بسم الله الرحمن الرحيم
سورة نون والقلم١ مكية٢٢ - في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس وقتادة: من أولها إلى قوله تعالى:( سنسمه على الخرطوم)مكي، ومن بعد ذلك قوله تعالى:( أكبر لو كانوا يعلمون) مدني، ومن بعد ذلك إلى قوله:( يكتبون) مكي، ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى:( من الصالحين) مدني، وما بقي مكي: هكذا قال القرطبي في تفسيره١٨/٢٢٢ والشوكاني في تفسيره ٥/٢٦٦ كلاهما نقلا عن الماوردي. وإنما وجدته في تفسيره٤/٦٧٧ يحكى هذا القول الثاني عن ابن عباس فقط. وفي زاد المسير ٨/٣٢٦ عن ابن عباس وقتادة أن المدني فيها قوله تعالى: ( إنا بلوناهم) إلى قوله تعالى:( لو كانوا يعلمون)..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة نون والقلممكية
- قوله تعالى: ﴿[ن] والقلم﴾ إلى قوله: ﴿مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ﴾.
قال ابن عباس: " ن هو الحوت. قال: أول ما خلق الله جل ذكره القلم فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء فخلقت منه السماوات، ثم خلق الحوت، فبسط الأرض على ظهر النون، فتحركت النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، وإن الجبال
وقال أبو هريرة: الأرضون على نون، ونون على الماء، والماء على الصخرة، والصخرة لها أربعة أركان، على كل ركن منها ملك قائم في الماء.
وعن ابن عباس أيضاً من رواية عكرمة عنه: " ن " حرف من حروف الرحمن. وروى معاوية بن قرة عن أبيه رفعه إلى النبي ﷺ أن نون لوح من نور ".
قال ابن عباس: فإذا فني الرزق وانقطع الأمر [وانقضى] الأجل، أنت
وروى معمر عن الحسن وقتادة أن نون هو الدواة.
وروى ابن جبير عن قتادة أن ﴿[ن] والقلم﴾: قسم، (قال): يقسم ربنا بما شاء، وهو قول ابن زيد.
وقيل: هو اسم من أسماء السورة.
وقيل: هو تنبيه.
وقال زياد بن الصلق لابنه لما حضرته الوفاة: أي بني، اتق الله، واعلم أنك لم تتق الله ولم تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، والقدر خير وشره [حلوه ومره]، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: " أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ تعالى: القَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فقال: وما أكتب يا رب؟ قال: اكْتُب الْقَدَرَ.
قال: فَجَرى القلمُ في تلك الساعة بما كان (وبما هو [كائن]) إلى الأبد ".
معناه: والذي يخطون، يعني يكتبون، كأنه تعالى أقسم بأفعال الخلق هذا على أن تكون " ما " بمعنى " الذي "، فإن جعلتها والفعل مصدراً كان القسم بالكتاب.
وقال قتادة: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾: يخطون.
وقال ابن عباس: يكتبون، وكذلك قال مجاهد.
وقيل المعنى: وما تكتب الحفظة من أعمال بني آدم.
وروى أحمد بن صالح عن ورش: [يصطرون] بالصاد لأجل [الطاء]،
- ثم قال تعالى: ﴿مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾.
" ما " ما جواب القسم. وهي نفي للجنون عن النبي ﷺ، لأن المشركين ر (موه) بالجنون مرة، وبالسحر مرة، وبالكهانة (مرة). والجنون ستر العقل. ومنه قيل: جن عليه الليل وأجنة إذا ستره. ومنه: الجنين، لأنه كان مستوراً في البطن، ومنه قيل للقبر: جَنَنْ منه سمي الجن حناً لاستتارهم عن أعين الناس. وسمع من العرب على غير قياس: أجن فهو مجنون. والقياس: مجن.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾.
