كما أعطينا في الدنيا
قال الله تعالى تكذيبا لهم ﴿ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ٣٥ ﴾ الاستفهام لإنكار مساواة المجرمين بالمسلمين ويوجب إنكار تفضيل المجرمين بالطريق الأولى والجملة معطوفة محذوف ألا نفضل المسلمين المطيعين على المجرمين فنجعل المسلمين كالمجرمين
﴿ ما لكم كيف تحكمون ١٥٤ ﴾ كيف حال من فاعل تحكمون قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام وتحكمون حال من معنى ما لكم تقديره ما تصنعون حال كونكم حاكمين كائنين على كيفية عجيبة مستعبدة جدا على خلاف العقل فإن العقل يحكم أن المطيع يكون أحسن حالا من العاصي وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب
﴿ أم لكم كتاب ﴾ نزل عند اللئام أم منقطعة بمعنى بل للإضراب من الحكم على وفق العقل والهمزة للإنكار عن الدليل السمعي المنزل من السماء ﴿ فيه ﴾ أي الكتاب ﴿ تدرسون ﴾ تقرأون
﴿ إن لكم فيه ﴾أي في ذلك الكتاب ﴿ لما تخيرون ﴾ ما تختارون لأنفسكم وتشتهونه حذف أحد التائبين من تخيرون والجملة مفعول تدرسون إما بتأويل القول أي تدرسون هذا القول أو لأنه كان في الأصل أن مفتوحة فلما جيئت باللام على ما تخرون كسرت وتحتمل أن يكون استئنافا على سبيل الإنكار
﴿ أم لكم أيمان ﴾ فاعل لكم ﴿ علينا ﴾ أي عهود مؤكدة بالأيمان ﴿ بالغة ﴾ متناهية في التوكيد ﴿ إلى يوم القيامة ﴾ متعلق بمقدر في لكم أي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا يخرج عن عهدتها حتى تحكم بحكمكم في ذلك اليوم أو متعلق ببالغة أي إيمان تبلغ ذلك اليوم ﴿ إن لكم لما تحكمون ﴾ جواب للقسم من ذكر الأيمان يعني أم أقسمنا لكم أن لكم ما تحكمون
﴿ سلهم أيهم بذلك زعيم ٤٠ ﴾ قائم يدعيه ويصححه فليقدرونه فقد نبه سبحانه في هذه الآيات على نفي كل ما يمكن أن يثبت به من عقل أو نقل يدل عليه لاستحقاق أو وعد أو تقليل لمن يقدر على إثبات ما يدعيه،
ثم لما نفى تسوية الكفار بالمؤمنين من الله تعالى نفى أن يكون هذا من الشركاء الذين يشركونها مع الله تعالى بنفع الشركاء فقال ﴿ أم لهم شركاؤوا ﴾ تجلهم مثل المؤمنين في الآخرة ﴿ فليأتوا بشركائهم ﴾ ويثبتوا كونهم شركاء الله تعالى مماثلا له في العلم والقدرة والإرادة والتكوين الفاء للسببية والأمر للتعجيز ﴿ إن كانوا صادقين ﴾ في دعوتهم شرط مستغني عن الجزاء بما معنى﴿ يوم يكشف عن ساق ﴾
﴿ يوم يكشف عن ساق ﴾ الظرف متعلق باذكر وكشف الساق عبارة عن نوع من تجلياته سبحانه وتعالى في الموقف. روى الشيخان في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري أن ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب هل تضارون رؤية القمر ليلة صحوا ليس فيها سحاب قالوا يا رسول الله قال ما تضارون في رؤية الله تعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد يعبد بغير الله من الأصنام، والأنصاب أن يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر } وفي رواية ( لا غير أهل الكتاب فيدعي اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال ماذا تبغون ؟ فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا ترون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم لبعضنا فيتساقطون في النار، ثم يدعي النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم فذكر كما ذكر في اليهود وفي رواية مسعود عند الحاكم وصححه الدارقطني وغيرهما أنه يمثل لكل من يعبد غير الله ما كانوا يعبدون من الشمس والقمر والأوثان ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير وإن كان يعبد المسيح شيطان المسيح فينطلقون معه إلى جهنم وفي رواية عن أبي هريرة عند الطبراني وأبي يعلى والبيهقي وغرهم أن يجعل ملكا من الملائكة على صورة عزير وملكا من الملائكة على صورة عيسى ابن مريم ويتبع هذا اليهود ويتبع هذا النصارى ثم تقودهم آلهتهم إلى النار وهم الذين يقولون لو كان هؤلاء آلة ما وردوها وكل فيها خالدون } رجعنا إلى رواية الصحيحين ﴿ حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين قال فماذا تنظرون يتبع كل أمة ما كانت قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا ﴾ أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقول نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم يكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية لتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه ٧إلا أذن له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد نفاقا ورياء إلا جعل الله ظهره واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يضرب الجسر على جهنم وفي رواية قيل يا رسول الله ما الجسر قال وحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحكمة تكون بنجد فيها شويكة يقال له السعدان وتحل الشفاعة ويقول الإنبياء اللهم سلم فيمر المصوفون كطرف العين وكالريح وكالطير وكجلود الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش في نار جهنم حتى إذا أخلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد منا شدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين لله لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ليخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا فيقول شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلاقيهم في نهر من أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما يخرج الحبة في حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم خواتم فيقول أهل الجنة عتقاء الرحمان أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه } ١ وقد وقع كشف الساق في حديث ابن مسعود عند الحاكم وغيره وفي رواية عن أبي هريرة في الصحيحين فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفونها، وقال اللالكائي في السنة والآجري في كتاب الروية عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في دار الدنيا فيذهب كل يوم إلى كل ما يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم وقد ذهب الناس فيقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا لم نره قال وتعرفونه إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقال لهم كيف تعرفونه ولم تروه قالوا إنه لا شبه له فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرجون له سجدا ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون فيقول الله تبارك وتعالى ارفعوا رؤسكم قد جعلت بدل كل رجل منكم بدلا من اليهود والنصارى٢ وهذه الأحاديث تدل على أن لله سبحانه تجليات على أنواع شتى منها تجليات صورته وذلك في عالم المثال وليس هي رؤية في الحقيقة كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام على صورة أمرد شاب شطط في رجليه نعلا ذهب وعند ذلك التجلي يقول القائلون في الموقف نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا ومنها ما يكون على غير شبه ومثال في الموقف وفيه شائبة من الظلية ولعل من هذا النوع ما أراد الله تعالى بقوله :﴿ يكشف عن ساق ﴾ الخ رآه المؤمنون الأبرار والفجار بلا حجاب كما ترون الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب والقمر ليلة البدر كما روينا من قبل ولا نصيب للكفار من هذا التجلي لقوله تعالى :﴿ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ١٥ ﴾٣ وقوله عليه السلام :( حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين ) الحديث إلى قوله :﴿ فيكشف عن ساق ﴾ والساق من المتشابهات كاليد والوجهه لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ما يكون في الجنة بلا شائبة الظلية المعبر عنها بقوله تعالى :﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾٤ ﴿ ويدعون ﴾ أي المؤمنون الأبرار والفجار إلى السجود وهذه الدعوة ﴿ إلى السجود ﴾ ليس من باب التكليف إذ ليس الآخرة أو تكليف بل هي دعوة طبيعية تقتضيه