ﰡ
مكيّة وهى ست وأربعون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً الواو للقسم وجواب القسم محذوف اى لتبعثن ولتحاسبين يدل عليه ما بعده والمراد بالنازعت غرقا الملائكة التي تنزع أرواح الكفار غرقا فى النزع فغرقا اسم أقيم مقام المصدر فهو مفعول مطلق من غير لفظ العامل نحو قعدت جلوسا يقال أغرق النازع فى القوس اى استوفى مدها بقوة وشدة وبالناشطات نشطا الملائكة التي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو إذا اخرج بلا كره او من نشط الحبل او امده حتى انحل فان المؤمن كان فى مصائب الدنيا كانه معقود محبوس فالملائكة الناشطات أخلصته وحلت حلا رقيقا كما ينشط العقال من يد البعير كذا حكى القراء وفى الحديث فى حال أرواح المؤمن كانما انشط من عقال عن البراء بن عاذب قال قال رسول الله - ﷺ - ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة تنزل اليه ملائكة بيص الوجوه كان وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند راسه فيقول أيتها النفس المطمئنة اخرجى الى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فياخذها فاذا أخذها لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلها فى ذلك الكفن وفى ذلك الحنوط ويخرج كاطيب نفحة مسك الحديث وان العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا تنزل اليه من السماء ملائكة سوداء الوجوه معهم المسوح فيجسلون منه مد البصر ثم تجئ ملك الموت حتى تجلس عند راسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى سخط من الله قال فتفرق فى جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فياخذها فاذا أخذها لم يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوح ويخرج منها كنتن ريح جيفة وفى رواية وينزع نفسه يعنى الكافر مع العروق
وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً قال مجاهدهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد.
فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً قال مجاهد هى الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح وقال مقاتل هى الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين الى الجنة يعنى الى الثواب قلت وأرواح الكفار الى العذاب قلت وهم الذين ورد ذكرهم فى حديث البراء المذكور ان ملك الموت إذا أخذ نفسا لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذها وعن ابن مسعود السابقات هى انفس المؤمنين تستبق الى الملائكة الذين يقبضونها شوقا الى لقاء الله وكرامة غاية السرور.
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً اخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس فى المدبرات امرا قال
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ متعلق بجواب القسم المحذوف يعنى لتبعثن ولتحاسبين يوم ترجف الراجفة وظرفية ذلك اليوم باعتبار اجزائها فان مقدار ذلك اليوم خمسين الف سنة من النفخة الاولى الى دخول الجنة او النار اخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى ترجف الراجفة فقال ترجف الأرض والجبال وهى الزلزلة
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ فى موضع الحال من فاعل ترجف والمراد بالراجفة النفخة الاولى وبالرادفة النفخة الثانية كذا اخرج البيهقي عن ابن عباس وانما سميت الاولى بالراجفة لانها توقع الزلزلة فيحرك بها كل شىء ويموت منها الخلائق والثانية بالرادفة لانها رديفة الاولى اخرج ابن المبارك من مرسل الحسن بين النفختين أربعون سنة الاولى يميت الله بها كل ميت قال الحليمي اتفقت الروايات على ان بين النفختين أربعون سنة وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - ما بين النفختين أربعون قالوا يا أبا بريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شى الا يبلى الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة واخرج ابن ابى داود فى البعث عن ابى هريرة عن النبي ﷺ نحوه وفيه بين النفختين أربعون عاما والاول أصح واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس يسيل واد من ماء فيما بين النفختين ومقدار ما بينهما أربعون فينبت كل خلق بلى من انسان او حيوان ودابه ولو مر عليهم مار قد عرفهم قيل ذلك على وجه الأرض لعرفهم فتنبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد فذلك قول الله تعالى.
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ.
قُلُوبٌ مبتداء يَوْمَئِذٍ متعلق بفعل يدل عليه واجِفَةٌ خبر اى مضطربه اضطرابا شديدا مستعار من الواجف بمعنى سريع السير.
أَبْصارُها اى أبصار أصحابها خاشِعَةٌ ذليلة من الخوف الجملة خبر بعد خبر لقلوب او صفة لواجفة.
يَقُولُونَ تعليل لواجف قلوبهم وخشوع أبصارهم يعنى يلحقهم الاضطراب والزلزلة انهم ينكرون البعث ويقولون فى الدنيا هذا القول أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ الاستفهام للانكار يعنى كنا مردودين قرأ ابو جعفر انا بحذف همزة الاستفهام لفظا وإرادته معنى فِي الْحافِرَةِ اى فى الحيوة الاولى يعنى حيوة بعد الموت يقال رجع فلان فى الحافرة يعنى طريقه التي جاء فيها فحفرها اى اثر فيها بمشيته كقولهم عيشة راضية او على تشبيه القابل ما يقابل وقال ابن زيد الحافرة النار.