أي: إن لك، يا محمد، على صبرك على أذاهم لك ثَوَاباً عظيماً ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾، أي: غير منقوص ولا مقطوع، ومنه قيل حبل منين، أي: ضعيف.
وقيل: غير منقوص ولا مقطوع، ومنه قيل حبل منين، أي: ضعيف.
وقيل: ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي: لا يمن به عليك.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
أي: لعلى أدب عظيم. وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله (به)، وهو الإسلام وشرائعه.
وقال ابن عباس: ﴿خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، أي: لعلى دين عظيم، وهو الإسلام.
قال قتادة: سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله، فقالت: كان خلقه القرآن.
وقال علي رضي الله عنهـ: ﴿لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾: أدب القرآن.
وقيل: الخلق العظيم هو ما كان من البشاشة والسعي في قضاء حوائج الناس وإكرامهم والرفق بهم.
- ثم قال تعالى: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ ﴿بِأَييِّكُمُ المفتون﴾.
[أي: فسترى يا محمد ويرى المشركون بأيكم المجنون، وهذا تأويل
وقيل: المعنى: " بأيكم الجنون]، فيكون المفعول وقع [موقع] المصدر، كما يقال: ما له معقول، أي: عقل وهو قول ابن عباس والضحاك.
وقيل الباء زائدة، والمعنى: [فسترى] ويرون أيكم المجنون.
وقيل: المعنى: بأيكم فتنة المفتون، قاله المبرد.
وقال مجاهد: ﴿بِأَييِّكُمُ المفتون﴾ أي: الشيطان.
وقل: الباء بمعنى " في "، والتقدير: في أيكم فتن المفتون).
وقال المازني: التمام: فستبصر ويبصرون، وهذا على زيادة الباء، والتقدير: فستبصر ويبصرون يوم القيامة، ثم ابتدأ: أيكم المفتون.
وقال الأخفش: المفتون بمعنى الفتنة. والتقدير: بأيكم الفتنة، وهذا التمام [عنده].
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ...﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ...﴾.
أي ود المشركون لن تكفر بالله فيتمادون على كفرهم، قاله ابن عباس والضحاك وسفيان.
وعن ابن عباس أيضاً معناه: " وَدّ المشركون لو ترخص لهم فيرخصون ".
وقال مجاهد: معناه: ود المشركون لو تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من
- ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ﴾.
(أي: لا تطع يا محمد كل ذي إكثار للحلف بالباطل ﴿مَّهِينٍ﴾: أي: ضعيف. قاله الحسن.
وقال ابن عباس: المهين: الكذاب.
وقال مجاهد: الضعيف القلب.
وقيل: معناه: مهين عند الله وعند المؤمنين أي: حقير.
وقيل: مهين بمعنى: مهان، و " فعيل " يأتي بمعنى " مُفعَل ".
وروي أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، ثم هي في كل من كان مثله.
- ثم قال تعالى: ﴿هَمَّازٍ﴾.
أي: يهمز الناس - وأصله الغمز - أي: يعيبهم.
وقال ابن زيد: هو الذي [يغمز] الناس بيده [ويضربهم] وليس باللسان.
(وقيل: هما جميعاً [لمن] يذكر الناس من ورائهم).
قال قتادة: ﴿هَمَّازٍ﴾ (أي) " يأكل لحوم المسلمين ".
قال أبو عبيد: " بعد ذلك " أي: مع ذلك. وقال: والزنيم (هو) المعلق بالقوم [وليس] منهم.
وعن ابن عباس أيضاً أن الزنيم: [الظَّلُوم].
وقال شهر بن حوشب: " هو [الجِلْفُ] الجافي الأكول الشروب من
وقال عكرمة: " الزنيم: الذي يعرف باللوم كما تعرف الشاة بزنمتها.
وقال أبو رزين: هو الفاجر.
وقيل: نَزَلَتْ في الوليد بن المغيرة.
وسئل ابن عباس عن الزنيم، فقال هو " [الدعي] ".
