تفسير سورة الواقعة

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سورة الواقعة
مكية بإجماع من يعتد به من المفسرين، وقيل: فيها بعض آيات مدنية، وليس بثابت، وآيها: ست وتسعون آية، وحروفها: ألف وسبع مئة وثلاثة أحرف، وكلمها ثلاث مئة وثمان وسبعون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١)﴾.
[١] ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ قامت القيامة، وسماها واقعة؛ لتحقق وقوعها، وتنصب (إذا) بمضمر مثل (اذكرْ)، وقال بعض المفسرين: الواقعة: صخرة بيت المقدس تقع عند القيامة (١).
...
﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (٢)﴾.
[٢] ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا﴾ لمجيئها ﴿كَاذِبَةٌ﴾ كذب؛ يعني: أنها تقع صدقًا.
...
(١) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٣٨)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (٨/ ٢٠٢)، و"روح المعاني" للآلوسي (٢٧/ ١٢٩)، قال ابن عطية: وهذا ضعيف. وقال الألوسي: وليس بشيء.
﴿خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (٣)﴾.
[٣] ﴿خَافِضَةٌ﴾ قومًا إلى النار ﴿رَافِعَةٌ﴾ آخرين إلى الجنة.
...
﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)﴾.
[٤] وتبدل من ﴿إِذَا وَقَعَتِ﴾ ﴿إِذَا رُجَّتِ﴾ حُرِّكت ﴿الْأَرْضُ رَجًّا﴾ تحريكًا شديدًا.
...
﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)﴾.
[٥] ﴿وَبُسَّتِ﴾ فُتِّتتْ ﴿الْجِبَالُ بَسًّا﴾ فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول.
...
﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (٦)﴾.
[٦] ﴿فَكَانَتْ هَبَاءً﴾ أي (١): غبارًا ﴿مُنْبَثًّا﴾ متفرقًا كالذي يرى في شعاع الشمس.
...
﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧)﴾.
[٧] ﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا﴾ أصنافًا ﴿ثَلَاثَةً﴾.
...
(١) "أي" ساقطة من "ت".
﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨)﴾.
[٨] ثم فسر الأزواج فقال: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ الذين يؤتَون كتبَهم بأيمانهم، ثم عَجَّب نبيه - ﷺ - فقال:
﴿مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ كأنه قال: ماهم، وأي شيء هم؟! وقوله (فأصحابُ الميمنةِ) ابتداء، و (ما) ابتداء ثان، وأصحاب الميمنة خبر (ما)، والجملة خبر الابتداء الأول، في الكلام معنى التعظيم؛ كما تقول: زيد و (١) ما زيد؟!
...
﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾.
[٩] ﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ الذين يؤتَونها بشمالهم.
﴿مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ وهم الذين يؤخذ بهم ذاتَ الشمال إلى النار، والعرب تسمي اليد اليسرى: الشؤم (٢)، ومنه سمي الشام واليمن؛ لأن اليمن عن يمين الكعبة، والشام عن شمالها.
...
﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾.
[١٠] ﴿وَالسَّابِقُونَ﴾ إلى الإيمان من كل أمة هم ﴿السَّابِقُونَ﴾ إلى الجنة.
...
(١) "و" ساقطة من "ت".
(٢) في "ت": "الشومى".
﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)﴾.
[١١] ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ إلى الله.
**
﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ قد أُعليت مراتبُهم.
...
﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿ثُلَّةٌ﴾ جماعة كثيرة غير محصورة العدد ﴿مِنَ الْأَوَّلِينَ﴾ أي: من الأمم الماضية من لدن آدم -عليه السلام- إلى زمان نبينا محمد - ﷺ -، واشتقاقها من الثَّلِّ، وهو القطع.
...
﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ يعني: أمة محمد - ﷺ -، ولا يخالف ذلك قوله -عليه السلام-: "إِنَّ أمتي يكثرون سائرَ الأُمم" (١)؛ لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثرُ من سابقي هذه الأمة، وتابعو هذه أكثر من تابعيهم، ولا يرده قوله في أصحاب اليمين: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ لأن كثرة الفريقين لا ينافي أكثرية أحدهما، وروي مرفوعًا أنهما من هذه الأمة، وقيل: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ﴾ يعني: الأنبياء من آدم إلى محمد، ﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ يعني: الصحابة؛ لأن الأولين هم الأنبياء السابقون، وهم مئة
(١) قال المناوي في "الفتح السماوي" (٣/ ١٠٢٢): لم أقف عليه.
ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، فالصحابة بالنسبة إليهم قليل، وهذا قول حسن صحيح للمناظرة، المعنى: جماعة من المتقدمين والمتأخرين.
...
﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾ منسوجة بالذهب مشتبكة بالدرِّ والياقوت.
...
﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ﴾ حالان من الضمير في (عَلَى). قرأ أبو جعفر: (مُتَّكِينَ) بإسكان الياء بغير همز، والباقون: بالهمز (١).
...
﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ للخدمة ﴿وِلْدَانٌ﴾ غلمان ﴿مُخَلَّدُونَ﴾ مبقَون معهم.
...
﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿بِأَكْوَابٍ﴾ الكوب: إناء لا عروة ولا خرطوم له ﴿وَأَبَارِيقَ﴾ هي آنية لها ذلك ﴿وَكَأْسٍ﴾ يشربونها من خمر جارية ﴿مِنْ مَعِينٍ﴾ منبع لا ينقطع أبدًا.
...
﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿لَا يُصَدَّعُونَ﴾ لا يفرَّقون ﴿عَنْهَا﴾ بسكر ولا غيره كخمر الدنيا.
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٥٦).
﴿وَلَا يُنْزِفُونَ﴾ قرأ الكوفيون: بكسر الزاي؛ أي: لا يَنْفَد شربهم (١)، وقرأ الباقون: بالفتح (٢)؛ أي: لا تغلبهم على عقولهم.
...
﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ أي: يختارون.
...
﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ يتمنون، قال ابن عباس: "يخطر على قلبه لحمُ الطير، فيصير بين يديه على ما اشتهى (٣) " (٤).
...
﴿وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ قرأ حمزة، والكسائي، وأبو جعفر: بخفض الاسمين عطفًا على (جَنَّاتِ النَّعِيمِ)؛ أي: هم في جنات النعيم، ومحادثةِ حور عين، وقرأهما الباقون: بالرفع (٥)؛ أي: وعندهم حورٌ عين وتفسير حور عين (٦) أي: بِيضٌ ضِخامُ العيون.
(١) في "ت": "شرابهم".
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٦٤ - ٦٥).
(٣) في "ت": "أشهى".
(٤) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٣٠٤).
(٥) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣٠٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٦٥).
(٦) "وتفسير حور عين" ساقط من "ت".
﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ المخزونُ في الصدف، وخص المكنون من اللؤلؤ؛ لأنه أصفى لونًا، وأبعدُ عن الغير. وتقدم مذهب أبي جعفر، وأبي عمرو في إبدال همزة (اللُّؤلُؤ) في سورة الرحمن [الآية: ٢٢].
...
﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي: إن هذه الرتب والنعم هي لهم بحسب أعمالهم؛ لأنه روي أن المنازل والقسم في الجنة هي منقسمة على قدر الأعمال، ونفس دخول الجنة هو برحمة الله وفضله، لا بعمل عامل.
...
﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ باطلًا ﴿وَلَا تَأْثِيمًا﴾ إثمًا؛ أي: ما يُحدث الإثم.
...
﴿إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿إِلَّا قِيلًا﴾ استثناء منقطع؛ أي: قولًا، وتبدل من (قِيلًا).
﴿سَلَامًا سَلَامًا﴾ أي: يفشون السلام بينهم، ويسلمون سلامًا بعد سلام، فلا يسمع إلا السلام.
***
﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ هم المسلمون.
...
﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿فِي سِدْرٍ﴾ هو شجر النبق ﴿مَخْضُودٍ﴾ لا شوكَ فيه.
...
﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩)﴾.
[٢٩] ﴿وَطَلْحٍ﴾ هو الموز في قول أكثر المفسرين ﴿مَنْضُودٍ﴾ متراكم بالثمرة من أسفله إلى أعلاه.
...
﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ أي دائم.
...
﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)﴾.
[٣١] ﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ﴾ يجري على الأرض أين شاؤوا بلا تعب.
...
﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢)﴾.
[٣٢] ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ﴾ كثيرة الأجناس.
***
﴿لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿لَا مَقْطُوعَةٍ﴾ في زمن ﴿وَلَا مَمْنُوعَةٍ﴾ عنهم.
...
﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤)﴾.
[٣٤] ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ على الأسرة، في الحديث: "ارتفاعُها كما بينَ السماء والأرض" (١).
...
﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥)﴾.
[٣٥] ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ﴾ ابتدأنا خلقهن، في الحديث: "هم اللواتي قُبضن في دار الدنيا عجائزَ شُمْطًا رُمْصًا" (٢) ﴿إِنْشَاءً﴾ خلقًا جديدًا.
...
(١) رواه الترمذي (٣٢٩٤)، كتاب: صفة الجنة، باب: ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٧٥)، وابن حبان في "صحيحه" (٧٤٠٥) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الترمذي: وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رِشدين بن سعد.
(٢) رواه الترمذي (٣٢٩٦)، كتاب: التفسير، باب: ومن تفسير سورة الواقعة، من حديث أنس، بلفظ: "إن من المنشآت التي كن في الدنيا عجائز عمشًا رمصًا"، قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرقاشي يضعفان في الحديث.
﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ﴾ بعد أن كنَّ عجائزَ ﴿أَبْكَارًا﴾ عذارى، كلما أتاهن أزواجهن، وجدوهن أبكارًا، ولا وجع ثَمَّ.
...
﴿عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿عُرُبًا﴾ قرأ حمزة، وخلف، وأبو بكر عن عاصم: بإسكان الراء تخفيفًا، والباقون: بضمها على الأصل (١)، وهي جمع عَروب؛ أي: عواشق متحببات لأزواجهن ﴿أَتْرَابًا﴾ جمع تِرْب؛ أي: مستويات في السن، بنات ثلاث وثلاثين، وسن أزواجهن كذلك.
قال - ﷺ -: "يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جِعادًا مُكَحَّلين، أبناءَ ثلاث وثلاثين، على طول آدم، طوله ستون ذراعًا في سبعة أذرع" (٢).
وروي أن الرجل يرى وجهه في وجه زوجته؛ لصفائه.
وقيل: الضمير عائد على الحور العين المذكورات قبل، قال ابن عطية: وهذا فيه بعد؛ لأن تلك قصة قد انقضت جملة (٣).
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٠٢)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣٠٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٦٧).
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٢٩٥)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٤٠٠٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه الترمذي (٢٥٤٥)، كتاب: صفة الجنة، باب: ما جاء في سن أهل الجنة، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه بلفظ نحوه.
(٣) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٤٤).
﴿لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ هم المسلمون، واللام صلة (أَنْشَأْنَاهُنَّ).
...
﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ﴾.
[٣٩] ﴿ثُلَّةٌ﴾ جماعة ﴿مِنَ الْأَوَّلِينَ﴾.
...
﴿وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)﴾.
[٤٠] ﴿وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾ وهاتان الفرقتان في أمة محمد - ﷺ -، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - ﷺ - أنه قال: "الثلتان من أمتي" (١)، فعلى هذا: التابعون بإحسان، ومن جرى مجراهم ثلة أولى، وسائر الأمة ثلة أخرى في آخر الزمان، وقيل: الأولون سالف الأمم منهم جماعة عظيمة أصحاب يمين، والآخرون هذه الأمة منهم جماعة عظيمة أهل يمين، قال ابن عطية: بل جميعهم إلا من كان من السابقين (٢).