افتقار الحقيقة الإمكانية عند كشف سرادقات العظمة والجلال ما لم يمنع مانع﴿ فلا يستطيعون ﴾ أي العصاة منهم لصيرورة ظهرهم طبقة واحدة لما يحملون أوزارهم فالضمير راجع إلى بعض المدعوين إلى السجود دون الكل كما في قوله تعالى :﴿ وبعولتهن أحق بردهن ﴾ بعد قوله :﴿ والمطلقات ﴾ ٥ ويدل على هذه الأحاديث المذكورة فالذين لا يستطيعون السجود هم المؤمنون الذين لم يكونوا مصلين أصلا أو لم يكونوا مصلين بجماعة إلا اتقاء كأهل الهواء من الروافض وغيرهم أو كانوا يسجدون رياءا للناس من غير إخلاص في العمل. فإن قيل قد ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة وغيره فإذا لم يبق إلا المؤمنون وفيهم المنافقون جاءهم الله الحديث إلى قوله فيكشف لهم عن ساق ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم فيخرون ساجدين على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه ويجعل الله أصلا بهم كصياصي البقر قلنا : الظن بالمنافق هاهنا المنافق في الأعمال وفروع العقائد دون المنافق في أصول الاعتقادات إذ المنافق في أصول الاعتقادات أولئك هم الكافرون حقا بل أشد كفرا وهم في الدرك الأسفل من النار وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فكيف يكون لهم ذلك الكرامة من رؤية الله تعالى وقد ورد في الأحاديث لفظ المنافق في حق العصاة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من المنافق حتى يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) ٦ متفق عليه من حديث عبد الله ابن عمر وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا ﴿ آية المنافق ثلاث ﴾ رواه مسلم ﴿ وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب وإذا وعد خلف وإذا ائتمن خان ﴾
١ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير بابك ﴿عن الله لا يظلم مثقال ذرة﴾ ﴿٤٣٠٥﴾ وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: معرفة طريق الرؤية ﴿١٨٣﴾.
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان باب: معرفة طريق الرؤية ﴿١٨٣﴾.
٣ سورة المطففين الآية: ١٥.
٤ سورة يونس الآية: ٢٦.
٥ سورة البقرة: الآية: ٢٢٨.
٦ أخرجه البخاري في كتاب: الإيمان باب: علامة المنافق ﴿٣٤﴾ وأخرجه مسلم في كتناب الإيمان: باب: بيان خصال المنافق ﴿٥٨﴾.
﴿ خاشعة أبصارهم ﴾ الخشوع صفة للذوات أسند إلى الأبصار تجوزا لظهوره فيها ﴿ ترهقهم ذلة ﴾ أي يلحقهم ذلة ﴿ وقد كانوا يدعون إلى السجود ﴾ في الدنيا فلم يسجدوا كما أمرهم الله بالإخلاص ﴿ وهم سالمون ﴾ عن كون ظهورهم طبقة واحدة حال من فاعل يدعون الثاني وقوله تعالى :﴿ خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون ﴾ كلها أحوال من فاعل يدعون الأول وفي قوله تعالى :﴿ وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ﴾ تعليل لعدم استطاعتهم على السجود في الآخرة
﴿ فذرني ومن يكذب ﴾ معطوف على الضمير المنصوب في ذرني أو مفعول ﴿ بهذا الحديث ﴾ القرآن جملة فذرني معترضة لوعيد الكفار تسلية النبي صلى الله عليه وسلم ألا لا تغتم وكله إلى فإني أكفيك ﴿ سنستدرجهم ﴾ الضمير المنصوب راجع إلى من اعتبار بمعنى الدرج طي الكتاب والثوب بقال للمطوي درجي استعير الدرج للموت كما استعير الطي له كذا قال الجوهري وقال قوله تعالى : سنستدرجهم قيل معناه سنطويهم طي الكتاب عبارة عن إغفالهم وقيل معناه نأخذهم درجة فدرجة وذلك إدناهم من أمسى شيئا فشيئا كالمرائي والمنان والحاصل سنأخذهم بالعذاب بتدريج وإمهال ﴿ من حيث لا يعلمون ﴾ كيف يجبى العذاب بهم
﴿ وأملي لهم ﴾ أي أمهلهم ﴿ إن كيدي متين ﴾ قوي لا يطاق دفعه جملة مستأنفة والكيل المكر والحيلة وإظهار خلاف ما أضمر من السوء فالكيد من الله الانتقام بصورة الإنعام، قال الجوهري في قوله تعالى :﴿ إن كيدي متين ﴾ قال بعضهم أراد بالكيد العذاب والصحيح هو الإملاء والإمهال يعني ليس ما نعطيهم في الدنيا من النعم تفضلا لهم على المؤمنين كما زعموا بل كيدو استدراج لهم.
