ﰡ
إن قلتَ : ما فائدة ذكر " مِنْ " مع حصول المعنى بحذفها ؟
قلتُ : فائدته الدلالة على أنّ ما بينهم وبينه مستوعب بالحجاب، لكون الحجاب سدّا بينهم وبينه، وبتقدير حذفها يصير المعنى : إن الحجاب حاصل في المسافة بيننا وبينه.
إن قلتَ : هذا يدلّ على أن السموات والأرض وما بينهما خُلقت في ثمانية أيام، وهو مناف لما ذكره في الفرقان وغيرها أنها خُلقت في ستة أيام ؟ !
قلتُ :( يوما ) خلق الأرض من جملة الأربعة بعدها، والمعنى في تتمة أربعة أيام، وهي مع يومي خلق السموات ستة أيام.. يوم الأحد والاثنين لخلق الأرض، ويوم الثلاثاء والأربعاء للجعل( ١ ) المذكور في الآية وما بعده، ويوم الخميس والجمعة لخلق السموات.
فإن قلتَ : السموات وما فيها أعظم من الأرض، وما فيها بأضعاف، فما الحكمة في أنه تعالى خلق الأرض، وما فيها في أربعة أيام، والسموات وما فيها في يومين ؟
قلتُ : لأن السموات وما فيها من عالم الغيب، والملكوت، والأمر، والأرض وما فيها من عالم الشّهادة، والملك، والخلق، والأول أسرع من الثاني.
أو أنه تعالى فعل ذلك في الثاني، مع قدرته على فعله ذلك دفعة واحدة، ليعرّفنا أن الخلق على سبيل التدريج، لنتأنّى في أفعالنا، فخلق ذلك في أربعة أيام لمصالح وحكم اقتضت ذلك، ولهذه الحكمة خلق العالم الأكبر في ستة أيام، والعالم الأصغر وهو الإنسان في ستة أشهر( ٢ ).
٢ - أشار إلى أن أقل مدّة يمكن أن يعيش بها المولود هي ستة أشهر، وهي أقل مدّة الحمل..
قاله هنا بذكر " ما " وبحذفها في قوله في النمل :﴿ حتى إذا جاؤو ﴾ [ النمل : ٨٤ ]، وفي الزمر :﴿ حتى إذا جاؤوها ﴾ [ الزمر : ٧١ ] مرتين، وفي الزخرف :﴿ حتى إذا جاءنا ﴾ [ الزخرف : ٣٨ ]، لأن الكلام هنا في أعداء الله، أبسط وآكد منه في البقيّة، فناسب ذكر " ما " للتأكيد هنا، دون البقيّة.
قاله هنا بزيادة " هو " و " أل " وفي الأعراف بدونهما( ١ )، لأن ما هنا متصل بمؤكدين : بالتكرار، وبالحصر، فناسب التأكيد بما ذُكر، وما في الأعراف خليّ عن ذلك، فجرى على القياس، من كون المُسند إليه معرفة، والمُسْنَد نكرة.
قاله هنا، وقاله في الشورى بزيادة ﴿ إلى أجل مسمى ﴾ [ هود : ٣ ] لموافقته ثَمَّ مبدأ كفر الذين تفرقوا في الدين، وهو مجيء العلم بالتوحيد في قوله :﴿ وما تفرّقوا ﴾ [ الشورى : ١٤ ] الآية، مناسب ذكره للنهاية التي انتهوا إليها، ليكون محدودا من الطرفين، بخلاف ما هنا.
قاله هنا ب " ثُمّ " وفي الأحقاف( ١ ) بالواو، لأن معناها هنا : كان عاقبة أمركم بعد الإمهال، للنظر والتدبير، الكفر، فناسب ذكر " ثم " الدالة على الترتيب، وفي الأحقاف لم ينظر إلى ترتيب كفرهم على ما ذُكر، بل عطف على " كفرتم " " وشهد شاهد " بالواو، فناسب ذكرها لدلالتها على مطلق الجمع.