تفسير سورة القمر

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة القمر من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سُورة اقتربت ( القمر ) مكية أو إلا ثلاث آيات ﴿ أم يقولون نحن جميع ﴾ إلى ﴿ أدهى وأمرُّ ﴾ [ ٤٤ - ٤٦ ].

١ - ﴿اقْتَرَبَتِ﴾ دنت سميت ساعة لقرب الأمر فيها، أو لمجيئها في ساعة من يومها ﴿وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ اتضح الأمر وظهر يضربون المثل بالقمر فيما وضح وظهر، أو انشقاقه انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما سمي الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه، أو ينشق حقيقة بعد النفخة الثانية " ح "، أو انشق على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند الجمهور، قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - رأيت القمر منشقاً شقتين مرتين بمكة قبل مخرج الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى المدينة شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فقالوا سحر القمر.
٢ - ﴿أيه﴾ انشقاق القمر أو أي آية رأوها أعرضوا عنها ﴿مُّسْتَمِرٌّ﴾ ذاهبٌ، أو شديد من إمرار الحبل وهو شدة فتله، أو دائم، أو استمر من الأرض إلى
254
السماء أو يشبه بعضه بعضاً.
255
٣ - ﴿مُّسْتَقِرٌّ﴾ يوم القيامة، أو الخير لأهل الخير والشر لأهل الشر، أو يستقر حقه من باطله، أو لكل شيء غاية في حلوله ووقوعه.
٤ - ﴿الأَنبَآءِ﴾ القرآن، أو أحاديث من سلف ﴿مُزْدَجَرٌ﴾ مانع من المعصية.
٥ - ﴿حكمة بالغة﴾ الكتاب والسنة.
﴿فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر (٦) خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جرادٌ منتشر (٧) مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يومٌ عسر (٨) ﴾
٨ - ﴿مُّهْطِعِينَ﴾ مسرعين، أو مقبلين، أو عامدين، أو ناظرين، أو فاتحين آذانهم إلى الصوت، أو قابضين ما بين أعينهم.
﴿كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر (٩) فدعا ربه أني مغلوبٌ فانتصر (١٠) ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمرٍ (١١) وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر (١٢) وحملناه على ذات ألواحٍ ودُسُر (١٣) تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر (١٤) ولقد تركنها ءاية فهل من مدكر (١٥) فكيف كان عذابي ونذر (١٦) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (١٧) ﴾
١١ - ﴿مُّنْهَمِرٍ﴾ كثير، أو منصب متدفق ﴿فَفَتَحْنَآ﴾ رتاج السماء، ووسعنا مسالكها، أو المجرة وهي [١٨٩ / ب] : شرج السماء فتحت بماء منهمر قاله علي - رضي الله تعالى عنه -.
١٢ - ﴿قُدِرَ﴾ قُضي عليهم إذا كفروا أن يغرقوا، أو التقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر.
١٣ - ﴿وَدُسُرٍ﴾ المعاريض التي تُشد بها السفينة، أو المسامير التي يدسر بها أي يشد، أو صدر السفينة الذي يدسر به الموج أي يدفعه، أو طرفها وأصلها.
١٤ - ﴿بأعيينا﴾ بمرأى منا، أو بأمرنا، أو بأعين ملائكتنا الموكلين بحفظها، أو بأعيننا التي فجرناها من الأرض وقيل كانت تجري ما بين السماء والأرض ﴿لِّمَن كَانَ كُفِرَ﴾ لكفرهم بالله تعالى، أو لتكذيبهم، أو مكافأة لنوح عليه الصلاة والسلام حين كفره قومه أن حمل على ذات ألواح.
١٥ - ﴿تَّرَكْنَاهَآ﴾ الغرق، أو السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة ﴿مُّدَّكِرٍ﴾ متذكر، أو طالب خير فيعان عليه، أو مزدجر عن المعاصي.