فائدة : من ارتكب المعصية فعوقب عليها بمعصية في الدنيا يرجى مغفرة ذنبه ومن ارتكب المعصية ثم يرى عليه ازدياد النعمة يخشى عليه المكر والاستدراج نعوذ بالله منه
﴿ أم تسألهم أجرا ﴾ على التبليغ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة معطوفة على قوله تعالى :﴿ أم لهم شركاؤا ﴾ وما بينهما معترضات ﴿ فهم من مغرم مثقلون ﴾ فيعرضون عنك بلا حجة دفعا للغرامة، الجملة الاسمية معطوفة بالفاء السببية على العقيلة أي تستلهم
﴿ أم عندهم الغيب ﴾ أي اللوح المحفوظ أو المغيبات ﴿ فهم يكتبون ﴾ منه ما يحكون جملة أم عندهم معطوفة على تسألهم ذكر الله سبحانه فيما سبق نفي الدليل التحقيقي العقلي والسمعي والتقليد الذي يستدلون به العوام وذكر هاهنا نفي الكشف عن المغيبات والإلهام الذي هو سبب لحصول العلم للخواص من الأنبياء والملائكة وبعض الأولياء فإن الله تعالى يكشف عليهم اللوح المحفوظ والمغيبات إذا شاء يعني ليس شيء مما ذكرنا عندهم فما يحكمون به ليس إلا باطلا لغوا
﴿ فاصبر ﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم على أذاهم فإنهم لا يقولون ما يقولون إلا بلا حجة ﴿ لحكم ربك ﴾ لقضائه بأخذ الكفار بالإمهال والاستدراج ولا تفجر ولا تعجل ﴿ ولا تكن كصاحب الحوت ﴾ في الضجر والاستعجال معطوف على فاصبرن قال وهب إن يوسف ابن متى عليه السلام كان عبدا صالحا وكان في خلق ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تضح تحتها تفسح الربع الحمل الثقيل بين يديه ويخرج هاربا منها فلذلك أخرجه الله من أولي العزم وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت، وقصته على ما ذكره ابن مسعود وسعيد ابن جبير ووهب أن الله تعالى أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل وهم مائة ألف أو يزيدون فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا فأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث فقالوا لم يحزب عليه كذبا فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس شيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مع بحكم فخرج يونس عليه السلام في جوف تلك الليل من بينهم فلما أصبحوا لفشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم على قدر ميل وغامت السماء غيما أسودها بل يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشى مدينتهم واسودت سطوحهم فلما رأوا ذلك تيقنوا بالهلاك فطلبوا يونس بينهم فلم يجدوه فقذف الله في قلوبهم التوبة فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والإنعام فحسن بعضهم إلى بعض وعلت أصواتها وتضرعوا إلى الله عز وجل وقالوا أمنا بما جاء به يونس فرحمهم ربهم واستجاب دعائهم فكشف عنهم العذاب بعدما أظلم وذلك يوم عاشوراء، وكان يونس قد خرج ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا وكان من كذب ولم يكن له بينة قبل فقال يونس عليه السلام كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتم فانطلق فأتى البحر فإذا قوم يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير أجر فوقعت السفينة لا ترجع لا يتقدم فقالوا إن لسفينتا لشأنا قال يونس عليه السلام قد عرفت شأنها ركبها رجل ذو خطيئة قالوا ومن هو قال أنا أقذفوني في البحر قالوا ما كنا نطرحك من هاهنا حتى نفداك في شأنها فاستهموا فاعترفوا ثلاث مرات فأدحض سهمه والحوت عند رجل السفينة فأغرقاه منتظرا أمر ربه فيه فقال يونس عليه السلام إنكم والله لتهلكن جميعا أو لتطرحوني فيها فقذفون فيه فانطلقوا وأخذته الحوت، وفي رواية ابن عباس أنه قال الملاحون حين احتبست السفينة هاهنا رجل عاص أو عبد آبق هذا رسم السفينة ومن رسمنا أن نقرع