تفسير سورة النازعات

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة النازعات من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ وَٱلنَّازِعَاتِ ﴾ الخ، اعلم أن الله تعالى أقسم بخمسة أقسام موصوفها محذوف، فاختلف المفسرون في تقدير الموصوف في الأربعة الأول، فبعضهم قدره الملائكة، وبعضهم قدره النجوم، وأما الخامس فالمراد بهم الملائكة بالإجماع، والتأنيث في الأوصاف ظاهر إن كان المراد النجوم، وإن كان الملائكة فالتأنيث باعتبار الطائفة كأنه قال: والطائفة النازعات، ومشى المفسر على أن المراد بها الملائكة وهو ظاهر. قوله: (الملائكة تنزع أرواح الكفار) الخ، قال ابن مسعود: إن ملك الموت واعوانه ينزعون روح الكافر، كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، قوله: ﴿ غَرْقاً ﴾ إما مصدر على حذف الزوائد بمعنى اغراقاً، فهو ملاق لعامله في المعنى كقمت وقوفاً أو حال أي ذوات اغراق، يقال: اغرق في الشيء إذا بلغ أقصى غايته. قوله: (نزعاً بشدة) أي لما ورد:" أن كل نزعة اعظم من سبعين ألف ضربة بالسيف، "ويرى أن السماوات السبع انطقبت على الأرض وهو بينهما. قوله: (تنشط أرواح المؤمنين) بفتح أوله وكسر ثانيه من باب ضرب، يقال: نشط في عمله خف وأسرع فيه، وأنشطت البعير من عقاله أطلقته، و ﴿ نَشْطاً ﴾ وما بعده مصادر مؤكدة لعواملها، والسبب في شدة نزع ارواح الكفار، وسهولة نزع ارواح المؤمنين، أن كلاًّ يرى قبل الموت مقعده الذي أعد له، فالمؤمن يزداد فرحاً وشوقاً، فلا يشاهد ألماً ولا يحس به، والكافر تأبى روحه الخروج، لمزيد الحزن والكرب الذي تجده عنده رؤية مقعدها في النار، فتنزع كرهاً بشدة فيجدها الكافر. قوله: ﴿ وَٱلسَّابِحَاتِ ﴾ أي الملائكة النازلين برفق ولطافة، كالسابح في الماء، وكالفرس الجواد إذ أسرع في جريه لقبض الأرواح، فملائكة الرحمة تذهب للمؤمن، وملائكة العذاب تذهب للكافر، فقول المفسر (بأمره تعالى) محمول على أمر خاص، وهو قبض الأرواح كما علمت، لترتب قوله: ﴿ فَٱلسَّابِقَاتِ ﴾ عليه، وأما التدبير العام فيأتي في قوله: ﴿ فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾.
قوله: (تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة) أي وبأرواح الكفار إلى النار، في الكلام اكتفاء، وحينئذ فتلك الأوصاف الأربعة للملائكة التي تقبض الأرواح. قوله: (الملائكة تدبر أمر الدنيا) أي وهم جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل، فجبريل موكل بالرياح والجنود، وميكائيل موكل بالقطر والنبات، وعزرائيل موكل بقبض الأرواح، واسرافيل موكل بالصور، قوله: (أي تنزل بتدبيره) أشار بذلك إلى أن اسناد التدبير إلى الملائكة مجاز؛ والمدبر حقيقة الله تعالى، فهم أسباب عادية مظهر للتدبير، قوله: (لتبعثن يا كفار مكة) خصهم وإن كان البعث عاماً للمسلم والكافر، لأن القسم إنما يكون للمنكر، والمسلم مصدق بمجرد الإخبار، فلا يحتاج للإقسام. قوله: (بها يرجف كل شيء) أي فهذا وجه تسميتها راجفة. قوله: ﴿ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ ﴾ سميت بذلك لأنها تردفها وتأتي بعدها، ولا شيء بينهما. قوله: (فاليوم واسع) الخ، جواب عما يقال: إن وقت الراجفة موت لا بعث، فكيف يجعل ظرفاً لتبعثن المقدر؟ وإيضاح جوابه: البعث يحصل في الوقت الذي يجمع النفختين إذ هو متسع، فكأنه قال: تبعثن وقت حصول النفخة الأولى المتبوعة بالنفخة الثانية. قوله: (للبعث) أي المقدر جواباً للقسم.
