ﰡ
وتسمى سورة ن، مكية، اثنتان وخمسون آية، ثلاثمائة كلمة، ألف ومائتان وستة وخمسون حرفا
ن أقسم الله بالنون، وهي السمكة التي تحمل الأرضين على ظهرها، واسمها:
ليواش، وهي في الماء تحت الأرض السفلى وتحتها الثور، واسمه: يهموت وتحته الصخرة، وتحتها الثرى، ولا يعلم ما تحته إلا الله تعالى وهذا مروي عن ابن عباس. وقيل: إنه تعالى أقسم بالحوت الذي احتبس يونس عليه السلام في بطنه، وقيل: إنه تعالى أقسم بالحوت الذي لطخ سهم نمروذ بدمه. والقول الثاني: وهو مروي أيضا عن ابن عباس أن النون هو الدواة، وعلى هذا أقسم الله تعالى بالدواة والقلم، فإن المنفعة بهما عظيمة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة»
«١». وَالْقَلَمِ أقسم الله بالقلم وهو قلم من نور، طوله كما بين السماء والأرض، وَما يَسْطُرُونَ (١) أي وما كتب الملائكة في صحفهم يكتبون فيها المقادير التي تنفع في العالم، ينتسخون ذلك من اللوح المحفوظ، ما أَنْتَ يا أكرم الخلق بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) أي أنت بريء من الجنون ملتبسا بنعمة الله التي هي النبوة والرئاسة العامة.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلّى الله عليه وسلّم غاب عن خديجة إلى حراء، فطلبته، فلم تجده، فإذا به وجهه متغير فقالت له: ما لك؟ فذكر نزول جبريل عليه السلام وأنه قال له: اقرأ باسم ربك، قال صلّى الله عليه وسلّم: «ثم نزل بي إلى قرار الأرض فتوضأ، ثم توضأت، ثم صلى وصليت معه ركعتين، وقال: هكذا الصلاة يا محمد» فلما ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك لخديجة ذهبت إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها، فسألته فقال: أرسلي إلي محمدا، فأرسلته، فأتاه فقال: هل أمرك جبريل أن تدعو إلى الله أحد فقال: لا، فقال: والله لئن بقيت إلى دعوتك لأنصرنك نصرا عزيزا، ثم مات
وَإِنَّ لَكَ يا أكرم الخلق على ما تحملت من أثقال الرسالة ومن ألوان الشدائد من جهة قومك لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) أي غير مقطوع، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) كانت نفسه صلّى الله عليه وسلّم شديدة النفرة عن اللذات البدنية والسعادات الدنيوية بالطبع، ومقتضى الفطرة عن عائشة قالت:
ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال:
لبيك، وقال أنس: خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين، فما قال لي في شيء فعلته: لم فعلت؟ ولا في شيء لم أفعله: هلا فعلت. فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) أي فستعلم يا محمد ويعلم المشركون يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل، أو فسترى يا محمد ويرون في الدنيا أنك تصير معظما في القلوب وأنهم يصيرون ذليلين، بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) والباء إما زائدة أي أيكم الذي فتن بالجنون، أو بمعنى في أي الفريقين المجنون، أفي فرقة الإسلام، أم في فرقة الكفار ويؤيده قراءة ابن أبي عبلة في «أيكم». وقيل: إن المفتون مصدر جاء على مفعول والتقدير: بأيكم الفتون؟ أي الجنون. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، أي هو أعلم بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله تعالى المؤدي إلى سعادة الدارين، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) أي وهو أعلم بالعقلاء وهو المهتدون إلى سبيله، الفائزون بكل مطلوب، الناجون عن كل محذور، فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وهم رؤساء أهل مكة الذين دعوه صلّى الله عليه وسلّم إلى دين آبائهم، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) أي تمنوا إن تترك بعض ما أنت عليه مما لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك وإن يتركوا بعض ما لا ترضى به فتلين لهم ويلينون لك، و «لو» مصدرية، أي ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك، وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ أي كثير الحلف في الحق والباطل، مَهِينٍ (١٠) أي ضعيف في دين الله، حقير في التدبير والتمييز،
مُعْتَدٍ
أي ظلوم أَثِيمٍ (١٢)، أي مبالغ في الإثم، عُتُلٍّ أي شديد الخصومة أو واسع البطن بَعْدَ ذلِكَ، أي مع تلك المثالب زَنِيمٍ (١٣)، أي دعي ملصق بالقوم وليس منهم، والظرف متعلق «بزنيم».
