تفسير سورة القمر

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة القمر من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة القمر
مكية، عددها خمس وخمسون آية

﴿ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ ﴾ يعني القيامة، ومن علامة ذلك، خروج النبي صلى الله عليه وسلم، والدخان، وانشقاق القمر، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فانشق القمر نصفين، فقالوا: هذا عمل السحرة. يقول الله تعالى: ﴿ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ ﴾ [آية: ١] ﴿ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً ﴾ يعني انشقاق القمر ﴿ يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾ [آية: ٢] يعني سحر ذاهب، فاستمر، ثم التأم القمر بعد ذلك، يقول الله تعالى: ﴿ وَكَذَّبُواْ ﴾ بالآية يعني بالقمر أنه ليس من الله تعالى ﴿ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ ﴾ هذا وعيد ﴿ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ [آية: ٣] يعني لكل حديث منتهى وحقيقة، يعني العذاب في الدنيا القتل ببدر، ومنه في الآخرة عذاب النار ﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ ﴾ يعني جاء أهل مكة من حديث القرآن ﴿ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾ [آية: ٤] يعني موعظة لهم، وهو النهى عن المعاصي جاءهم ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴾ يعني القرآن نظيرها في يونس:﴿ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾[يونس: ١٠١]، يقول: أرسلت إليهم وأنذرتهم فكفروا بما جاءهم من البيان ﴿ فَمَا تُغْنِـي ٱلنُّذُرُ ﴾ [آية: ٥] ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ يعني فأعرض عن كفار مكة إلى ﴿ يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ ﴾ وهو إسرافيل ينفخ الثانية قائماً على صخرة بيت المقدس ﴿ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ ﴾ [آية: ٦] يعني إلى أمر فظيع.
﴿ خُشَّعاً ﴾ يعني ذليلة خافضة ﴿ أَبْصَارُهُمْ ﴾ عند معاينة النار ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾ يعني القبور ﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ [آية: ٧] حين انتشر من معدنه فشبه الناس بالجراد إذا خرجوا من قبورهم ﴿ مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ ﴾ يعني مقبلين سراعاً إذا خرجوا من القبور إلى صوت إسرافيل القائم على الصخرة التى ببيت المقدس، فيهون على المؤمنين الحشر، كأدنى صلاتهم، والكفار يكبون على وجوههم، فلا يقومون مقاماً، ولا يخرجون مخرجاً إلا عسر عليهم في كل موطن شدة ومشقة، فذلك قوله: ﴿ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ [آية: ٨] ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ قبل أهل مكة ﴿ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا ﴾ نوحاً ﴿ وَقَالُواْ ﴾ لنوح: ﴿ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ ﴾ [آية: ٩] يعني استطار القلب منه وأوعدوه بالقتل وضربوه.
﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ ﴾ [آية: ١٠] بعدما كان يضرب في كل يوم مرتين حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. قال أبو محمد: قال أبو العباس: ﴿ وَٱزْدُجِرَ ﴾ دفع عما أراد منهم. فأجابه الله تعالى: ﴿ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ أربعين يوماً ﴿ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ ﴾ [آية: ١١] يعني منصب كثير ﴿ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ ﴾ أربعين يوماً ﴿ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [آية: ١٢] وذلك أن ماء السماء وماء الأرض قدر الله تعالى كليهما، فكانا سواء لم يزاد ماء السماء على ماء الأرض، كان ماء السماء بارداً مثل الثلج، وماء الأرض حاراً مثل الحميم، فذلك قوله: ﴿ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ لأن الماء ارتفع فوق كل جبل ثلاثين يوماً، ويقال: أربعين ذراعاً، فكان الماء الذي على الأرض، والذي على رءوس الجبال فابتلعت الأرض ماءها، وبقى ماء السماء أربعين يوماً، لم تشربه الارض، فهذه البحور التي على الأرض منها.﴿ وَحَمَلْنَاهُ ﴾ نوحاً ﴿ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ ﴾ يعني ألواح السفينة، وهي من ساج، ثم قال: ﴿ وَدُسُرٍ ﴾ [آية: ١٣] يعني مسامير من حديد تشد به السفينة، كان بابها فىعرضها ﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾ يقول: تجري السفينة في الماء بعين الله تعالى، فأغرق الله قوم نوح، فذلك الغرق ﴿ جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ ﴾ [آية: ١٤] يعني نوحاً المكفور به.
﴿ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً ﴾ يعني السفينة كانت عبرة وآية لمن بعدهم من الناس، نظيرها في الحاقة، وفي الصافات، وفي العنكبوت.﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [آية: ١٥] يقول: هل من يتذكر؟ فيعلم أن ذلك الحق فيعتبر ويخاف عقوبة الله تعالى ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [آية: ١٦] ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ﴾ يقول: هونا ﴿ ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾ يعني ليتذكروا فيه ﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [آية: ١٧] يعني فيتذكر فيه ولو أن الله تعالى يسر القرآن للذكر ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله تعالى، ولكن الله تعالى يسره على خلقه فيقرءونه على كل حال ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ ﴾ هوداً بالعذاب ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [آية: ١٨] يقول: الذي أنذر قومه ألم يجدوه حقاً؟.