واشتقاقه: الزنمة التي في حلق الشاة. كما يقال لمن يدخل في قوم وليس. منهم: زِغْنَفَة. والزِّعْنِفَة: الجناحُ من أجنحة [السَّمَكِ ".
ذكره المبرد بفتح [الزاي]، وذكره غَيْرَهُ بالكسر.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه ق ل: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ ما عرفناه حتى قال ﴿زَنِيمٍ﴾ فعرفناه، وكانت له زنمتان [كزنمتي] الشاة.
وروى عنه ابن جبير أن الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها، وهو قول الشعبي.
العتل: الجافي الشديد في كفره. وكل قوي شديد [جاف] فالعرب تسميه عتلاً.
وقال الفراء: العتل هنا: الشديد الخصومة بالباطل.
قال الشعبي: نزلت في [الأخنس بن شريق].
- ثم قال تعالى: ﴿مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ﴾.
أي: يسعى بالنمائم بين الناس.
قال ابن عباس: " بنميم: ينقل الكذب. يقال: نميم ونميمة ".
وقال قتادة: بنميم: " بنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض ".
- قوله تعالى: ﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ﴾ إلى قوله: ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾.
أي: [بخيل] بالمال عن إخراجه في الحقوق، معتد على الناس في معاملته إياهم ﴿أَثِيمٍ﴾: مأثوم في أعماله لمخالفته أمرَ رَبِّه.
وقيل: ﴿أَثِيمٍ﴾: ذي إثم.
- قال تعالى: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ {إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ
أي: (أَلأَِنْ) كان صاحب مال وبنين تطيعه/ على وجه التوبيخ لمن أطاعه، ثم أخبر عنه أنه يقول: إذا قرئت عليه آيات الله -: هي أساطير الأولين استهزاءً أو إنكاراً لها أن تكون من عند الله. " فَأَنْ " مفعول من أجله متعلقة بما بعدها أي: من أجل أنه ذو مال وبنين يقول: - ﴿إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين﴾.
ويجوز أن (تكون) أن " في موضع نصب متعلقة بقوله ": ﴿مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ﴾ ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾، (أي): يفعل ذلك لأنْ كان ذا مال وبنين، فهي أيضاً مفعول من أجله. هذا على قراءة من قرأ: " أن كان " بغير استفهام، ومن قرأه بالاستفهام فهو إنكار وتوبيخ " لمن يطيعه أيضاً، والمعنى: أَلأَِنْ كان هذا الحلاّف المهين
ويحتمل أن يكون توبيخاً وتقريعاً لهذا الحلاف المهين.
والمعنى: أَلأَِنْ كان هذا الحلاف ذ مال وبنين يقول - إذا تتلى عليه آياتنا -: هي أساطير الأولين: فيحسن الابتداء بالاستفهام على ها الوجه، ولا يحسن الابتداء: " بأن كان ذا مال " في الوجهين الأولين؛ لأنه متعلق بالمخاطب.
ومعنى ﴿أَسَاطِيرُ الأولين﴾: أي: كتبهم وأخبارهم وهو جمع أسطورة.
- ثم قال تعالى: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم * إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الجنة...﴾.
قال ابن عباس: معناه: سنخطمه بالسيف فنجعل ذلك فيه سمة، أي: علامة، قال: وقد قاتل الذي نزلت فيه هذه الآية يوم بدر فخُطِم بالسيف في القتال.
وروي عنه: شين على أنفه.
قال المبرد: الخرطوم من الإنسان الأنف. ومن السباع موضع الشفة.
والمعنى عنده: سَنَسِمُه على أنفه يوم القيامة بما يشوه خلفه وَيَعْرِفهُ بِهِ من شَهِدَه في القيامة أنه من أهل النار.
وقيل: معناه: سنعلق به عاراً وسبة حتى يكون (بمنزلة من وسم على أنفه).
وقيل: المعنى: سَنُسَوّد وجهه، فاستعير الأنف في موضع الوجه لأنه منه.
