ﰡ
في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف. أو ليتني كنت ترابا في هذا اليوم فلم أبعث. وقيل يحشر الله الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء، ثم يردّه ترابا، فيودّ الكافر حاله.
وقيل: الكافر إبليس، يرى آدم وولده وثوابهم، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة عم يتساءلون سقاه الله برد الشراب يوم القيامة «١».
سورة النازعات
مكية، وهي خمس أو ست وأربعون آية [نزلت بعد النبإ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١ الى ١٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد، وبالطوائف التي تنشطها
تسرع فتسبق إلى ما أمروا به، فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم غَرْقاً إغراقا في النزع، أى: تنزعها من أقاصى الأجساد من أناملها وأظفارها.
أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزغ في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها، لأنها عراب.
والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك «ثور ناشط» إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها، لأنها من أسبابه. أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب. وإغراقها في النزع:
أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب، والتي تخرج من برج إلى برج، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمرا من علم الحساب. وقيل النازعات أيدى الغزاة، أو أنفسهم تنزع القسىّ بإغراق السهام، والتي تنشط الأوهاق «١» والمقسم عليه محذوف، وهو «لتبعثن» لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة. ويَوْمَ تَرْجُفُ منصوب بهذا المضمر. والرَّاجِفَةُ الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال، وهي النفخة الأولى:
وصفت بما يحدث بحدوثها تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ أى الواقعة التي تردف الأولى، وهي النفخة الثانية. ويجوز أن تكون الرادفة من قوله تعالى قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ أى القيامة التي يستعجلها الكفرة استبعادا لها، وهي رادفة لهم لاقترابها. وقيل الرَّاجِفَةُ الأرض والجبال، من قوله يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ والرادفة: السماء والكواكب، لأنها تنشق وتنتثر كواكبها على أثر ذلك. فإن قلت: ما محل تتبعها؟ قلت:
الحال، أى: ترجف تابعتها الرادفة. فإن قلت: كيف جعلت يَوْمَ تَرْجُفُ ظرفا للمضمر الذي هو لتبعثن، ولا يبعثون عند النفخة الأولى؟ قلت: المعنى: لتبعثنّ في الوقت الواسع الذي يقع فيه النفختان، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع، وهو وقت النفخة الأخرى. ودلّ على ذلك أنّ قوله تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جعل حالا عن الراجفة. ويجوز أن ينتصب يَوْمَ تَرْجُفُ بما دلّ عليه قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أى يوم ترجف وجفت القلوب واجِفَةٌ شديدة الاضطراب، والوجيب والوجيف: أخوان خاشِعَةٌ ذليلة. فإن قلت: كيف جاز الابتداء بالنكرة؟
قلت: قُلُوبٌ مرفوعة بالابتداء، وواجِفَةٌ صفتها، وأَبْصارُها خاشِعَةٌ خبرها فهو كقوله:
وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ. فإن قلت: كيف صح إضافة الأبصار إلى القلوب؟ قلت:
معناه أبصار أصحابها بدليل قوله يَقُولُونَ. فِي الْحافِرَةِ في الحالة الأولى، يعنون: الحياة بعد الموت. فإن قلت: ما حقيقة هذه الكلمة؟ قلت: يقال: رجع فلان في حافرته، أى: في
أحافرة على صلع وشيب | معاذ الله من سفه وعار «٢» |
وقرأ أبو حيوة: في الحفرة. والحفرة بمعنى: المحفورة. يقال: حفرت أسنانه فحفرت حفرا، وهي حفرة، وهذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفورة. يقال: نخر العظم فهو نخر وناخر، كقولك طمع فهو طمع وطامع، وفعل أبلغ من فاعل، وقد قرئ بهما:
وهو البالي الأجوف الذي تمر فيه الريح فيسمع له نخير. وإِذاً منصوب بمحذوف، تقديره:
أئذا كنا عظاما نرد ونبعث كَرَّةٌ خاسِرَةٌ منسوبة إلى الخسران، أو خاسر أصحابها. والمعنى:
أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها، وهذا استهزاء منهم. فإن قلت: بم تعلق قوله فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ؟ قلت: بمحذوف، معناه: لا تستصعبوها، فإنما هي زجرة واحدة، يعنى: لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل، فإنها سهلة هينة في قدرته، ما هي إلا صيحة واحدة «٣»، يريد النفخة الثانية فَإِذا هُمْ أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في جوفها، من قولهم: زجر البعير، إذا صاح عليه. والساهرة: الأرض البيضاء المستوية، سميت بذلك لأنّ السراب يجرى فيها، من قولهم: عين ساهرة جارية الماء، وفي ضدها: نائمة. قال الأشعث بن قيس:
(٢). أنشده ابن الأعرابى. والهمزة للإنكار. والحافرة في الأصل: الطريق المحفور بالسير، فتسميته حافرة مجاز عقلى. أو على معنى النسب، أى: ذات حفر، ثم استعملت في كل حال كنت فيه، ثم رجعت إليه. وهي نصب بمحذوف، أى: أأرجع حافرة، أى في طريقتي الأولى من الشباب والصبا. أو على نزع الخافض، أى:
أأرجع إليها. والصلع: انحسار شعر الجبهة، ويغلب في الهرم. ومعاذ: مصدر نصب بمحذوف. والسفه:
الجهل والطيش.
