تفسير سورة الفرقان

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي سبعون وتسع آيات

﴿تبارك﴾ ثبت ودام ﴿الذي نزل الفرقان﴾ القرآن الذي فرق بين الحقِّ والباطل ﴿على عبده﴾ محمد ﷺ ﴿ليكون للعالمين﴾ الجنِّ والإِنس ﴿نذيراً﴾ مخوِّفاً من العذاب
﴿وخلق كلَّ شيء﴾ ممَّا يُطلق في صفة المخلوق ﴿فقدَّره تقديراً﴾ جعله على مقدارٍ وقوله:
﴿نشوراً﴾ أَيْ: حياةً بعد الموت
﴿وقال الذين كفروا إن هذا﴾ ما هذا القرآن ﴿إلاَّ إفك﴾ كذبٌ ﴿افتراه﴾ اختلقه ﴿وأعانه عليه قوم آخرون﴾ يعنون: اليهود ﴿فقد جاؤوا﴾ بهذا القول ﴿ظلماً وزوراً﴾ كذباً
﴿وقالوا أساطير الأولين﴾ أَيْ: هو ما سطره الأوَّلون ﴿اكتتبها﴾ كتبها ﴿فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً﴾ يعنون أنَّه يختلف إلى مَنْ يعلَّمه بالغداة والعشيِّ
﴿قل﴾ يا محمد لهم: ﴿أنزله﴾ أنزل القرآن ﴿الذي يعلم السر في السماوات والأرض﴾ يعلم بواطن الأمور فقد أنزله على ما يقتضيه علمه
﴿وقالوا مال هذا الرسول﴾ يعنون محمداً عليه السَّلام ﴿يأكل الطعام﴾ أنكروا أن يكون الرَّسول بصفة البشر ﴿ويمشي في الأسواق﴾ طلباً للمعاش يعنون أنَّه ليس بملك ولام مَلَكٍ ﴿لولا﴾ هلاَّ ﴿أنزل إليه ملك﴾ يُصدِّقه ﴿فيكون معه نذيراً﴾ داعياً إلى الله يشاركه في النُّبوَّة
﴿أو يلقى إليه كنز﴾ يستغني به عن طلب المعاش ﴿وقال الظالمون﴾ المشركون: ﴿إن تتبعون﴾ ما تتبعون ﴿إِلا رَجُلا مسحوراً﴾ مخدوعاً
﴿انْظُرْ﴾ يا محمد ﴿كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ﴾ إذ مثَّلوك بالمسحور والفقير الذي لا يصلح أن يكون رسولاً والناقص عن القيام بالأمور إذ طلبوا أن يكون معك مَلَك ﴿فضلوا﴾ بهذا القول عن الدَّين والإِيمان ﴿فلا يستطيعون سبيلاً﴾ إلى الهدى ومخرجاً من ضلالتهم
﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا من ذلك﴾ الذي قالوه من إلقاء الكنز وجعل الجنَّة ثمَّ بيَّن ذلك فقال: ﴿جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ يعني: في الدُّنيا لأنَّه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة وقوله:
﴿سمعوا لها تغيظاً﴾ أَيْ: صوتاً بغيظٍ وهو التَّغضُّب ﴿وزفيرا﴾ صوتا شديدا
﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تغيظا وزفيرا﴾
﴿وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً﴾ وذلك أنَّهم يُدفعون في النَّار كما يُدفع الوتد في الحائط ﴿مقرَّنين﴾ مقرونين مع الشيطان ﴿دعوا هنالك ثبوراً﴾ ويلاً وهلاكاً فيقال لهم:
﴿لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كثيراً﴾
﴿قل أذلك﴾ الذي ذكرتُ من موضع أهل النَّار ومصيرهم ﴿خيرٌ أم جنة الخلد﴾ الآية وقوله:
﴿وعداً مسؤولاً﴾ لأنَّ الملائكة سألت ذلك لهم في قوله تعالى: ﴿ربَّنا وأَدْخِلْهم جنَّاتِ عدنٍ التي وَعَدْتَهُم ومن صلح من آبائهم وأزوَاجِهم وذُرِّيَّاتهم﴾
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الأصنام والملائكة والمسيح وعزيراً ﴿فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء﴾ هذا توبيخ للكفَّار كقوله لعيسى عليه السلام: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دون الله﴾ ؟ !