{كذبت عادٌ فكيف كان عذابي ونذر (١٨) إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يومٍ نحسٍ مستمر (١٩) تنزع الناسَ كأنهم أعجازُ نخلٍ منقعر (٢٠) فكيف كان عذاب ونُذُر (٢١) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (٢٢)
١٩ - ﴿صَرْصَراً﴾ باردة، أو شديدة، أو لهبوبها صرير كالصوت ﴿نَحْسٍ﴾ عذاب وهلاك، أو برد أو يوم الأربعاء ﴿مُسْتَمرٍّ﴾ ذاهب، أو دائم.
٢٢ - ﴿يَسَّرنا﴾ سهلنا تلاوته على أهل كل لسان، أو سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه، أو هونا حفظه فلا يحفظ من كتب الله سواه.
{كذبت ثمود بالنذر (٢٣) فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلالٍ وسعر (٢٤) أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر (٢٥) سيعلمون غداً من الكذاب الأشر (٢٦) إنا
256
مرسلوا الناقة فتنةً لهم فارتقبهم واصطبر (٢٧) ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شربٍ محتضر (٢٨) فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر (٢٩) فكيف كان عذاب ونذر (٣٠) إنا أرسلنا عليهم صيحةً واحدةً فكانوا كهشيم المحتظر (٣١) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (٣٢) }
257
٢٤ - ﴿وسُعُرٍ﴾ جنون، أو عناء، أو تيه، أو افتراق، أو جمع سعير وهو الوقود. استعظموا اتباعهم لواحد منهم كاستعظام النار كقول من ناله خطب عظيم: أنا في النار، أو لما وعد بالنار على تكذيبه، ردوا مثل ما قيل لهم فقالوا إن اتبعناه كنا إذاً في النار.
٢٥ - ﴿أَشِرٌ﴾ بطر، أو عظيم الكذب، أو متعد إلى منزلة لا يستحقها.
٢٨ - ﴿الماء قسمةٌ﴾ لما نزل الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالحجر قال: " أيها الناس لا تسألوا الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله تعالى لهم آية فبعث لهم ناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غِبها " فهذا معنى قوله ﴿أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) {﴾ (مُّحْتَضَرٌ} : تحضر الناقة الماء وردها وتغيب يوم وردهم، أو تحضر ثمود الماء يوم غبها فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون.
٢٩ - ﴿صَاحِبَهُمْ﴾ أحمر ثمود وشَقِيِّها، أو قُدَار بن سالف. ﴿فَتَعَاطَى﴾ بطش بيده، " ع " أو تناولها وأخذها. ﴿فَعَقَرَ﴾ كَمَنَ في أصل شجرة بطريقها فرماها بسهم انتظم به أصل ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدَّر سقبها ثم نحرت وانطلق سقبها إلى صخرة في رأس جبل فرغى ثم نادى بها فأتاهم صالح فلما رآها عقرت بكى وقال: انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله عز وجل، قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - كان عاقرها أشقر أزرق أحمر أكشف أقفى.
٣١ - ﴿كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾ العظام المحترقة " ع "، أو التراب يتناثر من الحائط فتصيبه الريح فيتحظر مستديراً، أو الحضار البالية من الخشب إذا صارت هشيماً، أو حشيش حضرته الغنم فأكلته، أو يابس الشجر الذي فيه شوك والمحتضر الذي تحتضر به العرب حول مواشيها من السباع.
