تفسير سورة ق

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة ق من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

إلاَّ آية:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾[ق: ٣٨].
لَمَّا ذكر عدم إيمانهم أكده باليمين بقوله: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * قۤ ﴾: كما مرَّ، أو إشارة إلى نحو: قضي الأمر، اسم جبل محيط بالدنيا من زبرجد، حلف بهذا ﴿ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ ﴾: العظيم أو ذوي المجد، أي: سعة الكرم، فإنه تضمن كل المكارم وجوابه: ما آمنوا يدل عليه ﴿ بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾: بالبعث والجزاء ﴿ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ ﴾: أي: قالوا: ﴿ هَـٰذَا ﴾: الإنذار ﴿ شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾: ﴿ أَ ﴾ نرجع ﴿ ءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ ﴾: البعث ﴿ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾: عن الإمكان ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ﴾ تأكل ﴿ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾: هو اللوح، إذ فيه تفصيل كل شيء ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ ﴾: القرآن ﴿ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ ﴾: شأنه في ﴿ أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾: مضطرب، جعلون مرة سحرا ومرة شعرا وغير ذلك ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ ﴾: منكروا البعث ﴿ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ﴾: الكائنة فوقهم ﴿ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ﴾: رفعناها بلا عمد ﴿ وَزَيَّنَّاهَا ﴾: بالكواكب ﴿ وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾: فتوق، بل ملساء ﴿ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾: بسطناها ﴿ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا ﴾ جبالا ﴿ رَوَاسِيَ ﴾: ثوابت ﴿ وَأَنبَتْنَا فِيهَا ﴾: الأرض ﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾: صنف ﴿ بَهِيجٍ ﴾: حسن المنظر ﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾: راجع إلينا بالتَّفَكُّر في صُنعنا ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً ﴾: المطر ﴿ فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ﴾: الزَّرْع ﴿ ٱلْحَصِيدِ ﴾: الذي يحصد ﴿ وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ ﴾: طوالا أو حوامل ﴿ لَّهَا طَلْعٌ ﴾: أول ما يظهر ﴿ نَّضِيدٌ ﴾: منضود بعضها فوق بعض لكثرتها ﴿ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ ﴾: بالماء ﴿ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ﴾: الإحياء ﴿ ٱلْخُرُوجُ ﴾: من القبر للبعث ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ ﴾: بئرٌ كان قومُ شعيب يعبدون الأصنام عندها كما مرّ ﴿ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ﴾: قومه ﴿ وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ ﴾: قوم شعيب ﴿ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ ﴾: كما مر ﴿ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ ﴾: وجب عليهم ﴿ وَعِيدِ ﴾: أي: عذابي ﴿ أَفَعَيِينَا ﴾: عجزنا ﴿ بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ ﴾: حتى نعجز عن الإعادة ﴿ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ ﴾: شبهة ﴿ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾: بمخالفته العادة لا إنكاراً لقدرتنا، نكرهُ تعظما.
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ ﴾: الباء صلة ﴿ نَفْسُهُ ﴾: أي: ما تحدثونه على سبيل الوسوسة ﴿ وَنَحْنُ ﴾: بعلمنا ﴿ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴾: المخالط لأجزائه وهو عرقٌ في العنق، وقيل غير ذلك، وهو لغةً: أعمُّ من الشرايين النابتة من القلب والأوردة النابتة من الكبد، وهذا مثل في نهاية القرب ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى ﴾: يأخذ ويثبت الملكان ﴿ ٱلْمُتَلَقِّيَانِ ﴾: ما يلفظه ﴿ عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾: قعيد ﴿ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾: أفاد بقربه علما غناه عن استحفاظهما فحكمته تشديد تَثبيطِنا عن المعصية ونحو ذلك ﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ ﴾: حتى أنينه فر مرضه ﴿ إِلاَّ لَدَيْهِ ﴾: ملك ﴿ رَقِيبٌ ﴾: يرقبه ﴿ عَتِيدٌ ﴾: حاضره واعلم أن صاحب الشِّمال كاتب المباح فتنبه، وفي الحديث:" إنَّ كاتب الحسنات أمين على كاتب السَّيئات، فإذا عمل حنسةً كتبها ملك اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة قال لصاحبه: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر ".
﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ ﴾: شدة ﴿ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾: الذي أنكرتموه من أمور الآخر فالباء للتعدية، وأتى بالماضي لقربها ﴿ ذَلِكَ ﴾: الموت ﴿ مَا كُنتَ ﴾: يا إنسان ﴿ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾: تفر ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ﴾: للبعث وقت ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ﴾: وقت إنجاز ﴿ ٱلْوَعِيدِ * وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا ﴾: ملكان ﴿ سَآئِقٌ ﴾: إلى المحشر ثم إلى مقعده، و ﴿ وَشَهِيدٌ ﴾: على أعماله، يقال للكافر: ﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾: اليوم ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ ﴾: الحاجب لأمور المعاد فعاينتها ﴿ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾: يدرك ما أنكرته في الدنيا ﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ ﴾: الملك الموكل عليه في الدنيا ﴿ هَـٰذَا ﴾: الكتاب لأعمالك ﴿ مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾: حاضر، فيقال للسائق والشهيد ﴿ أَلْقِيَا ﴾: أيها الملكان، أو المخاطب واحد، والتثنية لتكرير الفعل ﴿ فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴾: معاند ﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾: المال أو الإسلام ﴿ مُعْتَدٍ ﴾: ظالم ﴿ مُّرِيبٍ ﴾: شاك في دينه ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ ﴾: لما قال: رب إن الملك زاد علي في الكتابة ﴿ قَالَ قرِينُهُ ﴾: الملك ﴿ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ ﴾: ما زدت عليه فيها ﴿ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾: عن الحق والاستئناف لأنه جواب محذوف بخلاف الأول ﴿ قَالَ ﴾: الله تعالى: ﴿ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ ﴾ على لسان رسلي ﴿ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ ﴾: بتعذيبكم ودلائل عفو العصاة تخصيص لا تبديل ﴿ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ ﴾: ذو ظلم ﴿ لِّلْعَبِيدِ ﴾: بتعذيب من لا يستحق وقد مر بيانه، اذكر ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ ﴾: بأصحابك ﴿ وَتَقُولُ ﴾: جهنم ﴿ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾: تطلب الزيادة أو تستبعدها أو ليس لي مزيد ﴿ وَأُزْلِفَتِ ﴾: قربت ﴿ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾: بطي المسافة بينهما إكراماً لهم كائنة ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾: منهم بحيث يرونها، والتذكير لمعنى البستان، يقال لهم: ﴿ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ ﴾: بدل من المتقين ﴿ أَوَّابٍ ﴾: رجاع إلى الله تعالى ﴿ حَفِيظٍ ﴾: لحدوده ﴿ مَّنْ ﴾: بدل آخر ﴿ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ ﴾: في سره، أفاد بتخصيص الرحمن أنهم يخشونه مع علمهم بسعة رحمته، والخشية: الخوف إلا أنه لوحظ في الأول ضفع الخاشي، وفي الثانية عظمة المخشي والهيبة ملحوظة في تقاليب خ. ش. ي ﴿ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾: راجع إلى الله تعالى، يقال لهم: ﴿ ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ﴾: من الله تعالى أو سالمين ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ﴾: تقدير ﴿ ٱلُخُلُودِ ﴾: في النعم ﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾: على مشيئتهم.
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ ﴾: قبل قريش ﴿ مِّن قَرْنٍ ﴾: من الكفار ﴿ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً ﴾: قوة ﴿ فَنَقَّبُواْ ﴾: فتشوا ﴿ فِي ٱلْبِلاَدِ ﴾: لهم ﴿ مِن مَّحِيصٍ ﴾: مفر من الموت فلم يجدوا ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾: المذكور ﴿ لَذِكْرَىٰ ﴾: عظة ﴿ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾: عَقْل ﴿ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ ﴾: إلى النصح ﴿ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾: حاضر بالقلب ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾: كما مر أو من الاحد إلى الجمعة ﴿ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾: تعب، لا كما قال اليهود: استراح في السبت واستلقى على العرش ﴿ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾: المكذبون ﴿ وَسَبِّحْ ﴾: صل ملتبسا ﴿ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ ﴾: الصبح ﴿ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ ﴾: هو العصر ﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾: من المغربان، وقيل: الأول العصر، والثاني: التهجد، إذ قبل الإسراء كانت الثلاث فرضا ﴿ وَأَدْبَارَ ﴾: أعقاب ﴿ ٱلسُّجُودِ ﴾: الصلوات، أي: سنة الفجر أوالنوافل بعد الصلوات ﴿ وَٱسْتَمِعْ ﴾: يا محمد ما أخبرك من الأهوال ﴿ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ ﴾: إسرافيل ﴿ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾: من السماء هو صخرة بيت المقدس، يقول: أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة، هَلُمُّوا إلى الحشر لفصل القضاء ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ﴾: بالبعث أي: النفخة الثانية، وناصبُهُ، نحو: يَعْلمون عواقبهم ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ ﴾: من القبور ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ ﴾: للجَزاء ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ ﴾: تنشقُّ ﴿ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ﴾: مُسْرعين في الخروج ﴿ ذَلِكَ ﴾: الحشرُ ﴿ حَشْرٌ عَلَيْنَا ﴾: فقط ﴿ يَسِيرٌ * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾: قريش ﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾: في إيمانهم، نُسِخَت بالقتال ﴿ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾: فإنه متنفع به - [واللهُ أعْلَمُ بالصَّواب].
Icon