تفسير سورة سورة القمر من كتاب تأويلات أهل السنة
المعروف بـتفسير الماتريدي
.
لمؤلفه
أبو منصور المَاتُرِيدي
.
المتوفي سنة 333 هـ
ﰡ
سُورَةُ الْقَمَرِ
ذكر أن سورة (اقترب) مَكِّيَّة
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: اقتربت الساعة، واقترب انشقاق القمر.
وقيل: على التقديم والتأخير، اقتربت الساعة، وإن يروا آية يعرضوا وإن كان انشقاق القمر.
فعلى هذين التأويلين، لم يكن انشقاق القمر بعد، ولكن يكون في المستقبل، وعند قيام الساعة؛ وهو قول أبي بكر الأصم، ويقول: معنى قوله: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) أي: سينشق القمر عند الساعة؛ إذ لو كان قد انشق في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لَمَا خفي على أهل الآفاق، ولو كان ظاهرا عندهم، لتواتر النقل به؛ إذ هو أمر عجيب، والطباع جبلت على نشر العجائب.
وعامة أهل التأويل على أن القمر قد انشق؛ فكان من معجزاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بمنى، فانشق القمر، فذهبت فرقة منه وراء الجبل، فقال - عليه السلام -: " اشهدوا، اشهدوا "، وروي عن غيره أيضًا: عن عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهم - وأنس بن مالك، وحذيفة، وجبير بن مطعم، في جماعة من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين -: أنهم رأوا انشقاق القمر.
وقول أبي بكر: لو كان، لم يخْفَ وظهر؛ فيقال له: قد ظهر؛ فإنه روي عن غير واحد من الصحابة - رضي اللَّه عنهم - وتواتر الحديث عن الخاص والعام، وفشا الأمر بينهم، حتى قل من يخفى عليه سماع هذا الحديث.
ذكر أن سورة (اقترب) مَكِّيَّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨).قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: اقتربت الساعة، واقترب انشقاق القمر.
وقيل: على التقديم والتأخير، اقتربت الساعة، وإن يروا آية يعرضوا وإن كان انشقاق القمر.
فعلى هذين التأويلين، لم يكن انشقاق القمر بعد، ولكن يكون في المستقبل، وعند قيام الساعة؛ وهو قول أبي بكر الأصم، ويقول: معنى قوله: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) أي: سينشق القمر عند الساعة؛ إذ لو كان قد انشق في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لَمَا خفي على أهل الآفاق، ولو كان ظاهرا عندهم، لتواتر النقل به؛ إذ هو أمر عجيب، والطباع جبلت على نشر العجائب.
وعامة أهل التأويل على أن القمر قد انشق؛ فكان من معجزاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بمنى، فانشق القمر، فذهبت فرقة منه وراء الجبل، فقال - عليه السلام -: " اشهدوا، اشهدوا "، وروي عن غيره أيضًا: عن عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهم - وأنس بن مالك، وحذيفة، وجبير بن مطعم، في جماعة من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين -: أنهم رأوا انشقاق القمر.
وقول أبي بكر: لو كان، لم يخْفَ وظهر؛ فيقال له: قد ظهر؛ فإنه روي عن غير واحد من الصحابة - رضي اللَّه عنهم - وتواتر الحديث عن الخاص والعام، وفشا الأمر بينهم، حتى قل من يخفى عليه سماع هذا الحديث.
على أنه قد يطلق ظاهر الكتاب، وإنما يكلف حفظ ما لم ينطق به الكتاب، والعمل بحقيقة اللفظ واجب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يجوز أن يستره اللَّه - تعالى - عن الآفاق بغيم، أو يشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور؛ لضرب تدبير ولطف منه؛ لئلا يدعيه بعض الملتبسين في الآفاق لنفسه، وادعى الرسالة كاذبا؛ بناء على دعواه: أنه فعل ذلك؛ فيحتمل أنه أخفى عن أهل الآفاق إلا في حق من تظهر المعجزة عليه من الحاضرين، والكفرة يكتمونه، والصحابة الذين رأوا قد نقلوه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) كأنه يقول: اقتربت الساعة التي تجزون، أو الساعة التي تنشرون فيها، أو الساعة التي تحاسبون فيها.
فَإِنْ قِيلَ: أليس روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " بعثتُ أنا والساعة كهاتين "، وأشار إلى السبابة والوسطى، وقد قبض رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولم تقم الساعة بعد.
قيل: يحتمل أن مراده - عليه الصلاة والسلام - أنه ختم النبوة والرسالة، وتبقى أحكامه وشريعته إلى وقت قيام الساعة، وبقاء شريعته كبقائه، فصار كأنه قال: شريعتي والساعة كهاتين.
ويحتمل أنه لما كان به ختم النبوة والشريعة، صار بعثه ومجيئه - عليه السلام - علامة للساعة وآية لها، وهو كقوله - تعالى - (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا) على تأويل من جعل بعث الرسول - عليه السلام - علَما وآية للساعة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) ذكر تعنتهم وعنادهم: أنهم وإن يروا آية سألوها، يعرضوا؛ فلم يُرِهِم تلك.
أو من سنته: أن كل آية جاءت على أثر السؤال، فلم يقبلوها أهلكوا، فإذا كان من سنته هذا، وقد وعد تأخير عذاب هذه الأمة إلى الساعة، وعفا عنهم التعجيل - لم يرهم تلك الآيات المقترحة، واللَّه أعلم.
ويحتمل: وإن يروا آية حسية يعرضوا؛ لأن آيات رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عامتها وأكثرها كانت عقلية وسمعية، فيخبر عن سفههم وتعنتهم أنهم وإن يروا آية حسية يعرضوا عنها، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا)، وكقوله - تعالى -: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يجوز أن يستره اللَّه - تعالى - عن الآفاق بغيم، أو يشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور؛ لضرب تدبير ولطف منه؛ لئلا يدعيه بعض الملتبسين في الآفاق لنفسه، وادعى الرسالة كاذبا؛ بناء على دعواه: أنه فعل ذلك؛ فيحتمل أنه أخفى عن أهل الآفاق إلا في حق من تظهر المعجزة عليه من الحاضرين، والكفرة يكتمونه، والصحابة الذين رأوا قد نقلوه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) كأنه يقول: اقتربت الساعة التي تجزون، أو الساعة التي تنشرون فيها، أو الساعة التي تحاسبون فيها.
فَإِنْ قِيلَ: أليس روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " بعثتُ أنا والساعة كهاتين "، وأشار إلى السبابة والوسطى، وقد قبض رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولم تقم الساعة بعد.
قيل: يحتمل أن مراده - عليه الصلاة والسلام - أنه ختم النبوة والرسالة، وتبقى أحكامه وشريعته إلى وقت قيام الساعة، وبقاء شريعته كبقائه، فصار كأنه قال: شريعتي والساعة كهاتين.
ويحتمل أنه لما كان به ختم النبوة والشريعة، صار بعثه ومجيئه - عليه السلام - علامة للساعة وآية لها، وهو كقوله - تعالى - (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا) على تأويل من جعل بعث الرسول - عليه السلام - علَما وآية للساعة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) ذكر تعنتهم وعنادهم: أنهم وإن يروا آية سألوها، يعرضوا؛ فلم يُرِهِم تلك.
أو من سنته: أن كل آية جاءت على أثر السؤال، فلم يقبلوها أهلكوا، فإذا كان من سنته هذا، وقد وعد تأخير عذاب هذه الأمة إلى الساعة، وعفا عنهم التعجيل - لم يرهم تلك الآيات المقترحة، واللَّه أعلم.
ويحتمل: وإن يروا آية حسية يعرضوا؛ لأن آيات رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عامتها وأكثرها كانت عقلية وسمعية، فيخبر عن سفههم وتعنتهم أنهم وإن يروا آية حسية يعرضوا عنها، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا)، وكقوله - تعالى -: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا
فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا...) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)، اختلف فيه:
منهم من قال: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي: ماض، لم يزل الرسل - عليهم السلام - كانوا يأتون بمثله من السحر.
ومنهم من قال: (مُسْتَمِرٌّ) أي: قوي؛ مأخوذ من المِرَّة، وهي القوة، وأصل المرة: الفتل.
ومنهم من قال: (مُسْتَمِرٌّ) أي: ذاهب؛ يذهب ويتلاشى ولا يبقى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) يحتمل كذبوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وما أتى به من الآية على الرسالة.
ويحتمل: وكذبوا بالتوحيد (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يخبر أنهم إنما كذبوا ما ذكر باتباع أهوائهم، لا بحجة وبرهان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ... (٥) يحتمل قوله: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) وجاءتهم - أيضًا - حكمة بالغة، وهي القرآن.
ويحتمل أن يكون معناه: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) وفي تلك الأنباء حكمة بالغة.
ثم الأنباء التي فيها مزدجر حكمة بالغة، وهي ما ذكر في هذه السورة من أنباء عاد، وثمود، وقوم لوط، وقوم نوح، وموسى، فقد جاءهم أنباء هَؤُلَاءِ، وعرفوا ما نزل بهم من العذاب والإهلاك، وبأي شيء نزل بهم، وهو تكذيب الرسل - عليهم السلام - ليرتدعوا عن مثل صنيعهم، فلا يلحقهم مثل ما يلحق أُولَئِكَ، وفي ذلك حكمة بالغة، والبالغة هي النهاية في الأمر؛ يقال: فلان بالغ في العلم: إذ انتهى في ذلك نهايته.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: مزدجر: أمر متعظ.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: مزدجر: أي: زاجر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ).
يقول - واللَّه أعلم -: قد جاءهم ما ذكر من الأنباء التي فيها مزدجر وإنذار، فلم يزجرهم ذلك، ولم ينفعهم، فأنَّى تغني النذر لهم؟ ومن أين تنفعهم النذر؟ أي: لا
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)، اختلف فيه:
منهم من قال: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي: ماض، لم يزل الرسل - عليهم السلام - كانوا يأتون بمثله من السحر.
ومنهم من قال: (مُسْتَمِرٌّ) أي: قوي؛ مأخوذ من المِرَّة، وهي القوة، وأصل المرة: الفتل.
ومنهم من قال: (مُسْتَمِرٌّ) أي: ذاهب؛ يذهب ويتلاشى ولا يبقى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) يحتمل كذبوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وما أتى به من الآية على الرسالة.
ويحتمل: وكذبوا بالتوحيد (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يخبر أنهم إنما كذبوا ما ذكر باتباع أهوائهم، لا بحجة وبرهان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ... (٥) يحتمل قوله: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) وجاءتهم - أيضًا - حكمة بالغة، وهي القرآن.
ويحتمل أن يكون معناه: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) وفي تلك الأنباء حكمة بالغة.
ثم الأنباء التي فيها مزدجر حكمة بالغة، وهي ما ذكر في هذه السورة من أنباء عاد، وثمود، وقوم لوط، وقوم نوح، وموسى، فقد جاءهم أنباء هَؤُلَاءِ، وعرفوا ما نزل بهم من العذاب والإهلاك، وبأي شيء نزل بهم، وهو تكذيب الرسل - عليهم السلام - ليرتدعوا عن مثل صنيعهم، فلا يلحقهم مثل ما يلحق أُولَئِكَ، وفي ذلك حكمة بالغة، والبالغة هي النهاية في الأمر؛ يقال: فلان بالغ في العلم: إذ انتهى في ذلك نهايته.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: مزدجر: أمر متعظ.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: مزدجر: أي: زاجر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ).
