تفسير سورة سورة القمر من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
                        .
                            
                    لمؤلفه 
                                            الإيجي محيي الدين
                                                            .
                                             المتوفي سنة 905 هـ
                                    
                        
                                                                                         سورة القمر مكية
وهي خمس وخمسون آية وثلاث ركوعات
                                                                ﰡ
                                                                                        
                    
                                                                                    بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ انشقاقه من علامات قرب القيامة،  وقد انشق في عهده- عليه الصلاة والسلام- حين التمسوا آية،  وعن بعض أن ذلك وقع مرتين، 
                                                                    
 
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ وإن يروا آية يعرضوا ﴾ : عن الإيمان بها،  ﴿ ويقولوا ﴾ : ما شاهدنا،  ﴿ سحر مستمر ﴾ : مار ذاهب مضمحل باطل،  أو محكم،  أو مطرد دائما،  وذلك لما رأوا تتابع المعجزات، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ وكذبوا واتبعوا أهواءهم ﴾ : الباطلة،  ﴿ وكل أمر مستقر ﴾ : منته إلى غاية،  فهو تذليل جار مجرى المثل،  أو كل أمر من خير وشر يستقر بأهله، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد جاءهم ﴾ : في القرآن،  ﴿ من الأنباء ﴾ : أخبار الأمم السالفة،  ﴿ ما فيه مزدجر ﴾ : ازدجار يقال : ازدجرته نهيته عن السوء قلبت تاء الافتعال دالا، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ حكمة بالغة ﴾ : تامة بلغت الغاية خبر محذوف،  أو بدل من ما ﴿ فما تغن النذر ﴾،  ما نافية والنذر جمع نذير،  أو استفهامية للإنكار أي : فأي غناء يغني المنذرون
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فتول عنهم ﴾،  قيل : منسوخ بآية القتال،  ﴿ يوم يدع الداع ﴾ أي : الداعي،  وهو إسرافيل،  ونصب يوم إما يخرجون،  أو بمقدار نحو : انتظر أو اذكر،  ﴿ إلى شيء نكر ﴾ : منكر فظيع لم ير مثله هو هول القيامة، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث ﴾ أي : يخرجون من القبور حال كون أبصارهم ذليلين من الهول،  أو حال مقدرة من مفعول يدع المحذوف،  ومن قرأ خاشعا فلأن فاعله ظاهر مؤنث غير حقيقي،  ﴿ كأنهم جراد منتشر ﴾ : في الكثرة،  والحيرة يقعون كما يقع الجراد، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ مهطعين ﴾ : مسرعين مادي أعناقهم،  ﴿ إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ﴾
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ كذبت قبلهم ﴾ : قبل قريش،  ﴿ قوم نوح ﴾ : نوحا،  ﴿ فكذبوا عبدنا ﴾ : نوحا تفصيل بعد إجمال قيل : معناه كذبوا فكذبوا أي : ما تركوا التكذيب قرنا بعد قرن،  ﴿ وقالوا ﴾ : هو،  ﴿ مجنون وازدجر ﴾ : وازدجروه،  ومنعوه عن الدعوة،  وقالوا :﴿ لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ﴾ [ الشعراء : ١١٦ ] قيل : ازدجرته الجن،  فيكون من جملة المقول، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فدعا ربه أني ﴾ : بأني،  ﴿ مغلوب فانتصر ﴾ : فانتقم لي منهم، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ﴾ : منصب،  عن علي- رضي الله عنه- حين سئل عن المجرة هي باب السماء،  ومنها فتحت السماء بماء منهمر،  وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- ماء ذلك من السماء لا من السحاب، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ وفجرنا الأرض عيونا ﴾ : جعلناها كلها كأنها عيون تتفجر،  ﴿ فالتقى الماء ﴾ : من السماء والأرض،  ﴿ على أمر ﴾،  حال،  ﴿ قد قدر ﴾ : قضى في الأول،  أو على أمر قدره الله تعالى وهو إهلاكهم، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ وحملناه على ذات ألواح ﴾ : أخشاب عريضة،  ﴿ ودسر ﴾ : مسامير جمع دسار،  والمراد السفينة،  وعن بعض الدسر صدر السفينة،  فإنها يدسر،  ويرفع الماء، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ تجري بأعيننا ﴾ : بمرأى منا،  والمراد الحفظ يقال للمودع " عين الله عليك " ﴿ جزاء ﴾،  أي : فعلنا كل ذلك جزاء،  ﴿ لمن كان كفر ﴾ : لنوح،  فإنه نعمة،  ورحمة كفروها، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد تركناها ﴾ : السفينة،  أو الفعلة،  ﴿ آية فهل من مذكر ﴾ : معتبر، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فكيف كان عذابي ونذر ﴾ : إنذاري،  والاستفهام لتعظيم الوعيد، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد يسرنا القرآن ﴾ : سهلنا لفظه ومعناه،  ﴿ للذكر ﴾ : للاتعاظ أو للحفظ،  ﴿ فهل من مذكر ﴾ : متعظ،  وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ كذبت عاد ﴾ قوم هود،  ﴿ فكيف كان عذابي ونذر ﴾
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ﴾ : شديدة البرد،  ﴿ في يوم نحس ﴾ شؤم عليهم،  ﴿ مستمر ﴾ : عليهم نحسه فإنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي،  أو على جميعهم صغيرهم وكبيرهم، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ تنزع الناس ﴾ : تقلعهم،  فترمي بهم على رءوسهم،  ﴿ كأنهم أعجاز ﴾ : أصول،  ﴿ نخل منقعر ﴾ : منقلع ساقط نقل أن الريح تقلع رءوسهم من أجسادهم فالمطروح أجساد بلا رءوس كأصول نخل، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فكيف كان عذابي ونذر ﴾،  التكرار للتهويل، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ كذبت ثمود بالنذر ﴾ : بالإنذار الذي جاءهم به صالح، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فقالوا أبشرا ﴾،  نصب بفعل يفسره نتبعه،  ﴿ منا ﴾ من جنسنا،  ﴿ واحدا ﴾ : منفردا لا تبع له،  أو واحدا من الآحاد لا من الأشراف،  ﴿ نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر ﴾ : جنون،  أو عذاب، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ أؤلقي الذكر ﴾ : أنزل،  ﴿ عليه ﴾ : الوحي،  ﴿ من بيننا ﴾ : وفينا من هو أفضل وأحق،  ﴿ بل هو كذاب أشر ﴾ : متكبر يريد الترفع، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ سيعلمون غدا ﴾ أي : سريعا،  ﴿ من الكذاب الأشر ﴾ : أصالح أم من كذبه ؟
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ إنا مرسلو الناقة ﴾ أي : قلنا لصالح إنا مخرجوها من الصخرة،  ﴿ فتنة ﴾ : امتحانا،  ﴿ لهم فارتقبهم ﴾ : انتظرهم،  ﴿ واصطبر ﴾ : على أذاهم، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ﴾ : يوم للناقة ويوم لهم،  ففيه تغليب،  ﴿ كل شرب ﴾ : نصيب،  ﴿ محتضر ﴾ : يحضره من كانت نوبته فيتصرف،  أو كل شرب من الماء،  واللبن تحضرونه أنتم، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فنادوا صاحبهم ﴾ : الذي عقر الناقة اسمه قدار،  ﴿ فتعاطى ﴾ : الناقة،  أو السيف،  أو فاجترأ على تعاطي قتلها،  ﴿ فعقر ﴾
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة ﴾ : صيحة جبريل،  ﴿ فكانوا كهشيم ﴾ : كشجر اليابس المتكسر،  ﴿ المحتظر ﴾ : الذي يعمل الحظيرة، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت قوم لوط بالنذر ﴾ : بالمواعظ، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ إنا أرسلنا عليهم حاصبا ﴾ : ريحا تحصبهم،  ﴿ إلا آل لوط نجيناهم بسحر ﴾ : في سحر، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ نعمة ﴾ : إنعاما،  ﴿ من عندنا ﴾،  علة لنجينا،  ﴿ كذلك ﴾ : مثل ما أنعمنا على آل لوط،  ﴿ نجزي من شكر ﴾ : فآمن، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد أنذرهم ﴾ : لوط،  ﴿ بطشتنا ﴾ : أخذتنا