تفسير سورة القمر

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة القمر من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ ﴾ اعلم أنه يسمى قمراً بعد ثلاث من الشهر، وقبلها هلالاً إلى أربع عشرة، وليلتها يسمى بدراً. قوله: (فلقتين) تثنية فلقة بالكسر كقطعة وزناً ومعنى، والانشقاق كان قبل الهجرة بخمس سنين، وهل كان ليلة أربع عشرة من الشهر أو لا؟ لم يثبت، وأما قول البوصيري: شق عن صدره وشق له البد   ر ومن شرط كل شرط جزاءفإن كان عن نقل صحيح فهو مقبول لأنه حجة، وإلا فتسميته بدراً مجاز، وما ذكره المفسر من أنه انفلق بالفعل هو المشهور، وقيل: المعنى سينشق القمر إذا قامت القيامة، لأن السماء تنشق حينئذٍ بما فيها، وقيل: إن المعنى ظهر الأمر واتضح. قوله: (وقعيقعان) هو جبل مقابل أبي قبيس. قوله: (وقد سئلها) الجملة حالية، والمسؤول إما مطلق الآية، أو خصوص انشقاق القمر، روايتان. قوله: (فقال اشهدوا) أي بأني رسول الله، ولست بساحر كما تزعمون. قوله: ﴿ يُعْرِضُواْ ﴾ أي عن الإيمان بها. قوله: (هذا) ﴿ سِحْرٌ ﴾ اشار بذلك إلى أن ﴿ سِحْرٌ ﴾ خبر لمحذوف. قوله: (قوي أو دائم) هذان قولان من أربعة أقوال، والثالث أن معناه ذاهب، لا يبقى مأخوذ من المرور، والرابع أن معناه مر بشع لا نقدر أن نسيغه كما لا نسيغ المر.
قوله: ﴿ وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ ﴾ عبر بالماضي إشارة أن التكذيب واتباع الهوى من عاداتهم ودأبهم. قوله: ﴿ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ جملة مستأنفة مركبة من مبتدإ وخبر، قاطعة لأطماعهم الكاذبة، والمعنى: كل أمر من الأمور منته إلى غاية يستقر عليها، إن خيراً خير، وإن شراً فشر. قوله: ﴿ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ (بأهله) الباء بمعنى اللام، والمعنى: ثابت لأهله ما ينشأ عنه من ثواب وعقاب. قوله: (أو اسم مكان) أي على أن فيه تجريداً، والمعنى أنه موضع ازدجار. قوله: (بدل من تاء الافتعال) أي لأن الزاي حرف مجهور، والتاء حرف مهموس، فأبدلوهها إلى حرف مجهور قريب من التاء وهو الدال، وكما تقلب تاء الافتعال دالاً بعد الزاي، كذلك تقلب دالاً بعد الدال والذال، قال ابن مالك: في ادان وازدد وادكر دالاً بقي. قوله: (وما موصولة أو موصوفة) أي وهي فاعل بجاء، و ﴿ مِّنَ ٱلأَنبَآءِ ﴾ حال منها. قوله: (أو بدل من ما) أي بدل كل من كل، أو بدل اشتمال. قوله: ﴿ بَالِغَةٌ ﴾ (تامة) أي لا خلل فيها. قوله: ﴿ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ ﴾ حذفت الياء لفظاً لالتقاء الساكنين، وتحذف في الخط اتباعاً للفظ ولرسم المصحف. قوله: (أي الأمور المنذورة لهم) أي كما وقع للأمم السابقة من العذاب. قوله: (مفعول مقدم) أي مفعول به، والمعنى: فأي شيء من الأشياء النافعة تغني النذر أو مفعول مطلق، والمعنى فأي إغناء تغني النذر. قوله: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ قيل: منسوخة بآية السيف، وقيل: غير منسوخة بل معناها: فتول عنهم ولا تكلمهم بل قاتلهم. قوله: (هو فائدة ما قبله) أي نتيجته وثمرته. قوله: ﴿ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ ﴾ حذف الواو من يدع لفظاً لالتقاء الساكنين، وخطاً تبعاً لرسم المصحف وللفظ، وحذفت الياء من الداع خطاً، لأنها من ياءات الزوائد، وأما في اللفظ فقرئ في السبع بإثباتها وحذفها، وكذا يقال في الداع الآتي. قوله: (هو إسرافيل) هذا أحد قولين، وقيل: هو جبريل يقول في ندائه: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، واللحوم المتفرقة، والشعور المتمزقة، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، قوله: (وناصب يخرجون بعده) أي أو محذوف تقديره اذكر. قوله: (بضم الكاف) الخ، أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (تنكره النفوس) أي جميعها أو نفوس الكفار، لأن المؤمنين حينئذ يكونون آمنين. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً.