يقول - واللَّه أعلم -: قد جاءهم ما ذكر من الأنباء التي فيها مزدجر وإنذار، فلم يزجرهم ذلك، ولم ينفعهم، فأنَّى تغني النذر لهم؟ ومن أين تنفعهم النذر؟ أي: لا
الآيتان ٤ و٥ وقوله تعالى :﴿ ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مُزدَجر ﴾ ﴿ حكمة بالغة ﴾ يحتمل قوله :﴿ ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مُزدَجر ﴾ وجاءتهم حكمة بالغة، وهو القرآن. ويحتمل أن يكون معناه :﴿ ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مُزدجر ﴾ وفي تلك الأنباء حكمة بالغة.
ثم الأنباء التي فيها مُزدَجر حكمة بالغة، وهي ما ذكر في هذه السورة من أنباء عاد وثمود وقوم نوح وموسى، فقد جاءهم أنباء هؤلاء، وعرفوا ما نزل بهم من العذاب والإهلاك، وبأي شيء نزل بهم، وهو تكذيب الرسل عليهم السلام ليرتدعوا عن مثل صنيعهم، فلا يلحقهم مثل ما يلحق أولئك، والبالغة هي١ النهاية في الأمر، يقال بالغ في العلم إذا انتهى في ذلك نهايته.
وقال القتبيّ :﴿ مزدجر ﴾ أمر متّعظ. وقال أبو عوسجة :﴿ مزدجر ﴾ أي زاجر.
وقوله تعالى :﴿ فما تُغْنِ النُّذُر ﴾ يقول، والله أعلم : قد جاءهم ما ذكر من الأنباء التي فيها مُزدَجر وإنذار، فلم يزجرهم ذلك، ولم ينفعهم، فأنّى تُغن النُّذر ؟ ومن أين تنفعهم النذر ؟ أي لا تُغنيهم.
ثم النّذر تحتمل وجهين :
أحدهما :﴿ النّذر ﴾ [ الرسل ]٢ عليهم السلام جمع نذير.
والثاني : ما تقع به النذارة، وهي الأنباء التي أنذر الرسل بها، وحذّروا بذلك.
يقول : فما يُغنيهم قول الرسل ولا خوف ما بلغهم من القصص التي فيها تعذيب الكفرة بتكذيب الرسل عليهم السلام وترك اتّباعهم، والله أعلم.
ثم الأنباء التي فيها مُزدَجر حكمة بالغة، وهي ما ذكر في هذه السورة من أنباء عاد وثمود وقوم نوح وموسى، فقد جاءهم أنباء هؤلاء، وعرفوا ما نزل بهم من العذاب والإهلاك، وبأي شيء نزل بهم، وهو تكذيب الرسل عليهم السلام ليرتدعوا عن مثل صنيعهم، فلا يلحقهم مثل ما يلحق أولئك، والبالغة هي١ النهاية في الأمر، يقال بالغ في العلم إذا انتهى في ذلك نهايته.
وقال القتبيّ :﴿ مزدجر ﴾ أمر متّعظ. وقال أبو عوسجة :﴿ مزدجر ﴾ أي زاجر.
وقوله تعالى :﴿ فما تُغْنِ النُّذُر ﴾ يقول، والله أعلم : قد جاءهم ما ذكر من الأنباء التي فيها مُزدَجر وإنذار، فلم يزجرهم ذلك، ولم ينفعهم، فأنّى تُغن النُّذر ؟ ومن أين تنفعهم النذر ؟ أي لا تُغنيهم.
ثم النّذر تحتمل وجهين :
أحدهما :﴿ النّذر ﴾ [ الرسل ]٢ عليهم السلام جمع نذير.
والثاني : ما تقع به النذارة، وهي الأنباء التي أنذر الرسل بها، وحذّروا بذلك.
يقول : فما يُغنيهم قول الرسل ولا خوف ما بلغهم من القصص التي فيها تعذيب الكفرة بتكذيب الرسل عليهم السلام وترك اتّباعهم، والله أعلم.
١ من م، في الأصل: في..
٢ من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٢ من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
تغنيهم.
ثم النذر تحتمل وجهين:
أحدهما: النذر: الرسل - عليهم السلام - جمع: نذير.
والثاني: ما تقع به النذارة، وهو الأنباء التي أنذر الرسل بها وحذروا بذلك؛ يقول: فما يغنيهم قول الرسول، ولا خوف ما بلغهم من القصص التي فيها تعذيب للكفرة بتكذيب الرسل - عليهم السلام - وترك اتباعهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ... (٦) يحتمل وجوها:
أحدها: قوله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: أعرض عنهم، ولا تكافئهم بإساءتهم.
والثاني: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: لا تقاتلهم، ولا تجاهدهم؛ فإن كان التأويل هذا، فهو يحتمل النسخ على ما قاله أهل التأويل، وإن كان الأول فهو لا يحتمل النسخ.
والثالث: يحتمل: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: لا تشتغل بهم؛ فإنهم لا يؤمنون، وذلك في قوم علم اللَّه - تعالى - أنهم لا يؤمنون، يؤيس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الطمع في إيمانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي: إلى شيء منكر، فظيع، هائل.
ويحتمل: إلى شيء أنكروه في الدنيا -وهو الساعة- فيقرون في الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ... (٧) وقرئ: (خاشعًا)، بالألف، روي عن أبن عباس، وتصديقها في قراءة عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (خاشعة أبصارهم)، وصفهم بالخضوع في الآخرة مكان استكبارهم في الدنيا، وبالإقرار والتصديق بالساعة مكان إنكارهم في الدنيا، وبالإجابة للداعي مكان ردهم له في الدنيا حيث قال: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: تشبيههم بالجراد لحيرتهم، لا يدرون من أين يأتون؟ وإلى أين يصيرون؟ كالجراد الذي لا يُدْرَى من أين؟ وإلى أين؟ وهو كقوله - تعالى -: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى).
والثاني: تشبيههم بالجراد؛ لكثرتهم، وازدحامهم؛ لما يحشر الكل بدفعة واحدة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) قال عامة أهل التأويل: (مُهْطِعِينَ)،
ثم النذر تحتمل وجهين:
أحدهما: النذر: الرسل - عليهم السلام - جمع: نذير.
والثاني: ما تقع به النذارة، وهو الأنباء التي أنذر الرسل بها وحذروا بذلك؛ يقول: فما يغنيهم قول الرسول، ولا خوف ما بلغهم من القصص التي فيها تعذيب للكفرة بتكذيب الرسل - عليهم السلام - وترك اتباعهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ... (٦) يحتمل وجوها:
أحدها: قوله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: أعرض عنهم، ولا تكافئهم بإساءتهم.
والثاني: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: لا تقاتلهم، ولا تجاهدهم؛ فإن كان التأويل هذا، فهو يحتمل النسخ على ما قاله أهل التأويل، وإن كان الأول فهو لا يحتمل النسخ.
والثالث: يحتمل: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي: لا تشتغل بهم؛ فإنهم لا يؤمنون، وذلك في قوم علم اللَّه - تعالى - أنهم لا يؤمنون، يؤيس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الطمع في إيمانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي: إلى شيء منكر، فظيع، هائل.
ويحتمل: إلى شيء أنكروه في الدنيا -وهو الساعة- فيقرون في الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ... (٧) وقرئ: (خاشعًا)، بالألف، روي عن أبن عباس، وتصديقها في قراءة عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (خاشعة أبصارهم)، وصفهم بالخضوع في الآخرة مكان استكبارهم في الدنيا، وبالإقرار والتصديق بالساعة مكان إنكارهم في الدنيا، وبالإجابة للداعي مكان ردهم له في الدنيا حيث قال: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: تشبيههم بالجراد لحيرتهم، لا يدرون من أين يأتون؟ وإلى أين يصيرون؟ كالجراد الذي لا يُدْرَى من أين؟ وإلى أين؟ وهو كقوله - تعالى -: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى).
والثاني: تشبيههم بالجراد؛ لكثرتهم، وازدحامهم؛ لما يحشر الكل بدفعة واحدة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) قال عامة أهل التأويل: (مُهْطِعِينَ)،
الآية ٧ وقوله تعالى :﴿ خُشّعًا أبصارهم ﴾ وقُرئ : خاشعة بالألف١ ؛ ورُوي عن ابن عباس [ قوله :]٢ وتصديقها في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :﴿ خُشّعا أبصارهم ﴾ وصفهم بالخضوع في الآخرة مكان استكبارهم في الدنيا، وبالإقرار والتصديق بالساعة مكان إنكارهم في الدنيا، وبالإجابة للداعي مكان ردّهم له في الدنيا حين٣ قال :﴿ مُهطعين إلى الدّاع ﴾ [ الآية : ٨ ].
وقوله تعالى :﴿ يخرُجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ﴾ هذا يخرّج على وجهين :
أحدهما : تشبيههم بالجراد لحيرتهم، لا يدرون من أين يأتون ؟ وإلى أين يصيرون ؟ كالجراد الذي لا يُدرى من أين [ أتى ]٤ وإلى أين [ يذهب ]٥ ؟ وهو كقوله تعالى :﴿ وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ﴾ [ الحج : ٢ ].
والثاني : تشبيههم بالجراد لكثرتهم وازدحامهم لما يحشر الكل بدفعة واحدة، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ يخرُجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ﴾ هذا يخرّج على وجهين :
أحدهما : تشبيههم بالجراد لحيرتهم، لا يدرون من أين يأتون ؟ وإلى أين يصيرون ؟ كالجراد الذي لا يُدرى من أين [ أتى ]٤ وإلى أين [ يذهب ]٥ ؟ وهو كقوله تعالى :﴿ وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ﴾ [ الحج : ٢ ].
والثاني : تشبيههم بالجراد لكثرتهم وازدحامهم لما يحشر الكل بدفعة واحدة، والله أعلم.
١ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣١..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: حيث..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: حيث..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
الآية ٨ وقوله تعالى :﴿ مهطعين إلى الدّاع ﴾ قال عامة أهل التأويل ﴿ مهطعين ﴾ أي مسرعين، وقال قتادة : أي عامِدين.
وقال مجاهد : الإهطاع السّيلان. وهو بالفارسية : يويه رفيق.
وقال بعضهم :﴿ مهطعين ﴾ ناظرين رافعي رؤوسهم، وهو قول الكلبيّ.
وقال أبو عوسجة : أي مسرعين مادّين أعناقهم، وقيل : الإهطاع إدامة النظر إلى الدّاعي.
وقوله تعالى :﴿ يقول الكافرون هذا يوم عسِر ﴾ وهو ما قال في آية أخرى :﴿ فذلك يومئذ يوم عسير ﴾ ﴿ على الكافرين غير يسير ﴾ [ المدثر : ٩ و١٠ ].
وقال مجاهد : الإهطاع السّيلان. وهو بالفارسية : يويه رفيق.
وقال بعضهم :﴿ مهطعين ﴾ ناظرين رافعي رؤوسهم، وهو قول الكلبيّ.
وقال أبو عوسجة : أي مسرعين مادّين أعناقهم، وقيل : الإهطاع إدامة النظر إلى الدّاعي.
وقوله تعالى :﴿ يقول الكافرون هذا يوم عسِر ﴾ وهو ما قال في آية أخرى :﴿ فذلك يومئذ يوم عسير ﴾ ﴿ على الكافرين غير يسير ﴾ [ المدثر : ٩ و١٠ ].