وقيل: الخرطوم هنا: الخمر.
أي: إنا بلونا قريشاً، أي: امتحناهم ما امتحنا أصحاب الجنة، إذا حلفوا ليصرمن ثمرها إذا أصبحوا ولا يقولون: إن شاء الله.
قال عكرمة: هم أناس من الحبشة، كانت لأبيهم جنة، وكان يطعم المساكين (منها، فلما مات أبوهم قال بنوه: والله ما كان أبونا إلا أحمق حين يطعم المساكين)، فأقسما لَيَصْرِمُنَّها مصبحين ولا يطعمون مسكيناً.
قال قتادة: كان أَبُوهُم تتصدق، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة وكان يمسك قوت سنة، وينفق وتصدق بالفضل، فلما مات أبوهم، غدوا عليها وقالوا: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.
[وقال] ابن عباس: كانوا (أهل) كتاب.
- ثم قال تعالى: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾.
أي: فطرق جنتهم ليلاً أمر من الله فأصبحت الجنة كالليل المظلم. قاله ابن عباس.
وروي أن الله أرسل عليها ناراً فأحرقت الزرع.
وقيل: الصريم أرض باليمن يقال [لها] [ضروان] من صنعاء، على ستة أميال.
ويقال: لِلَّيْلِ صَرِيمٌ، وللنهار صريم، لأن كل واحد ينصرم عن الآخر.
- ثم قال: ﴿فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾.
(أي): فنادى بعضهم بعضاً بعد الصباح أن اغدوا الحصاد زرعكم إن كنتم حاصدين له.
﴿فانطلقوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾.
أي: فمضوا إلى حرثهم وهم يَتَسَارُّون بينهم في الخفاء، يقول بعضهم لبعض: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.
- ثم قال تعالى: ﴿وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾.
قال قتادة: غدا القوم وهم محردون إلى جنتهم قادرين عليها في أنفسهم.
قال ابن زيد: " على جد قادرين في أنفسهم ".
وقل: المعنى: ﴿وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ [على] أمر أسَّسوه بينهم.
وقال الحسن: ﴿على حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ أي: حاجة وفاقة.
وقال سفيان ﴿على حَرْدٍ﴾ " على حَنَقٍ ".
وقال أبو عبيدة: ﴿على حَرْدٍ﴾: على منع. وقيل " على قصد ".
وقيل: قادرين عند أنفسهم على ما دبروا من حصادها ومنع المساكين منها.
- ثم قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قالوا إِنَّا لَضَآلُّونَ﴾.
(أي): فلما رأوا جنتهم محترقاً حرثها أنكروها وظنوا أنهم غلطوا، فقال بعضهم لبعض: إنا لضالون الطريق إلى جنتنا، فقال من علم أنها جنتهم: بل نحن أيها القوم محرومون.
قال قتادة: ﴿إِنَّا لَضَآلُّونَ﴾ قد أخطأنا الطريق، ما هذه/ جنتنا، فقال بعضهم ممن عرفها: ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أي: قد حرمنا نفعها.
- ثم قال تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾.
أي: قال لهم [أعدلهم] ألم أقل لكم، هلا تستثنون إذا قلتم لنصر
قال مجاهد: لولا تسبحون، أي: تستثنون، وكان التسبيح فيهم الاستثناء.
وأصل التسبيح في اللغة: التنزيه، فجعل قولهم " إن شاء الله " معناه تنزيه الله أن يكون شيء إلا بمشيئته.
وظاهر [الآية] [يدل] على التسبيح بعينه، إذ بعده ﴿قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾.
أي: (ظالمين) في منعنا المساكين أن يأخذوا ما يجب علينا.
- ثم قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ﴾.
- ﴿قَالُواْ ياويلنا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾.
قالوا: [تعالى] يا ويل إلينا، فهذا وقت حضورك. وهذا شيء تقوله العرب عن الأمر العظيم: احضر يا ويل، فهذا من إبَّانك ووقتك.