قوله: (حال) أي قوله: ﴿ خُشَّعاً ﴾ و ﴿ أَبْصَٰرُهُمْ ﴾ فاعل به، وأسند الخشوع للأبصار، لأنه يظهر فيها أكثر من بقية البدن. قوله: (أي الناس) أي مؤمنهم وكافرهم. قوله: ﴿ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾ جمع جدث بفتحتين، كفرس وأفراس. قوله: ﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ أي في الكثرة والانتشار في الأمكنة. قوله: (لا يدرون أين يذهبون) الخ. اعلم أن الناس حين الخروج من القبور، شبهوا في هذه الآية بالجراد المنتشر، وفي الآية الأخرى بالفراش المبثوث، فمن حين تحيرهم وتداخل بعضهم في بعض، شبهوا بالفراش المبثوث، ومن حيث انتشارهم وقصدهم الجهة التي يجتمعون فيها، شبهوا بالجراد المنتشر، إذا علمت ذلك، فما قاله المفسر لا يناسب تشبيههم بالجراد بل الفراش، هكذا قالوا فتدبر. قوله: (مادين أعناقهم) الخ، أي فمعنى ﴿ مُّهْطِعِينَ ﴾ مادين الأعناق مع سرعة المشي. قوله: ﴿ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ الخ، استئناف وقع جواباً عما نشأ من وصف اليوم بالأهوال وشدائدها، كأنه قيل: فما يقول الكافر حينئذ؟ قوله: (كما في المدثر) أي ففي المدثر ما يفيد أن الصعوبة والشدة لخصوص الكافر. قوله: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ تفصيل لما أجمل أولاً في قوله:﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾[القمر: ٤].
قوله: (لمعنى قوم) أي وهو الأمة. قوله: ﴿ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا ﴾ تفصيل لقوله: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ فالمكذب والمكذب في الموضعين واحد. قوله: ﴿ وَٱزْدُجِرَ ﴾ عطف على ﴿ قَالُواْ ﴾ والمعنى قالوا مجنون وانتهروه. قوله: (وغيره) أي كالضرب والخنق، كانوا يضربونه ويختنقونه حتى يغشى عليه فيتركونه، فإذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. قوله: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ ﴾ أي بعد صبره عليهم الزمن الطويل، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يعالجهم فلم يفد فيهم شيئاً. قوله: ﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ ﴾ بفتح الهمزة في قراءة العامة على حكاية المعنى، ولو حكى اللفظ لقال إنه مغلوب، وقرئ شذوذاً بكسر الهمزة على إضمار القول. والمعنى: فدعا ربه قائلاً: ﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ ﴾.
قوله: ﴿ فَٱنتَصِرْ ﴾ أي انتقم لي منهم، وذلك بعد يأسه من إيمانهم حيث أوحى الله إليه، إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، ودعا عليهم أيضاً بقوله﴿ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾[نوح: ٢٦] وبقوله:﴿ فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾[الشعراء: ١١٨].
قوله: ﴿ فَفَتَحْنَآ ﴾ عطف على محذوف تقديره فاستجبنا له. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ أي جميعها ويؤخذ من ذلك أن السماء لها أبواب حقيقة وتغلق وهو كذلك. قوله: ﴿ بِمَاءٍ ﴾ الباء للتعدية مبالغة، حيث جعل الماء كالآلة التي يفتح بها. قوله: ﴿ مُّنْهَمِرٍ ﴾ المنهمر الغزير النازل بقوة. قوله: ﴿ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً ﴾ تمييز محمول عن المفعول، لأن أصله: وفجرنا عيون الأرض. قوله: (تنبع) أي تخرج من العين، ومكث الماء يصب من السماء وينبع من الأرض أربعين يوماً، قيل: كان ماء السماء بارداً مثل الثلج، وماء الأرض حاراً مثل الحميم، وهل كان ماء السماء أكثر أو ماء الأرض أو مستويين أقوال. قوله: ﴿ فَالْتَقَى ٱلمَآءُ ﴾ أي جنسه الصادق بماء السماء والأرض. قوله: (وغيرها) أي كالصفائح والخشب الذي يسمر فيه الألواح والخيوط ونحوها. قوله: (جمع دسار) وقيل: جمع دسر بسكون السين كسقف وسقف. قوله: ﴿ تَجْرِي ﴾ صفة ثانية للموصوف المحذوف. قوله: ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ حال من ضمير ﴿ تَجْرِي ﴾.