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نتَّخذ من دونك من أولياء﴾ أن نوالي أعداءك وفي هذا براءةُ معبوديهم منهم ﴿ولكن متعتهم وآباءهم﴾ في الدُّنيا بالصَّحة والنِّعمة ﴿حتى نسوا الذكر﴾ تركوا ما وُعظوا به ﴿وكانوا قوماً بوراً﴾ هلكى بكفرهم
﴿فقد كذبوكم بما تقولون﴾ بقولكم: إنَّهم كانوا آلهة ﴿فما تستطيعون﴾ يعني الآلهة ﴿صرفاً﴾ للعذاب عنكم ﴿ولا نصراً﴾ لكم ﴿ومن يظلم﴾ أَيْ: يشرك ﴿منكم نذقه عذاباً كبيراً﴾
﴿وما أرسلنا قبلك﴾ الآية هذا جواب لقولهم: ﴿مال هذا الرسول﴾ الآية أخبر الله سبحان أنَّ كلَّ مَنْ خلا من الرُّسل كان بهذه الصِّفة ﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة﴾ الصَّحيح للمريض والغنيّ للفقير فيقول الفقير: لو شاء الله لأغناني كما أغنى فلاناً ويقول المريض لو شاء الله لعافاني كما عافى فلاناً وكذلك كلُّ النَّاس مبتلى بعضهم ببعض فقال الله تعالى: ﴿أتصبرون﴾ على البلاء؟ فقد عرفتم ما وُعد الصَّابرون ﴿وكان ربك بصيراً﴾ بمَنْ يصبر وبمَنْ يجزع
﴿وقال الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ لا يخافون البعث: ﴿لولا﴾ هلاَّ ﴿أنزل علينا الملائكة﴾ فتخبرنا أنَّ محمداً صادقٌ ﴿أو نرى ربنا﴾ فيخبرنا بذلك ﴿لقد استكبروا في أنفسهم﴾ حين طلبوا من الآيات ما لم يطلبه أُمَّة ﴿وعتوا عتوّاً كبيراً﴾ وغلوا في كفرهم أشدَّ الغلوِّ
﴿يوم يرون الملائكة﴾ يعني: إنَّ ذلك اليوم الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة وإنَّ الله سبحانه حرمهم البشرى في ذلك اليوم وتقول لهم الملائكة: ﴿حجراً محجوراً﴾ أَيْ: حراماً محرَّماً عليهم البشرى
﴿وقدمنا﴾ وقصدنا ﴿إلى ما عملوا من عمل﴾ ممَّا كانوا يقصدون به التقرُّب إلى الله سبحانه ﴿فجعلناه هباءً منثوراً﴾ باطلاً لا ثواب له لأنَّهم عملوه للشَّيطان والهباء: دقاق التُّراب والمنثور: المتفرِّق
﴿أصحاب الجنة يومئذ خيرٌ مستقراً﴾ موضع قرار ﴿وأحسن مقيلاً﴾ موضع قيلولة
﴿ويوم تشقق السماء بالغمام﴾ عن الغمام وهو السَّحاب الأبيض الرَّقيق ﴿ونزل الملائكة تنزيلاً﴾ لإكرام المؤمنين
﴿الملك يومئذ الحق﴾ أَيْ: الملك الذي هو الملك حقَّاً ملك الرَّحمن يومئذ
﴿ويوم يعض الظالم﴾ الكافر يعني: عُقبة بن أبي مُعَيط كان قد آمن ثمَّ ارتدَّ لرضى أُبيّ بن خلف ﴿على يديه﴾ ندماً وتحسُّراً ﴿يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا﴾ طريقاً إلى الجنة بالإسلام
﴿يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً﴾ يعني: أُبيَّاً ﴿خليلاً﴾
﴿لقد أضلني عن الذكر﴾ القرآن ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا﴾ عند البلاء يعني: إنًّ قبوله قول أُبيِّ بن خلف في الكفر كان من عمل الشيطان
