ﰡ
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١ الى ١٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
اللغة:
(الرَّاجِفَةُ) في المختار: «الرجفة الزلزلة وقد رجفت الأرض من باب نصر» وسيأتي مزيد من معناها في باب البلاغة.
(الرَّادِفَةُ) التابعة، وفي القاموس: «ردفه كسمعه ونصره تبعه كأردفه».
(الْحافِرَةِ) الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت قال
أحافرة على صلع وشيب | معاذ الله من سفه وعار» |
(الساهرة) الأرض البيضاء المستوية سمّيت بذلك لأن السراب يجري فيها، من قولهم عن ساهرة جارية الماء وفي ضدها نائمة، قال الأشعث بن قيس:
وساهرة يضحي السراب مجللا | لأقطارها قد جئتها متلثما |
(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً، وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً، وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً، فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً، فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) الواو واو القسم أقسم تعالى بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد وجواب القسم بهذه الأمور التي
البلاغة:
١- في قوله: «يوم ترجف الراجفة» مجاز إسنادي، فقد جعل سبب الرجف راجفا وفي القرطبي: «وأصل الرجفة الحركة قال الله تعالى: يوم ترجف الأرض، وليست الرجفة هاهنا من الحركة فقط بل من قولهم: رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا أي أظهر الصوت والحركة ومنه سمّيت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها وإفاضة الناس إليها».
٢- وفي قوله «تلك إذا كرة خاسرة» مجاز إسنادي، فقد أسند الخسار للكرة والمراد أصحابها والمعنى إن كان رجوعنا إلى القيامة حقا فتلك الرجعة رجعة خاسرة.
٣- وكذلك في قوله «فإذا هم بالساهرة» أسند السهر إلى الأرض البيضاء مجازا كما أسندوا إليها النوم في ضدها، قال الأشعث بن قيس:
وساهرة يضحي السراب مجللا | لأقطارها قد جبتها متلثما |
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٥ الى ٢٦]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦)
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) كلام مستأنف مسوق لتسلية رسول الله صلّى الله عليه وسلم على تكذيب قومه له، وهل بمعنى قد وقيل هي للاستفهام التقريري والمعنى أليس قد أتاك حديث موسى وأتاك فعل ماض ومفعول به وحديث موسى فاعل (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بحديث موسى لا بأتاك كما يتوهم لاختلاف وقتيهما وجملة ناداه في محل جر بإضافة الظرف إليها وناداه فعل ماض ومفعول به وربه فاعل وبالواد متعلقان بناداه وحذفت ياء الوادي اتباعا لرسم المصحف، والمقدس صفة للوادي وطوى بدل وقد تقدم الكلام فيه مطوّلا، وقد قرىء بالتنوين وتركه قال الجوهري:
«وطوى اسم موضع بالشام تكسر طاؤه وتضم ويصرف ولا يصرف فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة» (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) الجملة مقول قول محذوف تقديره فقال اذهب ويجوز أن تكون جملة مفسّرة للنداء وإلى فرعون متعلقان باذهب وإن واسمها وجملة طغى خبرها وجملة إنه طغى تعليل للأمر بالذهاب (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) الفاء عاطفة وقل فعل
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٢٧ الى ٤٦]
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١)
وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦)
فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)
(سَمْكَها) رفعها يقال سمك يسمك من باب نصر الشيء رفعه ويقال سمك الله السماء، وقال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا | بيتا دعائمه أعزّ وأطول |
(فَسَوَّاها) جعلها مستوية ملساء ليس فيها ارتفاع ولا انخفاض.
(وَأَغْطَشَ) في القاموس: «غطش الليل يغطش من باب ضرب أظلم كأغطش وأغطشه الله» وقال الراغب: «وأصله من الأغطش وهو الذي في عينه عمش والتغاطش التعامي» ويقال أغطش الليل قاصرا كأظلم فأفعل فيه متعدّ ولازم.
(دَحاها) دحا الأرض يدحوها دحوا ودحى يدحى أي بسطها ومدّها فهو من ذوات الواو والياء فيكتب بالألف والياء.
