تفسير سورة النازعات

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة النازعات من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة النازعات ست وأربعون آية مكية

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (٣) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (٤) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥)
﴿والنّازعات غَرْقاً والنّاشطاتِ نشطاً والسّابحاتِ سبحاً فالسّابقاتِ سبقاً فالمدبّرات أمراً﴾ لا وقف إلى هنا ولزم هنا لأنه لو وصل لصار يوم ظرف المدبرات وقد انقضى تدبير الملائكة في ذلك اليوم أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد غرقاً أي إغراقاً في النزع أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها ومواضع أظفارها وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها وبالطوتئف التي تسبح في مضيها أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمر أمن أمور العباد مما يصلحهم فى دينهم ودنياهم أو دنياهم كما رسم لهم أو بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه أو بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط فى أقصى الغرب والتى يخرج من برج إلى برج والتي تسبح في الفلك
595
من السيارة فتسبق فتدبر أمر امن علم الحساب وجواب القسم محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة
596
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦)
﴿يوم تَرْجُفُ﴾ تتحرك حركة شديدة والرجف شدة الحركة ﴿الرَّاجِفَةُ﴾ النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها لأنها تضطرب بها الأرض حتى يموت كل من عليها
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)
﴿تَتْبَعُهَا﴾ حال عن الراجفة ﴿الرَّادِفَةُ﴾ النفخة الثانية لأنها تردف الأولى وبينهما أربعون سنة والأولى تميت الخلق والثانية تحييهم
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (٨)
﴿قلوبٌ يومئذٍ﴾ قلوب منكري البعث ﴿وَاجِفَةٌ﴾ مضطربة من الوجيف وهو الوجيب وانتصاب يوم ترجف بما دل عليه قلوب يومئذ واجفة أى يوم ترجدف وجفت القلوب وارتفاع قلوب بالابتداء وواجفة صفتها
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩)
﴿أبصارُها﴾ أي أبصار أصحابها ﴿خاشِعَةٌ﴾ ذليلة لهول ماترى
﴿يقولون﴾
خبرها
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (١٠)
﴿يقولون﴾ أى منكر والبعث فى الدنيا استهزاء وانكارا للبعث ﴿أئنا لمردودون في الحافرةِ﴾ استفهام بمعنى الإنكار أي أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا والحافرة الحالة الأولى يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد غليه رجع إلى حافرته أي إلى حالته الأولى ويقال النقد عند الحافرة أي عند الحالة الأة لى وهى الصفقة أنكروا البعث ثم زادوا استبعاد فقالوا
أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (١١)
﴿أئذا كنا عظاماً نَّخِرَةً﴾ بالية ناخرة كوفي غير حفص وفَعِلَ أبلغ من فاعل يقال نخر العظم فهو نخر وناخر والمعنى أد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاماً بالية وإذا منصوب بمحذوف وهو نبعث
قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (١٢)
﴿قالوا﴾ أى منكر والبعث ﴿تِلْكَ﴾ رجعتنا ﴿إذاً كَرَّةٌ خاسرةٌ﴾ رجعة ذات خسران أو خاسر أصحابها والمعنى أنها إن صحت وبعثنا فنحن إذاً خاسرون لتكذيبنا بها وهذا استهزاء منهم
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣)
﴿فَإِنَّما هي زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ متعلق بمحذوف أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عزوجل فإنها سهلة هينة في قدرته فما هي إلا صيحة واحدة يريد النفخة الثانية من قولهم زجر البعير إذا صاح عليه
فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
﴿فإذا هم بالسَّاهِرةِ﴾ فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتاً في جوفها وقيل الساهرة أرض بعينها بالشأم إلى جنب بيت المقدس أو أرض مكة أو جهنم
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥)
﴿هل أتاك حديث موسى﴾ استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦)
﴿إذ ناداه رَبُّهُ﴾ حين ناداه ﴿بالوَادِ المقَدَّسِ﴾ المبارك المطهر ﴿طوًى﴾ اسمه
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧)
﴿اذهب إلى فرعون﴾ على إرادة القول ﴿إنَّهُ طغى﴾ تجاوز الحد في الكفر والفساد
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨)
﴿فقل هل لّك إلى أن تزكى﴾ هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان وبتشديد الزاي حجازي
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩)
﴿وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ﴾ وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه ﴿فتخشى﴾ لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء أي العلماء به وعن بعض الحكماء اعرف الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين فالخشية ملاك الأمر من خشي الله أتى منه كل خير ومن أمن من اجترأ على كل شر ومنه لحديث من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه هل لك أن تنزل بنا وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوه كما أمر بذلك في قوله تعالى فقولا له قولاً لينا
فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠)
﴿فأراه الآية الكبرى﴾ أي فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة
فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١)
﴿فكذب﴾ فرعون بموسى والآية الكبرى وسماها ساحراً وسحراً ﴿وعصى﴾ الله تعالى
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢)
﴿ثم أدبر﴾ تولى عن موسى
﴿يسعى﴾ ﴿فحشر فنادى﴾
﴿يسعى﴾ يجتهد في مكايدته أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسرع في مشيته وكان طياشا خفيفا
فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣)
