تفسير سورة ق

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
تفسير سورة سورة ق من كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
لمؤلفه الشنقيطي - أضواء البيان . المتوفي سنة 1393 هـ

وقوله تعالى :﴿ ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ ﴾.
المقسم عليه في الآية محذوف، والظاهر أنه كالمقسم عليه المحذوف في سورة ص، وقد أوضحناه في الكلام عليها.
وقوله تعالى هنا :﴿ بَلْ عَجِبُواْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هذا شيء عَجِيبٌ أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ﴾،
قد قدمنا في سورة ص أن من المقسم عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق وأن رسالته حق، كما دل عليه قوله في ص :﴿ وَعَجِبُواْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾ [ ص : ٤ ] وقد دل على ذلك قوله هنا :﴿ بَلْ عَجِبُواْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾، وقد قدمنا في ص أنه يدخل في المقسم عليه تكذيب الكفار في إنكارهم البعث، ويدل عليه قوله هنا :﴿ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هذا شيء عَجِيبٌ أَئذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ﴾، والحاصل أن المقسم عليه في ص، بقوله :﴿ وَالْقُرْءَانِ ذي الذِّكْرِ ﴾ [ ص : ١ ]، وفي ق بقوله :﴿ وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ ﴾ محذوف وهو تكذيب الكفار في إنكارهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وإنكارهم البعث، وإنكارهم كون المعبود واحداً، وقد بينا الآيات الدالة على ذلك في سورة ص، وذكرنا هناك أن كون المقسم عليه في سورة ق هذه المحذوف يدخل فيه إنكارهم لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله :﴿ بَلْ عَجِبُواْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾ وتكذيبهم في إنكارهم للبعث بدليل قوله :﴿ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هذا شيء عَجِيبٌ ﴾ وبينا وجه إيضاح ذلك بالآيات المذكورة هناك وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
قوله تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾.
الهمزة في قوله :﴿ أَفَلَمْ ﴾ تتعلق بمحذوف، والفاء عاطفة عليه، كما قدمنا مراراً أنه أظهر الوجهين، وأنه أشار إليه في الخلاصة بقوله :
* وحذف متبوع بدا هنا استبح *
والتقدير : أأعرضوا عن آيات الله فلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج. أي ليس فيها من شقوق ولا تصدع ولا تفطر، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تعظيم شأن كيفية بنائه تعالى للسماء وتزيينه لها وكونها لا تصدع ولا شقوق فيها جاء كله موضحاً في آيات أخر كقوله جل وعلا في بنائه للسماء :﴿ أَأنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾ [ النازعات : ٢٧ -٢٨ ]، وقوله تعالى :﴿ وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [ الذاريات : ٤٧ ]، وقوله تعالى :﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾ [ النبأ : ١٢ ]، وقوله تعالى :﴿ الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى في خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ ﴾ [ الملك : ٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ﴾ [ المؤمنون : ١٧ ]، وقوله تعالى في أول الرعد :﴿ اللَّهُ الذي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [ الرعد : ٢ ]، وقوله تعالى في لقمان :﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [ لقمان : ١٠ ] الآية. إلى غير ذلك من الآيات. وكقوله تعالى في تزيينه للسماء ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ ﴾ [ الملك : ٥ ]، وقوله تعالى :﴿ وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ﴾ [ فصلت : ١٢ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴾ [ الصافات : ٦ ]، وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [ الحجر : ١٦ ]. وكقوله تعالى في حفظه للسماء من أن يكون فيها فروج أي شقوق :﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ﴾ [ الملك : ٣ ]، والفطور والفروج بمعنى واحد، وهو الشقوق والصدوع. وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٣٢ ]، أما إذا كان يوم القيامة فإن السماء تتشقق وتتفطر، وتكون فيها الفروج كما قال تعالى :﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ ﴾ [ الفرقان : ٢٥ ]. وقال تعالى :﴿ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً ﴾ [ الرحمان : ٣٧ ] الآية. وقال تعالى :﴿ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَآءُ ﴾ [ الحاقة : ١٥ -١٦ ] الآية. وقال تعالى :﴿ إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [ الإنشقاق : ١ -٢ ]، وقال تعالى :﴿ إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ ﴾ [ الإنفطار : ١ ]، وقال تعالى :﴿ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ [ المزمل : ١٧ -١٨ ]. وقال تعالى :﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَتْ ﴾ [ المرسلات : ٨-٩ ].