أي: مسرعين.
وقال قتادة: أي: عامدين.
وقال مجاهد: الإهطاع: السيلان، وهو بالفارسية: يويه رفيق.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: مهطعين: ناظرين، رافعي رءوسهم؛ وهو قول الكلبي.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: أي: مسرعين، مادين أعناقهم.
وقيل: الإهطاع: إدامة النظر إلى الداعي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)، وهو ما قال في آية أخرى: (يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ).
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) يقول - واللَّه أعلم -: كذبت قبل قومك قوم نوح نوحا - عليه السلام - وآذوه، فصبر على التكذيب وأنواع الأذى، ولم يدع عليهم بالهلاك ما لم يرد الإذن بالدعاء عليهم بالهلاك من اللَّه - تعالى - فاصبر أنت على تكذيب القوم وأنواع الأذى، وهو كقوله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
فَإِنْ قِيلَ: ما الحكمة في تكرار هذه الأنباء في القرآن، ولم يكرر ما فيه من الأحكام؟ قيلَ؛ إن هذه الأنباء والقصص إنما جاءت لمحاجة أهل مكة وأمثالهم من الكفرة في إثبات الرسالة والتوحيد والبعث؛ إذ هم المنكرون لهذه الأشياء، وهم كانوا أهل عناد ومكابرة، وفيهم - أيضًا - مسترشدون، ومن حق المحاجة مع من ذكرنا وأمثالهم أن تعاد الحجة مرة بعد مرة؛ لعلهم يقبلونها في وقت، وتنجع في قلوبهم في وقت، وإن لم تنجع في وقت، ومن حق الموعظة للمسترشدين - أيضًا - أن تكرر ليتعظوا؛ إذ يختلف ذلك باختلاف الأحوال، وقد ذكرنا فوائد تكرارها واقتصار الأحكام فيما تقدم، والله أعلم.
وقال قتادة: أي: عامدين.
وقال مجاهد: الإهطاع: السيلان، وهو بالفارسية: يويه رفيق.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: مهطعين: ناظرين، رافعي رءوسهم؛ وهو قول الكلبي.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: أي: مسرعين، مادين أعناقهم.
وقيل: الإهطاع: إدامة النظر إلى الداعي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)، وهو ما قال في آية أخرى: (يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ).
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) يقول - واللَّه أعلم -: كذبت قبل قومك قوم نوح نوحا - عليه السلام - وآذوه، فصبر على التكذيب وأنواع الأذى، ولم يدع عليهم بالهلاك ما لم يرد الإذن بالدعاء عليهم بالهلاك من اللَّه - تعالى - فاصبر أنت على تكذيب القوم وأنواع الأذى، وهو كقوله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ).
فَإِنْ قِيلَ: ما الحكمة في تكرار هذه الأنباء في القرآن، ولم يكرر ما فيه من الأحكام؟ قيلَ؛ إن هذه الأنباء والقصص إنما جاءت لمحاجة أهل مكة وأمثالهم من الكفرة في إثبات الرسالة والتوحيد والبعث؛ إذ هم المنكرون لهذه الأشياء، وهم كانوا أهل عناد ومكابرة، وفيهم - أيضًا - مسترشدون، ومن حق المحاجة مع من ذكرنا وأمثالهم أن تعاد الحجة مرة بعد مرة؛ لعلهم يقبلونها في وقت، وتنجع في قلوبهم في وقت، وإن لم تنجع في وقت، ومن حق الموعظة للمسترشدين - أيضًا - أن تكرر ليتعظوا؛ إذ يختلف ذلك باختلاف الأحوال، وقد ذكرنا فوائد تكرارها واقتصار الأحكام فيما تقدم، والله أعلم.
فَإِنْ قِيلَ: إن نوحا - عليه الصلاة والسلام - قد دعا على قومه بالهلاك.
قيل: إنما دعا على قومه بالهلاك بعدما أيس من إيمانهم؛ حيث قيل: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)، أما رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يؤيسه عن إيمان قومه جملة؛ إنما يؤيسه عن بعض بطريق التعيين، وهم قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون، لا عن الكل؛ فلذلك لم يؤذن بالدعاء عليهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) يحتمل: كذبوه فيما ادعى لنفسه الرسالة.
أو كذبوه فيما دعاهم إليه بالتوحيد وتوجيه الشكر إلى الواحد القهار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا مَجْنُونٌ)، أي: قالوا لأتباعهم: إنه مجنون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَازْدُجِرَ)، أي: نوح - عليه السلام - حيث قالوا لقومهم: لا تتبعوه، وزجروهم عنه بقولهم: إنه مجنون؛ فهذا منهم زجر لأتباعهم عن اتباعه؛ فصار لذلك نوح - عليه السلام - مزدجرا عن القوم، وصار القوم مزدجرين عنه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: زجروا نوحا - عليه السلام - أي: منعوه عن إظهار ما أتاهم من الآيات على رسالته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) أي: مغلوب بالسفه والمكابرة وأنواع الأذى؛ إذ لا يحتمل أن يكون مغلوبا بالحجج، فانتصر لعبدك عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) يحتمل قوله - تعالى -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) أي: من فوق؛ لأن ما كان من فوقك فهُو سماء؛ فيحتمل أن يكون ذلك من البحر بفوق الذي ذكر أنه بين السماء والأرض.
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا... (١٢) أي: أنبعنا الماء من الأرض؛ كأنه قال: أنزلنا الماء من فوق، وأنبعنا من أسفل.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) هو حقيقة فتح السماء وإنزال الماء منها، واللَّه - تعالى - قادر أن يرسل الماء مما يشاء، وكيف شاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) قيل: منصب.
وقال أبو عبيد: (مُنْهَمِرٍ)، أي: كثير سريع الانصباب؛ يقال: همر الرجل: إذا أكثر في الكلام؛ فأسرع.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: انهمرت السماء وهمرت، أي: أمطرت؛ فأكثرت.
قيل: إنما دعا على قومه بالهلاك بعدما أيس من إيمانهم؛ حيث قيل: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)، أما رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يؤيسه عن إيمان قومه جملة؛ إنما يؤيسه عن بعض بطريق التعيين، وهم قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون، لا عن الكل؛ فلذلك لم يؤذن بالدعاء عليهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) يحتمل: كذبوه فيما ادعى لنفسه الرسالة.
أو كذبوه فيما دعاهم إليه بالتوحيد وتوجيه الشكر إلى الواحد القهار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا مَجْنُونٌ)، أي: قالوا لأتباعهم: إنه مجنون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَازْدُجِرَ)، أي: نوح - عليه السلام - حيث قالوا لقومهم: لا تتبعوه، وزجروهم عنه بقولهم: إنه مجنون؛ فهذا منهم زجر لأتباعهم عن اتباعه؛ فصار لذلك نوح - عليه السلام - مزدجرا عن القوم، وصار القوم مزدجرين عنه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: زجروا نوحا - عليه السلام - أي: منعوه عن إظهار ما أتاهم من الآيات على رسالته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) أي: مغلوب بالسفه والمكابرة وأنواع الأذى؛ إذ لا يحتمل أن يكون مغلوبا بالحجج، فانتصر لعبدك عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) يحتمل قوله - تعالى -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) أي: من فوق؛ لأن ما كان من فوقك فهُو سماء؛ فيحتمل أن يكون ذلك من البحر بفوق الذي ذكر أنه بين السماء والأرض.
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا... (١٢) أي: أنبعنا الماء من الأرض؛ كأنه قال: أنزلنا الماء من فوق، وأنبعنا من أسفل.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) هو حقيقة فتح السماء وإنزال الماء منها، واللَّه - تعالى - قادر أن يرسل الماء مما يشاء، وكيف شاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) قيل: منصب.
وقال أبو عبيد: (مُنْهَمِرٍ)، أي: كثير سريع الانصباب؛ يقال: همر الرجل: إذا أكثر في الكلام؛ فأسرع.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: انهمرت السماء وهمرت، أي: أمطرت؛ فأكثرت.
الآية ١١ وقوله تعالى :﴿ ففتحنا أبواب السماء بماء مُنهمِر ﴾ يحتمل قوله تعالى :﴿ ففتحنا أبواب السماء ﴾ أي من فوق، لأن ما كان فوقك فهو سماء، فيُحتمل أن يكون ذلك من البحر المكفوف الذي ذكر أنه بين السماء والأرض.
الآية ١٢ [ بقوله تعالى ]١ :﴿ وفجّرنا الأرض عيونا ﴾ أي أنبعنا الماء من الأرض، كأنه قال :[ أنزلنا الماء ]٢ من فوق، وأنبعنا من أسفل.
ويحتمل أن يكون قوله تعالى :﴿ ففتحنا أبواب السماء ﴾ هو حقيقة فتح السماء وإنزال الماء منها، والله تعالى قادر أن يرسل الماء مما٣ يشاء، وكيف [ يشاء ]٤ والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ بماء منهمِر ﴾ قيل : مُنصَبّ. وقال أبو عبيد :﴿ منهمر ﴾ أي كثير سريع الانصباب ؛ يقال : هَمَر الرجل إذا أكثر من الكلام، فأسرع. وقال أبو عوسجة : انهمرت السماء، وهمرت /٥٣٩-ب/ أي مَطَرت، فأكثرت.
وقوله تعالى :﴿ فألقى الماء على أمر قد قُدر ﴾ يذكر أن الماءين جميعا : ما أُرسل من فوق٥، وما أُخرج من تحت على تقدير وتدبير لا جُزافًا، وهو كقوله تعالى :﴿ ثم جئت على قَدَرٍ يا موسى ﴾ [ طه : ٤٠ ] أي على قدر وتدبير من الله تعالى لك في ذلك لا على تقدير منه.
وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه فألقى على أمر قد قُدر.
وقال بعضهم :﴿ على أمر قد قُدِر ﴾ أي قد قُدِر لهم أن يغرقوا بالماء إذ كفروا. وقال بعضهم :﴿ قد قُدر ﴾ أي استوى الماء : نصفه من عيون الأرض، ونصفه من السماء. وأصله ما ذكرنا، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون قوله تعالى :﴿ ففتحنا أبواب السماء ﴾ هو حقيقة فتح السماء وإنزال الماء منها، والله تعالى قادر أن يرسل الماء مما٣ يشاء، وكيف [ يشاء ]٤ والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ بماء منهمِر ﴾ قيل : مُنصَبّ. وقال أبو عبيد :﴿ منهمر ﴾ أي كثير سريع الانصباب ؛ يقال : هَمَر الرجل إذا أكثر من الكلام، فأسرع. وقال أبو عوسجة : انهمرت السماء، وهمرت /٥٣٩-ب/ أي مَطَرت، فأكثرت.
وقوله تعالى :﴿ فألقى الماء على أمر قد قُدر ﴾ يذكر أن الماءين جميعا : ما أُرسل من فوق٥، وما أُخرج من تحت على تقدير وتدبير لا جُزافًا، وهو كقوله تعالى :﴿ ثم جئت على قَدَرٍ يا موسى ﴾ [ طه : ٤٠ ] أي على قدر وتدبير من الله تعالى لك في ذلك لا على تقدير منه.
وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه فألقى على أمر قد قُدر.