ثم أخبر عن عذابهم، فقال: ﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً ﴾ يعني باردة شديدة ﴿ فِي يَوْمِ نَحْسٍ ﴾ يعني شديد ﴿ مُّسْتَمِرٍّ ﴾ [آية: ١٩] يقول استمرت عليهم الريح لا تفتر عنهم سبع ليال، وثمانية أيام حسوماً دائمة ﴿ تَنزِعُ ﴾ الريح أرواح ﴿ ٱلنَّاسَ ﴾ من أجسادهم فتصرعهم، ثم شبههم، فقال: ﴿ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ ﴾ يعني أصول النخل ﴿ مُّنقَعِرٍ ﴾ [آية: ٢٠] يقول: انقعرت النخلة من أصلها، فوقعت وهو المنقطع. فشبههم حين وقعوا من شدة العذاب بالنخيل الساقطة التي ليست لها رءوس وشبههم بالنخيل لطولهم، كان طول كل رجل منهم اثني عشر ذراعاً.
﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ ﴾ [آية: ٢٣] يعني بالرسل ﴿ فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ ﴾ يعنون صالحاً ﴿ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ ﴾ [آية: ٢٤] يعني لفي شفاء وعناء إن تبعنا صالحاً ﴿ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ ﴾ يعني أنزل عليه الوحي ﴿ مِن بَيْنِنَا ﴾ يعنون صالحاً، صلى الله عليه وسلم، ونحن أفضل منه عند الله منزلة، فقالوا: ﴿ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴾ [آية: ٢٥] يعني بطر مرح، قال صالح: ﴿ سَيَعْلَمُونَ غَداً ﴾ عند نزول العذاب ﴿ مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ ﴾ [آية: ٢٦] فهذا وعيد أنا أم أنتم ﴿ إنَّا مُرْسِلُو ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ ﴾ لنبتليهم بها ﴿ فَٱرْتَقِبْهُمْ ﴾ يعني انتظروهم، فإن العذاب نازل بهم ﴿ وَٱصْطَبِرْ ﴾ [آية: ٢٧] على الأذى.
﴿ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ ﴾ يوم للناقة ويوم لأهل القرية ﴿ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ ﴾ [آية: ٢٨] يعني اليوم والناقة، يقول: إذا كان يوم الناقة حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم ﴿ فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ ﴾ بعدما كانوا منعوا الماء وكان القوم على شراب لهم ففنى الماء فبعثوا رجلاً ليأتيهم بالماء ليمزجوا به الخمر، فوجدوا الناقة على الماء، فرجع، وأخبر أصحابه، فقالوا لقدار بن سالف: اعقروها، وكانوا ثمانية فأخذ قدار السيف فعقرها، وهو عاقر الناقة. فذلك قوله: ﴿ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ﴾ [آية: ٢٩] فتناول الناقة بالسيف فعقرها ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [آية: ٣٠] يعني الذي أنذر قومه ألم يجدوه؟ حقاً، أيقن بالهلاك تكفنوا بالأنطاع وتطيبوا بالمر، ثم دخلوا حفرهم صبيحة يوم الرابع، ثم أخبر عن عذابهم. فقال: ﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ من جبريل، عليه السلام، وذلك أنه قام في ناحية القرية فصاح صيحة فخمدوا أجمعين ﴿ فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ ﴾ [آية: ٣١] شبههم في الهلاك بالهشيم البالي، يعني الحظيرة من القصب ونحوها تحظر على الغنم، أصابها ماء السماء، وحر الشمس، حتى بليت من طول الزمان، قال أبو محمد: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: الهشيم النبت الذى أتى عليه حر الشمس، وطول المدة، فإذا مسسته لم تجده شيئاً.﴿ وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ ﴾ [آية: ٣٣] يعني بالرسل.
ثم أخبر عن عذابهم، فقال: ﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً ﴾ يعني الحجارة من فوقهم، ثم استثنى فقال: ﴿ إِلاَّ آلَ لُوطٍ ﴾ ابنته ريثا وزعونا ﴿ نَّجَّيْنَاهُم ﴾ من العذاب ﴿ بِسَحَرٍ ﴾ [آية: ٣٤] يعني بقطع من آخر الليل، وكان ذلك ﴿ نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾ على آل لوط حين أنجى الله تعالى آل لوط ﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعني هكذا ﴿ نَجْزِي ﴾ بالنجاة ﴿ مَن شَكَرَ ﴾ [آية: ٣٥] يعني من حد الله تعالى، وصدق بما جاءت به الرسل لم يعذب مع المشركين في الدينا، كقوله:﴿ وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ ﴾[آل عمران: ١٤٤] يعني الموحدين.