قوله: ﴿ قُلُوبٌ ﴾ مبتدأ، و ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ ظرف لواجفة، و ﴿ وَاجِفَةٌ ﴾ صفة لقلوب، وهو المسوغ للابتداء بالنكرة، و ﴿ أَبْصَارُهَا ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿ خَاشِعَةٌ ﴾ خبره، والجملة خبر الأول. قوله: ﴿ أَبْصَارُهَا ﴾ أي أبصار أصحاب القلوب. قوله: ﴿ يَقُولُونَ ﴾ حكاية حالهم في الدنيا، وهو استبعاد منهم. قوله: (وإدخال ألف بينهما) أي وتركه، فالقراءات أربع سبعيات في كل من الموضعين. قوله: ﴿ فِي ٱلْحَافِرَةِ ﴾ متعلق بمردودون. قوله: (إلى الحياة) أشار بذلك إلى أن ﴿ فِي ﴾ بمعنى إلى. وأن ﴿ ٱلْحَافِرَةِ ﴾ بمعنى الحياة. قوله: (الحافرة اسم لأول الأمر) أي والأصل فيها، أن الإنسان إذا رجع في طريقه، أثرت قدماه فيها حفراً، فهو مثل لمن يردّ من حيث جاء. قوله: ﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً ﴾ العامل في إذا محذوف يدل عليه مردودون، والمعنى: أئذا كنا عظماً بالية نرد ونبعث؟ والاستفهام لتأكيد الإنكار. قوله: ﴿ نَّخِرَةً ﴾ من نخر العظم، فهو نخر وناخر، وهو البالي الأجوف الذي تمر به الريح فيسمع له نخير أي تصويت. قوله: ﴿ قَالُواْ تِلْكَ ﴾ الخ؛ حكاية لكفر آخر، مفرع على كفرهم السابق، و ﴿ تِلْكَ ﴾ مبتدأ مشار بها للرجفة، والرد في ﴿ ٱلْحَافِرَةِ ﴾، و ﴿ كَرَّةٌ ﴾ خبرها، و ﴿ خَاسِرَةٌ ﴾ صفة أي ذات خسران، والمعنى: إن كان رجوعنا إلى القيامة حقاً كما تقول: فتلك الرجعة رجعة خاسرة لعدم عملنا لها. قوله: ﴿ إِذاً ﴾ حرف جواب وجزاء عند الجمهور دائماً، وقيل: قد لا تكون جواباً. قوله: (ذات خسران) أي والمراد خسران أصحابها. قوله: (قال تعالى) أشار بذلك إلى أن هذا من كلامه تعالى رداً عليهم. قوله: (نفخة) سميت زجرة لأنها صيحة لا يمكن التخلف عنها. قوله: ﴿ فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ ﴾ جواب شرط محذوف قدره بقوله: (فإذا نفخت) وسميت ساهرة لأنه لا نوم عليها من أجل الخوف والحزن. قيل: (بوجه الأرض) وقيل: أرض من قضة يخلقها الله تعالى، وقل: جبل بالشام يمده الله تعالى يوم القيامة لحشر الناس عليه، وقيل غير ذلك. قوله: (أحياء) خبر عن ﴿ هُم ﴾ وقوله: ﴿ بِٱلسَّاهِرَةِ ﴾ متعلق بأحياء، ولو قال: فإذا هم أحياء بالساهرة لكان أولى.