﴿وقال الرسول﴾ في ذلك اليوم: يا ﴿ربِّ إنَّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً﴾ متروكاً أعرضوا عنه
﴿وكذلك﴾ وكما جعلنا لك أعداءً من المشركين ﴿جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بربك هادياً﴾ يهديك وينصرك فلا تُبالِ بِمَنْ يعاديك
﴿وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملةً واحدة﴾ أَيْ: لم نزل عليه متفرِّقاً؟ وهلاَّ كان دفعةً واحدةُ كالتَّوراة والإِنجيل؟ قال الله تعالى: ﴿كذلك﴾ فرَّقنا تنزيله ﴿لنثبت به فؤادك﴾ لِنُقوِّيَ به قلبك وذلك أنَّه كلَّما نزل عليه وحيٌ جديدٌ ازداد هو قوَّة قلبٍ ﴿ورتلناه ترتيلا﴾ بيناه تبينا في تثبُّتٍ ومهلةٍ
﴿ولا يأتونك﴾ يعني: المشركين ﴿بمثل﴾ يضربونهن في إبطال أمرك ﴿إلاَّ جئناك بالحق﴾ بما يردُّ ما جاؤوا به من المثل ﴿وأحسن تفسيراً﴾ بياناً وتفصيلاً ممَّا ذكروا
﴿الذين﴾ أَيْ: هم الذين ﴿يحشرون على وجوههم﴾ يُمشيهم الله عليها فهم يُساقون عَلَى وُجُوهِهِمْ ﴿إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وأضلُّ سبيلاً﴾ من كلِّ أحدٍ
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون وزيراً﴾ أَيْ: مُعيناً وملجأ
﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ وهم القبط فكذَّبوهما ﴿فدمَّرناهم تدميراً﴾ أهلكناهم إهلاكاً
﴿وقوم نوحٍ لمَّا كذَّبوا الرسل﴾ مَنْ كذَّب نبيَّاً فقد كذَّب الرُّسل كلَّهم لأنَّهم لا يفرِّقون بينهم في الإيمان بهم ﴿أغرقناهم وجعلناهم للناس آية﴾ عبرة ﴿وأعتدنا للظالمين﴾ في الآخرة ﴿عذاباً اليماً﴾ سوى ما ينزل بهم من عاجل العذاب وقوله:
﴿وأصحاب الرَّسِّ﴾ كانوا أهل بئرٍ قعودٍ عليها وأصحاب مواشٍ يعبدون الأصنام فأُهلكوا بتكذيب نبيِّهم ﴿وقروناً﴾ وجماعاتٍ ﴿بين ذلك﴾ الذين ذكرناهم ﴿كثيراً﴾
﴿وكلاً ضربنا له الأمثال﴾ بيَّنا لهم الأشباه في إقامة الحجَّة عليهم ﴿وكلاًّ تبرنا تتبيراً﴾ أهلكنا إهلاكاً
﴿ولقد أتوا﴾ يعني: مشركي مكَّة ﴿على القرية التي أمطرت مطر السوء﴾ يعني: الحجارة وهي قرية قوم لوطٍ ﴿أفلم يكونوا يرونها﴾ إذا مرُّوا بها مسافرين فيعتبروا ﴿بل كانوا لا يرجون نشوراً﴾ لا يخافون بعثاً
﴿وإذا رأوك إن يتخذونك إلاَّ هزواً﴾ ما يتَّخذونك إلاَّ مهزوءاً به ويقولون: ﴿أهذا الذي بعث الله رسولاً﴾ إلينا؟
﴿إن كاد﴾ إنَّه كاد ﴿ليضلنا عن آلهتنا﴾ فيصدُّنا عن عبادتها ﴿لولا أن صبرنا عليها﴾ لصرفنا عنها
﴿أرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾ وهو أنَّهم كانوا يعبدون شيئاً حجراً أو ما كان فإذا رأوا حجراً أحسن طرحوا الأوَّل وعبدوا الأحسن فهم يعبدون ما تهواه أنفسهم ﴿أفأنت تكون عليه وكيلا﴾ حفيفا حتى تردَّه إلى الإِيمان أَيْ: ليس عليك إلاَّ التبليغ وقيل: إنَّ هذا ممَّا نسخته آية السَّيف