أَإِذا كُنَّا عِظاماً قرأ نافع والكسائي ويعقوب والحمزة وعامر إذا كنا بغير همزة الاستفهام والباقون بالهمزة للانكار بعد الإنكار للتاكيد والظرف متعلق بمحذوف تقديره انبعث إذا كنا ويحتمل ان يكون متعلقا بمردودون نَخِرَةً يابسة قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي
قالُوا عطف على يقولون او حال بتقدير قد من فاعل يقولون لكن نزول تلك الاية كما يدل عليه رواية سعيد بن منصور عن محمد بن كعب يابى على كونه حالا تِلْكَ اشارة الى الرجعة المفهوم من قولهء إنا لمردودون فى الحافرة مبتداء إِذاً اى كان كذلك اى كما يقول محمد شرط استغنى عن الجزاء لوقوعه فى وسط جملة تدل على الجزاء تقديره إذا كان كذلك فتلك الرجعة كَرَّةٌ رجعة خاسِرَةٌ اى ذات خسران وخاسر أصحابها والمعنى انها ان صحت فنحن خاسرون لتكذيبنا وهذا استهزاء منهم.
فَإِنَّما هِيَ اى النفخة الثانية زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فى الصحاح الزجر الطرد بالصوت يقال زجرته فانزجر ومنه هذه الاية فان الناس يطردون فى الأرض بصوت ينفخ فى الصور ثم يستعمل تارة فى الصوت كما فى قوله تعالى والزاجرات زجرا يعنى الملائكة التي زجرن السحاب بالصوت وتارة بالطرد كما فى قوله تعالى مجنون وازدجر يعنى طرد ومنع.
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ الفاء للعطف وإذا للمفاجاة أضيفت الى جملة اسمية جعلها فى قوة الفعلية معطوفا على فعلية تقديره يقولون فى الدنيا كذا فيفاجئون وقت كونهم بالساهرة وجملة فانما هى زجرة واحدة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لبيان كون الرجفة التي أنكروها سهلة بينة عند الله تعالى استفهام اى قد اتيك الى غير مستصعبة والساهرة وجه الأرض يعنى إذا هم احياء بوجه الأرض وقيل هى ارض القيامة وقال قتادة هى جهنم.
هَلْ أَتاكَ استفهام تقرير اى قد اتيك حَدِيثُ مُوسى جملة معترضية تسلية النبي صلى الله عليه واله وسلم على تكذيب قومه وتهديدهم بأن يصيبهم مثل ما أصاب من كان أعظم منهم.
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ الظرف متعلق مفهوم حديث موسى اى هل اتيك الحديث المتعلق بموسى وقت نداء ربه إياه بِالْوادِ والباء بمعنى فى الْمُقَدَّسِ طُوىً قرأ الكوفيون بالتنوين ويكسرون نونها لالتقاء الساكنين بتأويل كونه علما للمكان وقيل هى كثنى من الطى مصدر لنودى او المقدس اى نودى ندائين او قدس مرتين وقرأ الباقون بغير تنوين لانه معدول تقديرى اى عن طاو واسم لواد فعدل عن الصرف او لانه علم لمونث بتأويل البقعة
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى قبيل الذهاب.
فَقُلْ عطف على اذهب هَلْ لَكَ ميل إِلى أَنْ تَزَكَّى قرأ اهل الحجاز ويعقوب بتشديد الزاء والباقون بالتخفيف بحذف احدى التاءين اى تسلم وتطهر من الشرك قال ابن عباس تشهد ان لا اله الا الله.
وَأَهْدِيَكَ أريك لسبيل إِلى رَبِّكَ اى معرفته وعبادته وتوحيده فَتَخْشى ج عقابه فتؤدى الواجبات وتترك المحرمات على ان أهديك والفاء للسببية فان الخشية مسبب للمعرفة والمعرفة مسبب للهداية.
فَأَراهُ معطوف على محذوف يعنى ذهب وبلغ فاراه الْآيَةَ على صدقه الْكُبْرى صلى اى المعجزات الباهرة العظيمة فى الدلالة على صدقه وافرادها لان كلها من حيث الدلالة كالاية الواحدة او المراد بها قلب العصى حية.
فَكَذَّبَ فرعون موسى وَعَصى الله ورسوله بعد ظهور صدقه بالمعجزات.
ثُمَّ أَدْبَرَ من ذلك المكان حين راى الثعبان مسرعا فى مشيه اليه يَسْعى صلى حال من فاعل أدبر او المعنى عن الايمان والطاعة حال كونه يسعى فى الفساد فى الأرض.
فَحَشَرَ جمع جنودا والسحرة فَنادى صلى فى مجمعه.