قوله: ﴿ هَلْ أَتَاكَ ﴾ الخ، المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم وتحذير قومه من مخالفته، فيحصل لهم ما حصل لفرعون، كأن الله تعالى يقول لنبيه: اصبر كما صبر موسى، فإن قومك وإن بلغوا في الكفر مهما بلغوا، لم يصلوا في العتوّ كفرعون، وقد انتقم الله منه، مع شدة بأسه وكثرة جنوده، و ﴿ هَلْ ﴾ بمعنى قد، إن ثبت أنه أتاه ذلك الحديث قبل هذا الاستفهام، وأما إذا لم يكن أتاه قبل ذلك، فالاستفهام لحمل المخاطب على طلب الأخبار. قوله: (عامل في) ﴿ إِذْ نَادَاهُ ﴾ أي فإذا معمول لحديث لا لأتاك لاختلاف الوقت. قوله: ﴿ ٱلْمُقَدَّسِ ﴾ أي المطهر، حيث شرفه الله تعالى بإنزال النبوة فيه على موسى. قوله: (اسم الوادي) أي وسمي طوى، لطي الشدائد عن بني إسرائيل، وجمع الخيرات لموسى، وهو واد بالطور، بين أيلة ومصر. قوله: (بالتنوين وتركه) أي فالتنوين باعتبار المكان وكونه نكرة، وتركه باعتبار البقعة وكونه معرفة، وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (فقال تعالى) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ معمول لقول محذوف، ويصح أن يكون على حذف إن التفسيرية أو المصدرية. قوله: ﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ ﴾ كان طوله أربعة أشبار، ولحيته أطول منه وكانت خضراء، فاتخذ القبقاب يمشي عليه خوفاً من أن يمشي على لحيته، وهو أول من اتخذه، قوله: ﴿ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ تعليل للأمر. قوله: (تجاوز الحد في الكفر) أي بتكبره على الله واستبعاده خلقه. قوله: ﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ ﴾ الخ، أمر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يقول له قولاً ليناً، لعله يتذكر أو يخشى، فخاطبه بالاستفهام الذي معناه العرض، ليجره إلى الهدى باللطف والرفق. قوله: (أدعوك) الخ، هذا حل معنى لا حل اعراب، واعرابه أن ﴿ هَل لَّكَ ﴾ خبر مبتدأ محذوف، و ﴿ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴾ متعلق بذلك المبتدأ، والتقدير: هل ثبت لك سبيل وميل إلى التزكية. قوله: (وفي قراءة بتشديد الزاي) أي سبعية أيضاً، قوله: (بإدغام التاء الثانية) أي على التشديد، وأما على التخفيف ففيه حذف إحدى التاءين. قوله: ﴿ وَأَهْدِيَكَ ﴾ معطوف على ﴿ تَزَكَّىٰ ﴾ وقوله: (أدلك على معرفته بالبرهان) الخ؛ إشارة إلى أن الدلالة على المعرفة تحصل بعد التطهر من الشرك، فيه واجبة وجوب الفروع، وأما التطهر بالدخول في الإسلام فمن وجوب الأصول. قول: ﴿ فَتَخْشَىٰ ﴾ جعل الخشية غاية للهدى لأنها ملاك الأمور، إذ هي خوف مع تعظيم، فمن خشي ربه أتى منه كل خير، فالخشية أعظم من الخوف، واعلم أن أوائل العلم بالله، الخشية من الله، ثم الإجلال، ثم الهيبة، ثم الفناء عما سواء. قوله: ﴿ فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ عطف على محذوف تقديره: فذهب إليه وقال له ما ذكر، فطلب منه آية فأراه الخ، والضمير المستتر فيه عائد على موسى، والبارز عائد على فرعون، وهو المفعول الأول، والثاني قوله: ﴿ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ صفة للآية. قوله: (أو العصا) هذا هو التحقيق، إذ كل ما في اليد حاصل في العصا وتزيد أموراً أخرى فغاية ما في اليد انقلاب لونها، ولا شك أن العصا كما انقلبت حية، لا بد وأن يتغير لونها وتزيد القوة الشديدة، وابتلاعها أشياء كثيرة، وكونها تصير حيواناً، ثم تصير جماداً، وغير ذلك، إذ كل واحد من هذه الوجوه معجز، ولا يصح أن يراد بالآية الكبرى مجموع معجزاته، لأن ما ظهر على يده من بقية الآيات، إنما كان بعدما غلب السحرة. قوله: ﴿ فَكَذَّبَ ﴾ (فرعون موسى) أي في كون ما أتى به من عند الله. قوله: ﴿ وَعَصَىٰ ﴾ أي بعدما رأى الآيات. قوله: ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ ﴾ أي تولى وأعرض عن الإيمان. قوله: ﴿ يَسْعَىٰ ﴾ حال من الضمير في ﴿ أَدْبَرَ ﴾.
قوله: (جمع السحرة) أي للمعارضة، وقوله: (وجنده) أي للقتال، وكان السحرة اثنين وسبعين، اثنان من القبط، والسبعون من بني إسرائيل، وتقدم في الأعراف جملة أقوال في عددهم، وكانت عدة بني إسرائيل ستمائة ألف وسبعين ألفاً، وعدة جيش فرعون ألف ألف وستمائة ألف. قوله: ﴿ فَنَادَىٰ ﴾ أي نفسه أو بمناديه. قوله: ﴿ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ أي بعد ما قال له موسى: رب أرسلني إليك، فإن آمنت بربك تكون أربعمائة سنة في النعيم والسرور، ثم تموت فتدخل الجنة، فقال: حتى أستشير هامان، فاستشاره فقال: أتصير عبداً بعدما كنت رباً؟ فعند ذلك جمع السحرة والجنود، فلما اجتمعوا قام عدو الله على سريره فقال: ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾.