﴿فحشر﴾ فجمع السحرة وجنده ﴿فنادى﴾ فى الى مقام الذي اجتمعوا فيه معه
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤)
﴿فقال أنا ربّكم الأعلى﴾ لا رب فوقي وكانت لهم أصنام يعبدونها
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)
﴿فأخذه الله نكال الآخرة﴾ عاقبة الله عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كانه قيل نكل الله به نكال الأخرى أي الإحراق ﴿والأولى﴾ أي الإغراق أو نكال كلمتيه الآخرة وهي أنا ربكم الأعلى والأولى وهى ماعلمت لكم من إله غيرى وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)
﴿إنّ في ذلك﴾ المذكور ﴿لَعِبْرَةً لّمن يخشى﴾ الله
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧)
﴿أأنتم﴾ يا منكري البعث ﴿أشَدُّ خَلْقاً﴾ أصعب خلقاً وإنشاء ﴿أم السَّمَاءُ﴾ مبتدأ محذوف الخبر أي أم السماء أشد خلقاً ثم بين كيف خلقها فقال ﴿بناها﴾ أي الله ثم بين البناء فقال
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨)
﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ أعلى سقفها وقيل جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعاً مسيرة خمسمائة عام ﴿فسواها﴾ فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩)
﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أظلمه ﴿وأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أبرز ضوء شمسها وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)
﴿والأَرْضَ بَعْدَ ذلك دَحَاهَا﴾ بسطها وكانت مخلوقة غير مدحوة
598
فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام ثم فسر البسط فقال
599
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١)
﴿أَخْرَجَ منها مَاءَها﴾ بتفجير العيون ﴿ومَرْعَاهَا﴾ كلأها ولذا لم يدخل العاطف على أخرج أو أخرج حال بإضمار قد
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢)
﴿والجبال أرساها﴾ أثبتها وانتصاب الأرض والجبال بإضمار دحاها وأرسى على شريطة التفسير
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)
﴿متاعاً لَّكُمَ ولأنعامِكُمْ﴾ فعل ذلك تمتيعاً لكم ولانعامكم
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤)
﴿فإذا جاءتِ الطَّامَّةُ الكبرى﴾ الداهية العظمى التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وهي النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (٣٥)
﴿يوم يَتَذَكَّرُ الإنسانُ﴾ بدل من إذا جاءت أى إذار أى أعماله مدونة فى كتابه تذكرها وكان قد نسيها ﴿ما سعى﴾ مصدرية أي سعيه أو موصولة
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦)
﴿وبُرِّزَتِ الجحيم﴾ وأظهرت ﴿لمن يرى﴾ لكل راء لظهور بينا
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧)
﴿فأمّا﴾ جواب فإذا أي إذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك ﴿من طغى﴾ جاوز الحد فكفر
وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨)
﴿وآثر الحَياةَ الدُّنْيَا﴾ على الآخرة باتباع الشهوات
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩)
﴿فإن الجحيم هي المأوى﴾ المرجع أى
﴿وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى {
سورة عبس
بسم الله ارحمن الرحيم {عبس وتولى﴾
﴿أن جاءه الأعمى﴾
مأواه والألف واللام بدل من الإضافة وهذا عند الكوفيين وعند سيبويه وعند البصريين هي المأوى له
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠)
﴿وأمّا من خاف مَقَامَ رَبِّهِ﴾ أي علم أن له مقاماً يوم القيامة لحساب ربه ﴿ونهى النَّفْسَ﴾ الأمارة بالسوء ﴿عن الهوى﴾ المؤذي أي زجرها عن اتباع الشهوات وقيل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها
599
والهوى ميل النفس إلى شهواتها
600
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)
﴿فإن الجنة هي المأوى﴾ أى المرجع
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢)
﴿يسألونك عَنِ السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ متى إرساؤها أي إقامتها يعني متى يقيمها الله تعالى ويثبتها
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣)
﴿فيم أنت من ذكراها﴾ فى أى شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمم به أى ماأنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء كقولك ليس فلان من العم فى شىء وكان رسول الله ﷺ لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها أي أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها
إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤)
﴿إلى رَبِّكَ مُنتَهَاها﴾ منتهى علمها متى تكون لا يعلمها غيره أو فيم إنكار لسؤالهم عنها أي فيم هذا السؤال ثم قال أنت من ذكراها أي إرسالك وأنت آخر الأنبياء علامة من علاماتها فلا معنى لسؤالهم عنها ولا يبعد أن يوقف على هذا على فيم أنت من ذكراها متصل بالسؤال أي يسألونك عن الساعة أيان مرساها ويقولون أين أنت من ذكراها ثم استأنف فقال إلى ربك منتهاها
إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥)
﴿إنّما أنت منذر من يخشاها﴾ أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يخاف شدائدها. منذر منون يزيد وعباس
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)
﴿كَأنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾ أي الساعة ﴿لم يَلْبَثُوا﴾ في الدنيا ﴿إلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ أي ضحى العشية استقلوا مدة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول كقوله لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقوله قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم وإنما صحت إضافة الضحى إلى العشية للملابسة بينهما لاجتماعهما في نهار واحد والمراد أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً ولكن أحد طرفي النهار عشيته أو ضحاه والله أعلم
600
سورة عبس مكية وهى اثنتان واربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

601
Icon