فَقالَ بيان لنادى والفاء للتفسير أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى صلى يعنى لا رب لكم فوقى او ان أعلى من كل من يلى أمركم وقيل أراد ان الأصنام ارباب وانا ربها وربكم.
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ط النكل فى اللغة الضعف والعجز ويقال لا يمنع الشيء عن الشيء ويعجزه عنه فيطلق على قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والنكال اسم من التنكيل يقال نكلت به إذا فعلت به من عقاب الشديد ما يمنع غيره عن ارتكاب مثله فالنكال هاهنا اما صفة لمصدر محذوف مؤكد لما قبله اى اخذه الله أخذ أنكالا مانعا لمن أراه او سمعه ان يفعل مثله او اخذه الله نكله نكالا وإضافته اما بمعنى فى يغنى نكالا فى الاخرة بالإحراق وفى الدنيا بالاغراق كذا قال الحصن وقتادة او بمعنى اللام يعنى نكله نكالا للكلمة الاخرة وهى هذه قوله ما علمت لكم من اله غيرى وكان بينهما أربعون سنة كذا قال مجاهد وجماعة.
إِنَّ فِي ذلِكَ الاخذ والنكال لَعِبْرَةً موعظة لِمَنْ يَخْشى ط لمن كان من شانه الخشية صفة لعبرة ثم خاطب منكرى البعث على سبيل الالتفات واحتج عليهم على البعث وكونه تعالى قادرا عليه بما ظهر من قدرته
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ ط مبتداء محذوف الخبر تقديره أنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا منكم والاستفهام للتقرير والمراد بالسماء هى وما فيها بقرينة ذكر الأرض والجبال فى مقام التفصيل والحاصل ان السماء وما فيها أشد خلقا منكم البتة لانكم بعض ما فيها والكل أعظم وأشد من الجزء بالبداية والاعادة أهون من الله بَناها صفة للسماء اما على ان اللام زايدة على طريقة لقد امر على اللئيم يسبنى او على حذف الموصول اى التي بناها او جملة ثانية معطوفة على الاول بحرف مقدر ويحصل من القضيتين مادة البرهان تقديره ان الله بنى السماء التي هى أشد خلقا منكم وكل من هو قادر على بناءها قادر على إعادة ما هو أضعف منها.
رَفَعَ سَمْكَها السمك الارتفاع والمعنى جعل مقدار ارتفاعها من الأرض او جعل تحتها الذاهب فى العلو رفيعها والجملة بيان لجملة بناها او بدل اشتمال منه فَسَوَّاها عمد لها وجعلها مستوية بلا قطور.
وَأَغْطَشَ لَيْلَها اى جعلها ذا ظلمة يقال غطش الليل إذا اظلم أضاف الليل الى السماء لحدوثها بحركة الشمس المستقر فيها وَأَخْرَجَ ضُحاها اى ابرز ضوء شمسها وجعل النهار موجودا منها.
وَالْأَرْضَ منصوب بفعل محذوف على شريطة التفسير يعنى ودحى الأرض بَعْدَ ذلِكَ اى بعد خلق السماء دَحاها بسطها للسكنى قال ابن عباس خلق الله الأرض بأقواتها فى يومين من غير ان يدحوها قبل السماء ثم استوى الى السماء فسويهن سبع سموات فى يومين بعد ذلك ثم دحى الأرض فى يومين بعد ذلك فخلقت الأرض وما فيها من شىء فى اربعة ايام وقيل معناه الأرض مع ذلك دحيها كقوله تعالى عتلّ بعد ذلك زنيم فى التفسير البيضاوي حمل كلمة بعد هاهنا على الحقيقة وقال فى قوله تعالى ثم استوى الى السماء ان ثم لتفاوة ما بين خلقتى السماء والأرض من الفصل كما فى قوله تعالى ثم كان من الذين أمنوا والتأويل الاول لكونه مستفادا من كلام السلف اولى.
أَخْرَجَ مِنْها اى من الأرض ماءَها ينفجر العيون فيها وَمَرْعاها ص كلائها تسمية الحال باسم المحل او مصدر بمعنى المفعول وجملة اخرج معطوفة على الأرض نظيره له.
وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً اى تمتيعا منصوب على العلية من دحى وارسى على سبيل التنازع لَكُمْ ايها الناس وَلِأَنْعامِكُمْ فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ بدل منه ما سَعى ما مصدرية او موصولة يعنى يرى اعماله عدد ما فى صحيفته وكان قد نسيها من قبل لفرط الغفلة او طول المدة.
وَبُرِّزَتِ عطف على يتذكر اى يوم يبرز يظهر الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى لكل من يرى قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فيظهر إليها الخلق اما الكفار فيدخلها واما المؤمن فيمرون من الصراط على ظهرها او المراد لمن يرى الكفار وجواب إذا قيل محذوف دل عليه يوم يتذكر والظاهر ان جوابه ما بعده من التفضل ولا ضرورة فى التقدير.