قوله تعالى :﴿ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ﴾ [ ٧ -٨ ]
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه مد الأرض وألقى فيها الجبال الرواسي وأنبت فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب، وهذا الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رواسي وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ إلى قوله :﴿ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ الرعد : ٣ ]، وكقوله :﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى في الأرض رَوَاسِي أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هذا خَلْقُ اللَّهِ فأروني مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾ [ لقمان : ١٠-١١ ] والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ أي من كل صنف حسن من أصناف النبات،
وقوله :﴿ تَبْصِرَةً ﴾ أي قدرنا الأرض وألقينا فيها الرواسي وأنبتنا فيها أصناف النبات الحسنة لأجل أن نبصر عبادنا كمال قدرتنا على البعث وعلى كل شيء وعلى استحقاقنا للعبادة دون غيرنا.
قوله تعالى :﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَالِكَ الْخُرُوجُ ﴾.
قوله : كذلك الخروج، معناه أن الله تبارك وتعالى : يبين أن إحياء الأرض بعد موتها بإنبات النبات فيها بعد انعدامه واضمحلاله، دليل على بعث الناس بعد الموت بعد كونهم تراباً وعظاماً. فقوله : كذلك الخروج يعني أن خروج الناس أحياء من قبورهم بعد الموت كخروج النبات من الأرض بعد عدمه، بجامع استواء الجميع في أنه جاء بعد عدم، وهذا أحد براهين البعث التي يكثر الاستدلال عليه بها في القرآن، وقد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في صدر سورة البقرة وأول النحل وأول الجاثية، وغير ذلك من المواضع.
قوله تعالى :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾.
هذه الآية الكريمة تدل على أن من كذب الرسل يحق عليه العذاب، أي يتحتم ويثبت في حقه ثبوتاً لا يصح معه تخلفه عنه، وهو دليل واضح على أن ما قاله بعض أهل العلم من أن الله يصح أن يخلف وعيده، لأنه قال : إنه لا يخلف وعده ولم يقل إنه لا يخلف وعيده، وأن إخلاف الوعيد حسن لا قبيح، وإنما القبيح هو إخلاف الوعد، وأن الشاعر قال :
وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
لا يصح بحال، لأن وعيده تعالى للكفار حق ووجب عليهم بتكذيبهم للرسل كما دل عليه قوله هنا :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾. وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف العلة كقوله : سها فسجد. أي لعلة سهوه وسرق فقطعت يده أي لعلة سرقته، ومنه قوله تعالى ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ﴾ [ المائدة : ٣٨ ]، فتكذيبهم الرسل علة صحيحة لكون الوعيد بالعذاب حق ووجب عليهم، فدعوى جواز تخلفه باطلة بلا شك، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات أخر، كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة :﴿ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ ﴾ [ ق : ٢٨ -٢٩ ] الآية، والتحقيق : أن المراد بالقول الذي لا يبدل لديه هو الوعيد الذي قدم به إليهم.
وقوله تعالى في سورة ص ﴿ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ﴾ [ ص : ١٤ ].
وبهذا تعلم أن الوعيد الذي لا يمتنع إخلافه هو وعيد عصاة المسلمين بتعذيبهم على كبائر الذنوب، لأن الله تعالى أوضح ذلك في قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ و١١٢ ] وهذا في الحقيقة تجاوز من الله عن ذنوب عباده المؤمنين العاصين، ولا إشكال في ذلك، وقد أوضحنا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى :﴿ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ ﴾ [ الأنعام : ١٢٨ ].
قوله تعالى :﴿ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأول بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾.
هذه الآية الكريمة من براهين البعث، لأن من لم يعي بخلق الناس ولم يعجز عن إيجادهم الأول لا شك في قدرته على إعادتهم وخلقهم مرة أخرى، لأن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من البدء. والآيات الدالة على هذا كثيرة جداً، كقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧ ]. وقوله تعالى :﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ يس : ٧٩ ] وقوله :﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ الإسراء : ٥١ ] والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة، وقد أوضحنا الآيات الدالة على براهين البعث التي يكثر الاستدلال عليه بها في القرآن، كخلق الناس أولاً، وخلق السماوات والأرض وما فيهما وإحياء الأرض بعد موتها، وغير ذلك في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك، في البقرة والنحل والحج والجاثية وغير ذلك، وأحلنا على ذلك مراراً كثيرة.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى :﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [ هود : ٥ ].