...
﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾ هم الكفار.
...
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٧/ ١٩١) وقال: من وجه غير صحيح.
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٤٥).
﴿فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿فِي سَمُومٍ﴾ ريح حارة من النار تنفذ في المسام ﴿وَحَمِيمٍ﴾ ماء في غاية الحر.
...
﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)﴾.
[٤٣] ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ﴾ دخان أسود.
...
﴿لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿لَا بَارِدٍ﴾ كغيره من الظلال ﴿وَلَا كَرِيمٍ﴾ حسن.
...
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ في الدنيا ﴿مُتْرَفِينَ﴾ منعَّمين.
...
﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦)﴾.
[٤٦] ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ﴾ يقيمون.
﴿عَلَى الْحِنْثِ﴾ الذنب ﴿الْعَظِيمِ﴾ بجعل الشريك لله تعالى.
...
﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ محشورون،
قالوا ذلك على طريق الإنكار والتعجب. واختلف القراء في (أَئِذَا) (أَئِنَّا)، فقرأ نافع، وأبو جعفر، والكسائي، ويعقوب؛ بالاستفهام في الأول، والإخبار في الثاني، وقرأ الباقون: بالاستفهام فيهما، وهم على أصولهم في التحقيق والتسهيل، وإدخال الألف كما تقدم في سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ واختلفوا في كسر الميم وضمها من (متنا)، فقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: بالكسر، والباقون: بالضم (١).
...
﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨)﴾.
[٤٨] ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ الأقدمون، وتقدم تفسيره، ومذاهب القراء فيه، وتوجيه قراءتهم في سورة الصافات.
...
﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩)﴾.
[٤٩] ثم أمر الله نبيه أن يُعْلِمهم بأن العالم محشور مبعوث إلى يوم القيامة، فقال: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ﴾.
...
﴿لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)﴾.
[٥٠] ﴿لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ﴾ وقت ﴿يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ هو يوم القيامة.
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٦٨).
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١)﴾.
[٥١] ثم خاطب أهل مكة بقوله: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ﴾ بالبعث.
...
﴿لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢)﴾.
[٥٢] ﴿لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ﴾ (مِنْ) الأولى لابتداء الغاية، والثانية لبيان الجنس، وتقدم ذكر شجرة الزقوم في سورة الصافات.
...
﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣)﴾.
[٥٣] ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا﴾ من جماعة الشجر، و (مِنْ) للتبعيض ﴿الْبُطُونَ﴾ من شدة الجوع. قرأ أبو جعفر: (فَمَالُونَ) بضم اللام بغير همز، والباقون: بكسر اللام والهمز.
...
﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤)﴾.
[٥٤] ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ﴾ على الزقوم؛ لغلبة العطش ﴿مِنَ الْحَمِيمِ﴾ الماء الحار.
...
﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)﴾.
[٥٥] ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر، وعاصم، وحمزة:
(شُرْبَ) بضم الشين اسم للمشروب، والباقون: بالفتح على المصدر (١)، و (الهيم): إبل يصيبها داء يقال له الهيام، تشرب الماء فلا تروى، ولا تزال تشرب حتى تهلك.
...
﴿هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)﴾.
[٥٦] ﴿هَذَا نُزُلُهُمْ﴾ رزقهم المعَدُّ لهم ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ يوم الجزاء بأعمالهم.
...
﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (٥٧)﴾.
[٥٧] ثم احتج عليهم في البعث بقوله: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا﴾ فهلَّا (٢) ﴿تُصَدِّقُونَ﴾ بالبعث؛ لأنكم إذا نظرتم النظر الصحيح، علمتم أن القادر على الإنشاء قادرٌ على الإعادة.
...
﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨)﴾.
[٥٨] ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ﴾ تَصُبُّون في أرحام النساء من المني الذي يكون منه الولد.
...
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣١١)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٦٩).
