ﰡ
وهي مكيَّة بإجماعهم، وقال مقاتل: مكِّيَّة غير آية سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ «١»، وحكي عنه أنه قال: إلاّ ثلاث آيات، أوّلها: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ إلى قوله: وَأَمَرُّ «٢».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥)
(١٣٧٣) قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقاً فشُقَّ لنا القمر فرقتين، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن فعلتُ تؤمنون؟» قالوا: نعم، فسأل رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم ربَّه أن يُعطيَه ما قالوا، فانشقَّ القمر فرقتين، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ينادي: «يا فلان يا فلان اشْهَدوا»، وذلك بمكة قبل الهجرة.
(١٣٧٤) وقد روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من حديث ابن مسعود قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم شقّتين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اشْهَدوا». وقد روى حديث الانشقاق جماعةٌ منهم: عبد الله بن عمر وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عباس وأنس بن مالك.
صحيح. أخرجه البخاري ٤٨٦٤ عن مسدد به، من حديث ابن مسعود. وأخرجه البخاري ٣٨٦٩ و ٣٨٧١ ومسلم ٢٨٠٠ ح ٤٤ والترمذي ٣٢٨٥ وأحمد ١/ ٤٤٧ والطبري ٣٢٦٩٤ وابن حبان ٦٤٩٥ والطبراني ٩٩٩٦ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٥ من طرق عن الأعمش به. وأخرجه البخاري ٣٦٣٦ و ٤٨٦٥ والترمذي ٣٢٨٧ وأبو يعلى ٤٩٦٨ وأحمد ١/ ٣٧٧ وأبو يعلى ٤٩٦٨ والبيهقي ٢/ ٢٦٤ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢٠٦ من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر به. وورد من حديث جبير بن مطعم أخرجه أحمد ٤/ ٨١- ٨٢ وابن حبان ٦٤٩٧ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٨ والطبري ٣٢٧٠٥. وورد من حديث ابن عمر أخرجه مسلم
__________
(١) القمر: ٤٥.
(٢) القمر: ٤٤- ٤٦.
(١٣٧٥) قال ابن مسعود: لمّا انشقَّ القمر قالت قريش: سحركم ابن أَبي كبشة، فاسألوا السُّفَّار، فسألوهم فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنزل الله عزّ وجلّ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً أي: آية تدُلُّهم على صدق الرسول، والمراد بها هاهنا: انشقاق القمر يُعْرِضُوا عن التصديق وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ فيه ثلاثة أَقوال: أحدها: ذاهبٌ، من قولهم: مَرَّ الشيءُ واستمرَّ: إذا ذهب، قاله مجاهد وقتادة والكسائي والفراء فعلى هذا يكون المعنى: هذا سِحر، والسِّحر يذهب ولا يثبت. والثاني: شديدٌ قويٌّ، قاله أبو العالية والضحاك وابن قتيبة، قال: وهو مأخوذ من المِرَّة، والمِرَّة: الفَتْل. والثالث: دائمٌ، حكاه الزجّاج.
قوله تعالى: وَكَذَّبُوا يعني كذّبوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم وما عاينوا من قُدرة الله تعالى وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ما زيَّن لهم الشيطانُ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن كُلَّ أمْر مستقِرٌّ بأهله، فالخير يستقِرُّ بأهل الخير، والشر يستقِرُّ بأهل الشر، قاله قتادة. والثاني: لكل حديثٍ مُنتهىً وحقيقةٌ، قاله مقاتل.
والثالث: أن قرار تكذيبهم مستقِرّ، وقرار تصديق المصدِّقين مستقِرّ حتى يعلموا حقيقته بالثواب والعقاب، قاله الفراء.
قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَهُمْ يعني أهل مكة مِنَ الْأَنْباءِ أي: من أخبار الأُمم المكذِّبة في القرآن ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ قال ابن قتيبة: أي: مُتَّعَظٌ ومُنتهىً.