وقال بعضهم :﴿ على أمر قد قُدِر ﴾ أي قد قُدِر لهم أن يغرقوا بالماء إذ كفروا. وقال بعضهم :﴿ قد قُدر ﴾ أي استوى الماء : نصفه من عيون الأرض، ونصفه من السماء. وأصله ما ذكرنا، والله أعلم.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ من م، ساقطة من الأصل..
٣ في الأصل وم: ممن..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ في الأصل وم: الفوق..
٢ من م، ساقطة من الأصل..
٣ في الأصل وم: ممن..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ في الأصل وم: الفوق..
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) يذكر أن الماءين جميعًا: ما أرسل من الفوق، وما أخرج من التحت - على تقدير وتدبير، لا جزافا، وهو كقوله - تعالى -: (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) أي: على تقدير وتدبير من اللَّه تعالى جئت، لا على غير تقدير منه.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فالتقى الماءان على أمر قد قدر).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي: قد قدر لهم أن يغرقوا بالماء إذ كفروا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (قَدْ قُدِرَ) أي: استوى الماء نصفه من عيون الأرض، ونصفه من السماء، وأصله ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) وذكر في حرف حفصة - رضي اللَّه عنها - (وحملناه وذريته على ذات ألواح ودسر)، ذكر - هاهنا - ذات ألواح، وذكر في آية أخرى السفينة بقوله - تعالى -: (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، ونحوه؛ فيكون (ذَاتِ أَلْوَاحٍ) تفسير السفينة، ولو لم يفهم من (ذَاتِ أَلْوَاحٍ) السفينة؛ إذ ذات الألواح قد ترجع إلى الأشجار وغيرها، لكن كان تفسير السفينة بما ذكرنا، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في قوله - تعالى -: (وَدُسُرٍ):
قال أهل التأويل: الدسر: المسامير التي تشد بها السفينة.
وقيل: الدسر: أضلاع السفينة.
وقيل: صدرها.
وقال الحسن: هي السفينة؛ لأنها تدسر الماء بجؤجئها.
قال أبو معاذ: واحد الدسر: دسار، وجمع الجؤجؤ: الجآجئ، وهي الصدور.
ثم في قوله: (وَحَمَلْنَاهُ)، وتسميته هذه المصنوعة: سفينة - دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله - تعالى - لأنهم هم الذين ركبوا السفينة، ثم أخبر أنه هو الذي حملهم، وكذا الخُشُب المجتمعة لا تسمى: سفينة، إنما سميت بهذا الاسم الخاص بعد الإيجاد والصنعة الموجودة من العباد؛ دل أن لله في فعل العباد صنعا، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا... (١٤) أي: بتقديرنا وبحفظنا.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فالتقى الماءان على أمر قد قدر).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي: قد قدر لهم أن يغرقوا بالماء إذ كفروا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (قَدْ قُدِرَ) أي: استوى الماء نصفه من عيون الأرض، ونصفه من السماء، وأصله ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) وذكر في حرف حفصة - رضي اللَّه عنها - (وحملناه وذريته على ذات ألواح ودسر)، ذكر - هاهنا - ذات ألواح، وذكر في آية أخرى السفينة بقوله - تعالى -: (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، ونحوه؛ فيكون (ذَاتِ أَلْوَاحٍ) تفسير السفينة، ولو لم يفهم من (ذَاتِ أَلْوَاحٍ) السفينة؛ إذ ذات الألواح قد ترجع إلى الأشجار وغيرها، لكن كان تفسير السفينة بما ذكرنا، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في قوله - تعالى -: (وَدُسُرٍ):
قال أهل التأويل: الدسر: المسامير التي تشد بها السفينة.
وقيل: الدسر: أضلاع السفينة.
وقيل: صدرها.
وقال الحسن: هي السفينة؛ لأنها تدسر الماء بجؤجئها.
قال أبو معاذ: واحد الدسر: دسار، وجمع الجؤجؤ: الجآجئ، وهي الصدور.
ثم في قوله: (وَحَمَلْنَاهُ)، وتسميته هذه المصنوعة: سفينة - دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله - تعالى - لأنهم هم الذين ركبوا السفينة، ثم أخبر أنه هو الذي حملهم، وكذا الخُشُب المجتمعة لا تسمى: سفينة، إنما سميت بهذا الاسم الخاص بعد الإيجاد والصنعة الموجودة من العباد؛ دل أن لله في فعل العباد صنعا، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا... (١٤) أي: بتقديرنا وبحفظنا.
الآية ١٤ وقوله تعالى :﴿ تجري بأعيننا ﴾ أي بتقديرنا وبحفظنا. وقوله :﴿ جزاء لمن كان كُفِر ﴾ أي حمل نوحا١ وأتباعه في السفينة، ونجّاهم من الغرق جزاء ما كفر به قومه. كذا قال عامة أهل التأويل : إنه إخبار لنوح عليه السلام حين كفر به قومه، فلم يؤمن به قومه.
وقال مجاهد :﴿ جزاء لمن كان كُفر ﴾ بالله تعالى، أي الغرق جزاءهم لما كفروا بالله تعالى.
وقال أبو معاذ :﴿ جزاء لمن كان كُفِر ﴾ قرئ بنصب الكاف٢ ؛ وتأويل هذه القراءة أنّ٣ إهلاك من أهلك من قومه جزاء لما كفروا بالله تعالى أو بنوح عليه السلام.
وقال مجاهد :﴿ جزاء لمن كان كُفر ﴾ بالله تعالى، أي الغرق جزاءهم لما كفروا بالله تعالى.
وقال أبو معاذ :﴿ جزاء لمن كان كُفِر ﴾ قرئ بنصب الكاف٢ ؛ وتأويل هذه القراءة أنّ٣ إهلاك من أهلك من قومه جزاء لما كفروا بالله تعالى أو بنوح عليه السلام.
١ في الأصل: مع نوح، في م: نوح..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٤..
٣ في الأصل وم: أي..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٤..
٣ في الأصل وم: أي..
وقوله: (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) أي: حمل نوحًا - عليه السلام - وأتباعه في السفينة ونجاهم من الغرق جزاء ما كفر به قومه؛ كذا قال عامة أهل التأويل: إنه أخبر لنوح - عليه السلام - حين كفر به قومه فلم يؤمن به قومه.
وقال مجاهد: جزاء لمن كان كفر باللَّه - تعالى - أي: الغرق جزاؤهم؛ لما كفروا باللَّه تعالى.
وقال أبو معاذ: وقرئ: (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَرَ) بنصب الكاف، وتأويل هذه القراءة: أي: إهلاك من أهلك من قومه؛ جزاء لما كفروا باللَّه - تعالى - أو بنوح، - عليه السلام -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً... (١٥) يحتمل وجهين:
أحدهما: تركنا سفينة نوح - عليه السلام - بعينها مدة طويلة حتى صارت آية لأواخرهم ولمن بعدهم؛ وبه يقول قتادة؛ قال: أبقى اللَّه - تعالى - سفينة نوح - عليه السلام - بينة للمسافرين من أرض الجزيرة حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة كانت بعدها، فصارت رمادًا.
والثاني: تركنا آية آثار تلك السفينة وأنباءها آية لمن بعدهم؛ لأن أنباءها قد بقيت في المتأخرين حتى عرفوا أن من نجا لِمَ نجا؟ ومن هلك لم هلك؟ واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) عن الأسود قال: قلت لعبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أو (مُذَّكِر)؟ فقال: أقرأني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - (مُدَّكِرٍ) بالدال.
قال أبو عبيد: وأصله في العربية: " مدتكر "، فإنه من باب الافتعال على وزن مفتعل، فثَقُل لاجتماع التاء والدال، فأدغم الحرف الأول -وهو الدال- في التاء؛ فانقلب دالا، وهو كقوله: " ادخر "، أصله: " ادتخر "، من " الدخر " لما قلنا، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُدَّكِرٍ) أي: هل من متذكر متعظ، يتعظ بما نزل بأُولَئِكَ فينزجر عن مثل صنيعهم.
وقال قتادة: فهل من طالب خير؛ فيعان عليه.
وقال مجاهد: جزاء لمن كان كفر باللَّه - تعالى - أي: الغرق جزاؤهم؛ لما كفروا باللَّه تعالى.
وقال أبو معاذ: وقرئ: (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَرَ) بنصب الكاف، وتأويل هذه القراءة: أي: إهلاك من أهلك من قومه؛ جزاء لما كفروا باللَّه - تعالى - أو بنوح، - عليه السلام -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً... (١٥) يحتمل وجهين:
أحدهما: تركنا سفينة نوح - عليه السلام - بعينها مدة طويلة حتى صارت آية لأواخرهم ولمن بعدهم؛ وبه يقول قتادة؛ قال: أبقى اللَّه - تعالى - سفينة نوح - عليه السلام - بينة للمسافرين من أرض الجزيرة حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة كانت بعدها، فصارت رمادًا.
والثاني: تركنا آية آثار تلك السفينة وأنباءها آية لمن بعدهم؛ لأن أنباءها قد بقيت في المتأخرين حتى عرفوا أن من نجا لِمَ نجا؟ ومن هلك لم هلك؟ واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) عن الأسود قال: قلت لعبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أو (مُذَّكِر)؟ فقال: أقرأني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - (مُدَّكِرٍ) بالدال.
قال أبو عبيد: وأصله في العربية: " مدتكر "، فإنه من باب الافتعال على وزن مفتعل، فثَقُل لاجتماع التاء والدال، فأدغم الحرف الأول -وهو الدال- في التاء؛ فانقلب دالا، وهو كقوله: " ادخر "، أصله: " ادتخر "، من " الدخر " لما قلنا، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُدَّكِرٍ) أي: هل من متذكر متعظ، يتعظ بما نزل بأُولَئِكَ فينزجر عن مثل صنيعهم.
وقال قتادة: فهل من طالب خير؛ فيعان عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) يخرج على وجهين:
أحدهما: أليس ما وعد لهم رسلي من العذاب بالتكذيب صدقا حقًّا، وأريد بقوله: (وَنُذُرِ) أي: رسلي.
والثاني: أليس وجدوا عذابي شديدًا ونذري ما وقعت به النذارة، وهو العذاب الذي أنذروا به، والنذر على هذا التأويل المنذر به؛ كقوله - تعالى -: (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا)، أي: موعودا، وإلا وعده لا يكون مفعولا؛ إذ هو صفة أزلية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) هذا يحتمل وجوها:
أحدها: (يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي: للحفظ؛ أي: صيرناه بحيث يحفظه كل أحد من صغير وكبير، وكافر ومؤمن وكل أحد يتكلف حفظه.
والثاني: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي: لذكر ما نسوا من نعم اللَّه - تعالى - عليهم، ولذكر ما أنبأهم فيه من أخبار الأوائل من مصدقيهم مذكر.
والثالث: جائز أن يكون لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة؛ أي: يسرناه عليه حتى حفظه كله عن
ظهر قلب؛ حتى إذا أراد أن يذكر شيئا منه يذكر في كل وقت وكل ساعة أراد؛ كقوله - تعالى -: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ)، وقوله - تعالى -: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)، أمنه عن أن ينساه، ومَنَّ عليه بالتيسير.
وقوله: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فعلى التأويل الأول - واللَّه أعلم -: أنه وإن يسرنا القرآن للحفظ، ولكن لم ينزل للحفظ، ولكن إنما أنزل ليذكر ما فيه، وللاتعاظ به؛ أي: فهل من متعظ به.