قوله: (منصوب بفعل مقدر) أي مفعول لأجله. قوله: (وهو نوح) أي لأنه نعمة كفروها، إذ كل نبي نعمة على أمته. قوله: (وقرئ) أي شذوذاً. قوله: (هذه الغفلة) أي وهي الغرق على هذا الوجه، وقيل هي السفينة بناء على أنها بقيت على الجودي زماناً مديداً، حتى رآها أوائل هذه الأمة. قوله: (معتبر متعظ بها) أي يعتبر بما صنع الله بقوم نوح، فيترك المعصية، ويفعل الطاعة. قوله: (وكذا المعجمة) أي الذال التي قبل التاء أبدلت دالاً مهملة، وقوله: (وأدغمت) أي الدال المهملة المنقلبة عن المعجمة، وقوله: (فيها) أي في الدال المنقلبة عن التاء. قوله: ﴿ وَنُذُرِ ﴾ بإثبات الياء لفظاً وحذفها قراءتان سبعيتان، وأما في الرسم فلا تثبت لأنها من ياءات الزوائد، وكذا يقال في المواضع الآتية. قوله: (وكيف خبر كان) أي فهي ناقصة و ﴿ عَذَابِي ﴾ اسمها. قوله: (وهي للسؤال عن الحال) أي فإذا أردت أن تخبر حال شخص تقول له: كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم مثلاً؟ قوله: (بوقوع عذابه تعالى) الخ، أي أنه في غاية العدل، فلا ظلم فيه ولا جور. قوله: (سلهناه للحفظ) أي أعنا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب فيعان عليه، وليس من كتاب يقرأ عن ظهر قلب إلا القرآن، ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلا نظراً، غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظر قلب حين أحرقت، ومن هذا المعنى قوله تعالى في الحديث القدسي:" وجعلت من أمتك أقواماً قلوبهم أناجيلهم ". قوله: (أو هيأناه للتذكر) أي بأن أودعنا فيه أنواع المواعظ والعبر، وبالجملة فقد جعل الله القرآن مهيأ ومسهلاً لمن يريد حفظ اللفظ، أو حفظ المعنى، أو الاتعاظ به، فهو رأس سعادة الدنيا والآخرة. قوله: (والاستفهام بمعنى الأمر) أي فهو للتحضيض. قوله: (أي احفظوه واتعظوا به) أي ليكمل لكم الاصطفاء، فإن من أتاه القرآن حفظاً أو اتعاضاً، فقد جعله الله من أهله، ومن جمع بين الأمرين، فهو على أكمل الأحوال.
قوله: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ ﴾ الخ، هذا أيضاً من جملة تفضيل قوله:﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾[القمر: ٤] وذكر قصة عاد عقب قصة نوح، لأنهم ذرية نوح، لأن عاداً هو ابن إرم بن سام بن نوح. قوله: ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ مرتب على محذوف قدره بقوله: (فعذبوا). قوله: (أي وقع موقعه) أي فتعذيبه لهم عدل منه تعالى، لأنه أنذرهم أولاً على لسان نبيهم فلم يؤمنوا، وذلك لأنه جرت عادة الله تعالى، أنه لا يؤاخذ عبداً بغير جرم تنزيلاً منه تعالى، وإلا فلو أخذ عباده بغير جرم لا يسمى ظالماً، لأنه تصرف في ملكه، والظلم التصرف في ملك الغير بغير إذنه. قوله: (وقد بينه بقوله) الخ، أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا ﴾ الخ، تفصيل لما أجمل أولاً. قوله: (شؤم) أي غير مبارك. قوله: (دائم الشؤم) أي إلى الأبد عليهم، وهو يوم مباك على هود ومن