قيل: هو الوليد ادعاه المغيرة بعد ثماني عشرة سنة من ولادته ونسبه لنفسه بعد أن كان لا يعرف له أب، ولما نزلت هذه الآية قال لأمه: إن محمدا وصفني بتسع صفات أعرفها غير التاسع منها، فإن لم تصدقيني الخبر ضربت عنقك. فقالت له: إن أباك أي المغيرة عنين، فخفت على المال، فمكنت الراعي من نفسي، وكان للوليد عشرة من البنين، وكان يقول لهم ولأقاربه: لئن تبع دين محمد أحد منكم لا أنفعه بشيء أبدا، فمنعهم من الإسلام، وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وألفا، ولا يعطي المسكين درهما واحدا. وهذه الآية عند أكثر المفسرين نزلت في
قال ابن عباس: أي سنخطمه بالسيف فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش. وروي أنه قاتل يوم بدر فخطم بالسيف في القتال، إِنَّا بَلَوْناهُمْ أي أهل مكة بالقحط بدعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم عليهم بعد يوم بدر سبع سنين كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أي أهل البساتين كانت بصروان.
روي أن واحدا من ثقيف وكان مسلما كان يملك ضيعة فيها نخل وزرع بقرب صنعاء، وكان يجعل من كل ما فيها عند الحصاد نصيبا وافرا للفقراء، فلما مات ورثها منه بنوه وقالوا:
عيالنا كثير والمال قليل، ولا يمكننا أن نعطي المساكين مثل ما كان يفعل أبونا، فأحرق الله جنتهم، وكانوا بعد عيسى ابن مريم بزمن يسير، إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) أي حين حلفوا بالله ليقطعن ثمر نخليهم في وقت الصباح، وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) أي لا يقولون: إن شاء الله أو ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يفعله أبوهم، فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩)، أي فطرقها في الليل طارق من عذاب الله.
قال الكلبي: أرسل الله عليها نارا من السماء فاحترقت وهم نائمون، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) أي فصارت البساتين بالاحتراق شبيهة بالبستان الذي صرمت ثماره بحيث لم يبق منها شيء، أو صارت كالليل في اسودادها، أو كالنهار في ابيضاضها من فرط اليبس
فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) أي فنادى بعضهم بعضا عند طلوع الفجر، أي اذهبوا إلى الثمار والزروع والأعناب، فاصرموها إن كنتم قاصدين للصرم ولا تخبروا المساكين، فَانْطَلَقُوا إلى البساتين وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣)، أي والحال أنهم يتسارون فيما بينهم كلاما خفيا أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤)، و «أن» مفسرة أي لا تدخلوا مسكينا في البساتين. وقرأ ابن مسعود بطرح «أن» على إضمار القول. والمعنى: «يتخافتون» يقولون: لا تمكنوا المسكين من الدخول في البساتين حتى يدخل وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) أي وصاروا قاصدين إلى بساتينهم قادرين على صرامها، ومنع منفعتها على المساكين في ظنهم، أو أرادوا أن يحرموا المساكين وهم
لسنا ضالين بل نحن محرومون منفعة جنتنا بشؤم عزمنا على البخل، ومنع الفقراء، ويحتمل أنهم لما رأوا جنتهم محترقة قالوا: إنا لضالون في الاعتقاد حيث كنا نعتقد كوننا قادرين على الانتفاع بها، وحيث كنا عازمين على منع الفقراء بل الأمر انقلب علينا فصرنا محرومين، قالَ أَوْسَطُهُمْ أي أفضلهم: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) أي هلا تذكرون الله تعالى وتتوبون إليه من خبث نيتكم حيث عزمتم على منع الزكاة؟ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا عن أن يجري في ملكه ما لا يشاؤه، إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) بالإقسام على جذ الجنة في الصباح ومنع المساكين وترك الاستثناء. فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) أي يلوم بعضهم بعضا يقول واحد منهم: أنت أشرت علينا بهذا الرأي ويقول الآخر: أنت الذي خوفتنا بالفقر ويقول الثالث: أنت الذي رغبتني في جمع المال.
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) أي يا هلاكنا هذا وقت منادمتك لنا إنا كنا متجاوزين حد الله بمنعنا المساكين، عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها أي أن يعطينا خيرا من جنتنا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالذنوب.
وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) أي طالبون منه الخير، راجون عفوه وروي أنهم قالوا: إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنع أبونا، فتضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء، فأبدلهم الله تعالى من ليلتهم ما هو خير منها، فإن الله أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع تلك الجنة المحترقة، فيجعلها بزعر من أرض الشام، ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن القوم أخلصوا، وعرف الله منهم الصدق، فأبدلهم الله جنة يقال لها: الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا كم كبره. وقال أبو خالد اليماني: دخلت تلك الجنة، فرأيت فيها كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم، كَذلِكَ الْعَذابُ أي مثل الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة في صروان عذاب الدنيا لمن منع حق الله من ماله، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ لمن لا يتوب أَكْبَرُ من عذاب الله في الدنيا، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) أنه أكبر لاحترزوا عما يؤديهم إليه، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي في الآخرة جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)، أي جنات ليس لهم فيها إلا التنعم الخالص، لا يشويه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا.