قوله تعالى :﴿ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾ [ ١٧ -١٨ ].
قوله إذ : منصوب بقوله : أقرب، أي نحن أقرب إليه من حبل الوريد في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان جميع ما يصدر منه، والمراد أن الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، في وقت كتابة الحفظة أعماله لا حاجة له لكتب الأعمال، لأنه عالم بها لا يخفى عليه منها شيء، وإنما أمر بكتابة الحفظة للأعمال لحكم أخرى كإقامة الحجة على العبد يوم القيامة، كما أوضحه بقوله :﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [ الإسراء : ١٣ -١٤ ]، ومفعول التلقي في الفعل الذي هو يتلقى، والوصف الذي هو المتلقيان محذوف تقديره، إذ يتلقى المتلقيان جميع ما يصدر عن الإنسان فيكتبانه عليه.
قال الزمخشري : والتلقي التلقن بالحفظ والكتبة ا ه منه، والمعنى واضح لأن الملك يتلقى عمل الإنسان عند صدوره منه فيكتبه عليه، والمتلقيان هما الملكان اللذان يكتبان أعمال الإنسان، وقد دلت الآية الكريمة على أن مقعد أحدهما عن يمينه ومقعد الآخر عن شماله.
والقعيد : قال بعضهم : معناه القاعد، والأظهر أن معناه المقاعد، وقد يكثر في العربية إطلاق الفعل وإرادة المفاعل، كالجليس بمعنى المجالس، والأكيل بمعنى المآكل، والنديم بمعنى المنادم، وقال بعضهم : القعيد هنا هو الملازم، وكل ملازم دائماً أو غالباً يقال له قعيد، ومنه قول متمم بن نويرة التميمي :
قعيدك ألا تسمعيني ملامة ولا تنكئي قرح الفؤاد فيجعا
والمعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وهو أسلوب عربي معروف، وأنشد له سيبويه في كتابه قول عمرو بن أحمر الباهلي :
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوى رمان
وقول قيس بن الخطيم الأنصاري :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وقول ضبائي بن الحارث البرجمي :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
فقول ابن أحمر : كنت منه ووالدي بريئاً أي كنت بريئاً منه وكان والدي بريئاً منه.
وقول ابن الخطيم : نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض : أي نحن راضون وأنت راض.
وقول ضابىء بن الحارث : فإني وقيار بها لغريب : يعني إني لغريب وقيار غريب، وهذا أسلوب عربي معروف، ودعوى أن قوله في الآية :﴿ قَعِيدٌ ﴾ هي الأولى أخرت وحذفت الثانية لدلالتها عليها لا دليل عليه، ولا حاجة إليه كما ترى، لأن المحذوف إذا صحت الدلالة عليه بالأخير فلا حاجة إلى أن هذا الأخير أصله هو الأول، ولا دليل عليه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ ﴾.
أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام إلا لديه، أي إلا والحال أن عنده رقيباً. أي ملكاً مراقباً لأعماله حافظاً لها شاهداً عليها لا يفوته منها شيء. عتيد : أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإنسان عليه حفظة من الملائكة يكتبون أعماله، جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله. كقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِين َيَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [ الانفطار : ١٠-١٢ ]. وقوله تعالى :﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [ الزخرف : ٨٠ ]. وقوله تعالى :﴿ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّ كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الجاثية : ٢٨ -٢٩ ]
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى ﴿ كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ﴾ [ مريم : ٧٩ ] الآية.
وفي سورة الزخرف في الكلام على قوله تعالى :﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْألُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٩ ]، وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن القعيد الذي هو عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات، وأن صاحب الحسنات أمين على صاحب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : أمهله ولا تكتبها عليه لعله يتوب أو يستغفر ؟ وبعضهم يقول : يمهله سبع ساعات. والعلم عند الله تعالى.