تبعه، فهو يوم نحس على الكفارين، ويوم مبارك على المؤمنين. قوله: (أو قوية) أي فهو مأخوذ من المرة وهي القوة، وفي الحقيقة هو دائم الشؤم قوية. قوله: (آخر الشهر) أي شره شوال لثمان بقين منه؛ واستمر إلى غروب الشمس من يوم الأربعاء آخره، والمعنى أنه أتاهم العذاب يوم الأربعاء، والباقي من شوال ثمانية أيام، فاستمر عليهم لآخره، قال تعالى في سورة الحاقة﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ﴾[الحاقة: ٧] إذا علمت ذلك، فليس المراد بقول المفسر: (آخر الشهر) أن يوم نزول العذاب، كان آخر الشهر، بل هو منتهاه. قوله: ﴿ تَنزِعُ ٱلنَّاسَ ﴾ أظهر في مقام الإضمار، ليكون صريحاً في عموم الذكور، وإلا فمقتضى الظاهر تنزعهم. قوله: (المندسين فيها) أي فقد روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر، وتمسك بعضهم ببعض، فتنزعهم الريح منها وصرعتهم موتى. قوله: (وحالهم ما ذكر) الجملة حالية من ضمير كأنهم، وفيه إشارة إلى أن قوله: ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ حال من الناس مقدرة، وذلك لأنهم حين إخراجهم من الحفر، لم يكونوا كإعجاز النخل، بل كانوا كذلك بعد ما حصل لهم ما ذكر. قوله: (أصول) ﴿ نَخْلٍ ﴾ المراد بها النخل بتمامها من أولها لآخرها ما عدا الفروع والمعنى كأنهم نخل قد قطعت رؤوسه. قوله: (منقلع) تفسير لمنقعر، وفيه إشارة إلى قوتهم وثبات أجسامهم في الأرض، فأكنهم لعظم أجسامهم وكمال قوتهم، يقصدون مقاومة الريح فلم يستطيعوا، لأنها لشدتها تقلعهم، كما تقلع النخل من الأرض. قوله: (وذكر هنا) أي حيث قال منقعر، ولم يقل منقعره، وقوله: (وأنث في الحاقة) أي حيث قال خاوية ولم يقل خاو. قوله: (في الموضعين) أي فهنا الفاصلة على الراء وهناك على الهاء.
قوله: ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ كرره للتهويل والتعجيب من أمرهم. قوله: (أي الأمور التي أنذرهم بها) هذا أحد وجهين في تفسير النذر، والثاني أنه جمع نذير، بمعنى الرسل المنذرين لهم، وجمعهم لأن من كذب رسولاً فقد كذب جميع الرسل. قوله: (منصوب على الاشتغال) أي وهو الفصيح الراجح لتقدم أداة هي بالفعل أولى. قوله: (والاستفهام بمعنى النفي) أي فهو إنكاري. قوله: (جنون) أي فسعر مفرد، ويصح أن يكون جمع سعير وهو النار. قوله: (وإدخال ألف بينهما) الخ، أي فالقراءات أربع سبعيات. قوله: ﴿ مِن بَيْنِنَا ﴾ حال من الهاء في ﴿ عَلَيْهِ ﴾ والمعنى: أخص بالرسالة منفرداً من بيننا، فينا من أكثر منه مالاً أحسن حالاً. قوله: (أي لم يوح إليه) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله: (قال تعالى) أي وعيداً لهم ووعداً له، قوله: (أي في الآخرة) هذا أحد قولين في تفسير الغد، قيل: المراد به يوم نزول العذاب الذي حل بهم في الدنيا. قوله: ﴿ مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ﴾ مبتدأ وخبر، والجملة سدت مسد المفعولين، والمعنى سيعلمون غداً أي فريق هو الكذاب الأشر، أهو هم أو صالح عليه السلام.