بالعذاب،  ﴿ فتماروا ﴾ : كذبوا،  ﴿ بالنذر ﴾ : متشاكين، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد راودوه عن ضيفه ﴾ : طلبوا أن يسلم إليهم أضيافه للفجور،  وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل في صورة مرد حسان،  ﴿ فطمسنا ﴾ : مسخنا،  ﴿ أعينهم ﴾ : صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شق،  ﴿ فذوقوا عذابي ونذر ﴾ أي : قلنا لهم ذلك على ألسنة الملائكة، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد صبحهم بكرة ﴾ : أول النهار،  ﴿ عذاب مستقر ﴾ : ثابت لا يزول عنهم أبدا، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا هذا القرآن للذكر فهل من مدكر ﴾ : كرره في كل قصة للتنبيه على أن كل واقعة لابد أن يتأمل فيها،  ويعتبر منها،  ولا يغفل عنها. 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد جاء آل فرعون النذر ﴾ : المنذرون أو الإنذار، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ﴾ : لا يغالب،  ولا يعجزه شيء، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ أكفاركم ﴾ : يا معشر العرب،  ﴿ خير ﴾ : أكثر قوة وعدة،  ﴿ من أولائكم ﴾ : الكفار المذكورين،  ﴿ أم لكم براءة ﴾ : من عذاب الله تعالى،  ﴿ في الزبر ﴾ : في الكتب المنزلة من السماء، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ أم يقولون نحن جميع منتصر ﴾ : جماعة ينصر بعضنا بعضا،  فلا نغالب، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ سيهزم الجمع ويولون الدبر ﴾ : الأدبار أي : ينهزمون،  فلإفراد لإرادة الجنس،  وهذا يوم بدر، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ بل الساعة موعدهم ﴾ : العذاب،  ﴿ والساعة أدهى ﴾ : أشد داهية،  وهي نازلة لا يهتدي لدوائها،  ﴿ وأمر ﴾ : مما نزل عليهم في الدنيا، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ إن المجرمين في ضلال ﴾ : في الدنيا،  أو في الآخرة لا يهتدون إلى الجنة،  ﴿ وسعر ﴾ : نيران في الآخرة، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ يوم يسحبون ﴾ : يجرون،  ﴿ في النار على وجوههم ﴾،  يقال لهم :﴿ ذوقوا مس ﴾ : حر ﴿ سقر ﴾ : جهنم، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾ : أي خلقنا كل شيء بتقديرنا،  وهو مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ وما أمرنا إلا واحدة ﴾ : إلا كلمة واحدة وهي قول " كن " أو إلا مرة واحدة لا يحتاج إلى تكرار وتأكيد،  ﴿ كلمح بالبصر ﴾ : في اليسر والسرعة وعدم المراجعة قيل : وما أمرنا في مجيء الساعة إلا كلمح البصر نزلت حين خاصم مشركوا قريش في القدر، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ ولقد أهلكنا أشياعكم ﴾ : أشباهكم من الكفرة السالفة،  ﴿ فهل من مدكر ﴾ : متعظ، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ وكل شيء فعلوه في الزبر ﴾ : مكتوب في كتب الحفظة، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ وكل صغير وكبير ﴾ : من الأعمال،  ﴿ مستطر ﴾ : مكتوب، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ إن المتقين في جنات ونهر ﴾ : أنهار الجنة من خمر ولبن وماء وعسل اكتفى باسم الجنس لرءوس الآي،  وقيل : في سعة وضياء، 
                                                                    
                                                                         
                                                                                                                                        
                    
                                                                                    ﴿ في مقعد صدق ﴾ : مجلس حق مرضي لا لغو ولا تأثيم،  ﴿ عند مليك ﴾ : مقربين عند ملك عظيم،  ﴿ مقتدر ﴾ : لا شيء إلا وهو تحت قدرته عن جعفر الصادق- رضي الله عنه- مدح الله تعالى المكان بالصدق،  فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق. 
اللهم اجعلنا بفضلك منهم.