ثم قال: ﴿ وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ ﴾ لوط ﴿ بَطْشَتَنَا ﴾ يعني العذاب ﴿ فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ ﴾ [آية: ٣٦] يقول: شكوا في العذاب بأنه غير نازل بهم في الدنيا ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ ﴾ جبريل صلى الله عليه وسلم ومعه ملكان ﴿ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ ﴾ يقول: فحولنا أبصارهم إلى العمى، وذلك أنهم كسروا الباب، ودخلوا على الرسل يريدون منهم ما كانوا يعملون بغيرهم، فلطمهم جبريل بجناحه فذهبت أبصارهم ﴿ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [آية: ٣٧] يقول: هذا الذي أنذروا ألم يجدوه حقاً؟ ﴿ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ [آية: ٣٨] يقول: استقر بهم العذاب بكرة ﴿ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [آية: ٣٩] يقول: هذا الذي أنذروا ألم يجدوه حقاً؟
﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ ﴾ [آية: ٤١] يعني الرسل موسى وهارون، عليهما السلام، يعني بآل فرعون القبط، كان فرعون قبطياً يقول: ﴿ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا ﴾ يعني بالآيات التسع، اليد، والعصا، والطمس، والسنين، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم ﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ ﴾ في انتقامه ﴿ مُّقْتَدِرٍ ﴾ [آية: ٤٢] على هلاكهم.
ثم خوف كفار مكة، فقال: ﴿ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ ﴾ يعني أكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير من كفار الأمم الخالية الذين ذكرهم في هذه السورة، يقول: أليس أهلكتهم بالعذاب بتكذيبهم الرسل، فلستم خيراً منهم إن كذبتم محمداً صلى الله عليه وسلم أن يهلككم بالعذاب ﴿ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ ﴾ [آية: ٤٣] يعني في الكتاب يقول: ألكم براءة من العذاب في الكتاب أنه لن يصيبكم من العذاب ما أصاب الأمم الخالية؟ فعذبهم الله ببدر بالقتل ﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ ﴾ [آية: ٤٤] من عدونا يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ ﴾ يعني جمع أهل بدر ﴿ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ﴾ [آية: ٤٥] يعني الأدبار لا يلوون على شىء، وقتل عبدالله بن مسعود أبا جهل بن هشام بسيف أبي جهل، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في جسده مثل لهب النار، قال:" ذلك ضرب الملائكة "، وأجهز على أبي جهل عوف ومعاذ ابنا عفراء.
ثم أوعدهم، قال: ﴿ بَلِ ٱلسَّاعَةُ ﴾ يعني يوم القيامة ﴿ مَوْعِدُهُمْ ﴾ بعد القتل ﴿ وَٱلسَّاعَةُ ﴾ يعني والقيامة ﴿ أَدْهَىٰ ﴾ يعني أفظع ﴿ وَأَمَرُّ ﴾ [آية: ٤٦] من القتل يقول: القتل يسير ببدر، ولكن عذاب جهنم أدهى وأمَرُّ عليهم من قتل بدر، ثم أخبر عنهم، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ في الدنيا ﴿ فِي ضَلاَلٍ ﴾ يعني في شقاء ﴿ وَسُعُرٍ ﴾ [آية: ٤٧] يعني وعناء، ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة، فقال: ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ﴾ بعد العرض تسحبهم الملائكة، وتقول الخزنة: ﴿ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ﴾ [آية: ٤٨] يعني عذاب سقر ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [آية: ٤٩] يقول: قدر الله لهم العذاب ودخول سقر ﴿ وَمَآ أَمْرُنَآ ﴾ في الساعة ﴿ إِلاَّ وَاحِدَةٌ ﴾ يعني إلا مرة واحدة لا مثنوية لها ﴿ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ ﴾ [آية: ٥٠] يعني مجنوح الطرف ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ ﴾ بالعذاب ﴿ أَشْيَاعَكُمْ ﴾ يعني عذبنا إخوانكم أهل ملتكم، يا أهل مكة، يعني الأمم الخالية حين كذبوا رسلهم ﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [آية: ٥١] يقول: فهل من متذكر فيعلم أن ذلك حق فيعتبر ويخاف، فلا يكذب محمداً صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ ﴾ [آية: ٥٢] يعني الأمم الخالية، قال: كل شىء عملوه مكتوب في اللوح المحفوظ ﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ﴾ [آية: ٥٣] ﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ ﴾ يعني البساتين ﴿ وَنَهَرٍ ﴾ [آية: ٥٤] يعني الأنهار الجارية، ويقال: السعة مثل قوله في الكهف:﴿ وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً ﴾[الكهف: ٣٣].
﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ ﴾ [آية: ٥٥] على ما يشاء، وذلك أن أهل الجنة يدخلون على ربهم تعالى على مقدار كل يوم جمعة، فيجلسون إليه على قدر أعمالهم في الدنيا، وبقدر ثوابهم في الآخرة، فيعدون في ذلك المجلس ما يحبون من شىء، ثم يعيطيهم الرب تعالى، مالم يسألوه من الخير من جنة عدن ما لم تراه عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر.
Icon