وعلى التأويل الآخر: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) خرج مخرج الأمر؛ أي: اذكروا واتعظوا بما فيه من الأنباء، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)
أحدهما: أليس ما وعد لهم رسلي من العذاب بالتكذيب صدقا حقًّا، وأريد بقوله: (وَنُذُرِ) أي: رسلي.
والثاني: أليس وجدوا عذابي شديدًا ونذري ما وقعت به النذارة، وهو العذاب الذي أنذروا به، والنذر على هذا التأويل المنذر به؛ كقوله - تعالى -: (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا)، أي: موعودا، وإلا وعده لا يكون مفعولا؛ إذ هو صفة أزلية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) هذا يحتمل وجوها:
أحدها: (يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي: للحفظ؛ أي: صيرناه بحيث يحفظه كل أحد من صغير وكبير، وكافر ومؤمن وكل أحد يتكلف حفظه.
والثاني: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي: لذكر ما نسوا من نعم اللَّه - تعالى - عليهم، ولذكر ما أنبأهم فيه من أخبار الأوائل من مصدقيهم مذكر.
والثالث: جائز أن يكون لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة؛ أي: يسرناه عليه حتى حفظه كله عن
ظهر قلب؛ حتى إذا أراد أن يذكر شيئا منه يذكر في كل وقت وكل ساعة أراد؛ كقوله - تعالى -: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ)، وقوله - تعالى -: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)، أمنه عن أن ينساه، ومَنَّ عليه بالتيسير.
وقوله: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فعلى التأويل الأول - واللَّه أعلم -: أنه وإن يسرنا القرآن للحفظ، ولكن لم ينزل للحفظ، ولكن إنما أنزل ليذكر ما فيه، وللاتعاظ به؛ أي: فهل من متعظ به.
وعلى التأويل الآخر: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) خرج مخرج الأمر؛ أي: اذكروا واتعظوا بما فيه من الأنباء، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)
الآية ١٧ وقوله تعالى :﴿ ولقد يسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مُدّكر ﴾ هذا يحتمل وجوها :
أحدها :﴿ ولقد يسّرنا القرآن للذّكر ﴾ أي للحفظ، أي صيّرناه بحيث يحفظه كل أحد من صغير وكبير وكافر ومؤمن، وكل أحد يتكلّف حفظه.
والثاني :﴿ ولقد يسّرنا القرآن للذّكر ﴾ أي لذِكر ما نُسوا من نعم الله تعالى عليهم ولذكر ما أنبأهم فيه من أخبار الأوائل من مُصدّقيهم ومكذّبيهم١.
والثالث : جائز أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة أي يسّرناه عليه حتى حفظه، حتى إذا أراد أن يذكر شيئا منه يذكره في كل وقت وكل ساعة أراد كقوله تعالى :﴿ لا تحرّك به لسانك لتعجل به ﴾ ﴿ إن علينا جَمعهُ وقُرآنه ﴾ [ القيامة : ١٦ و١٧ ]. وقوله تعالى :﴿ نزل به الروح الأمين ﴾ ﴿ على قلبك ﴾ [ الشعراء : ١٩٣ و١٩٤ ]. وقوله تعالى :﴿ سنُقرئك فلا تنسى ﴾ ﴿ إلا ما شاء الله ﴾ [ الأعلى : ٦ و٧ ]. أمّنه من أن ينساه، ومنّ عليه بالتّيسير.
وقوله تعالى :﴿ فهل من مُدّكر ﴾ على التأويل الأول، والله أعلم، أنه، وإن يسّرنا القرآن للحفظ، ولكن لم ينزله للحفظ، ولكن إنما أنزله ليُذكَر ما فيه وللاتّعاظ به، أي فهل من متّعظ به.
وعلى التأويل الآخر ﴿ فهل من مُدّكر ﴾ خُرّج مخرج الأمر، أي اذكروا، واتّعظوا بما فيه من الأنباء، والله أعلم.
أحدها :﴿ ولقد يسّرنا القرآن للذّكر ﴾ أي للحفظ، أي صيّرناه بحيث يحفظه كل أحد من صغير وكبير وكافر ومؤمن، وكل أحد يتكلّف حفظه.
والثاني :﴿ ولقد يسّرنا القرآن للذّكر ﴾ أي لذِكر ما نُسوا من نعم الله تعالى عليهم ولذكر ما أنبأهم فيه من أخبار الأوائل من مُصدّقيهم ومكذّبيهم١.
والثالث : جائز أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة أي يسّرناه عليه حتى حفظه، حتى إذا أراد أن يذكر شيئا منه يذكره في كل وقت وكل ساعة أراد كقوله تعالى :﴿ لا تحرّك به لسانك لتعجل به ﴾ ﴿ إن علينا جَمعهُ وقُرآنه ﴾ [ القيامة : ١٦ و١٧ ]. وقوله تعالى :﴿ نزل به الروح الأمين ﴾ ﴿ على قلبك ﴾ [ الشعراء : ١٩٣ و١٩٤ ]. وقوله تعالى :﴿ سنُقرئك فلا تنسى ﴾ ﴿ إلا ما شاء الله ﴾ [ الأعلى : ٦ و٧ ]. أمّنه من أن ينساه، ومنّ عليه بالتّيسير.
وقوله تعالى :﴿ فهل من مُدّكر ﴾ على التأويل الأول، والله أعلم، أنه، وإن يسّرنا القرآن للحفظ، ولكن لم ينزله للحفظ، ولكن إنما أنزله ليُذكَر ما فيه وللاتّعاظ به، أي فهل من متّعظ به.
وعلى التأويل الآخر ﴿ فهل من مُدّكر ﴾ خُرّج مخرج الأمر، أي اذكروا، واتّعظوا بما فيه من الأنباء، والله أعلم.
١ في الأصل وم: مذكر..
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) ذكر أنباء الأوائل وما نزل بهم بالتكذيب، والعناد، وسوء معاملتهم الرسول - عليه السلام - وهو صلة قوله: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ)، تأويل الآية يخرج على الوجهين اللذين ذكرناهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) قيل: باردة.
وقيل: شديدة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)؛ إذ استمر بهم العذاب - كما قال اللَّه عز وجل -: (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا).
وقيل: (مُسْتَمِرٍّ) أي: ذاهب على الصغير والكبير، فلم تُبْقِ منهم أحدًا إلا أهلكته.
وقوله - عز وُجل -: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) من الناس من قال: لما اشتدت بهم الريح، تنادوا فيما بينهم: البيوت! فدخلوها، فدخلت الريح عليهم، فأخرجتهم من بيوتهم، وألقتهم في فنائهم؛ فذلك النزع.
ومنهم من قال: تنزع مفاصلهم فتلقيهم كأعجاز نخل منقعر؛ لأنهم كانوا أطول الخلق، فذكر أن كل رجل منهم كان طوله ستين ذراعا، والنخل لا يبلغ ذلك المقدار إلا بعد قطع المفاصل؛ فجائز التشبيه بأعجاز نخل منقعر بعد انتزاع مفاصلهم، والانقعار: هو الانقلاع.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (مُنْقَعِرٍ)، أي: منقطع ساقط.
ومنهم من حال: شبههم بأعجاز النخل؛ لعظم أعجازهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: شبههم بأعجاز النخل؛ لطولهم، ولكن ذلك بعد نزع مفاصلهم؛ لما ذكرنا.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: (تنزع الناس على أعقابهم).
وقوله: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) فهو يخرج على ما ذكرنا من الوجهين، وكذا قوله: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما:
أحدهما: (بِالنُّذُرِ) أي: بالرسل التي دعتهم إلى الإيمان باللَّه تعالى.
والثاني: كذبت بما وقعت به النذارة التي أخبرهم الرسل: أنها نازلة واقعة بهم، والله
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) ذكر أنباء الأوائل وما نزل بهم بالتكذيب، والعناد، وسوء معاملتهم الرسول - عليه السلام - وهو صلة قوله: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ)، تأويل الآية يخرج على الوجهين اللذين ذكرناهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) قيل: باردة.
وقيل: شديدة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)؛ إذ استمر بهم العذاب - كما قال اللَّه عز وجل -: (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا).
وقيل: (مُسْتَمِرٍّ) أي: ذاهب على الصغير والكبير، فلم تُبْقِ منهم أحدًا إلا أهلكته.
وقوله - عز وُجل -: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) من الناس من قال: لما اشتدت بهم الريح، تنادوا فيما بينهم: البيوت! فدخلوها، فدخلت الريح عليهم، فأخرجتهم من بيوتهم، وألقتهم في فنائهم؛ فذلك النزع.
ومنهم من قال: تنزع مفاصلهم فتلقيهم كأعجاز نخل منقعر؛ لأنهم كانوا أطول الخلق، فذكر أن كل رجل منهم كان طوله ستين ذراعا، والنخل لا يبلغ ذلك المقدار إلا بعد قطع المفاصل؛ فجائز التشبيه بأعجاز نخل منقعر بعد انتزاع مفاصلهم، والانقعار: هو الانقلاع.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (مُنْقَعِرٍ)، أي: منقطع ساقط.
ومنهم من حال: شبههم بأعجاز النخل؛ لعظم أعجازهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: شبههم بأعجاز النخل؛ لطولهم، ولكن ذلك بعد نزع مفاصلهم؛ لما ذكرنا.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: (تنزع الناس على أعقابهم).
وقوله: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) فهو يخرج على ما ذكرنا من الوجهين، وكذا قوله: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما:
أحدهما: (بِالنُّذُرِ) أي: بالرسل التي دعتهم إلى الإيمان باللَّه تعالى.
والثاني: كذبت بما وقعت به النذارة التي أخبرهم الرسل: أنها نازلة واقعة بهم، والله
الآية ١٩ وقوله تعالى :﴿ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ﴾ قيل : باردة، وقيل : شديدة.
وقوله تعالى :﴿ في يومٍ نَحْسٍ مستمرّ ﴾ إذ استمر بهم العذاب كما قال الله تعالى :﴿ سبع ليال وثمانية أيام حُسوما ﴾ [ الحاقة : ٧ ] وقيل :﴿ مستمرّ ﴾ أي ذاهب على الصغير والكبير، فلم يبق منهم أحد إلا أهلكته.
وقوله تعالى :﴿ في يومٍ نَحْسٍ مستمرّ ﴾ إذ استمر بهم العذاب كما قال الله تعالى :﴿ سبع ليال وثمانية أيام حُسوما ﴾ [ الحاقة : ٧ ] وقيل :﴿ مستمرّ ﴾ أي ذاهب على الصغير والكبير، فلم يبق منهم أحد إلا أهلكته.
الآية ٢٠ وقوله تعالى :﴿ تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل مُنقعِر ﴾ من الناس من قال : لمّا اشتد بهم الريح تنادوا في ما بينهم. البيوت [ البيوت ]١ فدخلوها، فدخلت الريح عليهم، فأخبرتهم من بيوتهم، وألقنتهم في أفنيتا٢، فذلك النّزع.
ومنهم من قال : تنزع مفاصلهم، فتُلقيهم كأعجاز ﴿ نخل منقعِر ﴾ لأنهم كانوا أطول الخلق ؛ فذُكر أن كل رجل منهم كان طوله ستّين ذراعا، والنخل لا يبلُغ ذلك المقدار إلا بعد قطع المفاصل، فجائز لتشبيه بأعجاز ﴿ نخل منقعر ﴾ بعد انقعار٣ مفاصلهم، والانقعار هو الانقلاع.