قوله تعالى: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ قال الزجّاج: هي مرفوعة لأنها بدل من «ما»، فالمعنى: ولقد جاءهم حكمةٌ بالغةٌ. وإن شئت رفعتهما بإضمار: هو حكمة بالغة. و «ما» في قوله فَما تُغْنِ النُّذُرُ
أخرجه البخاري ٣٨٦٨ عن عبد الله بن عبد الوهاب به. وأخرجه البخاري ٣٦٣٧ وأحمد ٣/ ٢٢٠ والطبري ٣٢٦٩٣ من طرق عن سعيد بن أبي عروبة به. وأخرجه مسلم ٢٨٠٢ والترمذي ٣٢٨٢ وأحمد ٣/ ١٦٥ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة به وأخرجه البخاري ٤٨٦٨ ومسلم ٢٨٠٢ ح ٤٧ وأحمد ٣/ ٢٧٥ والطبري ٣٢٦٩٠ و ٣٢٦٩٢ وأبو يعلى ٢٩٢٩ والطيالسي ٢٤٤٩ من طرق عن شعبة عن قتادة به. وأخرجه البخاري ٣٦٣٧ و ٤٨٦٧ ومسلم ٢٨٠٢ وأحمد ٣/ ٢٠٧ وأبو يعلى ٣١١٣ من طرق عن شيبان عن قتادة به.
صحيح. أخرجه الطبري ٣٢٦٩٩ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٦ والواحدي في «الأسباب» ٧٧٤ من طريق المغيرة عن أبي الضحى به وإسناده على شرط الصحيح.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٦ الى ٨]
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ قال الزجّاج: هذا وقف التمام، ويَوْمَ منصوب بقوله: «يخرُجون من الأجداث».
وقال مقاتل: فتولَّ عنهم إلى يوم يَدْعُ الدّاعي أثبت هذه الياء في الحالين يعقوب وافقه أبو جعفر، وأبو عمرو في الوصل، وحذفها الأكثرون في الحالين. و «الداعي» : إِسرافيل ينفُخ النفخة الثانية إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ وقرأ ابن كثير: «نُكْرٍ» خفيفة أي: إلى أمر فظيع. وقال مقاتل: «النُّكُر» بمعنى المُنْكَر، وهو القيامة، وإنما يُنْكِرونه إعظاماً له. والتَّولِّي المذكور في الآية منسوخ عند المفسرين بآية السيف.
قوله تعالى: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ قرأ أهل الحجاز، وابن عامر، وعاصم: «خُشَّعاً» بضم الخاء وتشديد الشين من غير ألف. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «خاشِعاً» بفتح الخاء وألف بعدها وتخفيف الشين. قال الزجاج: المعنى: يخرُجون خُشَّعاً، و «خاشعاً» منصوب على الحال، وقرأ ابن مسعود: «خاشعةً» ولك في أسماء الفاعلين إذا تقدَّمت على الجماعة التوحيد والتأنيث والجمع تقول: مررت بشُبّانٍ حَسَنٍ أوجُههم، وحِسانٍ أوجُههم، وحَسَنةٍ أوجُههم، قال الشاعر:
وشَبابٍ حَسَنٍ أَوْجُهُهُمْ | مِنْ إِياد بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ «١» |
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٩ الى ٢٢]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)
(٢) إبراهيم: ٤٣.
«إنِّي» بكسر الألف، وفسرها سيبويه فقال: هذا على إِرادة القول، فالمعنى: قال: إني مغلوب ومن فتح، وهو الوجه، فالمعنى: دعا ربَّه ب أَنِّي مَغْلُوبٌ.
قوله تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ قرأ ابن عامر «ففَتَّحْنا» بالتشديد. فأما المُنهمِر، فقال ابن قتيبة:
هو الكثير السريع الانصباب، ومنه يُقال: هَمَر الرجلُ: إذا أكثر من الكلام وأسرع. وروى عليّ رضي الله عنه أن أبواب السماء فُتحت بالماء من المَجَرَّة، وهي شَرَجُ السماء. وعلى ما ذكرنا من القصة في هود «١» أن المطر جاءهم، يكون هو المراد بقوله: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ. قال المفسرون: جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوماً، وفُجِّرت الأرض من تحتهم عيوناً أربعين يوماً. فَالْتَقَى الْماءُ وقرأ أُبيُّ بن كعب وأبو رجاء وعاصم الجحدري: «المآءان» بهمزة وألف ونون مكسورة. وقرأ ابن مسعود: «المايانِ» بياءٍ وألف ونون مكسورة من غير همز. وقرأ الحسن وأبو عمران: «الماوانِ» بواو وألف وكسر النون.
قال الزجاج: يعني بالماء: ماء السماء وماء الأرض، ويجوز الماءان، لأن اسم الماء اسم يجمع ماء الأرض وماء السماء. قوله تعالى: عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ فيه قولان: أحدهما: كان قَدْر ماء السماء كقَدْر ماء الأرض، قاله مقاتل. والثاني: قد قُدر في اللوح المحفوظ، قاله الزجاج. فيكون المعنى: على أمر قد قُضي عليهم، وهو الغرق.