(٢) "فهلا" زيادة من "ت".
﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩)﴾.
[٥٩] ﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ﴾ تجعلون المني بشرًا ﴿أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ واختلاف القراء في الهمزتين من (أَأَنْتُمْ) في الأحرف الأربعة كاختلافهم فيهما من (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بآلِهَتِنَا) في سورة الأنبياء [الآية: ٦٢].
...
﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠)﴾.
[٦٠] ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا﴾ قرأ ابن كثير بتخفيف الدال، والباقون: بتشديدها (١)، وهما لغتان؛ أي: قضينا.
﴿بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ وأَقَّتنا موتَ كلٍّ بوقت معين ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ بعاجزين.
...
﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١)﴾.
[٦١] ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ﴾ أي: نجعل ﴿أَمْثَالَكُمْ﴾ مكانكم ﴿وَنُنْشِئَكُمْ﴾ نخلقكم.
﴿فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ من أوصاف لا يصلُها علمُكم، ولا يحيط بها فكركم، قال الحسن: من كونهم قردة وخنازير، تأول هذا؛ لأن الآية تنحو إلى الوعيد (٢).
...
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٢٣)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣٠٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٧١).
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٢٤٨).
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)﴾.
[٦٢] ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾ الخلق في الرحم. وتقدم اختلاف القراء في (النَّشْأَة) في سورة العنكبوت [الآية: ٢٠].
﴿فَلَوْلَا﴾ فهلَّا ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ تعتبرون فتؤمنون. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (تَذْكُرُون) بتخفيف الذال، والباقون: بتشديدها (١).
...
﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣)﴾.
[٦٣] ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ﴾ تثيرون من الأرض، وتلقون فيها من البذر.
...
﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)﴾.
[٦٤] ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ﴾ تنبتونه ﴿أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ المنبِتون.
...
﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥)﴾.
[٦٥] ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ فُتاتًا ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ تعجبون. قرأ البزي عن ابن كثير بخلاف عنه: (فَظَلْتُمُ تّفَكَّهُونَ) بتشديد التاء.
...
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٠٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٧١).
﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦)﴾.
[٦٦] ﴿إِنَّا﴾ قرأ أبو بكر عن عاصم: (أَئِنَّا) بهمزتين محققتين، إحداهما استفهام إنكار للعذاب الواقع بهم، وقرأ الباقون: بهمزة واحدة إخبار بمعنى الإنكار والجحود أيضًا، والقول مضمر على القراءتين؛ أي: يقولون: إنا (١).
﴿لَمُغْرَمُونَ﴾ معذَّبون، والغرام: العذاب.
...
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)﴾.
[٦٧] ﴿بَلْ نَحْنُ﴾ قوم ﴿مَحْرُومُونَ﴾ ممنوعون من الرزق.
...
﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨)﴾.
[٦٨] ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ﴾ العذبَ ﴿الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ أي: تشربونه.
...
﴿أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩)﴾.
[٦٩] ﴿أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾ السحاب ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ بقدرتنا.
...
﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (٧٠)﴾.
[٧٠] ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ شديد الملوحة، وتثبت اللام جوابًا (٢) لـ (لو)
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٢٤)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣٠٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٧٢).
(٢) في "ت": "وجوبًا".
في (لَجَعْلنَاهُ حُطَامًا)، وحذفت في هذا الحرف اختصارًا؛ لدلالة الموجودة عليها.
﴿فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ هذه النعمَ.
...
﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)﴾.
[٧١] ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ تقدحونها من زندكم.
...
﴿أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢)﴾.
[٧٢] ﴿أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا﴾ التي يُقدح منها النار، وهي المرخ والعفار، وتقدم ذكرهما في آخر سورة (يس) ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾ الشجرةَ. قرأ أبو جعفر: (الْمُنْشُونَ) بإسكان الواو بغير همز، والباقون: بالهمز (١).
...
﴿نحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣)﴾.