قوله: ﴿ إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ ﴾ استئناف مسوق لبيان مبادي الموعود من العذاب، وذلك لأنه جرت عادة الله تعالى، أنه إذا أراد تعذيب قوم، اقترحوا آية ولم يؤمنوا بها، ورد أنهم قالوا لصالح عليه السلام: نريد أن نعرف المحق منا، بأن ندعو آلهتنا وتدعو إلهك، فمن أجابه إلهه علمنا أنه المحق، فدعوا أوثانهم فلم تجبهم فقالوا: ادع أنت فقال: فما تريدون؟ قالوا: تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وبراء، فأجابهم إلى ذلك بشرط الإيمان، فوعدوه بذلك وأكدوا، فكذبوه ثانياً بعدما كذبوا أولاً في آلتهم تجيبهم. قوله: (من الهضبة) بفتح الهاء وسكون الضاد، وهو الجبل المنبسط على الأرض، ويجمع على هضب وهضاب. قوله: ﴿ فِتْنَةً لَّهُمْ ﴾ مفعول لأجله. قوله: (بدل من تاء الافتعال) أي لوقوعها إثر حرف من حروف الإطباق وهو الصاد. قوله: ﴿ وَنَبِّئْهُمْ ﴾ أي أخبرهم. قوله: ﴿ أَنَّ ٱلْمَآءَ ﴾ أي وهو ماء بئرهم الذي كانوا يشربون منه. قوله: ﴿ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ﴾ (وبين الناقة) ظاهره أن الضمير في بينهم واقع عليهم فقط، وأن الكلام حذف الواو مع ما عطفت، والأسهل أن الضمير واقع عليهم وعلى الناقة، على سبيل التغليب. قوله: (ويوم لها) أي فكانت لا تبقي شيئاً في البئر، ويومها يكتفون بلبنه. قوله: ﴿ فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ ﴾ مرتب على محذوف قدره بقوله: (فتمادوا على ذلك) الخ، والمعنى: أنهم بقوا على ذلك مدة، ثم ملوا من ضيق الماء والمرعى عليهم وعلى مواشيهم، فأجمعوا على قتلها، فقال بعضهم لبعض: نكمن للناقة حيث تمر إذا صدرت عن الماء، فاجتمعوا وكمن لها قدار ابن سالف في أصل شجرة في طريقها التي تمر بها، فرماها فقطع عضلة ساقها، فوقعت وأحدثت ورغت رغاءة واحدة ثم نحرها. قوله: (موافقة لهم) قصد بذلك الجمع بين ما هنا وما في الشعراء حيث قال (فعقروها) فتحصل أن مباشرة القتل كان منه، لكن إجماعهم عليه. قوله: ﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً ﴾ أي صاح بهم جبريل في اليوم الرابع من عقر الناقة، وذلك أن عقرها يوم الثلاثاء، فتوعدهم صالح بالعذاب، وأخبرهم بأنهم يصبحون يوم الأربعاء صفر الوجوه، ويوم الخميس حمر الوجوه، ويوم الجمعة سود الوجوه، وفي السبت ينزل بهم العذاب، وكان الأمر كما ذكر. قوله: ﴿ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ ﴾ تشبيه لإهلاكهم، والحظيرة زريبة الغنم ونحوها، والمحتظر بكسر الظاء اسم فاعل، وهو الذي يتخذ حظيرة من الحطب وغيره، لتكون وقاية لمواشيه من الحر والبرد والسباع.
قوله: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ﴾ أي وهم الجماعة الذين سكن عندهم وأرسل لهم، وذلك أن لوطاً هو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، خرج معه عمه من العراق، فنزل إبراهيم بفلسطين، ولوط بسذوم وقراها، فأرسله الله لهم فكذبوا، فحل بهم العذاب. قوله: (المنذرة) أي المخوفة. قوله: (ريحاً ترميهم بالحصباء) أشار بذلك إلى أن حاصباً اسم فاعل، صفة لموصوف محذوف، وفيه دليل على أن إمطار الحجارة وإرسالها عليهم، كان بواسطة إرسال الريح لها. قوله: (من يوم غير معين) أي غير مقصود تعيينه للمخاطبين، فلا ينافي تعيينه في الواقع ولمن حضر. قوله:(أي وقت الصبح) هذا تفسير مراد يدل عليه قوله في الآية الأخرى﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ ﴾[هود: ٨١] وإلا فحقيقة السحر ما كان آخر الليل، والباء بمعنى في. قوله: (لأن حقه أن يستعمل في المعرفة) أي في إرادة التعريف. قوله: (تسمحاً) أي تساهلاً في العبارة، وأشار بذلك إلى أن وجه كون الاستثناء منقطعاً بعيد، لأن أهل لوط من جنس القوم على كل حال، سواء قلنا بنزول الحاصب على الجميع، أو غير أهل لوط، فتحصل أن الاستثناء متصل على كل حال، لكون المستثنى من جنس المستثنى منه، وجعله منقطعاً بعيد. قوله: (مصدر) أي مؤكد لعامله في المعنى وهو ﴿ نَّجَّيْنَاهُم ﴾ إذ الإنجاء نعمة أو مفعول لمحذوف من لفظه، أي أنعمنا عليهم نعمة. قوله: (أي مثل ذلك الجزاء) أي الذي هو الإنجاء. قوله: ﴿ نَجْزِي مَن شَكَرَ ﴾ أي فلا خصوصية لآل لوط، بل هو عام لكل من شكر نعمه تعالى، قال تعالى:﴿ وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ ﴾[الزمر: ٦١] الآية. قوله: (وهو مؤمن) الجملة حالية، وقوله: (أو من آمن) عطف على ﴿ مَن شَكَرَ ﴾ عطف تفسير، وفي ذلك إشارة إلى تفسيرين للموصول، فقيل: إن المراد من شكر النعمة مع أصل الإيمان، وقيل: هو من ضم إلى الإيمان عمل الطاعات. قوله: (تجادلوا وكذبوا) أشار بذلك إلى أنه ضمن تماروا معنى التكذيب، فتعدى تعديته. قوله: (بإنذاره) أي أو بالأمور التي خوفهم بها لوط.
