تفسير سورة فاطر

معاني القرآن
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة فاطر : بسم الله الرحمن الرحيم
وقوله :﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يشاء١ ﴾
هذا في الأجنحة التي جَعَلها لجبريل وميكائيل يعنى بالزيادة في الأجنحَة.
وقوله :﴿ وَما يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ٢ ﴾
ولم يقل : لها، وقد قال قبل ذلكَ ﴿ ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلناسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَها ﴾ فكان التأنيث في ( لها ) لظهور الرحمة. ولو قال : فلا مُمسكَ له لجاز، لأن الهاء إنما ترجع على ( ما ) ولو قيل في الثانية : فلا مرسل لها لأن الضمير على الرَّحمة جَاز، ولكنها لما سقطت الرحمة من الثاني ذُكّر على ( ما ).
قوله :﴿ اذْكُرُواْ نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ٣ ﴾
وَما كان في القرآن من قوله ﴿ اذْكُرُواْ نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ فمْعناه : احفظوا، كما تقول : اذكر أيادِيّ عنك أي احفظها.
وقوله :﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ تقرأ ﴿ غيرُ ﴾ و ﴿ غيرِ ﴾ قرأها شقيق بن سَلَمة ( غَيْرِ ) وهو وجه الكلام. وقرأها عاصم ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } فمن خفض في الإعراب جَعَل ( غير ) من نعت الخالِق. ومن رفع قال : أردت بغير إلاّ، فلما كانت ترتفع ما بعد ( إلاّ ) جعلت رفع ما بعدَ ( إلاّ ) في ( غيرَ ) كما تقول : ما قام من أحدٍ إلاَّ أبوك. وكلّ حسَنٌ. ولو نصبت ( غَير ) إذا أريد بها ( إلاّ ) كان صَوَاباً.
العرب تقول : ما أتاني أحد غَيْرَك والرفع أكثر، لأنّ ( إلا ) تصلح في موضعها.
وقوله :﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنا٨ ﴾
يقول : شُبّه عليه عمله، فرأى سّيئه حَسَنا. ثم قال/ ١٥٤ ب ﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ فكان الجواب مُتبعاً بقوله ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يشاء وَيَهْدِي مَن يشاء ﴾ واكتُفي بإتباع الجواب بالكلمة الثانية ؛ لأنها كافية من جواب الأولى : ولو أخرج الجواب كله كان : أفمن زين له سوءُ عَمله ذهبت نفسُك، أو تذهب نفسُك لأن قوله ﴿ فَلاَ تَذْهَبْ ﴾ نهي يدلّ على أن ما نهي عنه قد مَضى في صدر الكلمة. ومثله في الكلام : إذا غضبت فلا تقتل، كأنّه كان يقتل على الغضب، فنُهي عن ذلكَ. والقراء مجتمعونَ على ﴿ تَذْهَبْ نَفْسُكَ ﴾ وقد ذكَر بعضهم عن أبى جعفر المَدَنِيّ ( فلا تُذْهِبْ نفسَك عليهم ) وكلّ صَوَابَ.
وقوله :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً١٠ ﴾
فان ( العزَّة ) معناه : من كان يريد عِلْم العزَّة ولَمنْ هي فإنها لله جميعاً، أي كل وجهٍِ من العزَّة فلله.
وقوله :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ القُرّاء مجتمعونَ على ﴿ الكَلِم ﴾ إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ ( الكلام الطيِّب ) وكلّ حَسَنٌ، و ﴿ الكَلِم ﴾ أجود، لأنها كلمة وكلم. وقوله ﴿ الكلمات ﴾ في كثير من القرآن يَدلّ على أن الكلم أجود : والعرب تقول كَلِمة وكَلِم، فأما الكلام فمصدر.
وقد قال الشاعر :
مالكِ تَرْغين ولا يَرْغُو الخَلِفْ * وَتضْجَرين والمطىّ مُعترِف
فجمعَ الخَلِفة بطرح الهاء، كما يقال : شجرة وشجر.