قال أبو عوسجة :﴿ منقعر ﴾ أي منقطع ساقط.
ومنهم من قال : شبّههم بأعجاز النخل لعظم أعجازهم. وقال بعضهم : شبّههم بأعجاز النخل لطولهم، ولكن ذلك بعد نزع المفاصل لما ذكرنا. وفي حرف حفصة رضي الله عنها تنزع الناس على أعقابهم.
ومنهم من قال : تنزع مفاصلهم، فتُلقيهم كأعجاز ﴿ نخل منقعِر ﴾ لأنهم كانوا أطول الخلق ؛ فذُكر أن كل رجل منهم كان طوله ستّين ذراعا، والنخل لا يبلُغ ذلك المقدار إلا بعد قطع المفاصل، فجائز لتشبيه بأعجاز ﴿ نخل منقعر ﴾ بعد انقعار٣ مفاصلهم، والانقعار هو الانقلاع.
قال أبو عوسجة :﴿ منقعر ﴾ أي منقطع ساقط.
ومنهم من قال : شبّههم بأعجاز النخل لعظم أعجازهم. وقال بعضهم : شبّههم بأعجاز النخل لطولهم، ولكن ذلك بعد نزع المفاصل لما ذكرنا. وفي حرف حفصة رضي الله عنها تنزع الناس على أعقابهم.
١ من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: فنائهم..
٣ في الأصل وم: انتزاع..
٢ في الأصل وم: فنائهم..
٣ في الأصل وم: انتزاع..
الآية ٢١ وقوله تعالى :﴿ فكيف كان عذابي ونُذرِ ﴾ فهو يخرّج على ما ذكرناه من الوجهين :
الآية ٢٢ وكذا قوله تعالى :﴿ ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مُدّكر ﴾.
الآية ٢٣ وقوله تعالى :﴿ كذّبت ثمود بالنُّذُر ﴾ يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما :
أحدهما :﴿ بالنُّذُر ﴾ أي بالرسل [ الذين دعوهم ]١ إلى الإيمان بالله تعالى.
والثاني :﴿ كذّبت ثمود بالنذر ﴾ بما وقعت به النّذارة التي أخبر بها الرسل أنها نازلة واقعة بهم، والله أعلم.
أحدهما :﴿ بالنُّذُر ﴾ أي بالرسل [ الذين دعوهم ]١ إلى الإيمان بالله تعالى.
والثاني :﴿ كذّبت ثمود بالنذر ﴾ بما وقعت به النّذارة التي أخبر بها الرسل أنها نازلة واقعة بهم، والله أعلم.
١ في الأصل وم: دعتهم..
أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) لم يزل الأكابر من الكفرة والرؤساء منهم يلبسون على أتباعهم بهذا الحرف: (أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ)، وقالوا: (مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ)، وقوله - تعالى -: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ)، ونحو ذلك، وذلك تناقض في القول؛ لأنهم كانوا ينهون أتباعهم عن اتباع بشر مثلهم ويدعونهم إلى اتباع آبائهم والاقتداء بهم، وهم أيضا بشر، وليس مع آبائهم حجج وبراهين، ومع الرسل حجج وآيات، فيكون تناقضا في القول ومعارضة فاسدة، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: السعر: الجنون؛ أي: لو اتبعنا بشرا منا، لكنا في ضلال وجنون، وهو مأخوذ من سعر النار؛ إذا التهبت، يقال: ناقة مسعورة، أي: كأنها مجنونة؛ من النشاط.
وقيل: الضلال والسعر واحد.
ويحتمل: أي: إنا إذا لفي ضلال في الدنيا، وسعر في الآخرة، والسعر: من السعير، وهو النار، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا... (٢٥) فجائز أن يكون هذا القول من أهل مكة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كقوله - تعالى - خبرا عنهم: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا)، والذكر هو القرآن، على هذا التأويل.
وجائز أن يكون ذلك من ثمود وصالح - عليه السلام - والقصة قصة صالح؛ فهو الأشبه بالتأويل، ولم يزل الكفرة ينكرون تفضل الرسل - عليهم السلام - على غيرهم من البشر بالرسالة، وإنزال الذكر عليهم من بينهم، ثم يرون لأنفسهم الفضل على أُولَئِكَ الرسل: إما بفضل مال، أو بفضل نسب، أو رياسة، ونفاذ قول، بلا سابقة كانت منهم، ولا تقدم صنع، وما ينبغي لهم أن ينكروا تفضيل الرسل بالرسالة والنبوة بلا سابقة كانت منهم، ولا تقدم صنع؛ إذ هي فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) عن مجاهد: أنه قرأ بفتح الشين، وقرأ العامة (أَشِرٌ) بكسر الشين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) لم يزل الأكابر من الكفرة والرؤساء منهم يلبسون على أتباعهم بهذا الحرف: (أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ)، وقالوا: (مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ)، وقوله - تعالى -: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ)، ونحو ذلك، وذلك تناقض في القول؛ لأنهم كانوا ينهون أتباعهم عن اتباع بشر مثلهم ويدعونهم إلى اتباع آبائهم والاقتداء بهم، وهم أيضا بشر، وليس مع آبائهم حجج وبراهين، ومع الرسل حجج وآيات، فيكون تناقضا في القول ومعارضة فاسدة، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: السعر: الجنون؛ أي: لو اتبعنا بشرا منا، لكنا في ضلال وجنون، وهو مأخوذ من سعر النار؛ إذا التهبت، يقال: ناقة مسعورة، أي: كأنها مجنونة؛ من النشاط.
وقيل: الضلال والسعر واحد.
ويحتمل: أي: إنا إذا لفي ضلال في الدنيا، وسعر في الآخرة، والسعر: من السعير، وهو النار، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا... (٢٥) فجائز أن يكون هذا القول من أهل مكة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كقوله - تعالى - خبرا عنهم: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا)، والذكر هو القرآن، على هذا التأويل.
وجائز أن يكون ذلك من ثمود وصالح - عليه السلام - والقصة قصة صالح؛ فهو الأشبه بالتأويل، ولم يزل الكفرة ينكرون تفضل الرسل - عليهم السلام - على غيرهم من البشر بالرسالة، وإنزال الذكر عليهم من بينهم، ثم يرون لأنفسهم الفضل على أُولَئِكَ الرسل: إما بفضل مال، أو بفضل نسب، أو رياسة، ونفاذ قول، بلا سابقة كانت منهم، ولا تقدم صنع، وما ينبغي لهم أن ينكروا تفضيل الرسل بالرسالة والنبوة بلا سابقة كانت منهم، ولا تقدم صنع؛ إذ هي فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) عن مجاهد: أنه قرأ بفتح الشين، وقرأ العامة (أَشِرٌ) بكسر الشين.
الآية ٢٥ وقوله تعالى :﴿ أأُلقي الذِّكر عليه من بيننا ﴾ فجائز أن يكون هذا القول من أهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى خبرا عنه :﴿ أأنزل عليه الذِّكر من بيننا ﴾ [ ص : ٨ ] والذِّكر هو القرآن على هذا التأويل.
وجائز أن يكون ذلك من ثمود لصالح عليه السلام والقصة قصة صالح، فهو الأشبه بالتأويل.
ولم يزل الكفرة ينكرون تفضّل الرسل عليهم الصلاة والسلام على غيرهم من البشر بالرسالة وإنزال الذِّكر عليهم من بينهم، ثم يرون لأنفسهم الفضل على أولئك الرسل عليهم السلام إما بفضل مال [ وإما ]١ بفضل نسَب ورئاسة ونفاذ قول بلا سابقة كانت منهم ولا تقدمة صنع. وما ينبغي لهم أن يُنكروا تفضيل الرسل بالرسالة والنبوّة بلا سابقة كانت منهم ولا تقدِمة صنع ؛ إذ هي فضل الله يؤتيه من يشاء، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ بل هو كذّاب أشِر ﴾ عن مجاهد أنه قرأ بفتح٢ الشين، وقرأ العامة : الأشِر بكسر الشين. قال بعضهم : الأشَرُ بفتح الشين ينشَطُ في الشّر.
قال أبو عوسجة : وقيل : الأشِر والأشْر هو البَطِر كما يقال : حذِِر وحذْرٌ، وهو المَرِح المتكبّر.
وجائز أن يكون ذلك من ثمود لصالح عليه السلام والقصة قصة صالح، فهو الأشبه بالتأويل.
ولم يزل الكفرة ينكرون تفضّل الرسل عليهم الصلاة والسلام على غيرهم من البشر بالرسالة وإنزال الذِّكر عليهم من بينهم، ثم يرون لأنفسهم الفضل على أولئك الرسل عليهم السلام إما بفضل مال [ وإما ]١ بفضل نسَب ورئاسة ونفاذ قول بلا سابقة كانت منهم ولا تقدمة صنع. وما ينبغي لهم أن يُنكروا تفضيل الرسل بالرسالة والنبوّة بلا سابقة كانت منهم ولا تقدِمة صنع ؛ إذ هي فضل الله يؤتيه من يشاء، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ بل هو كذّاب أشِر ﴾ عن مجاهد أنه قرأ بفتح٢ الشين، وقرأ العامة : الأشِر بكسر الشين. قال بعضهم : الأشَرُ بفتح الشين ينشَطُ في الشّر.
قال أبو عوسجة : وقيل : الأشِر والأشْر هو البَطِر كما يقال : حذِِر وحذْرٌ، وهو المَرِح المتكبّر.
١ في الأصل وم: أو..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٦..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٦..
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: وقيل: الأَشِر، والأَشَر هو البطر -كما يقال: حذِر وحَذَر- وهو المرح المتكبر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) قرئ بالياء والتاء؛ فمن قرأ بالياء احتج بقوله (فِتْنَةً لَهُمْ)، ولم يقل " لكم "، ومن قرأ بالتاء جعل الخطاب من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للكفرة، أي: ستعلمون غدا عند نزول العذاب بكم من الكذاب أنا أو أنتم؟ وهذا وعيد منه لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) لنفتنهم بها، ونمتحنهم، لم نعطهم مجانا جزافا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)، وقوله - تعالى -: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) أي: فارتقبهم بما يكون منهم من التكذيب للناقة والعقو لها.
ويحتمل أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْهُم) هو خطاب لرسوله عليه الصلاة والسلام في حق أهل مكة، كقوله (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ).
وقوله: (وَاصْطَبِرْ) أي: اصطبر على أذاهم، ولا تكافئهم.
أو اصبر على تبليغ الرسالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) وقال في آية أخرى: (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)، وفيه من الفوائد والدلائل:
أحدها: أن تلك الناقة كانت عظيمة على خلاف سائر النوق؛ حتى احتاجت هي إلى الماء مثل الذي احتاج إليه سائر النوق وأهلها؛ حتى قسم الماء يينها وبين سائر النوق.
وفيه: أنه لا بأس بقسمة الشرب؛ حيث ذكر في الآية قسمة الماء، وذكر في آية أخرى: (شِرْبُ يَوْمٍ)، وهو قسمة بالأيام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي: كل شرب بحضرة من له شرب ذلك، لا يحضره غيره.