(٣). قال محمود: «إن قلت: كيف اتصل بما قبله؟ وأجاب أنهم أنكروا الاعادة... الخ» قال أحمد:
وما أحسن تسهيل أمر الاعادة بقوله زَجْرَةٌ عوضا من صيحة، لأن الزجرة أخف من الصيحة، وبقوله واحِدَةٌ أى غير محتاجة إلى مثنوية، وهو يحقق لك ما أجبت به من السؤال الوارد عند قوله تعالى فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ حيث قيل: كيف وحدها وهما نفختان، فجدد به عهدا.
وساهرة يضحى السّراب مجلّلا | لأقطارها قد جبتها متلثّما «١» |
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٥ الى ٢٦]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦)
اذْهَبْ على إرادة القول. وفي قراءة عبد الله: أن اذهب، لأنّ في النداء معنى القول.
هل لك في كذا، وهل لك إلى كذا، كما تقول: هل ترغب فيه، وهل ترغب إليه إِلى أَنْ تَزَكَّى إلى أن تتطهر من الشرك، وقرأ أهل المدينة: تزكى، بالإدغام وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ وأرشدك إلى معرفة الله أنبهك عليه فتعرفه فَتَخْشى لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة. قال الله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ أى العلماء به، وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر، من خشي الله: أتى منه كل خير. ومن أمن: اجترأ على كل شرّ. ومنه قوله عليه السلام «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل» «٢» بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض، كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا، وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوه، كما أمر بذلك في قوله فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً. الْآيَةَ الْكُبْرى قلب العصاحية لأنها كانت المقدمة والأصل، والأخرى كالتبع لها، لأنه كان يتقيها بيده، فقيل
(٢). أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية من رواية الثوري عن أبى عقيل عن الطفيل بن أبى عن أبيه بهذا. قال أبو نعيم تفرد به وكيع. قاله في ترجمته وهو ضعيف برواية الحاكم من طريق عبد الله بن الوليد عن الثوري ورواه الترمذي والحاكم والعقيل عن رواية يزيد بن سنان سمعت بكر بن فيروز. سمعت أبا هريرة- فذكره.
وقيل عشرون.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٣]
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١)
وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣)
الخطاب لمنكري البعث، يعنى أَأَنْتُمْ أصعب خَلْقاً وإنشاء أَمِ السَّماءُ ثم بين كيف خلقها فقال بَناها ثم بين البناء فقال رَفَعَ سَمْكَها أى جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام فَسَوَّاها فعدلها مستوية ملساء، ليس فيها تفاوت ولا فطور. أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها، من قولك: سوى فلان أمر فلان. غطش الليل وأغطشه الله، كقولك: ظلم وأظلمه. ويقال أيضا: أغطش الليل، كما يقال أظلم
(٢). قال محمود: «وقوله نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى يعنى الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة... الخ» قال أحمد: فعلى الأول يكون قريبا من إضافة الموصوف إلى الصفة، لأن الآخرة والأولى صفتان للكلمتين، وعلى الثاني لا يكون كذلك.
وقت الضحى، للوقت الذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء، لأن الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوّها «١» ماءَها عيونها المتفجرة بالماء وَمَرْعاها ورعيها، وهو في الأصل موضع الرعي. ونصب الأرض والجبال بإضمار «دحا» و «أرسى» وهو الإضمار على شريطة التفسير. وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء. فإن قلت: هلا أدخل حرف العطف على أخرج «٢» ؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون معنى دَحاها بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لا بدّ منه في تأتى سكناها، من تسوية أمر المأكل والمشرب، وإمكان القرار عليها، والسكون بإخراج الماء والمرعى، وإرساء الجبال وإثباتها أوتادا لها حتى تستقر ويستقر عليها. والثاني: أن يكون أَخْرَجَ حالا بإضمار «قد» كقوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ وأراد بمرعاها: ما يأكل الناس والأنعام. واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وقرئ: نرتع، من الرعي، ولهذا قيل:
دلّ الله سبحانه بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح، لأنه من الماء مَتاعاً لَكُمْ فعل ذلك تمتيعا لكم وَلِأَنْعامِكُمْ لأن منفعة ذلك التمهيد واصلة إليهم وإلى أنعامهم.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٤ الى ٣٦]
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦)
الطَّامَّةُ الداهية التي تطم على الدواهي، أى: تعلو وتغلب. وفي أمثالهم: جرى الوادي فطمّ على القرى، وهي القيامة لطمومها على كل هائلة. وقيل: هي النفخة الثانية. وقيل: الساعة التي تساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار يَوْمَ يَتَذَكَّرُ بدل من إذا جاءت، يعنى: إذا رأى أعماله مدونة في كتابه تذكرها وكان قد نسيها، كقوله أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ.