قوله تعالى: وَحَمَلْناهُ يعني نوحاً عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ قال الزجاج. أي: على سفينةٍ ذاتِ ألواحٍ. قال المفسرون: ألواحها: خشباتها العريضة التي منها جُمعت. وفي الدُّسُر أربعة أقوال: أحدها:
أنها المسامير، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والقرظي، وابن زيد. وقال الزجاج: الدُّسُر:
المسامير والشُّرُط التي تُشَدِّ بها الألواح، وكل شيء نحو السَّمْر أو إدخال شيء في شيءٍ بقوَّة وشِدة قَهر فهو دَسْر، يقال: دَسَرْتُ المسمار أدْسُرُه وأَدْسِرُه. والدُّسُر: واحدها دِسار، نحو حِمار، وحُمُر.
والثاني: أنه صَدْر السفينة، سُمِّي بذلك لأنه يَدْسُر الماء، أي: يدفعه، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن وعكرمة ومنه الحديث في العنبر أنه شيء دسره البحر، أي: دفعه. والثالث: أن الدُّسُر:
أضلاع السفينة، قاله مجاهد. والرابع: أن الدُّسُر: طرفاها وأصلها، والألواح: جانباها، قاله الضحاك.
قوله تعالى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أي: بمَنْظَرٍ ومرأىً مِنّا جَزاءً قال الفراء: فعَلْنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثواباً لمن كُفِر به. وفي المراد ب «مَنْ» ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الله عزّ وجلّ، وهو مذهب مجاهد، فيكون المعنى: عوقبوا لله ولكُفرهم به. والثاني: أنه نوحٌ كُفِر به وجُحِد أمْرُه، قاله الفراء. والثالث: أن «مَنْ» بمعنى «ما» فالمعنى: جزاءً لِما كان كُفِر من نِعم الله عند الذين أغرقهم، حكاه ابن جرير. وقرأ قتادة: «لِمَنْ كان كَفَر» بفتح الكاف والفاء.
قوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْناها في المشار إليها قولان: أحدهما: أَنها السفينة، قال قتادة: أبقاها الله على الجوديّ حتى أدركها أوائل هذه الأمة. والثاني: أنها الفَعْلة، فالمعنى: تركنا هذه الفعلة وأمر سفينة
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ أي سهَّلْناه لِلذِّكْرِ أي للحِفظ والقراءة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أي من ذاكرٍ يذكره ويقرؤه والمعنى: هو الحث على قراءته وتعلُّمه، قال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يُقرأ كُلُّه ظاهراً إلاّ القرآن. وأمّا الرِّيح الصَّرصر، فقد ذكرناها في حم السجدة «٢».
قوله تعالى: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قرأ الحسن: «فِي يَوْمِ» بالتنوين، على أن اليوم منعوت بالنَّحْس. والمُستمِّر: الدائم الشؤم، استمر عليهم بنُحوسه. وقال ابن عباس: كانوا يتشاءمون بذلك اليوم. وقيل: إنه كان يومَ أربعاء في آخر الشهر. تَنْزِعُ النَّاسَ أي: تقلعهُم من الأرض من تحت أقدامهم فتصرعهم على رقابهم فتدُقّ رقابَهم فتُبِين الرّأسَ عن الجسد، ف كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن السميفع: «أعْجُزُ نَخْلٍ» برفع الجيم من غير ألف بعد الجيم. وقرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وأبو عمران: «كأنَّهم عُجُز نخل» بضم العين والجيم. ومعنى الكلام: كأنهم أصول نَخلٍ مُنْقَعِرٍ أَي: مُنْقَلِع. وقال الفراء: المُنْقَعِر: المُنْصَرِع من النَّخْل. قال ابن قتيبة: يقال: قَعَرْتُه فانْقَعَر، أي قلعته فسقط. قال أبو عبيدة: والنَّخْل يُذَكَّر ويؤنَّث، فهذه الآية على لغة من ذكَّر، وقوله: أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «٣» على لغة من أنَّث. وقال مقاتل: شبَّههم حين وقعوا من شِدَّة العذاب بالنَّخْل الساقطة التي لا رؤوس لها، وإنما شبَّههم بالنَّخْل لِطُولهم، وكان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعا.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٢٣ الى ٣٢]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)
قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فيه قولان: أحدهما: أنه جمع نذير. وقد بيَّنّا أن من كذَّب نبيّاً واحداً فقد كذَّب الكُلَّ. والثاني: أن النُّذُر بمعنى الإنذار كما بيَّنّا في قوله: «فكيف كان عذابي ونُذُرِ» فكأنهم كذّبوا الإنذار الذي جاءهم به صالح، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا قال الزجاج: هو منصوب بفعل مُضْمَر والذي ظهر تفسيره، المعنى: أنتبع بَشَراً مِنّا واحِداً، قال المفسرون: قالوا: هو آدميّ مثلنا، وهو
(٢) فصلت: ١٦٠.