- ﴿إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾.
أي معتدين مخالفين أمر الله. فندموا على ما فعلوا فأبدلهم الله خيراً منها.
(يقال): إن التي أبدلوا الطائف اقتلعها جبريل عليه السلام من الأردن، وطاف بها حول البيت، ثم أنزلها في وادي ثقيف.
- ثم قال ﴿عسى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ...﴾.
- ﴿إِنَّآ إلى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾. في ذلك.
- قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ العذاب..﴾.
أي: كفعلنا بجنة هؤلاء فعلنا بمن كفر وخالف أمرنا في عاجل الدنيا.
- ﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ...﴾.
عقوبة لمن عصى الله.
﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾.
(أي لو لكانوا يعلمون) أن عقوبة الآخرة أعظم من عقوبة الدنيا.
- قوله تعالى: ﴿إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النعيم﴾ إلى قوله: ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصالحين﴾؟
(أي): إن للذين اتقوا عقوبة ربهم [فأطاعوه] بساتين (النعيم) الدائم في
- ثم قال: ﴿أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين﴾.
أي: أفنجعل - أيها الناس - كرامتي في الآخرة للذين أطاعوني كالذين عصوني؟!
﴿مَا لَكُمْ...﴾ أيها الناس ﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.
إذ تجعلون المطيع كالعاصي؟!
- ثم قال تعالى: ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾.
أي: ألكم - أيها القوم - بتسويتكم الطائع كالعاصي - كتاب نزل من عند الله أتاكم به رسول أن الطائع كالعاصي فيه تقرؤون؟!
وقيل: المعنى: تدرسون أن لكم فيه لما تَخَيَّرون. (فتدرسون) عاملٌ في المعنى في ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾، [لكن] منعت اللام في " لما " من فتح " إن " (بتدرسون]. ومثله: ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾. والتقدير: أن لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة، فإن لكم لما تحكمون. وهذا كله منقطع عند البصريين غير متصل بما قبله، ولا يجوز
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾.
أي: إن لكم في ذلك لما تخيرونه، وهذا توبيخ وتقريع لهم لما كانوا يتقولون من الكذب.
- ثم قال تعالى: ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلى يَوْمِ القيامة﴾.
أي: هل لكم ذلك، أي: ليس لكم أيمان على الله تنتهي بكم إلى يوم القيامة بأن لكم حكمكم في ما تتولون. وكسرت الألف من " إنّ " لدخول اللام في " لمَا ".
وقيل: " بالغة " [وثيقة]، أي: بالغة النهاية في التأكيد.
- ثم قال تعالى: ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ [زَعِيمٌ]﴾.
أي: سل - يا محمد - هؤلاء المتقولين (المتحكمين) على الله، أيهم كفيل بأن
وقيل: " زعيم " معناه: ضمين. والزعيم أيضاً المتكلم عن القوم.
- ثم قال تعالى ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ...﴾.
أي: ألهم شركاء (بعيونهم) ويشهدون لهم بذلك ويحتجون عنهم فيما يدعون فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في قولهم فتكون الحجة على جميعهم أبين و [آكد].
- ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ (عَن سَاقٍ) وَيُدْعَوْنَ إِلَى السجود فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾.
أي: اذكر يا محمد يوم يبدو [أمر] عظيم، وذلك يوم القيامة.
وقرأ ابن عباس: " يوم نَكشِف " بالنون.
وقرأ ابن مسعود: " يوم يَكشِف " بفتح الياء وكسر الشين.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قرأ " يوم تَكشِف " بالتاء، يريد القيامة تكشف عن أهوالها.
وروى مجاهد عن ابن عباس: " عن ساق " قال: هي أول ساعة من القيامة، وهي [أفظعها] و [شدها].
وقال ابن جبير: " عن ساق ": عن شدة الأمر ".