تنبيه
اعلم أن العلماء اختلفوا في عمل العبد الجائز الذي لا ثواب ولا عقاب عليه، هل تكتبه الحفظة عليه أولاً ؟ فقال بعضهم : يكتب عليه كل شيء حتى الأنين في المرض، وهذا هو ظاهر قوله :﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ١٨ ]. لأن قوله : من قول نكرة في سياق النفي زيدت قبلها لفظة من، فهي نص صريح في العموم.
وقال بعض العلماء : لا يكتب من الأعمال إلا ما فيه ثواب أو عقاب، وكلهم مجمعون على أنه لا جزاء إلا فيما فيه ثواب أو عقاب فالذين يقولون : لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب، والذين يقولون يكتب الجميع متفقون على إسقاط ما لا ثواب فيه ولا عقاب، إلا أن بعضهم يقولون لا يكتب أصلاً، وبعضهم يقولون : يكتب أولاً ثم يمحى. وزعم بعضهم أن محو ذلك، وإثبات ما فيه ثواب أو عقاب هو معنى قوله تعالى :﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [ الرعد : ٣٩ ] الآية.
والذين قالوا : لا يكتب ما لا جزاء فيه. قالوا : إن في الآية نعتاً محذوفاً سوَّغ حذفه العلم به، لأن كل الناس يعلمون أن الجائز لا ثواب فيه ولا عقاب، وتقدير النعت المحذوف، ما يلفظ من قول مستوجب للجزاء، وقد قدمنا أن حذف النعت إذا دل عليه أسلوب عربي معروف، وقدمنا أن منه قوله تعالى :﴿ وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ﴾ [ الكهف : ٧٩ ] أي كل سفينة صحيحة لا عيب فيها بدليل قوله ﴿ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ [ الكهف : ٧٩ ] وقوله تعالى :﴿ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [ الإسراء : ٥٨ ] اٍلآية : أي قرية ظالمة بدليل قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [ القصص : ٥٩ ]، وأن من شواهده قول المرقش الأكبر :
ورب أسيلة الخدين بكر *** مهفهفة لها فرع وجيد
أي لها فرع فاحم وجيد طويل. وقول عبيد بن الأبرص :
من قوله قول ومن فعله *** فعل ومن نائله نائل
أي قول فصل، وفعل جميل، ونائل جزل.
قوله تعالى :﴿ لَّقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ مِّنْ هذا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى :﴿ بَلِ ادَارَكَ عِلْمُهُمْ في الآخرة بَلْ هُمْ في شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾.
قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير نافع وشعبة عن عاصم ﴿ يَوْمَ نَقُولُ ﴾ بالنون الدالة على العظمة. وقرأه نافع وشعبة ﴿ يَوْمَ يَقُولُ ﴾ بالياء، وعلى قراءتهما فالفاعل ضمير يعود إلى الله، واعلم أن الاستفهام في قوله ﴿ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ فيه للعلماء قولان معروفان. الأول : أن الاستفهام إنكاري كقوله تعالى :﴿ هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ الأنعام : ٤٧ ] أي ما يهلك إلا القوم الظالمون، وعلى هذا، فمعنى ﴿ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ لا محل للزيادة لشدة امتلاء النار، واستدل بعضهم لهذا الوجه بآيات من كتاب الله كقوله تعالى :﴿ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنْى ﴾ [ السجدة : ١٣ ] وقوله تعالى :﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأملان جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [ هود : ١١٩ ] قال : فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة يس في الكلام على قوله تعالى :﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ ﴾ [ يس : ٧ ] الآية، لأن إقسامه تعالى في هذه الآية المدلول عليه بلام التوطئة في لأملأن على أنه يملأ جهنم من الجنة والناس، دليل على أنها لا بد أن تمتلىء، ولذا قالوا : إن معنى هل من مزيد، لا مزيد، لأني قد امتلأت فليس في محل للمزيد، وأما القول الآخر، فهو أن المراد بالاستفهام في قول النار : هل من مزيد ؟ هو طلبها للزيادة، وأنها لا تزال كذلك حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط أي كفاني قد امتلأت، وهذا الأخير هو الأصح، ولما ثبت في الصحيحين، وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن جهنم لا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط »، لأن في هذا الحديث المتفق عليه التصريح بقولها قط قط، أي كفاني قد امتلأت، وأن قولها قبل ذلك هل من مزيد لطلب الزيادة، وهذا الحديث الصحيح من أحاديث الصفات، وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة الأعراف والقتال. واعلم أن قول النار في هذه الآية : هل من مزيد، قول حقيقي ينطقها الله به، فزعم بعض أهل العلم أنه كقول الحوض :
امتلأ الحوض فقال قطني مهلاً رويداً قد ملأت بطني
وأن المراد بقولها ذلك هو ما يفهم من حالها خلاف التحقيق وقد أوضحنا ذلك بأدلته في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ [ الفرقان : ١٢ ]. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾.