(٣) الحاقة: ٧.
ثم أنْكَروا أن يكون الوحي يأتيه فقالوا: أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ أي: أَنَزَل الوحيُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا أي:
كيف خُصَّ من بيننا بالنُّبوَّة والوحي؟! بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ وفيه قولان: أحدهما: أنه المَرِح المتكبِّر، قاله ابن قتيبة. والثاني: البَطِر، قاله الزجاج.
قوله تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً قرأ ابن عامر وحمزة: «ستَعلمون» بالتاء «غداً» فيه قولان:
أحدهما: يوم القيامة، قاله ابن السائب. والثاني: عند نزول العذاب بهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ وذلك أنهم سألوا صالحاً أن يُظْهِر لهم ناقةً من صخرة، فقال الله تعالى: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ أي: مُخرجوها كما أرادوا فِتْنَةً لَهُمْ أي: مِحنةً واختباراً فَارْتَقِبْهُمْ أي فانتظر ما هم صانعون وَاصْطَبِرْ على ما يُصيبُك من الأذى، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ أي: بين ثمود وبين الناقة، يوم لها ويوم لهم، فذلك قوله: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ يحضُرُهُ صاحبُه ويستحقُّه. قوله تعالى:
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ واسمه قُدار بن سالف فَتَعاطى قال ابن قتيبة: تعاطى عَقْر الناقة فَعَقَرَ أي: قتل وقد بيَّنا هذا في الأعراف «١».
قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم وقد أشرنا إلى قصتهم في هود «٢» فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ قال ابن عباس: هو الرجُل يجعل لغنمه حظيرة بالشَّجر والشوك دون السِّباع، فما سقط من ذلك وداسته الغنمُ، فهو الهَشيم. وقد بيَّنا معنى «الهشيم» في الكهف «٣». وقال الزجَّاج: الهَشيم: ما يَبِس من الورق وتكسَّر وتحطَّم، والمعنى: كانوا كالهَشِيم الذي يجمعه صاحبُ الحظيرة بعد أن بلغ الغاية في الجفاف، هو يُجمع لِيوقد. وقرأ الحسن: «المُحتظَرِ» بفتح الظاء، وهو اسم الحظيرة والمعنى: كهشيم المكان الذي يُحتظَر فيه الهشيم من الحطب. وقال سعيد بن جبير: هو التراب الذي يتناثر من الحيطان. وقال قتادة: كالعظام النَّخِرة المحترقة. والمراد من جميع ذلك: أنهم بادوا وهلكوا حتى صاروا كالشيء المتحطّم.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٣٣ الى ٤٠]
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)
قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً قال المفسرون: هي الحجارة التي قُذِفوا بها إِلَّا آلَ لُوطٍ يعني لوط وابنتيه نَجَّيْناهُمْ من ذلك العذاب بِسَحَرٍ قال الفراء: «سَحَرٍ» هاهنا يجري لأنه نكرة، كقوله: نجَّيناهم بِلَيْلٍ، فإذا ألقت العرب منه الباء لم يَجر، لأن لفظهم به بالألف واللام، يقولون: ما
(٢) هود: ٦١.
(٣) الكهف: ٤٥. [.....]