وقوله :﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ أي يرفع الكلمَ الطيّب. يقول : يُتقبَّل الكلام الطيّب إذا كان معه عمل صَالح. ولو قيل :﴿ والعَمَلَ الصَّالحَ ﴾ بالنصب على معنى : يرفع الله العملَ الصَّالح، فيكون المعْنَى : يرفع الله ﴿ الْعَمَلُ الصَّالِحُ ﴾ ويجوز على هذا المعْنى الرفعُ، كما جاز النصب لمكَان الواو في أَوَّله.
وقوله :﴿ وَما يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ١١ ﴾
يقول : ما يُطَوَّل من عمر، ولا يُنْقَص من عمره، يرد آخر غير الأوّل، ثم كنى عنه بالهاء كأنه الأوّل.
ومثله في الكلام : عندي درهم ونصفه يعنى نصف آخر. فجاز أن يكنى عنه بالهاء ؛ لأن لفظ الثاني قد يظهر كلفظ الأوّل. فكنى عنه ككناية الأوَّل.
وفيها قول آخر :﴿ وَما يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾ يقول : إذا أَتى عليه الليلُ والنهار نَقَصَا من عمره، والهاء في هذا المْعنى للأوّل لا لغيره، لأن المعْنى ما يطوَّل ولا يذهب منه شيء إلا هو محصىً في كتابٍ، وكلّ حسن وكأنَّ الأوَّل أشبه بالصواب.
وقوله :﴿ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْما طَرِيّاً١٢ ﴾
يريد : من البَحرين جَميعاً : من المِلْح والعَذْب. ﴿ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً ﴾ من المِلح دون العذب.
وقوله :﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ ﴾ ومَخْرها : خرقها للماء إذا مَرَّتْ فيه، واحدها ماخِرة.
وقوله :﴿ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِها١٨ ﴾
يقول : إن دعت داعية ذاتُ ذُنُوبٍ قد أثقلتها إلى ذنوبها ليُحمل عنها شيء من الذنوبِ لم تجد ذلكَ. ولو كانَ الذي تدعوه أباً أو ابنا. فذلك قوله :﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ ولو كانت :﴿ ذو قربى ﴾ لجَازَ ؛ لأنه لم يُذكر فيصيرَ نكرة. فمَن رفع لم يضمر في ( كان ) شيئاً، فيصيرُ مثل قوله :( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ } ومن نصب أضمر. وهي في قراءة أُبَىّ :( وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ ) على ذلك. وإنما أنّث ﴿ مُثْقَلَةٌ ﴾ يذهب إلى الدابة أو إِلى النفس، وهما يعبِّران عن الذكر والأنثى، كما قَالَ :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائقَةُ المُوْتِ ﴾ للذكَر والأنثى.
وقوله :﴿ وَما يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ١٩ ﴾ فالأعمى ها هنا الكافر، والبصير المؤمنُ.
وقوله :﴿ وَلاَ الظُّلُماتُ وَلاَ النُّورُ٢٠ ﴾ الظلمات : الكفر، والنور : الإيمان.
وقوله :﴿ وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ٢١ ﴾ الظّل : الجنة، والحَرور : النار.
وقوله :﴿ وَما يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلاَ الأَمْوَاتُ٢٢ ﴾ الأحياء : المؤمنون، والأموات : الكفّار.
وقوله :﴿ جُدَدٌ بِيضٌ٢٧ ﴾ الخُطَط والطُرُق تكون في الجبال كالعُروق، بَيض وسُود وحمر، واحدها جُدّة.
وقال امرئ القيس، يصف الحمار :
كأن سراتيه وجدة متنه كنائن يجري فوقهن دليص
والجدة : الخطة السوداء في متن الحمار.
وقال الفراء. يقال : قد أدلصت الشيء ودلصته إذا برق، وكل شيء يبرق، نحو المرآة والذهب والفضة فهو دليص.
