تفسير سورة القمر

مراح لبيد
تفسير سورة سورة القمر من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد .
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة القمر
وتسمى سورة اقتربت، مكية، خمس وخمسون آية، ثلاثمائة واثنتان وأربعون كلمة، ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون حرفا
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ أي دنا قيام الساعة بخروج محمد صلّى الله عليه وسلّم، وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) نصفين من علامات قرب الساعة.
روى أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما وَإِنْ يَرَوْا آيَةً أي عظيمة يُعْرِضُوا عن الإيمان بها وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) أي هذا سحر دائم يأتي به محمد على مر الزمان، أو قوي لا يمكن إزالته. وقيل:
أي مار يزول ولا يبقى. وقيل: أي شديد المرارة فلا نقدر أن نسيغه كما لا نسيغ المر. وقرئ «وإن يروا» على البناء للمفعول، وَكَذَّبُوا بالآية بكونها دالة على صدق الرسول، وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أي فقالوا: إنه سحر القمر أو سحر أعيننا، وَكُلُّ أَمْرٍ من الخير والشر مُسْتَقِرٌّ (٣) فكل عامل يرى في الآخرة أثر عمله. وقرئ «مستقر» بالجر صفة ل «أمر» ف «كل» عطف على الساعة، أي اقتربت الساعة وكل أمر مستقر، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) أي وبالله لقد جاءهم في القرآن كائنا من أخبار الأمم الماضية المهلكين ما فيه ازدجار. وقرئ «مزجر» بقلب تاء الافتعال زايا وإدغامها فيه. وقرأ زيد بن علي «مزجر» بصيغة اسم الفاعل ذو زجر. حِكْمَةٌ بالِغَةٌ أي لا خلل فيها بدل من «ما». وقرئ بالنصب حالا منها فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) و «ما» إما نافية. والمعنى: إن الرسل لم يبعثوا ليلجأوا قومهم إلى الحق وإنما أرسلوا مبلغين وإما استفهامية، والمعنى: إنك يا أشرف الرسل أتيت بما عليك من الدعوة وإظهار الآية عليها، فكذبوك، فأنذرتهم بما جرى على المكذبين، فلم يفدهم إنذارك فهذه حكمة بالغة، فأيّ شيء من الأمور النافعة غير هذا تحصله فلم يبق عليك شيء آخر، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي لا تناظرهم بالكلام- وهذه الآية غير منسوخة- يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) و «يوم» منصوب ب «يخرجون»، و «خشعا» حال من فاعل «يخرجون»، وكذا جملة «كأنهم» إلخ وقرأ
ابن كثير «نكر» بسكون الكاف. والباقون بالضم. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «خاشعا» بفتح الخاء، وبألف بعدها والباقون بضم الخاء وفتح الشين مشددة. وقرئ «خاشعة» بالتأنيث على الأصل وقرئ «خشع أبصارهم» على الابتداء، والخبر والجملة حال، والمعنى: يخرج الناس من القبور حال كونهم مثل جراد منتشر في كثرتهم واجتماع بعضهم على بعض يوم يدعو إسرافيل أو جبريل إلى شيء فظيع تنكره النفوس، وهو هول القيامة أذلة أبصارهم من شدة الهول، مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ أي مسرعين إليه مادي أعناقهم إليه يَقُولُ الْكافِرُونَ في ذلك اليوم: هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) أي صعب شديد، ثم شرع في ذكر بعض الأنباء الموجبة للازدجار فقال: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل أهل مكة، قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) عطف على «قالوا»، أي قالوا لنوح: هو مجنون وزجروه عن مقالته بأنواع الأذية، فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) أي بأني غلبني قومي بالقوة فانتقم لي منهم، والعامة على فتح همزة «أني». وقرأ الأعمش وابن أبي إسحاق بالكسر، أي فقال نوح: يا إلهي إن نفسي غلبتني بحكم البشرية، وقد أمرتني بالدعاء عليهم، فأهلكهم
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)، أي بمطر منصب من السماء على الأرض أربعين يوما. وقرأ ابن عامر بتشديد التاء لكثرة الأبواب، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً أي جعلنا الأرض كلها، كأنها عيون منفجرة، فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) أي فارماء الأرض بقوة حتى ارتفع والتقى بماء السماء على حال قد قدّرها الله تعالى كما شاء. وقرئ «الماءان» بالتثنية وتحقيق الهمزة «والماوان» بقلب الهمزة واوا، أي ماء السماء وماء الأرض. وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) أي وحملنا نوحا على سفينة ذات أخشاب عريضة ومسامير، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أي تسير السفينة محفوظة بحفظنا، جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) أي حملناه جزاء لنوح على صبره على كفرانهم، لأنه كان نعمة كفروها فإن كل نبي نعمة على أمته. وقرئ «جزاء» بكسر الجيم، أي مجازاة، وقرئ «كفر» بالبناء على الفاعل، أي أغرقنا الكفار جزاء لهم، وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً أي ولقد جعلنا السفينة آية يعتبر بها من يقف على خبرها، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) أي فهل من معتبر يعتبر بما صنع الله بقوم نوح موجود فيترك المعصية ويختار الطاعة، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي الذي عذبتهم به، وَنُذُرِ (١٦) أي وكيف كان عاقبة إنذاري؟ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي وبالله لقد سهلنا القرآن لقومك، بأن نزلناه على لغتهم للاتعاظ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) أي فهل من طالب علم فيعان عليه؟ كَذَّبَتْ عادٌ هودا فاسمعوا، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) أي إنذاراتي لهم، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أي باردة وهو ريح الدبور فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)، أي إلى نفاذ المراد، وهو من يوم الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى غروب شمس الأربعاء آخره، ومستمر، وصف ليوم مضاف إلى «نحس» بسكون الحاء. وقرئ بتنوين «يوم» وكسر حاء «نحس»، ومن جعل نحسا اسم معنى أو مصدرا كان مستمر وصفا لنحس أي مستمر النحوسة. تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ
أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ
(٢٠) أي تقلع قوم هود من أماكنهم فيلقون أمواتا وهم جثث عظام طوال كأنهم نخل قطعت رؤوسه منقلع عن مغارسه،
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) أي انظر كيف كان عذابي عليهم وكيف كان حال إنذاراتي، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي هيأناه للتذكر فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) أي فهل من متعظ يتعظ بما صنع بقوم هود فيترك المعصية؟ كَذَّبَتْ ثَمُودُ قوم صالح بِالنُّذُرِ (٢٣) أي بالإنذارات، فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أي فقالوا: أنتبع آدميا مثلنا واحدا من آحادنا لا من أشرافنا في دينه وأمره إنا وقتئذ لفي خطأ بيّن وتعب، أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا أي أألقي الوحي على صالح وهل خصّ بالنبوة منفردا من بيننا وفينا من هو أكثر مالا وأحسن حالا، بَلْ هُوَ كَذَّابٌ في قوله، أَشِرٌ (٢٥) أي متكبر مرح، سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦).
وقرأ ابن عامر وحمزة بتاء الخطاب وهو حكاية عن قول صالح عليه السلام لقومه، أي ستعلمون وقت نزول العذاب بكم في الدنيا عن قريب من شديد الكذب المتكبر. والباقون بياء الغيبة وهو حكاية لقوله تعالى لصالح عليه السلام وعدا له ووعيدا لقومه أي سيعلمون عن قريب وهو وقت نزول العذاب بهم في الدنيا من الذي حمله كذبه وبطره على الترفع أصالح هو أم من كذبه؟ وقرئ «الأشر» أي الأبلغ في الشرار فقال الله لصالح: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ أي إنا مخرجو الناقة من الجبل المنبسط على الأرض حسب ما سألوا فِتْنَةً لَهُمْ مفعول لأجله، أي امتحانا لهم ليتميز حال من يثاب ممن يعذب فإخراج الناقة من الصخرة كان معجزة لصالح، لأنها تصديق له وبعده يتميز المصدق عن المكذب وإرسالها إليهم ودورانها فيما بينهم وقسمة الماء كان فتنة، فَارْتَقِبْهُمْ أي انتظرهم بالعذاب وتبصر ما يصنعون، وَاصْطَبِرْ (٢٧) على أذيتهم، أي فإن كانوا يؤذونك فلا تستعجل لهم العذاب، وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ أي أخبرهم بأن ماء بئرهم مقسوم بين قوم صالح والناقة فيوم لهم ويوم لها كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) أي كل نصيب من الماء يحضره صاحبه في نوبته، فبقوا على ذلك مدة، ثم سئموا من ضيق الماء والمرعى عليهم، وعلى مواشيهم فأجمعوا على قتلها فَنادَوْا صاحِبَهُمْ قدار بن سالف، ويلقب بالأجهر بعد ما رماها مصدع بن دهر بسهم، فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) أي تناول قدار السيف فقتل الناقة به موافقة لهم، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) أي إنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله،
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً صيحة جبريل بالعذاب بعد ثلاثة أيام من قتلهم الناقة، لأنه كان في يوم الثلاثاء، ونزول العذاب بالصيحة بهم كان يوم السبت، فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) بكسر الظاء، أي فصاروا كالشيء اليابس من الحطب والشوك لمن يعمل الحظيرة في إهلاكهم. وقرئ بفتح الظاء أي فصاروا كالشيء الذي داسته الغنم في الحظيرة، وهي زريبة الغنم تتخذ من دقاق الشجر وضعيف النبات تقيها عن الحر أو البرد، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي هوّنا القرآن للعظة والحفظ والقراءة.