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية قال كفار مكة للمسلمين: إن الله تعالى فضلنا عليكم في الدنيا فلا بد وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيل فأقصى أمركم أن تساوونا فأجاب الله عن هذا الكلام بقوله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) أي أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين أي مساوين لهم في العطاء، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أي أيّ شيء يحصل لكم يا أهل مكة، وأيّ حال يدعوكم إلى هذا الحكم هل هو صادر عن اختلال فكر أو اعوجاج
أَيُّهُمْ بِذلِكَ الحكم الخارج عن العقول زَعِيمٌ (٤٠) أي قائم
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أي أو هل لهم ناس يساعدونهم على صحة ذلك القول فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ أي بمن يشاركونهم في ذلك القول ويكفلونه لهم بصحته، إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) في دعواهم ويقال: المعنى: أم لهم أشياء يعتقدون أنها شركاء الله يجعلونهم في الآخرة مثل المؤمنين في الثواب والخلاص من العقاب، فليأتوا بآلهتهم إن كانوا صادقون
أن لهم ما قالوا، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ أي يوم يشتد الأمر.
قال أبو سعيد الضرير: أي يوم يكشف عن أصل الأمر أي تظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها بحيث تصير عيانا. وقرئ «تكشف» بالتاء الفوقية على البناء للفاعل، أو المفعول والفعل للحال، أو للساعة أي يوم تشتد الحال، أو الساعة عن أمر. وقرئ «تكشف» بالتاء المضمومة وكسر الشين، أي يوم تدخل الحال في الكشف عن أمر كانوا في عمى منه في الدنيا.
وقرئ «نكشف» بالنون وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ توبيخا على تركهم إياه في الدنيا بعد ما قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) السجود، تبقى أصلابهم فقارة واحدة مثل حصون الحديد، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ حال من واو «يدعون»، تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي تلحقهم ذلة شديدة بسبب أنهم ما كانوا مواظبين على خدمة مولاهم، وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ أي إلى الصلوات بالأذان والإقامة في الدنيا دعوة تكليف، وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) أي أصحاء قادرون على الصلاة فلا يجيبون الداعي، وفي هذا وعيد لمن قعد عن الجماعة ولم يجب المؤذن إلى إقامة الصلاة في الجماعة فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ أي خل يا أشرف الخلق بيني وبينهم فإني أكفيك أمرهم، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ أي سننزلهم إلى العذاب درجة فدرجة، مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) أي كلما أذنبوا ذنبا جددنا لهم نعمة، وأنسيناهم الاستغفار، وَأُمْلِي لَهُمْ أي أمهلهم ليزدادوا إثما إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أي إن ستري لأسباب الهلاك عمن أريد إهلاكه، قوي لا يدفعه شيء ولا يطلع عليه أحد أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً أي أم تلتمس من أهل مكة أجرا دنيويا على الإيمان، فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أي فهم لأجل ذلك مكلفون حملا ثقيلا من غرامة مالية يعطونكها، فيعرضون عنك أَمْ عِنْدَهُمُ
أي أم عندهم علم ما غاب عنهم، كأنه حضر في عقولهم فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) على الله، أي يحكمون عليه بما شاءوا فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ في إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم، وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ أي ولا يكن حالك يا أشرف الخلق كحال يونس عليه السلام من الضجر والمغاضبة فتبتلي ببلائه، إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) إذ نادى في بطن الحوت بقوله: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وهو مملوء غما- كما قاله ابن عباس ومجاهد- أو كربا- كما قاله عطاء وأبو مالك- والفرق بين الغم والكرب أن الغم في القلب والكرب في الأنفاس، لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) أي لولا هذه النعمة التي هي توفيقه للتوبة وقبولها منه لطرح بالأرض الخالية من الأشجار مع وصف المذمومية. وقرئ «رحمة من ربه». وقرأ ابن هرمز والحسن «تداركه» بتشديد الدال. وقرأ ابن عباس وابن مسعود «تداركته»، فَاجْتَباهُ رَبُّهُ أي رد عليه الوحي بعد أن انقطع عنه وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون، فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) أي الكاملين في الصلاح بأن عصمه من أن يفعل فعلا يكون تركه أولى.
روي أن هذه الآية نزلت في أحد حين حل برسول الله ما حل، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا. وقيل: حين أراد أن يدعو على ثقيف.
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ أي أنهم من شدة عداوتهم لك ينظرون إليك شزرا، بحيث يكادون يزلون قدمك فيرمونك. وقرئ في السبعة «ليزلقونك» بضم الياء وفتحها. وقرئ «ليزهقونك».
روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله، فنزلت هذه الآية. لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ أي وقت سماعهم بالقرآن، وَيَقُولُونَ لغاية حيرتهم في أمره صلّى الله عليه وسلّم إِنَّهُ أي محمدا لَمَجْنُونٌ (٥١) فأجابهم الله تعالى بقوله: وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)، أي وما هذا القرآن الذي يزعمون أنه دلالة جنونه صلّى الله عليه وسلّم إلا عظة للجن والإنس.