قوله: ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ ﴾ أي أرادوا منه تمكينه ممن أتاه من الملائكة في صورة الأضياف للفاحشة، والمراودة الطلب المتكرر. قوله: (ليخبثوا بهم) الخبث الزنا، والمراد به ما يشمل اللواط، وهو المراد هنا، وهو من باب قتل. قوله: (عميناها) صوابه أعميناها بالهمز، لأن عمي ثلاثي لازم، والمتعدي إنما هوالرباعي. قوله: (وجعلناها بلا شق) هذا أحد قولين، وقيل: بل أعماهم الله مع صحة أبصارهم فلم يروهم. قوله: (فقلنا لهم) أي على ألسنة الملائكة. قوله: (من يوم غير معين) أي لم يرد الله تعيينه لنا، وإلا فهو معين في علم الله، وعلم من بقي من المؤمنين. قوله: ﴿ عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ أي فقلع جبريل بلادهم فرفعها وقلبها، وأمطر الله عليها حجارة من سجيل. قوله: (دائم متصل بعذاب الآخرة) أي فلا يزول عنهم حتى يصلوا إلى النار. قوله: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾ الخ، حكمة تكرار ذلك في كل قصة، التنبيه على الاتعاظ التدبر، إشارة إلى أن تكذيب كل رسول، مقتض لنزول العذاب، كما كرر قوله﴿ فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾[الرحمن: ١٣] تقريراً للنعم المختلفة المعدودة، فكلما ذكر نعمة وبخ التكذيب بها. قوله: (الإنذار) أي فهو مصدر، ويصح جعله جمع نذير، باعتبار الآيات التسع. قوله: ﴿ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا ﴾ استئناف بياني واقع في جواب سؤال مقدر تقديره: ماذا فعلوا حينئذ؟ فقيل: ﴿ كَذَّبُواْ ﴾ الخ. قوله: (أي التسع) أي وهي: العصا واليد والسنين والطمس والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. قوله: ﴿ أَخْذَ عِزِيزٍ ﴾ من إضافة المصدر لفاعله. قوله: ﴿ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ ﴾ أي في القوة والشدة. قوله: (من قوم نوح إلى فرعون) أي وهم خمس فرق: قوم نوح، وعاد وثمود، وقوم لوط، وفرعون وقومه. قوله: (فلم يعذبوا) مسبب عن النفي، والمعنى: أتزعمون أن كفاركم خير ممن كفر من الأمم قبلكم، فيتسبب عن ذلك عدم تعذيبكم؟قوله: ﴿ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ ﴾ إضراب انتقالي إلى وجه آخر من التبكيت. قوله: (بمعنى النفي) أي فهو إنكاري. قوله: ﴿ مُّنتَصِرٌ ﴾ أي فنحن يد واحدة على من خالفنا، منتصر على من عادانا، ولم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي. قوله: (نزل) أي يوم بدر، أي أو كرر نزولها، لما روي أنها لما نزلت قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لم أعلم ما هي، أي الواقعة التي يكون فيها ذلك، فلما كان يوم بدر، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس الدرع ويقول سيهزم الجمع فعلمته، أي علمت المراد من هذه الآية. قوله: ﴿ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ﴾ هم اسم جنس، لأن كل واحد يولي دبره، وأتى به مفرداً لموافقة رؤوس الآي.