وفيه: أن تلك الناقة وإن كانت آية ومعجزة له، فكانت تعتلف وتشرب كسائر النوق التي ليست هي بآيات، وإن كانت تخالف سائر النوق في عظمها، وقدر علفها وشربها.
ثم جعل الماء بينها وبين أُولَئِكَ القوم بالقسمة، ولم يجعل العلف بينها وبينهم بالقسمة؛ لاشتراكهم جميعا في الماء -أعني: البهائم والبشر- وحاجة كل منهم إلى الماء، فلذا جعل النبات مشتركا بينها. وبين سائر البهائم؛ لأن في ذلك كثرة، فلا حاجة إلى
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) قرئ بالياء والتاء؛ فمن قرأ بالياء احتج بقوله (فِتْنَةً لَهُمْ)، ولم يقل " لكم "، ومن قرأ بالتاء جعل الخطاب من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للكفرة، أي: ستعلمون غدا عند نزول العذاب بكم من الكذاب أنا أو أنتم؟ وهذا وعيد منه لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) لنفتنهم بها، ونمتحنهم، لم نعطهم مجانا جزافا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ)، وقوله - تعالى -: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) أي: فارتقبهم بما يكون منهم من التكذيب للناقة والعقو لها.
ويحتمل أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْتَقِبْهُم) هو خطاب لرسوله عليه الصلاة والسلام في حق أهل مكة، كقوله (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ).
وقوله: (وَاصْطَبِرْ) أي: اصطبر على أذاهم، ولا تكافئهم.
أو اصبر على تبليغ الرسالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) وقال في آية أخرى: (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)، وفيه من الفوائد والدلائل:
أحدها: أن تلك الناقة كانت عظيمة على خلاف سائر النوق؛ حتى احتاجت هي إلى الماء مثل الذي احتاج إليه سائر النوق وأهلها؛ حتى قسم الماء يينها وبين سائر النوق.
وفيه: أنه لا بأس بقسمة الشرب؛ حيث ذكر في الآية قسمة الماء، وذكر في آية أخرى: (شِرْبُ يَوْمٍ)، وهو قسمة بالأيام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي: كل شرب بحضرة من له شرب ذلك، لا يحضره غيره.
وفيه: أن تلك الناقة وإن كانت آية ومعجزة له، فكانت تعتلف وتشرب كسائر النوق التي ليست هي بآيات، وإن كانت تخالف سائر النوق في عظمها، وقدر علفها وشربها.
ثم جعل الماء بينها وبين أُولَئِكَ القوم بالقسمة، ولم يجعل العلف بينها وبينهم بالقسمة؛ لاشتراكهم جميعا في الماء -أعني: البهائم والبشر- وحاجة كل منهم إلى الماء، فلذا جعل النبات مشتركا بينها. وبين سائر البهائم؛ لأن في ذلك كثرة، فلا حاجة إلى
الآية ٢٧ وقوله تعالى :﴿ إنا مُرسِلوا الناقة فتنة لهم ﴾ يفتنُهم بها، ويمتحنُهم، لم يُعطهم مجّانا جُزافا، كقوله عز وجل :﴿ وبلوناهم بالحسنات والسيئات ﴾ [ الأعراف : ١٦٨ ]. وقوه تعالى :﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ].
وقوله تعالى :﴿ فارتقِبهم واصطبِر ﴾ أي فارتقبهم بما يكون منهم من التكذيب للناقة والعقر لها. ويحتمل أن يكون قوله عز وجل :﴿ فارتقبهم ﴾ هو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أهل مكة كقوله :﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ [ الدخان : ١٠ ].
وقوله تعالى :﴿ واصطبر ﴾ أي اصطبر على أذاهم، ولا تكافئهم، أو اصبر على تبليغ الرسالة.
وقوله تعالى :﴿ فارتقِبهم واصطبِر ﴾ أي فارتقبهم بما يكون منهم من التكذيب للناقة والعقر لها. ويحتمل أن يكون قوله عز وجل :﴿ فارتقبهم ﴾ هو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أهل مكة كقوله :﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ﴾ [ الدخان : ١٠ ].
وقوله تعالى :﴿ واصطبر ﴾ أي اصطبر على أذاهم، ولا تكافئهم، أو اصبر على تبليغ الرسالة.
الآية٢٨ وقوله تعالى :﴿ ونبِّئهم أن الماء قسمة بينهم كل شِربٍ مُحتضَر ﴾ كقوله في آية أخرى :﴿ لها شِربٌ ولكم شِرب يوم معلوم ﴾ [ الشعراء : ١٥٥ ] وفيه من الفوائد والدلائل :
إحداهما١ : أن تلك الناقة كانت عظيمة على خلاف سائر النوق حتى احتاجت هي إلى الماء مثل الذي احتاجت إليه سائر النوق وأهلها حتى قسم الماء بينهما [ وبينهم.
والثانية :]٢ أنه لا بأس بقسمة الشِّرب حين٣ ذكر في الآية قسمة الماء [ وذكر ]٤ في الآية الأخرى ﴿ شِربُ يوم معلوم ﴾ [ الشعراء : ١٥٥ ] وهو قسمة بالأيام.
وقوله تعالى :﴿ كل شِربٍ مُحتضَر ﴾ أي كل شِرب يحضره من له شرب ذلك، لا يحضُره غيره.
والثالثة٥ : أن تلك الناقة، وإن كانت آية ومعجزة له، فكانت تُعتَلف، وتُشرَب، كسائر النوق التي ليست هي بآيات، وإن كانت تخالف سائر النوق في عِظمها وقدر عَلفِها وشِربِها.
[ والرابعة : أنه ]٦ جعل الماء بينهما وبين أولئك القوم بالقسمة [ ولم يجعل العَلَف بينها بينهم بالقسمة ]٧ لاشتراكهم جميعا في الماء ؛ أعني البهائم والبشر، وحاجة كل منهم إلى الماء، فكذا لم يجعل النبات مُشترَكا بينها بين سائر البهائم لأن في ذلك كثرة فلا حاجة إلى القسمة.
فأما في الماء في ذلك الموضع فغيره٨ لما يسقون من الآبار [ ولذلك جعل ]٩ الماء بالقسمة، والله أعلم.
[ والخامسة :]١٠ أنّ المياه إذا ضاقت قسمتها بالأجر [ جازت قسمتها ]١١ بالأيام من حيث جُعل لها ﴿ شِربُ يوم معلوم ﴾.
[ والسادسة ]١٢ : أن الماء، وإن كان عينا، فهو كالمنفعة في جواز قسمتها بالأيام.
ثم قوله تعالى :﴿ ونبّئهم أن الماء قسمةٌ بينهم ﴾ جائز أن يكون الخطاب لصالح عليه السلام أمره أن يُنبئَ قومه ﴿ أن الماء قسمة بينهم ﴾ وبين الناقة.
وجائز أن يكون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يُخبر قومه أن الماء كان قسمة بينهم وبين الناقة، والله أعلم.
إحداهما١ : أن تلك الناقة كانت عظيمة على خلاف سائر النوق حتى احتاجت هي إلى الماء مثل الذي احتاجت إليه سائر النوق وأهلها حتى قسم الماء بينهما [ وبينهم.
والثانية :]٢ أنه لا بأس بقسمة الشِّرب حين٣ ذكر في الآية قسمة الماء [ وذكر ]٤ في الآية الأخرى ﴿ شِربُ يوم معلوم ﴾ [ الشعراء : ١٥٥ ] وهو قسمة بالأيام.
وقوله تعالى :﴿ كل شِربٍ مُحتضَر ﴾ أي كل شِرب يحضره من له شرب ذلك، لا يحضُره غيره.
والثالثة٥ : أن تلك الناقة، وإن كانت آية ومعجزة له، فكانت تُعتَلف، وتُشرَب، كسائر النوق التي ليست هي بآيات، وإن كانت تخالف سائر النوق في عِظمها وقدر عَلفِها وشِربِها.
[ والرابعة : أنه ]٦ جعل الماء بينهما وبين أولئك القوم بالقسمة [ ولم يجعل العَلَف بينها بينهم بالقسمة ]٧ لاشتراكهم جميعا في الماء ؛ أعني البهائم والبشر، وحاجة كل منهم إلى الماء، فكذا لم يجعل النبات مُشترَكا بينها بين سائر البهائم لأن في ذلك كثرة فلا حاجة إلى القسمة.
فأما في الماء في ذلك الموضع فغيره٨ لما يسقون من الآبار [ ولذلك جعل ]٩ الماء بالقسمة، والله أعلم.
[ والخامسة :]١٠ أنّ المياه إذا ضاقت قسمتها بالأجر [ جازت قسمتها ]١١ بالأيام من حيث جُعل لها ﴿ شِربُ يوم معلوم ﴾.
[ والسادسة ]١٢ : أن الماء، وإن كان عينا، فهو كالمنفعة في جواز قسمتها بالأيام.
ثم قوله تعالى :﴿ ونبّئهم أن الماء قسمةٌ بينهم ﴾ جائز أن يكون الخطاب لصالح عليه السلام أمره أن يُنبئَ قومه ﴿ أن الماء قسمة بينهم ﴾ وبين الناقة.
وجائز أن يكون الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يُخبر قومه أن الماء كان قسمة بينهم وبين الناقة، والله أعلم.
١ في الأصل وم: أحدهما..
٢ في الأصل وم: وفيه..
٣ في الأصل وم: حيث..
٤ من م، ساقطة من الأصل..
٥ في الأصل وم: وفيه..
٦ في الأصل وم: ثم..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ الفاء ساقطة من الأصل وم..
٩ في الأصل، فذلك جعلوا، في م: فكذلك جعلوا..
١٠ في الأصل وم: وفيه..
١١ في الأصل وم: القسم.
.
١٢ في الأصل وم: وفيه..
٢ في الأصل وم: وفيه..
٣ في الأصل وم: حيث..
٤ من م، ساقطة من الأصل..
٥ في الأصل وم: وفيه..
٦ في الأصل وم: ثم..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ الفاء ساقطة من الأصل وم..
٩ في الأصل، فذلك جعلوا، في م: فكذلك جعلوا..
١٠ في الأصل وم: وفيه..
١١ في الأصل وم: القسم.
.
١٢ في الأصل وم: وفيه..
القسمة، فأما في الماء في ذلك الموضع عزة؛ لما يسقون من الآبار؛ فلذلك جعلوا الماء بالقسمة، واللَّه أعلم.
وفيه: أن المياه إذا ضاقت قسمتها بالأجزاء تقسم بالأيام؛ من حيث جعل لها شرب يوم معلوم، ولهم شرب يوم معلوم.
وفيه: أن الماء وإن كان عينا فهو كالمنفعة في جواز قسمتها بالأيام.
ثم قوله: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) جائز أن يكون الخطاب لصالح - عليه السلام - أمره أن ينبئ قومه: أن الماء قسمة بينهم وبين الناقة.
وجائز أن يكون الخطاب به لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أمره أن يخبر قومه: أن الماء كان قسمة بينهم وبين الناقة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩) أضاف العقر هاهنا إلى واحد، وفي رواية أخرى أضافه إلى الجماعة، وهو قوله: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ)، وقال في موضع آخر: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)؛ فيكون ظاهر هذه الآيات على التناقض؛ من حيث ذكر الفرد والجماعة.
وفيه تناقض من وجه آخر؛ فإنه ذكر في آية: (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا)، وقال في موضع: (فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)، ذكر الندامة، وهي خلاف العتو.