قوله تعالى: وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ أي: طلبوا أن يسلِّم إليهم أضيافه، وهم الملائكة فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ وهو أن جبريل ضرب أعيُنَهم بجَناحه فأذهبها. وقد ذكرنا القصة في سورة هود «١». وتم الكلام هاهنا، ثم قال: فَذُوقُوا أي: فقلنا لقوم لوط لما جاءهم العذاب: ذوقوا عَذابِي وَنُذُرِ أي: ما أنذركم به لوط، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً أي: أتاهم صباحاً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ أي: نازل بهم. قال مقاتل:
استقرَّ بهم العذابُ بُكْرةً. قال الفرّاء: والعرب تُجري «غُدوة» و «بُكرة» ولا تُجريهما، وأكثر الكلام في «غُدوة» ترك الإجراء، وأكثر في «بكرة» أن تُجرى، فمن لم يُجرها جعلها معرفة، لأنها اسم يكون أبداً في وقتٍ واحد بمنزلة «أمسِ» و «غدٍ»، وأكثر ما تُجري العربُ «غُدوةً» إذا قُرنت بعشيَّةٍ، يقولون: إني لآتيهم غُدوةً وعشيَّةً، وبعضهم يقول: «غُدوة» فلا يُجريها و «عشيةً» فيُجريها، ومنهم من لا يُجري «عشيَّة» لكثرة ما صحبت «غُدوةً». وقال الزجاج: الغُدوة والبُكرة إذا كانتا نكِرتين نُوِّنتا وصُرِفتا، فإذا أردتَ بهما بُكرة يومك وغداة يومك، لم تصرفهما، والبُكرة هاهنا نكِرة، فالصرف أجود، لأنه لم يثبُت رواية في أنه كان في يوم كذا في شهر كذا.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤١ الى ٤٦]
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦)
قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ يعني القِبْطَ النُّذُرُ فيهم قولان: أحدهما: أنه جمع نذير، وهي الآيات التي أنذرهم بها موسى. والثاني: أن النُّذُر بمعنى الإنذار وقد بيَّناه آنفاً، فَأَخَذْناهُمْ بالعذاب أَخْذَ عَزِيزٍ أي: غالبٍ في انتقامه مُقْتَدِرٍ قادر على هلاكهم. ثم خوَّف أهل مكة فقال:
أَكُفَّارُكُمْ يا معشر العرب خَيْرٌ أي: أشدُّ وأقوى مِنْ أُولئِكُمْ وهذا استفهام معناه الإنكار والمعنى: ليسوا بأقوى من قوم نوح وعاد وثمود، وقد أهلَكْناهم أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ من العذاب أنه لا يصيبكم ما أصابهم فِي الزُّبُرِ أي: في الكُتب المتقدِّمة، أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ المعنى: أيقولون:
نحن يدٌ واحدةٌ على مَنْ خالفنا فننتصر منهم؟ وإنما وحَّد المُنْتَصِر للفظ الجميع، فإنه على لفظ «واحد» وإن كان اسماً للجماعة سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وروى أبو حاتم بن يعقوب: «سنهزم» بالنون، «الجمعَ» بالنصب، «وتوّلون» بالتاء، ويعني بالجمع: جمع كفار مكة وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ولم يقل: الأدبار، وكلاهما جائز قال الفراء: مِثلُه أن يقول: إن فلانا لكثير الدِّينار والدِّرهم. وهذا مما أخبر اللهُ به نبيَّه من عِلم الغَيب، فكانت الهزيمة يومَ بدر.
قوله تعالى: وَالسَّاعَةُ أَدْهى قال مقاتل: هي أفظع وَأَمَرُّ من القتل. قال الزجاج: ومعنى الدّاهية: الأمر الشديد الذي لا يُهتدى لدوائه ومعنى «أمَرُّ» : أشَدُّ مرارةً من القَتْل والأسر.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٧ الى ٥٥]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
قوله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ في سبب نزولها قولان:
(١٣٧٦) أحدهما: أن مشركي مكّة جاءوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يُخاصِمونَ في القدَرَ، فنزلت هذه الآية إلى قوله: خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ، انفرد بإخراجه مسلم من حديث أبي هريرة.
(١٣٧٧) وروى أبو أُمامة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الآية نزلت في القَدَريَّة».
(١٣٧٨) والثاني: أن أُسْقُف نَجران جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا محمد تزعُم أن المعاصي بقَدر، وليس كذلك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أنتم خُصَماءُ الله»، فنزلت: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ إلى قوله: بِقَدَرٍ، قاله عطاء.
قوله تعالى: وَسُعُرٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: الجنون. والثاني: العَناء، وقد ذكرناهما في صدر السورة. والثالث: أنه نار تَسْتَعِرُ عليهم، قاله الضحاك. فأمّا سَقَرَ فقال الزجّاج: هي اسم من أسماء جهنَّم لا ينصرف لأنها معرفة، وهي مؤنَّثة. وقرأت على شيخنا أبي منصور قال: سَقَر: اسم لنار الأخرة أعجميّ، ويقال: بل هو عربيّ، من قولهم: سَقَرَتْه الشمس: إذا أذابته، سمِّيتْ بذلك لأنها تُذيب الأجسام. وروى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
(١٣٧٩) «إذا جَمَع اللهُ الخلائق يوم القيامة أمر منادياً فنادى نداءً يسمعُه الأوَّلون والآخرون: أين خُصَماءُ اللهِ؟ فتقوم القَدريَّة، فيؤمر بهم إلى النار، يقول الله تعالى: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.