[٧٣] ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا﴾ أي: النارَ ﴿تذْكِرَةً﴾ لنار جهنم.
﴿وَمَتَاعًا﴾ منفعة ﴿لِلْمُقْوِينَ﴾ أي: المسافرين الذين ينزلون القواء، وهي القفر.
...
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٣٩٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٧٢).
﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾.
[٧٤] ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ الباء زائدة؛ أي: نَرِّه ربك.
﴿الْعَظِيمِ﴾ والعظيم صفة للاسم، أو الرب.
...
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥)﴾.
[٧٥] ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ معناه: أقسم، و (لا) زائدة، وقيل: قوله: (فلا) رد لما قاله الكفار في القرآن أنه سحر وشعر وكهانة، معناه: ليس الأمر كما يقولون، ثم استأنف القسم فقال: أقسم.
﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ قرأ السوسي عن أبي عمرو: (أُقْسِمْ) بإسكان الميم عند الباء حيث وقع، وتقدم الكلام عليه في الكهف، وقرأ حمزة والكسائي (١) وخلف: (بِمَوْقِعِ النُّجُومِ) بإسكان الواو من غير ألف على التوحيد، والباقون: بفتح الواو وألف بعدها على الجمع (٢)، والمراد: نجوم القرآن حين نزلت فإنه كان ينزل على رسول الله - ﷺ - متفرقًا نجومًا، وهذا قول ابن عباس، وقال جماعة: المراد: مغارب النجوم ومساقطها.
...
﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)﴾.
[٧٦] ثم اعترض بين القسم وجوابه بموصوف وصفته، وهو:
(١) "الكسائي" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠٧)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٣١٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٧٣).
﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ﴾ ثم اعترض بين الموصوف وصفته بقوله: ﴿لَوْ تَعْلَمُونَ﴾ لأن صفته ﴿عَظِيمٌ﴾.
...
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)﴾.
[٧٧] وجواب القسم: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ على الله؛ لكثرة ما فيه من التنزيه والمواعظ والأحكام.
...
﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)﴾.
[٧٨] ﴿فِي كِتَابٍ﴾ صفة قرآن ﴿مَكْنُونٍ﴾ مَصون، وهو اللوح المحفوظ.
...
﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)﴾.
[٧٩] ﴿لَا يَمَسُّهُ﴾ أي: ذلك الكتابَ المكنونَ ﴿إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ وهم الملائكة عليهم السلام الموصوفون بالطهارة، وقيل: قوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ﴾ إخبار مضمنه النهي، وضمة السين تعود إلى القرآن؛ أي: لا يمس المصحف من بني آدم إلا الطاهرُ من الكفر والجنابة والحدث الأصغر، وضعَّفَ ابن عطية هذا القول (١).
وأما حكم مسِّ المصحف بعلاقة (٢)، فقال أبو حنيفة: يجوز للجنب والمحدث والحائض حمل المصحف بعلاقة (٣)، ولا بأس أن يمسه
(١) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٢٥٢).
(٢) "بعلاقة" ساقطة من "ت".
(٣) "بعلاقة" زيادة من "ت".
519
بكمه، وقال مالك: لا يجوز لمحدث حدث الوضوء فما فوقه أن يمس المصحف، ولا يحمله بعلاقته، ولا على وسادة، ولا بأس بحمله (١) في خرجه وعدله، ولا بأس بحمل الصبيان المصاحف على غير طهارة، ولا تمسه حائض، وقال الشافعي: يحرم بالحدث والجنابة حمل المصحف، ومسُّ ورقه، وكذا جلده، وخريطة وصندوق فيهما مصحف، وما كتب لدرس قرآن؛ كلوح، والصبي المحدث لا يمنع، ويباح قلب ورقه بعود، وحمله في أمتعة، ويحرم بالحيض ما يحرم بالجنابة، وقال أحمد: يحرم على المحدث والجنب مس المصحف وبعضِه من غير حائل، حتى جلده وحواشيه (٢)، وهو أشبه؛ لشمول اسم المصحف له، وله حمله بعلاقته، وفي غلافه، وفي كمه، وتصفحه به، وبعود، ومسه من وراء حائل، ويباح لصغير مس لوح فيه قرآن، وحكمه في المصحف كالرجل، ولا تمسسه حائض مطلقًا.