فاقترعوا ثلاثا ووقعت القرعة على يونس فألقى نفسه في الماء فابتلعه الحوت وابتلع هذا الحوت حوت آخر أكبر منه أوحى الله تعالى إلى الحوت إنا لم نجعل يونس لك قوتا إنما جعلنا بطنك حرزا ومسجدا وفي رواية سجنا وروى أنه أقام قبل القرعة وقال أنا العبد العاصي الآبق فقالوا لا نلقيك يا رسول الله حتى نستاهم فوجب القرعة عليه فألقى نفسه في الماء، وروي في القصة أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد أن يركب فقدم امرأته لتركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب وأخذ الابن الأصغر فريدا مركب آخر فركبه فاحتبست السفينة الخ، قال ابن مسعود وابتلعه الحوت فأهوى به إلى قرار الأرض السابقة وكان بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى فنادى في الظلمات أن لا إلاه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وذلك قوله تعالى :﴿ إذ نادى وهو مكظوم ﴾ أي حملوا غيظا لأجل الوقوع في المعصية والتعب والظرف المتعلق بمحذوف أي اذكر لا بالنهي لأن ندائه سبحانه أمر حسن لا يمكن أن يكون منهيا عنه بتقدير الكلام لا تكن كصاحب الحوت مستعجلا في عقوبة الكفار واذكر إذ نادى بالتوبة وهو مكظوم حيث لم يكظم الغيظ إلا لاستعجاله وعدم صبره
﴿ لولا ﴾ امتناعية ﴿ أن تداركه ﴾ فعل ماض بمعنى أدركه وحسن تذكير القول للفصل أو مضارع منصوب بحذف تاء التفاعل حكاية عن الحال الماضي مبتدأ بتأويل المصدر ﴿ نعمة ﴾ فاعل للفعل ﴿ من ربه ﴾ صفة له أي رحمته وتوفيق التوبة وقبولها وخبر المبتدأ محذوف تقديره لولا تدارك ونعمة ربه إياه موجود ﴿ لنبذ ﴾ جواب لولا ﴿ بالعراء ﴾ أي الأرض الخالية عن الشجر والبناء ﴿ وهو مذموم ﴾ حال من فاعل نبذ يعتمد عليه الجواب ويتوجه النفي إلى ذلك أي لولا الرحمة مذموما على عدم التثبت والخروج من أظهر القوم بغير إذن من الله وترك الأولى يعد ذنبا بالنسبة إلى الأنبياء لعظمة شأنهم وإن لم يكن ذنبا في الحقيقة منافيا للعصمة لكن تداركه الرحمة لما نادى الله تعالى وتاب فنبذ بالعراء وهو سقيم كما في سورة الصافات محمودا مرحوما، وقع في رواية العوفي وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة ونصفا من الأسباط وبقي سبطان ونصف فأوحى الله تعالى إلى شعيبا النبي أن أسر إلى حزقيا الملك وقل له حتى يوجهه متينا قويا فإني ألا في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه من بني إسرائيل وكان في مملكته خمسة من الأنبياء فدعى الملك ويونس فأمره أن يخرج فقال يونس أهل أمرك الله بإخراجي قال لا قال فهل سماني قال لا قال فهاهنا غيري أنبياء أقوياء فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا فأتى البحر الروم فركبها إلى آخر القصة
﴿ فاجتباه ربه ﴾ ورود الوحي إليه ﴿ فجعله من الصالحين ﴾ عطف على اجتباه أي جعله من الكاملين في الصلاح بالعصمة من أن يقول ما تركه أولى لا بد للصوفي العبر على إيذاء الخلق ولا يجوز له أن يدعو على من أنكره فإن الله سبحانه وتعالى لم يأذن بالدعاء على الكفار وأمر بالصبر فكيف على منكر الولي من المؤمنين والله أعلم،
قال البغوي أراد الكفار أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فنظر إليه قوم من قريش قالوا ما رأينا مثله ومثل حججه وقيل كانت العين من بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول ويا جارية خذ المكتل والدرهم نايتنا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحرن وقال الكلبي كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ثم يرجع خبائه فتمر به الإبل والغنم فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما يذهب قليلا إلا يسقط منها طائفة وعدة فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل مثل ذلك فعصم الله نبيه وأنزل ﴿ وإن ﴾ مخففة من المثقلة يدل عليه اللام في الخبر ﴿ يكاد الذين كفروا ليزلقونك ﴾ خبر يكاد قرأ نافع بفتح الياء من المجرد والباقون بالضم من الإفعال وهما لغتان يقال زلق يزلقه إزلاقا ومعناه ينفذ ذلك يقال ينفذ ذلك يقال زلق ألسنتهم إذا نفذ، قال السدي يصيبونك بعيونهم وقيل يزلقونك وقال الكلبي يصرعونك ﴿ بأبصارهم ﴾ متعلق بيزلقون وكذا قوله :﴿ لما سمعوا الذكر ﴾ عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم :( إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ) أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عدي عن أبي ذر نحوه رواه ابن عدي وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ﴿ العين حق ﴾ وعند أحمد ومسلم عن ابن عباس ( العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا ) وفي رواية عن أبي هريرة :( العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم ) وعن عبيد ابن رفاعة أن أسماء بنت عريس قالت يا رسول الله إن بني جعفر يصيبهم العين فاسترق لهم قال :( نعم فلو كان شيء يسبق القضاء يسبقه العين ) رواه البغوي والله تعالى أعلم، وقال ابن قتيبة ليس الله يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما نصيب العائن بعينه أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يقسطك يقال نظر إلى نظرا يكاد يصرعني ونظيرا يكاد يأكلني كناية عن العداوة ويدل على صحة هذا المعنى تقييده بسماع القرآن فإنهم كانوا عند ذلك كارهين أشد الكراهة ويجدون إليه النظر بالبغضاء ﴿ ويقولون ﴾ إذ يسمعونه يقرأ القرآن ﴿ إنه لمجنون ﴾ جملة يقولون معطوفة على معنى عن يكاد الذين كفروا
﴿ وما هو ﴾ أي القرآن ﴿ إلا ذكر ﴾ موعظة ﴿ للعالمين ﴾ يعني ما هو بمكنون والقرآن ليس مما يتكلم به المجانين بل القرآن ذكر عام لا يدركه ولا يناطاه إلا من كان من أكمل الناس وامتنهم رأيا قال شيخي وإمامي مولانا يعقوب الكرخي يحتمل أن يكون الضمير هو راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي ما هو أي النبي إلا ذكر أي مذكر للعالمين على طريق زيد عدل، عن حنظلة قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول ؟ قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسنينا كثيرا، قال أبو بكر إنا لنلقي مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نافق حنظلة يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك ؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأن رأي عين فإذا أخرجنا من عندك عافسناء الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث١ مرات رواه مسلم.
فائدة : وهذه علامة أولياء الله تعالى أن الله يذكر برؤيتهم وذكرهم وقد ورد في بعض الأخبار المرفوعة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل من أولياء الله تعالى قال الذين إذا رأوا ذكر الله ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : إن أوليائي من عبادي الذين يذكرون بذكرى واذكر بذكرهم٢ والله تعالى أعلم.
فائدة : قال الحسن دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان ﴿ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك ﴾ الآية والله تعالى أعلم بالصواب.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الطب باب: العين حق ﴿٥٤٠٨﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: السلام، باب: الطب والمرض والرقى ﴿٢١٨٧﴾.
٢ رواه أحمد والطبراني وفيه رشدين ابن سعد وهو ضعيف انظر مجمع الزوائد في كتاب الإيمان باب: الحب لله والبغض لله ﴿٣٠٣﴾.
Icon