لكنا نقول: لا تناقض، ولا اختلاف عند اختلاف الأحوال والأوقات، فقوله: (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ)، قبل أن ينزل بهم العذاب، وقوله: (فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)، إذا نزل بهم العذاب، والتناقض في وقت واحد في حال واحد، وكذلك العقر من واحد على الحقيقة، لكن إنما أضافه إلى الجماعة؛ لأنه عقر بمعاونتهم.
أو الواحد هو الذي طعنها، ثم اجتمعوا، فعقروا جميعا، ونحو ذلك؛ فثبت أنه لا تناقض.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَتَعَاطَى) وتناول، (فَعَقَرَ) أي: ضرب عرقوبها؛ أي: ساقها.
وقيل: العقر: قد يكون جرحا، وقد يكون قتلا.
وقوله: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) يحتمل: أي: أرسلنا عليهم العذاب قدر صيحة واحدة، يخبر عن سرعة نزول العذاب ووقعه عليهم.
ويحتمل أن يكون أرسل عليهم الصيحة، وأهلكهم، وصاروا كما ذكر من هشيم
وفيه: أن المياه إذا ضاقت قسمتها بالأجزاء تقسم بالأيام؛ من حيث جعل لها شرب يوم معلوم، ولهم شرب يوم معلوم.
وفيه: أن الماء وإن كان عينا فهو كالمنفعة في جواز قسمتها بالأيام.
ثم قوله: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) جائز أن يكون الخطاب لصالح - عليه السلام - أمره أن ينبئ قومه: أن الماء قسمة بينهم وبين الناقة.
وجائز أن يكون الخطاب به لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أمره أن يخبر قومه: أن الماء كان قسمة بينهم وبين الناقة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩) أضاف العقر هاهنا إلى واحد، وفي رواية أخرى أضافه إلى الجماعة، وهو قوله: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ)، وقال في موضع آخر: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)؛ فيكون ظاهر هذه الآيات على التناقض؛ من حيث ذكر الفرد والجماعة.
وفيه تناقض من وجه آخر؛ فإنه ذكر في آية: (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا)، وقال في موضع: (فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)، ذكر الندامة، وهي خلاف العتو.
لكنا نقول: لا تناقض، ولا اختلاف عند اختلاف الأحوال والأوقات، فقوله: (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ)، قبل أن ينزل بهم العذاب، وقوله: (فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ)، إذا نزل بهم العذاب، والتناقض في وقت واحد في حال واحد، وكذلك العقر من واحد على الحقيقة، لكن إنما أضافه إلى الجماعة؛ لأنه عقر بمعاونتهم.
أو الواحد هو الذي طعنها، ثم اجتمعوا، فعقروا جميعا، ونحو ذلك؛ فثبت أنه لا تناقض.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَتَعَاطَى) وتناول، (فَعَقَرَ) أي: ضرب عرقوبها؛ أي: ساقها.
وقيل: العقر: قد يكون جرحا، وقد يكون قتلا.
وقوله: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) يحتمل: أي: أرسلنا عليهم العذاب قدر صيحة واحدة، يخبر عن سرعة نزول العذاب ووقعه عليهم.
ويحتمل أن يكون أرسل عليهم الصيحة، وأهلكهم، وصاروا كما ذكر من هشيم
الآيتان ٣٠ و٣١ وقوله تعالى :﴿ فكيف كان عذابي ونُذر ﴾ ﴿ إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المُحتظِر ﴾ يحتمل أي أرسلنا عليهم العذاب قدر صيحة واحدة ؛ يُخبر عن سرعة نزول العذاب ووقوعه عليهم.
ويحتمل أن يكون أرسل عليهم الصّيحة، وأهلكهم، وصاروا كما ذكر من هشيم المُحتظِر، وهو قوله١ :﴿ فكانوا كهشيم المُحتظر ﴾.
قيل : الهشيم : العظام البالية، وقيل : كالشيء المتناثِر من الحائط. وأصل الهشيم الانكسار، أي صاروا كالشيء المُنكسِر المجتمع في موضع.
وقوله تعالى :﴿ المُحتظِر ﴾ بكسر الظاء ونصبه٢ ؛ روي النصب عن الحسن ؛ قال أبو عبيد : بالكسر يُقرأ على تأويل الإنسان المُحتظِر، وقال أبو عوسجة : الهشيم الباقي من الشجر، والمُحتظَر الذي يُتّخذ حظيرة، وقال القتبيّ : الهشيم يابس٣ النبت الذي ينهشم، أي ينكسر، والمُحتظِر بكسر الظاء صاحب الحظيرة لغَنَمه، وبفتح الظاء أراد الحيطان، وهو الحظيرة.
ويحتمل أن يكون أرسل عليهم الصّيحة، وأهلكهم، وصاروا كما ذكر من هشيم المُحتظِر، وهو قوله١ :﴿ فكانوا كهشيم المُحتظر ﴾.
قيل : الهشيم : العظام البالية، وقيل : كالشيء المتناثِر من الحائط. وأصل الهشيم الانكسار، أي صاروا كالشيء المُنكسِر المجتمع في موضع.
وقوله تعالى :﴿ المُحتظِر ﴾ بكسر الظاء ونصبه٢ ؛ روي النصب عن الحسن ؛ قال أبو عبيد : بالكسر يُقرأ على تأويل الإنسان المُحتظِر، وقال أبو عوسجة : الهشيم الباقي من الشجر، والمُحتظَر الذي يُتّخذ حظيرة، وقال القتبيّ : الهشيم يابس٣ النبت الذي ينهشم، أي ينكسر، والمُحتظِر بكسر الظاء صاحب الحظيرة لغَنَمه، وبفتح الظاء أراد الحيطان، وهو الحظيرة.
١ في الأصل وم: كقوله..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٨..
٣ في الأصل وم: اليابس..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٨..
٣ في الأصل وم: اليابس..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:الآيتان ٣٠ و٣١ وقوله تعالى :﴿ فكيف كان عذابي ونُذر ﴾ ﴿ إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المُحتظِر ﴾ يحتمل أي أرسلنا عليهم العذاب قدر صيحة واحدة ؛ يُخبر عن سرعة نزول العذاب ووقوعه عليهم.
ويحتمل أن يكون أرسل عليهم الصّيحة، وأهلكهم، وصاروا كما ذكر من هشيم المُحتظِر، وهو قوله١ :﴿ فكانوا كهشيم المُحتظر ﴾.
قيل : الهشيم : العظام البالية، وقيل : كالشيء المتناثِر من الحائط. وأصل الهشيم الانكسار، أي صاروا كالشيء المُنكسِر المجتمع في موضع.
وقوله تعالى :﴿ المُحتظِر ﴾ بكسر الظاء ونصبه٢ ؛ روي النصب عن الحسن ؛ قال أبو عبيد : بالكسر يُقرأ على تأويل الإنسان المُحتظِر، وقال أبو عوسجة : الهشيم الباقي من الشجر، والمُحتظَر الذي يُتّخذ حظيرة، وقال القتبيّ : الهشيم يابس٣ النبت الذي ينهشم، أي ينكسر، والمُحتظِر بكسر الظاء صاحب الحظيرة لغَنَمه، وبفتح الظاء أراد الحيطان، وهو الحظيرة.
ويحتمل أن يكون أرسل عليهم الصّيحة، وأهلكهم، وصاروا كما ذكر من هشيم المُحتظِر، وهو قوله١ :﴿ فكانوا كهشيم المُحتظر ﴾.
قيل : الهشيم : العظام البالية، وقيل : كالشيء المتناثِر من الحائط. وأصل الهشيم الانكسار، أي صاروا كالشيء المُنكسِر المجتمع في موضع.
وقوله تعالى :﴿ المُحتظِر ﴾ بكسر الظاء ونصبه٢ ؛ روي النصب عن الحسن ؛ قال أبو عبيد : بالكسر يُقرأ على تأويل الإنسان المُحتظِر، وقال أبو عوسجة : الهشيم الباقي من الشجر، والمُحتظَر الذي يُتّخذ حظيرة، وقال القتبيّ : الهشيم يابس٣ النبت الذي ينهشم، أي ينكسر، والمُحتظِر بكسر الظاء صاحب الحظيرة لغَنَمه، وبفتح الظاء أراد الحيطان، وهو الحظيرة.
١ في الأصل وم: كقوله..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٨..
٣ في الأصل وم: اليابس..
٢ انظر معجم القراءات القرآنية ح٧/٣٨..
٣ في الأصل وم: اليابس..
المحتظر، وهو قوله: (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)، قيل: الهشيم: العظام البالية.
وقيل: كالشيء المتناثر، من الحائط، وأصل الهشيم: الانكسار، أي: صاروا كالشيء المنكسر المجتمع في موضع.
وقوله تعالى: (الْمُحْتَظِرِ) بكسر الظاء ونصبه، روي النصب عن الحسن.
قال أبو عبيد: بالكسر يقرأ على تأويل الإنسان المحتظر.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الهشيم: البالي من الشجر، والمحتظر: الذي يتخذ حظيرة.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الهشيم: النبت اليابس الذي ينهشم، أي: ينكسر، والمحتظر -بكسر الظاء-: صاحب الحظيرة لغنمه، وبفتح الظاء أراد: الحيطان، وهو الحظيرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ... (٣٢) أي: يسرنا القرآن لذكر ما نسوا من نعم اللَّه تعالى، وأغفلوا عنها.
أو يسرنا القرآن لذكر ما أغفلوا من الحجج والآيات ونسوها.
أو يسرنا القرآن لذكر ما نسوا من الأنباء، وما نزل بمكذبي الرسل - عليهم السلام - بالتكذيب والعناد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -:: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قد تقدم ذكره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)، قال أهل التأويل: أليس الذي أنذروا به وجدوه حقًّا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أليس وجدوا ما وعد لهم رسلي حقًّا. وقد ذكرناه.
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ. نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ)، أي بالرسل - عليهم السلام - أو بما تقع به النذارة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -:
وقيل: كالشيء المتناثر، من الحائط، وأصل الهشيم: الانكسار، أي: صاروا كالشيء المنكسر المجتمع في موضع.
وقوله تعالى: (الْمُحْتَظِرِ) بكسر الظاء ونصبه، روي النصب عن الحسن.
قال أبو عبيد: بالكسر يقرأ على تأويل الإنسان المحتظر.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الهشيم: البالي من الشجر، والمحتظر: الذي يتخذ حظيرة.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الهشيم: النبت اليابس الذي ينهشم، أي: ينكسر، والمحتظر -بكسر الظاء-: صاحب الحظيرة لغنمه، وبفتح الظاء أراد: الحيطان، وهو الحظيرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ... (٣٢) أي: يسرنا القرآن لذكر ما نسوا من نعم اللَّه تعالى، وأغفلوا عنها.
أو يسرنا القرآن لذكر ما أغفلوا من الحجج والآيات ونسوها.
أو يسرنا القرآن لذكر ما نسوا من الأنباء، وما نزل بمكذبي الرسل - عليهم السلام - بالتكذيب والعناد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -:: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قد تقدم ذكره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)، قال أهل التأويل: أليس الذي أنذروا به وجدوه حقًّا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أليس وجدوا ما وعد لهم رسلي حقًّا. وقد ذكرناه.
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ. نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ)، أي بالرسل - عليهم السلام - أو بما تقع به النذارة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -:
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ | (٣٤) على تأويل من يقول بأن تلك |