وأما قراءة القرآن للجنب والحائض، فقال أبو حنيفة: لا يجوز للجنب قراءة القرآن، ولا بأس أن يقرأ شيئًا منه ولا يريد به القرآن؛ كالبسملة، والحمدلة، والحائض كالجنب، وقال مالك: لا يجوز للجنب أن يقرأ الكثير من القرآن، ولا بأس بقراءة اليسير؛ كالآية والآيتين ونحوهما، وعنه في قراءة الحائض روايتان: المشهور جواز القراءة لها، وقال الشافعي: يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن، ويحل أذكاره بغير قصد قرآن، وقال أحمد: يجوز للجنب قراءة بعض آية، ولو كرر، ما لم يتحيل (٣)
(١) "بحمله" زيادة من "ت".
(٢) "وحواشيه" زيادة من "ت".
(٣) في "ت": "يحتمل".
520
على قراءة محرم عليه، وله قولٌ ذكر وما وافق قرآنًا ولم يقصده، ويحرم على الحائض مطلقًا.
...
﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)﴾.
[٨٠] ﴿تَنْزِيلٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف؛ أي: القرآن منزَّلٌ.
﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ سمي المنزل تنزيلًا على اتساع اللغة، كما يقال للمقدور: قَدَر، وللمخلوق: خَلْق، على قول من يجيزه، وتقدم الكلام في ذلك في سورة الزمر.
...
﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١)﴾.
[٨١] ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ أي: القرآن.
﴿أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ متهاونون مكذبون، وأصله الجري في الباطل خداعًا.
...
﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)﴾.
[٨٢] ونزل لما قيل: مطرنا بنوء كذا: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ شكركم.
﴿أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ أي: تجعلون شكر رزقكم التكذيبَ.
قال - ﷺ -: "ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريقٌ من الناس بها كافرين، ينزل الله الغيث، فيقولون: بكوكب كذا وكذا" (١)، فالسنة أن يقول: مُطرنا بفضل الله وبرحمته.
(١) رواه مسلم (٧٢)، كتاب: الإيمان، باب: بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣)﴾.
[٨٣] ﴿فَلَوْلَا﴾ فهلَّا ﴿إِذَا بَلَغَتِ﴾ الروحُ ﴿الْحُلْقُومَ﴾ الحلقَ.
...
﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤)﴾.
[٨٤] ﴿وَأَنْتُمْ﴾ يا حاضري الميت ﴿حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ إليه ولا تنفعونه.
...
﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥)﴾.
[٨٥] ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾ علمًا وقدرة منكم ﴿وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ الملائكة.
...
﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦)﴾.
[٨٦] ﴿فَلَوْلَا﴾ كررت للتأكيد ﴿إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ مملوكين أذلاء.
...
﴿تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٨٧)﴾.
[٨٧] ﴿تَرْجِعُونَهَا﴾ أي: تردون الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم.
﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فيما تدعون من عدم القدرة عليكم، فأجاب عن قوله: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ وعن قوله: ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ بجواب واحد، ومثلُه قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: ٣٨] أجيبا بجواب واحد.
﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨)﴾.
[٨٨] ثم بين طبقات الخلق عند الموت، وبين درجاتهم، فقال: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ﴾ الميتُ ﴿مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ إلى رحمة الله تعالى.
...
﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (٨٩)﴾.
[٨٩] وجواب (أَمّا): ﴿فَرَوْحٌ﴾ قرأ رويس عن يعقوب: (فَرُوحٌ) بضم الراء؛ أي: فله حياة طيبة لا موت فيها، وقرأ الباقون: بالفتح (١)؛ أي: فله راحة من كل تعب.