وعن ابن مسعود أنه قال: " يتمثل للخلق، يعني يوم القيامة، حتى يمر المسلمون فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله لا نشرك به شيئاً، [فينتهرهم] مرتين أو ثلاثاً، فيقولون: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: سبحانه، إذا اعترف لنا عرفناه. (قال): فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجداً، ويبقى المنافقون ظهروهم طبق كأنما فيها السفافيد، فيقولون: ربنا! فيقول: قد كنتم تَدْعُوْنَ إلى السجود وأنتم سالمون.
قال أبو محمد: فمعنى يكشف لهم عن ساق، أي: عن أمر عظيم وقدرة لا يقدر عليها إلا الله. فيعرفونه تعالى [أظهر] من قدرته إليهم. ولا يحل لأحد
وقال ابن مسعود: ينادي مناد يوم القيامة: أليس عدلاً منكم أن ربكم خلقكم ثم صوركم ثم رزقكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد (منكم ما تولى؟! فيقولون: بلى، قال: فيمثل لكل قوم آلهتهم التي كانوا) يعبدونها، فيتبعونها حتى توردهم النار، ويبقى أهل [الدعوة]، فيقول بعضهم لبعض: ماذا تنتظرون؟ (ذهب الناس)! فيقولون: ننتظر أن ينادى [بنا]. قال: فيجيء في صورة، فذكر منها ما
وذكر أبو سعيد الخدري: عن النبي ﷺ نحو ذلك وأطول.
والعرب تقول: انكشف الأمر عن ساق، أي: عن هول وأمر غليظ شديد. وأصل هذا أن الرجل إذا جد في أمر فيه صعوبة وشدة تشمر وكشف عن ساقه، فجعل الساق في موضع الشدة.
أي: [ويدعى] أهل النفاق إلى السجود لله عند ظهور الأمر الشديد فلا يستطيعون السجود.
ودل على على أن الاستطاعة قبل الفعل، لأن الكلام على أنهم كانوا قبل ذلك يستطيعون السجود فتركوه. ودعاؤهم إلى السجود إنما هو على طريق التوبيخ لهم ليوقفوا على فعلهم في الدنيا إذا دعوا إلى السجود وهم سالمون لينتفعوا به فلم يفعلوا.
روي أن أصلابهم تجف عقوبة فلا يطيقون السجود.
ثم قال: ﴿خاشعة أبصارهم تَرْهَقُهُمْ (ذِلَّةٌ)...﴾.
أي: خاضعة ذليلة أبصارهم [تغشاهم] ذلة من عذاب الله.
والعامل في " يوم يكشف " قوله: ﴿فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ﴾ أي: فليأتوا بالشركاء يوم يكشف، أي يوم القيامة.
لم يرد الإتيان بها في الدنيا لأنهم يقدرون على ذلك في الدنيا، ولا يقدرون عليه في الآخرة، " فيأتوا " هو العامل في " يوم يكشف ". ويجوز أن يعمل فيه فعل
ثم قال تعالى: ﴿وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السجود وَهُمْ سالمون...﴾؟
(أي): وقد كانوا في الدنيا يدعون (إلى) أن يسجدوا لله وهم سالمون الجوارح، لا يمنعهم من ذكل مانع فلم يفعلوا.
وقيل: السجود (الذي) (كانوا) يدعون إليه في الدنيا هو الصلاة المكتوبة. قال الشعبي.
وقال ابن جبير: كانوا يسمعون النداء للصلاة فلا يجيبون.
قال ابن عباس: هم الكفار، كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا وهم آمنون، فاليوم يدعون وهم خائفون.
وروى قتادة أن النبي ﷺ قال: " يُؤْذَنُ للمؤمنين يَومَ القيامةِ في السّجودِ
- ثم قال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث...﴾.
هذا تهديد ووعيد من الله للمكذبين بكتابه، كما يقول الرجل للرجل يتوعده: دعني وإياك، وخلني وإياه.