قال : الطرق جمع طريق. والطرق جمع طرقة.
وقوله :﴿ كَذَلِكَ٢٨ ﴾
من صلة الثمرات. واختلاف ألوانها أي من الناس وغيرِهم كالأوّل. ثم اسْتأنف فقال :﴿ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماء ﴾.
وقوله :﴿ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ٢٩ ﴾ جواب لقوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ﴾ ﴿ أولئكَ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴾ ف ﴿ يَرْجُونَ ﴾ جَوَاب لأوَّل الكلام.
وقوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ٣٢ ﴾ هذا الكافر ﴿ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ فهؤلاء أصْحاب اليمين ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ وهذه موافقٌ تفسيرها تفسيرَ التي في الواقعة. فأصْحاب المَيْمنة هم المقتصِدونَ. ويقال : هم الوِلْدان. وأصحاب المَشْأمة الكفّار. والمَشْأَمَة النار. والسَّابقون السَّابقون هؤلاء أهل الدرجات العلى أولئك المقرَّبونَ في جناتِ عَدْنٍ.
وقوله :﴿ جَناتُ عَدْنٍ٣٣ ﴾ ومعْنى عَدْنٍ إقامة به. عَدَن بالموضع.
وقوله :﴿ أَذْهَبَ عَنا الْحَزَنَ٣٤ ﴾
الحَزَن للمعاش وهموم الدنيا. ويقال : الحزن حَزَن الموت. ويقال الحزن بالْجنة والنار لا ندرى إلى أيّهما نصير.
وقوله :﴿ دَارَ الْمُقَامَةِ٣٥ ﴾
هي الإقامة. والمَقَامة : المجلس الذي يُقام فيه. فالمجلس مفتوح لا غير ؛ كما قال الشاعر :
يومان يومُ مقاماتٍ وَأنديَة ويومُ سير إلى الأعداء تأْويبِ
وقرأ السُّلِميّ ( لَغُوب ) كأنه جعله ما يُلْغِب، مثل لَغُوب والكلام لُغُوب بضم اللام، واللُغوب : والإعياء.
وقوله :﴿ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ٣٧ ﴾ يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم. وذكر الشيبُ.
وقوله :﴿ أَرُونِي ماذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ٤٠ ﴾ أي إنهم لم يَخْلقُوا في الأرض شيئاً. ثم قال :﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماوَاتِ ﴾ أي في خَلْقها، أي أعانوه على خلقها.
وقوله :﴿ وَلَئِن زَالَتَا٤١ ﴾ بمنزلة قوله : ولو زالتا ﴿ إِنْ أَمْسَكَهُما ﴾ ( إنْ ) بمعنَى ( ما ) وهو بمنزلة قوله :﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِه ﴾.
وقوله :﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّّذِينَ أُوتُوا الكتابَ بكُلّ آيةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ المعنى معنى ( لو ) وهما متآخِيتان يجابان بجواب وَاحِدٍ.
وقوله :﴿ اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ٤٣ ﴾
أي فعَلو ذلك استكباراً ﴿ وَمَكْرَ السَّيِّء ﴾ أُضيف المكر إلى السَّيء وهو هو كما قال :﴿ إنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ اليَقينِ ﴾ وتصديق ذلك في قراءة عبد الله ( ومَكْراً سَيِّئا ) وقوله ﴿ وَمَكْرَ السَّيِّءِ ﴾ الهمز في ﴿ السَّيء ﴾ مخفوضة / ١٥٥ ب وقد جزمها الأعمش وحمزة لكثرة الحركات، كما قال ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ ﴾ وكما قال الشاعر :
إذا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوِّمِ ***...
يريد صَاحِب قَوِّم فجزم الباء لكثرة الحركات. قال الفراء : حدثني الرؤاسي عن أبى عمرو ابن العلاء ﴿ لاَ يَحْزُنْهُمْ ﴾ جَزْم.
Icon