قوله : أزلفت أي قربت. وقوله غير بعيد : فيه معنى التوكيد لقوله : أزلفت سواء أعربت غير بعيد بأنها حال أو ظرف، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من إزلاف الجنة للمتقين جاء في مواضع أخر من كتاب الله كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾ [ التكوير : ١٢ -١٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴾ [ الشعراء : ٩٠ -٩١ ].
قال البغوي رحمه الله في تفسير هذه الآية : غير بعيد ينظرون إليها قبل أن يدخلوها.
قوله تعالى :﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾.
قوله :﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا ﴾ قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى :﴿ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِى اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾ [ النحل : ٣١ ].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾. قال بعض العلماء : المزيد النظر إلى وجه الله الكريم، ويستأنس لذلك بقوله تعالى :﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [ يونس : ٢٦ ]، لأن الحسنى الجنة، والزيادة النظر، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الزخرف في الكلام على قوله تعالى ﴿ فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الأولين ﴾ [ الزخرف : ٨ ].
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الذي خَلَقَ السَمَاوَاتِ والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ] وبينا هناك أن الله أوضح ذلك في فصلت في قوله تعالى :﴿ قُلْ أَءِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض في يَوْمَيْنِ إلى قوله { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ في يَوْمَيْنِ ﴾ [ فصلت : ٩ -١٢ ]. وأوضحنا ذلك في سورة فصلت واللغوب : التعب والإعياء من العمل.
قوله تعالى :﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾.
ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله الكفار والتسبيح بحمده جل وعلا أطراف النهار، قد ذكره الله في غير هذا الموضع كقوله تعالى في أخريات طه :﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَآءِ الليل فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [ طه : ١٣٠ ]، وأمره له بالتسبيح بعد أمره له بالصبر على أذى الكفار فيه دليل على أن التسبيح يعينه الله به على الصبر المأمور به، والصلاة داخلة في التسبيح المذكور كما قدمنا إيضاح ذلك، وذكرنا فيه حديث نعيم بن همار في آخر الحجر في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [ الحجر : ٩٧-٩٨ ]، وبينا هنالك أن الله أمر بالاستعانة بالصبر وبالصلاة كما قال تعالى :﴿ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ والصلاة ﴾ [ البقرة : ٤٥ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له بكثرة في سورة يس في الكلام على قوله تعالى :﴿ وَنُفِخَ في الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ [ يس : ٥١ ].
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾.
قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وابن عامر : تشقق بتشديد الشين بإدغام إحدى التاءين فيها، وقرأ الباقون بتخفيف الشين لحذف إحدى التاءين، وقوله تعالى :﴿ سِرَاعاً ﴾ : جمع سريع، وهو حال من الضمير المجرور في قوله :﴿ عَنْهُمْ ﴾ أي تشقق الأرض عنهم في حال كونهم مسرعين إلى الداعي وهو الملك الذي ينفخ في الصور، ويدعو الناس إلى الحساب والجزاء، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الناس يوم البعث يخرجون من قبورهم مسرعين إلى المحشر قاصدين نحو الداعي، جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ [ المعارج : ٤٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَنُفِخَ في الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ [ يس : ٥١ ]. وقوله :﴿ يَنسِلُونَ ﴾ أي يسرعون، وقوله تعالى ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ﴾ [ القمر : ٧ -٨ ] الآية، فقوله ﴿ مُّهْطِعِينَ ﴾ : أي مسرعين مادي أعناقهم على الأصح، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة يس في الكلام على قوله :﴿ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى :﴿ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ يونس : ٩٩ ].
قوله تعالى :﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة فاطر في الكلام على قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ [ فاطر : ١٨ ] الآية.
Icon