قوله: ﴿ نَكَالَ ﴾ منصوب على أنه مصدر لأخذ، والمعنى: أخذه أخذ نكال، أو مفعول لأجله، أي لأجل نكاله. قوله: (أي هذه الكلمة) أي قوله: ﴿ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ ﴾.
قوله: (المذكور) أي من التكذيب والعصيان والإدبار والحشر والنداء الواقع من فرعون. قوله: ﴿ لِّمَن يَخْشَىٰ ﴾ أي لمن كان من شأنه الخشية، وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك.
قوله: ﴿ ءَأَنتُمْ ﴾ استفهام تقريع وتوبيخ لمنكري البعث من أهل مكة، قوله: (بتحقيق الهزمتين) أي مع إدخال ألف وتركه، فالقراءات خمس سبعيات: التحقيق والتسهيل إما مع الألف أو تركها والإبدال. قوله: ﴿ أَمِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ أي فمن قدر على خلقها مع عظمها يقدر على الإعادة، وهو عطف على ﴿ ءَأَنتُمْ ﴾ فالوقف على السماء، والابتداء بما بعدها. قوله: ﴿ أَشَدُّ خَلْقاً ﴾ أشار بذلك إلى أن قول: ﴿ أَمِ ٱلسَّمَآءُ ﴾ مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما قبله. قوله: ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا ﴾ أي ثخنها وغلظها، وهو الارتفاع الذي بين سطح السفلى الأسفل، وسطحها الاعلى وقدره خمسمائة عام. (أي جعل سمتها) أي مقدار ذهابها في سمت العلو، فالمراد بالسمت السمك. قوله: (وقيل سمكها سقفها) أي فمعنى رفع سمكها على هذا، جعلها مرفوعة عن الأرض. قوله: (جعلها مستوية) أي ملساء، ليس فيها ارتفاع ولا انخفاض. قوله: (اظلمه) أي جعله مظلماً بمغيب شمسها. قوله: (أبرز نور شمسها) المراد بنور الشمس النهار، لوقوعه في مقابلة الليل، فكنى بالنور عن النهار، وعبر عن الهار بالضحى لأنه أكمل اجزائه. قوله: (لأنه ظلها) أي لأنه أول ما يظهر عند الغروب من أفق السماء. قوله: (لأنها سراجها) أي الشمس سراج السماء وفيه: أنه يقتضي أن ضوء الشمس يظهر في السماء، مع أن المقدم خلافه، وهو أن نورها إنما يظهر في الأرض، ونور السماوات بنور العرش، ويجاب: بأنه لا يلزم من كونها موضع سراج لها لأن يكون نورها به. قوله: ﴿ وَٱلأَرْضَ ﴾ منصوب على الاشتغال. قوله: ﴿ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ أي بألفي عام. وقوله: ﴿ دَحَاهَا ﴾ يقال: دحا يدحو دحواً ودحياً كدعا، بسط ومد، فهو من ذوات الواو والياء. قوله: (وكانت مخلوقة) الخ، أي فلا معارضة بين ما هنا وآية فصلت، لأنه ابتدأ خلق الأرض غير مدحوة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض. قوله: (وإطلاق المرعى عليه) أي على ما يأكله الناس. قوله: (استعارة) أي مجاز، فاستعمل المرعى في مطلق المأكول للإنسان، وغيره من استعمال المقيد في المطلق، أو هو استعارة تصريحية، حيث شبه أكل الناس برعي الدواب. قوله: (مفعول له المقدر) أي لفعل مقدر، وقوله: (أو مصدر) أي تمتيعاً، كالسلام بمعنى التسليم، وهو لفعل مقدر أيضاً تقديره متعناكم بها تمتيعاً. قول: ﴿ وَلأَنْعَامِكُمْ ﴾ خص الأنعام لشرفها، وإلا فهو متاع لسائر دواب الأرض.