الإعراب:
(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) الهمزة للاستفهام التقريعي والتوبيخي وأنتم مبتدأ وأشد خبر وخلقا تمييز وأم حرف عطف والسماء عطف على أنتم وجملة بناها حالية كأنها بيان لكيفية خلقها ويجوز أن تكون مفسّرة لا محل لها ويجوز أن تعرب السماء مبتدأ خبره محذوف تقديره أشد خلقا (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) الجملة بدل من جملة بناها تابعة لها ورفع سمكها فعل ماض ومفعول به وفاعل مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى، فسوّاها عطف على رفع (وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ
عطف على ما تقدم وليلها مفعول أغطش وضحاها مفعول أخرج (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) الواو عاطفة والأرض منصوب على الاشتغال بفعل محذوف يفسّره ما بعده وبعد ذلك ظرف متعلق بدحاها وجملة دحاها مفسّرة (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) الجملة مفسّرة لما لا بدّ منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها، ويجوز أن تكون حالية بإضمار قد أي مخرجا وهو قول الأكثرين وإن كنت أميل إلى القول الأول ومنها متعلقان بأخرج وماءها مفعول به ومرعاها عطف على ماءها والمرعى هنا مصدر ميمي بمعنى المفعول (وَالْجِبالَ أَرْساها) الواو عاطفة والجبال نصب على الاشتغال أيضا كما تقدم والجملة معطوفة على الأولى (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) متاعا مفعول لأجله أي فعل ذلك تمتيعا لكم واختار زاده في حاشيته على البيضاوي أن يكون مصدرا لفعله المحذوف المدلول عليه بسياق الكلام أي متّعناكم بها تمتيعا وليس ببعيد، ولكم متعلقان بمتاعا ولأنعامكم عطف على لكم (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) الفاء عاطفة للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها كما ينبىء عليه لفظ المتاع وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط وجملة جاءت في محل جر بإضافة الظرف إليها والطامة فاعل والكبرى نعت للطامة والطامة القيامة وفي المختار: «جاء سيل فطم الركية أي دفنها وسوّاها وكل شيء كثر حتى علا وغلب فقد طمّ من باب ردّ يقال فوق كل طامّة طامّة، ومنه سمّيت القيامة طامة والطم بالكسر الجرّ يقال جاء بالطم والرّم أي بالماء الكثير» وعبارة الزمخشري «الطامة: الداهية التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وفي أمثالهم: جرى الوادي فطم على القرى» وهي القيامة لطمومها على كل هائلة وقيل هي النفخة الثانية» وجواب إذا محذوف يدل عليه التفصيل المذكور والتقدير كان من عظائم الأمور ما لا يخطر في بال ولا تراه عين ولا تسمع به أذن.
تعنتهم، ويسألونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به وعن الساعة متعلقان بيسألونك وأيان اسم استفهام في محل نصب على الظرف الزماني متعلق بمحذوف خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية لا محل لها لأنها تفسير لسؤالهم عن الساعة أي متى إرساؤها أي إقامتها
قلت: لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما في نهار واحد فإن قلت:
فهلّا قيل إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإضافة؟ قلت: للدلالة على أن مدة لبثهم كأنها لم تبلغ يوما كاملا ولكن ساعة منه عشيته أو ضحاه فلما ترك اليوم أضافه إلى عشيته فهو كقوله: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار».
١- في قوله: «أخرج منها ماءها ومرعاها» مجاز مرسل لأنه أطلق المرعى على ما يأكله الناس فاستعمل المرعى في مطلق المأكول للإنسان وغيره والعلاقة استعمال المقيد في المطلق، ويجوز أن يكون استعارة تصريحية حيث شبّه أكل الناس برعي الدواب وإلى هذا جنح الزمخشري فقال: «وأراد بمرعاها ما يأكل الناس والأنعام واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله نرتع ونلعب».
٢- في قوله: «فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى» فن المقابلة وقد تقدمت عبارة الرازي في هذا الصدد.
٣- في قوله «أيان مرساها» استعارة تصريحية فقد استعار الإرساء وهو لا يستعمل إلا فيما له ثقل.