وقوله: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
أي: سنكيدهم من حيث لا يعلمون، وذلك أن يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم إنّما مُتِّعُوا به الخير لهم عند الله فيتمادون في طغيانهم، ثم [يأخذهم] بغتة [وهم] لا يشعرون.
فيكون معنى: " سنستدرجهم ": سنمتعهم ونوسع عليهم في الدنيا حتى يتوهموا أن لهم خيراً ويغتروا بالنعم.
روي عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله يُمْهِل الظالم حتى إذا أخَذَه لم يُفْلِتْهُ، وقرأ:
- ثم قال: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾.
أي أنْسِئُ لهم في آجالهم ملاوة من الزمان، وذلك [برهة] / من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله [لتتكامل] حجج الله عليهم.
- وقوله: ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾.
أي: إن كيدي بأهل الكفر قوي شديد.
- ثم قال تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾.
أي: أم تسألهم يا محمد على إنذارك لهم ونصحك إياهم جُعلاً [فهم]
- ثم قال تعالى: ﴿أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾.
أي: أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيوب كلها فهم يكتبون منه [ما يجادلونك] به، ويزعمون أنهم على كفرهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به.
- قال تعالى: ﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت...﴾.
يعني: يونس، أي فاصبر يا محمد على أداء (الرسالة) لقضاء ربك [فيك وفي هؤلاء] المشركين، ولا تستعجل لهم العذاب فتكن كصاحب الحوت، يعني يونس إذ خرج عن قومه حين تأخر العذاب عنهم.
- واذكر ﴿إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾.
قال قتادة: ولا تكن كصاحب الحوت في العجلة والغضب، أي: لا تعجل كما عجل ولا تغضب كما غضب.
- ثم قال تعالى: ﴿لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ...﴾.
(أي رحمة - فرحمه) ﴿لَنُبِذَ بالعرآء وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾.
(أي: لولا أن الله رحمه وسمع دعاءه من بطن الحوت فأجابه لطُرِحَ بالفضاء من الأرض وهو مذموم) قال ابن عباس: مذموم " مليم ".
وقيل مذموم: " مذنب ".
- ثم قال تعالى: ﴿فاجتباه رَبُّهُ...﴾.
أي: فاختاره واصطفاه.
- ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصالحين﴾.
أي: اختاره للنبوّة فجعله صالحاً، أي: رفعه للعمل الصالح.
حكى سيبويه: " جعل بمعنى " وصف ".
- قوله تعالى: ﴿وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ...﴾ إلى آخرة السورة.
قال الفراء: هذا من إصابة العين. والتقدير: وإن يكاد الذين كفروا مما عاينوك يا محمد بأبصارهم ليأخذونك بالعين فَيَرْمونَكَ ويصرعونك كما ينصرع الذي يَزْلِق في الطين ونحوه، لأنهم كانوا يقولون: ما رأينا [مثل] حججه ولا مثله.
وقيل: المعنى: أنهم كانوا من شدة نظرهم إليه [وتغيظهم] عيه أن يزلقوه من مكانه.
يقال: أَزْلَقَ الحَجّام الشَّعرَ وَزَلَقَهُ: إِذا حَلَقَه.
أي: ويقول الكفار: إن محمداً لمجنون.
قال ابن عباس: ليزلقونك بأبصارهم: أي ينفدونك من شدة نظرهم، من قولهم: زلق السهمر وزهق إذا نفذ.
وقال ابن مسعود: ليزلقونك: لَيُزْهِقُونَكَ.
وقال مجاهد: " لينفِذونَك بأبصارهم ".
وقال قتادة: ليصدونك.
أي: لما سمعوا كتاب الله يتلى.
- ثم قال تعالى: ﴿وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾.
أي: ليس لاذي جاء به محمد جنوناً بل هو ذكر للعالمين، أي: للجن والإنس. وقيل: المعنى: " بل محمد ذكر للعالمين ".