فَأَمَّا مَنْ طَغى اى جاوز الحد فى العصيان حتى كفر.
وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا على الاخرة باتباع الشهوات وهواء النفس.
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى هى فصل او مبتداء واللام فى المأوى يدل على المضاف اليه عند الكوفيين اى ماواه وعند السيبويه والبصريين تقديره هى المأوى له عن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أحب دنياه اخر آخرته ومن أحب آخرته اخر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يغنى رواه احمد والبيهقي فى الشعب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره متفق عليه وعند مسلم حفت مكان حجبت وعنه ان الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالم او متعلم رواه الترمذي وابن ماجه.
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ اى مقامه يوم القيامة لحساب ربه وَنَهَى النَّفْسَ الامارة بالسوء عَنِ الْهَوى فى الصحاح الهوى ميل النفس مما يشتهيه قيل سمى به لانه يهوى صاحبه فى الدنيا الى كل داهية وفى الاخرة الى الهاوية والهوى الانهدار والسقوط عن علو اعلم ان الهوى راس المنهيات وأساس المحرمات قال ابو بكر الوراق ان الله لم يخلق خلقا أخبث من الهوى قلت وهو قبيح عقلا وشرعا اما عقلا فلان حقايق الأشياء كما هى فى نفس الأمر لا سيما حقائق المبدأ والمعاد وعواقب الأمور
خالف النفس والشيطان واعصهما | وان هما محضاك النصح فاتهم |
ولا تطع منهما خصما ولا حكما | فانت تعرف كيد الخصم والحكم |
استغفر الله من قول بلا عمل | لقد نسبت به نسلا لذى عقم |
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ليس له ماوى سواها اخرج ابن حاتم من طريق جبير عن الضحاك عن ابن عباس ان مشركى مكة سالوا النبي صلى الله عليه واله وسلم فقالوا متى تقوم الساعة استهزاء منهم فأنزل الله تعالى.
يَسْئَلُونَكَ اى كفار قريش عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ط اى متى قيامها مصدر من الراس بمعنى القيام والثبوت واخرج الحاكم وابن جرير عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يسال عن الساعة حتى انزل الله عليه يسالونك عن الساعة إلخ فانتهى واخرج الطبراني وابن جرير عن طارق بن شهاب قال كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت.
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها ط احرج ابن حاتم عن عروة مثله والحاصل ان النبي - ﷺ - بشدة حرصه على جواب السائلين عن وقت قيامها كان يسال الله سبحانه عنها نزلت هذه الاية فظهران فى اخفائها حكمة وانه لا يرجى علمها فانتهى عن السؤال عنها وما فى فيم استفهامية للانكار
إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها ط يعنى مدة تقوم الساعة عند انقضائها مفوض الى ربك لا يعلمها غيره فهذه التعليل للانكار السابق جوابا للسوال وان كان من تتمة السؤال فهذا جواب.
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ط يعنى لم تبعث لبيان وقت الساعة انما بعثت لتنذر منها من يخشى شدايدها حتى تجتنب من موجباتها من يخشى لانه هو المنتفع الشدائد والعلم بوقوع الساعة قطعا يكفى للانذار ولا حاجة فيه الى بيان وقت وقوعها وتخصيص من يخشى لانه هو المنتفع بالإنذار وهذه الجملة تأكيد لما سبق من التعليل لانكار السؤال.
كَأَنَّهُمْ اى الناس يَوْمَ يَرَوْنَها اى الساعة والظرف متعلق بمعنى التشبيه المفهوم من كان لَمْ يَلْبَثُوا خبر كان اى لم يلبثوا فى الدنيا والقبور زمانا إِلَّا عَشِيَّةً اى عشية يوم واحد أَوْ ضُحاها امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله تعالى هل اتيك حديث موسى الى آخرها الا دحيها فان حمزة فتحها وورش ما ليس فيه هاؤ الف بين بين وغيرها بالفتح الا ذكريها فبين بين وابو عمرو ما فيه راء امال وغيرها بين بين والباقون بالفتح كلها اى ضحى تلك العشية أضيف الضحى الى العشية لملابسة اجتماعها فى يوم واحد يعنى انهم يزعمون مدة لبثهم فى الدنيا والقبور لكونها متناهية ولانقضائها وانعدامها كان لم يكن ولعدم تناهى زمان للعذاب ولشدة ذلك العذاب زمان قصير جدا نظيره قوله تعالى لبثنا يوما او بعض يوم وهذه الاية كانه جواب لسوالهم عن وقت مجيئها يعنى ان قيام الساعة قريب جدا.