قوله: ﴿ بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ﴾ أي فليس ما وقع لهم في الدنيا تمام عقوبتهم، بل هو مقدماته. قوله: ﴿ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ ﴾ أفعل تفضيل من الداهية، وهي الأمر الفظيع الذي لا يهتدى إلى الخلاص منه، والإظهار في مقام الإضمار للتهويل. قوله: (نار مسعرة) أي شديدة. قوله: ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ ﴾ ظرف لقول محذوف تقديره ويقال لهم، أو ظرف لسعر. قوله: (إصابة جهنم) أشار بذلك إلى أن المس مجاز، أطلق وأريد منه الإصابة، و ﴿ سَقَرَ ﴾ علم لجهنم، مشتقة من سقرته الشمس أو النار لوحته أي غيرته. قوله: (منصوب بفعل) الخ، هذه قراءة العامة وهي أرجح، لأن الرفع يوهم عقيدة فاسدة على جعل كل مبتدأ، و ﴿ خَلَقْنَاهُ ﴾ صفة لشيء و ﴿ بِقَدَرٍ ﴾ خبره، لأنه يكون مفهومه أن هناك شيئاً ليس مخلوقاً لله وليس بقدر، ومع أن مختار أهل السنة، كل شيء مخلوق لله تعالى. والمعنى: كل شيء خلقناه بقضاء حكم، وتدبيره محكم وقوة بالغة، واختلف في تعريف القدر، فقالت الأشاعرة هو إيجاد الله الأشياء، على طبق ما سبق في علمه وإرادته، وعليه فهو صفة فعل وهي حادثة، وقالت الماتريدية: هو تحديده تعالى كل مخلوق أزلاً، بحده الذي يوجد به من حسن وقبح وغير ذلك، فهو تعلق العلم والإرادة، وعليه فهو قديم، والقضاء عند الأشاعرة، إرادة الله المعلقة بالأشياء أزلاً فهو قديم، وعند الماتريدية: هو الفعل مع زيادة أحكام فهو حادث، وقيل هما شيء واحد، وهو إيجاد الله الأشياء على طبق تعلق العلم والقدرة، واقتصر على القدر، إما لأن بينهما تلازماً، أو لترادفهما، وفي هذه الآية رد على القدرية القائلين: بأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، والقائلين بأن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، تعالى الله عن قولهم، وهذه الفرقة قد انقرضت قبل زمن الإمام الشافعي. قوله: (وقرئ) أي شذوذاً. قوله: (خبره خلقناه) أي وقوله: ﴿ بِقَدَرٍ ﴾ إما خبر ثان، أو حال من ضمير الخبر. قوله: ﴿ وَمَآ أَمْرُنَآ ﴾ أي شأننا في إيجاد شيء أو إعدامه. قوله: ﴿ إِلاَّ ﴾ (أمره) ﴿ وَاحِدَةٌ ﴾ أي مرة من الأمر، وفي الحقيقة ليس هناك قول ولا أمر، وإنما هو كناية عن سرعة الإيجاد. قوله: ﴿ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ ﴾ حال من متعلق الأمر، والمعنى: حال كونه يوجد سريعاً بالمرة من الأمر ولا يتراخى عنها، واللمح النظر بسرعة، فكما أن لمح أحدكم ببصره لا كلفة عليه فيه، فكذلك الأفعال كلها عند الله. قوله: (وهي كن) بيان للأمرة الواحدة، وقوله: (إنما أمره) الخ، دليل لهذه الآية. قوله: (أشباهكم في الكفر) أي الذين يشبهونكم فيه. قوله: ﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ أي بما وقع لهم، فيرتدع وينزجر. قوله: ﴿ فِي ٱلزُّبُرِ ﴾ جمع زبور وهو الكتاب. قوله: (أريد به الجنس) أي لمناسبة جمع الجنات، وأفرد موافقة لرؤوس الآي. قوله: (وقرئ) أي شذوذاً. قوله: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ من إضافة الموصوف لصفته. قوله: (وقرئ مقاعد) أي شذوذاً. قوله: (يبدل البعض) أي لأن المقعد بعض الجنات، وقوله: (وغيره) أي وهو بدل الاشتمال لأن الجنات مشتملة على المقعد. قوله: ﴿ عِندَ مَلِيكٍ ﴾ خبر ثان إن جعل في مقعد صدق بدلاً، أو ثالث إن جعل خبراً ثانياً. قوله: (وعند إشارة للرتبة) أي فهي عندية مكانية، وقوله: (والقربة) أي التقرب، فهما متحدان.
Icon