﴿كذبت قومُ لوطٍ بالنذر (٣٣) إنا أرسلنا عليهم حاصباً إلا ءال لوط نجيناهم بسحر (٣٤) نعمةً من عندنا كذلك نجزي من شكر (٣٥) ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر (٣٦) ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابيِ ونذر (٣٧) ولقد صبحهم بكرةً عذابٌ مستقر (٣٨) فذوقوا عذابي ونذر (٣٩) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (٤٠) ﴾
٣٤ - ﴿حَاصِباً﴾ الحجارة التي رُموا بها والحصباء: صغار الأحجار، أو السحاب الذي حصبهم، أو الملائكة الذين حصبوهم، أو الريح التي حملت عليهم الحصباء، أو الحاصب الرمي بالأحجار، أو غيرها ﴿بِسَحَرٍ﴾ السحر: ما بين آخر الليل وطلوع الفجر وهو اختلاط سواد آخر الليل ببياض أول النهار لأن
258
في هذا الوقت مخاييل الليل ومخاييل النهار.
259
٣٧ - ﴿فَطَمَسْنَآ﴾ أخفيناهم فلم يروهم مع بقاء أعينهم، أو ذهبت أعينهم، الطمس: محو الأثر، ومنه طمس الكتاب، ﴿فَذُوقُواْ﴾ وعيد بالعذاب الأدنى، أو تقريع بما أصابهم في الحال من العمى.
٣٨ - ﴿مُّسْتَقِرٌّ﴾ إلى الموت، أو دائم إلى نار جهنم.
﴿ولقد جاء ءال فرعون النذر (٤١) كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر (٤٢) أكفاركم خيرٌ من أولائكم أم لكم براءة في الزبر (٤٣) أم يقولون نحن جميعٌ منتصر (٤٤) سيهزم الجمع ويولون الدبر (٤٥) بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر (٤٦) ﴾
٤٣ - ﴿أَكُفَّارُكُمْ﴾ ليس كفاركم خيراً ممن أهلك من القرون ﴿بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ﴾ الكتب السالفة أنكم لا تهلكون.
٤٤ - ﴿مُّنتَصِرٌ﴾ لآلهتهم بالعبادة، أو لأنفسهم بالظهور.
٤٥ - ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ يوم بدر.
٤٦ - ﴿أَدْهَى﴾ أعظم، ﴿وَأَمَرُّ﴾ أشد مرارة أو أنفذ من نفوذ المرارة فيما خالطته.
﴿إن المجرمين في ضلال وسعر (٤٧) يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر (٤٨) إن كل شيءٍ خلقناه بقدر (٤٩) وما أمرنا إلا واحدةٌ كلمح بالبصر (٥٠) ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر (٥١) وكل شيء فعلوه في الزبر (٥٢) وكل صغير وكبير مستطر (٥٣) إن المتقين في جنات ونهرٍ (٥٤) في معقد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ (٥٥) ﴾
٤٩ - ﴿بِقَدَرٍ﴾ على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان، أو بحكم سابق وقضاء محتوم.
٥٠ - ﴿كَلَمْحٍ﴾ إذا أردنا شيئاً أمرنا به مرة واحدة من غير مثنوية فيكون ذلك الشيء مع أمرنا كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير.
٥٣ - ﴿مُّسْتَطَرٌ﴾ مكتوب، أو محفوظ.
٥٤ - ﴿وَنَهَرٍ﴾ أنهار الماء والخمر واللبن والعسل، أو النهر الضياء والنور، أو سعة العيش ومنه اشتق نهر الماء.
٥٥ - ﴿مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ حق لا لغو فيه ولا تأثيم، أو صدق الله تعالى وعده لأوليائه فيه.
260
سُورَةُ الرَّحْمنْ
مكية، أو إلا آية ﴿يسأله من في السماوات﴾ [٢٩] أو مدنية كلها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿الرحمن (١) علم القرآن (٢) خلق الإنسان (٣) علمه البيان (٤) الشمسُ والقمر بحسبان (٥) والنجم والشجر يسجدان (٦) والسماء رفعها ووضع الميزان (٧) ألا تطغوا في الميزان (٨) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (٩) والأرض وضعها للأنام (١٠) فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام (١١) والحبُّ ذو العصفِ والريحان (١٢) فبأي ءالاءِ ربكما تكذبان (١٣) ﴾
261
Icon