﴿وَرَيْحَانٌ﴾ رزق طيب ﴿وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ ذات تنعم، وقف ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب: (وَجَنَّهْ) بالهاء.
...
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠)﴾.
[٩٠] ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ﴾ الميتُ [﴿مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾.
...
﴿فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾.
[٩١] ﴿فَسَلَامٌ لَكَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ أي: سلامة لك من الاغتمام لهم، فلا ترى فيهم إلا السلامة من العذاب] (٢).
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٣١٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٨٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٧٤ - ٧٥).
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢)﴾.
[٩٢] ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ﴾ الميت ﴿مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ﴾ وهم الكفار أصحاب الشمال والمشأمة.
...
﴿فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣)﴾.
[٩٣] ﴿فَنُزُلٌ﴾ هو أول شيء يُقدم للضيف ﴿مِنْ حَمِيمٍ﴾.
...
﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤)﴾.
[٩٤] ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ قرأ أبوعمرو: (وَتَصْلِيَة جَّحِيمٍ) بإدغام التاء في الجيم (١)، والتصلية: أن يباشر بهم النار، والجحيم: معظم النار وحيث تراكمها.
...
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)﴾.
[٩٥] ولما كمل تقسيم أحوالهم، وانقضى الخبر بذلك، أكد تعالى الأخبار بأن قال لنبيه - ﷺ - مخاطبة تدخل معه أمته فيها:
﴿إِنَّ هَذَا﴾ الذي أخبرنا به ﴿لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ عبارة فيها مبالغة؛ لأنها بمعنى واحد؛ كما تقول في أمر تؤكده: هذا يقين اليقين، أو صواب
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٦٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٧٥).
الصواب؛ بمعنى: أنه نهاية الصواب، فهي عبارة مبالغة وتأكيد، معناها: أن هذا الخبر هو نفس اليقين وحقيقته.
...
﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)﴾.
[٩٦] ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ هذه عبارة تقتضي الأمر بالإعراض عن أقوال الكفار، وسائر أمور الدنيا المختصة بها، وبالإقبال على أمور الآخرة، وعبادة الله والدعاء إليه.
وروي أنه لما نزل ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ قال - ﷺ -: "اجعلوها في ركوعكم، فلما نزل ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال: اجعلوها في سجودكم" (١)، وكان - ﷺ - يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى" (٢).
واختلف الأئمة في ذلك، فقال أحمد: هو واجب تبطل الصلاة بتركه عمدًا، ويسجد لتركه سهوًا، والواجب عنده مرة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث، وقال أبو حنيفة والشافعي: هو سنة، وقال مالك: يكره لزوم ذلك؛
(١) رواه أبو داود (٨٦٩)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، وابن ماجه (٨٨٧)، كتاب: الصلاة، باب التسبيح في الركوع والسجود، من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.
(٢) رواه أبو داود (٨٧١)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، والترمذي (٢٦٢)، كتاب: الصلاة، باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود، والنسائي (١٠٠٨)، كتاب: الافتتاح، باب: تعوذ القارئ إذا مرَّ بآية عذاب، من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
525
لئلا يعد واجبًا فرضًا، والاسم هنا بمعنى الجنس؛ أي: بأسماء ربك، والعظيم: صفة الرب.
روي عن النبي - ﷺ - أنه قال: "من داومَ على قراءةِ سورة الواقعة لم يفتقرْ أبدًا" (١)، قال ابن عطية: فيها ذكر القيامة، وحظوظ الناس في الآخرة، وفهم ذلك غنىً لا فقر معه، ومن فهمه، شغل بالاستعداد (٢)، والله أعلم.
...
(١) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٢٤٩٧)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٣٣/ ١٨٨)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال البيهقي: تفرد به شجاع أبي طيبة.
والحديث إسناده ضعيف، ومتنه منكر. وانظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٣/ ٤١٣ - ٤١٤) وبيان وجوه ضعف هذا الحديث.
(٢) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٣٨).
526
Icon