قوله: ﴿ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ الفاء فاء الفصيحة، أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره إذا علمت ما تقدم الخ. قوله: ﴿ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ أي الداهية التي تعلو على الدواهي، فهي أعظم من كل عظيم، وخص ما هنا بالطامة الكبرى، موافقة لقوله قبل﴿ فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾[النازعات: ٢٠] بخلاف ما في عبس، فإنه لم يتقدمه شيء من ذلك، فخصت بالصاخة، وهي الصوت الشديد الواقع بعد الداهية الكبرى فناسب جعل الطم للسابقة والصخ للاحقة. قوله: (بدل من إذا) أي بدل كل أو بعض. قوله: ﴿ وَبُرِّزَتِ ﴾ عطف على ﴿ جَآءَتِ ﴾ والعامة على بنائه للمفعول مشدداً، و ﴿ لِمَن يَرَىٰ ﴾ بياء الغيبة مبنياً للفاعل، ومعناه يبصر، وهو مثل في الأمر المنكشف الذي لا يخفى على أحد. قوله: (لكل راء) أي من كل من له عين وبصر من المؤمنين والكفار، لكن الناجي لا ينصرف بصره إليها فلا يراها بالفعل، والكافر هي مأواه. قوله: (وجواب إذا) ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ﴾ الخ فيه نوع تساهل، لأن قوله: ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ﴾ الخ، بيان لحال الناس في الدنيا، وقوله: ﴿ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ﴾ الخ، بيان لحالهم في الآخرة، فالأولى ما سلكه غيره، من أن الجواب محذوف، يدل عليه التفصيل المذكور تقديره: دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة. قوله: (باتباع الشهوات) أي المحرمات. قوله: (مأواه) أي فأل عوض عن الضمير العائد على ﴿ مَن طَغَىٰ ﴾.
قوله: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ مقابل قوله: ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ﴾ الخ، واعلم أن الخوف من الله تعالى مرتبتان: مرتبة العامة وهي الخوف من العذاب، ومرتبة الخاصة وهي الخوف من جلال الله تعالى، والآية صادقة بهما، وأضيف المقام لله تعالى، وإن كان وصفاً للعبد، من حيث كونه بين يديه ومقاماً لحسابه. قوله: (الأمارة) قيد بها لأنها هي تكون مذمومة الهوى، وأما غيرها فهواها محمود، لما في الحديث:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تابعاً لما جئت به ". قوله: (المردي) أي المهلك، قوله: (باتباع الشهوات) متعلق بالمردي والباء سببية. قوله: (وحاصل الجواب) الخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ أَمَّا ﴾ لمجرد التأكيد وليست للتفصيل، لعدم تقدم مقتضيه، وصار المعنى (فالعاصي في النار) الخ، وفيه أنه يحوج لتكلف، فالأحسن ما قدمناه من أن الجواب محذوف، والآية دليل عليه.
قوله: ﴿ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا ﴾ تفسير لسؤالهم. قوله: ﴿ فِيمَ أَنتَ ﴾ ﴿ فِيمَ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ أَنتَ ﴾ مبتدأ مؤخر، وقوله: ﴿ مِن ذِكْرَٰهَا ﴾ متعلق بما تعلق به الخبر، والاستفهام انكاري، والمعنى: ما أنت من ذكراها لهم، وتبيين وقتها في شيء، فليس لك علم بها حتى تخبرهم به، وهذا قبل اعلامه بوقتها، فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج من الدنيا حتى أعلمه الله بجميع مغيبات الدنيا والآخرة، ولكن أمر بكتم أشياء، منها كما تقدم التنبيه عليه غير مرة. قوله: ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا ﴾ أي إنك مرسل بالإنذار لمن يخافها، وهو لا يتوقف على علم المنذر بوقت قيامها، وخص من يخشى بالذكر لأنه المنتفع بها، وقد أشار له المفسر بقوله: (إنما ينفع انذارك). قوله: (يخافها) أي يخاف هولها. قوله: ﴿ كَأَنَّهُمْ ﴾ أي كفار قريش. قوله: ﴿ إِلاَّ عَشِيَّةً ﴾ هي من الزوال إلى غروب الشمس، قوله: ﴿ أَوْ ضُحَٰهَا ﴾ أي ضحى عشية من العشايا، وهي البكرة إلى الزوال، والمراد ساعة من نهار من أوله أو آخره، لا عشية بتمامها، أو ضحوة بتمامها. قوله: (أي عشية يوم) الخ، أشار بذلك إلى أن التنوين عوض عن المضاف إليه. قوله: (وصح إضافة الضحى) الخ، جواب عن سؤال مقدر تقديره العشية، لا ضحى لها، وإنما الضحى لليوم، فما وجه إضافة الضحى لضمير العشية؟ فأجاب: بأنهما لما كانتا من يوم واحد، كانت بينهما ملابسة، فصح إضافة احداهما للأخرى. قوله: (وقوع الكلمة فاصلة) أي رأس آية تناسب رؤوس الآي قبلها.
Icon