وإنما قيل لهم: «خُصَماء الله» لأنهم يُخاصمون في أنه لا يجوز أن يُقَدِّر المعصية على العَبْد ثم يعذِّبه عليها. وروى هشام بن حسان عن الحسن قال: واللهِ لو أنِّ قدريّاً صام حتى يصير كالحَبْل، ثم صلَّى حتى يصير كالوتر، ثم أخذ ظلماً وزُوراً حتى ذُبح بين الرُّكْن والمقام لكَبَّه اللهُ على وجهه في سقر
ضعيف جدا، أخرجه الواحدي في «الأسباب» ٧٧٦ من حديث أبي أمامة، وإسناده ضعيف جدا، لأجل عفير بن معدان، فإنه متروك.
باطل، أخرجه الواحدي ٧٧٧ في «أسبابه» عن بحر السقاء عن شيخ من قريش عن عطاء مرسلا، وهو ضعيف جدا. بحر السقاء واه، وفيه شيخ لم يسمّ، وهو مرسل أيضا والمتن باطل، فالسورة مكية بإجماع، وأخبار اليهود والنصارى وسؤالاتهم مدنية.
لم أقف عليه، وأمارة الوضع لائحة عليه. وورد مختصرا من حديث عمر دون ذكر الآية، أخرجه ابن الجوزي في «العلل» ٢١٩ وفيه عنعنة بقية بن الوليد، فهذه علة وفي الإسناد من لم يسمّ.
(١٣٨٠) وروى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كُلُّ شيء بقدرٍ حتى العَجْزُ والكَيْسُ».
وقال ابن عباس: كل شيء بقدرٍ حتى وضعُ يدك على خدِّك. وقال الزجّاج: معنى «بقَدَرٍ» أي:
كل شيء خلقناه بقدرٍ مكتوبٍ في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، ونصب «كُلَّ شيءٍ» بفعل مضمر المعنى: إنّا خلقنا كلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ.
قوله تعالى: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ قال الفراء: أي: إلاّ مرَّة واحدة، وكذلك قال مقاتل: مرَّة واحدة لا مثنوّية لها. وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد: إِن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. وقال ابن السائب: المعنى: وما أمرنا بمجيء الساعة في السُّرعة إلاّ كلَمْح البصر. ومعنى اللَّمْح بالبصر: النَّظر بسرعة. وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ أي: أشباهكم ونُظَراءكم في الكُفر من الأمم الماضية فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أي مُتَّعظ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ يعني الأمم. وفي الزُّبُرِ قولان: أحدهما: أنه كُتُب الحَفَظة. والثاني: اللَّوح المحفوظ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أي: من الأعمال المتقدِّمة مُسْتَطَرٌ أي:
مكتوب، قال ابن قتيبة: هو «مُفْتَعَلٍ من «سَطَرْتُ» : إذا كتبت، وهو مثل «مَسْطُور». قوله تعالى: فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ قال الزجّاج: المعنى: في جنّات وأنهار، والاسم الواحد يَدلُّ على الجميع، فيجتزأ به من الجميع. أنشد سيبويه والخليل:
بِها جِيَفُ الْحَسْرَى، فأَمّا عِظامُها | فَبِيضٌ وأَمّا جِلْدُها فَصَلِيبُ |
في حَلْقِكُم عَظْمٌ وقد شجينا
ومثله:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوا
وحكى ابن قتيبة عن الفراء أنه وُحِّد لأنه رأسُ آية، فقابل بالتوحيد رؤوس الآي، قال: ويقال:
النَّهَر: الضِّياء والسَّعة، من قولك: أنْهَرْتُ الطعنة: إِذا وسَّعْتَها، قال قيس بن الخَطِيم يصف طعنة:
مَلَكْتُ بها كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا | يَرَى قائمٌ مِنْ دُونِها ما وراءَها |
قوله تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي: مَجلِس حسن وقد نبَّهْنا على هذا المعنى في قوله: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ «١». فأمّا المَلِيك، فقال الخطابي: المَلِيك: هو المالك، وبناء فَعِيل للمُبالغة في الوصف، ويكون المَلِيك بمعنى المَلِك، ومنه هذه الآية. والمُقْتَدِر مشروح في الكهف «٢».
__________
(١) يونس: ٢.
(٢) الكهف: ٤٥.