﴿أم تحسب أنَّ أكثرهم يسمعون﴾ سماع تفهيم ﴿أو يعقلون﴾ بقلوبهم ما تقول لهم: ﴿إن هم﴾ ما هم ﴿إلاَّ كالأنعام﴾ في جهل الآيات وما جعل لهم من الدَّليل ﴿بل هم أضلُّ سبيلاً﴾ لأنَّ النَّعم تنقاد لمن يتعهده وهم لا يطيعون مولاهم الذي أنعم عليهم
﴿ألم تر﴾ ألم تعلم ﴿إلى ربك كيف مدَّ الظلَّ﴾ وقت الإِسفار إلى وقت طلوع الشَّمس ﴿ولو شاء لجعله﴾ لجعل الظلَّ ﴿ساكناً﴾ ثابتاً دائماً ﴿ثمَّ جعلنا الشمس عليه دليلاً﴾ لأنَّ بالشَّمس يُعرف الظِّلُّ
﴿ثم قبضناه﴾ قبضنا الظِّلَّ إلينا بارتفاع الشَّمس ﴿قبضاً يسيراً﴾ قيل: خفيَّاً وقيل: سهلاً
﴿وهو الذي جعل لكم الليل لباساً﴾ يستركم ﴿والنوم سباتاً﴾ راحةً لأبدانكم ﴿وجعل النهار نشوراً﴾ حياة تنتشرون فيه من النَّوم وقوله:
﴿طهوراً﴾ هو الطَّاهر المُطهِّر
﴿لنحيي به﴾ بالماء الذي أنزلناه من السَّماء ﴿بلدة ميتا﴾ بالجدوية ﴿ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسيَّ كثيراً﴾ جمع إنسيٍّ وهم الذين سقيناهم المطر
﴿ولقد صرفناه﴾ أَيْ: المطر ﴿بينهم﴾ بأنواعه وابلاً وطشَّاً ورُهَاماً ورذاذاً ﴿ليذكروا﴾ ليتذكَّروا به نعمة الله تعالى ﴿فأبى أكثر الناس إلاَّ كفوراً﴾ جُحوداً حين قالوا: سُقينا بِنَوء كذا
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ لنخفِّف عليك أعباء النبوَّة ولكن لم نفعل ذلك ليعظم أجرك
﴿فلا تطع الكافرين﴾ في هواهم ولا تداهنهم ﴿وجاهدهم به﴾ وجاهد بالقرآن ﴿جهاداً كبيراً﴾ لا يُخالطه فتورٌ
﴿وهو الذي مرج البحرين﴾ خلطهما ﴿هذا عذب فرات﴾ شديد العذوبة ﴿وهذا ملح أجاج﴾ شديد الملوحة ﴿وجعل بينهما﴾ بين العذب والمالح ﴿برزخاً﴾ حاجزاً من قدرته حتى لا يختلط أحدهما بالآخر ﴿وحجراً محجوراً﴾ حراماً محرَّماً أن يغلب أحدهما صاحبه
﴿وهو الذي خلق من الماء﴾ النُّطفة ﴿بشراً﴾ آدمياً ﴿فجعله نسباً﴾ لا يحلُّ تزوُّجه ﴿وصهراً﴾ يحلُّ تزوُّجه كابنة العمِّ والخال وابنهما ﴿وكان ربك قديراً﴾ قادراً على ما يشاء وقوله:
﴿وكان الكافر على ربه ظهيراً﴾ معيناً للشَّيطان على معصية الله سبحانه
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾
﴿قل ما أسألكم عليه﴾ على تبليغ الرِّسالة والوحي ﴿من أجر﴾ فيقولون: إنَّه يطلب أموالنا ﴿إلاَّ من شاء﴾ لكن مَنْ شاء ﴿أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سبيلا﴾ بإنفاق ماله وقوله:
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا﴾
﴿فاسأل به خبيراً﴾ فاسأل أيُّها الإنسان الذي لا تعلم صفته خبيراً يخبرك بصفاته
﴿وإذا قيل لهم﴾ لهؤلاء المشركين: ﴿اسجدوا للرحمن﴾ وهو اسم الله سبحانه كانوا لا يعرفونه لذلك قالوا: ﴿وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا﴾ أنت يا محمد ﴿وزادهم﴾ قول القاتل لهم: اسجدوا للرَّحمن ﴿نفوراً﴾ عن الإِيمان
