ﰡ
وهي مكّيّة بإجماع
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١ الى ٩]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩)
قوله عز وجل: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً قال ابن عباس وابن مسعود: النَّازِعاتِ:
الملائكة، تنزع نفوس بني آدم «١»، وغَرْقاً على هذا القول إما أن يكونَ مصدراً بمعنى الإغْراقِ والمبالغةِ في الفعل، وإما أنْ يكونَ كما قال علي وابن عباس: تُغْرِقُ نفوسَ الكفرةِ في نار جهنم «٢»، وقيل غيرُ هذا، واخْتُلِفَ في النَّاشِطاتِ فقال ابن عباس ومجاهد: هي الملائكةُ تَنْشطُ النفوسَ عند الموتِ، أي: تَحُلُّها كَحَلِّ العِقَالِ، وتَنْشَطُ بأمْرِ اللَّه إلى حيثُ شَاء «٣»، وقال ابن عباس أيضاً: الناشطاتُ النفوسُ المؤمِنَة تَنْشَط عند الموتِ للخروج «٤»، ت: زاد الثعلبيُّ عنه: وذلك أنَّه ليسَ مؤمنٌ يَحْضُرُهُ الموتُ إلا عُرِضَتْ عليه الجنةُ قَبْلَ أَن يموتَ فَيَرى فيها أشْبَاهَاً من أهلِه وأزْواجهِ من الحُور العينِ، فَهُمْ يَدْعُونه إليها فَنَفْسُه إليهم نَشِيطَة أن تخرج فتأتيهم، انتهى، وقيل غيرُ هذا واخْتُلِف في السَّابِحاتِ هنا فقِيلَ:
هي النجوُمُ، وقيل: هي الملائِكَةُ لأَنَّهَا تَتَصَّرفُ في الآفاقِ بأمْرِ اللَّه، وقيلَ: هي الخيلُ، وقيل: هي السفنُ، وقيل: هي الحيتانُ ودوابُّ البَحْرِ، واللَّه أعلم، واخْتُلِفَ في
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ٤٣٠)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٤٦٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٥٠٨)، وعزاه لابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس.
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٤٢١) عن ابن عبّاس، برقم: (٣٦١٧٨)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٣٠).
(٤) ذكره البغوي (٤/ ٤٤١)، وابن عطية (٥/ ٤٣١).
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ١٠ الى ٢٩]
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩)
وقوله تعالى: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ حكايةُ حالِهم في الدنيا، والمعنى: هم الذين يقولون، والْحافِرَةِ: قال مجاهد والخليل: هي الأرضُ، حافرة بمعنى محفورة، والمراد: القبور والمعنى: أإنا لمردودون أحياء في قبورنا؟، وقيل غير
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٤٢٥) (٣٦٢٠٧)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٣١).
(٣) أخرجه الترمذي (٤/ ٦٣٦- ٦٣٧)، كتاب «صفة القيامة» باب: (٢٣) (٢٤٥٧)، (٢/ ٤٢١)، وأحمد (٥/ ١٣٦)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (١/ ٢٥٦).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٤٣١).
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ أي: إذ هي إلى النارِ لتكذيبِهم بالبعثِ، وقال الحسن: خاسِرَةٌ معناه عندَهم كاذبة، أي: ليست بكائِنةٍ «٤»، ثم أخبر تعالى عن حالِ القيامةِ فقال: «إنما هي زجرة واحدة» أي: نفخةٌ في الصور، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وهي أرضُ المحشر.
وقوله: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى اسْتِدْعَاءٌ حسنٌ، والتزكِّي: التَّطهرُ من النَقَائِص، والتلبُّسِ بالفَضَائِل، ثم فَسَّر لَه موسى التزكِّي الذِي دَعَاه إليه/ بقوله: وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى والعلمُ تابعٌ للهدى، والخَشْيَةُ تابعةٌ للعِلْمِ، إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: ٢٨] والْآيَةَ الْكُبْرى العصا واليد قاله مجاهد وغيره «٥» : وأَدْبَرَ: كِنَايَةً عن إعْرَاضِه، وقيل: حقيقةً قَامَ مُوَلِّيًا عن مُجَالَسَةِ موسى، فَحَشَرَ أي: جمع أهل مملكتِه، وقولُ فرعونَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى نهايةٌ في السِّخَافَةِ والمَخْرَقَةِ، قال ابن زيد: نَكالَ الْآخِرَةِ أي: الدار الآخرة، وَالْأُولى: يعني: الدنيا، أخَذَه اللَّهُ بعذابِ جهنَّمَ وبالغَرَقِ، وقيل غيرُ هذا «٦»، ثم وقفهم سبحانه مخاطبةً منه تعالى للعالم والمقصد الكفار فقال:
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً... الآية، والسَّمْكُ: الارْتِفَاعُ، الثعلبي: والمعنى: أأنتم أيها المنكرونَ للبعثِ أشَدُّ خلقاً أم السَّماءُ أشد خلقاً، ثم بيَّن كَيْفَ خَلَقَها، أي: فالذي قَدِرَ على خَلْقِها قادرٌ على إحيائكم بعد الموت، نظيره: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [يس:
٨١] الآية، انتهى، وأَغْطَشَ معناه: أظلم.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٠ الى ٣٦]
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦)
(٢) وهي قراءة عاصم في رواية أبي بكر.
ينظر: «السبعة» (٦٧٠- ٦٧١)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٤٣٥)، وزاد نسبتها إلى الكسائيّ، و «معاني القراءات» (٣/ ١١٩)، و «حجة القراءات» (٧٤٨)، و «شرح الطيبة» (٦/ ٩٧)، و «شرح شعلة» (٦١٨)، و «إتحاف» (٢/ ٥٨٥).
(٣) ذكره ابن عطية (٥/ ٤٣٢).
(٤) ينظر: المصدر السابق.
(٥) أخرجه الطبري (١٢/ ٤٣٢) (٣٦٢٥٧)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٣٣).
(٦) أخرجه الطبري (١٢/ ٤٣٤) (٣٦٢٧٠)، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٣٤).
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٧ الى ٤١]
فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)
فَأَمَّا مَنْ طَغى أي تجاوز الحدّ، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا على الآخرة لتكذيبه [بالآخرة]، ومَقامَ رَبِّهِ هو يومُ القِيَامَةِ، وإنما المرادُ مَقَامُهُ بين يديه، والْهَوى هو شَهَواتُ النفسِ وما جرى مَجْرَاها المذمومة.
[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٤٢ الى ٤٦]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)
وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ يعني: قريشاً، قال البخاري عن غيره: أَيَّانَ مُرْساها متَى مُنْتَهَاهَا، / ومُرْسَى السفينةِ حيثُ تَنْتَهِي، انتهى، ثم قال تعالى لنبيه على جهة التوقيفِ: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها أي من ذِكْرِ تَحْدِيدِها ووقتِها، أي: لستَ من ذلك في شيء، إنما أنت منذر، وباقي الآيةِ بيِّنٌ، قَال الفخر «٢» قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها تفسيرُ هذه الآيةِ هُو كما «٣» ذَكَرَ في قوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [الأحقاف: ٣٥] والمعنى: أن ما أنكرُوه سَيَرَوْنَه حتَّى كأنَّهُمْ كَانُوا أبَداً فيهِ، وكأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا في الدُّنْيَا إلا ساعة من نهارٍ، يريدُ لم يلبثوا إلا عشيَّةً أو ضحى يومها، انتهى.
(٢) ينظر: «الفخر الرازي» (٣١/ ٤٩).
(٣) في د: ما.