قال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا، أي بغير نظر إلّا القرآن. وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل ولم يكونوا يقرءون التوراة إلّا نظرا غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) أي فهل من طالب لحفظه فيعان عليه؟ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) أي بالأمور المخوفة لهم على لسانه إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً، أي عذابا بحجارة من سجيل، عليها علامة كل واحد، فالملائكة حركوا الريح، فالريح رمت الحجارة عليهم إِلَّا آلَ لُوطٍ أي إلّا لوطا وابنتيه زاعورا ورينا. نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) أي في آخر الليل. وقيل عند السدس الأخير من الليل نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا مفعول له، أي كان ذلك الإنجاء فضلا منا كما أن ذلك الإهلاك كان عدلا منا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥)، أي كما أنعمنا على من آمن بالله تعالى وأطاعه بالإنجاء ننعم عليهم يوم الحساب. وقيل: أي مثل ذلك الإنجاء ننجي من آمن بالله من عذاب الدنيا، ولا نهلكه بالهلاك العام، وعلى هذا فهو وعد لأمة محمد المؤمنين وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا أي ولقد خوفهم لوط عذابنا الأكبر يوم القيامة لئلا يكون مقصرا في التبليغ، فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) أي شكوا في الإنذارات وكذبوا لوطا، وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ أي طلبوا من لوط المرة بعد المرة أن يخلي بينهم وبين أضيافه من الملائكة التي في صورة شبان مرد للفاحشة، فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ أي أذهبنا صورة أعينهم بالكلية حتى صارت وجوههم كالصفحة الملساء.
روي أنهم لما دخلوا داره عليه السلام عنوة صفقهم جبريل عليه السلام صفقة فتركهم يترددون لا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط عليه السلام. فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) أي فقلنا لهم على ألسنة الملائكة: ذوقوا عذابي الذي هو طمس العين وثمرة إنذاري.
وقال القرطبي: والمراد من هذا الأمر خبر، أي فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط عليه السلام، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) أي ولقد أتاهم وقت الصبح أول جزء منه عذاب دائم، فإنهم لما أهلكوا نقلوا إلى الجحيم، فكان ما أتاهم عذاب لا يندفع بموتهم، أي فقلع جبريل بلادهم فرفعها، ثم قلبها وأمطر الله عليها حجارة من النار، وخسفها وغمرها بالماء المنتن الذي لا يعيش به حيوان.
وقرئ «بكرة» غير منون على أن المراد بها أول نهار مخصوص، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) أي فقلنا لهم: ذوقوا عذابي وفائدة تخويفي وهي فنون هذا العذاب، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي هوّنا القرآن للحفظ والكتابة فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) ؟ أي فهل متعظ يتعظ بما صنع بقوم لوط فيترك المعصية؟
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) أي ولقد جاء فرعون وهامان وقارون الإنذار على لسان موسى وهارون، كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها السمعية والعقلية، فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أي أخذ غالب غير عاجز أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أي الذين يصرون على الكفر منكم أهل مكة خير في
القوة فلا تهلكون أم الذين أصروا عليه من أولئكم المذكورين، قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وفرعون، وآله وهم من يؤول إليهم خيره وشره؟ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) ! أي هل حصل لكم براءة من غوائل الكفر والمعاصي في الكتب السماوية تأمنون العذاب بسببها فلذلك تصرون على ما أنتم عليه؟ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) ؟ أي بل أيقولون: نحن كثير منتقمون على من خالفنا، قويون على من عادانا سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ أي يهزم جمعهم بأيسر أمر بوعد لا خلف فيه، وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥).
قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لما نزلت: سيهزم الجمع ويولون الدبر، كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبس الدرع ويقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر»
. فعرفت تأويلها اه. وقرئ «سيهزم الجمع» بالبناء للفاعل، أي سيهزم الله تعالى الجمع بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ أي ليس ما وقع لهم في بدر تمام عقوبتهم، بل السلعة موعد أصل عذابهم، وهذا من مقدماته وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦)، والساعة أشد من أنواع عذاب الدنيا وآلم وأدوم، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ من الأولين والآخرين فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) في ضلال وجنون لا يعقلون ولا يهتدون يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) أي يوم يجرون على وجوههم إلى النار يقال لهم: قاسوا حر جهنم وألمها، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)، أي إنا خلقنا كل شيء ملتبسا بقدر معين، والمعنى: أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى، وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها الله تعالى، وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) أي وما أمرنا في كل شيء أردنا إيجاده إلّا كلمة واحدة وهي: كن كطرف البصر في السرعة.
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ أي أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية فاحذروا أن يصيبكم مثل ما أصابهم.
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) أي متعظ يتعظ بما صنع بهم فيترك المعصية؟ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) أي وكل شيء فعله الأشياع في الشرك بالله من المعاصي والجفاء بالأنبياء مكتوب عليهم في ديوان الحفظة، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ من الأعمال مُسْتَطَرٌ (٥٣) أي مكتوب بتفاصيله في اللوح المحفوظ إِنَّ الْمُتَّقِينَ من الكفر والمعاصي فِي جَنَّاتٍ أي رياض واسعة عظيمة الشأن، وَنَهَرٍ (٥٤) أي عند أنهار.
وقرئ «نهر» بضم النون والهاء فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي في مكان مرضي، أو في مجلس لا كذب فيه. وقرئ «مقاعد». عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥) أي مقربين عند من له ملك عظيم قادر لا يعجزه شيء ولا شيء إلّا وهو تحت ملكوته، والقربة من الملوك لذيذة كلما كان الملك أشد قدرة كان المتقرب منه أشد التذاذا. والمراد من القرب: قرب المنزلة والشأن لا قرب المعنى والمكان.
Icon