وما في ما سَعى موصولة، أو مصدرية وَبُرِّزَتِ أظهرت وقرأ أبو نهيك: وبرزت
(٢). قال محمود: «فان قلت هلا أدخل العاطف على أخرج... الخ» قال أحمد: والأول أحسن، وهو مناسب لقوله السَّماءُ بَناها، لأنه لما قال أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ تم الكلام، لكن مجملا، ثم بين التفاوت ففسر كيف خلقها فقال. بَناها، بغير عاطف: ثم فسر البناء فقال رَفَعَ سَمْكَها، بغير عاطف أيضا
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]
فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩)
فَأَمَّا جواب فَإِذا أى: فإذا جاءت الطامّة فإنّ الأمر كذلك. والمعنى: فإنّ الجحيم مأواه، كما تقول للرجل: غض الطرف، تريد: طرفك، وليس الألف واللام بدلا من الإضافة، ولكن لما علم أنّ الطاغي هو صاحب المأوى، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره: تركت الإضافة، ودخول حرف التعريف في المأوى والطرف للتعريف، لأنهما معروفان، وهِيَ فصل أو مبتدأ.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)
وَنَهَى النَّفْسَ الأمارة بالسوء عَنِ الْهَوى المردي وهو اتباع الشهوات وزجرها عنه وضبطها بالصبر والتوطين على إيثار الخير. وقيل: الآيتان نزلتا في أبى عزير بن عمير ومصعب بن عمير، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أحد، ووقى رسول الله ﷺ بنفسه حتى نفذت المشاقص «٢» في جوفه «٣».
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٤٢ الى ٤٦]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)
أَيَّانَ مُرْساها متى إرساؤها، أى إقامتها، أرادوا: متى يقيمها الله ويثبتها ويكوّنها؟
(٢). قوله «حتى نفذت المشاقص» جمع مشقص: وهو السهم الطويل العريض. أفاده الصحاح. (ع)
(٣). لم أجده.
أنت عن ذكراها، أى: إرسالك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل المبعوث في نسم الساعة «٦» ذكر من ذكرها وعلامة من علاماتها، فكفاهم بذلك دليلا على دنوّها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها، ولا معنى لسؤالهم عنها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها أى: لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة الذي لا فائدة لهم في علمه، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يكون من إنذارك لطفا له في الخشية منها. وقرئ: منذر بالتنوين، وهو الأصل، والإضافة تخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال، فإذا أريد الماضي فليس إلا الإضافة، كقولك: هو منذر زيد أمس، أى: كأنهم لم يلبثوا في الدنيا، وقيل: في القبور إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها. فإن قلت: كيف صحت إضافة الضحى إلى العشية؟ قلت: لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما في نهار واحد. فإن قلت: فهلا قيل: إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإضافة؟ قلت: الدلالة على أن مدّة لبثهم كأنها لم تبلغ يوما كاملا، ولكن
(٢). قال محمود: «ومعنى فِيمَ أَنْتَ أى: في أى شيء أنت من أن تذكر وقتها... الخ» قال أحمد: وفي هذا الوجه نظر، فان الآية الأخرى ترده، وهي قوله يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها أى: أنك لا تحتفى بالسؤال عنها ولا تهتم بذلك، وهم يسئلونك كما يسئل الحفي عن الشيء، أى: الكثير السؤال عنه، فالوجه الأول أصوب. [.....]
(٣). أخرجه إسحاق في مسنده وابن مردويه من طريقه أخبرنا ابن عتبة عن الزهري عن عروة عنها بهذا.
ورواه الطبري عن يعقوب عن إبراهيم عن ابن عتبة مثله. قال الحاكم بعد أن أخرجه من طريق ابن عتبة: لم يخرجاه لأن ابن عتبة كان يرسله. وقال ابن أبى حاتم عن أبى زرعة: الصحيح مرسل. وأخرجه عبد الرازق عن ابن عتبة مرسلا وقال الدارقطني أسنده ابن عتبة مرة وأرسله أخرى.
(٤). قوله «فهو على هذا تعجب» لعله: تعجيب. (ع)
(٥). قال محمود: «وقيل فِيمَ إنكار لسؤالهم، أى: فيم هذا السؤال... الخ» قال أحمد: فعلى هذا ينبغي أن يوقف على قوله فِيمَ ليفصل بين الكلامين.
(٦). قوله «في نسم الساعة» في الصحاح «نسم الريح» : أولها حين تقبل بلين قيل أن تشتد. ومن الحديث «بعثت في نسم الساعة» أى: حين ابتدأت وأقبلت أوائلها. (ع)