﴿تبارك الذي جعل في السماء بروجاً﴾ أَيْ: منازل الكواكب السَّبعة ﴿وجعل فيها سراجاً﴾ وهو الشَّمس
﴿وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة﴾ إذا وهب هذا أتى هذا فأحدهما يخلف الآخر فمَنْ فاته عملٌ بالليل فله مُسْتَدْرَكٌ بالنَّهار وهو قوله: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ﴾ يذكر الله بصلاةٍ وتسبيحٍ وقراءةٍ ﴿أو أراد شكوراً﴾ شكراًَ لنعمته وطاعته
﴿وعباد الرحمن﴾ يعني: خواصَّ عباده ﴿الذين يمشون على الأرض هوناً﴾ بالسَّكينة والوقار ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون﴾ بما يكرهونه ﴿قالوا سلاماً﴾ سداداً من القول يسلمون فيه من الإثم وقوله:
﴿والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما﴾
﴿غراماً﴾ أيْ: شرَّاً لازماً
﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾
﴿والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا﴾ لم يكن إنفاقهم في معصية الله تعالى ﴿ولم يقتروا﴾ لم يمنعوا حقَّ الله سبحانه ﴿وكان﴾ إنفاقهم بين الإِسراف والإِقتار ﴿قواما﴾ قائماً قوله:
﴿يلق أثاماً﴾ أَيْ: عقوبةً وقيل: جزاء الآثام وقوله:
﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مهانا﴾
﴿يبدّل الله سيئاتهم حسنات﴾ يُبدِّلهم الله بقبائح أعمالهم في الشِّرك محاسن الأعمال في الإسلام بالشِّرك إيماناً وبالزِّنا عفَّة وإحصاناً وبقتل المؤمنين قتل المشركين
﴿ومن تاب﴾ أَيْ: عزم على التَّوبة ﴿فإنه يتوب إلى الله متاباً﴾ فينبغي أن يبادر إليها ويتوجَّه بها إلى الله
﴿والذين لا يشهدون الزور﴾ لا يشهدون بالكذب ﴿وإذا مرُّوا باللغو مروا كراماً﴾ سمعوا من الكفار الشَّتم والأذى صفحوا وأعرضوا وهو منسوخ بالقتال على هذا التَّفسير
﴿والذين إذا ذكروا﴾ وُعظوا ﴿بآيات ربهم﴾ بالقرآن ﴿لم يخروا عليها صماً وعمياناً﴾ لم يتغافلوا عنها كأنَّهم صمٌّ لم يسمعوها وعميٌّ لم يروها
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذرياتنا قرة أعين﴾ بأَنْ نراهم مطيعين لك صالحين ﴿واجعلنا للمتقين إماماً﴾ أَيْ: اجعلنا ممَّن يهتدي به المُتَّقون ويهتدي بالمتَّقين
﴿أولئك يجزون﴾ يثابون ﴿الغرفة﴾ الدرجة في الجنة ﴿بما صبروا﴾ على طاعة الله سبحانه ﴿ويلقون﴾ ويُستقبلون ﴿فيها﴾ في الغرفة بالتحية والسلام
﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾
﴿قل ما يعبأ بكم﴾ أَيْ: ما يفعل ويصنع وأيُّ وزنٍ لكم عنده ﴿لولا دعاؤكم﴾ توحيدكم وعبادتكم إياه ﴿فقد كذبتم﴾ يا أهل مكَّة فخرجتم عن أن يكون لكم عنده مقدار ﴿فسوف يكون﴾ العذاب لازماً لكم
Icon